الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن: علامات الترقيم
الترقيم في الكتابة هو وضع رموز اصطلاحية معينة بين الجمل أو الكلمات؛ لتحقيق أغراض تتصل بتيسير عملية الإفهام من جانب الكاتب، وعملية الفهم على القارئ، ومن هذه الأغراض تحديد مواضع الوقف، حيث ينتهي المعنى أو جزء منه، والفصل بين أجزاء الكلام، والإشارة إلى انفعال الكاتب في سياق الاستفهام، أو التعجب، وفي معارض الابتهاج، أو الاكتئاب، أو الدهشة أو نحو ذلك، وبيان ما يلجأ إليه الكاتب من تفصيل أمر عام، أو توضيح شيء مبهم، أو التمثيل لحكم مطلق؛ وكذلك بيان وجوه العلاقات بين الجمل؛ فيساعد إدراكها على فهم المعنى، وتصور الأفكار.
وكما يستخدم المتحدث في أثناء كلامه بعض الحركات اليدوية، أو يعمد إلى تغيير في قسمات وجهه، أو يلجأ إلى التنويع في نبرات صوته؛ ليضيف إلى كلامه قدرة على دقة التعبير، وصدق الدلالة، وإجادة الترجمة عما يريد بيانه للسامع، كذلك يحتاج الكاتب إلى استخدام علامات الترقيم؛ لتكون بمثابة هذه الحركات اليدوية، وتلك النبرات الصوتية، في تحقيق الغايات المرتبطة بها.
وموضوع الترقيم يتصل اتصالا وثيقا بالرسم الإملائي، فكلاهما عنصر أساسي من عناصر التعبير الكتابي الواضح السليم، وكما يختلف المعنى باختلاف صورة الهمزة مثلا في بعض الكلمات، كذلك يضطرب المعنى إذا
أسيء استعمال إحدى علامات الترقيم، بأن وضعت في غير موضعها، أو حلت محل غيرها.
فمثلا: إذا أخطأ الكاتب في كتابة كلمة: سئل، بأن كتب الهمزة على ألف سأل انعكس المعنى، وصار المسئول سائلا، وكذلك إذا كتب كلمة: يكافئ، على هذه الصورة: يكافأ، صار الكلام حديث عمن أخذ المكافأة، لا من أعطى المكافأة.
وكذلك إذا كتب: أعطى أحمد أصدقاءه نسخًا من مصور الوطن العربي، صار المعنى المفهوم أن أحمد هو الذي قدم لأصدقائه هذه النسخ، وربما كان الكاتب يريد أن هؤلاء الأصدقاء هم الذين أعطوا أحمد هذه النسخ، وهذا المعنى يتطلب أن ترسم الجملة بصورتها الصحيحة، التي تكون فيها كلمة أصدقاؤه فاعلا مرفوعًا، والهمزة المضمومة في هذا الموضع ترسم على واو، أصدقاؤه.
ويحدث هذا الاضطراب في المعنى إذا أخطأ الكاتب، ووضع علامة ترقيم بدل أخرى، فمثلا: إذا كتب الجملتين الآتيتين وبينهما فصلة: ساءت حال الأسرة بعد موت عائلها، لأنه لم يدخر شيئا، فهم القارئ أن هذه الجملة إنماهي جزء من التعبير عن معنى معين، وخفيت عليه العلاقة الحقيقية بين هاتين الجملتين، وهي أن الجملة الثانية سبب للجملة الأولى، وفي هذا الموضع تستخدم الفصلة المنقوطة، لا الفصلة، ووضع الفصلة المنقوطة يقف بالقارئ على هذه العلاقة الحقيقية حين يقرأ.
وكذلك إذا طالعنا الجملة الآتية وبعدها علامة التأثر: ما أعظم الآثار المصرية! وطلب منا ضبط آخر الكلمتين: أعظم، الآثار، أدركنا من وضع علامة التأثر، أن الجملة أسلوب تعجب؛ فنفتح آخر أعظم؛ لأنها فعل
ماضٍ للتعجب، وآخر الآثار؛ لأنها مفعول به.
