المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتَابُ الْغَصْبِ وَهُوَ الاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيرِ قَهْرًا بِغَيرِ حَقٍّ. ــ كِتابُ الغصْبِ قوله: - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١٥

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌كتَابُ الْغَصْبِ وَهُوَ الاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيرِ قَهْرًا بِغَيرِ حَقٍّ. ــ كِتابُ الغصْبِ قوله:

‌كتَابُ الْغَصْبِ

وَهُوَ الاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيرِ قَهْرًا بِغَيرِ حَقٍّ.

ــ

كِتابُ الغصْبِ

قوله: وهو الاسْتِيلاءُ على مالِ الغَيرِ قَهْرًا بغَيرِ حَقٍّ. وكذا قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المَذْهَبِ الأحْمَدِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وليس بجامِع؛ لعدَمِ دُخُولِ غَصْبِ الكَلْبِ، وخَمْرِ الذِّمِّيِّ، والمَنافِعِ، والحُقوقِ، والاخْتِصاصِ. قال الحارِثِيُّ: وحُقوقِ الولاياتِ؛ كمَنْصِبِ

ص: 111

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الإمارَةِ، والقَضاءِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: الاسْتِيلاءُ يَسْتَدْعِي القَهْرَ والغَلَبَةَ، فإذَنْ قَوْلُه: قَهْرًا. زِيادَةٌ في الحَدِّ، ولهذا أسْقَطَه في «المُغْنِي». انتهى. قلتُ: الذي يَظْهَرُ، أنَّ الاسْتِيلاءَ يشْمَلُ القَهْرَ والغَلَبَةَ وغيرَهما، فلو اقْتَصَر على الاسْتِيلاءِ، لوَرَدَ عليه المَسْروقُ، والمُنْتَهَبُ، والمُخْتَلَسُ؛ فإنَّ ذلك لا يُسَمَّى غَصْبًا، ويقالُ: اسْتُوْلِيَ عليه. وقال في «المُطْلِعِ» : فلو قال: الاسْتِيلاءُ على حقِّ غيرِه. لصَحَّ لفْظًا، وعمَّ مَعْنًى. انتهى. وقوْلُه: لصَحَّ لَفْظًا. لكَوْنِ المُصَنِّفِ أدْخَلَ «الألِفَ واللَّامَ» على «غيرِ» . قال: والمَعْروفُ، عندَ أهْل اللُّغَةِ، عدَمُ دُخُولِهما عليها. قلتُ: قد حكَى النَّوَوي رحمه الله، في «تَهْذيبِ الأسْماءِ واللغَاتِ» (1)، عن غيرِ واحدٍ مِن أهْلِ العَرَبِيَّةِ، أنَّهم جوَّزُوا دُخُولَهما على «غيرِ» . وممَّن أدْخَلَ الألِفَ واللَّامَ على «غيرِ» مِنَ الأصحابِ؛ مَن تقدَّم ذِكْرُه، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، والحارِثِيُّ. وقال في «الرِّعايتين»: هو الاسْتِيلاءُ على مالِ الغَيرِ قَهْرًا ظُلْمًا. ويَرِدُ عليه ما تقدَّم. وقال في «الفُروعِ» ،

(1) 2/ 65، 66.

ص: 112

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَبَعًا للحارِثِيِّ: هو الاسْتِيلاءُ على حقِّ غيرِه قَهْرًا ظُلْمًا. قال الحارِثِيُّ: هذا أسَدُّ الحُدودِ. قلتُ: فهو أوْلَى مِن حدِّ صاحِبِ «المُطْلِعِ» وأمْنَعُ؛ فإنه يَرِدُ على حَدِّ صاحبِ «المطْلِعِ» ، لو اسْتَوْلَى على حقِّ غيرِه، مِن غيرِ ظُلْمٍ ولا قَهْرٍ، أنَّه يُسَمَّى غَصْبًا. وليس كذلك، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يكونَ مُرادُه ذلك مع بَقِيَّةِ حدِّ المُصَنِّفِ. وهو الظَّاهِرُ. وقال في «الوَجيزِ»: هو الاسْتِيلاءُ على حقِّ غيرِه ظُلْمًا. ويَرِدُ عليه ما أُخِذَ مِن غيرِ قَهْرٍ. وقال في «تجْريدِ العِنايةِ» : هو اسْتِيلاءُ غيرِ حَرْبِيٍّ على حقِّ غيرِه قَهْرًا بغيرِ حقٍّ. قلتُ: هو أصحُّ الحُدودِ وأسْلَمُها. ويَرِدُ على حَدِّ غيرِه، اسْتِيلاءُ الحَرْبِيِّ، فإنَّه اسْتِيلاءٌ على حقِّ غيرِه قَهْرًا بغيرِ حَقٍّ، وليس بغَصْبٍ. على ما يأْتِي قرِيبًا في كلامِ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ. وقال في «المُحَرَّرِ»: هو الاسْتِيلاءُ على مالِ الغيرِ ظُلْمًا. وتابعَه في «الفائقِ» ، و «إدْراكِ الغايةِ» ، ومَعْناه في «الكافِي» ، و «العُمْدَةِ» ، و «المُغْنِي». قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وقوْلُه: على مالِ الغَيرِ ظُلْمًا. يدْخُلُ فيه مالُ المُسْلِمِ، والمُعاهَدِ، وهو المالُ المَعْصومُ، ويَخْرُجُ منه اسْتِيلاءُ المُسْلمِين على أمْوالِ أهْلِ الحَرْبِ، فإنَّه ليس بظُلْمٍ. ويدْخُلُ فيه اسْتِيلاءُ أهْلِ الحَرْبِ على مالِ المُسْلِمِين، وليس بجَيِّدٍ؛ فإنَّه ليس مِنَ الغَصْبِ المَذْكورِ حُكْمُه. هذا بإِجْماعِ المُسْلِمِين؛ إذْ لا خِلافَ أنَّه لا يُضْمَنُ بالإِتْلافِ، ولا بالتَّلَفِ، وإنَّما الخِلافُ في وُجوبِ رَدِّ عَينِه، إذا قَدَرْنا على أخْذِه. وأمَّا أمْوالُ أهْلِ البَغْي، وأهْلِ العَدْلِ، فقد لا تَرِدُ؛ لأنَّه هناك لا يجوزُ

ص: 113

وَتُضْمَنُ أمُّ الْوَلَدِ وَالْعَقَارُ بِالْغَصْبِ.

ــ

الاسْتِيلاءُ على عَينِها، ومتى أُتلِفَتْ بعدَ الاسْتِيلاءِ على عَينِها، ضُمِنَتْ، وإنَّما الخِلافُ في ضَمانِها بالإِتْلافِ وَقْتَ الحَرْبِ. ويدْخُلُ فيه ما أخَذَه المُلوكُ والقُطَّاعُ مِن أمْوالِ النَّاسِ بغيرِ حقٍّ؛ مِنَ المُكُوسِ (1) وغيرِها. فأمَّا اسْتِيلاءُ أهْلِ الحَرْبِ بعضِهم على بعض، فيَدْخُلُ فيه، وليس بجَيِّدٍ؛ لأنَّه ظُلْمٌ، فيَحْرُمُ عليهم قَتْلُ النُّفوسِ، وأخْذُ الأمْوالِ إلَّا بأمْرِ اللهِ، لكِنْ يُقالُ: لمَّا كان المَأْخُوذُ مُباحًا بالنِّسْبَةِ إلينا، لم يَصِرْ ظُلْمًا في حقِّنا، ولا في حقِّ مَن أسْلَمَ منهم. فأمَّا ما أُخِذَ مِنَ الأمْوالِ والنُّفوسِ، أَوْ أُتلِف منهما في حالِ الجاهِلِيَّةِ، فقد أُقِرَّ قرارُه؛ لأنَّه كان مُباحًا؛ لأنَّ الإِسْلامَ عَفا عنه، فهو عَفْوٌ بشَرْطِ الإسْلامِ، وكذلك بشَرْطِ الأمانِ، فلو تَحاكَمَ إلينا مُسْتَأْمَنان، حكَمْنا بالاسْتِقْرارِ. انتهى. قلتُ: ويَرِدُ عليه ما ورَدَ على المُصَنِّفِ وغيرِه ممَّا تقدَّم ذِكْرُه. ويَرِدُ عليه أيضًا المَسْروقُ، والمُخْتَلَسُ، ونحوُهما.

قوله: ويُضْمَنُ العَقارُ بالغَصْبِ -هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، حتى أنَّ

(1) المفرد «مكس» : الضريبة يأخذها المكَّاس ممن يدخل البلد من التجار.

ص: 114

وَعَنْهُ، مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ.

ــ

القاضِيَ وأكثرَ أصحابِه لم يذْكُروا فيه خِلافًا- وعنه، ما يدُلُّ على أنَّ العَقارَ لا يُضْمَنُ بالغَصْبِ. نقَلَه ابنُ مَنْصُورٍ.

فائدتان؛ إحْداهما، يحْصُلُ الغَصْبُ بمُجَرَّدِ الاسْتِيلاءِ قَهْرًا ظُلْمًا، كما تقدَّم. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: يُعْتَبرُ في غَصْبِ ما يُنْقَلُ نَقْلُه. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، إلَّا ما اسْتَثْناه فيه، وفي «التَّرغِيبِ» ، فقال: إلَّا في رُكُوبِه دابَّةً، وجُلُوسِه على فِراش، فإنه غاصِبٌ. وأطْلَق الوَجْهَين في «الرعايَةِ» ، وقال: ومَن رَكِبَ دابَّتَه، أو جلَس على فِراشِه، أو سَرِيرِه قَهْرًا،

ص: 115

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فهو غاصِبٌ. الثَّانيةُ، قال في «القاعِدَةِ الحادِيَةِ والتِّسْعِين»: مِنَ الأصحابِ مَن قال: مَنْفَعَةُ البُضْعِ لا تدْخُلُ تحتَ اليَدِ. وبه جزَم القاضي في «خِلافِه» ، وابنُ عَقِيلٍ في «تَذْكِرَتِه» ، وغيرُهما، وفرَّعُوا عليه صِحَّةَ تَزْويجِ الأمَةِ المَغْصُوبَةِ، وأنَّ الغاصِبَ لا يضْمَنُ مَهْرَها، ولو حبَسَها عنِ النِّكاحِ حتى فاتَ بالكِبَرِ، وخالفَ ابنُ المَنِّيِّ، وجزَم في «تَعْليقِه» بضَمانِ مَهْرِ الأمَةِ بتَفْويتِ النِّكاحِ، وذكَر في الحُرَّةِ ترَددًا؛ لامْتِناعِ ثُبوتِ اليَدِ عليها.

ص: 116

وَإنْ غَصَبَ كَلْبًا فِيهِ نَفْعٌ، أوْ خَمْرَ ذِمِّيٍّ، لَزِمَهُ رَدُّهُ. وَإنْ أَتْلَفَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ قِيمَتُهُ.

ــ

قوله: وإنْ غَصَبَ كَلْبًا فيه نَفْعٌ، أو خَمْرَ ذِمِّيٍّ، لَزِمَه رَدُّه. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وذكَر في «الانْتِصارِ»: لا يُرَدُّ الخَمْرُ، وتَلْزَمُ إراقَتُها إنْ حُدَّ، وإلَّا لَزِمَه تَرْكُه، وعليهما يُخَرَّجُ تَعْذِيرُ مُرِيقِه. وقال في «القواعِدِ الأصُولِيَّةِ»: لو غصَبَ مُسْلِمْ

ص: 117

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خَمْرَةَ ذِمِّيٍّ، انْبَنَى وُجوبُ رَدِّها على مِلْكِها لهم، وفيه رِوايَتان. حَكاهما القاضي يَعْقُوبُ وغيرُه؛ إحْداهما، يَمْلِكُونها، فَيجِبُ الرَّدُّ. هذا قَوْلُ جُمْهورِ أصحابِنا. والثَّانيةُ، لا يَمْلِكُونها، فَينْبَغِي وُجوبُ الرَّدِّ، وقد يُقالُ: لا يجِبُ. واتَّفَقَ الأصحابُ على إراقَتِها، إذا أَظهَرَها، ولو أتْلفَها، لم يَضمَنْها، عندَ الجُمْهورِ. وخرَّج أبو الخَطَّابِ وَجْهًا بضَمانِ قِيمَتِها، إذا قلْنا: إنَّها مالٌ لهم. وأبَاه الأكْثَرون. وحُكِيَ لنا قَوْلٌ: يَضمَنُها الذِّمِّي للذِّمِّيِّ. وقال في «التَّرْغيبِ» ، و «عُيونِ المَسائلِ» ، وغيرِهما: يَرُدُّ الخَمْرَ المُحْترَمَةَ، ويَرُد ما تَخلَّلَ بيَدِه، إلَّا

ص: 118

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما أُرِيقَ، فجمَعَه آخَرُ فتَخَلَّلَ؛ لزَوالِ يَدِه هنا. وتقدَّم في أوَّلِ بابِ إزالةِ النَّجاسَةِ أنَّ الصَّحيحَ أنَّ لنا خَمْرًا مُحْترَمَةً؛ وهي خَمْرَةُ الخُلالِ. ويأْتِي في حدِّ المُسْكِرِ، هل يُحَدُّ الذِّمِّيُّ بشُرْبِها؟ في كلامِ المُصَنِّفِ.

ص: 119

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهان؛ أحدُهما، محَلُّ الخِلافِ إذا كانتْ مَسْتُورَةً، فأمَّا إذا لم تكُنْ مَسْتُورَةً، فلا يَلْزَمُه رَدُّها، قوْلًا واحدًا. الثَّاني، ظاهرُ كلام المُصَنِّفِ، أنَّه لو غصب خَمْرَ مُسْلِمٍ، لا يَلْزَمُه رَدُّه. وهو صحيح، لكِنْ لو تخَلَلَتْ في يَدِ الغاصِبِ، وجَب ردُّها. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والأصحابُ؛ لأنَّ يَدَ الأوَّلِ لم تَزُلْ عنها بالغصْبِ، فكأَنَّما تخَللَتْ في يَدِه. قاله في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والثَّمانِين» ، وقال: واخْتَلَفَتْ عِباراتُ الأصحابِ في زَوالِ المِلْكِ بمُجَرَّدِ التَّخْمِيرِ، فأَطْلَقَ الأكْثَرون، الزَّوال؛ منهم القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. وظاهرُ كلامِ بعضِهم، أنَّ المِلْكَ لم يَزُلْ؛ منهم صاحِبُ «المُغْنِي» ، في كتابِ الحَجِّ، وفي كلامِ القاضي ما يدُلُّ عليه. وبكُلِّ حالٍ لو عادَ خَلًّا، عادَ المِلْكُ الأوَّلُ بحُقوقِه، مِن ثُبوتِ الرَّهْنِيَّةِ وغيرِها، حتى لو خلَّفَ خَمْرًا ودَينًا، فتخَلَّلَتْ، قُضِيَ منه دَينُه. ذكَرَه القاضي في «المُجَردِ» ، في الرَّهْنِ. انتهى.

قوله: وإنْ أتْلَفَه، لم يَلْزَمْه قِيمَتُه. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، يَلْزَمُه قِيمَةُ الخَمْرِ. وخُرِّجَ، يضْمَنُها الذِّمِّيُّ يمِثْلِها. قال في «الفُروعِ»: وعنه، يَرُدُّ

ص: 120

وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيتَةٍ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

قِيمَتَها. وقيل: ذِمِّيٌّ. وقال في «الإِيضاحِ» : يَضْمَنُ الكَلْبَ. ويأْتِي قرِيبًا إذا صادَ بالكَلْبِ، وغيرِه مِنَ الجَوارِحِ، هل يَرُدُّ الصَّيدَ، وتَلْزَمُه الأجْرَةُ أيضًا، أم لا؟ في كلامِ المُصَنِّفِ. وتقدَّم أوَّلَ الضَّمانِ، إذا أسْلَمَ المَضْمُونُ له، أو المَضْمُونُ عنه، هل يسْقُطُ الدَّينُ إذا كان خَمْرًا؟

قوله: وإنْ غصَب جِلْدَ مَيتَةٍ، فهل يَلْزَمُه رَدُّه؟ على وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ،

ص: 121

فَإِنْ دَبَغَهُ، وَقُلْنَا بِطَهَارَتِهِ، لَزِمَهُ رَدُّهُ.

ــ

و «الهادِي» ، و «الرعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم، وهما مَبْنِيَّان على طَهارَته بالدَّبْغِ وعَدَمِها؛ فإنْ قُلْنا: يَطْهُرُ بالدَّبْغِ. وجَب رَدُّه. وإنْ قُلْنا: لا يَطْهُرُ بالدَّبْغِ. لم يجِبْ رَدُّه. وقد عَلِمْتَ أنَّ المذهبَ، لا يَطْهُرُ بدَبْغِه، فلا يجبُ رَدُّه هنا. هذا هو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحَارِثِيِّ» ، و «ابنِ مُنَجَّى» ، وغيرِهم. وقدَّم هذه الطَّريقةَ في «الكافِي» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين» ، وغيرِهما. وقيل: لا يجِبُ ردُّه (1)، ولو قُلْنا: يَطْهُرُ بالدَّبْغِ. وقال في «الفُروعِ» : وفي رَدِّ جِلْدِ مَيتَةٍ وَجْهانِ، وقيل: ولو طَهُرَ. فظاهِرُه، أنَّ المُقَدَّمَ عندَه، أنَّ الخِلافَ على القَوْلِ بعدَمِ الطهارَةِ.

قوله: فإنْ دبَغَه، وقُلْنا بطَهارَتِه، لَزِمَه رَدُّه. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشرحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفُروعِ» ،

(1) في الأصل، ط:«ردها» .

ص: 122

وَإِنِ اسْتَوْلَى عَلَى حُرٍّ، لَمْ يَضْمَنْهُ بِذَلِكَ،

ــ

و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وجزَم به ابنُ مُنَجَّى، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرُهم. وقيل: لا يَلْزَمُه رَدُّه؛ لصَيرُورَتِه مالًا بفِعْلِه، بخِلافِ الخَمْرَةِ المُتَخَلِّلَةِ. وهو احْتِمالٌ للمُصَنِّفِ، والشَّارِحِ. قال الحارِثِيُّ: وفي هذا الفَرْق بَحْثٌ. وأطْلَقَ في «الفُروعِ» ، في لُزومِ ردِّه، إذا دبَغَه الغاصِبُ وَجْهَين. قال الحارِثِيُّ: وإنْ كان الغاصِبُ دبَغَه، ففي رَدِّة الوَجْهان المَبْنِيَّان. وإنْ قُلْنا: لا يَطْهُرُ. لم يجِبْ ردُّه، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقيل: يجِبُ ردُّه، إذا قُلْنا: يُباحُ الانْتِفاعُ به في اليابِساتِ. وكذلك قبلَ الدَّبْغِ. وجزَم به الحارِثِيُّ في «شَرْحِه» . وظاهرُ «الفُروعِ» إطْلاقُ الخِلافِ، كما تقدَّم. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وإنْ غصَب جِلْدَ مَيتَةٍ، فأَوْجُهْ؛ الرَّدُّ، وعدَمُه، والثَّالثُ، إنْ قلْنا: يَطْهُرُ بدَبْغِه، أو يُنْتفَعُ به في يابِسٍ. ردَّة، وإلَّا فلا، وإنْ أتْلَفَه، فهَدَرٌ، وإنْ دَبَغَه، وقُلْنا: يَطْهُرُ. ردَّه. انتهى.

قوله: وإنِ اسْتَوْلَى على حُرٍّ، لم يَضْمَنْه بذلك. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. قال في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: ولا يُضْمَنُ حُرٌّ بغَصْبِه في الأصحِّ. قال الحارِثِيُّ: هذا

ص: 123

إلا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَضْمَنُهُ. فَهَلْ يَضْمَنُ ثِيَابَهُ وَحَلْيَهُ؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

المذهبُ، وعليه جمهورُ الأصحابِ؛ لأنَّ اليَدَ لا يَثْبُتُ حُكْمُها على الحُرِّ. وفي «التَّلْخيصِ» وَجْهٌ بثُبوتِ اليَدِ عليه. وبنى على هذا، هل لمُسْتَأْجِرِ الحُرِّ إيجارُه مِن آخَرَ؟ إنْ قيلَ بعَدَمِ الثُّبوتِ، امْتنَعَ الإِيجارُ، وإنَما هو يُسْلِمُ نفْسَه، وإلَّا فلا يَمْتَنِعُ. فعلى المذهبِ، لو غصَبَ دابَّةً عليها مالِكُها ومَتاعُه، لم يَضمَنْ ذلك الغاصِبُ. قاله القاضي في «الخِلافِ الكَبيرِ» . واقْتَصرَ عليه في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والتسْعِين» .

