الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ العَارِيَّةِ
ــ
كِتَابُ العارِيَّةِ
وَهِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ، تَجُوزُ فِي كُلِّ الْمَنَافِعِ إلا مَنَافِعَ الْبُضْعِ.
ــ
قوله: وهي هِبَةُ مَنْفَعَةٍ. هذا أحدُ الوَجْهَين. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «الهادِي» ، و «المَذْهَبِ الأحمدِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . وقدَّمه في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . والوَجْهُ الثَّانِي، أنَّها إباحَةُ مَنْفَعَةٍ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وصاحِبُ «الرِّعايةِ الصُّغْرَى» ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ». قال الحارِثِيُّ: وهو أمَسُّ بالمذهبِ. وقال: اخْتارَه غيرُ واحِدٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وأطْلَقهما في «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ». قال الحارِثِي: ويدْخُلُ على الأوَّلِ الوَصِيَّةُ بالمَنْفَعَةِ، وليس بإعارَةٍ. وقال: الفَرْقُ بينَ القَوْلَين، أنَّ الهِبَةَ تَمْلِيكٌ يَسْتَفِيدُ به التَّصَرُّفَ في الشَّيءِ، كما يسْتَفِيدُ فيه بعَقْدِ المُعاوَضَةِ. والإِباحَةُ؛ رَفْعُ الحَرَجِ عن تَناوُلِ ما ليس مَمْلُوكًا له. فالتَّناوُلُ مُسْتَنِدٌ إلى الإِباحَةِ، وفي الأوَّلِ مُسْتَنِدٌ إلى المِلْكِ. وقال في تَعْليلِ الوَجْهِ الثاني: فإنَّ المَنْفَعَةَ لو مُلِكَتْ بمُجَرَّدِ الإعارَةِ، لاسْتَقَلَّ المُسْتَعِيرُ بالإجارَةِ والإعارَةِ، كما في المَنْفَعَةِ المَمْلوكَةِ بعَقْدِ الإِجارَةِ.
تنبيه: قال الحارِثِيُّ: تعْريفُ المُصَنِّفِ للعارِيَّةِ بما قال، توَسُّعٌ لا يَحْسُنُ اسْتِعْمالُه في هذا المَقامِ؛ إذِ «الهِبَةُ» ، مَصْدَرٌ، والمَصادِرُ ليستْ أعْيانًا. والعارِيَّة نفْسُ العَينِ، وليستْ بمَعْنَى الفِعْلِ. قال: والأوْلَى إيرادُ التَّعْريفِ على لَفْظِ «الإِعارَةِ» ، فيُقالُ: الإِعارَةُ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ.
قوله: تَجُوزُ في كل المنَافِعِ إلا مَنافِعَ البُضْعِ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ في الجُمْلَةِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «الفُصولِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يجوزُ إعارَةُ كَلْبِ الصَّيدِ، وفَحْلِ الضِّرابِ. اخْتارَه ابنُ عَقِيل. ونسَبَه الحارِثِي إلى «التَّذْكِرَةِ» ، ولم أَرَه، فيها، في هذا البابِ. وقيل: لا يجوزُ إعارَةُ أمَةٍ شابَّةٍ لغيرِ مَحْرَمٍ، وامْرَأةٍ. جزَم به في «التَّبْصِرَةِ» ، و «الكافِي» ، و «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ». وقيل: تِجبُ العارِيَّةُ مع غِنَى المالِكِ. واخْتارَه الشَيخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
فوائد؛ الأولَى، تجِبُ إعارَةُ المُصْحَفِ لمَنِ احْتاجَ إلى القِراءَةَ فيه، ولم يَجِدْ غيرَه. نقَلَه القاضِي في «الجامِعِ الكَبِيرِ» . وخرَّجه ابنُ عَقِيلٍ في كُتُبٍ للمُحْتاجِ إليها؛ مِنَ القُضاةِ والحُكَّامِ، وأهْلِ الفَتاوَى، وأنَّ ذلك واجِبٌ. نقَلَه في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ والتِّسْعِين» . الثانيةُ، يَحْرُمُ إعارَةُ ما يَحْرُمُ اسْتِعْمالُه لمُحْرِمٍ. فهذا التَّحْرِيمُ لعارِضٍ. الثالثةُ، يُشْترَطُ فيها كَوْنُ العَينِ مُنْتَفَعًا بها، مع بَقاءِ عَينْها. واسْتَثْنَى الحارِثِي جَوازَ إعارَةِ العَنْزِ وشِبْهِها لأخْذِ لَبَنِها، للنَّصِّ الوارِدِ في ذلك، وعلَّلَه.
وَلَا تَجُوزُ إِعَارَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ. وَتُكْرَهُ إِعَارَةُ الْأَمَةِ الشَّابَّةِ لِرَجُلٍ غَيرِ مَحْرَمِهَا،
ــ
قوله: ولا تَجُوزُ إعَارَةُ العَبْدِ المُسْلِمِ لكافِر. يعْنِي، للخِدْمَةِ. قاله الحارِثِيُّ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقال في «الفُروعِ» ، في بابِ الإِجارَةِ: لا يجوز إجارَةُ مُسْلِمٍ لخِدْمَةِ ذِمِّيٍّ، على الأصحِّ، وكذا إعارَتُه. وعنه، يجوزُ. وقال في بابِ العارِيَّةِ: ويجوزُ إعَارَةُ ذِي نفْعٍ جائزٍ مُنْتَفَعٍ به مع بَقاءِ عَينِه، إلا البُضْعَ، وما حَرُمَ اسْتِعْمالُه لمُحْرِمٍ. وفي «التَّبْصِرَةِ» ، وعَبْدًا مُسْلِمًا لكافِرٍ. ويتَوَجَّهُ، كإجارَةٍ. وقيل فيه بالكَراهَةِ: وعدَمِها. انتهى. وقال في «الرِّعايةِ» : ولا يُعارُ كافِرٌ عَبْدًا مُسْلِمًا. وقلتُ: إنْ جازَ أنْ يَسْتَأْجِرَه، جازَ إعارَتُه، وإلَّا فلا. وقال الحارِثِيُّ: لا يتَخَرَّجُ هنا مِنَ الخِلافِ مِثْلُ الإجارَةِ؛ لأنَّ الإِجارَةَ مُعاوَضَةٌ، فتَدْخُلُ في جِنْسِ البِياعاتِ، وهنا بخِلافِه.
قوله: وتُكْرَهُ إعارَةُ الأَمَةِ الشَّابَّةِ لرَجُلٍ غيرِ مَحْرَمِها. هذا المذهبُ. جزَم به
وَاسْتِعَارَةُ وَالِدَيهِ لِلْخِدْمَة.