أما إذا كان بعد هذه الجملة علامة الاستفهام، أدركنا أن الجملة استفهامية؛ فنرفع كلمة أعظم أفعل تفضيل خبر ما، ونجر كلمة الآثار؛ لأنها مضاف إليه، ولو حذفت علامة الترقيم من كل جملة لتحير القارئ في تصوير المعنى، وفي ضبط بعض الألفاظ.
ولأهمية علامات الترقيم حرص علماء اللغات على استخدامها، مع شيء من الاختلاف أو التقارب بين صورها، ومواضع استخدامها في مختلف اللغات.
وطلابنا يؤخذون بمعرفتها واستخدامها في كتابة اللغات الأجنبية التي يتعلمونها؛ ولهذا كان الاهتمام بتعلمها واستخدامها في لغتنا أمرا أساسيًا مطلوبا وعلامات الترقيم في الكتابة العربية يبينها الجدول الآتي:
مواضع استعمال هذه العلامات (1)
1-
الفصلة
وتسمى أيضا الفاصلة وتستعمل لفصل بعض أجزاء الكلام عن بعض،
(1) مع الاستئناس برسالة في هذا الموضوع لوزارة التربية والتعليم، مطبوعة سنة 1932.
فيقف القارئ عندها وقفة خفيفة، أما مواضع استعمالها فهي:
أ- توضع بين الجمل التي يتكون من مجموعها كلام تام في معنى معين، مثل: إمداد الريف بالنور الكهربي يحقق فوائد كثيرة: فهو يساعد على حفظ الأمن، ويرفع مستوى المعيشة في القرى، ويشجع على إنشاء المصانع الريفية، ويحدَّ من هجرة الريفيين إلى المدن.
ب- وتوضع بين أنواع الشيء وأقسامه، مثل: أنواع المادة ثلاثة: أجسام صلبة، وأجسام سائلة، وأجسام غازية، ومثل: التقديرات الجامعية هي: ممتاز، وجيد جدا، وجيد، ومقبول، وضعيف، وضعيف جدا.
جـ- وبين الكلمات المفردة المرتبطة بكلمات أخرى، تجعلها شبيهة بالجمل في طولها مثل:
كل فرد في الأمة مجند لمعركة المصير: الفلاح في حقله، والعامل في مصنعه، والطالب في معهده، والموظف في ديوانه.
د- وبعد لفظ المنادى، مثل: يا علي، حل موعد سفرك.
2-
الفصلة المنقوطة
وتوضع بين الجمل، فتشير بأن يقف القارئ عندها وقفة أطول قليلا من سكتة الفصلة، وأشهر مواضع استعمالها ثلاثة:
أ- أن توضع بين جملتين تكون ثانيتهما مسببة عن الأولى، مثل:
لقد غامر بماله كله في مشروعات لم يخطط لها، فتبدد هذا المال، ومثل:
اغتر الفريق بقوته، واعتمد على نتائجه الماضية، وتهاون في كفاح خصمه؛ ولهذا خسر المعركة.
ب- أن توضع بين جملتين تكون ثانيتهما سببًا في الأولى، مثل:
لم يحرز أخوك ما كان يطمع فيه من درجات عالية؛ لأنه لم يتأن في الإجابة، ولم يحسن فهم المطلوب من الأسئلة.
ج- أن توضع بين جمل طويلة، يتألف من مجموعها كلام تام الفائدة، فيكون الغرض من وضعها إمكان التنفس بين الجمل، وتجنب الخلط بينها بسبب تباعدها، مثل:
ليست مشكلة الامتحانات نابعة من دوائر التعليم، فيما تعالجه من تحديد مستوى الأسئلة، وما تضعه من نظام في تقدير الدرجات، وما يتلو ذلك من إعلان نسب النجاح، وتعيين الناجحين والراسبين؛ وإنما المشكلة -في نظري- تنبع وتتضخم مما تتطوع به الصحافة وغيرها، من المبالغة في رواية أخبار الامتحانات، وقصصها، وأحداثها، وآثارها في نفوس الطلاب، وأولياء الأمور.