قوله: إلا أنْ يَكونَ صَغِيرًا، ففيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ،

ص: 124

وَإِنِ اسْتَعْمَلَ الْحُرَّ كَرْهًا، فَعَلَيهِ أُجْرَتُهُ،

ــ

و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحارِثِيِّ» ؛ أحدُهما، لا يَضْمَنُه. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التصْحِيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزينٍ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وهو ظاهرُ ما قطَع به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَب» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّاني، يَضْمَنُه. قدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وقدَّم في «النَّظْمِ» ، أنَّ الصَّغِيرَ لو لُدِغَ أو صُعِقَ، وُجوبَ الدِّيَةِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا تجِبُ، كما لو مَرِضَ، على الصَّحيحِ. ويأْتِي هذا في أوائلِ كِتابِ الدِّياتِ، في كلامِ المُصَنِّفِ. فعلى المذهبِ، هل يَضْمَنُ ثِيابَه وحِلْيَتَه؟ على الوَجْهَين. وأطْلَقهما في «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الرِّعايتَين» ؛ أحدُهما، يَضْمَنُها. صحَّحه في «التَّصحيحِ» ، و «الفائقِ». قال الحارِثِيُّ: وهو أصحُّ. والوَجْهُ الثَّاني، لا يضْمَنُها. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الوَجيزِ» .

فائدة: وكذا الحُكْمُ والخِلافُ في أُجْرَتِه مُدَّةَ حَبْسِه، على ما يأْتِي، وإيجارِ المُسْتَأْجِرِ له. قاله في «الفُروعَ» . [وجزَم في «الوَجيزِ» هنا بوُجُوبِ الأُجْرَةِ](1).

قوله: وإنِ اسْتَعْمَلَ الحُرَّ كَرْهًا، فعليه أُجرَتُه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَعُوا به. ولو منَعَه العمَلَ مِن غيرِ حَبْسٍ، ولو عَبْدًا، لم يَلْزَمْه أُجْرَتُه. جزَم به

(1) زيادة من: ا.

ص: 125

وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً، فَهَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ، بلَى فيهما. قلتُ: وهو الصَّوابُ، وهو في العَبْدِ آكَدُ. وقال في «التَّرْغيبِ»: في مَنْفَعَةِ حُرٍّ وَجْهان. وقال في «الانْتِصارِ» : لا يَلْزَمُه بإمْساكِه، لأنَّ الحُرَّ في يَدِ نَفْسِه، ومَنافِعُه تَلِفَتْ معه، كما لا يضْمَنُ نفسَه وثَوْبَه الذي عليه، بخِلافِ العَبْدِ. وكذا قال في «عُيونِ المَسائلِ»: لا يَضْمَنُه إذا أمْسَكَه، لأنَّ الحُرَّ في يَدِ نَفْسِه، ومَنافِعُه تَلِفَتْ معه، كما لا يَضْمَنُ نفْسَه وثَوْبَه الذي عليه، بخِلافِ العَبْدِ؛ فإنَّ يَدَ الغاصِبِ ثابِتَةٌ عليه، ومَنْفَعَتُه بمَنْزِلَتِه.

قوله: وإنْ حبَسَه مُدَّةً، فهل تَلْزَمُه أُجْرَتُه؟ على وَجْهَين. وهما احْتِمالان في «الهِدايةِ» ، وأطْلَقهما فيها، وفي «المُذْهبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهبِ» ، و «المُسْتوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الهادِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، تَلْزَمُه. وهو الصَّحيحُ، صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . والوَجْهُ الثَّاني، لا تَلْزَمُه. صحَّحه النَّاظِمُ. قال الحارِثِيُّ: وهو الأصحُّ، وعليه دَلَّ نصُّه. وتقدَّم في التي قبلَها ما يسْتَأْنَسُ به في هذه المَسْألةِ.

ص: 126

فَصْلٌ: وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إِنْ قَدَرَ عَلَى رَدِّهِ، وَإنْ غَرِمَ عَلَيهِ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 127

وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ، لَزِمَهُ تَخْلِيصُهُ وَرَدُّهُ. وَإِنْ بَنَى عَلَيهِ، لَزِمَهُ رَدُّهُ، إلا أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ.

ــ

قوله: وإنْ خلَطَه بما يتَمَيَّزُ مِنه، لَزِمَه تَخْليصُه. إنْ أمْكَنَ. وكذا إنْ أمْكَنَ تَخْليصُ بعضِه، وإنْ لم يُمْكِنْ تَخْلِيصُه منه، فسَيَأتِي في أوَّلِ الفَصْلِ الرَّابعِ مِنَ البابِ.

ص: 129

وَإنْ سَمَّرَ بِالْمَسَامِيرِ بَابًا، لَزِمَهُ قَلْعُهَا وَرَدُّهَا.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 130

وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ، فَعَلَيهِ أَجْرَتُهَا.

ــ

قوله: وإنْ زرَع الأَرْضَ، وَرَدَّها بعدَ أَخْذِ الزَّرْعِ، فعليه أُجْرَتُها. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. ونقَل حَرْبٌ، حُكْمُها حُكْمُ الزَّرْعِ الذي لم يُحْصَدْ. قال في «الفائقِ»: قلتُ: وجنَح ابنُ عَقِيلٍ إلى مُساواةِ الحُكْمَين. واخْتارَه صاحِبُ «الفائقِ» ، في غيرِ «الفائقِ» ، ورَدَّ كلامَ الأصحابِ. قال في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ والسَّبْعِين»: ووَهَّمَ أبو حَفْص ناقِلَها، على أنَّ مِنَ الأصحابِ مَن رجَّحَها؛ بِناءً على أنَّ الزَّرْعَ نبَت على مِلْكَ مالِكِ الأرْضِ ابْتِداءً، والمَعْروفُ في المذهبِ خِلافُه. انتهى. قال الحارِثِيُّ: هذا المَعْروفُ عندَ الأصحابِ. قال: وعنه، يحْدُثُ على مِلْكِ ربِّ الأرْضِ. ذكَرَه القاضي يَعْقُوبُ، ومنَع في «تَعْليقِه» مِن كَوْنِه مِلْكًا للغاصِبِ، وقال: لا فَرْقَ بينَ ما قبلَ الحَصادِ وبعدَه؛ على ما نقَلَه حَرْبٌ. قال الحارِثِيُّ: وكذا أوْرَدَه القاضي في «تَعْليقِه الكَبِيرِ» ، فيما أظُنُّ، أو أجْزِمُ، وأوْرَدَه شيخُنا أبو بَكْرِ (1) ابنُ الصَّيرَفِي في كتابِ «نَوادِرِ المذْهبِ». انتهى. قال في «الفائقِ»: وقال القاضي يَعْقُوبُ: لا فَرْقَ بينَ ما قبلَ الحَصادِ وبعدَه، في إحْدَى الرِّوايتَين. وبَناه على أنَّ زَرْعَ الغاصِبِ، هل يَحْدُث

ص: 134

وَإنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا والزَّرْعُ قَائِمٌ، خُيِّرَ بَينَ تَرْكِهِ إِلَي الْحَصَادِ

ــ

على مِلْكِ صاحِب البَذْرِ، أو صاحِبِ الأرْضِ؟ على رِوايتَين، والحُدوثُ على مِلكِ صاحبِ الأرضِ هو المُخْتارُ. انتهى. وقال أيضًا: وهلِ القِياسُ كَوْن الزَّرْعِ لرَبِّ البَذْرِ، أو الأرْضِ؟ المَنْصُوصُ، الأوَّلُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ، والشيخُ تقِيُّ الدِّينِ: الثَّاني. وقال الشَّيخُ تقِيُّ الدِّينِ أيضًا: يَنْبَنِي هذا على المَدْفُوعِ، إن كان النَّفَقَةَ، فلِرَبِّ الأرْضِ مُطْلَقًا، والمَنْصُوصُ، التَّفْرِقَةُ. فعلى المذهبِ، على الغاصِبِ أُجْرَةُ المِثْلِ. وعلى الرِّوايةِ الثَّانيةِ، للغاصِبِ نَفَقَةُ الزَّرْعِ، وأمَّا مُؤْنَة الحَصادِ، فَيَحْتَمِلُ أنْ تكونَ كذلك، وَيحْتَمِلُ أنْ لا تجِبَ. قال الحارِثيُّ: وهو الأَقْوَى.

تنبيه: قولُه: ورَدَّها بعدَ أَخْذِ الزَّرْعِ. هذا المذهبُ. أعْنِي، أنَّه يُشْتَرطُ أنْ يكونَ قد حصَدَه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال في «الرِّعايةِ»: وقيل: أو استَحْصَدَ قبلَه ولم يحْصُدْ.

قوله: وإنْ أَدْرَكهَا رَبُّها، والزَّرْعُ قائِمٌ، خُيِّرَ بينَ تَرْكِه إلى الحَصادِ بأْجْرَتِه، وبينَ أَخْذِه بعِوَضِه. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. قال الحارِثِيُّ: تَواتَرَ النَّصُّ عن أحمدَ، أنَّ الزَّرْعَ للمالِكِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في

ص: 135

بِأُجْرَتِهِ، وَبَينَ أخْذِهِ بِعِوَضِهِ. وَهَلْ ذَلِكَ قيمَتُهُ أوْ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَين.

ــ

«الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرهِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو قَوْلُ القاضي، وعامَّةِ أصحابهِ، والشَّيخَين. انتهى. قال الحارِثيُّ: وهو قَوْلُ القاضي، وجُمْهورِ أصحابهِ، ومَن تَلاهم، والمُصَنِّفِ، في سائرِ كُتُبِه. وهو مِنْ مُفْرَداتِ المذهبِ، قال ناظِمُها:

بالاحْتِرامِ احْكُمْ لزَرْعِ الغاصِبِ

وليس كالبانِي أو كالنَّاصِبِ

إنْ شاءَ ربُّ الأرْضِ ترْكَ الزَّرْعِ

بأْجْرَةِ المِثْلِ فَوَجْهٌ مرْعِى

أو مِلْكَه إنْ شاءَ بالإنْفاقِ

أو قِيمَةً للزَّرْعِ بالوفاقِ

ص: 136

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ، وَعَلَيهِ الأجْرَةُ.

ــ

ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ الزَّرْعُ للغاصِبِ، وعليه الأُجْرَةُ. وهذا الاحْتِمالُ لأبِي

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخَطَّابِ. وقيل: له قَلْعُه، إنْ ضَمِنَه. واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه، أنَّ الزَّرْعَ لرَبِّ الأَرْضِ، كالوَلَدِ، فإنَّه لسَيِّدِ الأُمِّ، لَكِنِ المَنِيُّ لا قِيمَةَ له، بخِلافِ البَذْرِ. ذكَرَه الشَّيخُ تقِي الدِّينِ. قال الزَّرْكَشِي: وهذا القَوْلُ ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ في عامَّةِ نُصُوصِه، والخِرَقِيِّ، والشِّيرازِيِّ، وابنِ أبِي مُوسى، فيما أظُنُّ، وعليه اعْتَمَدَ الإِمامُ أحمدُ. وكذا قال الحارِثِيُّ: ظاهرُ كلامِ مَن تقدَّم مِنَ الأصحابِ؛ كالخِرَقِيِّ، وابنِ أبِي مُوسى، عدَمُ التَّخْيِيرِ، فإنَّ كُلًّا منهم قال: الزَّرْعُ لمالِكِ الأرْضِ، وعليه النَّفَقَةُ. وهذا بعَينِه هو المُتَواتِرُ عن أحمدَ، ولم يذْكُرْ أحدٌ عنه تَخْيِيرًا، وهو الصَّوابُ، وعلَّلَه. انتهى. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، في مَن زرَعَ بلا إذْنِ شَرِيكهِ، والعادَةُ بأنَّ مَن زرَعَ فيها له نَصِيبٌ مَعْلومٌ، ولرَبِّها نَصِيبٌ: قسِمَ ما زَرَعَه في نَصِيبِ شَرِيكهِ كذلك. قال: ولو طَلَبَ أحدُهما مِنَ الآخَرِ أنْ يزْرَعَ معه أو يُهايِئَه فيها، فأبَى، فللأوَّلِ الزَّرْعُ في قَدْرِ حَقِّه بلا أُجْرَةٍ، كدارٍ بينَهما فيها

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بَيْتان، سكَنَ أحدَهما عندَ امْتِناعِه مما يَلْزَمُه. انتهى. قلتُ: وهذا الصَّوابُ، ولا يسَعُ النَّاسَ غيرُه.

قوله: وهل ذلك قِيمَتُه، أو نَفَقَتُه؟ على وَجْهَين. وهما وَجْهان في نُسْخَةٍ مَقْروءَةٍ على المُصَنِّفِ، وفي نُسْخَةٍ رِوايَتان، وعليها شرَح الشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى. قال الحارِثيُّ: حَكاهُما مُتَأخِّرُو الأصحابِ، والمُصَنِّف في «كتابهِ الكَبِيرِ» رِوايَتين، وأوْرَدَهما هنا وَجْهَين. قال: والصَّوابُ أنَّهما رِوايَتان. قال هو، والشَّارِحُ: والمَنْقُولُ عن أحمدَ في ذلك رِوايَتان. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَقِيلٍ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الزّرْكَشِيِّ» ؛ إحْداهما، يأْخُذُه بنَفَقَتِه؛ وهي ما أنْفَقَ مِنَ البَذْرِ ومُؤْنَةِ الزَّرْعِ؛ مِنَ الحَرْثِ والسَّقْي، وغيرِهما. وهو المذهبُ، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، والشِّيرازِيِّ. واخْتارَه القاضي في «رُءوسِ المَسائلِ» ،

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وابنُ عَقِيلٍ. قال الحارِثِيُّ: وهو المذهبُ، وعليه مُتَقَدِّمُو الأصحابِ؛ كالخِرَقِيِّ، وأبِي بَكْرٍ، ثم ابنِ أبِي مُوسى، والقاضي في كِتابَيْ «المُجَرَّدِ» ، و «رءُوسِ المَسائلِ» ، وابنِ عَقِيلٍ؛ لصَرِيحِ الأخْبارِ المُتقَدِّمَةِ فيه. انتهى. وصحَّحه في «التصْحيحِ» . وجزَم به في «الطَّرِيقِ الأقرَبِ» ، و «الوَجيزِ» ، وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يأْخُذُه بقِيمَتِه زَرْعًا الآنَ. صحَّحه القاضي في «التَّعْليقِ» . وجزَم به في «العُمْدَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «تجريدِ العِنَايةِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ». واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه». قلتُ: والنَّفْسُ تَمِيلُ إليه. قال ابنُ الزَّاغُونِيِّ: أصْلُهما، هل يُضْمَنُ وَلَدُ المَغْرُورِ بمِثْلهِ، أو قِيمَتِه؟ وعنه رِوايَةٌ ثالثَةٌ، يأْخُذُه بأيِّهما شاءَ، نقَلَها مُهَنَّا. قاله في «الفُروعِ». قال الحارِثيُّ:

ص: 141

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وحكَى القاضي [أبو حُسَينٍ](1) في كتابِ «التَّمامِ» ، عن أخِيه أبِي القاسِمِ (2)، رِوايَةً بالتَّخْيِيرِ، وهو الظَّاهِرُ مِن إيرادِ القاضي يَعْقُوبَ في «التَّعْليقِ». وذكَر نصَّ مُهَنَّا. وقال في «الفائقِ»: وخرَّج أبو القاسِمِ ابنُ القاضي رِوايَةً بالخِيَرَةِ، فكأَنَّه ما اطَّلَعَ على كلامِ الحارِثِيِّ، أو لأبِي القاسِمِ تَخْرِيجُ رِوايَةٍ، ثم اطَّلَعَ، فوافَقَ التَّخْرِيجَ لها. فعلى الرِّوايةِ الثَّانيةِ، واحْتِمالِ أبي الخَطَّابِ، لرَبِّ الأرْضِ أُجْرَتُها إلى حينِ تَسْلِيمِ الزَّرْعِ. على الصَّحيحِ مِنَ المَذهبِ. جزَم به في «المُغنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وذكَر

(1) في النسخ: «حسين» .

(2)

عبيد الله بن محمد بن الحسين بن محمد الفراء، ابن القاضي أبي يعلى، أبو القاسم. سمع الحديث من والده، ورحل في طلب الحديث والعلم، وكان أكبر ولد القاضي أبي يعلى، وكان ذا عفة وديانة. توفي سنة تسع وستين وأربعمائة. ذيل طبقات الحنابلة 1/ 12، 13.

ص: 142

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أبو يَعْلَى الصغِيرُ، أنَّه لا أُجْرَةَ له. ونقَلَه إبْراهِيمُ بنُ الحارِثِ. وعلى المذهبِ، أعْنِي إذا أوْجَبْنا ردَّ النفَقَةِ، فقال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: يَرُدُّ مِثْلَ البَذْرِ. وبه قال ابنُ الزَّاغُونِيِّ؛ لأن البَذْرَ مِثْليٌّ. ونصَرَه الحارِثِيُّ. وقال القاضي في «المُجَرَّدِ» : يجِبُ ثَمَنُ البَذْرِ.

تنبيه: قال الحارِثِيُّ: عَمر المُصَنِّفُ بالنَّفَقَةِ عن عِوَضِ الزَّرْعِ، وكذلك عبَّر أبو الخَطَّاب، والسَّامَرِّيُّ، وصاحِبُ «التلخيصِ» ، وغيرُهم، وليس بالجَيِّدِ؛ لوَجْهَين؛ أَحدُهما، أنَّ المُعاوَضَةَ تَسْتَلْزِمُ مِلْكَ المُعَوِّضِ، ودُخُولُ الزَّرْعِ في مِلْكِ الغاصِبِ باطِلٌ بالنَّصِّ. كما تقدَّم، فبَطَلَ كوْنُها عِوَضًا عنه. الثَّاني، الأصْلُ في المُعاوَضَةِ تَفاوُتُهما وتَباعُدُهما، فدلَّ على انْتِفاءِ المُعاوَضَةِ، والصَّوابُ، أنَّها عِوَضُ البَذْرِ ولوَاحِقِه. انتهى.

فائدة: يُزَكِّيه ربُّ الأرْضِ، إنْ أخَذَه قبلَ وُجوبِ الزَّكاةِ، وإنْ أخَذَه بعدَ الوُجوبِ، ففي وُجوبِ الزَّكاةِ عليه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «القَواعدِ الفِقْهِيَّةِ». قلتُ: الصَّحيحُ أنَّه لا يُزَكِّيه، بل تَجِبُ الزَّكاة على الغاصِبِ، لأنَّه ملَكَه إلى حينِ أَخْذِه، على الصَّحيحِ، كما تقدَّم. وعلى مُقْتَضَى النُّصوصِ، واخْتِيارِ الخِرَقِيِّ، وأبِي بَكْر، وابنِ أبِي مُوسى، والحارِثِيِّ، وغيرِهم، يُزَكِّيه ربُّ الأرْضِ؛ لأنَّهم حكَمُوا أنَّ الزَّرْعَ مِن أصْلِه لرَبِّ الأرْضِ [وعلى هذا يكونُ هذا المذهبَ](1).

(1) زيادة من: ا.

ص: 143

وَإِنْ غَرَسَهَا أَوْ بَنَى فِيهَا، أُخِذَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ، وَتَسْويَةِ الأرْضَ وَأَرْشَ نَقْصِهَا وَأُجْرَتِهَا.