ــ
في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الفائقِ». قال في «الفُروعِ»: هذا الأشْهَرُ. وقدَّمه في «النَّظْمِ» . قال الحارِثِيُّ: قال أصحابُنا: يُكْرَهُ تَنْزِيهًا. وتقدَّم قوْلٌ -جزَم به في «التبصِرَةِ» ، و «الكافِي» ، و «الوَجيزِ» - بتَحْرِيمِه. قال ابنُ عَقِيلٍ: لا تجوزُ إعارَتُها مِنَ العُزَّابِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقال النَّاظِمُ: وأنْ يَسْتَعِيرَ المُشْتهاةَ أجْنَبِيٌّ أنْ تُخفْ خَلْوَةٌ، والحَظْرُ لمَّا أُبَعِّدِ وقال في «المُغْنِي» (1): لا تجوزُ إعارَتُها إنْ كانتْ جميلَةً، إنْ كان يَخْلُو بها أو ينْظُرُ إليها. وقال في «التَّلْخيص»: إنْ كانتْ بَرْزَةً، جازَ إعارَتُها مُطْلَقًا. قال في «البُلْغَةِ»: تُكْرَهُ إعارَةُ الجارِيَةِ مِن غيرِ مَحْرَمٍ أو امْرأةٍ، إلَّا أنْ تكونَ بَرْزَةً.
(1) انظر: المغني 7/ 346.
وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ، مَا لَمْ يَأْذَنْ فِي شَغْلِهِ بِشَيْءٍ يَسْتَضِرُّ الْمُسْتَعِيرُ بِرُجُوعِهِ.
ــ
قوله: وللمُعِيرِ الرُّجُوعُ متى شاءَ، ما لم يَأْذَنْ -أي المُعِيرُ- في شَغْلِه- بشيءٍ يَسْتَضِرُّ المُسْتَعِيرُ برُجُوعِه. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه الأصحابُ في الجُمْلَةِ. قال الحارِثِيُّ: عليه أكْثَرُ الأصحابِ. وعنه، إنْ عيَّن مُدَّةً، تعَيَّنتْ. قال الحارِثِيُّ: وهو الأقْوَى. وعنه، لا يَمْلِكُ الرُّجوعَ قبلَ انْتِفاعِه بها، مع الإِطْلاقِ. قال القاضي: قِياسُ المذهبِ يَقْتَضِيه. ذكَرَه في «التَّعْليقِ الكَبِيرِ» . قال القاضي: القَبْضُ شَرْط في لُزُومِها. وقال أيضًا: يحْصُلُ بها المِلْكُ مع عدَمِ قَبْضِها. وقال ابنُ عَقِيلٍ في «مُفْرَداتِه» ، في ضَمانِ المَبِيعِ المُتَعَيِّنِ بالعَقْدِ: المِلْكُ أبْطَأُ حُصُولًا وأكثرُ شُروطًا مِنَ الضمانِ، بإباحَةِ الطعامِ بتَقْديمِه إلى مالِكِه، وضَمانِ المَنْفَعَةِ بعارِيَّةِ العَينِ، ولا مِلْكَ، فإذا حصَلَ بالتعْيِينِ هذا الإِبطاءُ، فأوْلَى حُصُولُ الإسْراعِ، وهو الضمانُ. قال الحارِثِيُّ: وقال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمُصَنِّفُ: له الرجوعُ قبلَ الانْتِفاعِ، حتى بعدَ وَضْعِ الخَشَبِ، وقبلَ البِناءِ عليه. قال: وهو مُشْكِلٌ على المذهب جِدًّا؛ فإنَّ المالِكَ لا يَمْلِكُ الامْتِناعَ مِنَ الإِعارَةِ ابْتِداءً، فكيفَ يَمْلِكُه بعدُ؟ اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يُحْمَلَ على حالةِ ضَرَرِ المالكِ أو حاجَتِه إليه. انتهَى. قلتُ: يُتَصَوَّرُ ذلك في غيرِ ما قال، وهو حيثُ لم تَلْزَمِ الإعِارَةُ لتخَلُّفِ شَرْطٍ أو وُجودِ مانِعٍ، على ما تقدَّم.
فائدة: قال أبو الخَطَّابِ: لا يُمْلَكُ مَكِيلٌ ومَوْزُونٌ بلَفْظِ العارِيَّةِ، وإنْ سُلِّم، ويكونُ قَرْضًا، فإنه يُمْلَكُ به وبالقَبْضِ. وقال في «الانْتِصارِ»: لَفْظُ «العارِيَّةِ» في الأثْمانِ قَرْضٌ. وقال في «المُغنِي» (1): وإنِ إسْتَعارَها للنَّفَقَةِ، فَقرْضٌ. وقيل: لا يَجوزُ. ونقَل صالِحٌ: مِنْحَةُ لَبَنٍ هو العارِيَّةُ. ومِنْحَهُ وَرِقٍ، هو القَرْضُ. وذكَر الأزَجِيُّ خِلافًا في صِحَّةِ إعارَةِ دَراهِمَ ودَنانِيرَ للتَّجَمُّلِ والزِّينَةِ. وقال في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهما: وتصِح إعارَةُ النقْدَين للوَزْنِ
(1) انظر: المغني 7/ 346.
مِثْلَ أَنْ يُعيِرَهُ سَفِينَةً لِحَمْلِ مَتَاعِهِ، فَلَيسَ لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَتْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ. وَإنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلدَّفْنِ، لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يَبْلَى الْمَيتُ.
ــ
والتزْيِينِ. زادَ في «الرِّعايةِ» ، لتَزَيُّنِ امْرأَةٍ، أو مَكانٍ. وقال في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والثَّلاثِين»: لو أعارَه شيئًا وشَرَطَ عليه العِوَضَ، فهل يصِحُّ، أمْ لا؟ على وَجْهَين؛ أحدُهما، يصِحُّ، ويكونُ كِنايَةً عنِ القَرْضِ، فيُمْلَكُ بالقَبْضِ إذا كانَ مَكِيلًا أو مَوْزُونًا، ذكَرَه في «الانْتِصارِ» ، والقاضي في «خِلافِه» ، وقال أبو الخَطَّابِ في «رُءوسِ المَسائلِ» ، في مَوْضِع: يصِحُّ عندَنا شَرْطُ العِوَضِ في العارِيَّةِ. انتهى. والوَجْهُ الثَّاني، تَفْسُدُ بذلك. وجعَلَه أبو الخَطَّابِ، في مَوْضِعٍ آخَرَ، المذهبَ؛ لأنَّ العِوَضَ يُخْرِجُها عن مَوْضُوعِها.
