المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وجوب لزوم السنة - شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد

[ابن دقيق العيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌إنما الأعمال بالنيّات

- ‌بيان الإسلام والإيمان والإحسان

- ‌أركان الإسلام

- ‌الأعمال بخواتيمها

- ‌إبطال المنكرات والبدع

- ‌الحلال بيّن والحرام بيّن

- ‌الدين النصيحة

- ‌حرمة المسلم

- ‌التكليف بما يستطاع

- ‌الاقتصار على الحلال الطيب

- ‌التورع عن الشبهات

- ‌ترك ما لا يعني المسلم

- ‌كمال الإيمان

- ‌حرمة دم المسلم وأسباب إهداره

- ‌آداب إسلامية

- ‌النهي عن الغضب

- ‌الأمر بإحسان الذبح والقتل

- ‌حسن الخلق

- ‌احفظ الله يحفظك

- ‌الحياء من الإيمان

- ‌قل آمنت بالله ثم استقم

- ‌الاقتصار على الفرائض يدخل الجنة

- ‌الإسراع في الخير

- ‌تحريم الظلم

- ‌ذهب أهل الدثور بالأجور

- ‌فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم وإعانتهم

- ‌البر حسن الخلق

- ‌وجوب لزوم السنة

- ‌ما يدخل الجنة

- ‌حقوق الله تعالى

- ‌الزهد الحقيقي

- ‌لا ضرر ولا ضرار

- ‌البينة على المدعي واليمين على من أنكر

- ‌النهي عن المنكر من الإيمان

- ‌أخوة الإسلام

- ‌فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر

- ‌فضل الله تعالى ورحمته

- ‌العبادة لله وسيلة القرب والمحبة

- ‌التجاوز عن المخطئ والناسي والمكره

- ‌الدنيا وسيلة ومزرعة للآخرة

- ‌علامة الإيمان

- ‌سعة مغفرة الله تعالى

الفصل: ‌وجوب لزوم السنة

‌وجوب لزوم السنة

28 -

عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال: "أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيري اختلافاً كثيراً. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة". رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

ــ

وفي بعض طرق هذا الحديث "إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال: "لقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك". قوله: "موعظة بليغة"1: يعني بلغت إلينا وأثرت في قلوبنا. ووجلت منها القلوب: أي خافت. وذرفت منها العيون: كأنه قام مقام تخويف ووعيد.

وقوله: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة" يعنى لولاة الأمور "وإن تأمر عليكم عبد" وفي بعض الروايات "عبد حبشي". قال بعض

1 رواه الترمذي في العلم باب 16 الأخذ بالسنة واجتناب البدع رقم 2676.

ص: 96

العلماء: العبد لا يكون والياًَ ولكن ضرب به المثل على التقدير وإن لم يكن، كقوله صلى الله عليه وسلم:"من بنى لله مسجداً كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة" 1 ومفحص قطاة لا يكون مسجداً ولكن الأمثال يأتي فيها مثل ذلك. ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بفساد الأمر ووضعه في غير أهله حتى توضع الولاية في العبيد فإذا كانت فاسمعوا وأطيعوا تغليباً لأهون الضررين وهو الصبر على ولاية من لا تجوز ولايته لئلا يفضي إلى فتنة عظيمة.

وقوله: "وإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً" هذا من بعض معجزاته صلى الله عليه وسلم: أخبر أصحابه بما يكون بعده من الاختلاف وغلبة المنكر وقد كان عالما به على التفصيل ولم يكن بينه لكل أحد إنما حذر منه على العموم وقد بين ذلك لبعض الآحاد كحذيفة وأبي هريرة وهو دليل على عظم محلهما ومنزلتهما.

وقوله: "فعليكم بسنتي" السنة الطريقة القويمة التي تجرى على السنن وهو السبيل الواضح "وسنة الخلفاء الراشدين المهديين" يعني الذين شملهم الهدى وهم الأربعة بالإجماع: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهما أجمعين.

وأمر صلى الله عليه وسلم بالثبات على سنة الخلفاء الراشدين لأمرين: أحدهما: التقليد لمن عجز عن النظر.

1 رواه ابن ماجه في المساجد والجماعات باب من بنى لله مسجداً رقم 738. القطاة: نوع من الطيور. وقوله: كمحفص قطاة: هو موضعها الذي تجثم فيه وتبيض، لأنها تفحص عنه التراب، وهذا مذكورة لإفادة المبالغة، وإلا فأقل المسجد أن يكون موضعاً لصلاة واحدٍ.

ص: 97

والثاني: الترجيح لما ذهبوا إليه عند اختلاف الصحابة.

وقوله: "وإياكم ومحدثات الأمور" اعلم أن المحدث على قسمين:

محدث ليس له أصل في الشريعة فهذا باطل مذموم.

ومحدث بحمل النظير على النظير فهذا ليس بمذموم لأن لفظ "المحدث" ولفظ "البدعة " لا يذمان لمجرد الاسم بل لمعنى المخالفة للسنة والداعي إلى الضلالة ولا يذم ذلك مطلقاً فقد قال الله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} 1. وقال عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه"2 يعني التراويح.

وأما النواجذ فهي آخر الأضراس والله أعلم.

1 سورة الأنبياء: الآية 2.

2 رواه البخاري في صلاة التراويح باب فضل من قام رمضان رقم 2010. وأما قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه" فإنه يريد بها صلاة التراويح فإنه في حيز المدح، لأنه فعل من أفعال الخير، وحرص على الجماعة المندوب إليها، وإن كانت لم تكن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، فقد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما قطعها إشفاقاً من أن تُفرض على أمته، وكان عمر ممن نبّه عليها وسنّها على الدوام، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وقد قال في آخر الحديث "والتي تنامون عنها أفضل" تنبيهاً على أن صلاة آخر الليل أفضل، قال: وقد أخذ بذلك أهل مكة، فإنهم يصلون التراويح بعد أن يناموا.

ص: 98