ــ

قوله: وإنْ غَرَسَها، أو بَنَى فيها، أُخِذَ بقَلْعِ غَرْسِه وبِنائِه وتَسْويَةِ الأرْضِ، وأرْشِ نَقْصِها وأُجْرَتِها. وهذا مَقْطوعٌ به عندَ جُمْهورِ الأصحابِ، إلَّا أنَّ صاحِبَ «الرِّعايةِ» قال: لَزِمَه القَلْعُ في الأصحِّ. قال في «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ والسَّبْعِين» : والمَشْهورُ عن أحمدَ، للمالِكِ قَلْعُه مجَّانًا، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يَقْلَعُ، بل يَتَملَّكُه بالقِيمَةِ. وعليها، لا يَقْلَعُ إلَّا مَضْمُونًا، كغَرْسِ المُسْتَعِيرِ. كذلك حَكاهما القاضي، وابنُ عَقِيلٍ.

ص: 144

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تنبيه: شَمِلَ كلامُ المُصَنِّفِ، ما لو كانَ الغارِسُ أو البانِي أحَدَ الشرِيكَين. وهو كذلك، حتى ولو لم يَغْصِبْه، لكِنْ غرَسَ أو بنَى مِن غيرِ إذْنٍ. وهو صحيحٌ. نصَّ عليه في رِوَايةِ جَعْفَرِ بنِ محمدٍ، أنَّه سُئِلَ عن رَجُل غرَسَ نَخْلًا، في أرْضٍ بينَه وبينَ قَوْم، مُشاعًا؟ قال: إنْ كان بغيرِ إذْنِهم، قلَع نَخْلَه. ويأْتِي هذا أيضًا في الشُّفْعَةِ](1).

فوائد؛ منها، لو زرَع فيها شَجَرًا بنَواه، فالمَنْصوصُ عن أحمدَ، وعليه الأصحابُ، أنَّه له، كما في الغِراسِ. ويَحْتَمِلُ كوْنُه لرَبِّ الأرْضِ؛ لدُخُولِه في عُمومِ أخْبَارِ الزَّرْعِ. قاله الحارِثِيُّ. ومنها، لو أثْمَرَ ما غَرَسَ الغاصِبُ، فقال في «المُجَرَّدِ» ، و «الفُصولِ» ، وصاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، و «نَوادِرِ المذْهبِ»: الثَّمَرُ لمالِكِ الأرْضِ، كالزَّرْعِ؛ إنْ أدْرَكَه أخَذَه، ورَد النَّفَقَةَ، والَّا فهو للغاصِبِ. واخْتارَه القاضي. ونصَّ عليه، في رِوايَةِ عليِّ بنِ سَعِيدٍ. قال في «الفُروعِ»: ونَصُّه في مَن غَرَسَ أرْضًا، الثمرَةُ لرَبِّ الأرْضِ، وعليه النفَقَةُ. وقال المُصَنِّفُ في «المغْنِي» ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، وابنُ رَزِين: لو أثْمَرَ ما غرَسَه الغاصِبُ؛ فإنْ أدْرَكَه صاحِبُ الأرْضِ بعدَ الجَذاذِ، فَللغاصِبِ، وكذلك قبلَه. وعنه، لمالِك الأَرْضِ، وعليه النَّفَقَةُ. انتهوا. قال ابن رَزينٍ، عن القَوْلِ بأنَّه لصاحِبِ الأرْضِ: ليس بشيءٍ. قال الحَارِثيُّ: وفيه

(1) زيادة من: ا.

ص: 145

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَجْهٌ، أنَّه للغاصِبِ بكُلِّ حالٍ. وحَكاه ابنُ الزَّاغُونِيِّ في كتابِ الشُّروطِ، رِوايَةً عن أحمدَ، قال: وهذا أصحُّ؛ اعتِبارًا بأصْلِه. قال: والقِياسُ على الزَّرْعِ ضعيفٌ. واخْتارَ الحَارِثِيُّ ما قدَّمه المُصَنِّفُ. وقدَّمه في «الرِّعايَتين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . ومنها، لو جَصَّصَ الدَّارَ وزَوَّقَها، فحُكْمُها كالبِناءِ. قاله

ص: 146

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الكافِي» . ولو وهَبَ ذلك لمالِكِها، ففي إجْبارِه على قَبُولِه وَجْهان، كالصَّبْغِ في الثوْبِ، على ما يأتِي. ومنها، لو غصَبَ أرْضًا، فبَناها دارًا بتُرابٍ منها

ص: 147

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وآلاتٍ مِنَ المَغْصُوبِ منه، فعليه أُجْرَتُها مَبْنِيَّة، وإنْ كانتْ آلاتُها مِن مالِ الغاصِبِ، فعليه أُجْرَةُ الأرْضِ دُونَ بِنائِها؛ لأنَّه إنَّما غصَب الأَرْضَ، والبِناءُ له، فلم يَلْزَمْه أُجْرَةُ مالِه، فلو أجَرَهَا، فالأجْرَةُ لهما بقَدْرِ قِيمَتِهما. نقَل ابنُ مَنْصُورٍ، في مَن بَنَى فيها ويُؤْجِرُها، الغَلَّةُ على النَّصيبِ. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ أيضًا، ويكونُ شَرِيكًا بزِيادَةِ بِناءٍ. ومنها، لو طَلَبَ أخْذَ البِناءِ أو الغِراسِ بقِيمَتِه، وأبَى مالِكُه إلَّا القَلْعَ، فله ذلك، ولا يُجْبَرُ على أخْذِ القِيمَةِ. وفي البِناءِ تخْريجٌ، إذا بَذَلَ صاحِبُ الأرْضِ لصاحِبِ القِيمَةِ، أنَّه يُجْبَرُ على قَبُولِها، إذا لم يَكُنْ في النَّقْضِ غرَضٌ صحيحٌ. وهو للمُصَنِّفِ. والمذهبُ، الأوَّلُ. وذكَرَ ابنُ عَقِيلٍ رِوايةً فيه، لا

ص: 148

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَلْزَمُه، ويُعْطِيه قِيمَتَه. ونقلَه ابنُ الحَكَمِ. وَرَوَى الخَلَّالُ فيه، عن عائِشَةَ، رضي الله عنها، مَرْفُوعًا:«له ما نقَصَ» . قال أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ: هذا مَنَعنا مِنَ القِياسِ. ونقَل جَعْفَرٌ فيها، لرَبِّ الأرْضِ أخْذُه. وجزَم به ابنُ رَزِينٍ، وزادَ، وترْكُه بأُجْرَةٍ. انتهى. ومنها، إنِ اتَّفَقا على القِيمَةِ، فالواجبُ قِيمَةُ الغِراسِ مَقْلُوعًا. حَكاه ابنُ أبِي مُوسى وغيرُه. وإنْ وَهَبَهما الغاصِبُ لرَبِّ الأرْضِ؛ ليَدْفعَ عن نَفْسِه كُلْفَةَ القَلْعِ، فقَبِلَه، جازَ. وإنْ أبَى إلَّا القَلْعَ، وكان في قَلْعِه غرَضٌ صحيحٌ، لم يُجْبَرْ على القَبُولِ. وإنْ لم يكُنْ له في القَلْعِ غرَضٌ صحيحٌ، ففي إجْبارِه على القَبُولِ احْتِمالان. وأطْلقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، و «الفُروعِ». قال في «الرّعايةِ»: وإنْ وهَبَها لرَبِّ الأَرْضِ، لم يَلْزَمْه القَبُولُ، إنْ أرادَ القَلْعَ، وإلَّا احْتَمَلَ وَجْهَينِ. انتهى. قلتُ: الأَوْلَى أنَّه لا يُجْبَرُ. ومنها، لو غَصَبَ أرْضًا و (1) غِراسًا مِن شَخْصٍ واحدٍ،

(1) في الأصل: «أو» .

ص: 149

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فغَرَسَه فيها، فالكُلُّ لمالِك الأرْضِ، فإنْ طالبَه رَبُّ الأرْضِ بقَلْعِه، وله في قَلْعِه غَرَضٌ صحيحٌ، أُجْبِرَ عليه، وعليه تَسْويَةُ الأرْضِ ونَقْصُها ونَقْصُ الغِراسِ. وإنْ

ص: 150

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لم يكُنْ في قَلْعِه غرَضٌ صحيحٌ، لم يُجْبَرْ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحَارِثِيِّ» ، و «الفرُوعِ» ، وغيرِهم. وقيل: يُجْبَرُ. وهو احْتِمالٌ للمُصَنِّفِ. وإنْ أرادَ الغاصِبُ قَلْعَه ابْتدِاءً، فله مَنْعُه. قاله الحارِثِيُّ، وصاحِبُ «الرِّعايةِ» ، وغيرُهما، ويَلْزَمُه أُجْرَتُه مَبْنِيًّا، كما تقدَّم. فائدتان؛ إحْداهما، لو غرَسَ المُشْتَرِي مِنَ الغاصِبِ، ولم يَعْلَمْ بالحالِ، فقال ابنُ أبِي مُوسى، والقاضي في «المُجَرَّدِ» ، وتَبِعَه عليه المُتَأَخِّرون: للمالِكِ قَلْعُه مجَّانًا، ويَرْجِعُ المُشْتَرِي بالنَّقْصِ على مَن غَرَّه. قال الحَارِثِيُّ: الحُكْمُ كما تقدَّم. قاله أصحابُنا. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقال في «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ والسَّبْعِين»: المَنْصُوصُ أنَّه يَتمَلَّكُه بالقِيمَةِ، ولا يقْلَعُ مجَّانًا، نقَلَه حَرْبٌ، ويَعْقُوبُ بنُ بَخْتانَ. قال: ولا يَثْبُتُ عن أحمدَ سِوَاه، وهو الصَّحيحُ. انتهى. ويأْتِي في كلامِ المُصنِّفِ ما هو أعَمُّ مِن ذلك، في البابِ في قوْلِه: وإنِ اشْتَرى أرْضًا فَغَرَسَها، أو بَنَى فيها، فخَرجَتْ مُسْتَحَقَّةً. الثَّانيةُ، الرَّطْبَةُ ونحوُها، هل هي كالزَّرْعِ في الأحْكامِ المُتَقَدِّمةِ، أو كالغِراسِ؟ فيه احْتِمالان. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «قواعدِ ابنِ رَجَبٍ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ؛ أحدُهما، أنَّه كالزَّرْعِ. قدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» ، وقال: لأنَّه زَرْعٌ ليس له

ص: 151

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَرْعٌ قَويٌّ، فأَشْبَهَ الحِنْطَةَ. قال الزَّرْكَشِيُّ: ويدْخُلُ في عُمومِ كلامِ الخِرَقِيِّ.

قلتُ: وكذا غيرُه. والوَجْهُ الثَّاني، هو كالغِراسِ قال النَّاظِمُ:

وكالغَرْسِ في الأَقْوَى، المُكَرَّرُ جَذُّه.

ص: 152

وَإِنْ غَصَبَ لَوْحًا، فَرَقَّعَ بِهِ سَفِينَةً، لَمْ يُقْلَعْ حَتَّى تَرْسُوَ.

ــ

ويأْتِي قرِيبًا: لو حفَرَ في الأرْضَ بِئْرًا.

قوله: وإنْ غصَب لَوْحًا فرَقَعَ به سَفينَةً، لم يُقْلَعْ حتى تَرْسَى. يعنِي، إذا كان يُخافُ مِن قَلْعهِ. وهذا المذهبُ مُطْلقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «القَواعِدِ الأصُولِيَّةِ»: هو المذهبُ عندَ الأصحابِ. وقيل: يُقْلَعُ، إلَّا أنْ يكونَ فيه حَيوانٌ مُحْتَرمٌ، أو مالٌ للغَيرِ. جزَم به في «عُيونِ المَسائلِ» ، وهو احْتِمالٌ لأبِي الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ». قال الحارِثِيُّ: ومُطْلَقُ كلام ابنِ أبِي مُوسى يَقْتَضِيه؛ فإنَّه قال: مَنِ اغْتَصَبَ ساجَةً، فَبَنَى عليها حائِطًا، أوَ جعَلها في سَفِينَةٍ، قُلِعَتْ مِنَ الحائطِ أو السَّفِينَةِ، وإنِ اسْتُهْدِما بالقَلْعِ. انتهى.

ص: 153

وَإِنْ غَصَبَ خَيطًا، فَخَاطَ بهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ، وَخِيفَ عَلَيهِ مِنْ قَلْعِهِ، فَعَلَيهِ قِيمَتُهُ، إلا أنْ يَكُونَ الحَيَوَانُ مَأْكُولًا لِلْغَاصِبِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَيُذْبَحُ الْحَيَوَانُ؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

فائدة: حيث يَتَأَخَّرُ القَلْعُ، فلِلمالِكِ القِيمَةُ، ثم إذا أمْكَنَ الرَّدُّ، أخَذَه مع الأَرْشِ، إنْ نقَصَ، واسْتَرَدَّ الغاصِبُ القِيمَةَ كما لو أبَقَ المَغْصُوبُ. قاله الحارِثِيُّ. قلتُ: وقد شَمِلَه كلامُ المُصَنِّفِ الآتِي؛ حيثُ قال: وإنْ غَصَبَ عَبْدًا، فأَبَقَ، أو فَرَسًا، فشَرَدَ، أو شَيئًا تعَذَّرَ ردُّه مع بَقائِه، ضَمِنَ قِيمَتَه. ولو قيلَ بأنَّه تَتعَيَّنُ له الأُجْرَةُ إلى أنْ يَقْلَعَ، لكانَ مُتَّجِهًا.

قوله: وإنْ غصَب خَيْطًا، فخاطَ به جُرْحَ حَيَوانٍ، وخِيفَ عليه مِن قَلْعِه،

ص: 154

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فعليه قِيمَتُه، إلَّا أنْ يَكونَ الحَيَوانُ مَأْكَولًا للغاصِبِ، فهل يَلْزَمُه رَدُّه، ويُذْبَحُ الحَيَوانُ؟ على وجهَين. إذا غَصَبَ خَيطًا وخاطَ به جُرْحَ حَيوانٍ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يُخافَ على الْحَيوانِ بقَلْعِه، أوْ لا، فإنْ لم يُخَفْ عليه بقَلْعِه، قُلِعَ. وإنْ خِيفَ عليه، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ مأْكُولًا أوْ لا، فإنْ لم يكُنْ مأْكولًا، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ مُحْتَرمًا، أوْ لا، فإنْ كان غيرَ مُحْتَرَمٍ؛ كالمُرْتَدِّ، والكَلْبِ العَقُورِ، والخِنْزِيرِ، ونحوها، فله قَلْعُه منه، بلا نِزاعٍ. وإنْ كان مُحْتَرَمًا، فلا يَخْلُو؛ إمَّا

ص: 155

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنْ يكونَ آدَمِيًّا، أو غيرَه، فإنْ كان آدَمِيًّا، لم يُقْلَعْ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، إذا خِيفَ عليه الضَّرَرُ، وتُؤْخَذُ قِيمَتُه. قدَّمه في «الفُروعِ» ، واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والحارِثِيُّ، وغيرُهم. وقيل: لا تُؤْخَذُ قِيمَتُه إلَّا إذا خِيفَ تَلَفُه، ويُقْلَعُ كغيرِه مِنَ الحَيواناتِ المُحْتَرَمَةِ؛ فإنَّه لا بُدَّ فيها مِن خَوْفِ التَّلَفِ على الصحيحِ. وفيه احْتِمالٌ. وهذا القَوْلُ ظاهِرُ ما قطَع به في «الفائقِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ؛ لأنَّهم قيَّدُوه بالتَّلَفِ. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وهو احْتِمالٌ للقاضي، وابنِ عَقِيلٍ. وإنْ كان مأْكُولًا، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ للغاصبِ، أوْ لا، فإن لم يكُنْ للغاصِبِ،

ص: 156

وَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ، لِزَمَهُ رَدُّهُ، إلا أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا.

ــ

لم يُقْلَعْ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» وغيرِهم. وإنْ كان للغاصِبِ، وهي مسْأَلةُ المُصَنِّفِ، فأَطْلَقَ الوَجْهَين، وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «شَرْحِ الحَارِثيِّ» ، و «ابنِ مُنَجَّي» ؛ أحدُهما، يُذْبَحُ، ويَلْزَمُه ردُّه. وهو المذهبُ. اخْتارَه القاضي وغيرُه. قاله الحَارِثِيُّ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الكافِي» . والوَجْهُ الثَّاني، لا يُذْبَحُ، وتُرَدُّ قِيمَتُه. قدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَتين» ، و «الحاوي الصَّغيرِ» . وفيه وَجْهٌ ثالِثٌ، إنْ كان مُعَدًّا للأَكْلِ؛ كبَهِيمَةِ الأنْعامِ، والدَّجاجِ، ونحوه، ذُبِحَ، ورَدَّه، وإلَّا فلا. وهو احْتِمالٌ للمُصَنِّفِ. قال الحارِثِيُّ؛ وهو حَسَنٌ. وأطْلَقَهنَّ في «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» .

قوله: وإنْ ماتَ الحَيَوانُ، لَزِمَه رَدُّه، إلَّا أنْ يَكُونَ آدَمِيًّا. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحَارِثِيِّ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يَلْزَمُه ردُّه بمَوْتِ الآدَمِيِّ. قال ابنُ شِهَابٍ:

ص: 157

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحَيوانُ أكثرُ حُرْمَةً مِن بقِيَّةِ المالِ، ولهذا لا يجوزُ مَنْعُ مائِه منه، [وله قَتْلُه دَفْعًا عن مالِه، قيل](1): لا عن نَفسِه.

فؤائد؛ الأُولَى، لو غصَبَ جَوْهَرَةً، فابْتَلَعَتْها بَهِيمَةٌ، فقال الأصحابُ: حُكْمُها حُكْمُ الخَيطِ. قاله المُصنِّفُ، والشَّارِحُ، والحارِثِيُّ، وقال: إنْ كانتْ مأْكُولَةً، ذُبِحَتْ على الأَشْهَرِ. وقال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (2): ويَحْتَمِلُ أنَّ الجَوْهَرَةَ متى كانتْ أكثرَ قِيمَةً مِن الحَيوانِ، ذُبِحَ الحَيوانُ، ورُدَّتْ إلى مالِكِها،

(1) في النسخ: «ولو قتله دفعا عن ماله قتل» ، والمثبت من الفروع 4/ 498.

(2)

انظر: المغني 7/ 409.