قوله: وإنْ أعارَهُ أَرضًا للدَّفْنِ، لم يَرْجِعْ حتى يَبْلَى المَيتُ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه.
وَإنْ أعَارَهُ حَائِطًا لِيَضَع عَلَيهِ أطْرَافَ خَشَبِهِ، لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ عَلَيهِ، فَإنْ سَقَطَ عَنْهُ لِهَدْمٍ أَوْ غَيرِهِ، لَمْ يَمْلِكْ رَدَّهُ.
ــ
وقيل: حتى يَبْلَى ويَصِيرَ رَمِيمًا. وقال ابنُ الجَوْزِيِّ: يُخْرِجُ عِظامَه، ويأْخُذُ أَرْضَه.
قوله: وإنْ أَعارَهُ حائِطًا ليَضَعَ عليه أَطْرَافَ خَشَبِه، لم يَرجِعْ ما دامَ عليه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وفيه احْتِمالٌ بالرُّجوعِ ويضْمَنُ نَقْصَه.
قوله: فإِنْ سقَط عنه لهَدْمٍ أو غيرِه، لم يَمْلِكْ رَدَّه. هذا المذهبُ، سواءٌ أُعِيدَ الحائِطُ بآلَتِه الأولَى، أو بغيرِها. جزَم به في «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ
وَإنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلزَّرْعِ، لَمْ يَرْجِع إلَى الْحَصَادِ، إلا أنْ يَكُونَ مِمَّا يُحْصَدُ قَصِيلًا فَيَحْصُدَهُ. وَإنْ أَعَارَهَا لِلْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ، وَشَرَطَ
ــ
مُنَجَّى»، و «الفُروعِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَب» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايَتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم. قال الحارِثِيُّ: قاله المُصَنِّفُ، والقاضي، وابنُ عَقِيلٍ في آخَرِين مِنَ الأصحابِ. قال: وقال القاضي، والمُصَنِّفُ، في بابِ الصُّلْحَ: له إعادَتُه إلى الحائطِ. قال: وهو الصَّحيحُ اللائِقُ بالمذهبِ؛ لأن البَيتَ مُسْتَمِرٌّ، فكانَ الاسْتِحْقاقُ مُسْتَمِرًّا.
قوله: وإنْ أَعَارَه أرْضًا للزرْعِ، لم يرْجِعْ إلى الحَصادِ، إلا أنْ يكونَ مِمَّا يُحْصَدُ قَصِيلًا، فيَحْصُدَه. وقْتَ أخْذِه عُرْفًا. بلا نِزاع، ويأْتِي حُكْمُ الأُجْرَةِ مِن حينِ رُجوعِه.
قوله: وإنْ أَعارَها للغرْسِ والبِناءِ، وشَرَطَ عليه القَلْعَ في وَقْتٍ، أو عندَ رُجُوعِه، ثم رَجَعَ، لَزِمَه القَلْعُ. بلا نِزاع، مجَّانًا.
عَلَيهِ الْقَلْعَ فِي وَقْتٍ أوْ عِنْدَ رُجُوعِهِ، ثُمَّ رَجَعَ، لَزِمَهُ الْقَلْعُ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْويَةُ الْأرْضِ إلا بِشَرْطٍ.
ــ
وقوله: ولا يَلْزَمُه تَسْويَةُ الأرْضِ إلَّا بشَرْطٍ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، والحارِثِيُّ في «شَرْحِه» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يَلْزَمُه. وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» . وأطْلَقهما في «الرِّعايَةِ» . وإنْ شرَطَ على المُسْتَعيرِ القَلْعَ، وشرَطَ عليه تَسْويَةَ الأرْضِ، لَزِمَه مع القَلْعِ تَسْويَتُها. قطَع به الأصحابُ. وإنْ شرَطَ عليه القَلْعَ، ولم يشْرُطْ عليه تَسْويَةَ الأرْضِ، لم يَلْزَمْه تَسْويَتُها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قطَع به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزينٍ» ، و «الرعايةِ الصغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. قَال في
وإنْ لَمْ يَشْرُطْ عَلَيهِ الْقَلْعَ، لَمْ يَلْزَمْهُ، إلَّا أنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمُعِيرُ النَّقْصَ. فَإِنْ قَلَعَ، فَعَلَيهِ تَسْويَةُ الْأَرْضِ،
ــ
«الفُروعِ» : ولا يلْزَمُ المُسْتَعِيرَ تَسْويَةُ الحَفْرِ. قال جماعةٌ: وقيل: يَلْزَمُه والحالةُ هذه. قال في «القواعِدِ» : إنْ شرَطَ المُعِيرُ عليه قَلْعَه، لَزِمَه ذلك، وتَسْويَةُ الأرْضِ. وأطْلَقهما في «الرِّعايةِ الكُبْرَى» .
قوله: وإنْ لم يَشْرُطْ عليه القَلْعَ، لم يَلْزَمْه، إلَّا أنْ يَضْمَنَ المُعِيرُ النَّقْصَ. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعندَ الحَلْوانِي، لا يضْمَنُ النَّقْضَ.
قوله: فإنْ فعَل فعليه تَسْويَةُ الأرْضِ. يعْنِي، إذا قلَعَه المُسْتَعِيرُ، والحالةُ ما
وَإنْ أَبَى الْقَلْعَ، فَلِلْمُعِيرِ أَخْذُهُ بقِيمتِهِ،
ــ
تقَدَّم، فعليه تسويَةُ الأرْضِ. وهذا أحدُ الوُجُوهِ، واخْتارَه جماعَةٌ؛ منهم المُصَنِّفُ في «الكافِي» ، وجزَم به فيه. وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» . وهذا المذهبُ على ما اصْطَلَحْناه في الخُطْبَةِ. والوَجْهُ الثَّانِي، لا يَلْزَمُه تَسْويَةُ الأرْضِ. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. وقطَع به في «المُسْتَوْعِبِ» . وأطْلَقهما في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والسَّبْعِين» . وعندَ المُصَنِّفِ، لا يَلْزَمُه تَسْويَةُ الأرْضَ إلَّا مع الإِطْلاقِ.
قوله: فإن أَبَى القَلْعَ، فللمُعِيرِ أخْذُه بقِيمَتِه. يعْنِي، إذا أبَى المُسْتَعِيرُ القَلْعَ
فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ بِيعَا لَهُمَا، فَإِنْ أَبَيَا الْبَيعَ تُرِكَ بِحَالِهِ،
ــ
في الحالِ التي لا يُجْبَرُ فيها، فللمُعِيرِ أخْذُه بقِيمَتِه. نصَّ عليه في رِوايَةِ مُهَنَّا، وابنِ مَنْصُورٍ. وكذا نقَل عنه جَعْفَرُ بنُ محمدٍ، لكِنْ قال في رِوايَتِه: يتَمَلَّكُه بالنَّفَقَةِ. قال الحارِثِيُّ: ولا بدَّ مِن رِضَا المُسْتَعِيرِ؛ لأنَّه بَيعٌ. وهو الصَّحيحُ. فإنْ أبَى ذلك،
وَلِلْمُعِيرِ التَّصَرُّفُ فِي أرْضِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرِ، وَلِلْمُسْتَعِيرِ الدُّخُولُ لِلسَّقْيَ وَالإِصْلَاحِ وَأخْذِ الثَّمَرَةِ.