3-
النقطة
وتسمى الوقفة وهي توضع بعد نهاية الجملة التي تمّ معناها، واستوفت كل مقوماتها، بحيث تلاحظ أن الجملة التالية تطرق معنى جديدًا، غير ما عرضته الجملة السابقة، مثل:
قال علي بن أبي طالب: أول عوض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره.
وحد الحلم ضبط النفس عند هيجان الغضب. وأسباب الحلم الباعثة على ضبط النفس كثيرة لا تعجز المرء.
4-
النقطتان
تستعملان في سياق التوضيح والتبيين، ومن مواضع استعمالها:
أ- أنهما توضعان بين لفظ القول والكلام المقول أوما يشبههما في المعنى مثل:
قيل لإياس بن معاوية: ما فيك عيب إلا كثرة الكلام، فقال: أفتسمعون صوابًا أو خطأً؟ قالوا: لا بل صوابًا، قال: فالزيادة، من الخير خير، ومثل: وهذه نصيحتي إليكم تتلخص فيما يأتي: لا تستمعوا إلى مقالة السوء، ولا تجروا وراء الإشاعات، ولتكن ألسنتكم من وراء عقولكم.
ب- وتوضعان بين الشيء وأنواعه وأقسامه، مثل: أنواع الخط الهندسي ثلاثة: مستقيم، ومنكسر، ومنحنٍ.
ج- وقبل الكلام الذي يعرض لتوضيح ما سبقه، مثل: التوعية الصحية جليلة الفوائد: ترشد الناس إلى اتباع الأساليب السليمة في التداوي، وترك الخرافات الشائعة، وتزيدهم إيمانًا بضرورة التردد على الأطباء والمستشفيات وتبصرهم بوسائل اتقاء العدوى، وتعلمهم طرق القيام بالإسعافات الممكنة.
د- وقبل الأمثلة التي تساق لتوضيح قاعدة، أو حكم، مثل: تحذف نون المثنى عند إضافته، مثل: يدا الزرافة أطول من رجليها، ومثل: في جسم الإنسان بعض المعادن: كالحديد، والفسفور، والكبريت.
5-
الشَّرْطَة
وتسمى أيضا الوصلة، وأكثر ما تستعمل في موضعين:
أ- توضع بين العدد رقمًا أو لفظا وبين المعدود، مثل:
للكلام شروط أربعة لا يسلم المتكلم من الزلل إلا بها:
أولا- أن يكون للكلام داعٍ يدعوا إليه: إما في اجتلاب نفع، وإما في دفع ضرر.
ثانيا- أن يأتي به في موضعه، ويتوخى به إصابة فرصته.
ثالثا- أن يقتصر منه على قدر الحاجة.
رابعا- أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به.
ب- وبين ركني الجملة إذا طال الركن الأول، بأن توالت فيه جمل كثيرة، عن طريق الوصف، أو العطف أو الإضافة، أو نحو ذلك، بحيث تكون هذه الجمل فاصلا بين هذا الركن والركن الثاني الذي يتم به معنى الكلمة، ويبدو ذلك في مواضع يبدو منها:
1-
الفصل بين المبتدأ والخبر، مثل:
الموظف الذي يعكف على عمله في جد ودَأَبٍ وإخلاص، زاهدًا في الشهرة والدعاية، متوخيا مصلحة العمل ومصلحة الناس، عفيف اليد واللسان، حي الضمير- هو المثل الأعلى للموظف المنشود.
2-
الفصل بين الشرط والجواب مثل:
من يقدم على مشروع يعتقد أن له فيه خيرًا، قبل أن يدرس ما يتطلبه هذا.
