المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثاني والثلاثون: معرفة غريب ألفاظ الحديث: - شرح اختصار علوم الحديث - عبد الكريم الخضير - جـ ١٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌النوع الثاني والثلاثون: معرفة غريب ألفاظ الحديث:

أما الغرابة النسبية فهي على وجوه: إما أن تكون الغرابة والتفرد في أثناء السند هذا غريب نسبي، يسمونه غريب، أو غرابة نسبية بأن يتفرد به أهل بلد، وإن رواه جماعة منهم، هذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر، وإن رواها جمعٌ من أهل مصر، لكن كلهم من أهل مصر، هذه سنة غريبة تفرد بها أهل البصرة مثلاً، قال أهل العلم هذا الكلام، وإن اشترك في روايته جماعة من أهل البصرة، أو تكون الغرابة نسبية بالنسبة للشيخ، يعني يتفرد بروايته عن فلان عن شعبة مثلاً محمد بن جعفر، وإن رواه عن غيره -عن غير شعبة- جماعة، لكنه تفرد به عن هذا الراوي عن شعبة هذا الراوي، فهذه غرابة نسبية، وكثيراً ما يقول الترمذي: هذا حديثٌ حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قد تكون الغرابة والتفرد من هذا الوجه بهذا اللفظ، وعلى هذا تحمل الغرابة في إطلاق الترمذي؛ لأنه يكون له طرق، لكن بهذا اللفظ تفرد به هذا الراوي، المقصود أن إطلاقات أهل العلم في الغرابة كثيرة، ولها محامل عندهم، أشرنا إلى بعضها.

يقول: "فالغريب ما تفرد به واحد، وقد يكون ثقةً" يعني في الأحاديث الغريبة ما هو صحيح، إذا كان راويه ثقة، كحديث:(الأعمال بالنيات) وحديث: (كلمتان خفيفتان على اللسان) .. إلى آخره، في الصحيح، وغير ذلك من غرائب الصحيح، قد يكون راويه ثقة فعلى هذا يكون الحديث صحيحاً "وقد يكون ضعيفاً" يكون الراوي ضعيفاً وحينئذٍ يكون ما تفرد به ضعيف، وقد يكون حسن، "ولكلٍ حكمه" فرواية الثقة مقبولة، ورواية الضعيف مردودة، ورواية الحسن مقبولة، إلا أنها دون رواية الثقة.

"فإن اشترك اثنان أو ثلاثة في روايته عن شيخ سمي عزيزاً" هذا جاري على اصطلاح ابن الصلاح الذي يرى أن المشهور: ما رواه فوق الثلاثة، والعزيز: ما رواه اثنان أو ثلاثة، والغريب: ما تفرد بروايته واحد فقط، ولو في بعض طبقات السند، على كل حال هذا اصطلاح، وجرى عليه أهل العلم، ولا ضير فيه -إن شاء الله تعالى-.

"فإن رواه جماعةً سمي مشهوراً كما تقدم" يعني إن زاد العدد على ثلاثة، أو ثلاثة فأكثر على القول الآخر سمي الخبر مشهوراً، نعم.

‌النوع الثاني والثلاثون: معرفة غريب ألفاظ الحديث:

ص: 14

النوع الثاني والثلاثون: معرفة غريب ألفاظ الحديث، وهو من المهمات المتعلقة بفهم الحديث والعلم والعمل به، لا بمعرفة صناعة الإسناد وما يتعلق به.

قال الحاكم: أول من صنف في ذلك النضر بن شُميل، وقال غيره: أبو عبيدة معمر بن المثنى. وأحسن شيء وضع في ذلك كتاب أبي عبيد القاسم بن سلَّام، وقد استدرك عليه ابن قتيبة أشياء، وتعقبهما الخطابي فأورد زيادات.

وقد صنف ابن الأنباري المتقدم وسُليم الرازي وغير واحد في ذلك كتباً، وأجل كتابٍ يوجد فيه مجامع ذلك كتاب:(الصحاح) للجوهري، وكتاب:(النهاية) لابن الأثير -رحمهما الله تعالى-.