ــ
يعْنِي المُعِيرَ؛ مِن دَفْعِ القِيمَةِ، وأرْشِ النَّقْصِ، وامْتنَعَ المُسْتَعِيرُ مِنَ القَلْعِ، ودَفْعِ الأجْرِ، بِيعًا لهما، فإنْ أبَيَا البَيْعَ، تُرِكَ بحالِه. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرَى»: فإنْ أبَيَاه، بَقِيَ فيها مجَّانًا في الأصحِّ، حتى يتَّفِقا. وقلتُ: بل يَبِيعُهما الحاكِمُ. انتهى. فلو أَبَى أحدُهما، فهل يُجْبَرُ على البَيعِ مع صاحبِه؛ فيه وَجْهانِ. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» ؛ أحدُهما، يُجْبَرُ. قال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: أُجْبِرَ في أصح الوَجْهَين. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. والوَجْهُ الثَّاني، لا يُجْبَرُ. صحَّحه النَّاظِمُ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» .
وَلَمْ يَذْكُرْ أصْحَابُنَا عَلَيهِ أُجْرَةً مِن حِينِ الرُّجُوعِ، وَذَكَرُوا عَلَيهِ أُجْرَةً فِي الزَّرْعِ، وَهَذَا مِثْلُهُ، فيُخَرَّجُ فِيهِمَا وَفِي سَائِرِ الْمَسَائِل وَجْهَانِ.
ــ
فائدة: يجوزُ لكُلِّ واحدٍ منهما بَيعُ مالِه مُنْفَرِدًا لمَن شاءَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وقيل: لا يَبِيعُ المُعِيرُ لغيرِ المُسْتَعِيرِ.
قوله: ولم يَذْكُرْ أصحابُنا عليه أُجْرَةً مِن حينِ الرُّجُوعِ -يعْنِي، فيما تقدَّم مِنَ الغَرْسِ والبِناءِ- وذكَرُوا عليه أُجْرَةً في الزَّرْعِ، وهذا مثلُه؛ فيُخَرَّجُ فيهما،
وَإنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى بَعْدَ الرُّجُوعِ أَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ، فَهُوَ غَاصِبٌ، يَأْتِي حُكْمُهُ.
ــ
وفي سائرِ المَسائلِ وَجْهان. ذكَر الأصحابُ أنَّ عليه الأُجْرَةَ في الزَّرْعِ مِن حينِ الرُّجوعِ. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ؛ منهم القاضي، وأصحابُه. واخْتارَ المَجْدُ في «المُحَرَّرِ» ، أنَّه لا أُجْرَةَ له، وخرَّجَه المُصَنِّفُ هُنا وَجْهًا. قال في «القواعِدِ»: ويَشْهَدُ له ظاهِرُ كلامِ أحمدَ في رِوايَةِ صالحٍ. وصحَّحه النَّاظِمُ، والحارِثِيُّ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وأمَّا الغِراسُ، والبِناءُ، والسَّفِينَةُ إذا رجَع وهي في لُجَّةِ البَحْرِ، والأرْضُ إذأ أعارَها للدَّفْنِ، ورَجَع قبلَ أنْ يَبْلَى المَيِّتُ، والحائِطُ إذا أعارَه لوَضْعِ أطْرافِ الخَشَبِ عليه، ورَجَع، ونحوُ ذلك؛ فلم يذْكُرِ الأصحابُ أنَّ عليه أُجْرَةً مِن حينِ الرُّجوعِ. وخرَّج المُصَنِّفُ في ذلك كلِّه مِنَ الأُجْرَةِ في الزَّرْعِ وَجْهَين؛ وَجْهٌ بعدَمِ الأُجْرَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو ظاهرُ كلامِ الأصحابِ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، ومال الحَارِثِيُّ إلى عدَمِ التخْرِيجِ، وأبْدَى فرْقًا. ووَجْهٌ بوُجُوبِها؛ قِياسًا على ما ذكَرَه في «الفُروعِ» . وأطْلَقَ هذَين الوَجْهَين في «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وخرَّجه بعضُهم في الغِراسِ والبِناءِ، لا غيرُ. وخرَّجه بعضُهم في الجميعِ. أعْنِي وُجوبَ الأُجْرَةِ في الجميعِ. وجزَم في «المُحَرَّرِ» ، أنَّه لا أُجْرَةَ بعدَ رُجوعِه، في مسْأَلةِ إعارَةِ. الأرْضِ للدَّفْنِ، والحائطِ لوَضْعِ الخَشَبِ، والسَّفِينَةِ. وجزَم في «التَّبْصِرَةِ» بوُجوبِ الأُجْرَةِ في مَسْألَةِ السَّفِينَةِ. واختاره أبو محمدٍ يُوسُفُ الجَوْزِيُّ، فيما سِوَى الأرضَ للدَّفْنَ.
وَإِنْ حَمَلَ السَّيلُ بَذْرًا إلَى أرْضٍ فَنَبَتَ فِيهَا فَهُوَ لِصَاحِبِهِ، مُبَقّى إِلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ. وَقَال الْقَاضِي: لَا أُجْرَةَ لَهُ. وَيَحْتَمِلُ
ــ
قوله: وإِنْ حمَل السَّيْلُ بَذْرًا إلى أرْضٍ، فنَبَت فيها، فهو لصاحِبِه مُبَقًّى إلى الحَصَادِ بأُجْرَةِ مِثْلِه. وهو المذهبُ. قال في «الرِّعايَتين» ، و «الفُروعِ»: فلصاحِبِ الأرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِه، في الأصحِّ. وصحَّحه في «النَّظْمِ» ، والحارِثِيُّ. وجزم به في «الوَجيزِ». ونصَّ عليه. قال في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ والسَّبْعِين»: لو
أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أخْذَهُ بِقِيمَتِهِ.
