الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الطَّهارة
ــ
كتابُ الطهارةِ
فائدة: الطهارةُ لها مَعْنَيان؛ مَعْنًى في اللغة، ومعنى في الاصْطِلاح، فمَعْناها في اللغة النَّظافةُ والنَّزاهةُ عن الأقذار. قال أبو البَقاء: ويكونُ ذلك في الأخلاق أيضًا. ومَعْناها في اصْطِلاح الفُقَهَاء، قيل: رَفعُ ما يَمْنَعُ الصلاةَ مِن حَدثٍ أو نَجاسةٍ بالماءِ، أو رَفْعُ حُكْمِه بالتُّراب. قاله المُصَنِّفُ، وتابعَه الشَّارِحُ وغيرُه، وليس بجامِعٍ؛ لإخْراجِه الحجَرَ وما في مَعْناه في الاسْتِجْمار، ودَلْكَ النَّعْلِ، وذَيلَ المرأةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على قَوْلٍ، فإنَّ تَقْييدَه بالماءِ والتُّرابِ يُخْرِجُ ذلك. وإخْراجِه أيضًا نجاسةً تَصِحُّ الصلاةُ معَها، فإنَّ زَوالها طَهارة، ولا تَمْنَعُ الصلاةَ، وإخْراجِه أيضًا الأغْسال المُسْتَحَبَّةَ، والتَّجْدِيدَ، والغَسْلَةَ الثَانيةَ والثَّالثةَ، وهي طهَارةٌ، ولا تَمْنَعُ الصَّلاةَ. وقوله: بالماءِ، أو رَفعُ حُكْمِه بالتُّرابِ. فيه تَعْمِيمٌ، فيَحْتاجُ إلى تَقْيِيدِهما بكَوْنِهما طَهُورَين. قال ذلك الزَّرْكشِيُّ. وأُجِيب عن الأغْسالِ المُسْتَحَبَّةِ ونحوها، بأنَّ الطَّهارةَ في الأصْلِ إنَّما هي لرَفْعِ شيءٍ، إذْ هي مَصْدَرُ طَهُر، وذلك يقْتَضِي رَفْعَ شيءٍ، وإطْلاقُ الطَّهارةِ على الوُضوءِ المُجدَّدِ والأغْسالِ المستحبَّةِ مَجازٌ؛ لمُشابَهتِه للوُضوءِ الرَّافعِ والغُسْلِ الرَّافِع في الصُّورةِ. ويُمْكِنُ أن يُقال في دَلْكِ النَّعْلِ وذَيلِ المرأةِ بأنَّ المذهبَ عَدمُ الطَّهارةِ بذلك، كما يأْتِي بَيانُ ذلك. وعلى القَوْلِ بالطَّهارةِ، إنَّما يحْصُلُ ذلك في الغالِبِ بالتُّرابِ، وإنَّ الماءَ والترابَ عندَ الإطْلاقِ إنَّما يتنَاولُ الطَّهورَ منهما عندَ الفُقَهاء، فلا حاجةَ إلى تَقْيِيدِهما به.
وقال ابنُ أبي الفَتْحِ، في «المُطْلِع»: الطهارةُ في الشَّرْعِ، ارْتِفاعُ مانِعِ الصلاةِ وما أشْبَهَه؛ من حَدَثٍ أو نَجاسةٍ، بالماءِ، وارْتِفاعُ حُكْمِه بالتُّرابِ. فأدخَلَ بقولِه: وما أشْبَهَه. تَجْدِيدَ الوُضوءِ، والأغْسال المُسْتحَبَّةَ، والغَسْلَةَ الثانيةَ والثالثةَ، ولكنْ يَرِدُ عليه غيرُ ذلك، وفيه إبْهامٌ ما.
