الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الشُّفْعَةِ
وَهِيَ اسْتِحْقَاقُ الْإِنْسَانِ انْتِزَاعَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهَا.
ــ
كِتابُ الشُّفْعَةِ
قوله: وهي اسْتِحْقاقُ الإِنْسانِ انتِزاعَ حِصَّةِ شَرِيكِه مِن يَدِ مُشْتَرِيها. وكذا قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْاهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذهبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرِهم، و «الخُلاصَةِ» ، وزادَ، قَهْرًا. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو غيرُ جامِعٍ؛ لخُروجِ الصُّلْحِ بمَعْنَى البَيعِ، والهِبَةِ بشَرْطِ الثَّوابِ، ونحو ذلك منه. قلتُ: ويُمْكِنُ الجوابُ عن ذلك بأن الهِبَةَ بشَرْطِ الثَّوابِ، بَيعٌ على الصَّحيح منَ المذهبِ، على ما يأْتِي، فالمَوْهوبُ له مُشْتَر. وكذلك الصُّلْحُ يُسَمَّى فيه بائعًا ومُشْتَرِيًا؛ لأنَّ الأصحابَ قالوا فيهما: هو بَيعٌ. فهو إذَنْ جامِعٌ. وقال في «المُغْنِي» (1): هي اسْتِحْقاقُ الشَّريكِ انْتِزاعَ حِصَّةِ شَرِيكِه المُنْتَقِلَةِ عنه مِن
(1) انظر: المغني 7/ 435.
وَلَا يَحِلُّ الاحْتِيَال لإسْقَاطِهَا.
ــ
يَدِ مَنِ انْتَقَلتْ إليه. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو غيرُ مانِعٍ؛ لدُخُولِ ما انْتقَلَ بغيرِ عِوَض؛ كالأَرْش، والوَصِيَّةِ، والهِبَةِ بغيرِ ثَوابٍ، أو بغيرِ عِوَض مالِيٍّ، على المَشْهورِ، كالخُلْعِ ونحوه. قال: فالأجْوَدُ إذَنْ أنْ يُقال: مِن يَدِ مَنِ انْتقَلَتْ إليه بعِوَض مالِيٍّ، أو مُطْلَقًا. انتهى.
فائدتان؛ إحْداهما، قال الحارِثِيُّ: ولا خَفاءَ بالقُيودِ في حدِّ المُصَنِّف؛ فقَيدُ الشَّرِكَةِ مُخْرِج للجِوارِ، والخُلْطَةِ بالطَّريقِ، وقَيدُ الشِّراءِ مُخْرِج للمَوْهوبِ، والمُوصَى به، والمَوْروثِ، والمَمْهورِ، والعِوَضِ في الخُلْعِ، والصُّلْحِ عن دَمِ العَمْدِ. وفي بعضِه خِلافٌ. قال: وأوْرَدَ على قَيدِ الشَّرِكَةِ، أنْ لو كان مِن تَمامِ الماهِيَّةِ، لما حَسُن أنْ يُقاقَ: هل تثْبتُ الشُّفْعَةُ للجارِ، أم لا؟ انتهى.
الثَّانيةُ، قولُه: ولا يحِلُّ الاحْتِيالُ لإِسْقاطِها. بلا نِزاعٍ في المذهبِ، نصَّ عليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا تسْقُطُ بالتَّحَيُّلِ أَيضًا. نصَّ عليه. وقد ذكَر الأصحابُ للحِيلَةِ في إسْقاطِها صُوَرًا، الأُولَى، أنْ تكونَ قِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةً، وللمُشْتَرِي عَرْضٌ قِيمَتُه مِائَة، فيَبِيعَه العَرْضَ بمِائَتَين، ثم يشْتَرِيَ الشقْصَ منه بمِائَتَين، ويَتقاصَّان، أو يتَواطَآن على أنْ يدْفَعَ إليه عَشَرَةَ دَنانِيرَ عنِ المِائَتَين، وهي أقَلُّ مِنَ المِائَتَين، فلا يُقْدِمُ الشَّفِيعُ عليه؛ لنُقْصانِ قِيمَتِه عنِ المِائتَيْن. الثَّانيةُ، إظْهارُ كَوْنِ الثَّمَنِ مِائَةً، ويكون
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَدْفوعُ عِشْرِين فقط. الثَّالِثَةُ، أنْ يكونَ كذلك، ويُبْرِئَه مِن ثَمانِين. الرَّابعة، أنْ يهَبَه الشَّقْصَ، ويهَبَه المَوْهوبُ له الثَّمَنَ. الخامسةُ، أنْ يبيعَه الشِّقْصَ بصُبْرَةِ دَراهِمَ معْلُومة بالمُشاهَدَةِ، مَجْهولَةِ المِقْدارِ، أو بجَوْهَرٍ، ونحوها. فالشَّفْيعُ على شُفْعَتِه في جميعِ ذلك، فيَدْفَعُ في الأُولَى قِيمَةَ العَرْضِ مِائَة، أو مِثْلَ العَشَرَةِ دَنانِيرَ. وفي الثَّانيةِ عِشْرِين. وفي الثَّالِثَةِ كذلك؛ لأنَّ الإبراءَ حِيلَةٌ. قاله في «الفائقِ» ، وقاله القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: يأْخُذُ الجُزْءَ المَبِيعَ مِنَ الشِّقْصِ بقِسْطِه مِنَ الثَّمَنِ، ويحْتَمِلُ أنْ يأْخُذَ الشِّقْصَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كُلَّه بجميعِ الثَّمَنِ. وجزَم بهذا الاحْتِمالِ في «المُسْتَوْعِبِ» . قال الحارِثِيُّ: وهو الصَّحيحُ. وفي الرَّابعَةِ، يرْجِعُ في الثَّمَنِ المَوْهوبِ له. وفي الخامسةِ، يدْفَعُ مِثْلَ الثَّمَنِ المَجْهولِ، أو قِيمَتَه، إنْ كان باقِيًا. ولو تعَذَّرَ بتَلَفٍ أو مَوْتٍ، دفَع إليه قِيمَةَ الشقْصِ. ذكَر ذلك الأصحابُ. نقَلَه في «التَّلْخيصِ» . وأمَّا إذا تعَذَّرَ مَعْرِفَةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّمَنِ مِن غيرِ حِيلَةٍ؛ بأنْ قال المُشْتَرِي: لا أعْلَمُ قَدْرَ الثَّمَنِ. كان القَوْلُ قوْلَه مع يمِينه، وأنَّه لم يَفْعَلْه حِيلَةً، وتسْقُطُ الشُّفْعَةُ. وقال في «الفائقِ»: قلتُ: ومِن صُوَرِ التحَيُّلِ؛ أنْ يقِفَه المُشْتَرِي، أو يهَبَه حِيلَةً، لإِسْقاطِها، فلا تسْقُط بذلك عندَ الأئمةِ الأرْبَعَةِ، ويغْلَطُ مَن يحْكُمُ بهذا ممَّن ينْتَحِل مذهبَ أحمدَ، وللشَّفِيعِ الأخْذُ بدونِ حُكْم. انتهى. قال في «القاعِدَةِ الرَّابِعَةِ والخَمسِين»: هذا الأظهَرُ.
وَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ؛ أَحَدُهَا، أنْ يَكُونَ مَبِيعًا. وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا انْتَقَلَ بِغَيرِ عِوَضٍ بِحَالٍ،
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَلَا فِيمَا عِوَضُهُ غَيرُ الْمَالِ؛ كَالصَّدَاقِ، وَعِوَض الْخُلْعَ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ.
ــ
قوله: ولا شُفْعَةَ فيما عِوَضُه غيرُ المالِ؛ كالصَّداقِ، وعِوَضِ الخُلْعِ، والصُّلْحِ عن دَمِ العَمْدِ، في أحَدِ الوَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . وظاهِرُ «الشَّرْحِ» الإِطْلاقُ؛ أحدُهما، لا شُفْعَةَ في ذلك. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «الكافِي»: لا شُفْعَةَ فيه في ظاهِرِ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا أشْهَرُ الوَجْهَين عندَ القاضي، وأكثرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصحابِه. قال ابنُ مُنَجَّى: هذا أوْلَى. قال الحارِثِيُّ: أكثرُ الأصحابِ قال بانْتِفاءِ الشُّفْعَةِ؛ منهم أبو بَكْر، وابنُ أبِي مُوسى، وأبو عليِّ بنُ شِهابٍ، والقاضي، وأبو الخَطَّابِ في «رُءوسِ المَسائلِ» ، وابنُ عَقِيلٍ، والقاضي يَعْقُوبُ، والشَّرِيفان؛ أبو جَعْفَر، وأبو القاسِمِ الزَّيدِيُّ، والعُكْبَرِيُّ، وابنُ بَكْروس، والمُصَنِّفُ. وهذا هو المذهبُ، ولذلك قدَّمه في المَتْنِ. انتهى. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. وصحَّحه في «التَّصحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «العُمْدَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، وغيرِهها. والوَجْهُ الثَّاني، فيه الشُّفْعَةُ. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ، وأبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» ، وابنُ حَمْدانَ في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» . وقدَّمه ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» . فعلى هذا القَوْلِ، يأْخُذُه بقِيمَتِه. على الصَّحيحِ. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» ، وصاحِبُ «الفائقِ» . وصحَّحه النَّاظِمُ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وجزَم به في «الهِدايَةِ». وقيل: يأْخُذُه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بقِيمَةِ (1) مُقابِلِه؛ مِن مَهْرٍ ودِيَةٍ. حَكاه الشَّريفُ أبو جَعْفَر عنِ ابنِ حامِدٍ. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» . وسيأْتِي ذلك في كلام المُصَنِّفِ؛ في آخِرِ الفَصْلِ السَّادِسِ.
فوَائد؛ منها، قال في «الفُروعِ»: وعلى قِياسِ هذه المَسْأَلةِ؛ ما أُخِذَ أُجْرَةً، أو ثَمَنًا في سَلَمٍ، أو عِوَضًا في كِتابَةٍ. وجزَم به في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . قال في
(1) في ط: «بقيمته» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الكافِي» : ومِثْلُه ما اشْتَراه الذميُّ بخَمْر، أو خِنْزِير. قال الحارِثِيُّ: وطرَد أصحابُنا الوَجْهَين في الشِّقْصِ المَجْعُولِ أُجْرَةً في الإجارَةِ، ولكِنْ نقولُ: الإِجارَةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نَوْعٌ مِنَ البَيعِ، فيَبْعُدُ طَرْدُ الخِلافِ [إذَنْ. فالصَّحيحُ على أصْلِنا، جرَيانُ الشُّفْعَةِ، قوْلًا واحِدًا. ولو كان الشِّقْصُ جُعْلًا في جَعالةٍ، فكذلك مِن غيرِ فَرْقٍ. وطرَد صاحِبُ «التَّلْخيصِ»، وغيرُه مِنَ الأصحابِ الخِلافَ](1) أيضًا في الشِّقْصِ المأْخُوذِ عِوَضًا عن نُجومِ الكِتابَةِ. ومنهم مَن قطَع بنَفْي الشفْعَةِ فيه، وهو القاضي يَعْقُوبُ. ولا أعْلَمُ لذلك وَجْهًا. وحكَى بعضُ شُيوخِنا، فيما قرأْتُ عليه، طَرْدَ الوَجْهَين أيضًا في المَجْعولِ رأْسَ مالٍ في السَّلَمِ. وهو أيضًا بعيدٌ؛ فإنَّ السَّلَمَ نَوْعٌ مِنَ البَيعِ. انْتَهى كلامُ الحارِثِيِّ، ثم قال: إذا تقَرَّرَ ما قُلْنا في
(1) سقط من: الأصل.
فَصْلٌ: الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ شِقْصًا مُشَاعًا مِنْ عَقَارٍ يَنْقَسِمُ، فَأَما الْمَقْسُومُ الْمُحَادُ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِ فِيهِ.
ــ
المأْخُوذِ (1) عِوَضًا عن نُجومِ الكِتابَةِ، فلو عجَز المُكاتَبُ بعدَ الدَّفْعِ ورَقَّ، هل تجِبُ الشُّفْعَةُ إذَنْ؟ قال في «التَّلْخيصِ»: يحْتَمِلُ وَجْهَين؛ أحدُهما، نعم. والثَّاني، لا، وهو أوْلَى. الثَّانيَةُ، لو قال لأمِّ وَلَدِه: إنْ خدَمْتِ أوْلادِي شَهْرًا، فلك هذا الشِّقْصُ. فخَدَمَتْهم، اسْتَحَقَّتْه، وهل تَثْبُتُ فيه الشُّفْعَةُ؟ يحْتَمِلُ وَجْهَين؛ أحدُهما، نعم. وهذا على القَوْلِ بالشُّفْعَةِ في الإِجارَةِ. والثَّاني، لا؛ لأنَّها وَصِيَّة. قاله الحارِثِيُّ. وهذا الثَّاني هو الصَّوابُ. الثَّالثةُ، إذا قيلَ بالشفْعَةِ في المَمْهُورِ، فطَلَّقَ الزَّوْجُ قبلَ الدُّخولِ، وقبلَ الأخْذِ، فالشُّفْعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ في النِّصْفِ بغيرِ إشْكالٍ، وما بَقِيَ؛ إنْ عفَا عنه الزَّوْجُ، فهِبَةٌ مُبْتَدَأة لا شُفْعَةَ فيه، على الصَّحيحِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يسْتَحِقُّه الشَّفِيعُ. وإنْ لم يَعْفُ، فلا شُفْعَةَ فيه أيضًا. على الصَّحيحِ؛ لدُخُولِه في مِلْكِ الزَّوْجِ قبلَ الأخْذِ. قدَّمه في «شَرْحِ الحارِثِيِّ» . وذكَر القاضي، وابنُ عَقِيلٍ احْتِمالين، والمُصَنِّفُ وَجْهَين. قال الحارِثِيُّ: والأخْذُ هُنا بالشُّفْعَةِ لا يتَمَشَّى على أصُولِ أحمدَ. وإنْ أخَذ الشَّفِيعُ قبلَ الطَّلاقِ، فالشُّفْعَةُ ماضِيَة، ويرْجِعُ الزَّوْجُ إلى نِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ. قال القاضي وغيرُه: يرْجِعُ بأقَلِّ الأمْرَين؛ مِن نِصْفِ قِيمَتِه يَوْمَ إصْداقِها، ويَوْمَ إقْباضِها. قوله: الثَّاني، أَنْ يكونَ شِقْصًا مُشاعًا مِن عَقارٍ يَنْقَسِمُ -يعْنِي قِسْمَةَ إجْبارٍ -
(1) في الأصل: «الموجود» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأمَّا المَقْسُومُ المَحْدُودُ، فلا شُفْعَةَ لجارِه فيه. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقيل: تثْبُتُ الشُّفْعَةُ للجارِ. وحكاه القاضي يَعْقُوبُ في «التَّبْصِرَةِ» ، وابنُ الزَّاغُونِيِّ عن قَوْم مِنَ الأصحابِ رِوايَةً. قال الزَّرْكَشِيُّ: وصحَّحه ابنُ الصَّيرَفِيِّ، واخْتارَه الحارِثِيُّ، فيما أظُنُّ، وأخَذ الرِّوايَةَ مِن نَصِّه في رِوايَةِ أبِي طالِبٍ، ومُثَنَّى، لا يحْلِفُ أنَّ الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ بالجِوارِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال الحارِثِيُّ: والعَجَبُ ممَّن يُثْبِتُ بهذا رِوايَةً عن أحمدَ. قال في «الفائقِ» : وهو مأخَذٌ ضعيفٌ. وقيل: تجِبُ الشُّفْعَةُ بالشَّرِكَةِ في مَصالحِ عَقارٍ. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وصاحِبُ «الفائقِ» . وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ في رِوايَةِ أبي طالِبٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد سأَلَه عنِ الشُّفْعَةِ؟ فقال: إذا كان طَريقُهما واحِدًا شُرَكاءَ، لم يقْتَسِمُوا، فإذا صُرِّفَتِ الطُّرُقُ، وعُرِفَتِ الحُدودُ، فلا شُفْعَةَ. وهذا هو الذي اخْتارَه الحارِثِيُّ. لا كما ظَنَّه الزَّرْكَشِي، مِن أنَّه اخْتارَ الشُّفْعَةَ للجارِ مُطْلَقًا، فإنَّ الحارِثِيَّ قال: ومِنَ النَّاسِ مَن قال بالجَوازِ، لكِنْ بقَيدِ الشَّرِكَةِ في الطَّريقِ. وذكَر ظاهِرَ كلامِ أحمدَ المُتقَدِّمِ، ثم قال: وهذا الصَّحيحُ الذي يتَعَيَّنُ المَصِيرُ إليه. ثم ذكَر أدِلَّتَه، وقال: وفي هذا المذهبِ جَمْعًا بينَ الأخْبارِ دُونَ غيرِه، فيكونُ أوْلَى بالصَّوابِ.
فوائد؛ منها، شَرِيكُ المَبِيعِ أوْلَى مِن شَرِيكِ الطَّريقِ، على القَوْلِ بالأخْذِ. قاله الحارِثِيُّ. ومنها، عدَمُ الفَرْقِ في الطَّرِيقِ بينَ كَوْنِه مُشْتَرَكًا بمِلْكٍ، أو باخْتِصاص. قدَّمه الحارِثِيُّ، وقال: ومِنَ النَّاسِ مَن قال: المُعْتَبَرُ شَرِكَةُ المِلْكِ، لا شَرِكَةُ الاخْتِصاصِ. وهو الصَّحيحُ. ومنها، لو بِيعَتْ دارٌ في طَرِيقٍ، لها دَرْبٌ في طريقٍ لا ينْفُذُ، فالأَشْهَرُ تجِبُ، إنْ كان للمُشْتَرِي طَرِيق غيرَه، أو أمْكَنَ فَتْحُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بابِه إلى شارِعٍ. قاله في «الفُروعِ» . وجزَم به في «التَّلْخيصِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» وغيرِه. وقيل: لا شُفْعَةَ بالشَّرِكَةِ فيه فقط. ومال إليه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقيل: بلى. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» . وإنْ كان نَصِيبُ المُشْتَرِي فوقَ حاجَتِه، ففي الزَّائدِ وَجْهان. اخْتارَ القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وُجوبَ الشُّفْعَةِ في الزَّائدِ. وقال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (1): والصّحيحُ، لا شُفْعَةَ. وصحَّحه
(1) انظر: المغني 7/ 443.
وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ، كَالْحَمَّامِ الصَّغِيرِ، وَالْبِئْرِ،
ــ
الشَّارِحُ. وأطْلَقَهما الحارِثِيُّ في «شَرْحِه» ، و «الفُروعِ» . وكذا دِهْلِيزُ الجارِ، وصَحْنُ دارِه. قاله في «الفُروعَ» ، والحارِثِيُّ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. ومنها، لا شُفْعَةَ بالشَّرِكَةِ في الشِّرْبِ مُطْلَقًا؛ وهو النَّهْرُ، أو البئْرُ، يسْقِي أرْضَ هذا وأرْضَ هذا، فإذا باعَ أحدُهما أرْضَه، فليس للآخَرِ الأخْذُ بحَقِّه مِنَ الشِّرْبِ. قاله الحارِثِيُّ وغيرُه. ونصَّ عليه.
قوله: ولا شُفْعَةَ فيما لا تجِبُ قِسْمَتُه؛ كالحَمَّامِ الصَّغيرِ، والبِئْرِ، والطُّرُقِ، والعِراصِ الضَّيِّقَة، ولا ما ليس بعَقارٍ؛ كالشَّجَرِ، والحَيَوانِ، والبِناءِ المُفْرَدِ -
وَالطُّرُقِ، وَالعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ،
ــ
وكالجَوْهَرَةِ، والسَّيفِ، ونحوهما- في إحْدَى الرِّوايتَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الرعايَةِ الكُبْرَى» ؛ إحْداهما، لا شُفْعَةَ فيه. وهو الصحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحاب. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا ظاهِرُ المذهبِ. قال في «الرعايَةِ الكُبْرَى» : أَظْهَرُهما، لا شُفْعَةَ فيه. قال في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الفُروعِ» و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: لا شُفْعَةَ فيه، في أصحِّ الروايتَين. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الكافِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايَةِ الصُّغْرَى» ، وغيرِهم. والروايَةُ الثَّانيةُ، فيه الشُّفْعَةُ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وأبو محمدٍ الجَوْزِيُّ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قال الحارِثِيُّ: وهو الحقُّ. وعنه، تجِبُ في كلِّ مالٍ، حاشا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَنْقُولًا لا (1) ينْقَسِمُ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : وقيل: تجِبُ في زَرْعٍ وثَمَر مُفْرَدٍ. فعلى المذهبِ، يُؤْخَذُ البِناءُ والغرِاسُ تبَعًا للأرْضِ، كما تقدَّم. قال المُصَنِّفُ: قال الحارِثِيُّ: لا خِلافَ فيهما على كِلْتا الرِّوايتَين. زادَ في «الرِّعايَةِ» ، ممَّا يدْخُلُ تبَعًا؛ النَّهْرُ، والبِئْرُ، والقَناةُ، والرَّحَى، والدُّولابُ.
فائدة: المُرادُ بما ينْقَسِمُ، ما تجِبُ قِسْمَتُه إجْبارًا، وفيه رِوايَتان؛ إحْداهما، ما يُنْتَفَعُ به مَقْسُومًا منْفَعَتُه التي كانتْ، ولو على تَضايُقٍ، كجَعْلِ البَيتِ بَيتَين. قال في «التَّلْخيصِ»: وهو الأظْهَرُ. [قال الخِرَقِيُّ: ويَنْتَفِعان به مَقْسُومًا](2).
(1) سقط من: الأصل، ط.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال الحارِثِيُّ: وإيرادُ المُصَنِّفِ هنا يقْتَضِي التَّعْويلَ على هذه الرِّوايَةِ، دُونَ ما عَداها؛ لأنَّه مثَّل ما لا تَجِبُ قِسْمَتُه بالحَمَّامِ والبِئْرِ الصَّغِيرَين، والطَّرُقِ والعِراصِ الضيِّقَةِ. وكذلك أبو الخَطَّابِ في «كِتابِه». انتهى. قال الحارِثِيُّ: وهو أشْهَرُ عن أحمدَ وأصحُّ. وجزَم به في «العُمْدَةِ» ، في بابِ القِسْمَةِ. قال في «التَّلْخِيصِ»: ويحْتَمِلُ أنْ يكونَ أيَّ مَنْفَعَةٍ كانتْ، [ولو كانتْ](1) بالسُّكْنَى. وهو ظاهِرُ إطْلاقِه في «المُجَرَّد» . انتهى. والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، ما ذكَرْنا، وأنْ لا تنْقُصَ القِيمَةُ بالقِسْمَةِ نَقْصًا بَيِّنًا. نقلَه المَيمُونِيُّ. واعْتِبارُ النَّقْصِ، هو ما مال إليه المُصَنِّفُ، وأبو الخَطَّابِ، في بابِ القِسْمَةِ، وأطْلَقَهما في «شَرْحِ الحارِثِيِّ» . ويأْتِي ذلك في كلامِ المُصَنِّفِ، في بابِ القِسْمَةِ بأَتَمَّ مِن هذا مُحَرَّرًا.
(1) سقط من: الأصل.