المشروع من إعداد الوسائل، ودراسة الملابسات، واستشارة المجربين، وتصور الوجوه المحتملة لنتائج هذا الإقدام للاستعداد لها -فليس نجاحه مضمونا، فهذه الشَّرطة التي وضعت قبل الخبر في المثال الأول هو المثل الأعلى، وقبل مثال الشرط في المثال الثاني -فليس نجاحه مضمونا- جاءت بمثابة تنبيه للقارئ على أن الكلام الذي يتلوها إنما جاء مكملا لمعنى قد بدأ التعبير عنه بذكر المبتدأ في المثال الأول -الموظف- وذكر أداة الشرط وفعله في المثال الثاني -من يقدم- ثم طال الكلام بعد المبتدأ قبل أن يذكر الخبر، وطال الكلام بعد الشرط، قبل أن يذكر الجواب، وهذه الإطالة قد تنسي القارئ الركن الأول المذكور سابقا؛ فيقف حيال الركن الثاني حائرًا منكرا؛ لأنه في ظنه مقطوع الصلة بما قبله، ولكن هذه الشرطة تنبهه على أن للكلمة التالية صلة بما قبلها، فيعود ببصره إلى ما قبلها، وحينئذ يتضح له مبدأ المعنى فيدركه مرتبطًا.
وقد فطن البلاغيون إلى مثل هذا الموقف، فذكروا أن من أقسام الإطناب التكرير لطول الفصل، وذلك مثل:
المكسب الذي يكلفني اصطناع النفاق، أو الملق، أو المداهنة، أو اغتنام ضعف الرفاق واحتياجاتهم، أو يزين لي اغتيابهم، وإطلاق الإشاعات السيئة حولهم، المكسب الذي يكلفني هذا المسلك أرفضه في عزة وإباء.
فقد بدأ المتكلم قوله بكلمة المكسب وهي مبتدأ وحين أراد ذكر الخبر، وهو جملة أرفضه لاحظ أن بين المبتدأ والخبر فاصلا من الكلام طويلا، فكرر المبتدأ إذ قال: المكسب الذي يكلفني هذا المسلك أرفضه.
وكان يمكن أن أيضا تكرار المبتدأ بالإشارة إليه، كأن يقول: هذا المكسب أرفضه، وانتفاعا بعلامة الترقيم -الشرطة- في هذا المقام، كان يمكن وضع هذه الشرطة قبيل الخبر، بدلا من تكرار المبتدأ، بذكره أو الإشارة إليه، فتفيد هذه الشرطة أن ما بعدها إنما هو مكمل للمعنى.
6-
علامة الاستفهام
توضع بعد الجملة الاستفهامية، سواء أكانت أداة الاستفهام مذكورة في الجملة، أم محذوفة، فمثال المذكورة:
أهذا كتابك؟ متى عدت من السفر؟، أين يعمل أخوك؟ أي الدول فازت بكأس العالم في مسابقة كرة القدم؟ من بطل فريقها؟
ومثال المحذوفة: تسمع الكلام المكذوب عني وتسكت؟ أي أتسمع، أو هل تسمع؟.
7-
علامة التأثر
توضع بعد الجمل التي تعبر عن الانفعالات النفسية، كالتعجب، والفرح، والحزن، والدعاء، والدهشة، والاستغاثة، ونحو ذلك، مثل:
ما أقسى ظلم القريب! يا لجمال الخضرة فوق الرُّبا! لقد أعدنا بناء قواتنا المسلحة! يتبدد في الهواء أصوات الداعين إلى السلام! رعى الله العرب، وسدد خطاهم! تحيرت في فهم الباعث على أن تقتل الأم طفلها! يا للطاعمين للجائعين! الويل للصهيونيين!
8-
علامة التنصيص
يوضع بين قوسيها المزدوجتين كل ما ينقله الكاتب من كلام غيره، ملتزمًا نصه وما فيه من علامات الترقيم، مثل: حكى عن الأحنف بن قيس أنه قال: "ما عاداني أحد قط إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال: إن كان أعلى مني عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضلت عليه".
وتكثر علامة التنصيص في البحوث والموضوعات التي يضمنها أصحابها جملا
أو فقرات مما قاله غيرهم في هذا المجال نفسه، للاستشهاد، أو الاعتزاز بها في تقرير ما يريدون من حقائق، أو لمناقشتها والرد عليها.
وكما تستعمل علامة التنصيص في النثر، تستعمل أيضا في الشعر، وذلك إذا ضمن الشاعر قصيدته بيتا أو أكثر لشاعر آخر من قصيدة أخرى، تتفق مع قصيدته في الوزن والقافية، فيوضع هذا البيت بين علامة التنصيص، دلالة على أنه لشاعر آخر.
9-
علامة الحذف
أ- عندما ينقل الكاتب جملة أو فقرة أو أكثر من كلام غيره؛ للاستشهاد بها في تقرير حكم مثلا، أو في مناقشة فكرة، قد يجد الموقف يشير بالاكتفاء ببعض هذا الكلام المنقول، والاستغناء عن بعضه، مما لا يتصل اتصالا وثيقًا بحاجة الكاتب، فيحذف ما يستغنى عنه، ويكتب بدل المحذوف علامة الحذف وهي:....، ليدل القارئ على أنه أمين في النقل،
ولم يبتر الكلام المنقول، مثل (1) :
فكرة الإحسان في الإسلام فكرة واسعة الأفق، تشمل كل خير يقدم للناس: كإعانتهم في أمورهم، أو نهيهم عن ارتكاب المعاصي، أو هدايتهم للطريق الصحيح،.....، كل هذا إحسان، بل إن معاملة الحيوان برفق، إحسان وصدقة كذلك.
ب- وأحيانا يرى هذا الكاتب أن في الكلام الذي يريد نقله جملا يقبح ذكرها، ويرى التغاضي عنها، فيحذفها ويكتب مكانها علامة الحذف، مثل:
تملكني الحزن والأسى حين سمعت هذين الرجلين يتشاتمان، ويتبادلان أنواع السباب، فيقول أحدهما:.....ويقول الآخر:......
10-
القوسان
يوضعان في وسط الكلام، ويكتب بينهما الألفاظ التي ليست من الأركان الأساسية لهذا الكلام، مثل: الجمل الاعتراضية، والتفسير، وألفاظ الاحتراس، وغير ذلك، مما يقطع توالي الأركان الأساسية في الجملة الواحدة، أو تعاقب الجملتين المرتبطتين في المعنى.
فمثال الاعتراض بالدعاء:
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقول: الشحيح أعذر من الظالم فقال: "لعن الله الشحيح، ولعن الظالم" ومثل: أتاني (أبيت اللعن) أنك لمتني.
ومثال الاعتراض بالشرط:
شبابك (إن لم تنفقه فيما يؤثل مجدك، ويرفع ذكرك) لا خير فيه.
ومثال الاعتراض بالقيد:
(1) عن كتاب "الدعوة الإسلامية دعوة عالمية" للأستاذ علي عبد الحليم.
الفقر (على مرارته) أهون على النفس من مذلة السؤال.
ومثال الاعتراض بالجملة الحالية قول الشاعر:
وكدت (ولم أخلق من الطير) إن بدا
…
لها بارق نحو الحجاز أطير
ومثال التفسير:
الذمام (بالذال) العهد، والزمام (بالزاي) ما تقاد به الدابة، ومثال: يجوز تقديم المفعول به على الفاعل، مثل: شرب الدواء المريض، فالمفعول به (الدواء) تقدم على الفاعل (المريض) .
ومثل الاحتراس قول ابن المعتز يصف فرسًا:
صببنا عليها (ظالمين) سياطنا
فطارت بها أيدٍ سراع وأرجل
تعقيب:
كثير من الكتاب يستعملون الشرطتين بدل القوسين في جميع المواضع التي سبق شرحها، وهذا الاستعمال جائز ومشهور، مثل:
المال -إن لم تحصنه بالخلق الحميد- يصير مطية الانحراف.
ملحوظة:
لا يجوز وضع علامة من علامات الترقيم في أول السطر: إلا علامة التنصيص والقوسين.
تدريبات على علامات الترقيم
نعرض فيما يلي ثلاث قطع نثرية:
الأولى: استخدمت فيها علامات الترقيم، والغرض منها أن يقف القارئ عند كل علامة، ويفكر في القاعدة التي سوغت وضعها في هذا الموضع مستعينا بما شرحناه من القواعد.
والثانية: لم تكتب فيها علامات الترقيم، ولكن وضع بدلها أرقام، وبعد القطعة ذكرت العلامات التي حلت محلها هذه الأرقام، والغرض منها أن يقف القارئ عند كل رقم، ويفكر في علامة الترقيم التي يمكن أن تحل محل هذا الرقم، طبقا للقواعد التي شرحت، ويقابل بين ما وصل إليه فكره،
وما وضحناه بعد القطعة؛ ليعرف مدى صوابه أو خطئه؛ فيزداد فهما للقواعد.
والثالثة: لم تكتب فيها علامات الترقيم، وتركت أمكنتها خالية، والغرض منها أن يستقل الطالب بالتفكير في العلامات المناسبة التي توضع في هذه الأماكن الخالية، مستعينا بالقواعد المشروحة.
القطعة الأولى
من شجاعة على بن أبي طالب:
كان له في الحرب مواقف مشهورة، يضرب بها الأمثال: فهو الشجاع الذي ما فرّ قط، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحدا إلا قتله.
ولما دعا معاوية إلى المبارزة؛ ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما، وتسريح المقاتلين، وإلقاء السلاح، والعودة إلى المجادلة باللسان في أمر الخلافة- قال له عمرو: لقد أنصفك، فقال معاوية: ما غششتني منذ نصحتني إلا
اليوم، أتأمرني بمبارزة أبي الحسن، وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق؟ أراك طمعت في إمارة الشام بعدي!
وقد شهد الغزوات كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا غزوة تبوك فقد خلفه على أهله، حين خرج لقتال الروم في جيش جرار
…
وأبلى علي في نصرة رسول الله ما لم يُبْلِه أحد.
القطعة الثانية (1)
مما هو جدير بالملاحظة أن القرن التاسع عشر1 الذي ازدهرت فيه الروح الديمقراطية2 وانتعشت فيه آمال الضعفاء والمحرومين3 واختفى كثير من معالم السلطات المستبدة الجائرة4 وتطلع كثير من الناس إلى أسلوب جديد في الحكم5 هو من أحفل العصور بالمخترعات6 والكشوف العلمية7 ألم يلاحظ أن جلائل الأعمال الحضارية8 وروائع الابتكار9 ومعجزات الصناعة10 لم تتم إلا في هذا القرن على أيدي الديمقراطيين11 الذين كان الأرستقراطيون ينعتونهم بالضعفاء والمرضى12 ولا غرابة
(1) من مقال للأستاذ علي أدهم بتصرف.
في ذلك 13 لأن كل اختراع إنما هو وليد الضرورة والحاجة14 وقد قيل15 16 الضرورة أم الاختراع17 ومن ثم تبنت الروح الديمقراطية كل اختراع وابتكار18
وقد قضت سخرية القدر19 بأن الديمقراطية هي التي توجد الاختراع20 والأرستقراطية هي التي تجني ثمره21 وتغنم فوائده 22 بعد أن يثبت على التجربة 23 ويتحقق نفعه24 وكثيرا ما كانت الأرستقراطية25 والاختراع في أطواره الأولى26 من ألد أعدائه27 وأعنف المقاومين له28 والمعارضين في ظهوره 29 خوفا على السلطة30 وحفاظا على الاستعلاء31
القطعة الثالثة
هذه المدنية الحاضرة التي تبهر مؤرخي التقدم البشري بما تم معها من انقلاب كبير في وسائل النقل والصناعة وأساليب العيش جميعا مدينة بازدهارها إلى الأرض التي نعيش عليها لأنك لو ذهبت تمتحن هذه المدنية وتردها إلى أصولها لوجدتها في قرارها عالة على بضع مواد قليلة مما يخرج من الأرض بحيث لو قدر أن تنتزع هذه المواد من الأرض لتداعى بناء المدنية الحاضرة ودكت أركانه
وهل الإنسان على حد ما يقول كاريل إلا حيوان يصنع الآلات فهو بغيرها من أضعف الكائنات حولا وأقلها خطرا وهو بها سيد الكون الذي تعنو له الكائنات وتسخر لخدمته قوى الطبيعة وتذلل أمامه كل الصعاب
ويقول بعض العلماء ليس تاريخ التقدم البشري إلا قصة جهاد الإنسان في سبيل درس مواد الأرض وتخير أصلها لصنع آلاته وأطوعها للتشكل على النحو الذي يريد وأثبتها لاحتمال ما يكلفها من جهد