ص: 158

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وضَمانُ الحَيوانِ على الغاصِبِ، إلَّا أنْ يكونَ آدَمِيًّا. الثَّانيةُ، لو ابْتَلَعَتْ شاةُ رَجُلٍ جَوْهَرَةَ آخَرَ، غيرَ مَغْصُوبَةٍ، وتَوقَّفَ الإِخراجُ على الذَّبحِ، ذُبِحَتْ، بقَيدِ كَوْنِ الذَّبْحِ أقلَّ ضرَرًا. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، ومَن تابَعَهما. قال الحارِثِيُّ: واخْتِيارُ الأصحابِ، عدَمُ القَيدِ، وعلى مالِكِ الجَوْهَرَةِ ضَمانُ نقْصِ الذَّبْحِ، إلَّا أنْ يُفَرطَ مالِكُ الشَّاةِ بكَوْنِ يَدِه عليها، فلا شيءَ له؛ لتَفْرِيطِه. الثَّالِثةُ، لو أدْخَلَتِ الشَّاةُ رأْسَها في قُمْقُمٍ، ونحوه، ولم يُمْكِنْ إخْراجُه إلَّا بذَبْحِها أو كَسْرِه، فهنا حالتان؛ إحْداهما، أنْ تكونَ مأْكُولَةً. فللأصحابِ فيها طَرِيقان؛ أحدُهما، وهو

ص: 159

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلُ الأكْثَرِين؛ منهم القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، إنْ كان لا بتَفْرِيطٍ مِن أحَدٍ، كُسِرَ القِدْرُ، ووَجَبَ الأَرْشُ على مالِكِ البَهِيمَةِ. وإنْ كان بتَفْرِيطِ مالِكِها، بأنْ أدْخلَ رأْسَها بيَدِه، أو كانتْ يَدُه عليها، ونحوُه، ذُبِحَتْ مِن غيرِ ضَمانٍ. وحكَى غيرُ واحدٍ وَجْهًا بعَدَمِ الذَّبْحِ، فيَجِبُ الكَسْرُ والضَّمانُ. وإنْ كانتْ بتَفْرِيطِ مالِكِ القِدْرِ، بأنْ أدْخَلَه بيَدِه، أو ألْقاها في الطَّريقِ، كُسِرَتْ، ولا أَرْشَ. قال ذلك الحارِثِيُّ. الطَّريقُ الثَّاني، وهو ما قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، اعْتِبارُ أَقَلِّ الضَّرَرَين، إنْ كان الكَسْرُ هو الأقَلَّ، تعَيَّن، وإلَّا ذُبِحَ، والعَكْسُ كذلك. ثُم التَّفْريطُ مِن أيِّهما حصَلَ، كان الضَّمانُ عليه، وإنْ لم يحْصُلْ مِن واحِدٍ منهما، فالضَّمانُ على مالِكِ البَهِيمَةِ، إنْ كَسَرَ القِدْرَ. وإنْ ذُبِحَتِ البَهِيمةُ، فالضَّمان على

ص: 160

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صاحِبِ القِدْرِ. وإنِ اتَّفَقا على تَرْكِ الحالِ على ما هو عليه، لم يَجُزْ. ولو قال مَن عليه الضَّمانُ: أنا أُتْلِفُ مالي، ولا أغْرَمُ شيئًا للآخَرِ. كان له ذلك الحالةُ الثَّانيةُ، أنْ تكونَ غيرَ مأْكُولَةٍ، فتُكْسَرُ القِدْرُ، ولا تُقْتَلُ البَهِيمَةُ بحالٍ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: قاله الأصحابُ. قال الحارِثِيُّ: قاله الأكْثَرون مِنَ الأصحابِ. وعلى هذا، لو اتَّفَقا على القَتْلِ، لم يُمَكَّنا. وقيل: حُكْمُه حُكْمُ المَأْكُولِ، على ما تقدَّم. وفيه وَجْهٌ ثالثٌ، أنَّه يُقتَلُ إنْ كانتِ الجِنايَةُ كِل مِن مالِكِها، أو القَتْلُ أقل ضَرَرًا. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقَهنَّ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وظاهِرُ الحَارِثِيِّ الإِطْلاقُ. الرَّابِعةُ، لو سقَطَ دِينارٌ، أو دِرْهَمٌ، أو أقَلُّ أو أكْثْرُ، في مَحْبَرةِ الغَيرِ، وعَسُرَ إخْراجُه، فإنْ كان بفِعْلِ مالِكِ المَحْبَرَةِ، كُسِرَتْ مجَّانًا مُطْلَقًا، وإنْ كان بفِعْلِ مالِكِ الدِّينارِ، فقال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ: يُخيَّرُ بينَ تَرْكِه فيها وبينَ كَسْرِها، وعليه قِيمَتُها. وعلى هذا، لو بذَلَ مالِكُ المَحْبَرَةِ لمالِكِ الدِّينارِ مِثْلَ دِينارِه، فقيلَ: يَلْزَمُه قَبُولُه. اخْتارَه صاحِبُ «التَّلْخيصِ» فيه. وقدَّمه في «الرِّعايَتين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقيل: لا يَلْزَمُه قَبُولُه. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفُروعِ» . وذكَر المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ في إجْبارِ مالِكِ المَحْبَرَةِ على الكَسْرِ ابْتداءً، وَجْهَين؛ أحدُهما: لا يُجْبَرُ. قالا: وعليه نَقْصُ المَحْبَرَةِ. قال الحارِثِيُّ: ويجِبُ على هذا الوَجْهِ، أنْ يُقال بوُجوبِ بَذْلِ الدِّينارِ. انتهى. والوَجْهُ الثَّاني، يُجْبَرُ، وعلى مالِكِ الدِّينارِ ضَمانُ القِيمَةِ. واخْتارَه صاحِبُ «التَّلْخيصِ». قال الحارِثيُّ: وهذا الوَجْهُ هو حاصِلُ ما قال القاضي،

ص: 161

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وابنُ عَقِيلٍ مِنَ التَّخْيِيرِ بينَ التَّرْكِ والكَسْرِ. وكيفما كان، لو بادَر وكَسَرَ عُدْوانًا، لم يَلْزَمْه أكثرُ مِن قِيمَتِها، وَجْهًا واحِدًا. وإنْ كان السُّقُوطُ لا بفِعْلِ أحدٍ؛ بأنْ سقَطَ مِن مَكانٍ، أو أَلْقَاهُ طائرٌ، أو هِرٌّ، وجَبَ الكَسْرُ، وعلى رَبِّ الدِّينارِ الأَرْشُ. فإنْ كانتْ المَحْبَرَةُ ثَمِينَةً، وامْتَنعَ ربُّ الدِّينارِ مِن ضَمانِها في مُقابَلَةِ الدِّينارِ، فقال ابنُ عَقِيلٍ: قِياسُ قَوْلِ أصحابِنا أنْ يُقال له: إنْ شِئْتَ أنْ تأْخُذَ، فاغْرَمْ، وإلَّا فاتْرُكْ، ولا شيءَ لك. قال الحَارِثِيُّ: والأَقْربُ، إنْ شاءَ الله تعالىَ، سُقوطُ حقِّه مِنَ الكَسْرِ هُنا، ويَصْطَلِحان عليه. ولو غصَبَ الدِّينارَ وأَلْقاه في مَحْبَرةِ آخَرَ، أو سقَطَ فيها بغيرِ فِعْلِه، فالكَسْرُ مُتَعَيِّنٌ، وعلى الغاصِبِ ضَمانُها، إلَّا أنْ يزيدَ ضرَرُ الكَسْرِ على التَّبْقِيَةِ فَيسْقُطَ، ويجِبَ على الغاصِب ضَمانُ الدِّينارِ. ذكَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وتابَعَهما الحَارِثِيُّ. الخامسةُ، لو حصَلَ مُهْرٌ أو فَصِيلٌ في دارِه لآخَرَ، وتعَذَّرَ إخْراجُه بدُونِ نَقْضِ البابِ، وَجَبَ النَّقْضُ. ثُم إنْ كانَ عن تَفْرِيطِ مالِكِ الدَّارِ؛ بأنْ غَصَبَه وأدْخلَه، فلا كلامَ، وإنْ كان لا عن تَفْرِيطٍ مِن أحَدٍ، فضَمانُ النَّقْضِ على مالِكِ الحَيوانِ. وذكَر المُصَنِّفُ احْتِمالًا باعْتِبارِ أقلِّ الضَّرَرَين؛ فإنْ كان النقْضُ أقلَّ، فكما قُلْنا، وإنْ كان أكْثَرَ، ذُبِحَ. قال الحَارِثِيُّ: وهذا أوْلَى. وعلى هذا، إنْ كان الحَيوانُ غيرَ مأْكُولٍ، تعَيَّنَ النَّقْضُ، وإنْ كان عن تَفْرِيطِ مالِكِ الحَيوانِ، لم يُنْقَضْ، وذُبِحَ، وإنْ زادَ ضَررُه. حكَاه في «المُغْنِي» ، وذكَر صاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وُجوبَ النَّقْضِ وغرْمَ الأَرْشِ. وكلامُ ابنِ عَقِيلٍ نحوُه أو قريبٌ منه. قاله الحَارِثِيُّ، وقال: الأَوَّلُ الصَّحيحُ. وإنْ كان المَغْصُوبُ خَشَبَةً، فأَدْخَلها الدَّارَ، فهي كَمسْأَلَةِ الفَصِيل؛

ص: 162

فَصْلٌ: وَإِنْ زَادَ، لَزِمَهُ رَدُّهُ بِزِيَادَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً؛ كَالسِّمَنِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، أَوْ مُنْفَصِلَةً؛ كَالْوَلَدِ وَالْكَسْب. وَلَوْ غَصَبَ جَارِحًا فَضَادَ بِهِ، أَوْ شَبَكَةً أَوْ شَرَكًا فَأَمْسَكَ شَيئًا، أَوْ فَرَسًا فَصَادَ عَلَيهِ أَوْ غَنِمَ، فَهُوَ لِمَالِكِهِ.

ــ

يَنْقُضُ البابَ لإِخْراجِها. السَّادسةُ، لو باعَ دارًا وفيها ما يَعْسُرُ إخْراجُه، فقال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وغيرُهم: يَنْقُضُ البابَ، وعليه ضَمانُ النَّقْضِ. وقال المُصَنِّفُ: يُعْتَبَرُ أقَلُّ الضَّرَرَين؛ إنْ زادَ بَقاؤُه في الدَّارِ، أو تَفْكِيكُه، إنْ كان مُرَكَّبًا، أو ذَبْحُه، إنْ كان حَيوانًا على النَّقْضِ، نُقِضَ مع الأَرْشِ، وإنْ كان بالعَكْسِ، فلا نقْضَ لعدَمِ فائِدَتِه. قال: ويَصْطَلِحان؛ إمَّا بأنْ يَشْتَرِيَه مُشْتَرِي الدَّارِ، أو غيرِ ذلك. انتهى.

قوله: ولو غصَبَ جارِحًا، فصادَ به، أو شَبَكَةً، أو شَرَكًا، فأَمْسَكَ شَيئًا،

ص: 163

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو فَرَسًا، فصادَ عليه، أو غَنِمَ، فهو لمالِكِه. إذا غَصَبَ جِارحًا، فصادَ به، أو فَرسًا، فصادَ عليه، فالصَّيدُ للمالِكِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الحَارِثِيُّ: هذا المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. قال في «تجْريدِ العِنايةِ» : فلرَبِّه في الأَظْهَرِ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وجزَم به في، الصَّيدِ في «الفائقِ» ، و «الرِّعايةِ» في غيرِ الكَلْبِ. وقيل: هو للغاصِبِ، وعليه الأُجْرَةُ. وهو احْتِمالُ في «المُغْنِي». قال الحَارِثِيُّ: وهو قَويٌّ. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، في صَيدِ الكَلْبِ. وأطلَقهما في «الفُروعِ» ، و «الرّعايةِ» في الكَلْبِ. وقال الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ: يتوَجَّهُ فيما إذا غَصَبَ فَرَسًا، وكسَبَ عليه مالًا، أنْ يُجْعَلَ الكَسْبُ بينَ الغاصِبِ ومالِكِ الدَّابَّةِ على قَدْرِ نَفْعِهما، بأنْ تُقَوَّمَ مَنْفَعةُ الرَّاكبِ ومَنْفَعَةُ الفَرَسِ، ثم يُقْسَمُ الصَّيدُ بينَهما. وتقدَّم ذلك في الشَّرِكَةِ الفاسِدَةِ. فعلى المذهبِ، فل يَلْزَمُ الغاصِبَ أُجْرَةُ مُدَّةِ اصْطِيادِه، أم لا؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، «والرِّعايةِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا يَلْزَمُه. قدَّمه الحَارِثِيُّ، وقال: هو الصَّحيحُ. قال

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «تَجْريدِ العِنايةِ» : ولا أُجْرَةَ لرَبّه مُدَّةَ اصْطِيادِه، في الأظْهَر. والوَجْهُ الثَّاني، يَلْزَمُه. وهو قِياسُ قَوْلِ صاحبِ «التَّلْخيصِ» ، في صَيدِ العَبْدِ، على ما يأتِي قرِيبًا. وأمَّا سَهْمُ الفَرَسِ المَغْصُوبَةِ، فقد تقدَّم في كلامِ المُصَنِّفِ أيضًا، في بابِ قِسْمَةِ الغَنِيمَةِ، في قَوْلِه: ومَن غصَبَ فَرَسًا، فَقَاتَلَ عليه، فسَهْمُه لمالِكِه. وذكَرْنا الخِلاف فيه هناك. وأمَّا إذا اغصَبَ شبَكَةً، أو شَرَكًا، فصادَ به، فجزَم المُصَنِّفُ هنا، أنَّه لمالِكِه. وهو المذهبُ. قال الحارِثِيُّ: هذا المذهبُ، وعليه عامَّةُ الأصحابِ. وجزَم به ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يكونُ للغاصِبِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقال في «الفُروعِ» ، بعدَ أنْ ذكَر صَيدَ الكَلْبِ، والقَوْسِ: وقيل: وكذا أُحْبُولَةٌ. وجزَم به غيرُ واحدٍ في كُتُبِ الخِلافِ، قالوا على قِياسِ قوْلِه: رِبْحُ الدَّراهِمِ لمالِكِها.

فائدة: صَيدُ العَبْدِ المغْصُوبِ، وسائرُ أكْسابِه للسَّيِّدِ، بلا نِزاعٍ. وفي لُزومِ أُجْرَتِه مُدَّةَ اصْطِيادِه وعَمَلِه، الوَجْهانِ المُتَقَدِّمان في الجارِحَةِ. قال في «التَّلْخيصِ»: ولا تدْخُلُ أُجْرَتُه تحتَه، إذا قُلْنا بضَمانِ المَنافِعِ.

ص: 165

وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَرَهُ، أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ، أَوْ فِضَّةً أَوْ حَدِيدًا فضَرَبَهُ، أَوْ خَشَبًا فَنَجَرَهُ، أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا، رَدَّ ذَلِكَ بِزِيَادَتِهِ وَأَرْشَ نَقْصِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ.

ــ

قوله: وإنْ غصَب ثَوْبًا فقصَرَه، أو غَزْلًا فنسَجَه، أو فِضَّةً، أو حَدِيدًا فضَرَبَه -إبَرًا أو أَوانِيَ- أو خَشَبًا، فنجَرَه بابًا، ونحوَه، أَو شاةً فذَبَحَها وشَواها، رَدَّ ذلك بزيادَتِه، وأَرْشَ نَقصِه، ولا شيءَ له. وكذا لو غَصَبَ طينًا، فضَرَبَه لَبِنًا، أو جعَلَه فَخَّارًا، أو حبًّا، فطَحَنَه، ونحوَ ذلك. ذكَر المُصَنِّفُ هنا، ما يُغَيِّرُ المَغْصُوبَ عن صِفَتِه، ويَنْقُلُه إلى اسْمٍ آخَرَ، كما مثَّلَ، ونحوه، ففي هذا يكونُ الحُكْمُ كما قال المُصَنِّفُ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفائقِ»: هذا ظاهِرُ المذْهبِ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : هذا

ص: 166

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ. قال الحارِثِيُّ: اخْتارَه المُصَنِّفُ، والأكْثَرون مِن أهْلِ المذهبِ؛ منهم، القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وأبو عَليِّ بنُ شِهابٍ، وابنُ عَقِيلٍ في «الفُصولِ». قال: وهو المُخْتارُ. قال في «التَّلْخيصِ» : هذا الصَّحيحُ عندِي. وصحَّحه في «النَّظْمِ» وغيرِه. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . وعنه، يكونُ شَرِيكًا بالزِّيادَةِ. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قاله في «الفائقِ» . قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ»:

ص: 167

وَعَنْهُ، يَكُونُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ.

ــ

الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، إنْ زادَتِ القِيمَةُ بذلك، فالغاصِبُ شَرِيكُ المالِكِ بالزِّيادَةِ. انتهى. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «ناظِمِ المُفْرَداتِ» ، وقال: رجَّحه الأكْثَرُ في الخِلافِ. انتهى. واخْتارَه القاضي في «الجامعِ الصَّغِيرِ» ، والقاضي يَعْقُوبُ، وابنُ عَقِيلٍ في «التَّذْكِرَةِ» ، وأبو الحَسَنِ ابنُ بَكْرُوسٍ (1). وقيل: للغاصِبِ أُجْرَةُ عَمَلِه فقط، إذا كانتِ

(1) علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس، البغدادي، أبو الحسن. فقيه، مصنف، له كتاب «رءوس المسائل» ، و «الأعلام» . توفي سنة ست وسبعين وخمسمائة. ذيل طبقات الحنابلة 1/ 348.

ص: 168

وَقَال أَبُو بَكْرٍ: يَمْلِكُهُ، وَعَلَيهِ قِيمَتُهُ.

ــ

الزِّيادَةُ مِثْلَها فصاعِدًا. أوْمَأَ إليه ابنُ أبِي مُوسى. ذكَرَه عنه في «التَّلْخيصِ» . قال الحارِثِيُّ: قاله ابنُ أبِي مُوسى، والشِّيرازِيُّ. فعلى هذا، إنْ عَمِلَ ولم يَسْتَأْجَرْ، فلا شيءَ له، قاله الشِّيرازِيُّ في «المُبْهِجِ». وقال أبو بَكْرٍ: يَمْلِكُه، وعليه قِيمَتُه قبلَ تَغْيِيرِه. وهو رِوايةٌ نقَلَها محمدُ بنُ الحَكَمِ، إلَّا أنَّ المُصَنِّفَ، والشَّارِحَ قالا: هو قوْلٌ قديمٌ رجَعَ عنه؛ فإنَّ محمدًا ماتَ قبلَ أبي عبدِ اللهِ بَنْحوٍ مِن عِشْرِين سنَةً. قلتُ: مَوْتُه قبلَ أبِي عبدِ اللهِ بعِشْرِين سنَةً لا يدُلُّ على أنَّه رجَع عنه، بل لا بُدَّ مِن دَليل على رُجُوعِه، وإلَّا فالأصْلُ عدَمُه. ثم وجَدْتُ الحارِثِيَّ قال نحوَه؛ فقال: وليس يَلْزَمُ مِن تقدُّمِ الوَفاةِ الرُّجُوعُ؛ إذْ مِنَ الجائزِ تقدُّمُ سَماعِ مَن تأخَّرَتْ وفاتُه، وكان يجِبُ، على ما قال، إلْغاءُ ما خالفَ أبو بَكْرٍ فيه لرِوايَةِ مَن تأَخَّرَ مَوْتُه،

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والأَمْرُ بخِلافِه. انتهى. وعنه، يُخَيَّرُ المالِكُ بينَ العَينِ والقِيمَةِ. قال في «الفائقِ»: وهو المُخْتارُ.

تنبيه: أدْخَلَ المُصَنِّفُ فيما يُغيِّرُ المَغْصُوبَ عن صِفَتِه، قَصْرَ الثَّوْبِ، وذَبْحَ الشَّاةِ وشَيَّها. قال في «الفُروعِ»: فذَكَر جماعَةٌ، أنَّه كالنَّوْعِ الأوَّلِ. قلتُ: منهم صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» ، و «الوَجيزِ» و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرُهم. قال الحارِثِيُّ: وقد أدْرَجَ هو وغيرُه في هذا الأَصْلِ قِصارَةَ الثَّوْبِ،

ص: 170

وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا، فَحَفَرَ فِيهَا بِئْرًا، وَوَضَعَ تُرَابَهَا فِي أَرْضِ

ــ

وليس بالمُخْتارِ؛ لانْتِفاءِ سلْبِ الاسمِ والمَعْنَى.

تنبيه ثان: أفادَ المُصَنِّفُ أنَّ ذَبْحَ الغاصِبِ للحَيوانِ المَغْصُوبِ لا يُحَرِّمُ أكْلَه. وهو كذلك على الصَّحيحِ، ويأْتِي ذلك عندَ تَصرُّفاتِ الغاصِبِ الحُكْمِيَّةِ، وفي بابِ القَطْعِ في السَّرِقَةِ.

فائدة: ما صوَّرَه المُصَنِّفُ وغيرُه، في هذه المَسْأَلَةِ، ينْقَسِمُ إلى مُمْكِنِ الرَّدِّ إلى الحالةِ الأُولَى؛ كالحَلْيَ، والأَوانِي، والدَّراهِمِ، فيُجْبَرُ المالِكُ على الإِعادَةِ. قاله في «التَّلْخيصِ» ، واقْتَصرَ عليه الحارِثِيُّ. وإلى غيرِ مُمْكِنٍ؛ كالأَبوابِ، والفَخَّارِ، ونحوهما، فليس للغاصِبِ إفْسادُه، ولا للمالِكِ إجْبارُه عليه، فيما عَدا الأبوابَ، ونحوَها. وقال ابنُ عَقِيلٍ، في الأوانِي المُتَّخَذَةِ مِنَ التُّرابِ: للمالِكِ ردُّها ومُطالبَتُه بمِثْلِ التُّرابِ.

قوله: وإنْ غصَبَ أَرْضًا، فحَفَرَ فيها بِئْرًا، ووَضَعَ تُرابَها فِي أَرْضِ مالِكِها،

ص: 171

مَالِكِهَا، لَمْ يَمْلِكْ طَمَّهَا إِذَا أَبْرَأَةُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ.