وَمَا لَيسَ بِعَقَارٍ؛ كَالشَّجَرِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالْبِنَاءِ الْمُفْرَدِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَينِ. إلَّا أنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ يُؤخَذُ تَبَعًا لِلْأرْضِ، وَلَا تُؤخَذُ الثَّمَرَةُ وَالزَّرْعُ تَبَعًا، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ.
ــ
قوله: ولا تُؤْخَذُ الثمَرَةُ والزَّرْعُ تَبَعًا، في أحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ، اخْتارَه القاضي، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال الحارِثِيُّ: وهو قَوْلُ أبِي الخَطَّابِ في «رُءوسِ المَسائلِ» ، وابنِ عَقِيلٍ، والشَّرِيفِ أبِي جَعْفَر في آخَرَين. انتهى. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الكافِي» ، و «الرعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ» . والوَجْهُ الثَّاني، تُؤْخَذُ تَبَعًا؛ كالبِناءِ، والغِراسِ. وهو احْتِمالُ في «الهِدايَةِ» . قال في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ»: وقال أبو الخَطابِ: تُؤْخَذُ الثِّمارُ. وعليه يُخَرَّجُ الزَّرْعُ. قال الحارِثِيُّ: واخْتارَه القاضي قديمًا في «رُءوسِ المَسائلِ» . وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الرعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الفائقِ» . وظاهِرُ «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، الإطْلاقُ. وأكْثَرُهم إنَّما حكَى الاحْتِمال، أو الوَجْهَ، في الثَّمَرِ، وخرَج منه إلى الزَّرْعِ. وقيَّد المُصَنِّفُ الثَّمَرَةَ بالظَّاهِرَةِ، وأنَّ غيرَ الظَّاهِرَةِ تدْخُلُ تبَعًا، مع أنَّه قال في «المُغْنِي» (1): إنِ اشْترَاه وفيه طَلْعٌ لم يُؤْبَرْ، فأَبرَه، لم يأْخُذِ الثَّمَرَةَ، وإنَّما يأْخُذُ الأرْضَ والنَّخْلَ بحِصَّتِه، كما في شِقْصٍ وسَيفٍ. وكذا ذكَر غيرُه، إذا لم يدْخُلْ، فإنَّه يأْخُذُ الأَصْلَ بحِصَّتِه.
(1) انظر: المغني 7/ 440.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: لو كان السُّفْلُ لشَخْصٍ، والعُلْوُ مُشْتَرَكًا، والسَّقْفُ مُخْتَصًّا بصاحِبِ السُّفْلِ، أو مُشْترَكًا بينَه وبينَ أصحابِ العُلْو، فلا شُفْعَةَ في السَّقْفِ؛ لأنَّه لا أرْضَ له، فهو كالأَبْنِيَةِ المُفْرَدَةِ. وإنْ كان السَّقْفُ لأصحابِ العُلْو، ففيه الشُّفْعَةُ؛ لأنَّ قَرارَه كالأرْضِ. قدَّمه في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفائقِ» . وفيه وَجْهٌ آخرُ، أنَّه لا شُفْعَة فيه؛ لأنَّه غيرُ مالِكٍ للسُّفلِ، وإنَّما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له عليه حقٌّ، فأشْبَهَ مُسْتَأْجِرَ الأرْضِ. خرَّجه بعضُ الأصحابِ. قاله في «التَّلْخيصِ» ، وقال: فاوَضْتُ فيها بعضَ أصحابِنا، وتَقرَّرَ حُكْمُها بينِي وبينَه على ما بَيَّنْتُ. وهذا الوَجْهُ قدَّمه في «المُغْنِي» ، فقال (1): وإنْ بِيعَتْ حِصَّةٌ مِن
(1) انظر: المغني 7/ 441.
فصلٌ: الثَّالِثُ، الْمُطَالبَةُ بِهَا عَلى الْفَوْرِ سَاعَةَ يَعْلَمُ. نَصَّ عَلَيهِ. وَقَال الْقَاضِي: لَهُ طَلبُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَإنْ طَال فَإنْ أخَّرَهُ، سَقَطَتْ شُفعَتُهُ.
ــ
عُلْو دارٍ مُشْتَرَكٍ، نظَرْتَ؛ فإنْ كان السَّقْفُ الذي تحتَه لصاحِبِ السُّفْلِ، فلا شُفْعَةَ في العُلْو؛ لأنَّه بِناغ مُنْفَرِدٌ، وإنْ كان لصاحِبِ العُلْو، فكذلك؛ لأنَّه بناءٌ مُنْفَرِدٌ، لكَوْنِه لا أرْضَ له، فهو كما لو لم يكُنِ السَّقْفُ له. ويَحْتَمِلُ ثُبوتَ الشُّفْعَةِ؛ لأن له قَرارًا، فهو كالسُّفْلِ. انتهى. وقدَّمه أيضًا الشَّارِحُ، وابنُ رَزِين. وأطْلَقَهما في «شَرْح الحارِثِي» . ولو باعَ حِصَّتَه مِن عُلْو مُشْتَرَكٍ على سَقْفٍ لمالِكِ السُّفْلِ، فقال في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «التلْخيصِ» ، وغيرِهم: لا شُفْعَةَ لشَرِيكِ العُلْو؛ لانْفِرادِ البِناءِ. وَاقْتَصَرَ عليه الحارِثِيُّ. وإنْ كان السَّقْفُ مُشْتَرَكًا بينَه وبينَ أصحابِ العُلْو، فكذلك. قاله في «التَّلْخيصِ» وغيرِه. وإنْ كان السُّفْلُ مُشْتَرَكًا، والعُلْوُ خالِصًا لأحَدِ الشَّرِيكَين، فباعَ العُلْوَ ونَصِيبَه مِنَ السُّفْلِ، فللشَّرِيكِ الشُّفْعَةُ في السُّفْلِ، لا في العُلْو؛ لعدَمِ الشرِكَةِ فيه.
قوله: الثَّالِثُ، المطالبَةُ بها على الفَوْرِ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم، ونصَّ عليه. بل هو المَشْهورُ عنه. وعنه، أنَّها على التَّراخِي ما لم يَرْضَ، كخِيارِ العَيبِ. اخْتارَه القاضي يَعْقُوبُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قاله الحارِثِيُّ وغيرُه. قال الحارِثِيُّ وغيرُه: وحكَى جماعَةٌ، وعَدَّهم، رِوايَةً بثُبوتِها على التَّراخِي، لا تسْقُطُ ما لم يُوجَدْ منه ما يدُلُّ على الرِّضَا أو دَلِيله؛ كالمُطالبَةِ بقِسْمَةٍ، أو بَيعٍ، أو هِبَةٍ، نحوَ: بِعْنيِه. أو: هَبْه لي. أو: قاسِمْنِي. أو: بِعْه لفُلانٍ. أو: هَبْه له. انتهى. والتَّفْريعُ على الأوَّلِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: ساعَةَ يعْلَمُ. نصَّ عليه. هذا المذهبُ. أعْني، أنَّ المُطالبةَ على الفَوْرِ ساعَةَ يعْلَمُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. جزَم به ابنُ البَنَّا في «خِصالِه» ، و «العُمْدَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «مُنتخَبِ الأزَجِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرعايتَين» ، و «النَّظْمِ» ، و «شَرْح ابنِ مُنَجَّى» ، و «الحارِثِيِّ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، وغيرِهم. نقَل ابنُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَنْصُورٍ، لا بُدَّ مِن طَلَبِها حينَ يسْمَع؛ حتى يُعْلَمَ طَلبُه، ثم له أنْ يُخاصِمَ ولو بعدَ أيَّام. قاله في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال القاضي: له طَلَبُها في المَجْلِسِ، وإنْ طال. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ، واخْتارَها ابنُ حامِدٍ أيضًا، وأكثرُ أصحابِ القاضي؛ منهم الشَّرِيفَان؛ أبو جَعْفَر، والزَّيدِيُّ، وأبو الخَطابِ في «رُءوسِ المَسائلِ» ، وابنُ عَقِيلٍ، والعُكْبَرِيُّ، وغيرُهم. قال الحارِثِيُّ: وهذا يتَخَرَّجُ مِن نصِّ أحمدَ على مِثْلِه في خِيارِ المُجْبَرةِ، ومن غيرِه. قال: وهذا مُتَفرِّعٌ على القَوْلِ بالفَوْرِيَّةِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما في «التَّمامِ» ، وفي «المُغْنِي» ؛ لأنَّ المَجْلِسَ كلَّه في مَعْنَى حالةِ العَقْدِ، بدَليلِ التَّقابُضِ فيه لما يُعْتَبرُ له القَبْضُ، يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ حالةِ العَقْدِ، ولكِن إيرادَه هنا مُشعِرٌ بكَوْنِه قَسيمًا للفوْرِيَّةِ. انتهى. قال في «الفُروعِ»: اخْتارَه الخِرَقِيُّ، وابنُ حامِدٍ، والقاضي، وأصحابُه. قلتُ: ليس كما قال عنِ الخِرَقِيِّ، بل ظاهِرُ كلامِه، وُجوبُ المُطالبَةِ ساعَةَ يعْلَمُ؛ فإنه قال: ومَن لم يُطالِبْ بالشُّفْعَةِ في وَقْتِ عِلْمِه بالبَيعِ، فلا شُفْعَةَ له. انتهى. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيهان؛ أحدُهما، قال الحارِثِيُّ: وفي جَعْلِ هذا شَرْطًا إشْكالٌ؛ وهو أنَّ المُطالبَةَ بالحقِّ فرْعُ ثُبوتِ ذلك الحقِّ، ورُتبةُ ذلك الشَّرْطِ تَقدُّمُه على المَشْرُوطِ، فكيفَ يقالُ بتَقَدُّمِ المُطالبَةِ على ما هو أصْلٌ له؟ هذا خِلْفٌ. أو نقولُ: اشْتِراطُ المُطالبَةِ يُوجِبُ تَوقُّفَ الثُّبوتِ عليها، ولا شَكَّ في توَقُّفِ المُطالبَةِ على الثُّبوتِ، فيكونُ دَوْرًا. والصَّحيحُ، أنَّه شَرْطٌ لاسْتِدامَةِ الشُّفْعَةِ، لا لأَصْلِ ثُبوتِ الشُّفْعَةِ؛ ولهذا قال: فإنْ أخَّرَه، سقَطَتْ شُفْعَتُه. انتهى. الثَّاني، كلامُ المُصَنِّفِ وغيره، مُقَيَّدٌ بما إذا لم يكُنْ عُذْرٌ، فإنْ كان عُذْرٌ؛ مثْلَ أنْ لا يعْلَمَ، أو عَلِمَ ليلًا فأخَّرَه إلى الصُّبْحِ، أو أخَّرَه لشِدَّةِ جُوعٍ، أو عَطَشٍ حتى أكلَ أو شَرِبَ، أو أخَّرَه لطَهارَةٍ، أو إغْلاقِ بابٍ، أو ليَخْرُجَ مِنَ الحمَّامِ، أو ليَقْضِيَ حاجَتَه، أو ليُؤَذِّنَ ويُقِيمَ ويأْتِيَ بالصَّلاةِ وسُنَّتِها، أو ليَشْهَدَها في جماعَةٍ يخَافُ فوْتَها، ونحو ذلك. وفي «التَّلْخيصِ» احْتِمالٌ بأنَّه يقْطَعُ الصَّلاةَ، إلَّا أنْ تكونَ فَرْضًا. قال الحارِثِيُّ: وليس بشيءٍ. وهو كما قال، فلا تسْقُطُ إلَّا أنْ يكونَ المُشْتَرِي حاضِرًا عندَه في هذه الأحْوالِ، فمُطالبَتُه مُمْكِنَةٌ، ما عدَا الصَّلاةَ، وليس عليه تَخْفِيفُها، ولا الاقْتَصارُ على أقَلِّ ما يُجْزِئُ. ثم إنْ كان غائبًا عنِ المَجْلِسِ، حاضِرًا في البَلَدِ، فالأَوْلَى أن يُشْهِدَ على الطَّلَبِ، ويُبادِرَ إلى المُشْتَرِي بنَفْسِه، أو بوَكِيلِه، فإنْ بادَر هو أو وَكِيلُه مِن غيرِ إشْهادٍ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه على شُفْعَتِه. صحَّحه في «التَّلْخيصِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، وغيرِهما. قال الحارِثِيُّ: وهو ظاهِرُ إيرادِ المُصَنِّفِ في آخَرَين. وقيل: يُشترَطُ الإِشْهادُ. اخْتارَه القاضي في «الجامِع الصَّغِيرِ» . ويأْتِي، هل يمْلِكُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بمُجَرَّدِ المُطالبَةِ، أمْ لا؟ عندَ قوْلِه: وإنْ ماتَ الشَّفيعُ، بطَلَتِ الشُّفْعَةُ. أمَّا إنْ تعَذَّر الإِشْهادُ، سقَطَ، بلا نِزاعٍ، والحالةُ هذه؛ لانْتِفاءِ التَّقْصيرِ. وإنِ اقْتْصرَ على الطَّلَبِ مُجَرَّدًا عن مُواجَهَةِ
إلا أَنْ يَعْلَمَ وَهُوَ غَائِبٌ، فَيُشْهِدَ عَلَى الطَّلَبِ بِهَا، ثُمَّ إِنْ أخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ إِمْكَانِهِ، أَوْ لَمْ يُشْهِدْ وَلَكِنْ سَارَ فِي طَلَبِهَا، فَعَلَى وَجْهَينِ.
ــ
المُشْتَرِي، قال الحارِثِيُّ: فالمذهبُ الإِجْزاءُ. قال: وكذلك قال أبو الحَسَنِ بنُ الزَّاغُونِيِّ في «المَبْسُوطِ» ، ونقَلْتُه مِن خطِّه، فقال: الذي نذْهَبُ إليه، أنَّ ذلك يُغْنِي عنِ المُطالبَةِ بمَحْضرِ الخَصْمِ؛ فإنَّ ذلك ليس بشَرْطٍ في صِحَّةِ المُطالبَةِ. وهو ظاهِرُ ما نقلَه أبو طالِبٍ عن أحمدَ، وهو قِياسُ المذهبِ أيضًا، وهو ظاهِرُ كلامِ أبِي الخَطَّابِ في «رُءوسِ مَسائلِه» ، والقاضي أبِي الحُسَينِ في «تَمامِه» . وصرَّحَ به في «المُحَرَّرِ» ، لكِنْ بقَيدِ الإِشْهادِ. وهو المَنْصُوصُ عن أحمدَ مِن رِوايَةِ أبِي طالِبٍ، والأَثْرَمِ. وهذا اخْتِيارُ أبِي بَكْرٍ. وإيرادُ المُصَنِّفِ هنا يقْتَضِي عدَمَ الإِجْزاءِ، وأنَّ الواجِبَ المُواجَهَةُ، ولهذا قال: فإنْ ترَكَ الطَّلَبَ والإشْهادَ لعَجْزِه عنهما؛ كالمَرِيضِ، والمَحْبُوسِ، فهو على شُفْعَتِه. ومَعْلُومٌ أنَّهما لا يعْجِزان عن مُناطَقَةِ أنْفُسِهما بالطَّلَبِ. وقد صرَّحِ به في «العُمْدَةِ»؛ فقال: إنْ أخَّرَها، يعْنِي المُطالبَةَ، بطَلَتْ شُفْعَتُه، إلَّا أنْ يكون عاجِزًا عنها لغَيبَةٍ، أو حَبْسٍ، أو مَرَضٍ، فيكُونَ على شُفْعَتِه متى قَدَرَ عليها. انتهى كلامُ الحارِثِيِّ.
قوله: فإنْ أخَّره، سقَطَتْ شُفْعَتُه. يعْنِي، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقد تَقدَّمَتْ رِوايَة بأنَّه على التَّراخِي.
قوله: إلَّا أنْ يعْلَمَ وهو غائِبٌ، فيُشْهِدَ على الطَّلَبِ بها، ثم إنْ أخَّرَ الطَّلَبَ بعدَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإِشْهادِ عندَ إمْكانِه، أو لَمْ يُشْهِدْ، لَكِنَّه سارَ في طَلَبِها، فعلى وَجْهَين. شَمِلَ كلامُه مَسْألَتَين؛ إحْداهما، أنْ يُشْهِدَ على الطَّلَبِ حين يَعْلَمُ، ويُؤخِّرَ الطَّلَبَ بعدَه، مع إمْكانِه. فأطْلَقَ في سُقُوطِ الشُّفْعَةِ بذلك وَجْهَين، وأطْلَقَهما في «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحَدُهما، لا تسْقُطُ الشُّفْعَةُ بذلك. وهو المذهبُ، نصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، وقال: هذا المذهبُ. والوَجْهُ الثَّاني، تسْقُطُ إذا لم يكُنْ عُذْرٌ. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وهو احْتِمالٌ في «الهِدايَةِ» .
تنبيهان؛ أحدُهما، حكَى المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، ومَن تَبِعَه، أنَّ السُّقُوطَ قَوْلُ القاضي. قال الحارِثِيُّ: ولم يحْكِه أحدٌ عن القاضي سِواه، والذي عرَفْتُ مِن كلامِ القاضي خِلافُه. ونقَل كلامَه مِن كُتُبِه، ثم قال: والذي حكاه في «المُغْنِي» عنه، إنَّما قاله في «المُجَرَّدِ» فيما إذا لم يكُنْ أشْهَدَ على الطَّلَبِ وليس
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالمَسْأَلةِ نبَّهْتُ عليه خشْيَةَ أنْ يكونَ أصْلًا لنَقْلِ الوَجْهِ الذي أوْرَدَه. انتهى. الثاني قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : واعلمْ أنَّ المُصَنِّفَ قال في «المُغْنِي» (1): وإنْ أخَّرَ القُدومَ بعدَ الإشْهادِ. بدَل قوْلِه: وإنْ أخَّرَ الطَّلَبَ بعدَ الإشْهادِ. وهو صحيحٌ؛ لأنَّه لا وَجْهَ لإسْقاطِ الشُّفْعَةِ بتَأْخيرِ الطَّلَبِ بعدَ الإشْهادِ؛ لأنَّ الطَّلَبَ حِينَئذٍ لا يُمْكِنُ، بخِلافِ القُدومِ، فإنَّه مُمْكِنٌ، وتأُخِيرُ ما يُمْكِنُ، لإِسْقاطِ الشُّفْعَةِ، وَجْهٌ، بخِلافِ تأْخيرِ ما لا يُمْكِنُ. انتهى. وكذلك الحارِثِيُّ مَثَّلَ بما لو تَراخَى السَّيرُ. انتهى. فعلى كِلا الوَجْهَين، إذا وُجِدَ عُذْرٌ؛ مثلَ أنْ لا يجِدَ مَن يُشْهِدُه، أو وجَد مَن لا تُقْبَلُ شَهادَتُه؛ كالمرْأةِ، والفاسِقِ، ونحوهما، أو وجَد مَن لا يقْدُمُ معه إلى مَوْضِعِ المُطالبَةِ، لم تسْقُطِ الشُّفْعَةُ. وإنْ لم يجِدْ إلَّا مَسْتُورَى الحالِ،
(1) انظر: المغني 7/ 463.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلم يُشْهِدْهما، فهل تبْطُلُ شُفْعَتُه، أمُّ لا؟ فيه احْتِمالان. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفُروعِ». قلتُ: الصَّوابُ أنَّها لا تسْقُطُ شُفْعَتُه؛ لأنَّ الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، أنَّ شَهادَةَ مَسْتُورَى الحالِ لا تُقْبَلُ؛ فهما كالفاسِقِ بالنِّسْبَةِ إلى عدَمِ قَبُولِ شَهادَتِهما، فإنْ أشْهَدَهما، لم تبْطُلْ شُفْعَتُه، ولو لم تُقْبَلْ شَهادَتُهما. وكذلك إنْ لم يقْدِرْ إلَّا على شاهدٍ واحدٍ، فأَشْهَدَه أو ترَك إشْهادَه. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال الحارِثِيُّ: وإنْ وجَدَ عَدْلًا واحِدًا، ففي «المُغنِي» (1)، إشْهادُه وترْكُ إشْهادِه سواءٌ، قال: وهو سَهْوٌ، فإنَّ شَهادَةَ الواحدِ مَعْمُولٌ بها مع يَمِينِ الطَّالِبِ، فتعَيَّنَ اعْتِبارُها. ولو قدَر على التَّوْكيلِ، فلم يُوَكِّلْ، فهل تسْقُطُ شُفْعَتُه؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا تبْطُلُ. وهو المذهبُ، نصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. والوَجْهُ الثَّاني، تبْطُلُ. اخْتارَه القاضي، وهو ظاهِرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ.
(1) انظر: المغني 7/ 463.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: لفْظُ الطَّلَبِ: أنا طالِبٌ. أو: مُطالِبٌ. أو: آخِذٌ بالشُّفْعَةِ. أو: قائمٌ على الشُّفْعَةِ. ونحوُه ممَّا يُفِيدُ مُحاوَلَةَ الأخْذِ؛ لأنَّه مُحَصِّلٌ للغرَضِ. المسْأَلَةُ الثَّانيةُ، إذا كان غائِبًا، فسارَ حينَ عَلِمَ في طَلَبِها، ولم يُشْهِدْ، مع القُدْرَةِ على الإِشْهادِ، فأطْلَقَ المُصَنِّفُ في سُقُوطِها وَجْهَين، وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم؛ أحدُهما، تسْقُطُ الشُّفْعَةُ. وهو المذهبُ، وهو ظاهِرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ، في رِوايَةِ أبِي طالِبٍ. واخْتارَه الخِرَقِيُّ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه». قال الحارِثِيُّ: عليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه في «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونصَراه. وجزَم به في «العُمْدَةِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا تسْقُطُ، بل هي باقيةٌ. قال القاضي: إنْ سارَ عَقِبَ عِلْمِه إلى البَلَدِ الذي فيه المُشْتَرِي، مِن غيرِ إشْهادٍ، احْتَمَلَ أنْ لاتبْطُلَ شُفْعَتُه. فعلى هذا الوَجْهِ؛ يُبادِرُ إليها بالمُضِيِّ المُعْتادِ، بلا نِزاعٍ، ولا يلْزَمُه قَطْعُ حمَّامٍ، وطَعامٍ، ونافِلةٍ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بلى. وكذا الحُكْمُ لو كان غائبًا عنِ المَجْلِسِ، حاضِرًا في البَلَدِ.
تنبيهان؛ أحدُهما، قال الحارِثِيُّ: حكَى المُصَنِّفُ الخِلافَ وَجْهَين، وكذا أبو الخَطَّابِ، وإنَّما هما رِوايَتان. ثم قال: وأصْلُ الوَجْهَين في كَلامِهما احْتِمالان، أوْرَدَهما القاضي في «المُجَرَّدِ» ، والاحْتِمالان إنَّما أوْرَدَهما في الإِشْهادِ على السَّيرِ للطَّلَبِ، وذلك مُغايِرٌ للإِشْهادِ على الطَّلَبِ حينَ العِلْمِ، ولهذا قال: ثم إنْ أخَّرَ الطَّلَبَ بعدَ الإِشْهادِ عندَ إمْكانِه، أي السَّيرُ للطَّلَبِ مُواجَهَةً. فلا يصِحُّ إثْباتُ الخِلافِ في الطَّلَبِ الأوَّلِ مُتَلَقًّى عنِ الخِلافِ في الطَّلَبِ الثَّاني. انتهى. قال الحارِثِيُّ: ولم يعْتَبِرْ في «المُحَرَّرِ» إشْهادًا فيما عَدا هذا، والإِشْهادُ على الطَّلَبِ عندَه عِبارَةٌ عن ذلك، وهو خِلافُ ما قال الأصحابُ. وأيضًا فالإِشْهادُ على ما قال ليس إشْهادًا على الطَّلَبِ في الحَقيقَةِ، بل هو إشْهادٌ على فِعْل يتَعَقَّبُه الطَّلَبُ. الثَّانِي، اسْتَفَدْنا مِن قُوَّةِ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه إذا عَلِمَ، وأشْهَدَ عليه بالطَّلَبِ، وسارَ في طَلَبِها عندَ إمْكانِه، أنَّها لا تسْقُطُ. وهو صحيحٌ. وكذا لو أشْهَدَ عليه، وسارَ وَكِيلُه، وكذا لو تَراخَى السَّيرُ لعُذْرٍ.