وقال شارحُ «المُحَرَّرِ» : معنى الطهارةِ في الشَّرْعِ مُوافِقٌ للمعنَى اللُّغَويِّ، فلذلك نقولُ: الطهارةُ خُلُوُّ المَحَلِّ عمَّا هو مُسْتَقْذَرٌ شَرْعًا. وهو مُطرَّدٌ في جميع الطَّهاراتِ، مُنْعَكِسٌ في غيرِها، ثم المُسْتَقْذَرُ شَرْعًا؛ إمَّا عَينِيٌّ، ويُسَمَّى نَجاسةً، أو حُكْمِيٌّ، ويُسَمَّى حَدَثًا، فالتَّطهِيرُ إخْلاءُ المحلِّ من الأقْذارِ الشَّرعِيَّة. وبهذا يتَبَيَّنُ أنَّ حَدَّ الفقهاء للطهارةِ برَفْع ما يمْنَعُ الصلاةَ مِن حَدَثٍ أو نَجاسةٍ بالماءِ، أو إزالةِ حُكْمِه بالتُّرابِ، وهو أجْوَدُ ما قِيل عندَهم، غيرُ جَيِّدٍ؛ لأنَّ ما يَمْنَعُ الصلاةَ ليس إلَّا بالنِّسْبة إلى الإِنسانِ، لا إلى بَقِيَّة الأعيانِ. ثم الحَدُّ مُتَعَدٍّ، والمَحْدودُ لازِمٌ، فهو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
غيرُ مُطابِقٍ، والحَدُّ يجبُ أن يكونَ مُطابِقًا، لكنْ لو فُسر به التَّطْهيرُ جاز؛ فإنَّه بمَعْناه، معَ طُولِ العِبارةِ. انتهى.
وقال الْمَجْدُ، في «شَرْح الهِداية»: الطهارةُ في الشرعِ بمَعْنَيَين، أحدُهما ضِدُّ الوَصْفِ بالنَّجاسةِ، وهو خُلُوُّ المحلِّ عمَّا يمْنَعُ من اسْتِصْحَابِه في الصلاةِ في الجُمْلَةِ، ويشْتَرِكُ في ذلك البَدَنُ وغيرُه. والثاني طهارةُ الحَدَثِ، وهي اسْتِعْمالٌ مَخْصوصٌ بماءٍ أو تُرابٍ، يخْتَصُّ بالبَدنِ، مُشْتَرَطٌ لصِحَّةِ الصلاةِ في الجملةِ. وجزَم به في «مَجْمَع البَحْرَين» ، و «الْحاوي الكبيرِ» ، وقال: وهذه الطهارةُ يُتَصَوَّرُ قِيامُها مع الطهارةِ الأُولَى وضِدِّها، كبَدَنِ الْمُتَوَضِّئَ إذا أصابَتْه نَجاسةٌ أو خلَا عنها. وقَدَّمَه ابنُ عُبَيدان. وقال في «الوَجيز»: الطهارةُ اسْتِعْمالُ الطَّهورِ في مَحَلِّ التَّطْهِيرِ على الوَجْهِ المشْرُوعِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: ولا يَخْفَى أنَّ فيه زيادةً، مع أنَّه حَدٌّ للتَطْهير، لا للطَّهارةِ، فهو غيرُ مُطابِقٍ للمَحْدُودِ. انتهى. وقوله: ولا يَخْفَى أنَّ فيه زيادةً. صحيحٌ، إذْ لو قال: اسْتِعْمالُ الطَّهورِ على الوَجْهِ المشْرُوعِ. لَصَحَّ، وخَلا عن الزِّيادةِ. قال مَن شرَع في شَرْحِه، وهو صاحبُ «التَّصْحيحِ»: وفي حَدِّ المُصَنِّفِ خَلَلٌ؛ وذلك أنَّ الطَّهورَ والتَّطْهِيرَ، اللَّذَين هما مِن أجْزاءِ الرَّسْمِ، مُشْتَقَّانِ مِن الطهارةِ المرْسُومةِ، ولا يُعْرَفُ الحَدُّ إلَّا بعدَ مَعْرفَةِ مُفْرَداتِه الواقِعَةِ فيه، فيَلْزَمُ الدَّوْرُ. انتهى. وقال ابنُ رَزينٍ، في «شَرْحِه»: الطهارةُ شَرْعًا ما يَرْفَعُ مانِعَ الصلاةِ. وهو غيرُ جامِعٍ؛ لما تقدَّم. قدَّم ابنُ مُنَجَّى، في «شَرحِه» ، أنَّها في الشَّرعِ عِبارةٌ عن اسْتِعْمالِ الماءِ الطَّهورِ، أو بَدَلِه، في أشْياءَ مَخْصوصةٍ، على وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. قلتُ: وهو جامِعٌ، إلَّا أنَّ فيه إبْهامًا، وهو حَدٌّ للتَّطْهِيرِ لا للطَّهارةِ. [وقيل: الطَّهارةُ ضِدُّ النَّجاسةِ والحَدَثِ. وقيل: الطهارةُ عَدَمُ النَّجاسةِ والحَدَثِ شَرْعًا] (1). وقيل: الطهارةُ صِفَةٌ قائمةٌ بعَينٍ طاهرةٍ شَرْعًا.
(1) زيادة من: «ط» .