ــ
حمَل السَّيلُ بَذْرَ إنْسانٍ إلى أرْضِ غيرِه، فنَبَتَ فيها، فهل يَلْحَقُ بزَرْعِ الغاصِبِ، أو بزَرْعِ المُسْتَعِيرِ، أو المُسْتَأْجِرِ مِن بعدِ انْقِضاءِ المُدَّةِ؛ على وَجْهَين؛ أشْهَرُهما، أنَّه كزَرْعِ المُسْتَعِيرِ. وهو اخْتيارُ القاضي، وابنِه أبِي الحُسَينِ، وابنِ عَقِيل. وذكَرَه أبو الخَطَّابِ، عن أحمدَ. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «التَّلْخيصِ» . فعلى هذا، قال القاضي: لا أُجْرَةَ له. واخْتارَه ابنُ عَقِيل أيضًا. ذكَرَه في «القواعِدِ» . وقيل: له الأُجْرَةُ. وذكَرَه أبو الخَطَّابِ أيضًا، عن أحمدَ، وأطْلَقهما في «القواعِدِ» .
قوله: ويَحْتَمِلُ أنَّ لصاحِبِ الأرْضِ أخْذَه بقِيمَتِه. قال في «الهِدايَةِ» ، ومَن
وَإنْ حَمَلَ غَرْسَ رَجُلٍ، فَنَبَتَ فِي أَرْضِ غَيرِهِ، فَهَلْ يَكُونُ كَغَرْسِ الشَّفِيعِ، أوْ كَغَرْسِ الْغَاصِبِ؟ عَلَى وَجْهَينِ.
ــ
تابعَه: وقيل: هو لصاحبِ الأرْضِ، وعليه قِيمَةُ البَذْرِ. وزادَ في «الرِّعايتَين» ، وقيل: بل بقِيمَتِه إذَنْ. زادَ في «الكُبْرَى» ، ويَحْتَمِلُ أنَّه كزَرْعِ غاصِبٍ. وتقدَّم كلامُ صاحبِ «القواعِدِ». وتقدَّم في آخِرِ المُساقاةِ: إذا نبَتَ السَّاقِطُ مِنَ الحَصادِ في عامٍ قابِلٍ، أنَّه يكونُ لرَبِّ الأرْضِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.
قوله: وإنْ حمَل غَرْسَ رَجُلٍ، فنَبَت في أرْضِ غيرِه، فهل يكونُ كغَرْسِ الشَّفِيعِ، أو كغَرْسِ الغَاصِبِ؛ على وَجْهَين. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ؛ أحدُهما، يكونُ كغَرْسِ الشَّفيعِ، على ما يأْتِي في بابِه. وهو المذهبُ. قال الناظِمُ: هذا الأَقْوَى. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الحاوي الصغِيرِ» . والوَجْهُ الثانِي، هو كغرْسِ الغاصِبِ، على ما يأْتِي في بابِه. جزَم به في «الوَجبزِ». وقال في «الرعايةِ الكُبْرَى»: قلتُ: بل كغَرْسِ مُشْتَرِي شِقْصٍ له شُفْعَة، وعلى كل حالٍ يَلْزَمُ صاحِبَ الغرْسِ تَسْويَةُ الحَفْرِ.
تنبيه: قوْلُه: فهل يكونُ كغَرْسِ الشَّفيعِ؟ فيه تَساهُل، وإنَّما يُقالُ: فهل هو كغرْسِ المُشْتَرِي الشَّقْصَ الذي يأْخُذُه الشَّفيعُ؟ ولهذا قال الحارِثِيُّ: وهو سَهْوٌ وقَع في الكِتابِ. انتهى. مع أن المُصَنِّفَ تابَعَه جماعَةٌ؛ فهم صاحِبُ «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» .
فوائد؛ الأُولَى، وكذا حُكْمُ النَّوَى، والجَوْزِ واللَّوْزِ، إذا حمَلَه السَّيلُ فنبَتَ. الثَّانيةُ، لو ترَكَ صاحِبُ الزَّرْعِ أو الشَّجَرِ لصاحِبِ الأرْضِ الذي انْتقَلَ إليه مِن ذلك، لم يَلْزَمْه نقْلُه ولا أُجْرَةٌ، ولا غيرُ ذلك. الثالثةُ، لو حمَلَ السَّيلُ أرْضًا بشَجَرِها، فنَبَتَتْ في أرْضٍ أُخْرَى كما كانتْ، فهي لمالِكِها، يُجْبَرُ على إزالتِها. ذكَرَه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» .
فَصْلٌ: وَحُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ.
ــ
فائدة: قوْلُه: وحُكْمُ المُسْتَعِيرِ في اسْتِيفاءِ المَنْفَعَةِ حُكْمُ المُسْتَأْجِرِ. يعْنِي،
وَالْعَارِيَّةُ مَضْمُونَةٌ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ، وَإنْ شُرِطَ نَفْيُ ضَمَانِهَا.
ــ
أنَّه كالمُسْتَأْجِرِ في اسْتِيفاءِ المَنْفعَةِ بنَفْسِه، وبمَن قامَ مَقامَه، وفي اسْتِيفائِها بعَينِها، وما دُونَها في الضَّرَرِ مِن نَوْعِها، إلا أنَّهما يخْتَلِفان في شَيئَين؛ أحدُهما، لا يَمْلِكُ الإِعارَةَ ولا الإِجارَةَ، على ما يأْتِي. الثاني، الإِعارَةُ لا يُشْترَطُ لها تَعْيِينُ نَوْعِ الانْتِفاعِ، فلو أعارَه مُطْلَقًا، مَلَكَ الانْتِفاعَ بالمَعْرُوفِ في كل ما هو مُهَيَّأٌ له، كالأرْضِ مَثَلًا. هذا الصَّحيحُ، وفيه وَجْهٌ، أنَّها كالإِجارَةِ في هذا. ذكَرَه في «التَّلْخيصِ» وغيرِه. ذكَر ذلك الحارِثِيُّ وغيرُه.
قوله: والعارِيَّةُ مَضمُونَةٌ بقيِمَتِها يَوْمَ التَّلَفِ، وإنْ شُرِطَ نَفْيُ ضَمانِها. هذا المذهبُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نص عليه بلا رَيْبٍ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال الحارِثِيُّ: نَصُّ أحمدَ على ضَمانِ العارِيَّةِ، وإنْ لم يَتَعَدَّ فيها، كثيرٌ مُتَكَرِّرٌ جِدًّا مِن جَماعاتٍ. وقَفَ على رِوايَةِ اثْنَين وعِشْرِين رَجُلًا،. وذكَرَها. قال في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» : وقاسَ جماعَةٌ هذه المَسْأَلَةَ على المَقْبوضِ على وَجْهِ السَّوْمِ، فدَلَّ على رِوايَةٍ مُخَرَّجَةٍ، وهو مُتَّجِهٌ. انتهى. وذكَر الحارِثِيُّ خِلافًا، لا يضْمَنُ، وذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ عن بعضِ الأصحابِ، واخْتارَه ابنُ القَيِّمِ في «الهَدْي» .