فوائد؛ إحْداها، لو لَقِيَ المُشْتَرِيَ، فسَلَّم عليه، ثم عَقَّبَهُ بالطَّلَبِ، فهو على شُفْعَتِه. قاله الأصحابُ. وكذا لو قال بعدَ السَّلامِ: بْارَك اللهُ لك في صَفْقَتِك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذكَرَه الآمِدِيُّ، والمُصَنِّفُ، وغيرُ واحدٍ. وصحَّحه في «الرِّعايَةِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» . وكذا لو دَعا له بالمَغْفِرَةِ ونحوه. وفيهما احْتِمالٌ، تسْقُطُ بذلك. الثَّانيةُ، الحاضِرُ المَريضُ، والمَحْبُوسُ، كالغائبِ في اعْتِبارِ الإِشْهادِ، فإنْ ترَك، ففي السُّقُوطِ ما مرَّ مِنَ الخِلافِ. الثَّالثةُ، لو نَسِيَ المُطالبَةَ أو البَيعَ، أو جَهِلَها، فهل تسْقُطُ الشُّفْعَةُ؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ». قال في «المُغْنِي» (1): إذا ترَكَ الطَّلَبَ نِسْيانًا له، أو للبَيعِ، أو ترَكَه جَهْلًا باسْتِحْقاقِه، سقَطَتْ شُفْعَتُه. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» . وقاسَه هو، والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي» على الرَّدِّ بالعَيبِ، وفيه نظَرٌ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّها لا تسْقُطُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال الحارِثِيُّ: وهو الصَّحيحُ. وقال: يَحْسُنُ بِناءُ الخِلافِ على الرِّوايتَين في خِيارِ المُعْتَقَةِ تحتَ العَبْدِ، إذا مَكَّنَتْه مِنَ الوَطْءِ جَهْلًا بمِلْكِها للفَسْخِ، على ما يأْتِي. وإنْ أخَّرَه جَهْلًا بأنَّ التَّأْخِيرَ مُسْقِطٌ؛ فإنْ كان مِثْلُه لا يجْهَلُه، سقَطَتْ لتَقْصِيرِه، وإنْ كان مِثْلُه يجْهَلُه، فقال في «التَّلْخيصِ»: يحْتَمِلُ وَجْهَين.
(1) انظر: المغني 7/ 458.
وَإِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ لِعَجْزِهِ عَنْهُمَا؛ كَالْمَرِيضِ، وَالْمَحْبُوسِ، وَمَنْ لَا يَجِدُ مَنْ يُشْهِدُهُ،
ــ
أحدُهما، لا تسْقُطُ. قال الحارِثِيُّ: وهو الصَّحيحُ. وجزَم به في «الرِّعايَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ. والوَجْهُ الثاني، تسْقُطُ. ويأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ: إذا باعَ الشَّفِيعُ مِلْكَه قبلَ عِلْمِه. ولو قال له: بكم اشْتَرَيتَ؟ أو: اشْتَرَيتَ رَخِيصًا. فهل تسْقُطُ الشُّفْعَةُ؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ». قلتُ: قواعدُ المذهبِ تقْتَضِي سُقوطَها، مع عِلْمِه.
أَوْ لإِظهَارِهِمْ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ، أُوْ نقصًا فِي المَبِيعِ، أَوْ أَنَّهُ مَوْهُوبٌ
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لَهُ، أو أَنَّ الْمُشْتَرِىَ غَيرُهُ، أَوْ أَخْبَرَهُ مَن لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ مَنْ يُقْبَلُ خبَرُهُ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ، أَوْ قَال لِلْمُشْتَرِي: بِعْنِي مَا اشْتَرَيتَ. أَوْ: صَالِحْنِي. سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ.
ــ
قوله: وإنْ ترَك الطَّلَبَ لكَوْنِ المُشْتَرِي غيرَه، فتَبَيَّنَ أنَّه هو، فهو على شُفْعَتِه. وهذا المذهبُ، جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «ابنِ مُنَجَّى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّها تسْقُطُ، وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» .
قوله: وَإنْ أخْبَرَه مَن يُقْبَلُ خَبَرُه، فلم يُصَدِّقْه، سقَطَتْ شُفْعَتُه. إذا أخْبَرَه عَدْلان فلم يُصَدِّقْهما، سقَطَتْ شُفْعَتُه، وإنْ أخْبَره عَدْلٌ واحدٌ فلم يُصَدِّقْه سقَطَتْ شُفْعَتُه، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه». وقيل: لا تسْقُطُ. وهو وَجْهٌ ذكَرَه الآمِدِيُّ، والمَجْدُ، وصحَّحه النَّاظمُ، وهما احْتِمالان لابنِ عَقِيلٍ، والقاضي. قال في «التَّلْخيصِ»:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بِناءً على اخْتِلافِ الرِّوايتَين في الجَرْحِ والتَّعْديلِ والرِّسَالةِ؛ هل يُقْبَلُ فيها خبرُ الواحدِ، أم يُحْتاجُ إلى اثْنَين؟ قلتُ: الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لابُدَّ فيها مِنَ اثْنَين، على ما يأْتِي في بابِ طَريقِ الحُكْمِ وصِفَتِه، في كلامِ المُصَنِّفِ. والذي يظْهَرُ، أنَّهما ليس مَبْنِيَّيْن عليهما؛ لأنَّ الصَّحيحَ هنا غيرُ الصَّحيحِ هناك. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعَ» .
تنبيهان؛ أحدُهما، المَرْأَةُ كالرَّجُلِ، والعَبْدُ كالحُرِّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال القاضي: هما كالفاسِقِ. وقدَّمه في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفائقِ» . قال الحارِثِيُّ: وإلْحاقُ العَبْدِ بالمرْأَةِ والصَّبِيِّ غَلَطٌ؛ لكَوْنِه مِن أهْلِ الشَّهادَةِ، بغيرِ خِلافٍ في المذهبِ. انتهى. وإنْ أخْبَرَه مَسْتُورُ الحالِ، سقَطَتْ. قدَّمه في «الفائقِ». وقيلَ: لا تسْقُطُ. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» . وإنْ أخْبَرَه فاسِقٌ أو صَبِيٌّ، لم تسْقُطْ شُفْعَتُه. إذا عَلِمْتَ ذلك، فإذا ترَك -تكْذِيبًا للعَدْلِ أو العَدْلَين على ما مَرَّ- بطَلَتْ شُفْعَتُه. قال الحارِثِيُّ: هذا ما أطْلَقٍ المُصَنِّفُ هنا، وجمهورُ الأصحابِ. قال: ويتَّجِهُ التَّقْيِيدُ بما إذا كانتِ العَدالةُ معْلُومَةً
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو ظاهِرَةً لا تخْفَى على مِثْلِه، أمَّا إنْ جَهِلَ، أو كانتْ بمَحَلٌ الخَفاءِ أو التَّرَدُّدِ، فالشُّفْعَةُ باقِيَةٌ؛ لقِيامِ العُذْرِ. هذا كلُّه إذا لم يبْلُغِ الخَبَرُ حدَّ التَّواتُرِ، أمَّا إنْ بلَغ، فتَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بالتَّرْكِ ولابُدَّ، وإنْ كانوا فسَقَةً، على ما لا يخْفَى. انتهى.
التَّنبِيهُ الثَّاني، محَلُّ ما تقدَّم، إذا لم يُصَدِّقْه. أمَّا إنْ صدَّقَه، ولم يُطالِبْ بها، فإنَّها تسْقُطُ؛ سواءٌ كان المُخْبِرُ ممَّن لا يُقْبَلُ خبَرُه، أو يُقْبَلُ؛ لأنَّ العِلْمَ قد يحْصُلُ بخَبَرِ مَن لا يُقْبَلُ خبَرُه لقَرائِنَ. قطَع به المُصنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: أو قال للمُشْتَرِي: بِعْنِي ما اشْتَرَيتَ. أو: صالِحْنِي. سقَطَتْ شُفْعَتُه. [إذا قال للمُشْتَرِي: بِعْنِي ما اشْتَرَيتَ](1). أو: هَبْه لي. أو: ائْتَمِنِّي عليه. سقَطَتْ شُفْعَتُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وقطَع به الأصحابُ؛ منهم صاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم، والحارِثِيُّ، وقال: يقْوَى عندِي انْتِفاءُ السُّقُوطِ، كقَوْلِ أشْهَبَ صاحِبِ مالكٍ. وإنْ قال: صالِحْنِي عليه. سقَطَتْ شُفْعَتُه أيضًا، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قطَع به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ،
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه هنا. وجزَم به في «الشَّرْحِ» ، في بابِ الصُّلْحِ. وكذا جزَم به هناك صاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وغيرُه. قال في «الرِّعايتين» ، و «الحاويَيْن»: تسْقُطُ الشُّفْعَةُ في أصحِّ الوَجْهَين. وقيل: لا تسْقُطُ. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. قاله الحارِثِيُّ. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» هناك، وأطْلَقهما في «النَّظْمِ» أيضًا. وتقدَّم ذلك في بابِ الصُّلْحَ.
تنبيه: محَلُّ الخِلافِ في سُقُوطِ الشُّفْعَةِ. وهو واضِحٌ، أمَّا الصُّلْحُ عنها بعِوَضٍ، فلا يصِحُّ، قوْلًا واحِدًا. قاله الأصحابُ. وجزَم به المُصَنِّفُ وغيرُه في بابِ الصُّلْحَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: لو قال: بِعْه ممَّن شِئْتَ. أو: وَلِّه إيَّاه. أو: هَبْه له. ونحوَ هذا، بطَلَتِ الشُّفْعَةُ. وكذا لو قال: أكْرِنِي. أو: ساقِنِي. أو اكْتَرَى منه، أو ساقاه. وإنْ قال: إنْ باعَنِي، وإلَّا فِليَ الشُّفْعَةُ. فهو كما لو قال: بِعْنِي. قدَّمه الحارِثِيُّ، وقال: ويحْتَمِلُ أنَّه إنْ لم يبِعْه، أنَّها لا تسْقُطُ. ولو قال له المُشْتَرِي: بِعْتُك. أو: وَلَّيتُك. فقَبِلَ، سقَطَتْ.
المقنع دَلَّ فِي الْبَيعِ، أَوْ تَوَكَّلَ لأَحَدِ الْمُتَبَايِعَينِ،
ــ
قوله: وإنْ دَلَّ في البَيعِ، أو تَوَكَّلَ لأحَدِ المُتَبايِعَين، فهو على شُفْعَتِه. [وإنْ دلَّ في البَيعِ، أي صارَ دَلَّالًا؛ وهو السَّفِيرُ في البَيعِ، فهو على شُفْعَتِه، قوْلًا واحِدًا، وإنْ توَكَّلَ لأحَدِ المُتَبايعَين، فهو على شفْعَتِه](1) أيضًا، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.
(1) سقط من: الأصل.
أَوْ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ فَاخْتَارَ إِمْضَاءَ الْبَيعِ، فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ.
ــ
جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم واخْتارَه الشَّرِيفُ وغيرُه. قال الحارِثِيُّ: قال الأصحابُ: لا تبْطُلُ شُفْعَتُه. منهم؛ القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وغيرُه. قال في «الفُروعِ»: لا تسْقُطُ بتَوْكِيلِه في الأصحِّ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونصَراه. وقيل: تسْقُطُ الشُّفْعَةُ بذلك. وقيل: لا تسْقُطُ، إذا كان وَكِيلًا للبائعِ. وقيل: لا تسْقُطُ، إذا كان وَكِيلًا للمُشْتَرِي. اخْتارَه القاضي. قاله المُصَنِّفُ. قال الحارِثِيُّ: وحِكايَةُ القاضي يَعْقُوبَ، عدَمُ السُّقوطِ. وكذا هو في «المُجَرَّدِ» وغيرِه. وهذا وأمْثالُه غَريبٌ مِنَ الحارِثِيِّ، فإنَّه إذا لم يطَّلِعْ على المَكانِ الذي نقَل منه المُصَنِّفُ، تكَلَّم في ذلك، واعْترَض على المُصَنِّفِ، وهذا غيرُ لائِقٍ؛ فإنَّ المُصَنِّفَ ثِقَةٌ، والقاضي وغيرُه له أقْوالٌ كثيرةٌ في كُتُبِه، وقد تكونُ في غيرِ أماكِنِها. وقد تقدَّم له نَظِيرُ ذلك في مَسائِلَ. قال الحارِثِيُّ: ومِنَ الأصحابِ مَن قال في صُورَةِ البَيعِ: ينْبَنِي على اخْتِلافِ الرِّوايَةِ في الشِّراءِ مِن نَفْسِه؛ إنْ قُلْنا: لا. فلا شُفْعَةَ. وإنْ قُلْنا: نعَم. فنعَم.
وَإِنْ أَسْقَطَ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيعِ، لَمْ تَسْقُطْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَسْقُطَ.
ــ
قوله: وإنْ أسْقَطَ الشُّفْعَةَ قبلَ البَيعِ، لم تسْقُطْ. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، وغيرِهم. قال الزَّرْكَشِيُّ: عليه الأصحابُ. ويَحْتَمِلُ أَنْ تَسْقُطَ. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. ذكَرها أبو بَكْرٍ في «الشَّافِي» . واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وصاحِبُ «الفائقِ» . وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، و «القواعِدِ» .
وَإنْ تَرَكَ الْوَلِيُّ شُفْعَةً لِلصَّبِيِّ فِيهَا حَظٌّ، لَمْ تَسْقُطْ، وَلَهُ الْأَخْذُ بِهَا إِذَا كَبِرَ، وَإِنْ تَرَكَهَا لِعَدَمِ الْحَظِّ فِيهَا، سَقَطَتْ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَال الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَلَّا تَسْقُطَ.
ــ
قوله: وإنْ ترَك الوَلِيُّ شُفْعَةً للصَّبِيِّ فيها حَظٌّ، لم تسْقُطْ، وله الأخْذُ بها، إذا كَبِرَ، وإنْ ترَكَها لعَدمِ الحَظِّ فيها، سقَطَتْ. هذا أحدُ الوُجوهِ. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ». وقدَّمه في «النَّظْمِ». قال الحارثِيُّ: هذا ما قاله الأصحابُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: اخْتارَه ابنُ حامدٍ، وتَبِعَه القاضي، وعامَّةُ أصحابِه. وقيل: تسْقُطُ مُطْلَقًا، وليس للوَلَدِ الأخْذُ، إذا كَبِرَ. اخْتارَه ابنُ بَطَّةَ، وكان يُفْتِي به. نقَلَه عنه أبو حَفْصٍ. وجزَم به في «المُنَوِّرِ». وقيل: لا تسْقُطُ مُطْلَقًا، وله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأَخْذُ بها، إذا كَبِرَ. وهو المذهبُ، نصَّ عليه، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. قال في «المُحَرَّرِ»: اخْتارَه الخِرَقِيُّ. قال في «الخُلاصَةِ» : وإذا عَفا وَلِيُّ الصَّبِيِّ عن شُفْعَتِه، لم تسْقُطْ. وقدَّمَه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ». قال الحارِثيُّ: هذا المذهبُ عندِي، وإنْ كان الأصحابُ على خِلافِه؛ لنَصِّه في خُصوصِ المَسْألَةِ، على ما بيَّنَّا. قال في «الفُروعِ»: فنَصُّه، لا تَسْقُطُ. وقيل: بلى. وقيل: مع عدَمِ الحَظِّ. وأطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ.
فوائد؛ منها، لو بِيعَ شِقْصٌ في شَرِكَةِ حَمْلٍ، فالأَخْذُ له مُتَعَذِّرٌ؛ إذْ لا يدْخُلُ في مِلْكِه بذلك. قاله الحارِثِيُّ، وقدَّمه. قال في «القاعِدَةِ الرَّابِعَةِ والثَّمانِين»:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها، الأخْذُ للحَمْلِ بالشُّفْعَةِ، إذا ماتَ مُوَرِّثُه بعدَ المُطالبَةِ، قال الأصحابُ: لا يُؤْخَذُ له، ثم منهم مَن علَّلَ بأنَّه لا يتَحَقَّقُ وُجودُه، ومنهم مَن علَّلَ بانْتِفاءِ مِلْكِه. قال: ويتَخَرَّجُ وَجْه آخَرُ بالأَخْذِ له بالشُّفْعَةِ؛ بِناءً على أنَّ له حُكْمًا ومِلْكًا. انتهى. وقال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: إذا وُلِدَ وكَبِرَ، فله الأخْذُ، إذا لم يأْخُذْ له الوَلِيُّ، كالصَّبِيِّ. ومنها، لو أخذَ الوَلِيُّ بالشُّفْعَةِ، ولا حظَّ فيها، لم يصِحَّ الأخْذُ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهب والرِّوايتَين، وإلَّا اسْتقَرَّ أخْذُه. ومنها، لو كان الأخْذُ أحَظَّ للوَلَدِ، لَزِمَ وَلِيَّه الأَخْذُ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقطَع به في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم، ذكَرُوه في آخِرِ بابَ الحَجْرِ. قال الحارِثِيُّ: عليه الأصحابُ. وقال الزَّرْكَشِيُّ: وقال غيرُ المُصَنِّفِ: له الأخْذُ مِن غيرِ لُزومٍ. وكأنَّه لم يطَّلِعْ على ما قالُوه في الحَجْرِ، في المَسْأَلَةِ بخُصُوصِها. وعلى كِلا القَوْلَين يسْتَقِرُّ أخْذُه، ويَلْزَمُ في حقِّ الصَّبِيِّ. ولو ترَكَها الوَلِيُّ مصْلَحَةً؛ إمَّا لأنَّ الشِّراءَ وقع بأكثَرَ مِنَ القِيمَةِ، أو لأنَّ الثَّمَنَ يُحْتاجُ إلى إنْفاقِه أو صَرْفِه فيما هو أهَمُّ، أو لأنَّ مَوْضِعَه لا يُرْغَبُ في مِثْلِه، أو لأنَّ أخْذَه يُؤَدِّي إلى بَيعِ ما إبْقاؤُه أوْلَى، أو إلى اسْتِقْراضِ ثَمَنِه، ورَهْنِ مالِه، أو إلى ضَرَرٍ وفِتْنَةٍ، ونحو ذلك، فالتَّرْكُ مُتَعَيِّنِّ. وهل يسْقُطُ به الأخْذُ عندَ البُلوغِ، وهو مقْصودُ المَسْألَةِ؟ قال المُصَنِّفُ، عنِ ابنِ حامدٍ: نعَم. واخْتارَه ابنُ بَطَّةَ، وأبو الفَرَجِ الشِّيرازِيُّ، ومال إليه في «المُسْتَوْعِبِ». قال ابنُ عَقِيلٍ: وهو أصحُّ عندِي. قال في «الفُروعِ» : لم يصِحَّ على الأصحِّ. قال القاضي في «المُجَرَّدِ» : ويحْتَمِلُ عدَمَ السُّقُوطِ. ومال إليه، وقال: هو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ. وقال أبو بَكْرٍ في «التَّنْبِيهِ» : يُحْكَمُ للصَّغيرِ بالشُّفْعَةِ، إذا بلَغ. ونحوُه عِبارَةُ ابنِ أبِي مُوسى، وتقدَّم مَعْنَى ذلك قبلَ ذلك. ومنها، لو عَفا الوَلِيُّ عنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشُّفْعَةِ التي فيها حَظٌّ له، ثم أرادَ أخْذَها، فله ذلك في قِياسِ المذهبِ. قالة المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قلتُ: فقد يُعايَى بها. ولو أرادَ الوَلِيُّ الأخْذَ في ثانِي الحالِ، وليس فيها مصْلَحَةٌ، لم يمْلِكْه؛ لاسْتِمْرارِ المانِعِ. وإنْ تجَدَّدَ الحظُّ؛ فإنْ قيلَ بعَدَمِ السُّقوطِ، أخَذ؛ لقِيامِ المُقْتَضِي، وانْتِفاءِ المانِعِ. وإنْ قيلَ بالسُّقوطِ، لم يأْخُذْ بحالٍ؛ لانْقِطاع الحقِّ بالتَّرْكِ. ذكَرَه المُصَنِّفُ وغيرُه. ومنها، حُكْمُ وَلِيِّ المَجْنونِ المُطْبقِ، والسَّفيهِ، حُكْمُ وَلِيِّ الصَّغيرِ. قاله الأصحابُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: المُطْبِقُ؛ هو الذي لا تُرْجَى إفاقَتُه. حكاه ابنُ الزَّاغُونِيِّ، وقال: هو الأشْبَهُ بالصِّحَّةِ، وبأُصُولِ المذهبِ؛ لأنَّ شُيوخَنا الأوَائِلَ قالُوا في المَعْضُوبِ الذي يُجْزِئُ أنْ يُحَجَّ عنه: هو الذي لا يُرْجَى بُرْؤُه. وحُكِيَ عن قَوْمٍ تحْديدُ المُطبِقِ بالحَوْلِ فما زادَ؛ قِياسًا على ترَبُّصِ العُنَّةِ، وعن قَوْمٍ، التَّحْديدُ بالشَّهْرِ، وما نقَص مُلْحَقٌ بالإغْماءِ. ذكر ذلك الحارِثِيُّ. ومنها، حُكْمُ المُغْمَى عليه، والمَجْنونِ غيرِ المُطبِقِ، حُكْمُ المَحْبوسِ، والغائبِ، يُنْتَظرُ إفاقَتُهما. ومنها، للمُفْلِسِ الأخْذ بها، والعَفْوُ عنها، وليس للغُرَماءِ إجْبارُه على الأخْذِ بها، ولو كان فيها حَظٌّ. قطَع به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. قال الحارِثِيُّ: ويتَخرَّجُ مِن إجْبارِه على التَّكَسُّبِ، إجْبارُه على الأخْذِ، إذا كان أحَظَّ للغُرَماءِ. انتهى. وليس لهم الأخْذ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بها. ومنها، للمُكاتَبِ الأخْذُ والتَّرْكُ، وللمَأْذُونِ له مِنَ العَبِيدِ الأَخْذُ دونَ التَّرْكِ، وإنْ عَفا السَّيِّدُ، سقَطَتْ. ويأْتِي آخِرَ البابِ، هل يأْخُذُ السَّيِّدُ بالشُّفْعَةِ مِنَ المُكاتَبِ والعَبْدِ المَأْذُونِ له؟
فَصْل: الرَّابعُ، أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ، فَإِنْ طَلَبَ أَخْذَ الْبَعْضِ، سَقَطَتْ شُفعَتُهُ.