ــ

لم يمْلِكْ طَمَّها، إذا أَبْرأَه المالِكُ من ضَمانِ ما يَتْلَفُ بها، في أَحَدِ الوَجْهَين. إذا حفَرَ بِئْرًا، أو شَقَّ نَهْرًا، ونحوَه، في أرْضٍ غصَبَها، فطالبَه المالِكُ بطَمِّها، لَزِمَه ذلك إنْ كان لغَرَضٍ. قاله الحارِثِيُّ. وإنْ أرادَ الغاصِبُ طَمَّها ابْتِداءً، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ

ص: 172

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكونَ لغَرَضٍ صَحيحٍ، أوْ لا، فإنْ كان لغَرَضٍ صَحيحٍ؛ كإسْقاطِ ضَمانِ ما يقَعُ فيها، أو يكونُ قد نقَلَ تُرابَها إلى مِلْكِه، أو مِلْكِ غيرِه، أو إلى طَريقٍ يحْتاجُ إلى تَفْرِيغِه، فله طَمُّها مِن غيرِ إذْنِ ربِّها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» . واخْتارَه القاضي. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الحَارِثِيِّ» ، و «الخُلاصَةِ». وقيل: لا يَمْلِكُ طَمَّها إلَّا بإذْنِه. وهو ظاهرُ ما قدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، على ما يأْتِي مِن كلامِهما. وإنْ لم يكُنْ له غرَضٌ صحيحٌ في ذلك، وهي مسْأَلَةُ المُصَنِّفِ؛ مِثْلَ أنْ يكونَ قد وضَع التُّرابَ في أرْضِ مالِكِها، أو في مَواتٍ، أو أبْرَأه مِن ضَمانِ ما يتْلَفُ بها، قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: أو منَعَه منه، فهل يَمْلِكُ طَمَّها؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الحارِثِيِّ» ؛ أحدُهما، لا يَمْلِكُ طَمَّها. وهو الصَّحيحُ. نصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» . واخْتارَه أبو الخَطَّابِ. والوَجْهُ الثَّاني، يَمْلِكُه. اخْتارَه القاضي. قال في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ»: وإنْ غَصَبَ دارًا، فحفَرَ فيها بِئْرًا، ثم اسْتَرَدَّها مالِكُها، فأرادَ الغاصِبُ طَمَّ البِئْرِ، لم يكُنْ له ذلك. وقال القاضي: له ذلك مِن غيرِ رِضَا المالِكِ. وقال أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» : ليس له ذلك إذا أَبْرَأَه

ص: 173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المالِكُ مِن ضَمانِ ما يتْلَفُ فيها. انتهيا. وأطْلَقهنَّ في «المُذْهَبِ» . قال في «التَّلْخيصِ» : وأصْلُ اخْتِلافِ القاضي، وأبِي الخَطَّابِ، هلِ الرِّضَا الطارِئُ كالمُقارِنِ للحَفْرِ، أمْ لا؟ والصَّحيحُ، أنَّه كالمُقارِنِ. انتهى. وقال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ»: وإنْ حفرَ فيها بِئْرًا أو نحوَها، فله طَمُّها مُطْلَقًا. وإنْ سَخِطَ رَبُّها، فأَوجُهٌ؛ النَّفْيُ، والإِثْباتُ. والثَّالثُ، إنْ أَبْرَأَه مِن ضَمانِ ما يتْلَفُ بما، وصحَّ في وَجْهٍ، فلا. زادَ في «الرِّعايةِ الكُبْرى» وَجْهًا رابِعًا، وهو إنْ كان غرَضُه فيه صَحِيحًا؛ كدَفْعِ ضَرَرٍ، وخَطَرٍ، ونحوهما، وإلَّا فلا. وخامِسًا، وهو إنْ ترَك تُرابَها في أرْضِ غيرِ رَبِّها، فلا. وقيل: بلَى، مع غَرَضٍ صحيحٍ. انتهى. وتقدَّم ذلك، والصَّحيحُ منه.

تنبيهان؛ أحدُهما، في القَوْلِ المَحْكِيِّ عنِ القاضي. قال الحارِثِيُّ: إنْ كانَ مأْخُوذًا مِن غيرِ كتابِ «المُجَرَّدِ» ، فنَعم، وإنْ كان مِنَ «المُجَرَّدِ» ، فكَلامُه فيه مُوافِقٌ لأبِي الخَطَّابِ؛ فإنَّه قال، وذكَر كلامَه. قلتُ: النَّاقِلُ عنِ القاضِي تِلْمِيذُه أبو الخَطَّابِ في «الهِدايةِ» ، وهو أعلمُ بكَلامِه مِن غيرِه، وللقاضِي في مَسائِلَ كثيرَةٍ القوْلان والثَّلاثَةُ، وكُتُبُه كثيرةٌ. الثَّاني، ظاهرُ كلامِ أبِي الخَطَّابِ، وجماعَةٍ، أنَّه إذا أَبْرَأَه المالِكُ مِن ضَمانِ ما يتْلَفُ بها، أنَّه يصِحُّ، ويَبْرَأُ. وهو أحدُ الوَجْهَين. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ عَقِيلٍ، والقاضي في «المُجَرَّدِ» .

ص: 174

وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ، أَوْ بَيضًا فَصَارَ فِرَاخًا، أَوْ نَوًى فَصَارَ غرْسًا، رَدَّهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ.

ــ

قاله الحارِثِيُّ لمَّا ذكَر كلامَه المُتَقدِّمَ. والوَجْهُ الثَّانِي، أنَّه لا يَبْرأُ. وتقدَّم قرِيبًا كلامُه في «الرِّعايتَين» في ذلك. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ». قال الحارِثِيُّ: وحاصِلُ المَسْأَلةِ الأُولَى، الخِلافُ في صِحَّةِ الإِبْراءِ، وفيه وَجْهان.

قوله: وإنْ غصَب حَبًّا فزَرَعَه، أو بَيضًا فصارَ فِراخًا، أَو نَوًى فصارَ غِراسًا -قال في «الانْتِصارِ»: أو غُصْنًا فصارَ شَجَرَةً- ردَّه، ولا شيءَ له- وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَعِ به كثيرٌ منهم- ويتَخَرَّجُ فيها مِثْلُ الذي قبلَها. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: ويتَخَرَّجُ أنْ يَمْلِكَه الغاصِبُ. فعلى هذا، يتَخَرَّجُ لنا، أنْ يكونَ شَرِيكًا بالزِّيادَةِ، كالمَسْأَلةِ التي قبلَها. انتهى. وذلك؛ لأنَّها نَوْعٌ ممَّا تقدَّم مِن تَغْيِيرِ العَينِ وتَبَدُّلِ اسْمِها.

فائدة: ذكَر في «الكافِي» مِن صُوَرِ الاسْتِحالةِ، الزَّرْعَ يَصِيرُ حبًّا. قال الحارِثِيُّ: وفيه نَظَرٌ؛ فإنَّ الزَّرْعَ إنْ كانَ قد سَنبَلَ حالةَ الغَصْبِ، فهو مِن قَبِيلِ

ص: 175

فَصْلٌ: وَإِنْ نَقَصَ، لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ بِقِيمَتِهِ، رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيرَهُ. وَعَنْهُ، أَنَّ الرَّقِيقَ يُضْمَنُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ فِي

ــ

الرُّطَبِ والعِنَبِ يصِيران تَمْرًا وزَبيبًا، وليسا مِنَ المُسْتَحِيلِ بالاتِّفاقِ، وإنْ لم يكُنْ سَنْبَلَ، فهو في مَعْنَى إثْمارِ الشَّجَرِ، فيكونُ مِن قَبِيلِ المُتَوَلِّدِ، لا المُسْتَحِيلِ؛ لوُجودِ الذَّاتِ عَينًا. انتهى.

قوله: وإنْ نقَص، لَزِمَه ضَمانُ نَقْصِه بقِيمَتِه؛ رَقِيقًا كانَ أو غيرَه. وقال الأصحابُ: ولو بنَباتِ لِحْيَةِ أمْرَدَ، وقَطْعِ ذَنَبِ حِمارٍ. وهذا

ص: 176

الإِتْلَافِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَينِ مِنْهُمَا.

ــ

المذهبُ في ذلك كلِّه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرهِ. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والمَجْدُ، وغيرُهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعَايتين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، وقال: عليه جمهورُ أهْلِ المذهبِ. وعنه، أنَّ الرَّقيقَ يُضْمَنُ بما يُضْمَنُ به في الإِتْلافِ. فيَجِبُ في يَدِه نِصْفُ قِيمَتِه، وفي مُوضِحَتِه نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِه. وعلى هذا فقِسْ. فإنْ كان النَّقْصُ ممَّا لا مُقَدَّرَ فيه؛ كنَقْصِه

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للكِبَرِ أو المَرَضِ، أو شَجَّةٍ دُونَ المُوضِحَةِ، فعليه ما نقَصَ مع الرَّدِّ فقط. قال الحارِثِيُّ: هذه الرِّوايَةُ أقْوَى.

ويتَخَرَّجُ أنَّه يَضْمَنُه بأَكْثَرِ الأمْرَين منهما -وانفَرَدَ المُصَنِّفُ بهذا التَّخْريج هنا. قاله الزَّرْكَشِيُّ وعنه، في عَينِ الدَّابَّةِ؛ مِنَ الخَيلِ، والبِغالِ، والحَمِيرِ، رُبْعُ قِيمَتِها. نصَرَها القاضي، وأصحابُه. مَال الزَّرْكَشِي: وهو المَشْهورُ عن أحمدَ. فقال القاضي في «رِوايَتَيه» ، وأبو الخَطَّابِ، والمُصَنِّفُ، والمَجْدُ، والشَّارِحُ، وغيرُهم: الخِلافُ في عَينِ الدَّابَّةِ؛ مِنَ الخَيلِ، والبِغالِ، والحَمِيرِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال الزَّرْكَشِيُّ: ونُصُوصُ أحمدَ على ذلك. وقال في «الفُروعِ» : وخَصَّ في «الرَّوْضَةِ» هذه الرِّوايَةَ بعينِ الفَرَسِ، وجعَل في عَينِ غيرِها ما نقَصَ، وأحمدُ إنَّما قال في عَينِ الدَّابَّةِ. انتهى. قال الحارِثِيُّ: مِنَ الأصحابِ مَن قصر الخِلافَ على عَينِ الفَرَسِ، دُونَ البَغْلِ والحِمارِ. وهذه طَريقَةُ القاضي في «التَّعْليقِ الكَبِيرِ» ، وأبِي الخَطَّابِ في «رُءوسِ المَسائلِ» ، والقاضي يَعْقُوبُ، وأبِيَ المَواهِبِ الحُسَينِ بنِ محمدٍ العُكْبَرِيِّ في آخَرِين، واخْتارَ أكثرُ هؤلاءِ القَوْلَ بالمُقَدَّرِ. قال: ونَصُّ أحمدَ

ص: 178

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَقْتَضِي العُمومَ؛ فإنَّ لَفْظَ «الدَّابَّةِ» يشْمَلُ البَغْلَ، والحِمارَ، والفَرَسَ. وكذلك صِيغَةُ الدَّليلِ المُتَمَسِّكِ به، فالتَّخْصِيصُ خِلافُ الأصْلِ، مع أنَّا نَجِدُ في الفَرَسِ خَصائِصَ تُناسِبُ اخْتِصاصَ الحُكْمِ به، لكِنْ ما أخَذْنا فيه غيرَ القِياسِ، ولا يُمْكِنُ إعْمالُ ما ذكَرْنا مِنَ المُناسَبَةِ. انتهى. قلتُ: وممَّنْ خصَّ الرِّوايَةَ بعَينِ الفَرَسِ مِنَ المُتَأَخِّرِين؛ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وصاحبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، وغيرُهم. فعلى هذه الرِّوايةِ، في العَينَين ما نقَصَ، كسائرِ الأعْضاءِ. قال الحارِثِيُّ: كذلك قال الأصحابُ، لا أعْلَمُهم اخْتَلفُوا فيه. قال: وعن أبِي حَنِيفَةَ، نِصْفُ القِيمَةِ؛ اعْتِبارًا بالرُّبْعِ في إحْداهما. قال: وهو أظْهَرُ. انتهى. ويأْتِي، إذا شَقَّ ثَوْبًا، أو أتْلَفَ عصًا، أو قَصْعةً، أو كَسَرَ خَلْخَالًا، ونحوَه، في ضَمانِ غيرِ المِثْلِيِّ، في الفَصْلِ السَّادِسِ والخِلافُ فيه. ويأْتِي وَقْتَ لُزومِ قِيمَتِه، في أوَّلِ الفَصْلِ السَّادِسِ، في كلامِ المُصَنِّفِ.

تنبيه: دَخَلَ في قَوْلِ المُصَنِّفِ: وإنْ تَلِفَ، لَزِمَه ضَمانُ نَقْصِه بقِيمَتِه. لوَ جَنَى على حَيوانٍ حامِلٍ فأَلْقَتْ جَنينَها مَيتًا. وهو كذلك، فيَجِبُ عليه ضَمانُ ما نقَصَ مِن أُمِّه بالجِنايَةِ. نصَّ عليه، في رِوايَة ابنِ مَنْصُورٍ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قاله في «القاعِدَةِ الرَّابِعَةِ والثَّمانِين». وقال أبو بَكْرٍ: يجِبُ ضَمانُ جَنِينِ البَهائمِ بُعشْرِ قِيمَةِ أُمِّه، كجَنِينِ الأمَةِ. قال في «القواعِدِ»: وقِياسُه جَنِينُ الصَّيدِ في الحَرَمِ والإِحْرامِ، والمَشْهورُ، أنَّه يَضْمَنُ بما نقَصَ أُمَّه أيضًا. ويأْتِي في مَقادِيرِ الدِّياتِ. قال: ولو أَلْقَتِ البَهِيمَةُ بالجِنايَةِ جَنِينًا حيًّا، ثم ماتَ، ففيه احْتِمالان. ذكَرَهما القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، في الرَّهْنِ؛ أحدُهما، يَضْمَنُ قِيمَةَ الوَلَدِ حيًّا لا غيرُ. والثَّاني، عليه أكْثَرُ الأَمْرَين، أو ما نَقَصَتِ الأُمُّ. انتهى. قلتُ: الثَّاني هو الصَّوابُ.

ص: 179

وَإِنْ غَصَبَهُ وَجَنَى عَلَيهِ، ضَمِنَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَينِ.

ــ

قوله: وإنْ غصَبَه وجَنَى عليه، ضَمِنَه بأَكْثَرِ الأَمْرَين. وهذا مُفَرَّعٌ على القَوْلِ بالمُقَدَّرِ مِنَ القِيمَةِ، قاله الحارِثِيُّ. قال الشَّارِحُ: إذا جنَى الغاصِبُ على العَبْدِ المَغْصُوبِ جِنايَةً مُقَدَّرَةَ الدِّيَةِ، فعلى قوْلِنا: ضَمانُ الغَصْبِ ضَمانُ الجِنايَةِ. يكونُ الواجِبُ أَرْشَ الجِنايةِ، كما لو جَنَى عليه مِن غيرِ غَصْبٍ. وإنْ قُلْنا: ضَمانُ الغَصْبِ غيرُ ضَمانِ الجِنايَةِ. وهو الصَّحيحُ، فعليه أكثرُ الأَمْرَين؛ مِن أَرْشِ النَّقْصِ، أو دِيَةِ ذلك العُضْو. وجزَم بأنَّه يَضمَنه بأكْثَرِ الأمْرَين، في «الرِّعايَتين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ». قال في «الفُروعِ»: يَضْمَنُه بأَكْثَرِهما على الأصحِّ. وعنه، أنَّه يضمَنُ بما نقَصَ. ذكَرَها المُصَنِّفُ في هذا الكِتابِ، في الفَصْلِ الثَّالثِ مِن بابِ مَقادِيرِ الدِّياتِ. اخْتارَها الخَلَّالُ، وابنُ عَقِيلٍ أيضًا. ذكَرَه الحارِثِيُّ. لكِنَّ هذه الرِّوايَةَ أَعَمُّ مِن أنْ يكونَ الجانِي الغاصِبَ أو غيرَه. قال الحارِثيُّ: وُجوبُ أكْثَرَ الأمْرَينِ مُفَرَّعٌ على القَوْلِ بالمُقَدَّرِ؛ لاجْتِماعِ السَّبَبَين باليَدِ والجِنايَةِ. مِثالُه، لو كانتِ القِيمَةُ ألْفًا، فنَقَصَتْ بالقَطْعِ أرْبَعَمِائَةٍ،

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالواجِبُ خَمْسُمِائَةٍ. ولو نقَص سِتَّمائَةٍ، كان هو الواجِبَ. وعلى القَوْلِ بما نقَصَ، فكذلك في السِّتِّمِائَةِ؛ لأنَّه على وَفْقِ المُوجِبِ، وفيما قبلَه أرْبَعُمِائَةٍ؛ لأنَّه ما نقَصَ.

فائدة: لو غصَبَ عَبْدًا قِيمَتُه أَلْفٌ، فزادَتِ القِيمَةُ إلى ألْفَين، ثم قطَع يَدَه، فنقَصَ ألْفًا، فيَجِبُ أَلْفٌ على كِلا الرِّوايتَين، وهذا بلا نِزاعٍ. وإنْ نقَصَ ألْفًا وخَمْسَمِائَةٍ، فالواجِبُ ألْفٌ وخَمْسُمِائَةٍ، على الرِّوايتَين أيضًا. أمَّا بتَقْديرِ القَوْلِ بما نقَصَ، فظاهِرٌ، وبتَقْديرِ القَوْلِ بالمُقَدَّرِ، يكونُ الواجِبُ أكْثَرَ الأمْرَين، فإذا اسْتَوَيا، كان أوْلَى. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: إنْ قُلْنا: الواجِبُ ضَمانُ الجِنايَةِ، يعْنِي المُقَدَّرَ، فعليه ألْفٌ فقط. قال الحارِثِيُّ: وهذا مُشْكِلٌ جدًّا؛ لإِفْضائِه إلى إلْغاءِ أثَرِ اليَدِ مع وجُودِها. انتهى. وإنْ نقَصَ خَمْسَمِائَةٍ، فقال الحارِثِيُّ: فعلى رِوايَةِ المُقَدَّرِ، عليه ألْفٌ، وعلى رِوايَةِ ما نقَص، عليه خَمْسُمِائَةٍ

ص: 181

وَإِنْ جَنَى عَلَيهِ غَيرُ الْغَاصِبِ، فَلَهُ تَضْمِينُ الْغَاصِبِ بأَكْثَرِ الْأَمْرَينِ، وَيَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْجَانِي بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَلَهُ تَضْمِينُ الْجَانِي أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَتَضْمِينُ الْغَاصِبِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّقْصِ.

ــ

فقط. وهو ظاهِرٌ، وكذا قال غيرُه.

تنبيهان؛ الأوَّلُ، تكَلَّمَ المُصَنِّفُ هنا على العَبْدِ إذا جنَى عليه الغاصِبُ، أو جُنِيَ عليه في حالِ غَصْبِه، وبَقِيَ قِسْمٌ ثالثٌ، وهو ما إذا جنَى عليه مِن غيرِ غَصْبٍ، وقد ذكَرَه المُصَنِّفُ في بابِ مَقادِيرِ الدِّياتِ، في الفَصْلِ الثَّالثِ.

الثَّاني، قولُه: وإنْ جَنَى عليه غيرُ الغاصِبِ، فله تَضْمِينُ الغاصِبِ أَكْثَرَ الأَمْرَين، ويَرْجِعُ الغاصِبُ على الجانِي بأرْشِ الجِنايَةِ، وله تَضْمِين الجانِي أَرْشَ الجِنايَةِ، وتَضمينُ الغاصِبِ ما بَقِيَ مِنَ النَّقْصِ. هذا مُفَرَّعٌ على القَوْلِ بالمُقَدَّرِ.