النوع الثاني والثلاثون: "معرفة غريب ألفاظ الحديث" الذي تقدم غريب الحديث، ويبحث في الأسانيد، وهنا غريب الألفاظ، الغريب من ألفاظ الحديث، وهذا يبحث في المتن، وهو من أهم المهمات لمن أراد الدراية وفهم الأخبار، والاستنباط منها، وهو فنٌ على أهميته وشدة الحاجة إليه إلا أنه ينبغي لطالب العلم أن يحتاط لدينه، وأن يتحرى في ذلك، ويتوقى أشد التوقي، ولا يتكلم في معاني الأحاديث إلا بعلم؛ لأنه يزعم بكلامه من غير علم أن هذا هو مراد النبي عليه الصلاة والسلام المبلغ عن الله، وعرف عن السلف شدة الاحتياط في هذا الباب.

والإمام أحمد -رحمه الله تعالى- على ما عرف به من الورع، وشدة الاحتياط يقول في هذا الباب: إنه ينبغي أو لا يجوز لطالب الحديث أن يقول فيه برأيه كالقرآن سواءً بسواء؛ لأنه كله شرع؛ فإذا قلت: معنى هذا الحديث كذا فأنت تزعم أن الشرع قال كذا، كما أنك إذا قلت: معنى الآية كذا فأنت تزعم أن الله سبحانه وتعالى أراد بقوله كذا وكذا، وقد جاء التحذير الشديد في من فسر القرآن برأيه، فحريٌ بطال العلم التحري والتوقي، وشدة الورع في هذا الباب، ولما سئل الأصمعي عن معنى:((الجار أحق بصقبه)) على أنه يحفظ لغة العرب، قلّ أن يوجد له نظير في هذا الباب، كلام الرسول عليه الصلاة والسلام عربي، سئل عن ((الجار أحق بصقبه)) قال: أنا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن العرب تزعم أن الصقب: اللزيق، يعني الجار الملاصق.

ص: 15

كم يحفظ الأصمعي من قصيدة؟ ستة عشر ألف قصيدة، بعضها يبلغ المائتي بيت، كلها عن العرب الأقحاح ويقول هذا الكلام، وعندنا آحاد المتعلمين لا يتردد في بيان معاني الشرع، معاني النصوص من غير مستند، هذا دليلٌ على الجهل، والله المستعان، فعلينا أن نعتني بهذا الباب، وليس معنى هذا أننا نترك هذا يحثنا على إيش؟ أن نطالع في كتب الغير، ونستفيد منها، وما قاله أهل العلم في معاني كلام الرسول عليه الصلاة والسلام.

"قال الحاكم: أول من صنف في ذلك -في غريب الحديث- النضر بن شميل، وقال غيره: أبو عبيدة معمر بن مثنى" على كل حال صنف في هذا العلم جمعٌ يضمهم عصرٌ واحد، فلا يدرى أيهم السابق.

يقول: "وأحسن شيء وضع في ذلك كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام" وهو إمام، ومحله في معرفة النصوص ومعرفة الآثار، وأقوال الصحابة ومن بعدهم، ومنزله في الدين وإمامته معروفة لدى الخاص والعام، فينبغي أن يعتنى بكتابه، "وقد استدرك عليه ابن قتيبة أشياء" واستُدرك على ابن قتيبة أشياء، على كل حال هذه الكتب تنبغي العناية بها، وليس مؤلفيها من أهل العصمة لكي يقال: كيف يستدرك على فلان؟ كيف يستدرك على علان؟ لا، كلٌ قابل لأن يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي عليه الصلاة والسلام.