ــ
فائدة: قولُه: الشَّرْطُ الرَّابعُ، أنْ يأْخُذَ جَميعَ المَبِيعِ. قال الحارِثِيُّ: هذا الشَّرْطُ كالذي قبلَه، مِن كَوْنِه ليس شرْطًا لأصْلِ اسْتِحْقاقِ الشُّفْعَةِ؛ فإنَّ أخْذَ الجميعِ أمْرٌ يتَعَلَّقُ بكَيفِيَّةِ الأخْذِ، والنَّظَرُ في كيفِيَّةِ الأخْذِ فَرْعُ اسْتِقْرارِه، فيَسْتَحِيلُ جعْلُه شَرْطًا لثُبوتِ أصْلِه. قال: والصَّوابُ، أنْ يُجْعَلَ شَرْطًا
فَإِنْ كَانَا شَفِيعَينِ، فَالشُّفْعَةُ بَينَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيهِمَا. وَعَنْهُ، عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ.
ــ
للاسْتِدامَةِ، كما في الذي قبلَه. انتهى.
قوله: فإنْ كانا شَفيعَين، فالشُّفْعَةُ بينَهما على قَدْرِ مِلْكَيهما. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، في رِوايَةِ إسْحاقَ بنِ مَنْصُورٍ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، والشَّارِحُ، وغيرُهم: هذا ظاهِرُ المذهبِ. قال الحارِثِيُّ: المذهبُ عندَ الأصحابِ جميعًا، تَفاوُتُ الشُّفْعَةِ بتَفاوُتِ الحِصَصِ، قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «الفائقِ» : الشُّفْعَةُ بقَدْرِ الحَقِّ، في أصحِّ الرِّوايتَين. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا الصَّحيحُ المَشْهورُ مِنَ الرِّوايتَين. وجزَم به ابنُ عَقِيلٍ في «تَذْكِرَتِه» ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، وغيرُهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وقال: اخْتارَه الأكثرُ. قلتُ: منهم الخِرَقيُّ، وأبو بَكْرٍ، وأبو حَفْصٍ، والقاضي. قال الزَّرْكَشِي، وجُمْهورُ أصحابِه: وعنه، الشُّفْعَةُ على عدَدِ الرُّءوسِ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، فقال في «الفُصولِ»: هذا الصَّحيحُ عندِي. وروَى الأَثْرَمُ عنه الوَقفَ في ذلك. حكاه الحارِثِيُّ.
فَإِنْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا شُفْعَتَهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ إلا الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ.
ــ
فائدة: قولُه: فإنْ ترَك أحَدُهما شُفْعَتَه، لم يَكُنْ للآخَرِ أنْ يأْخُذَ إلَّا الكُلَّ، أو يتْرُكَ. وهذا بلا نِزاعٍ. وحكاه ابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا. وكذا لو حضَر أحدُ الشُّفَعاءِ وغابَ الباقُون، فقال الأصحابُ: ليس له إلَّا أخْذُ الكُلِّ، أو التَّرْكُ. قال الحارِثيُّ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإطْلاقُ نصِّ أحمدَ، ينْتَظرُ بالغائبِ، مِن رِوايَةِ حَنْبَلٍ، يقْتَضِي الاقْتِصارَ على حِصَّتِه. قال: وهذا أقْوَى، والتَّفْرِيعُ على الأوَّلِ؛ فقال في «التَّلْخيصِ»: ليس له تأْخِيرُ شيءٍ مِنَ الثَّمَنِ إلى حُضُورِ الغائبين. وحكَى المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ وَجْهَين، وأطْلَقاهما؛ أحدُهما، لا يُؤَخِّرُ شيئًا، فإنْ فعَل، بطَل حَقُّه مِنَ الشُّفْعَةِ. والوَجْهُ الثَّاني، له ذلك، ولا يبْطُلُ حَقُّه. وهو ما أوْرَدَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. فإنْ كان الغائبُ اثْنَين، وأخَذ الحاضِرُ الكُلَّ، ثم قَدِمَ أحدُهما، أخَذ النِّصْفَ مِنَ الحاضِرِ، أو العَفْوَ. فإنْ أخَذ، ثم قَدِمَ الآخرُ، فله مُقاسَمَتُهما؛ يأْخُذُ مِن كلٍّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منهما ثُلُثَ ما في يَدِه. هكذا قال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهم. وقدَّمه الحارِثِيُّ. وقال ابنُ الزَّاغُونِيِّ: القادِمُ بالخِيارِ بينَ الأخْذِ مِنَ الحاضِرِ، وبينَ نَقْضِ شُفْعَتِه في قَدْرِ حَقِّه؛ فيَأْخُذُ مِنَ المُشْتَرِي، إنْ تَراضَوا على ذلك، وإلَّا نقَض الحاكِمُ، كما قُلْنا، ولم يُجْبَرِ الحاضِرُ على التَّسْلِيمِ إلى القادِمِ. قال: وهذا ظاهِرُ المذهبِ فيما ذكَر أصحابُنا. حكاه في كتابِ الشُّروطِ. ثم إنْ ظهَر الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا، فعُهْدَةُ الثَّلاثَةِ على المُشْتَرِي. قاله القاضي، وابنُ عَقِيلٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. وكلامُ ابنِ الزَّاغُونِيِّ يقْتَضِي أنَّ عُهْدَةَ كلِّ واحدٍ ممَّن تسَلَّمَ منه. وإذا أخَذ الحاضِرُ الكُلَّ، ثم قَدِمَ أحدُهما، وأرادَ الاقْتِصارَ على حِصَّتِه، وامْتَنَع مِن أخْذِ النِّصْفِ، فقال الأصحابُ: له ذلك. فإذا أخَذَه، ثم قَدِمَ الغائبُ الثَّاني؛ فإنْ أخَذ مِنَ الحاضِرِ سَهْمَين، ولم يتَعَرَّضْ للقادِمِ الأوَّلِ، فلا كلامَ، وإنْ تعَرَّض،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال الأصحابُ. منهم القاضي، والمُصَنِّفُ: له أنْ يأْخُذَ منه ثُلُثَي سَهْمٍ؛ وهو ثُلُثُ ما في يَدِه. قال الحارِثِيُّ: وللشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ، يأْخُذُ الثَّانِي مِنَ الحاضرِ نِصْفَ ما في يَدِه؛ وهو الثُّلُثُ. قال: وهو أظْهَرُ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا، فَالشُّفْعَةُ بَينَهُ وَبَينَ الْآخَرِ،
ــ
قوله: فإنْ كان المُشْتَرِي شَرِيكًا، فالشُّفْعَةُ بينَه وبينَ الآخَرِ. مِثالُ ذلك، أنْ تكونَ الدَّارُ بينَ ثَلاثَةٍ، فيَشْتَرِيَ أحدُهم نَصِيبَ شَرِيكِه، فالشِّقْصُ بينَ المُشْتَرِي وشَرِيكِه. قاله الأصحابُ، [ولا أعلمُ فيه نِزاعًا، لكِنْ قال الحارِثِيُّ: عبَّر في المَتْنِ عن هذا بقَوْلِه: فالشُّفْعَةُ بينَه وبينَ الآخَرِ](1). وكذا عبَّر أبو الخَطَّابِ وغيرُه، وفيه تجَوُّزٌ؛ فإنَّ حَقِيقَةَ الشُّفْعَةِ انْتِزاعُ الشِّقْصِ مِن يَدِ مَنِ انْتقَلَتْ إليه، وهو مُتَخَلِّفٌ في حقِّ المُشْتَرِي؛ لأنَّه الذي انْتقَلَ إليه هذا.
(1) سقط من: الأصل.
فَإِنْ تَرَكَ شُفْعَتَهُ؛ لِيُوجِبَ الْكُلَّ عَلَى شَرِيكِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَإذَا كَانَتْ دَارٌ بَينَ اثْنَينِ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِأجْنَبِيٍّ صَفْقَتَينِ، ثُمَّ عَلِمَ شَرِيكُهُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذ بِالْبَيعَينِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَخَذَ بِالثَّانِي، شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي فِي شُفْعَتِهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ، لَمْ يُشَارِكْهُ، وَإِنْ أَخَذَ بِهِمَا، لَمْ يُشَارِكْهُ فِي شُفْعَةِ الْأَوَّلِ، وَهَلْ يُشَارِكُهُ فِي شُفْعَةِ الثَّانِي؟ عَلَى وَجْهَينَ.
ــ
قوله: وإذا كانَتْ دَارٌ بينَ اثْنَين، فباعَ أحَدُهما نَصِيبَه لأَجْنَبيٍّ صَفْقَتَين، ثم عَلِمَ شَرِيكُه، فله أنْ يأْخُذَ بالبَيعَين، وله أنْ يأْخُذَ بأحَدِهما. قَاله الأصحابُ؛ منهم القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وغيرُهما. وهي تعَدُّدُ العَقْدِ.
قوله: فإنْ أخَذ بالثَّاني، شارَكَه المُشْتَرِي في شُفْعَتِه، في أحَدِ الوَجْهَين. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. صحَّحه في «النَّظْمِ» و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «الفائقِ» . وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . والوَجْهُ الثَّاني، لا يُشارِكُه فيها. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. وفيه وَجْهٌ ثالثٌ، وهو إنْ عَفا الشَّفِيعُ عنِ الأوَّلِ، شارَكَه في الثَّاني. وأطْلَقَهُنَّ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: وإنْ أخَذ بهما، لم يُشارِكْه في شُفْعَةِ الأَوَّلِ -بلا نِزاعٍ- وهل يُشارِكُه في شُفْعَةِ الثَّاني؟ على وَجْهَين. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، يُشارِكُه. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا يُشارِكُه. قال الحارِثِيُّ: وهو الأصحُّ. قلتُ: وهو الصَّوابُ.
وَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا.
ــ
قوله: وإنِ اشْتَرَى اثْنان حَقَّ واحِدٍ، فَللشَّفِيعِ أَخْذُ حَقِّ أحَدِهما. إذا تعَدَّدَ المُشْتَرِي، والبائعُ واحِدٌ؛ بأَنِ ابْتاعَ اثْنان أو جماعَةٌ شِقْصًا مِن واحدٍ، فقال ابنُ الزَّاغُونِيِّ في «المَبْسُوطِ»: نصَّ أحمدُ على أنَّ شِراءَ الاثْنَين مِنَ الواحدِ عَقْدان وصَفْقَتان، فللشَّفِيعِ، إذَنْ، أخْذُ نَصِيبِ أحَدِهما (1)، وتَرْكُ الباقِي، كما قال المُصَنِّفُ وغيرُه مِنَ الأصحابِ. وقطَع به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الحارثِيِّ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ» ، و «الفائقِ». وقيل: هو عَقْدٌ واحدٌ، فلا يأْخُذُ إلَّا الكُلَّ، أو يتْرُكُ.
(1) في الأصل، ط:«أحدهم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، لو اشْتَرَى الواحِدُ لنَفْسِه ولغيرِه بالوَكالةِ شِقْصًا مِن واحدٍ، فالحُكْمُ كذلك؛ لتعَدُّدِ مَن وقَع العَقْدُ له. وكذا ما لو كان وَكِيلًا لاثْنَين واشْتَرَى لهما. وقيل: الاعْتِبارُ بوَكِيلِ المُشْتَرِي. ذكَرَه في «الرِّعايَةِ» . الثَّانيةُ، لو باعَ أحدُ الشَّرِيكَين نَصِيبَه مِن ثَلاثَةٍ صَفْقَةً واحِدَةً، فللشَّفِيعِ الأخْذُ مِنَ الجميعِ، ومِنَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البَعضِ؛ فإنْ أخَذَ مِنَ البَعضِ، فليس لمَن عَداه الشَّرِكَةُ في الشُّفْعَةِ. وإنْ باعَ كُلًّا منهم على حِدَةٍ، ثم عَلِمَ الشَّفِيعُ، فله الأخْذُ مِنَ الكُلِّ، ومِنَ البَعضِ، فإنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أخَذَ مِنَ الأوَّلِ، فلا شَرِكَةَ للآخَرَين، وإنْ أخَذَ مِنَ الثَّاني، فلا شَرِكَةَ للثَّالثِ، وللأَوَّلِ الشَّرِكَةُ في أصحِّ الوَجْهَين. قاله الحارِثِيُّ. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» وغيرِه. وفي الآخَرِ، لا. وإنْ أخَذَ مِنَ الثَّالثِ، ففي شَرِكَةِ الأَوَّلَين الوَجْهان. وإنْ أخَذَ مِنَ الكُلِّ، ففي شَرِكَةِ الأوَّلِ في الثَّاني والثَّالثِ، والثَّاني في الثَّالثِ وَجْهان. فإنْ قيلَ بالشَّرِكَةِ، والمَبِيعُ مُتَساوٍ، فالسُّدْسُ الأوَّلُ للشَّفِيعِ، وثَلاثَةُ أرْباعِ الثَّاني، وثَلاثةُ أخْماسِ الثَّالثِ، وللمُشْتَرِي الأوَّلِ رُبْعُ السُّدْسِ الثَّانِي، وخُمْسُ الثَّالثِ، وللمُشْتَري الثَّاني الخُمْسُ الباقِي مِنَ الثَّالثِ. وتصِحُّ مِن مائَةٍ وعِشرِين؛ للشَّفِيعِ مِائَةٌ وسَبْعَةٌ، وللمُشْتَرِي الأوَّلِ تِسْعَةٌ، والثَّاني أرْبَعَةٌ. وإنْ قيلَ بالرُّءوسِ؛
وَإِنِ اشْتَرَى وَاحِدٌ حَقَّ اثْنَينِ، أَو اشْتَرَى وَاحِدٌ شِقْصَينِ مِنْ أَرْضَينِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ أَحدِهِمَا، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَينَ.
ــ
فللمُشْتَرِي الأوَّلِ نِصْفُ السُّدْسِ الثَّانِي، وثُلُثُ (1) الثَّالثِ، وللثَّانِي الثُّلُثُ الباقِي مِنَ الثَّالثِ، فتَصِحُّ مِن سِتَّةٍ وثَلاثِينَ؛ للشَّفِيعِ تِسْعَةٌ وعِشْرُون، وللثَّانِي خَمْسَةٌ، وللثَّالثِ اثْنان. ذكَر ذلك المُصَنِّفُ وغيرُه. واقْتَصَرَ عليه الحارِثِيُّ.
قوله: وإنِ اشْتَرَى واحِدٌ حَقَّ اثْنَين، أو اشْتَرَى واحِدٌ شِقْصَين مِن أرْضَين صَفْقَةً واحِدَةً -والشَّرِيكُ واحِدٌ- فللشَّفِيعِ أخْذُ أحَدِهما، في أصَحِّ الوَجْهَين. ذكَر المُصَنِّفُ هنا مَسْألتَين؛ إحْداهما، تعَدُّدُ البائعِ، والمُشتَرِى واحدٌ؛ بأنْ باعَ اثْنان نَصِيبَهما مِن واحدٍ صفْقَةً واحدةً. فللشَّفيعِ أخْذُ أحَدِهما، على الصَّحيحِ مِنَ
(1) في ط: «وسدس» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الحارِثِيُّ: عليه الأصحابُ حتى القاضي في «المُجَرَّدِ» ؛ لأنَّهما عَقْدان، لتوَقُّفِ نَقْلِ المِلْكِ عن كلِّ واحدٍ مِنَ البائعَين على عَقْدٍ، فمَلَكَ الاقْتِصارَ على أحَدِهما، كما لو كانا مُتَعاقِبَين، أو المُشْتَرِي اثْنين. وجزَم به في «الكافِي» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما. وصحَّحه في «الخُلاصَةِ» ، و «شَرْحِ حَفيدِه (1)» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّاني، ليس له إلَّا أخْد الكُلِّ، أو التَّرْكُ. اخْتارَه القاضي في «الجامعِ الصَّغِيرِ» ، و «رُءوسِ المَسائلِ» . وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقيل: له أخْذُ أحَدِهما هنا دُونَ التي بعدَها. جزَم به في «الفُنونِ» ، وقاسَه على تعَدُّدِ المُشْتَرِي،
(1) هو المنجى بن عثمان بن أسعد بن المنجى التنوخي الدمشقي زين الدين، أبو البركات. فقيه أصولي، مفسر نحوي، من تصانيفه «شرح المقنع» في أربع مجلدات، وله تعاليق كثيرة من الفقه لم تبيض، توفي سنة خمس وتسعين وستمائة. ذيل طبقات الحنابلة 2/ 322، 323.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بكلامٍ (1) يقْتَضِي أنَّه محَلُّ وفاقٍ. وأطْلَقَهُنَّ في «الفُروعِ» ، وهي تعَدُّدُ البائعِ. المَسْأَلةُ الثَّانيةُ، التَّعَدُّدُ بتَعَدُّدِ المَبِيعِ؛ فإنْ (2) باعَ شِقْصَين مِن دارَين صَفقَةً واحدةً مِن واحدٍ، فللشَّفيعِ أخْذُهما جميعًا، وإنْ أخَذ أحَدَهما، فله ذلك. على الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ. قال الحارِثِيُّ: هذا المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وصحَّحه في «الخُلاصةِ» ، وحفيدُه في «شَرْحِه» ، وغيرُهما. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه، وغيرِهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «بأن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جزَم به ناظِمُها. والوَجْهُ الثَّاني، ليس له أخْذُ أحَدِهما. وهو احْتِمالٌ في «الهِدايَةِ». قال بعضُهم: اخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ» ، وهي تعَدُّدُ المَبيعِ. فعلى هذا الوَجْهِ، إنِ اخْتارَ أحَدَهما، سقَطَتِ الشُّفْعَةُ فيهما؛ لتَرْكِ البَعضِ مع إمْكانِ أخْذِ الكُلِّ، وكما لو كان شِقْصًا واحدًا.
تنبيه: هذا إذا اتَّحَدَ الشَّفِيعُ، فإنْ كان لكُلِّ واحدٍ منهما شَفِيعٌ، فلهما أخْذُ الجميعِ، وقِسْمَةُ الثَّمَنِ على القِيمَةِ، وليس لواحدٍ منهما الانْفرِادُ بالجميعِ، في أصحِّ الوَجْهَين. ذكَرَه المُصَنِّفُ وغيرُه، نعمْ، له الاقْتصِارُ على ما هو شَرِيكٌ فيه بحِصَّتِه مِنَ الثَّمَنِ؛ وافَقَه الآخَرُ في الأخْذِ، أو خالفَه. وخرَّج المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ انْتِفاءَ الشُّفْعَةِ بالكُلِّيَّةِ مِن مَسْأَلَةِ الشِّقْصِ، والسَّيفِ.
فائدة: بَقِيَ معنا للتَّعَدُّدِ صُورْةٌ؛ وهي أنْ يَبِيعَ اثْنان نَصِيبَهما مِنَ اثْنَين صفْقَةً واحدَةً، فالتَّعَدُّدُ واقِعٌ مِنَ الطَّرَفَين، والعَقْدُ واحدٌ. قال الحارِثِيُّ: ولهذا قال أصحابُنا: هي بمَثابَةِ أرْبَعِ صَفَقاتٍ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وقالا: هي أرْبعَةُ عُقُودٍ؛ إذْ عقْدُ الواحدِ مع الاثْنَين عَقْدان، فللشَّفيعِ أخْذُ الكُلِّ، أو ما شاءَ منهما، وذلك خَمْسَةُ أخْيرَةٍ؛ أخْذُ الكُلِّ، أخْذُ نِصْفِه ورُبْعِه منهما، أخْذُ نِصْفِه منهما، أخْذُ نِصْفِه مِن أحَدِهما، أخْذُ رُبْعِه مِن أحَدِهما. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وغيرُهما. وقيل: ذلك عَقْدان. قدَّمه في «الرعايَةِ» . قال في «الفائقِ» : ولو تعَدَّدَ البائعُ والمَبِيعُ، واتَّحَدَ العَقْدُ والمُشْتَرِي، فعلى وَجْهَين.
وَإنْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيفًا، فَلِلشَّفِيعِ أخْذُ الشِّقْص بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ. وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَجُوزَ.
ــ
قوله: وإنْ باعَ شِقْصًا وسَيفًا، فللشَّفِيعِ أخْذُ الشِّقْصِ بحِصَّتِه مِنَ الثَّمَنِ -هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ- ويحتَمِلُ أنْ لا يجُوزَ. وهو تخْريجٌ لأبِي الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ، ومَن بعدَه؛ بِناءً على تَفْريقِ الصَّفْقَةِ.
وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ، فَلَهُ أخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ. وَقَال ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ تَلَفُهُ بِفِعْلِ اللهِ تَعَالى، فَلَيسَ لَهُ أَخْذُهُ إلا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.
ــ
فائدة: أخْذُ الشَّفيعِ للشِّقْصِ لا يُثْبِتُ خِيارَ التَّفْريقِ للمُشْتَرِي. قاله في «التَّلْخيصِ» وغيرِه. واقْتصَرَ عليه الحارِثِيُّ.
قوله: وإنْ تَلِفَ بَعضُ المَبِيعِ، فله أخْذُ الباقِي بحِصَّتِه مِنَ الثَّمَنِ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه الأصحابُ، إلَّا أنَّ ابنَ حامِدٍ اخْتارَ أنَّه إنْ كان تَلَفُه بفِعْلِ الله تِعالى، فليس له أخذُه إلَّا بجَميعِ الثَّمَنِ، كما نقَلَه المُصَنِّفُ عنه.
فائدة: لو تعَيَّبَ المَبِيعُ بعَيبٍ مِنَ العُيوبِ المُنْقِصَةِ للثَّمَنِ، مع بَقاءِ عَينِه، فليس له الأخْذُ إلَّا بكُلِّ الثَّمَنِ، أو التَّرْكُ. قطَع به المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وفيه وَجْه آخَرُ، له الأخْذُ بالحِصَّةِ. اخْتارَه القاضي يَعْقُوبُ. قال الحارِثِيُّ: وأظُنُّ، أو أجْزِمُ، أنَّه قوْلُ القاضي في «التعْليقِ». قال: وهو الصَّحيحُ.
فَصْلٌ: الْخَامِسُ، أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ مِلْكٌ سَابِقٌ.
ــ
قوله: الخامسُ، أنْ يكونَ للشَّفِيعِ مِلْكٌ سابِقٌ، فإنِ اشْتَرَى اثْنان دارًا صَفْقَةً واحِدَةً، فلا شُفْعَةَ لأحَدِهما على صاحِبِه -بلا نِزاعٍ- فإنِ ادَّعَى كُلُّ واحِد منهما السَّبْقَ، فتحالفا أوْ تَعارَضَتْ بَيِّنَتاهما، فلا شُفْعَةَ لهما. هذا المذهبُ في تَعارُضِ البَيِّنَتَين، على ما يأْتِي في بابِه. فإنْ قيلَ باسْتِعْمالِهما بالقُرْعَةِ، فمَن قرَعَ، حلَف، وقُضِيَ له. وإنْ قيلَ باسْتِعْمالِهما بالقِسْمَةِ، فلا أثَرَ لها ها هنا؛ لأنَّ العَينَ بينَهما مُنْقَسِمَةٌ، إلَّا أنْ تتَفاوَتَ الشَّرِكَةُ، فيُفِيدَ التَّنْصِيفَ، ولا يَمِينَ إذًا، على ما يأْتِي إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
فَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ، مِنْهُمَا السَّبْقَ، فَتَحَالفَا، أَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَاهُمَا، فَلَا شُفْعَةَ لَهُمَا.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَلَا شُفْعَةَ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ.