وَكُلُّ مَا كَانَ أمَانَةً لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ، وَمَا كَانَ مَضْمُونًا
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لَا يَنْتَفِي ضَمَانُهُ بِشَرْطِهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَال: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ. فَيَدُلُّ عَلَى نَفْي الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ. وَإنْ تَلِفَتْ أَجْزَاؤهَا بِالاسْتِعْمَالِ؛ كخَمْلِ الْمِنْشَفَةِ، فَعَلَى وَجْهَينَ.
ــ
قوله: وعن أحمدَ، أنَّه ذُكِرَ له ذلك، فقال: المُسْلِمُون على شُرُوطِهم. فيَدُلُّ على نَفْي الضمانِ بشرْطِه. فهذه رِوايَةٌ بالضَّمانِ، إنْ لم يُشْرَطْ نَفيُه. وجزَم بها في «التبصِرَةِ» . وعنه، يضْمَنُ إنْ شرَطَه، وإلَّا فلا. اخْتارَه أبو حَفْصٍ العُكْبَرِيُّ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وصاحِبُ «الفائقِ» .
وقوله: وكلُّ ما كانَ أَمانَةً لا يَصِيرُ مَضْمُونًا بشَرْطِه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم: هذا ظاهرُ المذهبِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه: المُسْلِمُونَ علَى شُرُوطِهِم. كما تقدَّم.
فائدة: لا يضْمَنُ الوَقْفَ إذا اسْتَعارَه وتَلِفَ بغيرِ تَفْريطٍ، ككُتُبِ العلْمِ وغيرِها، في ظاهرِ كلامِ الإِمامِ أحمدَ والأصحابِ. قاله في «الفُروعِ» . وعلى هذا لو اسْتَعارَه برَهْنٍ، ثم تَلِفَ، أنَّ الرَّهْنَ يرْجِعُ إلى رَبِّه. قلتُ: فيُعايىَ بها فيهما.
قوله: وإنْ تَلِفَتْ أَجْزاؤها بالاسْتِعْمَالِ، كخَمْلِ المِنْشَفَةِ، فعلى وَجْهَين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصْلُهما احتِمالان للقاضي في «المُجَرَّدِ» . وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرعايةِ الكُبْرى» ؛ أحدُهما، لا يضْمَنُ، إذا كان اسْتِعْمالُها بالمَعْروفِ. وهو الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: لم يضْمَنْ في الأصحِّ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «المُذْهبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحارِثِيِّ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «تجْريدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهم. وقطَع به في «التَّعْليقِ» ، و «المُحَرَّرِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يضْمَنُ. وكلامُه في «الوَجيزِ» مُحْتَمِلْ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» .
فائدتان؛ إحْداهما، لو تَلِفَتْ كلُّها بالاسْتِعْمالِ بالمَعْروفِ، فحُكْمُها كذلك، وكذا الحُكْمُ والمذهبُ لو تَلِفَ وَلَدُ العارِيَّةِ، أو الزِّيادَةُ. وفي ضَمانِ وَلَدِ المُؤجَرَةِ والوَدِيَعةِ، الوَجْهان. وتقدَّم في أثْناءِ بابِ الضَّمانِ، في أواخِرِ المَقْبوضِ على وَجْهِ السِّوْمِ، حُكْمُ وَلَدِ الجَانِيَةِ، والضَّامِنَةِ، والشَّاهِدَةِ، والمُوصَى بها. ويأْتِي حُكْمُ
وَلَيسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أنْ يُعِيرَ،
ــ
وَلَدِ المُكاتَبَةِ، والمُدَبرَةِ في بابَيهما. الثَّانيةُ، يُقْبَلُ قَوْلُ المُسْتَعِيرِ أنَّه ما تعَدَّى، بلا نِزاع. ولا يَضْمَنُ رائِضٌ ووَكِيلٌ؛ لأنَّه غيرُ مُسْتَعِير.
قوله: وليس للمُسْتَعِيرِ أنْ يُعِيرَ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصحابِ. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، ونَصَرَه. وصحَّحه في «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال الحارِثِيُّ: هذا المَشْهورُ في المذهبِ. وحكاه جمهورُ الأصحابِ. انتهى. وقيل: له ذلك. قال الشَّارِحُ: وحكَاه صاحِبُ «المُحَرَّرِ» قَوْلًا لأحمدَ. وأطْلقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ» ، وقال: أصْلُهما، هل هي هِبَةُ مَنْفَعَةٍ، أم إباحَةُ مَنْفَعَةٍ؟ فيه وَجْهان. وكذا هو ظاهِرُ بَحْثِ المُصَنِّفِ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». قال الحارثِيُّ: أصْلُ هذا ما قدَّمْنا مِن أنَّ الإِعارَةَ إباحَةُ مَنْفَعَةٍ. وقال عنِ الوَجْهِ الثَّانِي: يتَفَرَّعُ على رِوايَةِ اللُّزومِ في العارِيَّةِ المُؤقتَةِ. انتهى. قلتُ: قطَع في «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ والثمانِين» بجَوازِ إعارَةِ العَينِ المُعارَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُؤقتَةِ إذا قيلَ بلُزُومِها، ومِلْكِ المَنْفَعةِ فيها. انتهى. قلتُ: وظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، وصاحِبِ «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم، أنَّ الخِلافَ هنا ليس مَبْنِيًّا، فإنَّهم قالوا: هي هِبَةُ مَنْفَعَةٍ. وقالوا: ليس للمُسْتَعِيرِ أنْ يُعِيرَ. قال في «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ عليهما تَعْلِيقُها بشَرْطٍ. وذكَر في «المُنْتَخَبِ» ، أنَّه يصِحُّ. قال في «التَّرْغِيبِ»: يكْفِي ما دَلَّ على الرِّضَا مِن قَوْلٍ أو فِعْلٍ، فلو سَمِعَ مَن يقولُ: أرَدْتُ مَن يُعِيرُنِي كذا. فأعْطاه، كَفَى، لأنَّه إباحَةُ عَقْدٍ. انتهى. وقيل: له أنْ يُعِيرَها، إذا وَقَّتَ له المُعِيرُ وَقْتًا، وإلَّا فلا.