"فأورد زيادات، وقد صنف ابن الأنباري المتقدم، وسُليم الرازي وغير واحد" ألفت كتب كثيرة في غريب الحديث، وطبع منها مجموعة من الكتب، يستفاد أيضاً من غريب الحديث من غير كتب الحديث، من كتب اللغة يستفاد، لكن ينبغي أن نعتني ونتهم بكتب المتقدمين الذين لم يتأثروا بالمذاهب لا الكلامية ولا الفرعية؛ لأن من تأثر بالمذاهب أثر ذلك في اختياره المعنى المناسب للمقام؛ لأن كل كلمة يأتي لها معاني عن العرب، لكن ما المعنى المناسب لهذا السياق؟ المعنى المناسب للسياق لا شك أنه لا يستطيع تحديده من تخصص باللغة فقط، كما أنه لا يستطيع تحديده من تخصص بالحديث فقط، وهو لا يعرف من لغة العرب شيئاً، فلا بد لمن يتصدى لهذا الشأن أن يكون ممن جمع بين الأمرين معاً، لا بد أن يكون على قدرٍ كبير من معرفة لغة العرب، وأن يكون عارف بالحديث وطرقه ورواياته؛ لكي يختار اللفظ المناسب في السياق المناسب، أو للسياق المناسب.

ص: 16

حينما نأتي إلى لفظة في الحديث ونأتي إلى كتاب صنف في غريب كتب الفقه مثلاً (المصباح المنير)، أو (تهذيب الأسماء واللغات) مثلاًً، أو (المطلع)، أو (المغرب) للمطرزي أو غيرها من الكتب التي تعتني بغريب كتب الفقه، لا شك أنها تبين معاني الكلمات، وهي نافعة في الجملة، لكن لا شك أن لمذهب المؤلف أثر في الكتاب، ولو أتينا إلى تعريف النبيذ الوارد، ونظرنا إلى تعريفه في كتب غريب الحديث التي ألفها بعض الحنفية كالزمخشري مثلاً، يختلف اختياره عن تأليف من اعتنق مذهب الشافعي، يختلف اختياره عمن يتبع الإمام مالك، وهكذا تبعاً لاختلاف مذاهبهم الفرعية، وقل مثل ذلك في تأثير المذاهب الكلامية.

مما ينبغي أن يعتنى به كتاب تذهيب اللغة للأزهري، هذا كتاب من أهم المهمات في الباب، وليس مؤلفه بمعصوم، لكنه كتاب قديم، ومؤلفه إمام، كتب أبي عبيد أيضاً ينبغي أن يعتنى بها، وهنا ذكر:"وأجلُّ كتاب يوجد فيه مجامع ذلك كتاب: (الصحاح) للجوهري" الصحاح للجوهري كتاب قيم ونفيس، واحتذي، أُلف بعده كتب سلكت مسلكه، لكن لا يسلم من أوهام، كتاب لا يسلم من أوهام.

في حديث المواقيت مثلاً، قرن المنازل، ((ولأهل نجدٍ قرنا)) قال: هو قرن الثعالب، استُدرك عليه، قال: وينسب إليه أويس القرني واستدرك عليه، قرن: قبيلة، ليس منسوب أويس إلى هذا المكان، نعم، هو قرَني وليس بقرْني، المقصود أن هذه الكتب يستفاد منها، وأيضاً يستفاد من تعقبات هذه الكتب، وما من كتاب إلا وفيه الخير الكثير، لكن لا يسلم إلا كتاب الله، المقصود أن هذه الكتب مفيدة ومهمة ونافعة، ومما ينبغي أن يعتنى به أيضاً كتاب:(المحكم) لابن سيدة و (المخصص) له، والكتب الكبيرة مثل:(لسان العرب) أيضاً يستفاد منه، وإن كان من المتأخرين إلا أنه جمع، وأطول كتابٍ في اللغة كتاب إيش؟ (تاج العروس) يقول أهل العلم: إن فيه مائة وعشرين ألف مادة، (اللسان) على سعته فيه إيش؟ كم؟ ثمانين ألف مادة، و (القاموس) فيه ستين ألف على اختصاره، المقصود أن هذه الكتب متفاوتة فيستفاد منها.

ص: 17