ــ
قوله: ولا شُفْعَةَ بشَرِكَةِ الوَقْفِ، في أحَدِ الوَجْهَين. إذا بِيعَ طِلْقٌ في شَرِكَةِ وَقْفٍ، فهل يسْتَحِقُّه المَوْقوفُ عليه؟ لا يخْلُو؛ إمَّا أنْ نقولَ: يمْلِكُ المَوْقوفُ عليه الوَقْفَ، أو لا. فإنْ قُلْنا: يمْلِكُه. وهو المذهبُ على ما يأْتِي، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ هنا، أَنه لا شُفْعَةَ له. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقطَع به أيضًا ابنُ أبِي مُوسى، والقاضي وابنُه، وابنُ عَقِيلٍ، والشَّرِيفان؛ أبو جَعْفَرٍ، والزَّيدِيُّ، وأبو الفَرَجِ الشِّيرازِيُّ في آخَرين. واخْتارَه المُصَنِّفُ وغيرُه. وصحَّحه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «الخُلاصةِ» ، و «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». وقال أبو الخَطَّابِ: له الشُّفْعَةُ. قال الحارِثِيُّ: وُجُوبُ الشُّفْعَةِ، على قَوْلِنا بالمِلْكِ، هو الحقُّ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الكافِي». وإنْ قُلْنا: لا يملِكُ المَوْقوفُ عليه الوَقْفَ. فلا شُفْعَةَ أيضًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، قطَع به الجُمْهورُ؛ منهم القاضي، وأبو الخَطَّابِ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، ومَن تقدَّم ذِكْرُه في المَسْأَلَة الأُولَى، وغيرُهم. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقيل: له الشُّفْعَةُ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : وقيلَ: إنْ قُلْنا: القِسْمَةُ إفْرازٌ. وَجَبَتْ، وإلَّا فلا. انتهى. اخْتارَ في «التَّرْغيبِ» ، إنْ قُلْنا: القِسْمَةُ إفْرازٌ. وجَبَتْ هي، والقِسْمَةُ بينَهما. فعلى هذا، الأصحُّ، يُؤْخَذُ بها مَوْقُوفٌ جازَ بَيعُه. قال في «التَّلْخيصِ» ، بعدَ أنْ حكَى كلامَ أبِي الخَطَّابِ المُتقَدِّمِ: ويتَخَرَّجُ عندِي، وإنْ قُلْنا: يَمْلِكُه في الشُّفْعَةِ، وَجْهان مَبْنِيَّان على أنَّه، هل يُقْسَمُ الوَقْفُ، والطَّلَقُ، أمْ لا؟ فإنْ قُلْنا: القِسْمَةُ إفُرازٌ. قُسِمَ، وتجِبُ الشُّفْعَةُ، وإنْ قُلْنا: بَيْعٌ. فلا قِسْمَةَ، ولا شُفْعَةَ. انتهى. قال في «القواعِدِ» ، بعدَ أنْ حكَى الطَّرِيقتَين: هذا كلُّه مُفَرَّعٌ على المذهبِ في جَوازِ قِسْمَةِ الوَقْفِ، مِنَ الطَّلَقِ. أمَّا على الوَجْهِ الآخَرِ بمَنْعِ القِسْمَةِ، فلا شُفْعَةَ؛ إذْ لا شُفْعَةَ في ظاهرِ المذهبِ، إلَّا فيما يقْبَلُ القِسْمَةَ مِنَ العَقارِ. وكذلك بنَى صاحِبُ «الْتخيصِ» الوَجْهَين على الخِلافِ في قَبُولِ القِسْمَةِ. انتهى.
تنبيه: هذه الطَّريقةُ التي ذكَرْناها وهي؛ إنْ قُلْنا: المَوْقوفُ عليه يمْلِكُ الوَقْف. وجَبَتِ الشُّفْعَةُ. أو: لا يمْلِكُ. فلا شُفْعَةَ، هي طريقةُ أبِي الخَطَّابِ، وجماعةٍ.
فَصْلٌ: وَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الطَّلَبِ بِوَقْفٍ أَوْ هِبَةٍ، سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ. نَصَّ عَلَيهَا. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: لَا تَسْقُطُ.
ــ
وللأَصحاب طريقةٌ أُخْرَى؛ وهي أنَّ الخِلافَ جارٍ، سواءٌ قُلْنا: يمْلِكُ المَوْقوفُ عليه الوَقْفَ. أمْ لا. وهي طريقَةُ الأكْثَرِين، وهي طريقةُ المُصَنِّفِ هنا وغيرِه. ومنهم مَن قال: إنْ قُلْنا بعَدَم المِلْكِ، فلا شُفْعَةَ، وإنْ قيلَ بالمِلْكِ، فوَجْهان. وهي طريقةُ صاحبِ «المُحَرَّرِ» . واخْتارَه في «التَّلْخيصِ» ، لكِنْ بَناه على ما تقدَّم.
قوله: وإنْ تَصَرَّفَ المُشْتَرى في المَبيعِ قبلَ الطَّلَبِ بوَقْفٍ أوْ هِبَةٍ -وكذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بصَدَقَةٍ- سقَطَتْ -وكذا لو أَعْتَقَه- نصَّ عليه. [وقُلْنا: فيه الشُّفْعَةُ، على ما تقدَّم](1). وهذا المذهبُ في الجميعِ، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الحارِثِيُّ: وقال أصحابُنا: إنْ تصَرَّفَ بالهِبَةِ أو الصَّدَقَةِ أو الوَقْفِ، بطَلَتِ الشُّفْعَةُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وصحَّحه في «الخُلاصةِ» وغيرِها. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوك الذَّهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «ناظِمِ المُفْرَداتِ» ، وهو منها؛ فقال، بعدَ أنْ ذكَر الوَقْفَ، والهِبَةَ، والصَّدَقَةَ: جمهورُ الأصحابِ على هذا النَّمَطِ. والقاضي قال: النَّصُّ في الوَقْفِ فقط.
وقال أبو بَكْرٍ في «التَّنْبِيهِ» : ولو بنَى حِصَّتَه مَسْجِدًا، كان البِناءُ باطِلًا؛ لأنَّه وقَع في غيرِ مِلْكٍ تامٍّ له. هذا لفْظُه. قال المُصَنِّفُ: القِياسُ قَوْلُ أبِي بَكْرٍ. واخْتارَه في «الفائقِ» . قال الحارِثِيُّ: وهو قَويٍّ جدًّا. وقال: حكَى القاضي أنَّ أبا بَكْرٍ قال في «التَّنْبِيهِ» : الشَّفِيعُ بالخِيارِ بينَ أنْ يُقِرَّه على ما تصَرَّفَ، وبينَ أنْ ينْقُضَ التَّصَرُّفَ؛ فإنْ كان وَقْفًا على قَوْمٍ، فسَخَه، وإنْ كان مَسْجِدًا، نقَضَه؛ اعْتِبارًا به لو تصَرَّفَ بالبَيعِ. قال: وتَبِعَه الأصحابُ عليه، ومِن ضَرُورَتِه عدَمُ السُّقُوطٍ
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُطْلَقًا كما ذكَرَه المُصَنِّفُ هنا عنه، قال: ولم أرَ هذا في «التَّنْبِيهِ» ، إنَّما فيه ما ذكَرْنا أوَّلًا، مِن بُطْلَانِ أصْلِ التَّصَرُّفِ، وبينَهما مِنَ البَوْنِ ما لا يخْفَى. انتهى. وقال في «الفائقِ»: وخصَّ القاضي النصَّ بالوَقْفِ، ولم يجْعَلْ غيرَه مُسْقِطًا، اخْتارَه شيخُنا. انتهى. قال في «الفُصولِ»: وعنه، لا تسْقُطُ؛ لأنَّه شَفِيعٌ. وضعَّفَه بِوقْفِ غَصْبٍ أو مَريضٍ مَسْجِدًا.
تنبيه: قال في «القاعِدَةِ الرَّابعَةِ والخَمْسِين» : صرَّح القاضي بجَوازِ الوَقْفِ، والإقْدامِ عليه، وظاهِرُ كلامِه في مَسْأَلةِ التَّحَيُّلِ على إسْقاطِ الشُّفْعَةِ، تَحْرِيمُه، وهو الأظهَرُ. انتهى. قلتُ: قد تقدم كلامُ صاحبِ «الفائقِ» في ذلك، في أوَّلِ البابِ.
فائدتان؛ إحْداهما، لا يُسْقِطُ رَهْنُه الشُّفْعَةَ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وإنْ سقَطَتْ بالوَقْفِ والهِبَةِ والصَّدَقَةِ. قدَّمه في «الفُروعِ». ونصَرَه الحارِثِيُّ. وقيل: الرَّهْنُ كالوقْفِ والهِبَةِ والصَّدَقَةِ. جزَم به في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . قال الحارِثِيُّ: ألْحَقَ المُصَنِّفُ الرَّهْنَ بالوَقْفِ، والهِبَةِ، وهو بعيدٌ عن نصِّ أحمدَ؛ فإنَّه أَبْطَلَ في الصَّدَقَةِ والوَقْفِ بالخُروجِ عنِ اليَدِ والمِلْكِ، والرَّهْنُ غيرُ خارِج عنِ المِلْكِ، فامْتنَعَ الإلْحاقُ. انتهى. وقال في «الفائقِ»: وخصَّ القاضي النَّصَّ بالوَقْفِ، ولم يجْعَلْ غيرَه مُسْقِطًا. اخْتارَه شيخُنا، يعْنِي الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ، وكلامُ الشَّيخِ، يعْنِي به المُصَنِّفَ، يقْتَضِي مُساواةَ الرَّهْنِ، والإِجارَةِ، وكل عَقْدٍ لا تجِبُ الشُّفْعَةُ فيه للوَقْفِ. قال، يعْني المُصَنِّفَ: ولو جعَلَه صَداقًا، أو عِوَضًا عن خُلْعٍ، انْبَنَى على الوَجْهَين في الأخْذِ بالشُّفْعَةِ. انتهى. وقدَّم في «الرِّعايَةِ» سقوطَها بإجارَةٍ وصدَقَةٍ. الثَّانيةُ، لو أوْصَى بالشِّقْصِ؛ فإنْ أخَذ الشَّفِيعُ قبلَ القَبُولِ، بطَلَتِ الوَّصِيَّةُ، واسْتَقَرَّ الأخْذُ. ذكَرَ المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والحارِثي، وغيرُهم. وإنْ طلَبَ ولم يأخُذْ بعدُ، بطَلَتِ الوَصِيَّةُ أيضًا، ويدْفَعُ الثَّمَنَ إلى الوَرَثَةِ؛ لأنَّه مِلْكُهم، وإنْ كان المُوصَى له قَبِلَ قبلَ أخْذِ الشَّفِيعِ أو طَلَبِه، فكما مَرَّ في الهِبَةِ؛ تنْقَطِعُ الشُّفْعَةُ بها على المذهبِ. قال الحارِثِيُّ: وعلى المَحْكِيِّ عن أبِي بَكْرٍ، وإنْ كان لا يثْبُتُ عنه، لا تَنْقَطِعُ، وهو الحقُّ. انتهى. وهو مُقْتَضَى إطْلاقِ المُصَنِّفِ في «المُغْنِي» .
وَإِنْ بَاعَ فَلِلشَّفِيعِ الأْخْذُ بأْيِّ الْبَيعَينِ شَاءَ، فَإِن أَخَذَ بِالأَوَّلِ، رَجَعَ الثَّانِي عَلَى الأَوَّلِ.
ــ
قوله: وإنْ باعَ، فللشَّفِيعِ الأَخْذُ بأيِّ البَيعَين شاءَ. هذا المذهبُ بلا رَيبٍ، والمَشْهورُ عند الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقال ابنُ أبِي مُوسى: يأخُذُه ممَّن هو في يَدِه. وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ عَقِيلٍ في «التَّذْكِرَةِ» ؛ لأنَّه قال: إذا خرَج مِن يَدِه ومِلْكِه، كيفَ يُسْلَمُ؟ وقيل: البَيعُ باطِلٌ. وهو ظاهِرُ
وَإنْ فُسِخَ الْبَيعُ بِعَيبٍ أوْ إِقَالةٍ أَوْ تَحَالُفٍ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ،
ــ
كلامِ أبِي بَكْرٍ في «التَّنْبِيهِ» . قاله في «القاعِدَةِ الرَّابِعَةِ والعِشْرِينِ» . وقال في آخِرِ «القاعِدَةِ الثَّالثَةِ والخَمْسِين» : وذكَر أبو الخَطَّابِ أن تَصرُّفَ المُشْتَرِي في الشقْصِ المَشْفُوعِ يصِحُّ، ويقِفُ على إجازَةِ الشَّفِيعِ.
قوله: وإنْ فُسِخَ البَيعُ بعَيبِ أوْ إقالةٍ، فللشَّفِيعِ أخْذُه. إذا تقايَلا الشِّقْصَ، ثم
وَيَأْخُذُهُ فِي التَّحَالفِ بِمَا حَلَفَ عَلَيهِ الْبَائِعُ.
ــ
عَلِمَ المُشْتَرِي؛ إنْ قُلْنا: الإِقالةُ بَيعٌ. فله الأخْذُ مِن أَيِّهما شاءَ؛ فإنْ أخَذ مِنَ المُشْتَرِي، نقَض الإِقالةَ؛ ليَعُودَ الشَّقْصُ إِليه، فيأْخُذَ منه، وإنْ قُلْنا: فَسْخٌ. فله الشُّفْعَةُ أيضًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الحارِثيُّ: ذكَرَه الأصحابُ؛ القاضي، وأبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ في آخَرين. انتهى. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال الحارِثِي: ثم ذكَر القاضي، وابنُ عَقِيل، والمُصَنِّفُ في «كِتابَيه» ، أنَّه يفْسَخُ الإقالةَ؛ ليَرْجِعَ الشَّقْصُ إلى المُشْتَرِي، فيَأْخُذَ منه. قال المُصَنِّفُ: لأنَّه لا يُمْكِنُه الأَخْذُ معها. وقال ابنُ أبِي مُوسى: للشَّفِيعِ انْتِزاعُه مِن يَدِ البائعِ. قال الحارثِيُّ: والأَوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّ الاسْتِشْفاعَ الانْتِزاعُ مِن يَدِ المُشْتَرِي، وهذا معْنَى قوْلِهَ: لا يُمْكِنُ الأَخْذُ معها. وقد نصَّ أحمدُ، في رِوايَةِ ابنِ الحَكَمِ، على بُطْلانِ الشُّفْعَةِ، وحمَلَه القاضي على أن الشَّفِيعَ عَفا ولم يُطالِبْ، وتَبِعَه ابنُ عَقِيلٍ. قال في «المُسْتَوْعِبِ»: وعندِي أنَّ الكلامَ على ظاهِرِه، ومتى تَقايَلا قبلَ المُطالبَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالشُّفْعَةِ، لم تجِبِ الشُّفْعَةُ. وكذا قال صاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وزادَ: فيكونُ على رِوايتَين. قال الحارِثِيُّ: والبُطْلانُ هو الَّذي يصِحُّ عن أحمدَ.
فائدة: لو تَقايَلا بعدَ عَفْو الشفِيعِ، ثم عَنَّ له المُطالبَةُ، ففي «المُجَرَّدِ» ، و «الفُصولِ» ، إنْ قيلَ: الإقَالةُ فَسْخٌ. فلا شيءَ له، وإنْ قيلَ: هي بَيعٌ. تجَدَّدَتِ الشُّفْعَةُ، وأخَذ مِنَ البائعِ، لتَجَدُّدِ السَّبَبِ، فهو كالعَوْدِ إليه بالبَيعِ الصَّريحِ. واقْتصَرَ عليه الحارِثِيُّ. وإنْ فُسِخَ البَيعُ بعَيبٍ قديمٍ، ثم عَلِمَ الشَّفِيعُ وطالبَ مُقدِمًا على العَيب، فقال المُصَنِّفُ هنا: له الشفْعَةُ. وكذا قال الأصحابُ، القاضي، وأبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيل في آخَرين. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الْشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، ليس له الأخْذُ، إذا فُسِخَ بعَيبٍ. ذكَره في «المُسْتَوْعِب» ، و «التَّلْخيصِ» أخْذًا مِن نَصِّه في رِوايَةِ ابنِ الحَكَمِ في المُقايَلَةِ. وأَكْثَرُهم حكاه قوْلًا، ومال إليه الحارِثِيُّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ منها، لو باعَ شِقْصًا بعَبْدٍ، ثم وجَد العَبْدَ مَعِيبًا، فقال في «المُغْنِي» ، و «المُجَرَّدِ» ، و «الفُصولِ» ، وغيرِهم: له رَدُّ العَبْدِ واسْتِرْجاعُ الشِّقْصِ، ولا شيءَ للشَّفيعِ. واخْتارَ الحارِثِي ثُبوتَ الشُّفْعَةِ له. انتهى. قال الأصحابُ: وإنْ أخَذ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ، ثمُ وجَد البائِعُ العَيبَ، لم يمْلِكِ اسْتِرْدادَ الشِّقْصِ؛ لأنَّه يلْزَمُ عنه بُطْلَانُ عَقْدٍ آخَرَ. قلتُ: فيُعايَى بها. ولكِنْ يرْجِعُ بقِيمَةِ الشِّقْصِ، والمُشْتَرِي قد أخَذ مِنَ الشَّفيعِ قِيمَةَ العَبْدِ؛ فإنْ ساوَتْ قِيمَةَ العَبْدِ فذاك، وإنْ زادَتْ إحْداهما على الأخْرَى، ففي رُجوعِ باذلِ الزِّيادَة؛ مِنَ المُشْتَرِي، والشَّفِيعِ؛ على صاحِبِه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ؛ أحدُهما، يرجِعُ بالزِّيادَةِ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه القاضي، وابنُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَقِيلٍ، والمَجْدُ. وجزَم به في «الكافِي» . وصححَّه في «الفُروعِ» . والوَجْهُ الثَّانِي، لا يرْجِعُ. وإنْ عادَ الشِّقْصُ إلى المُشْتَري بعدَ دَفْعِ قِيمَتِه ببَيعٍ، أو إرْثٍ، أو هِبَةٍ أو غيرِها، ففي «المُجَردِ» ، و «الفُصولِ» ، لا يلْزَمُه الرَّدُّ على البائعِ، ولا للبائعِ اسْتِرْدادُه. قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: ليس للشَّفِيعِ أخْذُه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالبَيعِ الأوَّلِ. انتهيا. وإنْ أخَذ البائعُ الأرْشَ، ولم يرُدَّ؛ فإنْ كان الشَّفِيع أخَذ بقِيمتِه صحيحًا، فلا رُجوعَ للمُشْتَرِي عليه (1)، وإنْ أخَذ بقِيمَتِه مَعِيبًا، فللمُشْتَرِي الرُّجوعُ بما أدَّى مِنَ الأرْشِ. ذكَرَه الأصحابُ. ولو عَفا البائعُ مجَّانًا بالقِيمَةِ صحيحًا، ففي «المغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، لا يرْجِعُ الشَّفِيعُ على المُشْتَرِي بشيءٍ: اقْتَصَر عليه الحارِثِي. [وقيل: يَرْجِعُ على المُشْتَرِي بالأرْشِ. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ»](2). ومنها، لو اشْتَرَى شِقْصًا بعَبْدٍ أو بثَمَن مُعَيَّن، وظهَر مُسْتَحَقًّا، فالبَيعُ باطِل، ولا شُفْعَةَ، وعلى الشَّفِيعِ ردُّ الشِّقْصِ، إنْ أخَذَه، وإنْ ظهَر البَعْضُ مُسْتَحَقًّا، بطَل البَيعُ فيه، وفي الباقِي روايَتا تَفريقِ الصَّفْقَةِ. ومها، لو كان الشِّراءُ بثَمَنٍ في الذِّمَّةِ ونقَدَه، فخَرَجَ مُسْتَحَقًّا، لم يبْطُل البَيعُ، والشُّفْعَةُ بحالِها، ويرُدُّ الثَّمَنَ إلى مالِكِه، وعلى المُشْتَرِي ثَمَنٌ صحيحٌ، فإنْ تعَذَّرَ؛ لإعْسارٍ أو غيرِه، ففي «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، للبائعِ فَسْخُ البَيعِ، ويُقَدَّمُ حقُّ الشَّفيعِ. ومها، لو كان الثَّمَنُ مَكِيلًا أو مَوْزونًا، فتَلِفَ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قبلَ قبْضِه، بطَل البَيعُ، وانْتَفَتِ الشُّفْعَةُ، فإنْ كان الشَّفِيعُ أخَذ الشُّفْعَةَ، لم يكُنْ لأحَدٍ اسْتِرْدادُه. ذكَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. ومنها، لو ارْتَدَّ المُشْتَرِي، وقُتِلَ أو ماتَ، فللشَّفِيعِ الأَخْذُ مِن بَيتِ المالِ. قاله الشَّارِحُ، واقْتَصَرَ عليه الحارِثِيُّ.
قوله: أوْ تَحالفا. يعْنِي، إذا اخْتلَفَ المُتَبايعان في قَدْرِ الثَّمَنِ، ولا بَيِّنَةَ، وتَحالفا، وتَفاسَخا، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ قبلَ أخْذِ الشَّفِيعِ أو بعدَه؛ فإنْ كان قبلَ أخْذِ الشَّفِيعِ، وهي مَسْأْلةُ المُصَنِّفِ، فللشَّفِيعِ الأَخْذُ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَعُوا به. قال الحارِثِيُّ: ويتَخَرَّجُ انْتِفاءُ الشُّفْعَةِ مِن مِثْلِه في الإِقالةِ، والرَّدِّ بالعَيبِ على الرِّوايَةِ المَحْكِيَّةِ، وأوْلَى. فعلى المذهبِ، يأْخُذُه بما
وَإنْ أَجَرَهُ، أخَذَهُ الشَّفِيعُ، وَلَهُ الأُجْرَةُ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهِ،
ــ
حلَفَ عليه البائعُ؛ لأنَّه مُقِرٌّ بالبَيعِ بالثَّمَنِ الَّذي حلَفَ عليه، ومُقِرٌّ له بالشُّفْعَةِ، وإنْ وُجِدَ التَّفاسُخُ بعدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ، أُقِرَّ بيَدِ الشَّفيعِ، وكان عليه للبائعِ ما حلَفَ عليه.
تنبيه: ظاهِرُ قوْلِه: وإنْ أجَرَه، أخَذَه الشَّفِيعُ، وله الأُجْرَةُ مِن يَوْمِ أخْذِه.