فائدتان، إحْداهما، محَلُّ الخِلافِ إذا لم يَأْذَنِ المُعِيرُ له، فأمَّا إنْ أذِنَ له، فإنَّه يجوزُ، قوْلًا واحِدًا. وهو واضِحٌ. الثَّانيةُ، ليس للمُسْتَعِيرِ أنْ يُؤْجِرَ ما اسْتَعارَه بغيرِ إذْنِ المُعِيرِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقيل: له ذلك في الإِعارَةِ المُؤقَتَةِ. ومتى قُلْنا بصِحَّتِها، فإنَّ المُسْتَأْجِرَ لا يَضْمَنُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يَضْمَنُ. قلتُ: فيُعايَى بها. وتقدَّم عكْسُها في الإِجارَةِ، عندَ قوْلِه: وللمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفاءُ المَنْفَعةِ بنَفْسِه وبمِثْلِه. وهو لو أعارَ المُسْتَأجِرُ العَينَ المأْجُورَةَ، فَتلِفَتْ عندَ المُسْتَعِيرِ مِن غيرِ تَعَدٍّ، هل يضْمَنُها؟ وتقدَّم في بابِ الرَّهْنِ جَوازُ رَهْنِ المُعارِ، وأحْكامُه، فليُعاوَدْ. وتقدَّم حُكْمُ سَهْمِ الفَرَسِ المُسْتَعارِ، في كلامِ المُصَنِّفِ، في بابِ قِسْمَةِ الغَنائمِ.
فَإِنْ فَعَلَ فَتَلِفَ عِنْدَ الثَّانِي، فَلَهُ تَضْمِينُ أيِّهِمَا شَاءَ، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي.
ــ
فوائد؛ منها، لو قال إنْسانٌ: لا أرْكَبُ الدَابَّةَ إلا بأجْرَةً. فقال رَبُّها: ألا آخُذُ لها أُجْرَةً. ولا عَقْدَ بينَهما، فرَكِبَها وتَلِفَتْ، فحُكْمُها حُكم العارِيَّةِ. جزَم به في «الفُروعِ» ، و «الرعايَةِ الكُبْرَى» ، وقال: قلتُ: إن قَدَّرَ إجارَتَها، فهي إجارَةٌ مُهْدَرَةٌ، وإلَّا فلا. ومنها، لو أرْكَبَ دابَّته مُنْقَطِعًا للهِ تعالى، فتَلِفَت تحتَه، لم يضْمَنْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «التَّلْخيص» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الرعايَةِ الصُّغْرَى» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يضمَنُ. ومنها، لو أرْدَفَ المالِكُ شَخْصًا، فتَلِفَتْ، لم يضْمَنْ شيئًا. على الصَّحيحِ مِنَ الذهبِ. وقيل: يضمَنُ نصْفَ القِيمَةِ. ومال إليه الحارِثِيُّ.
وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ، لَا مُؤْنَةُ عَينِهَا.
ــ
قوله: وعلى المُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ رَدِّ العارِيَّةِ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَعُوا به؛ منهم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والحَلْوانِيُّ في «التبصِرَةِ» ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الوَجيزِ» ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، وغيرُهم. وقيل: مُؤْنَةُ ردِّها على المالِكِ. ذكَرَه في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والثَّلاثين» .
فَإنْ رَدَّ الدَّابَّةَ إِلَى إِصْطَبْلِ الْمَالِكِ أَوْ غُلَامِهِ، لَمْ يَبْرأْ مِنَ الضَّمَانِ، إِلَّا أنْ يَرُدَّهَا إِلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ، كالسَّائِس وَنَحْوهِ.
ــ
قوله: فإنْ رَدَّ الدَّابَّةَ إلى إصْطَبْلِ المالِكِ أو غُلامِه، لم يَبْرَأْ مِنَ الضَّمانِ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، إلَّا أنَّ صاحِبَ «الرِّعايتَين» اخْتارَ عدَمَ الضَّمانِ برَدِّها إلى غُلامِه.
قوله: إلَّا أنْ يَرُدَّها إلى مَن جَرَتْ عادَتُه بجَرَيانِ ذلك على يَدِه، كالسَّائسِ، ونحْوه. كزَوْجَتِه، والخازِنِ، والوَكِيلِ العامِّ في قَبْضِ حُقوتِه. قاله في «المُجَرَّدِ» . وهذا المذهبُ. أعْنِي، أنَّه لا يضْمَنُ، إذا ردَّها إلى مَن جرَتْ عادَتُه بجَرَيانِ ذلك على يَدِه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وعندَ الحَلْوانِي، لا يَبْرأ بدَفْعِها إلى السَّائسِ. فظاهِرُ ما قدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، أنَّه لا يَبْرأُ إلَّا بدَفْعِها إلى رَبِّها، أو وَكِيله فقط، ويأْتِي نَظيرُ ذلك في الوَدِيعَةِ.
فَصْلٌ: وَإذَا اخْتَلَفَا، فَقَال: أَجَرْتُكَ. قَال: بَلْ أعَرْتَنِي عَقِيبَ الْعَقْدِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ.
ــ
فائدة: لو سلَّم شَرِيكٌ لشَرِيكِه الدَّابةَ، فتَلِفَتْ بلا تَفْريطٍ ولا تَعَدٍّ، بأنْ ساقَها فرقَ العادَةِ، ونحوه، لم يضْمَنْ. قاله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال في «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ، كعارِيَّةٍ، إنْ كان عارِيَّةً، وإلَّا لم يَضْمَنْ. قلتُ؛ قال القاضي في «المُجَرَّدِ»: يُعْتَبرُ لقَبْضٍ المُشاعِ إذْنُ الشَّرِيكِ فيه، فيكونُ نِصْفُه مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا، ونِصْفُ الشَّرِيكِ أمانَة. وقال في «الفُنونِ»: بل عارِيَّةً مَضْمُونَةً. ويأْتِي ذلك في قَبْضِ الهِبَةِ.
قوله: وإذا اخْتَلَفا، فقال: أجَرْتُك. قال: بل أعَرْتَنِي -أي، إذا كانَ
وَإنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِيمَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ دُونَ مَا بَقِيَ مِنْهَا،
ــ
الاخْتِلافُ- عَقِيبَ العَقْدِ، فالقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ. بلا نِزاعٍ، والحالةُ هذه، فلا يَغْرَمُ القِيمَةَ.
