المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه: - شرح اختصار علوم الحديث - عبد الكريم الخضير - جـ ١٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه:

((اللهم أعني على ذكرك وشكرك)) إلى آخره، تسلسل بعد ذلك، قال معاذ لمن روى عنه: إني أحبك فلا تدع، قال للذي روى عنه: إني أحبك فلا تدع أن تقول .. إلى آخره، قد يكون التسلسل بالأفعال، حرك النبي عليه الصلاة والسلام شفتيه، وحرك ابن عباس شفتيه، وحرك الراوي عنه شفتيه .. إلى آخره، كما كان الرسول يحركها، كما كان ابن عباس يحركهما .. إلى آخره، بعد أن حدثني تبسم، مسلسل بالتبسم، قبض لحيته مسلسل بـ .. إلى آخره، هناك أحاديث مسلسلة وفيها الكتب، لكن غالبها ضعيف.

"ثم قد يتسلسل من أوله إلى آخره، وقد ينقطع بعضه من أوله أو آخره" وهذا معروف، "وفائدة التسلسل بعده من التدليس والانقطاع" لا شك أن هذا التسلسل يدل على أن هناك ارتباط وثيق بين الراوي ومن روى عنه، فيقوي مسألة الاتصال، ويضعف احتمال الانقطاع، يقول:"ومع هذا قلما يصح حديث بطريق مسلسل" يعني من أوله إلى آخره، والله المستعان.

‌النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه:

النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه، وهذا الفن ليس من خصائص هذا الكتاب، بل هو بأصول الفقه أشبه، وقد صنف الناس في هذا كتباً كثيرة مفيدة من أجلها وأنفعها كتاب الحافظ الفقيه أبي بكر الحازمي -رحمه الله تعالى-، وقد كانت للشافعي -رحمه الله تعالى- في ذلك اليد الطولى، كما وصفه به الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-.

ثم الناسخ قد يعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقوله:((كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) ونحو ذلك، وقد يعرف ذلك بالتاريخ وعلم السيرة، وهو من أكبر العون على ذلك كما سلكه الشافعي -رحمه الله تعالى- في حديث:((أفطر الحاجم والمحجوم)) وذلك في زمن الفتح في شأن جعفر بن أبي طالب رحمه الله، وقد قتل بمؤتة قبل الفتح بأشهر، وقول ابن عباس رضي الله عنهما:"احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائمٌ محرم"، وإنما أسلم ابن عباس مع أبيه في الفتح.

فأما قول الصحابي: هذا ناسخ لهذا فلم يقبله كثيرٌ من الأصوليين؛ لأنه يرجع إلى نوعٍ من الاجتهاد، وقد يخطئ فيه، وقبلوا قوله: هذا كان قبل هذا؛ لأنه ناقلٌ، وهو ثقةٌ مقبول الرواية.

ص: 19

"النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه" وهذا أيضاً من الفنون المهمة المشتركة بين هذا العلم وعلم أصول الفقه، فلا يستغني المحدث عنه ولا فقيه ولا طالب علم شرعي، وقد مر علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قاص، وقال له: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت؛ لأنه قد يتعرض لسؤال فيسأل فيجيب بخبرٍ منسوخ، أو يفتي بحكمٍ كان أولاً قبل النسخ ثم نسخ، فعلى طالب العلم أن يعتني بأخبار الناسخ والمنسوخ منها، سواءً كان من الآيات أو من الأحاديث؛ لأن المعمول به هو الآخر، والمتقدم منسوخ رُفع حكمه.

فالنسخ في اللغة: الرفع والإزالة، وفي الاصطلاح: رفع حكم شرعي ثابت بنص، بنصٍ آخر، متراخٍ عنه، فالنسخ من خصائص النصوص، فغير النص لا يَنسخ ولا يُنسخ، من أهم الكتب في ناسخ القرآن ومنسوخه كتاب:(الناسخ والمنسوخ) لمن؟

طالب:. . . . . . . . .

لأبي عبيد، وغيره؟

نعم. . . . . . . . . النحاس وهو أشمل وأطول، في الناسخ والمنسوخ من السنة كتاب:(الاعتبار) للحازمي، كتاب نفيس جامع، كتاب:(الناسخ والمنسوخ) للجعبري، وغير ذلك من الكتب المهمة المفيدة النافعة في هذا الباب، أيضاً شراح كتب السنة يعتنون بهذا الباب عناية فائقة ويبينونه، والإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- له في ذلك اليد الطولى في معرفة المتقدم والمتأخر، كما وصفه بذلك الإمام أحمد بن حنبل.

"ثم الناسخ قد يعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم" قد يعرف من النص: ((كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) يعني كنتُ نهيتكم في المستقبل؟! في الماضي، ((فزورها)"كان آخر الأمرين -قول الصحابي- كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار"، هذا نحتج به أو لا نحتج؟ أو نقول: هذا اجتهاد؟

إذا قال الصحابي: هذا ناسخٌ لهذا، تردد العلماء في قبول مثل هذا الكلام؛ لأنه اجتهادٌ منه، لكن إذا نقل خبراً، أو أخبر عن خبرٍ من الأخبار أنه متأخر عن خبرٍ آخر، كقوله:"كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار"، هذا إخبار عن تأخر هذا الخبر عن غيره الذي فيه الوضوء من كل شيء.

ص: 20

"وقد يعرف ذلك بالتاريخ وعلم السيرة" عندنا حديث: ((أفطر الحاجم والمحجوم))، وحديث:"احتجم النبي عليه الصلاة والسلام وهو صائمٌ محرم"، الحديث الأول يرويه شداد بن أوس، وهذا يرويه ابن عباس، قرر الإمام الشافعي أن ذاك في الفتح، وهذا في حجة الوداع، ولا شك أن حجة الوداع متأخرة عن غزاة الفتح، وعلى هذا يكون على ما قرره الإمام الشافعي حديث ابن عباس ناسخ لحديث شداد بن أوس.

"

قول الصحابي هذا ناسخٌ لهذا" قال: "لم يقبله كثيرٌ من الأصوليين، لأنه يرجع إلى نوع من الاجتهاد" وقد يخطئ في الاجتهاد، لا شك أنه ليس بمعصوم، إذا كان مرده إلى رأيه واجتهاده، لكن إذا نقل خبراً لزمنا قبوله؛ لأنه ثقةٌ مقبول الرواية، والصحابة كلهم عدول، نعم.

وهذا المبحث من المباحث العظيمة التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها؛ لأنه يترتب عليها الصواب والخطأ في اعتماد النص المتقدم والمتأخر؛ لأنك تجد بين يديك نصاً صحيحاً، رواته ثقات، وقد يكون مما نص عليه في القرآن إلا أنه منسوخ كعدة الوفاة، التربص للوفاة حول، قد يقول قائل: هذه .. ، {مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [(240) سورة البقرة] قد يقول قائل: هذا في القرآن، ما المانع من العمل به؟ نقول: هذا نصٌ منسوخ.

وهذا الباب والذي عمدته الرواية كما قال الزهري: "أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ الحديث من منسوخه" لأنهم عمدتهم الرأي والاستنباط، لكنهم لا يحفظون الآثار، ولا يعرفون متقدمها من متأخرها، فهذا أعياهم وأعجزهم، ولذا تجد الكثير ممن ينحى منحى الفقهاء، ولا يعتني بحفظ النصوص يشكل عليه كثير من الأمور، فإذا سئل عن مسألة إن كانت مبنية على فهم وكان النص حاضر استطاع أن يستنبط، وإلا اضطر إلى الأقيسة والرأي، وغفل عن النصوص الصحيحة الصريحة ولعدم حفظه لها، وحينئذٍ يسلك هذا المسلك الخطير الذي يبني فيه دينه وفتواه وعلمه على الرأي في مقابلة النصوص، ومعلوم أن الرأي الذي لا يعتمد على النص لا قيمة له، والاحتمالات العقلية المجردة التي لا مستند لها من النصوص لا يعبأ بها، ولا يكترث بها.

ص: 21