وَإِنِ اسْتَغَلَّهُ، فَالْغَلَّةُ لَهُ، وَإِنِ أخَذَهُ الشَّفِيعُ وَفِيهِ زَرْعٌ
ــ
أنَّ الإجارَةَ لا تنْفَسِخُ، ويسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ الأُجْرَةَ مِن يوم أخْذِه بالشُّفْعَةِ. وهو أحدُ الوُجوهِ. جزَم به في «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «النَّظْمِ». قال الحارِثِيُّ: وفيه إشْكالٌ. والوَجْهُ الثَّانِي، تنْفسِخُ مِن حينِ أخْذِه. وهو المذهبُ. جزَم به في «المُحَررِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين». قال في «الفُروعِ»: وفي الإِجارَةِ، في «الكافِي» ، الخِلافُ في هِبَةٍ. انتهى. وأطْلَقَهما في «الحاوي الصَّغِيرِ» . والوَجْهُ الثَّالثُ، للشَّفِيعِ الخِيارُ بينَ فَسْخِ الإِجارَةِ وتَرْكِها. قال في «القاعِدَةِ السَّادِسَةِ والثَّلاثين»: وهو ظاهِرُ كلامِ القاضي في «خِلافِه» ، في مَسْأْلَةِ إعارَةِ العارِيَّةِ. قال: وهو أظْهَرُ. انتهى. قال الحارِثِيُّ: ويتَخَرَّجُ مِنَ الوَجْهِ الَّذي نقولُ: تتَوَقَّفُ صِحَّةُ الإِجارَةِ على إجازَةِ البَطْنِ الثَّانِي في الوَقْفِ. إجازَةُ الشَّفيعِ هنا؛ إنْ أجازَ، صحَّ (1)، وإلَّا بطَلَ في حقِّه بالأَولَى. قال: وهذا أقْوَى. انتهى. وأطْلَقَ الأَوْجُهَ الثَّلَاثةَ في «القواعِدِ» ، ولم يذْكُرِ الوَجْهَ الثَّالِثَ في «الفُروعِ» .
قوله: وإنِ اسْتَغَله، فالغلَّةُ له -بلا نِزاعٍ- وإنْ أخَذَه الشَّفِيعُ وفيه زَرْعٌ، أو ثَمَرَةٌ ظاهِرَةٌ، فهي للمُشْتَرِي، مُبَقَّاةٌ إلى الحَصادِ والجَدادِ. يعْنِي، بلا أُجْرَةٍ. وهذا المذهبُ. قال المَجْدُ في «شَرْحِ الهِدايَةِ»: هذا أصحُّ الوَجْهَين لأصحابِنا.
(1) سقط من: الأصل.
أو ثَمَرٌ ظَاهِرٌ، فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي مُبَقًّى إلَى الْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ.
ــ
وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «النظْمِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِي». وقيل: تجِبُ في الزَّرْعِ الأُجْرَةُ، مِن حينِ أخْذِ الشَّفِيعِ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه». قال ابنُ رَجَبٍ في «القواعدِ»: وهو أظْهَرُ. قلت: وهو الصَّوابُ. وهذا الوَجْهُ ذكَرَه أبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» . قال في «الفُروعِ» : فيتَوجَّهُ منه تخرِيجٌ في الثَّمَرَةِ. قلتُ: وهو ظاهِرُ بَحْثِ ابنِ مُنَجَّى في «شَرْحِه» . قال الحارِثِيُّ، لمَّا علَّلَ بكَلامِه في «المُغْنِي»: وهذا بالنسْبَةِ إلى وُجوبِ الأُجْرَةِ [للشَّفِيعِ في المُؤْجَرِ مُشْكِلٌ جِدًّا، فينْبَغِي أنْ يُخَرَّجَ وُجوبُ الأُجْرَةِ](1) هنا مِن وُجُوبِها هناك.
تنبيه: مفْهومُ قوْلِه: أوْ ثَمَرَةٌ ظاهِرَةٌ. أنَّ ما لم يظْهَرْ يكونُ مِلْكًا للشَّفِيعِ؛ وذلك كالشَّجَرِ إذا كَبِرَ، والطَّلْعِ إذا لم يُؤبَّرْ، ونحوهما. وهو كذلك. قاله الأصحابُ؛ منهم القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ فِي «الفُصولِ» ،
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمُصَنِّفُ في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ، وغيرُهم.
فائدة: لو تأبَّرَ الطَّلْعُ المَشْمولُ بالبَيعِ في يَدِ المُشْتَرِي، كانتِ الثَّمَرَةُ له، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قطَع به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه الحارِثِيُّ. وفيه وَجْهٌ آخرُ (1)، هي للشَّفِيعَ.
(1) سقط من: الأصل، ا.
وَإنْا قَاسَمَ الْمُشْتَرِي وَكِيل الشَّفِيعِ، أو قَاسَم الشَّفِيعَ؛ لِكَوْنِهِ أظْهَرَ لَهُ زِيَادَةً في الثَّمَنِ أوْ نَحْوهِ، وَغرَسَ أَوْ بَنَى، فَلِلشَّفِيعِ أنْ يَدْفَعَ إِلَيهِ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَيَمْلِكَهُ، أوْ يَقْلَعَهُ وَيَضْمَنَ النَّقْصَ. فَان اخْتَارَ أخْذَهُ وَأرَادَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُ، فَلَهُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ.
ــ
قوْله: وإنْ قَاسَمَ المُشْتَرِي وَكيلَ الشَّفِيعِ، أو قَاسَمَ الشَّفيعَ؛ لكَوْنِه أظْهَرَ له زِيادَةً في الثَّمَنِ، أو نحوه، وغرَس، أو بنَى، فللشَّفِيعِ أنْ يدْفعَ إليه قِيمَةَ الغرِاسِ والبِناءِ، ويمْلِكَه، أو يقْلَعَه، ويضمَنَ النَّقْصَ. إذا أربى المُشْتَرِي أخْذَ غَرْسِه وبِنائِه، كان للشَّفيعِ أخْذُ الغِراسِ والبِناءِ، والحالةُ هذه، وله القَلْعُ، وضَمانُ النَّقْصِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «الانْتِصارِ»: أو أقَرَّه بأُجْرَةٍ، فإنْ أَبَى فلا شُفْعَةَ. قال الحارِثِيُّ: إذا لم يقْلَعِ المُشْتَرِي، ففي الكِتابِ تخْيِيرُ الشَّفيعِ بينَ أخْذِ الغِراسِ والبِناءِ بالقِيمَةِ، وبينَ قَلْعِه وضَمانِ نَقْصِه. وهذا ما قاله القاضي وجُمْهورُ أصحابِه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: ولا أعْرِفُه نَقْلًا عن أحمدَ، وإنَّما المَنْقُولُ عنه رِوايَتا التَّخْيِيرِ مِن غيرِ أرْشٍ، والأُخْرَى، وهي المَشْهورَةُ عنه، إيجابُ القِيمَةِ مِن غيرِ تَخْيِيرٍ. وهو ما ذكَرَه الخِرَقِيُّ وابنُ أبِي مُوسى، وابنُ عَقِيلٍ في «التَّذْكِرَةِ» ، وأبو الفَرَجِ الشِّيرازِيُّ. وهو المذهبُ. زادَ ابنُ أبِي مُوسى، ولا يُؤمَرُ المُشْتَرِي بقَلْعِ بِنائِه. انتهى. قال في «الفُروعِ»: ونقَل الجماعَةُ، له قِيمَةُ البِناءِ، ولا يقْلَعُه. ونقَل سِنْدِيٌّ، أله قِيمَةُ البِناءِ، أم قِيمَةُ النَّقْصِ؟ قال: لا، قِيمَةُ البِناءِ.
فائدة: إذا أخَذَه بالقِيمَةِ، قال الحارِثِيُّ: يُعْتَبَرُ بذْلُ البِناءِ أو الغِراسِ بما يُساويه حينَ التَّقْويمِ، لا بما أنْفَقَ المُشْتَرِي؛ زادَ على القِيمَةِ أو نقَص. ذكَرَه أصحابُنا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
انتهى. وقال في «المُغْنِي» ، وتَبِعَه الشَّارِحُ: لا يُمْكِنُ إيجابُ قِيمَتِه باقِيًا؛ لأنَّ البَقاءَ غيرُ مُسْتَحَقٌّ، ولا قيمَتِه مقْلُوعًا؛ لأنَّه لو كانَ كذلك، لملَك القَلْعَ مجَّانًا؛ ولأنَّه قد يكونُ لا قِيمَةَ له إذا قُلِعَ. قالا: ولم يذْكُرْ أصحابُنا كيفِيَّةَ وُجوبِ القِيمَةِ، والظَّاهِرُ أنَّ الأرْضَ تُقَوَّمُ مغْرُوسَةً ومَبْنِيَّةً، ثم تُقَوَّمُ خالِيَةً، فيكون ما بينَهما قِيمَةَ الغَرْسِ والبِناءِ. وجزَم بهذا ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويحْتَمِلُ أنْ يُقَوْمَ الغَرْسُ والبِناءُ مُسْتَحِقًّا للتَّرْكِ بِالأُجْرَةِ، أو لأخْذِه بالقِيمَةِ، إذا امْتَنَعا مِن قَلْعِه. انتهيا.
قوله: فإنِ اخْتارَ أخْذَه، فأرَادَ المُشْتَرِي -وهو صاحِبُه- قَلْعَه، فله ذلك، إذا لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ. هذا أحدُ الوَجْهَين. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وجزَم به الخِرَقِيُّ، وابنُ عَقِيل في «التَّذْكِرَةِ» ، والآدَمِيُّ البَغْدادِيُّ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ له القَلْعَ؛ سواءٌ كان فيه ضرَرٌ، أوْ لا، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال الحارِثِيُّ: ولم يَعْتَبِرِ القاضي وأصحابُه الضرَرَ وعدَمَه. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو ظاهِرُ كلامِ الأَكْثَرِين، بل الَّذي جزَمُوا به، له ذلك سواءٌ أضَرَّ بالأرْضِ، أو لم يُضِرَّ. انتهى. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفَائقِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: قال الحارِثِيُّ: وهذا الخِلافُ الَّذي أوْرَدَه مَن أوْرَدَه مِنَ الأصحاب مُطْلَقًا ليس بالجَيِّدٍ، بل يتَعَيَّنُ تنْزِيلُه؛ إمَّا على اخْتِلافِ حالين، وإمَّا على ما قبلَ الأَخْذِ، وإنَّما أوْرَدَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ في «الفُصولِ» على هذه الحالةِ، لا غيرُ. وحيث قيلَ باعْتِبارِ عدَمِ الضَّرَرِ، ففيما بعدَ الأخْذِ، وهو ظاهِرُ ما أوْرَدَه في «التذْكِرَةِ» .
فائدتان؛ إحْداهما، لو قلَعَه المُشْتَرِي، وهو صاحِبُه، لم يضْمَنْ نَقْصَ الأرْضِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، اخْتارَه القاضي وغيرُه. قال في «الفُروعِ»: لا يضْمَنُ نقْصَ الأرْضِ في الأصحِّ. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» . وجزَم به في «الكافِي» ، وعلَّلَه بانْتِفاءِ عُدْوانِه، مع أنَّه جزَم في بابِ العارِيةِ بخلافِه. وقيل: يَلْزَمُه. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، ومال إليه الحارِثِيُّ، وقال: والكَلامُ في تَسْويَةِ الحَفْرِ، كالكَلامِ في ضَمانِ أرْشِ النَّقْصِ. وأطْلَقَهما في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والسَّبْعِين» . الثَّانيةُ، يجوزُ للمُشْتَرِي التَّصَرفُ في الشِّقْصِ الَّذي اشْتَراه بالغرْسِ والبِناءِ في الجُمْلةِ. وهو ظاهِرُ كلامِ الأصحاب. قال في رِوايَةِ سِنْدِيٍّ: ليس هذا بمَنْزِلَةِ الغاصِبِ. وقال في رِوايَةِ حَنْبَلٍ: لأَنَّه عمَر، وهو يظُنُّ أنَّه مِلْكُه، وهو ليس؛ إذا زرَع بغيرِ إذْنِ أهْلِه. قال الحارِثِيُّ:
وَإنْ بَاعَ الشَّفِيعُ مِلْكَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ، وَلِلْمُشْتَرِي الشُّفْعَةُ فيمَا بَاعَهُ الشَّفِيعُ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَينَ.
ــ
إنَّما هذا بعدَ القِسْمَةِ والتَّمْيِيزِ؛ ليكونَ التَّصَرُّفُ في خالصِ مِلْكِه، أمَّا قبلَ القِسْمَةِ، فلا يَمْلِكُ الغَرْسَ والبناءَ، وللشَّفيعِ إذًا قَلْعُ الغرْسِ والبِناءِ مجَّانًا؛ للشَّرِكَةِ لا للشُّفْعَةِ، فإنَّ أحدَ الشَّرِيكَين إذا انْفَرَدَ بهذا التَّصَرُّفِ، كان للآخَرِ القَلْعُ مجَّانًا. قال جَعْفَرُ بنُ محمدٍ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللهِ يُسْألُ عن رجُلٍ غرَسَ نَخْلًا في أرْضٍ بينَه وبينَ قَوْمٍ مُشاعًا؟ قال: إنْ كان بغيرِ إذْنِهم، قُلِعَ نخْلُه. انتهى. قلتُ: وهذا لا شَكَّ فيه.
قوله: وإنْ باعَ الشَّفيعُ مِلْكَه قبلَ العِلْمِ، لم تسْقُطْ شُفْعَتُه في أحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه». قال الحارِثِيُّ: هذا أظْهَرُ الوَجْهَين. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» . والثاني، تسْقُطُ. اخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» . وأطْلَقَهما في «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الفروعِ» ، و «الفائقِ» . فعلى المذهبِ، للبائعِ الثَّاني، وهو الشَّفِيعُ، أخْذُ الشِّقْصِ مِنَ المُشْتَرِي الأوَّلِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنْ عَفا عنه، فللمُشْتَرِي الأَوَّلِ أخْذُ الشِّقْصِ مِنَ المُشْتَرِي الثَّاني، فإنْ أخَذ منه فهل للمُشْتَرِي الأَخْذُ مِنَ الثاني؟ على الوَجْهَين، وهو قوْلُه: وللمُشْتَرِي الشُّفْعَةُ فيما باعَه الشَّفِيعُ، في أصحِّ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. صححه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وصاحِبُ «الفائقِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا شُفْعَةَ له. وأطْلَقَهما في «شَرْحِ الحارثِيِّ» . وعلى الوَجْهِ الثَّاني، في المَسْأْلَةِ الأُولَى، لا خِلافَ في ثُبوتِ الشُّفْعَةِ للمُشتَرِي الأوَّلِ على المُشْتَرِي الثاني
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في مَبِيعِ الشَّفِيعِ؛ لسَبْقِ شَرِكَتِه على المَبِيعِ، واسْتِقْرارِ مِلْكِه.
تنبيه: مَفْهومُ كلامِه، أنَّ الشَّفِيعَ لو باعَ مِلْكَه بعدَ عِلْمِه، أنَّ شُفْعَتَه تَسْقُطُ. وهو صحيحٌ، لا خِلافَ فيه أعْلَمُه. لكِنْ لو باعَ بعضَه عالِمًا، ففي سُقُوطِ الشُّفْعَةِ وَجْهان. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، تسْقُطُ. والثَّاني: لا تسْقُطُ؛ لأنَّه قد بَقِيَ مِن مِلْكِه ما يسْتَحِقُّ به الشُّفْعَةَ في جميعِ المَبِيعِ لو انْفَرَدَ، فكذلك إذا بَقِيَ. قال الحَارِثِيُّ: وهو أصحُّ إنْ شاءَ اللهُ، تعالى؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لقِيامِ المُقْتَضِي، وهو الشَّرِكَةُ، وللمُشْتَرِي الأوَّلِ الشُّفْعَةُ على المشْتَرِي الثَّاني في المَسْأْلَةِ الأُولَى، وفي الثَّانيةِ، إذا قُلْنا بسُقُوطِ شُفْعَةِ البائعِ الأوَّلِ، وإنْ قُلْنا: لا تسْقُطُ شُفْعَةُ البائعِ. فله أخْذُ الشِّقْصِ مِنَ المُشْتَرِي الأوَّلِ. وهل للمُشْتَرِي الأوَّلِ شُفْعَة على المُشْتَرِي الثَّاني؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ؛ أحدُهما، له الشُّفْعَةُ. قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي»: وهو القِياسُ. والوَجْهُ الثَّاني، لا شُفْعَةَ له. فعلى الأوَّلِ، للمُشْتَرِي الأوَّلِ الشُّفْعَةُ على المُشْتَرِي الثَّاني؛ سواءٌ أخَذ منه المَبِيعَ بالشُّفْعَةِ، أو لم يَأَخُذْ، وللبائعِ الثَّاني، إذا باعَ بعضَ الشِّقْصِ، الأخْذُ مِنَ المُشْتَرِي الأوَّلِ في أَحَدِ الوَجْهَين. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» .
فائدة: لو باعَ بعضَ الحِصَّةِ جاهِلًا؛ فإنْ قيلَ بالشُّفْعَةِ فيما لو باعَ الكُلَّ في هذه الحالِ، فلا كَلامَ، وإنْ قيلَ بسُقُوطِها فيه، فهنا وَجْهان أوْرَدَهما القاضي، وابنُ عَقِيل، ووَجْهُهما ما تقدَّم في أصْلِ المَسْأْلَةِ. قال الحارِثِيُّ: والأصحُّ جَرَيانُ الشُّفْعَةِ بالأوْلَى.
وَإنْ مَاتَ الشَّفِيعُ بَطَلَتِ الشُّفْعَةُ إلا أنْ يَمُوتَ بَعْدَ طَلَبِهَا، فَتَكُونَ لِوَارِثِهِ.
ــ
قوله: وإنْ ماتَ الشَّفِيعُ، بطَلَتِ الشُّفْعَةُ، إلَّا أنْ يَمُوت بعدَ طلَبِها، فتكونَ لوارِثِه. إذا ماتَ الشَّفِيعُ فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ قد ماتَ قبلَ طَلَبِها أو بعدَه؛ فإنْ ماتَ قبلَ طَلَبِها، لم يَسْتَحِقَّ الوَرَثَةُ الشُّفْعَةَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحَابُ، ونصَّ عليه مِرارًا. قال في «القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: لا تُورَثُ مُطالبَةُ الشُّفْعَةِ مِن غيرِ مُطالبَةِ رَبِّها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وله مأْخَذان؛ أحدُهما، أنَّه حقٌّ له، فلا يَثْبُتُ بدُونِ مُطالبَتِه، ولو عُلِمَتْ رَغْبَتُه مِن غيرِ مُطالبَتِه، لكَفَى في الإرْثِ. ذكَرَه القاضي في «خِلافِه» . والمأْخَذُ الثَّاني، أنَّ حقَّه سقَط بتَرْكِه وإعْراضِه، لا سِيَّما على قوْلِنا: إنَّها على الفَوْرِ. فعلى هذا، لو كان غائبًا، فللوَرَثَةِ المُطالبَةُ، وليس ذلك على الأوَّلِ. انتهى. وقيل: للورَثَةِ المُطالبَةُ. وهو تخرِيجٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأبِي الخَطَّابِ. ونقَل أبو طالبٍ، إذا ماتَ صاحِبُ الشُّفْعَةِ، فلولَدِه أنْ يَطْلُبوا الشُّفْعَةُ لمُوَرِّثِهم. قال في «القواعِدِ»: وظاهِرُ هذا، أنَّ لهم المُطالبَةَ بكُلِّ حالٍ. انتهى. وإنْ ماتَ بعدَ أنْ طالبَ بها، اسْتَحَقَّها الورَثَةُ. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ، ولا أعلمُ فيه خِلافًا. وقد توقَّفَ في رِوايَةِ ابنِ القاسمِ، وقال: وهو مَوْضِعُ نظَرٍ. وتقدَّم نَظيرُ ذلك في آخِرِ فصْلِ خِيارِ الشَّرْطِ. قال الحارِثِيُّ: ثم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِنَ الأصحابِ مَن يُعَلِّلُ بإفادَةِ الطَّلَبِ للمِلْكِ، فيكونُ الحقُّ مَوْرُوثًا بهذا الاعْتِبارِ، وهي طريقةُ القاضي، وأبِي الخَطَّابِ، ومَن وافَقَهما على إفادَةِ المِلْكِ، ومنهم مَن يُعَلِّلُ بأنَّ الطَّلَبَ مُقَرِّرٌ للحَقِّ، ولهذا لم تسْقُطْ بتَأْخيرِ الأَخْذِ بعدَه، وتسْقُطُ قبلَه، وإذا تَقرَّرَ الحقُّ، وجَب أنْ يكونَ مَوْروثًا، وهي طريقةُ المُصَنِّفِ، ومَن وافَقَه على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّ الطَّلَبَ لا يُفِيدُ المِلْكَ، وهو مُقْتَضَى كلامِ أحمدَ.
تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ الشَّفِيعَ لا يَمْلِكُ الشِّقْصَ بمُجَردِ المُطالبَةِ. وهو أحدُ الوُجوهِ، فلابُدَّ للتَمَلُّكِ مِن أخْذِ الشِّقْصِ، أو يأْتِي بلَفْظٍ يدُلُّ على أخْذِه بعدَ المُطالبَةِ؛ بأنْ يقولَ: قد أخَذْتُه بالثَّمَنِ. أو: تَمَلَّكْتُه بالثَّمَنِ. ونحوَ ذلك. وهو اخْتِيارُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ. وقدَّمَه الحارِثِيُّ، ونصَرَه، وقال: اخْتارَه المُصَنِّفُ وغيرُه مِنَ الأصحابِ. وقيل: يَمْلِكُه بمُجَرَّدِ المُطالبَةِ إذا كان مَلِيئًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالثَّمَنِ. وهو المذهبُ. اخْتارَه القاضي، وأبو الخَطَّابِ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». قال الحارِثِيُّ: وهو قَولُ القاضي، وأكثرِ أصحابِه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وصاحبِ «التَّلْخيصِ» . فيَصِحُّ تصَرُّفُه قبلَ قَبْضِه فيه. وقيل: لا يمْلِكُه إلا بمُطالبَتِه وقَبْضِه. وقيل: لا يَمْلِكُه إلَّا بحُكْمِ حاكمٍ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وقطَع به في «تَذْكِرَتِه». قال الحارِثِيُّ: ويحْصُلُ المِلْكُ بحُكْمِ الحاكمِ أيضًا. ذكَرَه ابنُ الصَّيرَفيِّ في «نوادِرِه» ، وقال به غيرُ واحدٍ. انتهى. وقيل:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يمْلِكُه إلا بدَفْعِ ثَمَنِه، ما لم يَصْبِرْ مُشْتَرِيه. واخْتارَه ابنُ عَقِيل أيضًا. حَكاه، في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» قال في «القواعِدِ»: ويَشْهَدُ له نصُّ أحمدَ، إذا لم يُحْضِرِ المال مُدَّةً طويلةً، بطَلَتْ شُفْعَتُه. وقال في «الرِّعايَةِ»: الأصحُّ أنَّ له التَّصَرفَ قبلَ قَبْضِه وتمَلُّكِه. وقال في «التَّلْخيصِ» و «التَّرْغيبِ» :
فَصْلٌ: وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أوْ عَنْ بَعْضِهِ، سَقَطَتْ شُفعَتُهُ.
ــ
للمُشْتَرِي حَبْسُه على ثَمَنِه؛ لأنَّ المِلْكَ بالشُّفْعَةِ قَهْرِيٌّ؛ كالمِيراثِ، والبَيعِ عن رِضًا. ويُخالِفُه أيضًا في خِيارِ الشَّرْطِ، وكذا خِيارُ مَجْلِسٍ مِن جِهَةِ شَفيعٍ بعدَ تَمَلُّكِه؛ لنُفُوذِ تصَرُّفِه قبلَ قَبْضِه بعدَ تمَلُّكِه بإرْثٍ.
فوائد؛ منها، تنْتَقِلُ الشُّفْعَةُ إلى الوَرَثَةِ كلِّهم على حسَبِ مِيراثِهم. ذكَرَه غيرُ واحدٍ؛ فهم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والسَّامَرِّيُّ، وابنُ رَجَبٍ، وغيرُهم. ومنها، لا فَرْقَ في الوارِثِ بينَ ذَوي الرَّحِمِ والزَّوْجِ والمَوْلَى وبَيتِ المالِ، فيَأْخُذُ الإِمامُ بها. صرَّح به الأصحابُ. قاله في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ والأرْبَعِين بعدَ المِائَةِ» . ومنها، إشْهادُ الشَّفيعِ على الطَّلَبِ حالةَ العُذْرِ يقُومُ مَقامَ الطَّلَبِ في الانْتِقالِ إلى الوَرَثَةِ. ومنها، شَفِيعان في شِقْصٍ، عَفا أحدُهما، وطالبَ الآخَرُ، ثم ماتَ، فوَرِثَه العافِي، له أخْذُ الشِّقْصِ بالشُّفْعَةِ. ذكَرَه المُصَنِّفُ وغيرُه. قال المُصَنِّفُ: وكذا لو قذَف رَجُلٌ أُمَّهما المَيتَةَ، فعَفا أحدُهما، وطالبَ الآخرُ، ثم ماتَ، فوَرِثَه العافِي، كان له اسْتِيفاءُ الحدِّ بالنِّيابَةِ عن أخِيه، إذا قيلَ بوُجُوبِ الحدِّ بقَذْفِها.
تنبيه: قولُه: ويَأْخُذُ الشَّفِيعُ بالثَّمَنِ الَّذى وقَع عليه العَقْدُ. قال الحارِثِيُّ: فيه مُضْمَر حُذِفَ اخْتِصارًا، وتقْديرُه، مِثْلُ الثَّمَنِ، أو قَدْرُه؛ لأنَّ الأخْذَ بعَينِ الثَّمَنِ المأْخُوذِ به للمُشْتَرِي غيرُ مُمْكِنٍ، فتعَيَّنَ الإِضْمارُ. وإذَنْ فالظَّاهِرُ إرادَةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّاني، وهو القدْرُ؛ لأنَّه تعرَّض لوَصْفِ التَّأْجيلِ، والمِثْلِيَّةِ والتَّقْويمِ فيما بعدُ، فلو كانَ المِثْلُ مُرادًا، لَكانَ تَكْرِيرًا؛ لشُمولِ المِثْلِ للصِّفَةِ والذَّاتِ. انتهى.
قوله: وإنْ عجَز عنه أو عن بعضِه، سقَطَتْ شُفْعَتُه. ولو أتَى برَهْنٍ أو ضامِنٍ، لم يَلْزَمِ المُشْتَرِيَ، ولكِنْ يُنْظَرُ ثَلَاثًا، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ حتَّى يتَبَيَّنَ عَجْزُه. نصَّ عليه. وجزَم به في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «المُحَررِ» ، وعنه، لا يُنْظَرُ إلَّا يوْمَين. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . وعنه، يُرْجَعُ في ذلك إلى رَأْي الحاكمِ. قلتُ: وهذا الصَّوابُ في وَقْتِنا هذا. فإذا مضَى الأجَلُ، فسَخ المُشْتَرِي. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه القاضي، والمُصَنِّفُ. قال الحارِثِيُّ: وهو أصحُّ. وقدَّمه في «الفُروعِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيل: إنَّما يفْسَخُه الحاكِمُ. قدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الفائقِ». وقيل: يُتَبَيَّنُ بُطْلانُه. اخْتاره ابنُ عَقِيلٍ. قال الحارِثِيُّ: والمَنْصُوصُ مِن روايَةِ الحَمَّالِ، بُطْلانُ الشُّفْعَةِ مُطْلَقًا. وهو ما قال في «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَررِ» (1).
فوائد؛ الأُولَى، المذهبُ أنَّ الأَخْذَ بالشُّفْعَةِ نَوْعُ بَيعٍ؛ لأنَّه دَفْعُ مالٍ لغَرَضِ التَّمَلُّكِ، ولهذا اعْتُبِرَ له العِلْمُ بالشِّقْصِ وبالثَّمَنِ، فلا يصِحُّ مع جَهالتِهما. ذكَرَه المُصَنِّفُ وغيرُه، قال: وله المُطالبَةُ بالشُّفْعَةِ مع الجَهالةِ: ثمْ يتَعَرَّفُ مِقْدارَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّمَنِ. وذكَرَ احْتِمالًا بجَوازِ الأخْذِ مع جَهالةِ الشِّقْصِ؛ بِناءً على جوازِ بَيعِ الأعْيانِ الغائِبَةِ. الثَّانيةُ، قال المُصَنِّفُ وغيرُه: إذا أخَذ بالشُّفْعَةِ، لم يَلْزَمِ المُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الشِّقْصِ حتَّى يقْبِضَ الثَّمَنَ. وقاله في «التَّلْخيصِ» وغيرِه، وفرَّق بينَه وبينَ البَيعِ. الثَّالثةُ، لو تسَلَّم الشِّقْصَ، والثَّمَنُ في الذِّمَّةِ، فأَفْلَسَ، فقال المُصَنِّفُ
وَمَا يُحَطُّ مِنَ الثَّمَنِ أوْ يُزَادُ فِيهِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ يُلْحَقُ بِهِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُلْحَقُ بِهِ.
ــ
وغيرُه: المُشْتَرِي مُخَيَّرٌ بينَ الفَسْخِ والضَّرْبِ مع الغُرَماءِ بالثَّمَنِ، كالبائعِ إذا أفْلَسَ المُشْتَرِي. الرَّابعةُ، في رُجوعِ شَفِيعٍ بأرْشٍ على مُشْتَرٍ، عَفا عنه بائعٌ، وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ». قلتُ: الصَّوابُ عدَمُ الرُّجوعِ، وهو ظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ. ثم وَجَدْتُه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزينٍ» ، و «الحارِثِيِّ» ، قطَعُوا بذلك. وتقدَّم ذلك بعدَ قوْلِه: وإن فُسِخَ البَيعُ بعَيبٍ أو إقالةٍ.
وَإنْ كَانَ مُؤْجَّلًا، أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالأَجَلِ إِنْ كَانَ مَلِيًّا، وَإلَّا أَقَامَ كَفِيلًا مَلِيًّا وَأَخَذَ بِهِ.
ــ
قوله: وإنْ كان مُؤجَّلًا، أخَذَه الشَّفيعُ بالأجَلِ إنْ كان مَلِيئًا، وإِلَّا أقامَ كَفِيلًا مَلِيئًا وأخَذ به. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه. لكِنْ شرَط القاضي في «الجامِعِ الصَّغِيرِ» وغيرِه، ووَلَدُه أبو الحُسَينِ، والقاضي يَعْقُوبُ، وأبو
وَإنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرْضًا، أعْطَاهُ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ ذَا مِثْلٍ، أوْ قِيمَتَهُ.
ــ
الحَسَنِ بنُ بَكْروسٍ، وَصْفَ الثِّقَةِ مع المَلاءَةِ، فلا يسْتَحِقُّ. بدُونِهما. قال الحارِثِيُّ: وليس ببعيدٍ مِنَ النَّصِّ.
فائدة: لو أخَذ الشَّفِيعُ بالأجَلِ، ثم ماتَ هو أو المُشْتَرِي، وقُلْنا: يحِلُّ الدَّينُ بالمَوْتِ. حلَّ الثَّمَنُ عليه، ولم يحِلَّ على الحَيِّ منهما. ذكَره المُصَنِّفُ وغيرُه.
فائدة: قال الحارِثِي: إطْلاقُ قَوْلِ المُصَنِّفِ: إنْ كانَ مُؤجَّلًا، أخَذَه بالأَجَلِ، إنْ كان مَلِيئًا. يُفِيدُ ما لو لم يتَّفِقْ طَلَبُ الشَّفِيعِ إلَّا عندَ حُلولِ الأجَلِ أو بعدَه، أنْ يثْبُتَ له اسْتِئْنافُ الأجَلِ. وقطَع به ونصَرَه.
قوله: وإنْ كان الثَّمَنُ عَرْضًا، أعْطاه مِثْلَه إنْ كان ذا مِثْلٍ، وَإلَّا قيمَتَه. اعلمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّ الثَّمَنَ لا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ مِثْلِيًّا، أو مُتَقَوَّمًا، فإنْ كان مِثْلِيًّا، انْقسَمَ إلى نَقْدٍ وعَرْض، وأيًّا ما كانَ، فالمُماثَلَةُ فيه تتَعلَّقُ بأُمورٍ؛ أحدُها، الجِنْسُ. فيَجِبُ مِثْلُه مِنَ الجِنْسِ؛ كالذهَبِ، والفِضَةِ، والحِنْطَةِ، والشعِيرِ، والزَّيتِ، ونحوه، وإنِ انْقطَعَ المِثْلُ حالةَ الأخْذِ، انْتقَلَ إلى القِيمَةِ، كما في الغَصْبِ، حَكاه ابنُ الزَّاغُونِي محَلَّ وفِاقٍ. وفي أصْلِ المَسْأْلَةِ رِوايَةٌ، أنَّه يأْخُذُ بقِيمَةِ المَكِيلِ والمَوْزُونِ؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعَذَّرَ المِثْلُ، أوْ لا. وأمَّا المَذْرُوعُ، كالثِّياب، فقال ابنُ الزَّاغُونِيِّ في شُروطِه: القَوْلُ فيه كالقَوْلِ في المَكِيلِ والمَوْزونِ، إلَّا أنَّ القَوْلَ فيه هنا مَبْنِيٌّ على السَّلَمَ فيه؛ فحيثُ صحَّحْنا السَّلَمَ فيه، أخَذ مِثْلَها، إلَّا على الرِّوايَةِ في أنَّها مَضْمُونَةٌ بالقِيمَةِ، فيأخُذُ الشَّفيعُ بالقِيمَةِ، وحيثُ قُلْنا: لا يصِحُّ. يأخُذُ القِيمَةَ، والأَوْلَى القِيمَةُ. انتهى. قال الحارِثِيُّ: والقِيمَةُ اخْتِيارُ المُصَنِّفِ، وعامَّةِ الأصحابِ. وأمَّا المَعْدُودُ، كالبَيضِ ونحوه، فقال ابنُ الزَّاغُونِيِّ: ينْبَنِي على السَّلَمِ فيه؛ إنْ قيلَ بالصِّحَّةِ، ففيه ما في المَكِيلِ والمَوْزُونِ، وإلَّا فالقِيمَةُ. الثَّاني، المِقْدارُ. فيَجِبُ مِثْلُ الثَّمَنِ قَدْرًا مِن غيرِ زِيادَةٍ ولا نَقْص؛ فإنْ وقَع العَقْدُ على ما هو مُقَدَّر بالمِعْيارِ الشَّرْعِيِّ، فذاكَ، وإنْ كان بغيرِه؛ كالبَيعِ بألفِ رَطْلٍ مِن حِنْطَةٍ، فقال في «التَّلْخيصِ»: ظاهِرُ كلام أصحابِنا، أنَّه يُكالُ ويُدْفَعُ إليه مِثْلُ مَكِيِلِه؛ لأنَّ الرِّبَويَّاتِ تَماثُلُها بالمِعْيارِ الشَّرْعِيِّ. وكذلك إقْراضُ الحِنْطَةِ بالوَزْنِ. وقال:
وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، فَالقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، إلا أَنْ تَكُونَ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ.
ــ
يَكْفِي عندِي الوَزْنُ هنا؛ إذِ المَبْذُولُ في مُقابَلَةِ الشِّقْصِ، وقَدْرُ الثَّمَنِ، مِعْيارُه لا عِوَضُه. انتهى.
تنبيه: تقدَّم في الحِيَلِ، إذا جَهِلَ الثَّمَنَ، ما يأْخُذُ. الثَّالثُ، الصِّفَةُ في الصِّحاحِ، والمُكَسَّرَةِ، والسُّودِ، ونَقْدِ البَلَدِ، والحُلُولِ، وضِدَّها. فيَجِبُ مِثْلُه صِفَةً. وإنْ كان مُتَقَومًا؛ كالعَبْدِ، والدَّارِ، ونحوهما، فالواجِبُ اعْتِبارَه بالقِيمَةِ يوْمَ البَيعِ. وقال في «الرِّعايَةِ»: يأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بما اسْتقَر عليه العَقْدُ؛ مِن ثَمَنِ مِثْلِيٍّ، أو قِيمَةِ غيرِه وَقْتَ لُزومِ العَقْدِ. وقيل: بل وَقْتَ وُجوبِ الشُّفْعَةِ. انتهى.
فائدة: لو تَبايَعَ ذِمِّيَّان بخَمْرٍ؛ إنْ قُلْنا: ليسَتْ مالًا لهم. فلا شُفْعَةَ بحالٍ. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم، واقْتَصَر عليه الحارِثِيُّ. وإنْ قُلْنا: هي مالٌ لهم. فأطْلَقَ أبو الخَطَّابِ وغيرُه وُجوبَ الشُّفْعَةِ، وكذا قال القاضي وغيرُه. ثم قال في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَلْخيصِ»: يأْخُذُ بقِيمَةِ الخَمْرِ، كا لو أتْلَفَ على ذِمِّيٍّ خَمْرًا.
قوله: وَإِنِ اخْتَلَفا في قَدْرِ الثَّمَنِ، فالقوْلُ قَوْلُ المُشْتَرِي، إلا أنْ يكونَ للشَّفيعِ بَيِّنَةٌ. وهذا بلا نِزاعٍ، وعليه الأصحابُ. لكِنْ لو أقامَ كلُّ واحدٍ مِنَ الشَّفيعِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمُشْتَرِي بَيِّنَةً بثَمَنِه، فقال القاضي، وابنُه أبو (1) الحُسَينِ، وأبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وأبو القاسِمِ الزَّيدِيُّ، وصاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ»: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الشَّفيعِ. قال الحارِثِيُّ: ويَقْتَضِيه إطْلاقُ الخِرَقِيِّ، والمُصَنِّفِ هنا. وجزَم به في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ». وقيل: يتَعارَضان. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» . وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وقيل باسْتِعْمالِهما بالقُرْعَةِ. وأطْلَقَهُنَّ في «الفُروعِ» . ووَجَّه الحارِثِيُّ قَوْلًا، أنَّ القَوْلَ قَوْلُ المُشْتَرِي؛ لأنَّه قال: قَوْلُ الأصحابِ هنا مُخالِفٌ لِمَا قالُوه في بَيِّنَةِ البائِعِ
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمُشْتَرِي، حيثُ قدَّموا بَيِّنَةَ البائعِ؛ لأنَّه مُدَّعٍ بزِيادَةٍ، وهذا بعَينِه مَوْجُودٌ في المُشْتَرِي هنا، فيَحْتَمِلُ أنْ يُقال فيه بمِثْلِ ذلك. انتهى.
فوائد؛ إحْداها، لو قال المُشْتَرِي: لا أعْلَمُ قَدْرَ الثَّمَنِ. فالقَوْلُ قوْلُه. ذكَرَه الأصحابُ؛ القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. قال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ: فيَحْلِفُ أنَّه لا يعْلَمُ قَدْرَه، لأنَّ ذلك وَفْقَ الجَوابِ، وإذَنْ لا شُفْعَةَ؛ لأنَّها لا تُسْتَحَقُّ بدُونِ البَدَلِ، وإيجابُ البَدَلِ مُتَعَذِّرٌ للجَهالَةِ. ولو ادَّعَى المُشْتَرِي جَهْلَ قِيمَةِ العَرْضِ، فكدَعْوَى جَهْلِ الثَّمَنِ. ذكَرَه المُصَنِّفُ وغيرُه. وتقدَّم التَّنْبِيهُ على ذلك، بعدَ ذِكْرِ الحِيَلِ، أوَّلَ البابِ. الثَّانيةُ، لو قال البائعُ: الثَّمَنُ ثلَاثةُ آلافٍ. وقال المُشْتَرِي: ألفان. وقال الشَّفِيعُ. ألْفٌ. وأقامُوا البَيِّنةَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فالبَيِّنَةَ للبائِع، على ما تقدَّم؛ لدَعْوَى الزِّيادَةِ. الثَّالثةُ، لو كان الثَّمَنُ عَرضًا، واخْتلَفَ الشَّفِيعُ والمُشْتَرِي في قِيمَتِه، فإنْ وُجِدَ، قُوِّم، وإنْ تَعذَّرَ، فالقَوْلُ قوْلُ المُشْتَرِي مع يَمِينِه. قاله المُصَنِّفُ وغيرُه. وإنْ أقامَا بَيِّنَةً بقِيمَتِه، قال الحارِثِيُّ: فالأظْهَرُ التَّعارُضُ. ويَحْتَمِلُ تقْديمَ بَيِّنَةِ الشَّفيعِ.
وَإِنْ قَال الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيتُهُ بِأَلْفٍ. وَأقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفَينِ، فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِأَلْفٍ. وَإنْ قَال الْمُشْتَرِي: غَلِطْتُ. فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؟ عَلَى وَجْهَينِ.
ــ
قوله: وإنْ قال المُشْتَرِي: اشْتَرَيتُه بأَلْفٍ. وأقامَ البائعُ بَيِّنَة أنَّه بَاعَه بأَلْفَين، فللشَّفِيعِ أخذُه بألْفٍ -بلا نِزاعٍ- وإنْ قال المُشْتَرِي: غَلِطْتُ -أو نَسيت، أو كَذَبْتُ- فهل يُقْبَلُ قَولُه مع يمينه؟ على وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، يُقْبَلُ قَوْلُه. قال القاضي: قِياسُ المذهبِ عندِي، يُقْبَلُ قوْلُه، كما لو أخْبرَ في المُرابحَةِ. ثم قال: غَلِطْتُ. بل هنا أوْلَى؛ لأنَّه قد قامَتْ بَيِّنَةُ بكَذِبِه. قال الحارِثِيُّ: هذا الأقْوَى. قال فِي «الهِدْايَةِ» ، لمَّا أطْلَقَ الوَجْهَين؛ بِناءً على المُخْبِرِ في المُرابَحَةِ، إذا قال: غَلِطْتُ. وقد تقدَّم أنَّ أَكْثرَ الأصحابِ قَبِلُوا قوْلَه في ادِّعائِه غلَطًا في المُرابحَةِ. وصحَّحه هنا في «التَّصحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا يُقْبَلُ. قدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وجزَم به في «الكافِي» . واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. وهذا المذهبُ على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما اصْطَلَحْناه. ونقَل أبو طالِبٍ في المُرابحَةِ، إنْ كان البائِعُ مَعْرُوفًا بالصِّدْقِ، قُبِلَ قوْلُه، وإلَّا فلا. قال الحارِثِيُّ: فيُخَرَّجُ مِثْلُه هنا. قال: ومِنَ الأصحاب مَن أَبَى الإِلْحَاقَ بمَسْأْلَةِ المُرابحَةِ. قال ابنُ عَقِيلٍ: عنْدِي أنَّ دَعْواه لا تُقْبَلُ؛ لأنَّ مذهبَنا أنَّ الذَّرائِعَ مَحْسُومَةٌ، وهذا فَتْحٌ لبابِ الاسْتِدْراكِ لكُلِّ قَوْلٍ يُوجِبُ حقًّا. ثم فرَّق بأنَّ المُرابحَةَ كان فيها أمِينًا، حيثُ رُجِعَ إليه في الإِخْبارِ بالثَّمَنِ، وليس المُشْتَرِي أمِينًا للشَّفيعِ، وإنَّما هو خَصْمُه، فافْتَرَقا. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وقيلَ: يتَحالفان، ويُفْسَخُ البَيعُ، ويأْخُذُه بما حلَف عليه البائعُ لا المُشْتَرِي.
وَإِنِ ادَّعَى أَنَّكَ اشتَرَيتَهُ بِأَلْفٍ، قال: بَلَ اتَّهَبْتُهُ. أَوْ: وَرثْتُهُ. فَالْقَولُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا، أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إِمَّا أَنْ تَقْبَلَ الثَّمَنَ، وَإِمَّا أنْ تُبْرِئَ مِنْهُ.
ــ
قوله: وَإِنِ ادَّعَى أَنَّكَ اشتَرَيتَهُ بِأَلْفٍ، قال: بَلَ اتَّهَبْتُهُ. أَوْ: وَرثْتُهُ. فَالْقَولُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ -بلا نِزاعٍ- فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا، أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إِمَّا أَنْ تَقْبَلَ الثَّمَنَ، وَإِمَّا أنْ تُبْرِئَ مِنْهُ. اعلمْ أنَّه إذا ادَّعَى الشَّفِيعُ على بعضِ الشُّركاءِ دَعْوَى مُحَرَّرَةً بأنَّه اشْتَرَى نَصِيبَه، فله أخْذُه بالشُّفْعَةِ، وأنْكَرَ الشَّرِيكُ، وقال: إنَّما اتَّهَبْتُه. أو: وَرِثْتُه. فالقَوْلُ قوْلُه مع يَمِينِه، فإنْ نكَل عنِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اليَمِينِ، أو قامَتْ بَيِّنَةٌ للشَّفِيعِ بالشِّراءِ، فللشَّفِيعِ أخْذُه ودَفْعُ الثَّمَنِ إليه. فإنْ قال: لا أسْتَحِقُّه. فجزَم المُصَنِّفُ هنا، أنْ يُقال للمُشْتَرِي: إمَّا أنْ تقْبَلَ الثَّمَنَ، وإمَّا أنْ تُبْرِيء منه، كالمُكاتَبِ إذا جاءَ بالنَّجْمِ قبلَ وَقْتِه. وهذا أحدُ الوُجوهِ. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، على ما يأتِي قريبًا. وقيل: يَبْقَى في يَدِ الشَّفيعِ إلى أنْ يدَّعِيَه المُشْتَرِي، فيَدْفَعَه إليه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وهذا أوْلَى. قال الحارِثِيُّ: ونقَل غيرُه أنَّه المذهبُ. وقيل: يأْخُذُه الحاكِمُ يحْفَظُه لصاحِبِه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى أنْ يدَّعِيَه، فمتى ادَّعاه المُشْتَرِي، دفَع إليه. وأطْلَقهُنَّ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وأطْلَقَ الأخِيرَتَين في «التَّلْخيصَ» .
تنبيه: محَلُّ الخِلافِ عندَ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، وصاحِبِ «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم، حيثُ أصرَّ على الهِبَةِ أو الإِرْثِ، وقامَتْ بَيِّنَةٌ بالشِّراءِ. ومحَلُّ الخِلافِ عندَ صاحبِ «الرِّعَايتَين» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، على قَوْلِ القاضي، فقَطَع هؤلاء بأنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُقال: إمَّا أنْ تَقْبَلَ الثَّمَنَ أو تُبْرِئَ. فإنْ أبى مِن ذلك، فيأْتِي الخِلافُ؛ وهو أنَّه هل يكونُ عندَ الشَّفيعِ أو الحاكِمِ؟ فقدَّم في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «النَّظْمِ» ، أنَّه يكونُ عندَ الشَّفيعِ. وقطَع ابنُ عَبْدُوسٍ، أنَّه يكونُ عندَ الحاكِمِ يَحْفَظُه له.
وَإنْ كَانَ عِوَضًا في الْخُلْعِ أو النِّكَاحِ أَو عَنْ دَمٍ عَمْدٍ، فَقَال الْقَاضِي: يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ. وَقَال غيرُهُ: يَأْخُذُهُ بالدِّيَةِ وَمَهْرِ الْمِثْلَ.
ــ
قوله: وإنْ كانَ عِوَضًا في الخُلْعِ، أو النِّكاحِ، أو عن دَمِ العَمْدِ، فقال القاضي: يأْخُذُه بقِيمَتِه. قال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ: قِياسُ قَوْلِ ابنِ حامدٍ الأخْذُ بقِيمَةِ الشِّقْصِ. وهو الصَّحيحُ. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فِي «تَذْكِرَتِه» ، وصاحِبُ «الفائقِ» . وصحَّحه في «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الرِّعايةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقطَع به في «الهِدايَةِ». وقال غيرُه:
فَصْلٌ: وَلَا شُفْعَةَ في بَيعِ الْخِيَارِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ. نَصَّ عَلَيهِ. وَيَحْتَمِلُ أن تَجِبَ.
ــ
يأْخُذُه بالدِّيَةِ ومَهْرِ المِثْلِ. اختارَه ابنُ حامِدٍ، حَكاه عنه الشَّرِيفُ أبو جَعْفرٍ وغيرُه. ومُقْتَضَى قوْلِ المُصَنِّفِ أن غيرَ القاضي مِنَ الأصحابِ قال ذلك. وفيه نظَرٌ. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» .
تنبيه: هذا الخِلافُ مُفَرَّغٌ على القَوْلِ بثُبوتِ الشُّفْعَةِ في ذلك. وهو قَوْلُ ابنِ حامِدٍ، وجماعةٍ. على ما تقدَّم أوَّلَ الباب. وتقدَّم التَّنْبِيهُ أيضًا على الخِلافِ هناك، وأمَّا على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، فلا يأْتِي الخِلافُ.
فائدة: تقْويمُ الشِّقْصِ، أو تقْويمُ مُقابِلِه، على كِلا الوَجْهَين، مُعْتَبَرٌ في المَهْرِ بيَوْمِ النِّكاحِ، وفي الخُلْعِ بيَوْمِ البَينُونَةِ. وإنْ كان مُتْعَةً في طَلاقٍ، فعلى الأوَّلِ، يأْخُذُ بقِيمَتِه. وعلى الثانِي، يأْخُذُ بمَهْرِ المِثْلِ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، كما في الخُلْعِ به. قال الحارِثِيُّ: ويَحْتَمِلُ أنْ يأْخُذَ بمُتْعَةِ مِثْلِها. قال: وهو الأقْرَبُ.
قوله: ولا شُفْعَةَ في بَيعِ الخيارِ قبلَ انْقِضائِه، نصَّ عليه. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِه. قال في «القواعِدِ» ، في الفائدَةِ الرَّابعَةِ: وأمَّا الشُّفْعَةُ، فلا تَثْبُتُ في مُدَّةِ الخِيارِ على الرِّوايتَين، عندَ أكثَرِ الأصحابِ، ونصَّ عليه في رِوايةِ حَنْبَلٍ. فمِنَ الأصحابِ مَن علَّلَ بأنَّ المِلْكَ لم يسْتَقِرَّ. وعلَّلَ القاضي، في «خِلافِه» بأنَّ الأخْذَ بالشُّفْعَةِ يُسْقِطُ حقَّ البائعِ مِنَ الخِيارِ، ولذلك لم تَجُزِ المُطالبةُ في مُدَّتِه. فعلى هذا، لو كان الخِيارُ للمُشْتَرِي وحدَه، ثبَتَتِ الشُّفْعَةُ. انتهى. ويَحْتَمِلُ أنْ تجِبَ مُطْلَقًا، وهو تخريجٌ لأبِي الخَطَّابِ. يعْنِي، إذا قُلْنا بانْتِقالِ المِلْكِ. وقيلَ: تجِبُ في خِيارِ الشَّرْطِ، إذا كان الخِيارُ للمُشَترِي. وهو مُقْتَضَى تعَليلِ القاضي في «خِلافِه» ، كما قاله في «الفوائِدِ» عنه. وتقدَّم ذلك في الخِيارِ في البَيعِ، بعدَ قوْلِه: وينْتَقِلُ المِلْكُ إلى المُشْتَرِي بنَفْسِ العَقْدِ.
فائدة: حُكْمُ خِيارِ المَجْلِسِ، حُكْمُ خِيارِ الشَّرْطِ. قاله في «الفُروعِ» وغيرِه.
وَإنْ أقرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيعِ، وَأنكَرَ الْمُشْتَرِي، فَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجهَينَ.
ــ
قوله: وإنْ أقرَّ البائعُ بالبَيعِ، وأنْكَرَ المُشْتَرِي، فهل تجِبُ الشُّفْعَةُ؟ على وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الفائق» ؛ أحدُهما، تجِبُ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» ، ونصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. واخْتارَه القاضي، وابنُه، وابنُ عَقِيل، وابنُ بَكْروس، واخْتارَه أبو الخَطَّابِ، وابنُ الزَّاغُونِيِّ. قال في «المُسْتَوعِبِ» (1): هذا قِياسُ المذهبِ، ذكَرَه شُيوخُنا الأوائِلُ. قال: ولأنَّ أصحابَنا قالوا: إذا اخْتلَفَ البائِعُ والمُشْتَرِي في الثَّمَنِ، تَحالفا، وفُسِخَ البَيعُ، وأخَذَه الشَّفيعُ بما حلَف عليه البائعُ. فأثْبَتُوا الشُّفْعَةَ مع بُطْلانِ البَيعِ في حقِّ المُشْتَرِي. انتهى. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي
(1) في ط: «المبسوط» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّغِيرِ»، و «الفُروعِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا تجِبُ. اخْتارَه الشَّرِيفان؛ أبو جَعْفَر، وأبو القاسِمِ الزَّيدِيُّ. قال في «التَّلْخيصِ»: اخْتارَه جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ. قال الحارِثِيُّ: وهذا أقْوَى. فعلى المذهبِ، يقْبِضُ الشَّفِيعُ مِنَ البائعِ. وأمَّا الثَّمَنُ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أن يُقِرَّ البائعُ بقَبْضِه، أوْ لا، فإن لم يُقِرَّ بقَبْضِه، فإنَّه يُسْلَمُ إلى البائعِ، والعُهْدَةُ عليه، ولا عُهْدَةَ على المُشْتَرِي. قاله الأصحابُ؛ منهم القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيل في «الفُصولِ» ، والمُصَنِّفُ فهي «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الوَجيزِ» ، والزَّرْكَشِيُّ، وغيرُهم. قال الحارِثِيُّ: وهذا يقْتَضِي تلَقِّيَ المِلْكِ عنه، وهو مُشْكِلٌ. وكذا أخْذُ البائعِ للثَّمَنِ مُشْكِل؛ لاعْتِرافِه بعدَمِ اسْتِحْقاقِه عليه. ثم قال القاضي، وابنُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، وجماعَةٌ: ليس للشفيعِ ولا للبائعِ مُحاكَمَةُ المُشْتَرِي؛ ليُثْبِتَ البَيعَ في حقِّه، وتجِبَ العُهْدَةُ عليه؛ لأنَّ مقْصودَ البائِعِ الثَّمَنُ، وقد حصَل مِنَ الشَّفيعِ، ومَقْصودَ الشَّفيعِ أخْذُ الشِّقْصِ، وضَمانُ العُهْدَةِ، وقد حصَلا مِنَ البائعٍ، فلا فائدَةَ في المُحاكَمَةِ. انتهى. وقد حكَى في «التَّلْخيصِ» وغيرِه وَجْهًا، بأنَّه يدْفَعُ إلى نائبٍ يُنَصِّبُه الحاكِمُ عنِ المُشْتَرِي. قال: وهو مُشْكِلٌ؛ لأنَّ إقامَةَ نائب عن مُنْكِر بعيدٌ. انتهى. وإنْ كان البائعُ مُقِرًّا بقَبْضِ الثَّمَنِ مِنَ المُشْتَرِي، و (1) بَقِيَ الثَّمَنُ على الشَّفيعِ لا يدَّعِيه أحدٌ، ففيه ثَلاثةُ أوْجُهٍ؛ أحدُها، يُقالُ للمُشْتَرِي (2): إمَّا أن تقْبِضَه، وإمَّا أن تبْرِئ منه. قِياسًا على نُجومِ الكِتابةِ إذا قال السَّيِّدُ: هي غَصْبٌ. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيل. وجزَم به في «النَّظْمِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يَبقى في ذِمَّةِ الشَّفِيعِ. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ،
(1) سقط من: الأصل، ط.
(2)
سقط من: ط.
وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعُهْدَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِع.
ــ
و «الحاوي الصَّغِيرِ» . والوَجْهُ الثَّالِثُ، يأخُذُه الحاكِمُ عندَه. وهي كالمَسْألةِ التي قبلَها، حُكْمًا وخِلافًا. وأطْلَقهُنَّ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: وفي جميعِ ذلك، متى ادّعاه البائعُ أو المُشْتَرِي، دُفِعَ إليه؛ لأنَّه لأحَدِهما. قال الحارِثيُّ: وفيه نظَر وبَحْث. وإن ادَّعَياه جميعًا، وأقَرَّ المُشْتَرِي بالبَيعِ، وأنْكَرَ البائعُ القَبْضَ، فهو للمُشْتَرِي.
فائدة: قولُه: وعُهْدَةُ الشَّفيعِ على المُشْتَرِي، وعُهْدَةُ المُشْتَرِي على البائعِ. وهذا بهِ نِزاعٍ. لكِنْ يُسْتَثْنَى مِن ذلك، إذا أقَر البائعُ بالبَيعِ، وأنْكَرَ المُشْتَرِي، وقُلْنا بثُبوتِ الشُّفْعَةِ، على ما تقدَّم، فإن العُهْدَةَ على البائعِ؛ لحُصُول المِلْكِ له مِن جِهَتِه. قاله الزرْكَشِي، وهو واضِحٌ. و «العُهْدَةُ» فُعْلة مِنَ العَهْدِ، وهي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في الأصْلِ كِتابُ الشِّراءِ. وتقدَّم الكَلامُ على ضَمانِ العُهْدَةِ، وعلى مَعْناها في بابِ الضَّمانِ. والمُرادُ هنا، رُجُوع مَنِ انْتقَلَ المِلْكُ إليه على مَنِ انْتقَلَ عنه بالثَّمَنِ أو بالأرْش، عندَ اسْتِحْقاقِ الشِّقْصِ أو عَيبِه، فيكونُ وَثِيقَةً للبَيعِ لازِمَةً للمُتَلَقَّى عنه، فيَكونُ عُهْدَةً بهذا الاعْتِبارِ. فلو عَلِمَ المُشْتَرِي العَيبَ عندَ البَيعِ، ولم يعْلَمْه الشَّفِيعُ عندَ الأخْذِ، فلا شيءَ للمُشْتَرِي، وللشَّفيعِ الرَّدُّ وأخْذُ الأرْش. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وذكَر المُصَنِّفُ وَجْهًا بانْتِفاءِ الأرْشِ. وإنْ عَلِمَه الشَّفِيعُ، ولم يعْلَمْه المُشْتَرِي، فلا رَدَّ لواحدٍ منهما ولا أرْش. قدَّمه الحارِثِي. وفي «الشَّرْحِ» وَجْهٌ بأنَّ المُشْتَرِيَ يأخُذُ الأرْش. وهو ما قال القاضي، وابنُ عَقِيل، والسَّامَرِّيُّ. فعليه، إنْ أخَذَه، سقَط عنِ الشَّفيعِ ما قابَلَه مِنَ الثَّمَنِ، تَحْقِيقًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لمُماثَلَةِ الثَّمَنِ الذي اسْتَقَرَّ العَقْدُ عليه. وإن عَلِماه، فلا رَدَّ لواحدٍ منهما ولا أرْش. وفي صُورَةِ عدَم عِلْمِهما، إنْ لم يَرُدَّ الشَّفيعُ، فلا ردَّ للمُشْتَرِي، وإنْ أخَذ الشَّفِيعُ أرشَه منَ المُشْتَرِي، أخَذَه المُشْتَرِي مِنَ البائعِ، وإنْ لم يأخُذْه الشَّفيعُ، ففي أخْذِ المُشْتَرِي الوَجْهان. وعلى الوَجْهِ بالأخْذِ، إنْ لم يُسْقِطْه الشَّفِيعُ عنِ المُشْتَرِي، سقَط عنه بقَدْرِه مِنَ الثَّمَنِ، وإنْ أسْقَطَه، توَفَّر على المُشْتَرِي.
فَإِنْ أبَى الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيع، أجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيهِ. وَقَال أبو الْخَطَّابِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يَأخُذَهُ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْبَائِعَ.
ــ
قوله: فإن أبَى المُشْتَرِي قَبْضَ المَبيعِ، أجْبَرَه الحاكِمُ عليه. وهو المذهبُ. اخْتارَه القاضي، وابنُه أبو الحُسَينِ، والشَّرِيفان؛ أبو جَعْفَر، والزَّيدِيُّ، والقاضي يَعْقُوبُ، والشيرازِيُّ، وأبو الحَسَنِ بنُ بَكْروس، وغيرُهم. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى». وقال أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ»: قِياسُ المذهبِ، أن يأخُذَه الشَّفِيعُ مِن يَدِ البائع. واخْتارَه المُصَنِّفُ، وقال: هو قِياسُ المذهبِ. قال الحارِثِيُّ: وهو الأصحُّ؛ لأنَّ الأصحَّ أو المَشْهورَ لُزُومُ العَقْدِ في بَيعِ العَقارِ قبلَ قَبْضِه، وجَواز
وَإذَا وَرِثَ اثْنَانِ شِقْصًا عَنْ أبِيهِمَا، فَبَاعَ أحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، فَالشُّفْعَةُ بَينَ أخِيهِ وَشَرِيكِ أبِيهِ.
ــ
التَّصَرُّفِ فيه بنَفْسِ العَقْدِ، والدُّخُولُ في ضَمانِه به. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» .
وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِر عَلَى مُسْلِم.
ــ
قوله: ولا شُفْعَةَ لكافِر على مُسْلِم. نصَّ عليه مِن وُجوهٍ كثيرةٍ. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وقيل: له الشُّفْعَة. ذكَرَه ناظِمُ المُفْرَداتِ.
تنبيه: مَفْهومُ كلامِ المُصَنِّفِ، ثُبوتُ الشُّفْعَةِ لكافِر على كافر؛ وسواءٌ كان البائِعُ مُسْلِمًا أو كافِرًا. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، وغيرِهما. قال في «التَّلْخيصِ»: هذا قِياسُ المذهبِ. وقيل: لا شُفْعَةَ له، إذا كان البائِعُ مُسْلِمًا. وهو ظاهرُ كلامِ أبِي الخَطَّابِ فيه «الهِدايَةِ» . وأطْلَقَهما في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ» . ومَفْهومُ كلامِه أيضًا، ثُبُوتُها للمُسْلِمِ على الكافرِ. وهو مِن بابٍ أوْلَى.
فائدة: لو تَبايَعَ كافِران بخَمْر، وأخَذ الشَّفِيعُ بذلك، لم ينقَضْ ما فعَلُوه، وإنْ جرَى التَّقابُضُ بينَ المُتَبايِعَين دُونَ الشَّفيعِ، وتَرافَعُوا إلينا، فلا شُفْعَةَ له، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كما لو تَبايَعا بخِنْزِير، وعليه أكثر الأصحابِ. وقال أبو الخَطَّابِ: إنْ تَبايَعُوا بخَمْر، وقُلْنا: هي مالٌ لهم. حكَمْنا له بالشُّفْعَةِ. وتقدَّم التَّنبِيهُ على بعضِ ذلك قبلَ قوْلِه: وإنِ اخْتَلَفا في قَدْرِ الثَّمَنِ.
وَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمُضَارِبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، أوْ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارِبِ فِيمَا يَشتَرِيهِ لِلْمُضَارَبَةِ؟ عَلَى وَجهَينِ.
ــ
قوله: وهل تجِبُ الشُّفْعَةُ للمُضارِبِ على رَبِّ المالِ، أو لرَبِّ المالِ على المضارِبِ فيما يَشْتَرِيه للمُضارَبَةِ؟ على وَجْهَين. ذكَر المُصَنِّفُ هنا مَسْألتَين؟ إحْداهما، هل تجبُ الشُّفْعَةُ للمُضاربِ على ربِّ المالِ، أمْ لا؟ مثالُه؛ أن يكونَ للمُضارِبِ شِقْصٌ فيما تجِبُ فيه الشُّفْعَةُ، ثم يَشْتَرِيَ مِن مالِ المُضارَبَةِ شِقْصًا مِن شَرِكَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُضارِبِ، فهل تجِبُ للمُضارِبِ شُفْعَة فيما اشْتَراه مِن مالِ المُضارَبَةِ؟ أطْلَقَ المُصَنِّفُ فيه وَجْهَين، وأطْلَقَهما تخْرِيجًا في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ؛ أحدُهما، لا تجِبُ الشُّفْعَةُ له. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. صحَّحه في «الخُلاصَةِ» ، و «التَّصْحيحِ» . واخْتارَه أبو الخَطَّابِ في «رُءوسِ المَسائلِ» ، وأبو المَعالِي في «النِّهايَةِ» . والوَجْهُ الثَّاني، تجِبُ. خرَّجه أبو الخَطَّابِ مِن وُجوبِ الزَّكاةِ عليه في حِصَّتِه. قال الحارِثِيُّ: وهو الأوْلَى. قال ابنُ رَجَب في «القواعِدِ» ، بعدَ تخْرِيجِ أبِي الخَطَّابِ: فالمَسْألةُ مُقَيَّدَة بحالةِ ظُهورِ الرِّبح، ولابد. انتهى. واعلمْ أنَّ في محَلِّ الخِلافِ طَريقَين للأصحابِ؛ أحدُهما، أنَّهما جاريان؛ سواءٌ ظهَر رِبْحٌ أمْ لا؛ وسواءٌ قُلْنا: يَمْلِكُ المُضارِبُ حِصَّتَه بالظُّهورِ. أم لا. وهي طَرِيقَةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبِي الخَطابِ فهي «الهِدايَةِ» ، وصاحبِ «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، والمُصَنِّفِ هنا، وغيرِهم. وقدَّمَها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحارِثِي. الطَّريقُ الثَّاني، وهي طَرِيقةُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، والنَّاظِمِ، وجماعَة؛ إنْ لم يَظْهَرْ رِبْحٌ في المالِ، أو كان فيه رِبْحٌ، وقُلْنا: لا يَمْلِكُه بالظُّهورِ، فله الأخْذُ بالشُّفْعَةِ؛ لأنَّ المِلْكَ لغيرِه، فله الأخْذُ منه. وإنْ كان فيه رِبْحٌ، وقُلْنا: يَمْلِكُه بالظُّهورِ. ففي وُجُوبِ الشُّفْعَةِ له وَجْهان؛ بِناءً على شِراءِ العامِلِ مِن مالِ المُضارَبَةِ بعدَ مِلْكِه مِنَ الربْحِ، على ما سبَق في المُضارَبَةِ، بعدَ قوْلِه: وليس لرَبِّ المالِ أن يشْتَرِيَ مِن مالِ المُضارَبَةِ شيئًا. وصحَّح هذه الطَّريقةَ في «الفُروعِ» ، وقدَّم عدَمَ الأخْذِ، ذكَر ذلك في بابِ المُضارَبَةِ. المَسْألةُ الثَّانيةُ، هل تجبُ الشُّفْعَةُ لرَبِّ المالِ على المُضارِبِ فيما يشْتَرِيه للمُضارَبَةِ؟ مِثالُه؛ أن يشْتَرِيَ المُضارِبُ بمالِ المُضارَبَةِ شِقْصًا في شرِكَةِ ربِّ المالِ، فأطْلقَ المُصَنِّفُ فيه وَجْهَين، وأطْلَقَهما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الحارِثِيِّ» ؛ أحدُهما، لا تجِبُ الشُّفْعَةُ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. صححه أبو المَعالِي في «نِهايته» ، و «خُلاصَتِه» ، والنَّاظِمُ، وصاحِبُ «التَّصْحيحِ» ، وغيرُهم. قال الحارِثيُّ: اخْتارَه القاضي، وأبو الخَطَّابِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، ذكَرَه في المُضارَبَةِ. والوَجْهُ الثاني،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تجِبُ فيه الشُّفْعَةُ. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وبنَى المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والحارِثِيُّ، وغيرُهم هذَين الوَجْهَين على الرِّوايتَين في شِراءِ رَبِّ المالِ مِن مالِ المُضارَبَةِ. وتقدَّم الخِلافُ في ذلك، وأن الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا (1) يصِحُّ، في بابِ المُضارَبَةِ.
(1) سقط من: ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ إحْداها، لو بِيعَ شِقْصٌ مِن شَرِكَةِ مالِ المُضارَبَةِ، فللعامِلِ الأخْذُ بها إذا كان الحَظُّ فيها، فإن ترَكَها، فلرَبِّ المالِ الأخْذُ؛ لأنَّ مال المُضارَبَةِ مِلْكُه، ولا ينْفُذُ عَفْوُ العامِلِ. ولو كان العَقارُ لثَلاثةٍ، فقارَضَ أحدُهم أحَدَ شَرِيكَيه بألفٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فاشْتَرَى به نِصْفَ نَصِيبِ الثَّالثِ، فلا شُفْعَةَ فيه، فهي أحَدِ الوَجْهَين؛ لأنَّ أحَدَهما مالِكُ المالِ، والآخَرَ عامِل فيه، فهُما كشَرِيكَين في مُشاع؛ لا يسْتَحِقُّ أحدُهما على الآخَرِ شُفْعَةً. ذكَرَه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «الحارثِيِّ». قلتُ: وهذا هو الصَّوابُ. والوَجْهُ الآخرُ، فيه الشُّفْعَةُ. قالوا: ولو باعَ الثَّالثُ بقِيَّةَ نَصِيبِه لأجْنَبِيّ، ثبَتَتِ الشُّفْعَةُ بينَهم أخْماسًا؛ للمالِكِ خُمْساها، وللعاملِ مِثْلُه، ولمالِ المُضارَبَةِ خُمْسُها بالسُّدْسِ الذي له؛ جَعْلًا لمالِ المُضارَبَةِ كشَرِيكٍ آخَرَ. الثَّانيةُ، لو باعَ المُضارِبُ مِن مالِ المُضارَبَةِ شِقْصًا في شَرِكَةِ نَفْسِه، لم يأخُذْ بالشُّفْعَةِ؛ لأَنه منهم، فأشْبَهَ الشِّراءَ مِن نفْسِه. ذكَرَه المُضَنِّفُ وغيرُه. الثَّالثةُ، تثْبُتُ الشُّفْعَةُ للسَّيِّدِ على مُكاتَبِه. ذكره القاضي، والمُصَنِّفُ، وغيرُهما؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ السَّيِّدَ لا يَمْلِكُ ما في يَدِه، ولا يُزَكِّيه، ولهذا جازَ أن يشْتَرِيَ منه، وأمَّا العَبْدُ المأذُونُ له؛ فإن كان لا دَينَ عليه، فلا شُفْعَةَ بحالٍ لسَيِّدِه، وإنْ كان عليه دَينٌ، فالشُّفْعَةُ عليه تَنْبَنِي على جَوازِ الشِّراءِ منه، على ما تقدَّم في أوَاخِرِ الحَجْرِ. والله أعلمُ بالصَّوابِ. وتقدَّم أخْذُ المُكاتَبِ، والعَبْدِ المأذُونِ له بالشُّفْعَةِ، قبلَ قوْلِه: فإن كانا شَفِيعَين، فالشُّفْعَةُ بينَهما.