وإن كانَ بعدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ، فالقَوْلُ قَوْلُ المالِكِ فيما مَضَى مِنَ المُدَّةِ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: وبعدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ، يُقْبَلُ قَوْلُ المالِكِ في الأصحِّ، في ماضِيها. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» . و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقيل: القَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ في «تَذْكِرَتِه» . قال في «المُسْتَوْعِبِ» : وهو مَحْمولٌ على ما إذا اخْتلَفا عَقِبَ قَبْضِ العَينِ، وقبلَ انْتِفاعِ القابِضِ. يعْنِي المَسْألةَ الأُولَى. قال في «التَّلْخيصِ»: وعنْدِي أنَّ كلامَه على ظاهِرِه. وعلَّلَه. فعلى المذهبِ، يَحْلِفُ علي نَفْي الإعارَةِ. وهل يتَعرضُ لإِثْباتِ الإجارَةِ؟ قال الحارِثِيُّ: ظاهِرُ كلام المُصَنِّفِ والأكْثَرِين، التَّعَرضُ. وقال في «التَلْخيصِ»: لا يتَعرَّضُ لإِثْباتِ الإِجارَةِ، ولا للأُجْرَةِ المُسَمَّاةِ. وقطَع به. قال الحارِثِيُّ: وهو الحَقُّ. فعلى هذا الوَجْهِ، يجِبُ أقَلُّ الأجْرَين مِنَ المُسَمَى، أو أُجْرَةِ المثْلِ. جزَم به في «التَّلْخيصَ» .
وَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، أو الْمُدَّعَى إِنْ زَادَ عَلَيهَا؟ عَلَى وَجْهَينِ.
ــ
قوله: وهل يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ المِثْلِ أو المُدَّعَى إنْ زادَ عليها؟ على وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «المُحَررِ» ؛ أحدُهما، له أجْرَةُ المِثْلِ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. صحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ،
وَإنْ قَال: أَعَرْتُكَ، قَال: بَلْ أجَرْتَنِي، وَالْبَهِيمَةُ تَالِفَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ.
ــ
وصاحِبُ «التَّصْحيحِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» ، و «النظْمِ» ، وغيرُهم. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّانِي، يَسْتَحِقُّ المُدَّعَى، إنْ زادَ على أُجْرَةِ المِثْلِ. وقيل: له الأقَلَّ مِنَ المُسَمَّى، أو أُجْرَةِ المِثْلِ. اخْتارَه في «المُحَررِ» ، وأطْلَقهُنَّ الحارِثِيُّ. وقيل: يَسْتَحِقُّ المُسَمَّى مُطلَقًا.
فائدتان؛ إحْداهما، وكذا الحُكْمُ لو ادَّعَى بعدَ زَرْعِ الأرْضِ أنَّها عارِيَّة، وقال رَبُّ الأرْضِ: بل إجارَةٌ. ذكَرَه الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ. قلتُ: وكذا جميعُ ما يصْلُحُ للإجارَةِ والإعارَةِ، إذا اخْتلَفا بعدَ مُضِي مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ. الثَّانيةُ، قولُه: وإنْ قال: أعرْتُك. قال: بل أجرْتَنِي. والبَهِيمَةُ تالِفَةٌ، فالقَوْلُ قَوْلُ المَالِكِ. بلا نِزاع. وكذا مثلُها في الحُكْمِ لو قال: أعَرْتَنِي. قال: بل أوْدَعْتُك. فالقَوْلُ قَولُ المالِكِ، ويَضمَنُ ما انْتفَعَ منها، وكذا لو اخْتلَفا في رَدِّها، فالقَوْلُ قولُ المالِكِ.
وَإِنْ قَال: أَعَرْتَنِي. أوْ: أَجَرْتَنِي. قَال: بَلْ غَصَبْتَنِي. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ. وَقِيلَ: قَوْلُ الْغَاصِبِ.
ــ
قوله: وإنْ قال: أعَرْتَنِي. أو: أجَرْتَنِي. قال: بل غَصَبْتَنِي. فالقَوْلُ قَوْلُ المالِكِ. القَوْلُ قَوْلُ المالِكِ، في أنَّه ما أجَرَه ولا أعارَه، بلا نِزاع، ثم هُنا صُورَتان؛ إحْداهما، أنْ يقولَ: أعرْتَنِي. فيَقولَ المالِكُ: بل غَصَبْتَنِي. فإنْ وقَع الاخْتِلافُ عَقِيبَ العَقْدِ، والدَّابَّةُ باقِيَةٌ، أخَذَها المالِكُ، ولا معْنَى للاخْتِلافِ، وكذا إنْ كانتْ تالِفَةً. قاله المُصَنِّفُ وغيرُه. قَال الحارِثِيُّ: ويَحْلِفُ، على أصحِّ الوَجْهَين. وإنْ وقَع بعدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ، فيَجِبُ عليه أُجْرَةُ المِثْلِ؛ لأنَّ القَوْلَ قَوْلُ المالِكِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وصحَّحُوه. وقيل: القَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ. وأطْلَقهما في «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» . الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ، قال: أجَرْتَنِي. قال: بل غَصَبْتَنِي. فالقَوْلُ قولُ المالِكِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم، وصحَّحُوه. وقيل: القَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيهان؛ أحدُهما، ثَمرَةُ الخِلافِ تَظْهَرُ في هذه الصُّورَةِ مع التَّلَفِ، فتَجِبُ القِيمَةُ، على المذهبِ. وعلى الثَّاني، لا شيءَ على الرَّاكِبِ، ويَحْلِفُ ويَبْرأُ. ومِع عدَمِ التَّلَفِ يرْجِعُ بالعَينِ في الحالِ مع اليَمِينِ، بلا نِزاعِ، ولا يَأْتِي الوَجْهُ الآخرُ هنا. قاله الحارِثِيُّ. وأمَّا الأُجْرَةُ، فمُتَّفِقان عليها، اللَّهُم إلَّا أنْ يتَفاوَتَ المُسَمَّى وأُجْرَةُ المِثْلِ، فإنْ كانَ أجْرُ المِثْلِ أقَل، أخَذَه المالِكُ، وكذلك لو اسْتَويَا، ويَحْلِفُ. على الصَّحيحِ، وإنْ كانَ الأَجرُ أكْثرَ، حَلَفَ ولابُدَّ، وَجْهًا واحِدًا. قاله الحارِثِيُّ. الثَّاني، قولُه: وقيلَ: القَوْلُ قَوْلُ الغاصِبِ. فيه تَجوُّزٌ. قال الحارِثِيُّ: وليس بالحَسَنِ، وكان الأَجْوَدُ أنْ يقولَ: القابِضِ أو الرَّاكِبِ، ونحوه؛ إذْ قَبُولُ القَوْلِ يُنافِي كوْنَه غاصِبًا. انتهى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: لو قال المالِكُ: أَعرْتُك. قال: بل أوْدَعْتَنِي. فالقَوْلُ قَوْلُ المالِكِ، ويَسْتَحِقُّ قِيمَةَ العَينِ، إنْ كانت تالِفَةً. ولو قال المالِكُ: أوْدَعْتُك. قال: بل أَعرْتَنِي. فالقَوْلُ قَوْلُ المالِكِ أيضًا، ويَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ ما انْتفَعَ بها، فهو كما لو قال: غَصَبْتَنِي. ذكَرَهما في «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه.