المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث: - شرح اختصار علوم الحديث - عبد الكريم الخضير - جـ ١٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث:

يقول: "وقد كان شيخنا الحافظ الكبير الجهبذ" يقول الحافظ ابن كثير هذا، ما لابن الصلاح فيه علاقة، ويمدح المزي، وحق له ذلك، فهو إمامٌ حافظ كبير جهبذ، ومع ذلكم .. ، هاه؟

طالب:. . . . . . . . .

ابن كثير صهره.

طالب:. . . . . . . . .

نعم، ابن كثير تزوج بنت الحافظ المزي، فلا لوم عليه ولا ضير أن يمدحه بمثل هذا الكلام، وهو أهلٌ لأن يمدح، "وقد كان شيخنا الحافظ الكبير الجهبذ أبو الحجاج المزي -تغمده الله برحمته- من أبعد الناس عن هذا المقام" من أبعد الناس عن التصحيف والتحريف، "ومن أحسن الناس أداءً للإسناد والمتن" لا غرابة ولا غرو من مثل هذا الإمام الذي تصدى لهذا العلم، وانقطع إليه، تفرغ له، لكن من مثل شيخ الإسلام يوجد مثل هذا، من أبعد الناس عن التصحيف والتصريف لا في المتون ولا في الأسانيد، مع أن علم الحديث بالنسبة لشيخ الإسلام كغيره من العلوم، الشيخ برع في التفسير أكثر من الحديث شيخ الإسلام، في العقائد عقائد الناس ومعرفة الملل والمذاهب شيء لا يخطر على البال، ويشارك أهل الحديث كأنه إمام، بل هو إمامٌ في هذا، حتى قال قائلهم:"كل حديثٍ لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث" وليس هذه مبالغة، ليس هذا من المبالغة، بل عرف هذا من مؤلفاته، كثيراً ما يكتب الكتاب من حفظه، الكتاب الكامل في قعدة يشحنه يملأه من النصوص من الأحاديث والآثار، لا تجد خطأ إلا القليل النادر، ولعله اعتمد على رواية أو نسخة لم نقف عليها، فيما وقع فيه مما يُظن أنه وهم فيه رحمه الله.

يقول: "بل لم يكن على وجه الأرض -فيما نعلم- مثله في هذا الشأن أيضاً، وكان إذا تغرب عليه أحد برواية شيء مما يذكره بعض الشراح" يعني يأتي إليه بشيء غريب يستغربه فالشيخ على خلاف المشهور عنده يقول: "هذا من التصحيف الذي لم يقف صاحبه إلا على مجرد الصحف والأخذ منها" يعني ما اعتنى بالرواية، رواية العلم من أهله، والأخذ من معدنه، فكل فنٍ يؤخذ من أهله، والله المستعان، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

‌النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث:

ص: 26

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال المؤلف -رحمه الله تعالى- ونفعنا الله بعلمه: النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث، وقد صنف فيه الشافعي فصلاً طويلاً من كتابه:(الأم) نحواً من مجلد، وكذلك ابن قتيبة له فيه مجلدٌ مفيدٌ، وفيه ما هو غث، وذلك بحسب ما عنده من العلم، والتعارض بين الحديثين قد يكون بحيث لا يمكن الجمع بينهما بوجهٍ كالناسخ والمنسوخ فيصار إلى الناسخ ويترك المنسوخ، وقد يكون بحيث يمكن الجمع، ولكن لا يظهر لبعض المجتهدين فيتوقف حتى يظهر له وجه الترجيح بنوعٍ من أقسامه، أو يهجم فيفتي بواحدٍ منهما أو يفتي بهذا في وقتٍ، وبهذا في وقتٍ، كما يفعل أحمد في الروايات عن الصحابة.

وقد كان الإمام أبو بكر بن خزيمة رحمه الله يقول: ليس ثمَّ حديثان متعارضان من كل وجه، ومن وجد شيئاً من ذلك فليأتني لأؤلف له بينهما.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 27

"النوع السادس والثلاثون" يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "معرفة مختلف الحديث" وهذا النوع نوعٌ من الأهمية بمكان؛ لأنه به يدفع التعارض بين النصوص، سواءٌ كان بين حديثٍ وحديث، أو حديثٍ مع غيره من آية ونحوها، المقصود بمختلف الحديث أن يقع، أو أن يوجد حديثان متعارضان في الظاهر، في الظاهر متعارضان، والناظر إذا كان من أهل النظر إما أن يستطيع الجمع بين هذه النصوص بوجهٍ من وجوه الجمع فيتعين عليه حينئذٍ، أو يعرف .. ، لا يستطيع الجمع لكن يعرف المتقدم من المتأخر، وهذا ما يعرف بالنسخ وقد تقدم، فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ، إن لم يعرف المتقدم من المتأخر فالترجيح، فيعمل بالراجح ويترك المرجوح، إن لم يكن هذا ولا هذا فالتوقف؛ لأنه ليس للإنسان أن يعمل بنصٍ معارض من غير ترجيح، الترجيح بين النصوص المتساوية بمجرد الهوى تحكم، لا يجوز لأحد أن يسلكه، ووجوه الترجيح بين النصوص كثيرةٌ جداً عند أهل العلم، ذكر منها الحازمي في مقدمة:(الاعتبار) نحواً من خمسين، وأوصلها الحافظ العراقي في حاشيته على ابن الصلاح إلى ما يقرب من المائة، وحصرها السيوطي في ثمانية أقسام.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "معرفة مختلف الحديث، وقد صنف فيه الشافعي فصلاً طويلاً من كتابه الأم، نحواً من مجلد" الشافعي له مختلف الحديث، أو اختلاف الحديث، وهو مطبوع مفرد ومستقل في حاشية الأم، والمؤلف يرى أنه فصل من كتاب الأم، وغيره يرى أنه كتاب مستقل، وللإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- كلام كثير في (الأم) في ثنايا الكتاب لدفع التعارض بين الأحاديث، وأما كتاب:(اختلاف الحديث) فهو ألفه استقلالاً لهذا النوع، وهو كتاب طبع مراراً.

"وكذلك ابن قتيبة له

مجلدٌ مفيد" مطبوع باسم: (مختلف الحديث) وفيه ملاحظات، وعليه استدراكات؛ لأن أوجه الجمع يدخلها شيءٌ من الاجتهاد، وفهم النصوص، والإنسان قد يوفق في فهمه، وقد لا يوفق، وقد يوفق من وجه بينما يفوته التوفيق من وجوه، ولذا تجد وجوه الجمع عند الأئمة تأخذ مسالك، وكلٌ له مسلك خاص للتوفيق بين النصوص المتعارضة.

ص: 28

وإذا أخذنا على سبيل المثال حديث: ((لا عدوى ولا طيرة)) مع حديث: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) ((ولا يوردن ممرض على مصح)) والنبي عليه الصلاة والسلام أخذ بيد المجذوم وأكل معه، متوكلاً على الله، معتمداً عليه، هذه النصوص في ظاهرها التعارض، وللأئمة مسالك وطرق، منهم من يقول: إن ((لا عدوى)) على حقيقته، العدوى منفية، ولا أثر للخلطة بين الصحيح والسقيم، لا أثر إطلاقاً، يعني مثل ما تعاشر المريض تعاشر الصحيح، لا أثر لذلك مطلقاً، إذاً كيف نؤمر بالفرار من المجذوم؟ قالوا: تفر من المجذوم لئلا يصيبك شيء ابتداءً من الله سبحانه وتعالى فتنسب ذلك إلى المخالطة فتقع في معارضة النص، ويكون هذا من باب سد الذريعة لمخالفة النص فقط، وإلا فلا عدوى أصلاً، ومنهم من يثبت العدوى يقول:((فر من المجذوم)) لأنه يعدي، إذاً كيف يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:((لا عدوى))؟ نقول: نعم ((لا عدوى)) بمعنى أن المرض لا يسري بنفسه، وليست مخالطة الصحيح للسليم تسبب انتقال المرض بذاته وبنفسه إلى السليم، لكن هناك عدوى المعاشرة والمخالطة سبب

ص: 29