ص: 182

وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَخَصَاهُ، لَزِمَهُ رَدُّهُ وَرَدُّ قِيمَتِهِ. وَعَنْهُ، فِي عَينِ الدَّابَّةِ مِنَ الْخَيلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ رُبْعُ قِيمَتِهَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

ــ

أمَّا على القَوْلِ بما نقَصَ، فللمالِكِ تضْمِينُه مَن شاءَ منهما، وقَرارُ الضَّمانِ على الجانِي لمُباشَرَتِه قاله الحارِثِيُّ. وهو واضِحٌ.

قوله: وإن غصَبَ عَبْدًا فخَصاه، لَزِمَه رَدُّه ورَدُّ قِيمَتِه. وكذا لو قطَع يَدْيه، أو رِجْلَيه، أو لِسانَه، أو ما تجِبُ فيه الدِّيَةُ كامِلَةً مِنَ الحُرِّ، فإنَّه يَلْزَمُه ردُّه، ورَدُّ قِيمَتِه. ونصَّ عليه أحمدُ، وعليه الأصحابُ. قال الحارِثِيُّ: فيه ما في الذي قبلَه مِنَ الخِلافِ، غيرَ أنَّه لا يَتأَتَّى القَوْلُ بأكَثْرِ الأَمْرَين؛ لاسْتِغْراقِ القِيمَةِ في المُقَدَّرِ،

ص: 183

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإنْ لم تنْقُصِ القِيمَةُ بالخَصْيِ. فعلى القَوْلِ بالمُقَدَّرِ، يرُدُّه ومعه قِيمَتُه، وعلى القَوْلِ بما نقَصَ، لا يَلْزَمُه شيءٌ. انتهى.

ص: 184

وَإِنْ نَقَصَتِ الْعَينُ لِتَغَيُّرِ الْأَسَعَارِ، لَمْ يَضْمَنْ. نَصَّ عَلَيهِ.

ــ

قوله: وإنْ نقَصَتِ العَينُ -أي، قِيمَةُ العَينِ- لتَغيُّرِ الأَسْعارِ، لم يَضْمَنْ، نصَّ عليه. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. قال الحارِثِيُّ: هذا المذهبُ، وعليه التّفْريعُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: اخْتارَه الأصحابُ، حتى إنَّ القاضِيَ قال: لم أجِدْ عن أحمدَ رِوايَةً بالضَّمانِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرهِ. وقدَّمه في «الفرُوعِ» وغيرِه. وعنه، يضْمَنُ. اخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين. قاله في «الفائقِ» ، ورَدَّه الحارِثِيُّ. وقيل: يضْمَنُ نقْصَه مع تغَيُّرِ

ص: 186

وَإِنْ نَقَصَتِ الْقِيمَةُ لِمَرَضٍ، ثُمَّ عَادَتْ بِبُرْئِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيءٌ.

ــ

الأسْعارِ إذا تَلِفَ، وإلَّا فلا. وقال الحارِثِيُّ، بعدَ أنْ حكَى الرِّوايتَين: وهذا كلُّه ما لم يتَّصِلِ التَّلَفُ بالزِّيادَةِ. فإنِ اتَّصَلَ؛ بأَنْ غصَبَ ما قِيمَتُه مِائَةٌ، فارْتَفعَ السِّعْرُ إلى مِائتَين، وتَلِفَتِ العَينُ، ضَمِنَ المِائتَين، وَجْهًا واحدًا؛ إذِ الضَّمانُ مُعْتَبرٌ بيَوْمِ التَّلَفِ. وإنْ كان مِثْليًّا، فالواجِبُ المِثْلُ؛ بلا خِلافٍ. وقال في «التَّلْخيصِ»: لو غصَبَ شيئًا يُساوي خَمْسَةً، فعادَتْ قِيمَتُه إلى دِرْهَمٍ، ثم تَلِفَ، لَزِمَه خَمْسَةٌ، وهذا على اعْتِبارِ الضَّمانِ بحالةِ الغصْبِ. قال الحارِثِيُّ: وهو قَوْلٌ ضعيفٌ، وليس بالمذهبِ، وإنَّما اسْترسلَ إليه مِن كلامِ بعضِ المُخالِفِين. ولو تَلِفَ نِصْفُ العَينِ بعدَ العَوْدِ إلى دِرْهَمٍ، فرجَع الباقِي إلى نِصْفِ دِرْهَمٍ، ردَّ الباقِيَ ومعه قِيمَةُ التَّالِفِ نِصْفُ دِرْهَمٍ. وفي «التَّلْخيصِ»: يرُدُّ دِرْهَمَين ونِصْفًا. وليس بالمذهبِ، كما قُلْنا. قال الحارِثِيُّ: وإنَّما أوْرَدْتهُ تَنْبِيهًا.

قوله: وإنْ نقَصَتِ القِيمَةُ لمَرَضٍ، ثم عادَتْ ببُرْئِه، لم يَلْزَمْه شيءٌ. وهو المذهبُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغيرِ» ، وغيرُهم مِنَ الأصحاب. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وقال: ونصُّه، يضْمَنُ. وحكَى الحارِثِيُّ وَجْهًا للشَّافِعيَّةِ بالضَّمانِ، قال: وهو عندِي قَويٌّ، بل أقْوَى. ورَدَّ أدِلَّةَ الأصحابِ. والظَّاهِرُ، أنَّه لم يَطَّلِعْ على ما ذكَرَه صاحِبُ «الفُروعِ» مِنَ النَّصِّ،

ص: 187

وَإِنْ زَادَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، مْثِلَ أَنْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً فَعَادَتِ الْقِيمَةُ، ضَمِنَ النَّقْصَ.

ــ

فهذا يُقَوِّي قوْلَه، ورُبَّما كان المذهبَ. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، وقال: نصَّ عليه.

فائدة: لو اسْتُرَدَّه المالِكُ مَعِيبًا مع الأَرْشِ، ثم زال العيبُ في يَدِ مالِكِه، فقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: لا يجبُ رَدُّ الأَرْشِ؛ لاسْتِقْرارِه بأَخْذِ العَينِ ناقِصَةً. وكذا لو أخَذَ المغْصوبَ بغيرِ أَرْشٍ، ثم زال في يَدِه، لم يسْقُطِ الأَرْشُ كذلك. قال الحارِثِيُّ: وما يُذْكَرُ مِن الاسْتِقْرارِ، فغيرُ مُسَلَّمٍ. قال: والصَّوابُ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى، الوُجوبُ بقَدْرِ النَّقْصِ الحادِثِ في المُدَّةِ، ويجِبُ ردُّ ما زادَ، إنْ كان.

قوله: وإنْ زادَ مِن جِهَةٍ أُخْرَى، مثلَ أنْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً، فعادَتِ القِيمَةُ، ضَمِنَ

ص: 188

وَإِنْ زادَتِ الْقِيمَةُ بِسِمَنٍ أَوْ نَحْوهِ ثُمَّ نَقَصَتْ، ضَمِنَ الزِّيَادَةَ.

ــ

النَّقْصَ. وهو المذهبُ. جزَمْ به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، و «الفائقِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: لا يضْمَنُه.

قوله: وإنْ زَادَتِ القِيمَةُ لسِمَنٍ، أو نحوه، ثم نقَصَتَ، ضَمِنَ الزِّيادَةَ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين»: ضَمِنَ على الأصحِّ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرهِ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه، و «التَّلْخيصِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، و «الحاوي

ص: 189

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّغِيرِ» وغيرِهم، وقاله الخِرَقِيُّ وغيرُه. وعنه، إنْ ردَّه بعَينِه، لم يَلْزَمْه شيءٌ. ذكَرَها ابنُ أبِي مُوسى. وهما وَجْهان مُطْلَقان في «الفائقِ» .

ص: 190

وَإِنْ عَادَ مِثْلُ الزِّيَادَةِ الْأَولَى مِنْ جِنْسِهَا، لَمْ يَضْمَنْهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ.

ــ

قوله: وإنْ عادَ مثلُ الزِّيادَةِ الأُولَى مِن جِنْسِها -مثلَ، أنْ كانتْ قِيمَتُها مِائَةً، فزادَتْ إلى أَلْفٍ؛ لسِمَنٍ، ونحوه، ثم هَزَلَتْ فَعادَتْ إلى مِائَةٍ، ثم سَمِنَتْ فزادَتْ

ص: 191

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إلى ألْفٍ- لم يَضْمَنْها في أَحَدِ الوَجْهَين. وهما احْتِمالان للقاضي في «المُجرَّدِ» . وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ؛ أحدُهما، لا يضْمَنُها. وهو المذهبُ. قال الحارِثِيُّ: هذا المذهبُ؛

ص: 192

وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيرِ جِنْسِ الْأُولَى، لَم يَسْقُطْ ضَمَانُهَا. وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا مُفْرِطًا فِي السِّمَنِ، فهَزَلَ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ، رَدَّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيهِ.

ــ

لنَصِّه في الخَلْخالِ، يُكْسَرُ؟ قال: يُصْلِحُه أحَبُّ إليَّ. وهو أحدُ صُوَرِ المَسْأَلةِ. وصحَّحه في «التَّصحيحِ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا أقْيَسُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يضْمَنُها. قال في «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ»: ضَمِنَها في أصحِّ الوَجْهَين. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» .

قوله: وإنْ كانَتْ مِن غيرِ جِنْسِ الأُولَى، لم يَسْقُطْ ضَمانُها. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، وقال: هذا المذهبُ. وقيل: يسْقُطُ الضَّمانُ. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ. وأطْلَقهما في «الشَّرْحِ» .

فائدة: مِن صُوَرِ المَسْأَلةِ، لو كان الذَّاهِبُ عِلْمًا أو صِناعَةً، فتَعلَّمَ عِلْمًا آخَرَ، أو صِناعَةً أُخْرَى. قاله الحارِثِيُّ. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هو كعَوْدِ السِّمَنِ، يَجْرِي فيها الوَجْهان. قال الحارِثِيُّ: والصَّحيحُ الأوَّلُ.

ص: 193

وَإنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ نَقْصًا غَيرَ مُسْتَقِرٍّ، كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ، خُيِّرَ بَينَ أَخْذِ مِثْلِهَا، وَبَينَ تَرْكِهَا حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا وَيَأْخُذَهَا وَأَرْشَ نَقْصِهَا.

ــ

قوله: وإنْ نَقَصَ المغْصُوبُ نَقْصًا غيرَ مُسْتَقِرٍّ، كحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وعَفِنَتْ، مُحيِّرِ بينَ أَخْذِ مِثْلِها وبينَ تَرْكِها حتى يَسْتَقِرَّ فَسادُها، ويأْخُذَها وأَرْشَ نَقْصِها. هذا أحدُ الوُجوهِ. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجِيزِ» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «النَّظْمِ». قال المُصَنِّفُ: قَوْلُ أبِي الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» بَأْسَ به. وقيل: له أَرْشُ ما نقَصَ به مِن غيرِ تَخْيِيرٍ. اخْتارَه المُصَنِّفُ في «المُغنِي» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» . وقيل: يَضْمَنُه ببَدَلِه، كما في الهالِكِ. قال الحارِثِيُّ: وهو قَوْلُ القاضي، وأصحابِه؛ الشَّرِيفِ أبِي جَعْفَرٍ، وابنِ عَقِيلٍ، والقاضي يَعْقُوبَ بنِ إبْراهِيمَ، والشِّيرازِيِّ، وأبِي الخَطَّابِ في «رُءوسِ المَسائلِ» ،

ص: 195

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والشَّرِيفِ الزَّيدِيِّ (1). واخْتارَه ابنُ بَكْرُوسٍ. وخيَّرَه في «التَّرْغِيبِ» بينَ أخْذِه مع أرْشِه، وبينَ أخْذِ بدَلِه. وأطْلَقهُنَّ في «الفُروعِ» .

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ إذا لم يَسْتَقِرَّ العَفَنُ، أمَّا إنِ اسْتَقَرَّ، فالأَرْشُ بغيرِ خِلافٍ في المذهبِ. قاله الحارِثِيُّ.

(1) علي بن محمد بن علي، الهاشمي، الزيدي، الحراني، أبو القاسم، إمام عالم مقرئ، سيخ حران. تلا بالروايات على أبي بكر النقاش، وروى عنه تفسيره «شفاء الصدور» . توفي سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. سير أعلام النبلاء 17/ 505، 506.

ص: 196

وَإِنْ جَنَى الْمَغْصُوبُ، فَعَلَيهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ، سَوَاءٌ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ أَوْ غَيرِهِ.

ــ

قوله: وإنْ جَنَى المغْصُوبُ، فعليه أَرْشُ جِنايَتِه، سَواءٌ جَنَى على سَيِّدِه، أو غيرِه. إنْ جنَى على غيرِ سَيِّدِه، فعلى الغاصِبِ أَرْشُ الجِنايَةِ، بلا نِزاعٍ، وسَواءٌ في ذلك ما يُوجِبُ القِصاصَ والمال، ولا يَلْزَمُه أكثرُ مِنَ النَّقْصِ الذي لَحِقَ العَبْدَ.

ص: 197

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإنْ جنَى على سَيِّدِه، فعلى الغاصِبِ أيضًا أرْشُ الجِنايَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: لا يَضْمَنُ جِنايَتَه على سَيِّدِه؛ لتَعَلُّقِها برَقَبَتِه. قال الحارِثِيُّ: إذا جنَى على سَيِّدِه، فقال المُصَنِّفُ، وأبو الخَطَّابِ: يضْمَنُ الغاصِبُ أيضًا. واسْتَدَلَّ له بالقِياسِ على الأجْنَبِيِّ، قال: وإنَّما يتَمَشَّى هذا حالةَ الاقْتِصاصِ

ص: 198

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لوُجودِ الفَواتِ، أمَّا حالةَ عدَمِ الاقْتِصاصِ، فلا؛ لأنَّ الفَواتَ مُنْتَفٍ، فالضَّمانُ مُنْتَفٍ. وإنَّما قُلْنا: الفواتُ مُنْتَفٍ؛ لأنَّ الغايةَ، إذا تَعَلَّقَ الأرْشُ بالرَّقَبَةِ، وهو غيرُ مُمْكِنٍ؛ لأنَّ مِلْكَ المَجْنِيِّ عليه فيها حاصِلٌ، فلا يُمْكِنُ تَحْصِيلُه، فيكونُ حالةَ عدَمِ القِصاصِ هَدَرٌ. ثم قال بعدَ ذلك: وأمَّا الجِنايَةُ المُوجِبَةُ للمالِ؛ كالخَطَأ وإتْلافِ المالِ، فمُتَعَلِّقَةٌ بالرَّقَبَةِ، وعلى الغاصِبِ تخْلِيصُها بالفِداءِ وبما يَفْدِي. قال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم: بأقَلِّ الأمْرَين مِنَ القِيمَةِ أو أَرْشِ الجِنَايةِ. ولم يُورِدُوا هنا القَوْلَ بالأَرْشِ بالِغًا ما بلَغ، كما في فِداءِ السَّيِّدِ للعَبْدِ

ص: 199

وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْغاصِبِ وَعَلَى مَالِهِ هَدَرٌ. وَتُضْمَنُ زَوَائِدُ الْغَصْبِ؛ كَالْوَلَدِ، وَالثَّمَرَةِ إذَا تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ، كَالْأَصْلِ.

ــ

الجانِي؛ لأنَّ الذي ذكَرُوه هو الأصحُّ، لا لأنَّ الخِلافَ غيرُ مُطَّرِدٍ، وفي كَوْنِ الأوَّلِ هو الأصَحَّ بَحْثٌ. انتهى.

فائدتان؛ إحْداهما، قولُه: وجِنايَتُه على الغاصِبِ وعلى مالِه هَدَرٌ. بلا نِزاعٍ.

وقوله: وتُضْمَنُ زَوائِدُ الغَصْبِ؛ كالوَلَدِ، والثَّمَرةِ إذا تَلِفَتْ، أو نقَصَتْ كالأَصْلِ. بلا نِزاعٍ في الجُمْلَةِ. فإذا غصَب حامِلًا أو حائِلًا، فحَمَلتْ عندَه، فالوَلَدُ مضْمونٌ عليه، ثم إذا ولَدَتْ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ تَلِدَه حيًّا، أو مَيتًا؛ فإنْ وَلَدَتْ مَيتًا، وكان قد غصَبَها حامِلًا، فلا شيءَ عليه؛ لأنَّه لا يَعْلمُ حَياتَه. وإنْ كان غصَبَها حائِلًا، فحَمَلتْ وولَدَتْه مَيتًا، فكذلك عندَ القاضي، وعندَ أبِيه أبِي الحُسَينِ، يَضْمَنُه بقِيمَتِه لو كان حَيًّا. وقال المُصَنِّفُ، ومَن تَبِعَه: والأَوْلَى أنَّه يَضْمَنُه بعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّه. وإنْ وَلَدَتْه حيًّا وماتَ، فعليه قِيمَتُه يومَ تَلَفِه.

ص: 200

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثَّانيةُ، قال في «الفُروعِ» ، في هذا البابِ، في أوَّلِ الفَصْلِ الأخِيرِ منه: وإطْلاقُ الأصحابِ بأنَّه لا يضْمَنُ ما أتْلَفَتْه بهِيمَةٌ لا يَدَ عليها ظاهِرَةٌ، ولو كانتْ مغْصُوبَةً؛ لظاهرِ الخَبَرِ، وعلَّلَ الأصحابُ المَسْأَلةَ بأنَّه لا تَفْرِيطَ مِنَ المالِكِ، ولا ذِمَّةَ لها فيتَعَلَّقُ بها، ولا قَصْدَ فيَتَعَلَّقُ برَقَبتِها، [بخِلافِ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ والعَبْدِ](1)، ويُبَيِّنُ ذلك أنَّهم ذكَرُوا جِنايَةَ العَبْدِ المَغْصوبِ، وأنَّ الغاصِبَ يَضْمَنُها، وقالُوا: لأنَّ جِنايَتَه تتَعَلَّقُ برَقَبَتِه فضَمِنَها؛ لأنَّه نقْصٌ حصَلَ في يَدِ المَغْصُوبِ. فهذا التَّخْصِيصُ وتَعْلِيلُه يقْتَضِي خِلافَه في البَهِيمَةِ. قال: وهذا فيه نَظَرٌ، ولهذا قال ابنُ عَقِيلٍ في جِناياتِ البَهائمِ: لو نَقَبَ لِصٌّ، وترَكَ النَّقْبَ، فخرَجَتْ منه بَهِيمَةٌ، ضَمِنَها، وضَمِنَ ما تَجْنِي بإفْلاتِها وتَخَلِّيها. وقد يَحْتَمِلُ، إنْ حازَها وترَكَها بمَكانٍ، ضَمِنَ؛ لتَعدِّيه بتَرْكِها فيه، بخِلافِ ما لو تَرَكَها بمَكانِها وَقْتَ الغَصْبِ. وفيه

(1) سقط من النسخ، انظر الفروع 4/ 521.

ص: 201

فَصْلٌ: وَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ، مِثْلَ أَنْ خَلَطَ حِنْطَةً أَوْ زَيتًا بِمِثْلِهِ، لَزِمَهُ مِثْلُهُ مِنْهُ، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ. وَفِي الْآخَرِ، يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مِنْ حَيثُ شَاءَ.

ــ

نَظَرٌ. ولهذا قال الأصحابُ، في نَقْلِ التُّرابِ مِنَ الأَرْضِ المَغْصُوبَةِ: إنْ أرادَه الغاصِبُ، وأبَى المالِكُ، فللغاصِبِ ذلك مع غَرَضٍ صحيحٍ؛ مِثْلَ أنْ كان نقَلَه إلى مِلْكِ نَفْسِه، فيَنْقُلُه ليَنْتَفِعَ بالمَكانِ، أو كان طرَحَه في طريقٍ، فيَضْمَنُ ما يتَجَدَّدُ به مِن جِنايَةٍ على آدَمِيٍّ، أو بَهِيمَةٍ. ولا يَمْلِكُ ذلك بلا غرَضٍ صحيحٍ، مثْلَ أنْ كان نقَلَه إلى مِلْكِ المالِكِ، أو طَرَفِ الأرْضِ التي حفَرَها، ويُفارِق طَمَّ البِئْرِ؛ لأنَّه لا ينْفَكُّ عن غَرَضٍ؛ لأنَّه (1) يُسْقِطُ ضَمانَ جِنايَةِ الحَفْرِ. زادَ ابنُ عَقِيلٍ، ولعَلَّه مَعْنَى كلامِ بعضِهم، أو جِنايةِ الغيرِ بالتُّرابِ. انتهى كلامُ صاحبِ «الفُروعِ» . ومحَلُّ هذه الفائِدَةِ، عندَ ضَمانِ ما أتْلَفَتِ البَهِيمَةُ، لكِنْ لها هنا نَوْعُ تَعلُّقٍ.

قوله: وإنْ خلُطَ المغْصُوبَ بمالِه على وَجْهٍ لا يَتَمَيَّزُ؛ مِثْلَ أنْ خلَطَ حِنْطَةً أو زَيتًا بمِثْلِه -قال في «الرِّعايَةِ» : ولم يَشْتَرِكا فيهما. انتهى- لَزِمَه مِثْلُه منه في أَحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. وهو ظاهرُ كلام الإِمامِ أحمدَ. قال في «القاعِدَةِ الثَّانيةِ والعِشْرِين» : المَنْصُوصُ في رِوايَةِ عبدِ اللهِ، وأبِي الحارِثِ، أنَّه اشْتِراكٌ فيما إذا

(1) في الأصل: «لا» .

ص: 202

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خلَطَ زَيتَه بزَيتِ غيرهِ. واخْتارَه ابنُ حامِدٍ، والقاضي في «خِلافِه» ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» . وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «العُمْدَةِ». قال في «الوَجيزِ»: فهما شَرِيكان. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال الحارِثِيُّ: هذا أَمَسُّ بالمذهبِ، وأَقْرَبُ إلى الصَّوابِ. وفي الآخَرِ، يَلْزَمُه مِثْلُه مِن حيثُ شَاءَ، اخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وقال: هذا قِياسُ المذهبِ. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفَائقِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم. قال في «الفُروعِ»: وقال في «الوَسِيلَةِ» ، و «المُوجَزِ»: يُقْسَمُ بينَهما بقَدْرِ قِيمَتِهما. انتهى. وقال الحارِثِيُّ: وفيه وَجْهٌ

ص: 203

وَإِنْ خَلَطَهُ بِدُونِهِ، أَوْ خَيرٍ مِنْهُ، أَو بِغَيرِ جِنْسِهِ، لَزِمَهُ مِثْلُهُ فِي قِيَاسِ الَّتِي قَبْلَهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ بقَدْرِ مِلْكَيهِمَا.

ــ

ثالثٌ، وهو الشَّرِكَةُ، كما في الأوَّلِ، لكِنْ يُباعُ ويُقْسَمُ الثَّمَنُ على الحِصَّةِ. كذا أطْلَقَ القاضي يَعْقُوبُ بنُ إبْراهِيمَ في «تَعْليقِه» ، وأبو الخَطَّابِ، وأبو الحَسَنِ ابنُ بَكْروسٍ، وغيرُهما في «رُءوسِ مَسائِلِهم» ، حتى قالوا به في الدَّنانِيرِ والدَّراهِمِ. وقاله ابنُ عَقِيلٍ في «تَذْكِرَتِه» ، وأظُنُّه قَوْلَ القاضي، في «التَّعْلِيقِ الكَبيرِ». انتهى. ثم قال: وأمَّا إجْراءُ هذا الوَجْهِ في الدَّنانيرِ والدَّراهمِ، فَواهٍ جِدًّا؛ لأَنَّها قِيَمُ الأشْياءِ، وقِسْمَتُها مُمْكِنَةٌ، فأيُّ فائدَةٍ في البَيعِ؟ ورَدَّ هذا الوَجْهَ الأخِيرَ.

فائدة: هل يجوزُ للغاصِبِ أنْ يتَصَرَّفَ في قَدْرِ مالِه فيه، أمْ لا؟ ققال الإِمامُ أحمدُ في رِوَايةِ أبِي طالِبِ هنا: قد اخْتَلَطَ أوَّلُه وآخِرُه، أعْجَبُّ إليَّ أنْ يتَنَزَّهَ عنه كلِّه، ويتَصدَّقَ به. وأنْكَرَ قَوْلَ مَن قال: يُخْرِجُ منه قَدْرَ ما خالطَه. واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ في «فُنونِه» التَّحْرِيمَ؛ لامْتِزاجِ الحَلالِ بالحَرامِ فيه، واسْتِحالةِ انْفِرادِ أحَدِهما عنِ الآخَرِ. وعلى هذا، ليس له إخْراجُ قَدْرِ الحَرامِ منه بدُونِ إذْنِ المَغْصوبِ منه، وهذا بِناءً على أنَّه اشْتِراكٌ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ أُخْرَى، أنَّه اسْتِهْلاكٌ، فيتَخَرَّجُ به قَدْرُ الحَرامِ، ولو مِن غيرِه. قاله ابنُ رَجَبٍ في «القاعِدَةِ الثَّانيةِ والعِشْرِين» .

قوله: وإنْ خَلَطَه بدونِه، أوْ بخَيرٍ منه، أَو بغيرِ جِنْسِه -يعْنِي، على وَجْهٍ لا يتَمَيَّزُ- لَزِمَه مِثْلُه في قِياسِ التي قبْلَها -قال القاضي في «المُجَرَّدِ»: قِياسُ

ص: 204

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ يَلْزَمُ الغاصِبَ مِثْلُه. واخْتارَه في «الكافِي» ، وإليه مَيلُ الشَّارِحِ- وظاهِرُ كلامِه، أنَّهما شَرِيكَان بقَدْرِ مِلْكَيهما. وهو المذهبُ. قال في «الفُروعِ»: فشَرِيكَان بَقْدرِ حقِّهما، كاخْتِلاطِهما مِن غيرِ غَصْبٍ. نَصَّ عليه، في رِوايَةِ أبِي الحارِثِ. قال الحارِثِيُّ: وهذا اخْتِيارُ مَن سَمَّيناه في الوَجْهِ الثَّالثِ. انتهى. قال في «المُذْهَبِ» : هذا ظاهِرُ المذهبِ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ». وقال القاضي أيضًا: ما تَعَذَّر تَمْيِيزُه،

ص: 205

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كتَالِفٍ، يَلْزَمُه عِوَضُه مِن حيثُ شاءَ. فشَمِلَ كلامُه هذه المَسْأَلَةَ والتي قبلَها.

فائدتان؛ إحْداهما، لو خلَطَ الزَّيتَ بالشَّيرَجِ، ودُهْنَ اللَّوْزِ (1) بدُهْنِ الجَوْزِ، ودَقِيقَ الحِنْطَةِ بدَقيقِ الشَّعِيرِ، فَالمنْصُوصُ الشَّرِكَةُ، وعليه أكثرُ

(1) في ط: «الورد» .

ص: 206

وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ سَويقًا فَلَتَّهُ بِزَيتٍ، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا، أَوْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا، ضَمِنَ النَّقْصَ.

ــ

الأصحابِ، كالتي قبلَها. وقد شَمِلَه كلامُ المُصَنِّفِ. وقِياسُ المذهبِ، وُجوبُ المِثْلِ عندَ القاضي. قال الحارِثِيُّ: وهو أظْهَرُ. الثَّانيةُ، لو خلَطَ دِرْهَمًا بدِرْهَمَين لآخَرَ، فتَلِفَ اثْنان، فما بَقِيَ بينَهما أثْلاثًا، أو نِصْفَين، يتَوَجَّهُ فيه وَجْهان. قاله في «الفُروعِ». قلتُ: الذي يَظْهَرُ أنَّ لصاحِب الدِّرْهَمَين نِصْفَ الباقِي، لا غيرُ؛ وذلك لأنَّه يَحْتَمِلُ أنْ يَكونَ التَّالِفُ ماله كامِلًا، فيَخْتَصَّ صاحِبُ الدِّرْهَمِ به، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ التَّالِفُ دِرْهَمًا لهذا ودِرْهَمًا لهذا، فيَخْتَصَّ صاحِبُ الدِّرْهَمَين بالباقِي، فتَساوَيا. لا يَحْتَمِلُ غيرَ ذلك، ومالُ كلِّ واحدٍ منهما مُتَمَيِّزٌ قَطْعًا، بخِلافِ المَسائلِ المُتَقَدِّمَةِ. غايَتُه أَنه أُبْهِمَ علينا.

فائدة: قوله: وإنْ غَصَبَ ثَوْبًا، فصَبَغَه، أو سَويقًا، فلَتَّه بزَيتٍ، فنَقَصَتْ

ص: 207

وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدْ، أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا، فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَاليهِمَا، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا، فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِهِ.

ــ

قِيمَتُهما، أو قِيمَةُ أَحَدِهما، ضَمِنَ النَّقْصَ، وإنْ لم تَنْقُصْ ولم تَزِدْ، أو زَادَتْ قِيمَتُهما، فهما شَرِيكان بقَدْرِ مَاليهما، وإنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهما، فالزِّيادَةُ لصاحِبِه. هذه الجُمْلَةُ لا خِلافَ فيها. لكِنْ قال الحارِثِيُّ: الضَّمِيرُ في نَقَصَتْ قِيمَتُهما، عائدٌ على الثَّوْبِ والصِّبْغِ والسَّويقِ والزَّيتِ؛ لأنَّها إحْدَى الحَالاتِ الوارِدَةِ في قِيمَةِ المَالين؛ مِنَ الزِّيادَةِ، والنَّقْصِ، والتَّساوي. وفي عَوْدِه على مَجْموعِ الأَمْرَين، أعْنِي الثَّوْبَ والصِّبْغَ في صُورَةِ النَّقْصِ، مُناقَشَةٌ، فإنَّ ضَمانَ الغاصِبِ لا يُتَصَوَّرُ لنُقْصانِ الصِّبْغِ؛ إذْ هو مالُه، فلا يجوزُ إيرادُه لإثْباتِ حُكْمِ الضَّمانِ، والأجْوَدُ أنْ يُقال: تَنْقُصُ قِيمَةُ الثّوْب. وكذا قوْلُه: أَو قِيمَةُ أَحَدِهما. ليس بالجَيِّدِ، فإنَّه مُتَناولٌ لحالةِ النُّقْصانِ في الصِّبْغِ، دُونَ الثَّوْبِ. وليس الأمْرُ

ص: 208

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كذلك؛ فإنَّ الضمانَ لا يجِبُ على هذا التَّقْديرِ بحالٍ. والصَّوابُ حَذْفُه. غيرَ أنَّ الضَّمانَ إنْ فُسِّرَ بالنِّسْبَةِ إلى الغاصِبِ، يكون النقْصُ مَحْسوبًا عليه. وقيلَ: باسْتِعْمالِ اللَّفْظِ في حَقِيقَتِه ومَجازِه معًا، وباسْتِعْمالِ المُشْتَركِ في مَدْلُولَيه معًا، فَيتَمَشَّى. انتهى. فإذا حصَلَ النقْصانُ؛ لكَوْنِه مَصْبُوغًا، أو لسُوءِ العَمَلِ، فعلى الغاصِب، وعلى هذا يُحْمَلُ إطْلاق المُصَنِّفِ. فإذا كان قِيمَةُ كلِّ منهما خَمْسَة، وهي الآنَ بعدَ الصَّبْغِ ثَمانِيَة، فالنَّقْصُ على الغاصِبِ. [وإنْ كان لانْخِفاضِ سِعْرِ الثِّيابِ، فالنَّقْصُ على المالِكِ، فيكونُ له ثلاثَة](1). وإنْ كان لانْخِفاضِ سِعْرِ الصِّبْغِ، فالنقْصُ على الغاصِبِ، فيكونُ له ثَلاثة. وإنْ كان لانْخِفاضِهما معًا على السَّواءِ، فالنَّقْصُ عليهما، لكُلِّ منهما أرْبَعَة. هذا الصَحيحُ. قدَّمه الحارِثِيُّ. وقيل: يُحْمَلُ النَّقْصُ على الصِّبْغِ في كلِّ حالٍ. وهو قَوْلُ صاحِبِ «التَّلْخيصَ» .

(1) سقط من: الأصل.

ص: 209

وَإنْ أرَادَ أحَدُهُمَا قَلْعَ الصِّبْغِ لَمْ يُجْبَرِ الآخَرُ عَلَيهِ. وَيَحْتَمِلُ أنْ يُجْبَرَ إذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ النَّقْصَ.

ــ

قوله: فإنْ أَرادَ أحَدُهما قَلْعَ الصبْغِ، لم يُجْبَرِ الآخَرُ. هذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» . واخْتارَه المُصَنفُ، والشارِحُ، وابن عَقِيل، وغيرُهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ». قال القاضي: هذا قِياسُ المذهبِ. وفيه وَجْه آخَرُ، يُجْبَرُ، ويضْمن النَّقْصَ، سواء كان الغاصِبَ أو المَغْصُوبَ منه. وأطْلَقهما الحارِثِيُّ في «شَرْحِه» . ويَحْتَمِلُ أنْ يُجْبَرَ، إذا ضَمِنَ الغاصِبُ النَّقْصَ. يعْنِي، إذا أَرادَ الغاصِبُ قَلْعَ صِبْغِه، وامْتنَعَ المَغْصُوبُ منه، أُجْبِرَ على تَمْكِينه مِن قَلْعه، ويضْمَن النَّقْصَ. وهذا قدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائق» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: إذا أَرادَ الغاصِبُ قَلْعَ الصبْغِ، فقال أصحابُنا: له ذلك، سواءٌ أضَرَّ بالثوْبِ أو لم يَضُرَّ، ويَضْمَنُ نقْصَ الثَّوْبِ، إنْ نقَصَ. ولم يُفَرِّقِ الأصحابُ بينَ ما هَلَكَ صِبْغُه بالقَلْعِ، وبينَ ما لم يَهْلِكْ. قال المُصَنفُ: ويَنْبَغِي أنَّ ما يَهْلِكُ بالقَلْعِ لا يَملِكُ قَلْعَه. وظاهرُ كلامِ الخِرَقِي، أنَّه لا يَمْلِكُ قَلْعَه، إذا تَضَرَّرَ به الثوْبُ؛ لأنه قال: المُشتَرِي إذا بَنَى أو غَرَسَ في الأرْضِ المَشْفُوعَةِ، فله أخذُه، إذا لم يكُنْ في أخْذِه ضَرَر. وقال المُصَنفُ،

ص: 210

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتَبِعَه الشَّارِحُ: إنِ اخْتارَ المَغْصُوبُ منه قَلْعَ الصِّبْغِ، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، يَمْلِكُ إجْبارَ الغاصِبِ عليه. والثَّاني، لا يَمْلِكُ إجْبارَه عليه. قال القاضي: هذا ظاهرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ. انتهى. وتقدَّم ذلك. فعلى القَوْلِ بالإجْبارِ مِنَ الطرَفَين، لو نقَصَ الثَّوْبُ بالقَلْعِ، ضَمِنَه الغاصِبُ، بلا نِزاع. وإنْ نقَصَ الصِّبْغُ، فقال في

ص: 211

وَإنْ وَهَبَ الصِّبْغَ لِلْمَالِكِ، أو وَهَبَهُ تَزْويقَ الدَّارِ وَنَحْوهَا،

ــ

«الكافِي» : لا شيءَ على المالِك. قال الحارثِيُّ: وهو أصحُّ. وقال في «المُحَرَّرِ» : يَضْمَنُه المالِكُ كما في الطَّرَفِ الآخَرِ.

قوله: وإنْ وهَب الصِّبْغ للمالكِ، أو وهَبَه تَزْويقَ الدَّارِ، ونحوها، فهل يَلْزَمُ

ص: 212

فَهَلْ يَلْزَم الْمَالِكَ قَبُولُهَا؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

المَالِكَ قَبُولُها؟ على وجْهَين. وأطْلَقهما في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ؛ أحدُهما، يَلْزَمُه قَبُولُه. وهو المذهبُ. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ في الصَّداقِ. وصحَّحه القاضي، وصاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» . وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» (1)، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ». قلتُ: فيُعايىَ بها. والوَجْهُ الثَّاني، لا يَلْزَمُه قَبُولُه. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . قال الحارِثِيُّ في التَّزْويقِ، ونحوه: هذا أقْرَبُ إنْ شاءَ الله تعالى.

(1) بعده في الأصل: «وهو ظاهر كلام الخرقي» .

ص: 213

وإنْ غَصَبَ صِبْغًا فَصَبَغَ بِهِ ثَوْبًا، أوْ زَيتًا فَلَتَّ بِهِ سَويقًا، احْتَمَلَ أنْ يَكُون كَذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ أنْ تَلْزَمَهُ قِيمَتُهُ، أوْ مِثْلُهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا.

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، لو طلَبَ المالِكُ تَمَلُّكَ الصِّبْغِ بالقِيمَةِ، فقال القاضي، وابنُ عَقِيل: هذا ظاهرُ كلامِ أحمدَ؛ لا يُجْبَر الغاصِبُ على القَبُولِ. واخْتارَاه. قاله في «القواعِدِ» . وذكَر المُصَنِّفُ وَجْهًا بالإجْبار. قال الحارِثِيُّ: وهو الصحيحُ. الثَّانيةُ، لو نسَجَ الغَزْلَ المَغْصُوبَ، أو قَصَرَ الثَّوْبَ، أو عمِلَ الحديدَ إبَرًا، أو سُيوفًا، ونحوَ ذلك، ووهَبَه لمالِكِه، لَزِمَه قَبُولُه. ولو سمَّر بمَسامِيرِه بابًا مَغْصوبًا، ثم وَهَبَ المَسامِيرَ لرَبِّ البابِ، لم يَلْزَمْه قَبُولُها. قطَع به الأكْثَرُ؛ منهم صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ». قال في «الفُروعِ»: في الأصحِّ. وقيل: يَلْزَمُه.

قوله: وإنْ غَصَبَ صِبْغًا، فصَبَغَ به ثَوْبًا، أو زَيتًا، فَلَتَّ به سَويقًا، احْتَمل أنْ يَكونَ كذلك. يعْنِي، يكُونان شَرِيكَين بقَدْرِ ماليهما، كما لو غصَبَ ثَوْبًا، فصَبَغَه بصِبْغٍ بِن عندِه. وهذا المذهبُ. قال الحارِثِيُّ: ولم يذْكُرِ الأصحابُ سِواه في صُورَةِ الصبْغِ. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، و «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «النَّظْمِ» ،

ص: 214

وَإنْ غَصَبَ ثَوْبًا وَصِبْغًا، فَصَبَغَهُ بِهِ، رَدَّهُ وَأرْشَ نَقْصِهِ، وَلا شَيءَ لَهُ في زِيَادَتِهِ.

ــ

و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . واحْتَمَلَ أنْ تَلْزَمَه قِيمَتُه، أو مِثْلُه إنْ كانَ مِثْلِيًّا؛ لأنَّ الصِّبْغَ والزَّيتَ صارا مُسْتَهْلَكَين، أشْبَهَ ما لو أتْلَفَهما. قال الحارِثِيُّ: وهذا ممَّا انْفَرَدَ به في الكِتابِ. قال: ويتَخَرجُ مِثْلُه في الصورَةِ السابِقةِ، بمَعْنَيِ أنَّه يَضِيعُ الصِّبْغُ على الغاصِبِ، ويأخذُه المالِكُ مجَّانًا. وأطْلَقَ الاحْتِمالين في «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» .

ص: 215

فصْلٌ: وَإنْ وَطِيء الْجَارِيَةَ، فَعَلَيهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ، وَإنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً، وَأرشُ الْبَكَارَةِ. وَعَنْهُ، لا يَلْزَمُهُ مَهْرُ الثَّيِّب.

ــ

قوله: وإنْ وَطِيءَ الجارِيَةَ، فعليه الحَدُّ والمَهْرُ، وإنْ كانَتْ مُطَاوعَةً، وأرْشُ البَكارَةِ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه أكثر الأصحابِ. وصحّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، وغيرِهم. وعنه، لا يَلْزَمُه مَهْرٌ للثيبِ. اخْتارَه أبو بَكْر في «التنبِيهِ» ، والخِرَقيُّ، وابنُ عَقِيل، والشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، ولم

ص: 216

وَإنْ وَلَدَتْ، فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ.

ــ

يُوجِبْ عليه سِوَى أرْش البَكارَةِ. نقَلَه عنه في «الفائقِ» . قال الزَّرْكَشِيّ: عدَمُ لُزومِ مَهْرِ الثيبِ بعيد. وعنه، لا يَلْزَمُه أرْش البَكارَةِ؛ لأنَّه يدْخُلُ في مَهْرِها. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» وغيرِه. قال الحارِثِيُّ: وهو واهٍ. وعنه، لا مَهْرَ مع المُطاوَعةِ. ذكَرَه الآمِدِي. قال الزركَشِي: وهو جَيِّد.

قوله: وإنْ وَلَدَتْ، فالوَلَدُ رَقِيقٌ للسَّيِّدِ. وهذا بلا نِزاع. لكِنْ لو انْفَصلَ

ص: 217

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَيتًا، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ ماتَ بجِنايَةٍ، أوْ لا، فإنْ كان ماتَ بجِنايَةٍ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ تكونَ مِنَ الغاصِب، أو مِن غيرِه؛ فإنْ كانتْ مِنَ الغاصِبِ، فقال المُصَنفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: عليه عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّه. وقال الحارِثِي: والأوْلَى أكثر الأمْرَين؛ مِن قِيمَةِ الوَلَدِ، أو عُشْرِ قِيمَةِ أمِّه. وإنْ كانتِ الجِنايَةُ مِن غيرِ الغاصِبِ، فعليه عُشْرُ قِيمَةِ أنَّه، بلا نِزاع، يرَجِعُ به على مَن شاءَ منهما، والقَرارُ على الجانِي. وإنْ كانَ ماتَ مِن غيرِ جِنايَةٍ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يَضْمَنُه. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . واخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيل، وصاحِبُ «التَّلْخيص». وقيل: يَضْمَنُه. اخْتارَه القاضي أبو الحُسَينِ، والمُصَنفُ. قال الحارِثِيُّ: وهو أصحُّ. فعلى القَوْلِ بالضمانِ، فقيلَ: يَضْمَنُه بعُشْرِ قِيمَةِ أنَّه. اخْتارَه المُصَنف. وقيل: بقِيمَتِه، لو

ص: 218

وَيَضْمَنُ نَقْصَ الْولادَةِ.

ــ

كان حَيًّا. اخْتارَه القاضي أبو الحُسَينِ. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «القواعِدِ الأصُولِيَّةِ». ويَحْتَمِلُ الضمانُ بأكْثَرِ الأمْرَين. قال الحارِثِيُّ: وهذا أقْيَس.

فوائد؛ الأولَى، قال الحارِثِيُّ: والوَجْهان جارِيان في حَمْلِ البَهِيمَةِ المَغْصُوبَةِ، إذا انْفَصَلَ كذلك. الثَّانيةُ، قولُه: ولو وَلَدَتْه حَيًّا ثم ماتَ، ضَمِنَه بقِيمَتِه. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وظاهِرُ كلامِ الناظِمِ أنَّ فيه الخِلافَ المُتَقَدِّمَ. الثَّالثَةُ، لو قَتَلَها الغاصِبُ بوَطْئه، وَجَبَتْ عليه الديةُ. نقَلَه مُهَنَّا. وجزَم به في «الفُروعِ» . الرَّابعةُ، هذا الحُكْمُ فيما تقدَّم، إذا كان عالِمًا، فأمَّا إنْ كان جاهِلًا بالتحْريمِ، فالوَلَدُ حُر للغاصِبِ. نصَّ عليه. فإنِ انْفَصَلَ حيًّا، فعلى الغاصِبِ فِداؤه يَوْمَئذٍ، وإنِ انْفَصَلَ مَثلا مِن غَيرِ جِنايَةٍ، فغيرُ مَضْمُونٍ بلا خِلافٍ، وإنْ كان بجِنايَةٍ، فعلى الجانِي الضَّمانُ، فإنْ كان مِنَ الغاصِبِ، فغُرَّة مَوْرُوثَةٌ عنه، لا يرثُ الغاصِبُ منها شيئًا، وعليه للسيِّدِ عُشْرُ قِيمَةِ الأمِّ. وإنْ كان مِن غيرِ الغاصِبِ، فعليه الغُرةُ، يرِثُها الغاصِبُ دُونَ أمِّه، وعلى الغاصِبِ عُشْرُ قِيمَةِ الأُمِّ للمالِكِ. الخامسةُ، لو غَصَبَها حامِلًا، فوَلَدَتْ عندَه، ضَمِنَ نَقْصَ الولادَةِ. كما قال المُصَنِّفُ. فإن ماتَ الوَلَدُ، فقال الخِرَقِيُّ: يَضْمَنُه بأكْثَرَ ما كانتْ قِيمَتُه. وفي

ص: 219

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، هل يَلْزَمُه قِيمَتُه يومَ ماتَ، أو أكثرَ ما كانتْ؟ على رِوايتَين. قال الحارِثِي: والمذهبُ الاعْتِبارُ بحالةِ المَوْتِ. وإنِ انْفَصَلَ مَيتًا، فعلى ما تقدَّم مِنَ التَّفْصِيلِ. وإنْ ماتَتِ الأم بالولادَةِ، وَجَبَ ضَمانُها.

ص: 220

وَإنْ بَاعَهَا، أوْ وَهَبَهَا لِعَالِمٍ بالْغَصْبِ فَوَطِئهَا، فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أيهِمَا شَاءَ، نَقْصَهَا وَمَهْرَهَا وَأُجْرَتَهَا وَقِيمَةَ وَلَدِهَا إِنْ

ــ

وكذلك لو غصَبَه مرِيضًا، فماتَ في يَدِه بذلك المَرضِ. جزَم به الحارِثِيُّ.

قوله: وإنْ باعَها، أو وَهَبَها لعالِم بالغَصْبِ، فوَطِئها، فللمالِكِ تَضْمِينُ أيُّهما

ص: 221

تَلِفَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ، رَجَعَ عَلَى الآخَرِ، وَلا يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَيهِ.

ــ

شَاءَ نَقْصَها، ومَهْرَها، وأُجْرَتَها، وقيمَةَ وَلَدِها، إنْ تَلِفَ، فإنْ ضَمَّنَ الغاصِبَ، رجَع على الآخرِ، ولا يَرْجِعُ الآخَرُ عليه. وهذا بلا نِزاع أعْلَمُه. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الحارِثِيِّ» ،

ص: 222

وَإنْ لَمْ يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ فَضَمَّنَهُمَا، رَجَعَا عَلَى الْغَاصِبِ.

ــ

وغيرِهم.

قوله: وإنْ لم يَعْلَما بالغَصْبِ، فَضَمَّنَهما، رَجَعا على الغَاصِبِ. اعلمْ أنَّ بَيعَ الغاصِب العَينَ المَغْصُوبَةَ غيرُ صحيح مُطْلَقًا، على المذهب. وفيه رِوايَة، يصِحُّ، ويَقِفُ على إجازَةِ المالِكِ. وحكَى فيه رِوايَةً ثالثةً، يصِحُّ البَيعُ. على ما يَأتِي في تَصَرُّفاتِ الغاصِبِ، والتَّفْرِيعِ على المذهبِ. وكذا الهِبَةُ غيرُ صحيحةٍ. إذا عَلِمْتَ ذلك، فهُما بمَنْزِلَةِ الغاصِبِ في جَوازِ تَضْمِينهما ما كانَ الغاصِبُ يَضْمَنُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في أوَّلِ «القاعِدَةِ الثَّالثةِ والتِّسْعِين»: مَن قَبَض مَغْصُوبًا مِن غاصِبِه، ولم يَعْلَمْ أَنه مَغْصُوب، فالمَشْهُورُ عنِ الأصحابِ، أنَّه بمَنْزِلَةِ الغاصِبِ في جَوازِ تَضْمِينه ما كان الغاصِبُ يَضْمَنُه؛ مِن عَين وَمْنَفَعةٍ. انتهى. وقطَع به في «المُحَررِ» ، وغيرُه مِنَ الأصحاب.

وقوله: فَضَمَّنَهما، رجَعا على الغاصِبِ. يعْنِي، إذا ضَمَّنَ المُشْتَرِيَ أو المُتَّهِبَ نَقْصَها، ومَهْرَها، وأُجْرَتَها، وقِيمَةَ وَلَدِها، وأرْشَ البَكارَةِ، إنْ كانت

ص: 223

وإنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَالْوَلَدُ حُرٌّ،

ــ

بِكْرًا، رجَعا على الغاصِبِ بذلك. وهو المذهبُ في الجُمْلَةِ. نصَّ عليه في رِوايَةِ جَعْفر في الفِداءِ، وفي رِوايَةِ إسْحاقَ بنِ مَنْصُورِ، على المَهْرِ. ويأتِي التَّفْصيلُ في ذلك عندَ ذِكْرِ الرِّوايَةِ التي ذكَرَها المُصَنفُ، والخِلافُ.

قوله: وإنْ وَلَدَتْ مِن أحَدِهما، فالوَلَدُ حُرٌّ -بلا نِزاع- ويَفْديه بمِثلِه في صِفاتِه تَقْريبًا. يجِبُ فِداءُ الوَلَدِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورِ، وجَعْفَرِ بنِ محمدٍ، والمَيمُونِيِّ، ويَعْقُوبَ بنِ بَخْتَانَ. قاله

ص: 224

وَيَفْديهِ بِمِثْلِهِ في صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا. وَيَحْتَمِلُ أنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ في الْقِيمَةِ، وَعَنْهُ، يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ.

ــ

الحارِثي. ونقلَ ابنُ مَنْصُور عن أحمدَ، لا يَلْزَم المُشْتَرِيَ فِداءُ أولادِه، وليس للسَّيدِ بدَلُهم؛ لأنَّه انْعقَدَ حُرًّا. قال الخَلالُ: أحْسَبُه قَوْلًا لأبي عبدِ الله أوَّلَ، والذي أذْهَبُ إليه، أنَّه يَفْدِيهم، قال الحارِثِيُّ: والمَشْهور الأوَّل. ولم يُعَوِّلِ الأصحابُ على هذه الرِّوايةِ.

قوله: بمِثْلِه في صِفاتِه تَقْريبًا. يعْني، مِن غيرِ نَظَر إلى القِيمَةِ والمِثْلِ في الجِنْس والسِّنِّ. لَكِنْ قال الحارِثي: أمَّا السِّن، فلا يَخْلُو مِن نَظَر، وفداؤه بمِثْلِه في صِفاتِه تَقْريبًا هو إحْدَى الرِّواياتِ عن أحمدَ. قال ابنُ منَجَّى: هذا المذهبُ. واخْتارَها القاضي وأصحابُه. قال الحارِثِي: وهي اخْتِيار الخِرَقِيِّ، وأبي بَكْر في

ص: 225

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«التنبِيهِ» ، والقاضِيَيْن؛ أبِي يَعْلَى، ويَعْقُوبَ بنِ إبْراهِيمَ في «تَعْلِيقَهما» ، وأبِي الخَطَّابِ في «رُءوسِ مَسائلِه» ، والشَّرِيفِ أبِي القاسِمِ الزيدِيّ، وغيرِهم. قال القاضي أبو الحُسَينِ، والشرِيفُ أبو جَعْفَر، وأبو الحَسَنِ بنُ بَكْروسٍ: وهي أصحُّ. انتهى. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو مُخْتار الخِرَقي، والقاضي، وعامَّةِ أصحابِه. وجزَم به في «الكافِي» ، ويَحْتَمِلُ أنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُه في القِيمَةِ، وهو لأبِي الخَطَّابِ. وهو وَجْهٌ في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التلْخيصِ» ، ورِوايَة في «المُحَرَّرِ». قال الحارِثِيُّ: ونُسِبَ إلى اخْتِيارِ أبِي بَكْر. قلتُ: قاله المُصَنِّفُ، والشارِحُ عنه. وقدَّمه في «الفائقِ» . وتَضْمِينُه المِثْلَ مِنَ المُفْرَداتِ. وعنه، يَضْمَنُه بقِيمَتِه. وهو المذهبُ، على ما اصْطَلَحْناه. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التلْخيصِ» ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، وابن الزَّاغُونِيِّ. قال القاضي في «المُجَردِ»: وهو أشْبَهُ بقَوْلِه؛ لأنَّه نصَّ علي أنَّ الحَيوانَ لا مِثْلَ له. وهو مذهبُ الأئمَّةِ الثلاثةِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصغِيرِ» . وعنه، يضْمَنُه بأيهما شاءَ. اخْتارَه أبو بَكْر في «المُقْنِعِ». قال في «القواعِدِ الأصُولِيةِ»: وعنه، يَفْدِي كل وَصِيفٍ بوَصِيفَين، أوْرَدَه السَّامرِّيُّ وغيرُه عن ابنِ أبِي مُوسى، في مَغْرورِ النِّكاح.

تنبيه: حيثُ قُلْنا: يَفْدِيه؛ إما بالمِثْلِ أو القِيمَةِ. فيكونُ ذلك يَوْمَ وَضعه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهير الأصحابِ؛ منهم القاضي، والشرِيفُ أبو جَعْفَر، وأبو الخَطابِ، والمُصَنِّفُ، والمَجْدُ، والشارِحُ، وغيرُهم مِنَ

ص: 226

وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ.

ــ

الأصحابِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم. وعنه، يكون الفِداءُ يَوْمَ الخُصُومَةِ. وهو ظاهرُ كَلامِ أحمدَ في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُور، وجَعْفَر. وهو وَجْهٌ في «الفائقِ». قال الحارِثِيُّ: وعنِ ابنِ أبِي مُوسى حِكايَة وَجْهٍ؛ الاعْتِبارُ بيَوْمِ الحُكُومَةِ.

قوله: ويَرْجِعُ بذلك على الغاصِبِ. يعْنِي، بما فدَى به الأوْلادَ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهير الأصحابِ. وذكَر ابنُ عَقِيل رِوايَةً، لا يرجِعُ بفِداءِ الوَلَدِ.

ص: 227

وإنْ تَلِفَتْ، فَعَلَيهِ قِيمَتُهَا، وَلا يَرْجِعُ بِهَا إنْ كَانَ مُشْتَرِيًا، وَيَرْجِعُ بِهَا الْمُتَّهِبُ.

ــ

قوله: وإنْ تَلِفَتْ، فعليه قِيمَتُها، ولا وَرْجِعُ بها، إنْ كانَ مُشْتَرِيًا، ويَرْجِعُ بها المُتَّهِبُ. إذا تَلِفَتْ عندَ المُشتَرِي، فعليه قِيمَتُها للمَغْصُوبِ منه، ولا يَرْجِعُ على الغاصِبِ بالقِيمَةِ. على الصحيح مِنَ المذهبِ، وعليه جماهير الأصحابِ، وأكثرُهم قطَع به. وفي «المُغْني» ، في بابِ الرهْنِ، رِواية باسْتِقْرارِ الضمانِ على الغاصِبِ، فلا يرجِعُ على المُشْتَرِي. وحَكاه في «الكافِي» ، في بابِ المُضارَبَةِ وَجْهًا. وصرّح القاضي بمِثْلِ ذلك في «خِلافِه» . قاله ابنُ رَجَب، وقال: هو عندِي قياسُ المذهبِ. وقَوَّاه، واسْتَدَل له بمَسائلَ ونَظائرَ. فعلى هذا، يَرْجِعُ على الغاصِبِ بذلك كله، ويرْجِعُ بالثمَنِ، بلا نِزاعٍ. وعلى المذهبِ، يَأخُذ مِنَ الغاصِبِ ثَمَنَها، ويأخُذُ أَيضًا نفَقَتَه وعمَلَه مِنَ البائعِ الغارِّ. قاله الشيخُ تقِيُّ

ص: 228

وَعَنْهُ أنَّ مَا حَصَلَتْ لَهُ بِهِ مَنْفَعَة، كَالأجْرَةِ وَالْمَهْرِ وَأرْش الْبَكَارَةِ، لا يَرْجِعُ بِهِ.

ــ

الدِّينِ، وقال في «الفَتاوَى المِصْرِيةِ»: لو باعَ عَقَارًا، ثم خرَجَ مُسْتَحَقًّا، فإنْ كان المُشْتَرِي عالِمًا، ضَمِنَ المَنْفَعةَ، سواءٌ انْتفَعَ بها أو لم يَنْتَفِعْ، وإنْ لم يَعْلَمْ، فقَرار الضمانِ على البائعِ الظَّالمِ، وإنِ انْتُزِعَ المَبِيعُ مِن يَدِ المُشْتَرِي، فأخِذَت منه الأُجْرَةُ، وهو مَعْروفٌ، رجَع بذلك على البائعِ الغَارِّ. انتهى. وفي «الترْغيبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، احْتِمال بأنَّ المُشتَرِيَ يرْجِعُ بما زادَ على الثَّمَنِ. وبه جزَم ابن المَنِّيِّ في «خِلافِه» وفي «الترْغيبِ» أَيضًا، لا يُطالِبُ بالزِّيادَةِ الحَاصلةِ قبلَ قبْضِه. قال في «القواعدِ الأصُولِيةِ»: قلتُ: وإطْلاقُ الأصحابِ يَقْتَضِي، لا رُجوعَ بما زادَ على الثمَنِ. وفيه نَظَر. انتهى. قال المُصَنفُ، في «فَتاويه»: وإنْ أنْفَقَ على أيتامِ غاصِبٍ وَصيُّه، مع عِلْمِه بأنَّه غاصِبٌ، لم يرْجِعْ، وإلَّا رَجَع؛ لأنَّ المُوصِيَ غرَّه. انتهى. وأمَّا إذا تَلِفَتْ عندَ المُتَّهِبِ، فعليه قِيمَتُها لرَبها، ويرْجِعُ بما غَرِمَه على الغاصِبِ، على الصحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهير الأصحابِ. وقطَع به في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال في «الفُروعِ»: ويَرْجِعُ مُتَّهِب في الأصح. وقيل: لا يرْجِعُ، كالمُشْتَرِي. قال الحارِثِيُّ: وفي «الكافِي» ، رِوايَة بعَدَمَ الرُّجوعَ فيما إذا تَلِفَ؛ لأنَّه غرِمَ ما أتْلَفَه. انتهى.

قوله: وعنه، أن ما حصَلَتْ له به مَنْفَعَة؛ كالأُجْرَةِ، والمَهْرِ، وَأرْشِ البَكارَةِ، لا يَرْجِعُ به. هذه الروايَةُ عائدَةٌ إلى قوْلِه: وإنْ لم يَعْلَما بالغَصْبِ،

ص: 229

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فضَمنَهما، رجَعا على الغاصِبِ. لكِن هذه الروايَةَ رجَع عنها أحمدُ. قال الحارِثِي: واعلمْ أن الروايَةَ بعَدَمِ الرجوعِ رجَع عنها أحمدُ. قال القاضي في كتابِ «الروايتَين» : رجَع عن قوْلِه، بحَديثِ عليٍّ. وإذا كان كذلك، فلا يكونُ عدَمُ الرُّجوعِ مذهبًا له في شيءٍ من هذه الأمورِ أصْلًا وفَرْعًا. انتهى كلام الحارِثِي. قلتُ: إذا رجَع الإمامُ أحمدُ عن قوْلٍ، فهل يُتْرَكُ، ولا يُذْكَرُ، لرُجوعِه عنه؟ أو يُذْكُرُ ويثبَتُ في التصانِيفِ؟ تقدم حُكْمُ ذلك في الخُطبةِ، وبابِ التيممِ. واعلمْ أن المالِكَ إذا رجَع على المُشْتَرِي، وأرادَ المُشْتَرِي الرجوعَ على الغاصِبِ، لا يَخْلُو مِن أقْسام؛ أحدُها، ما لا يرجِعُ به، وهو قِيمَتُها، إذا تَلِفَتْ كلُّها، أو جُزْؤها في يَدِه، على ما تقدَّم مِنَ الخِلافِ. والثاني، فيه خِلاف، والتَّرْجِيحُ مُخْتَلِف، وهو أرْشُ البَكارَةِ، والمَهْرُ، وأُجْرَةُ نَفْعِها. فأمَّا أرْشُ البَكارَةِ، فقدَّم المُصَنفُ هنا، أنَّه يرْجِعُ به. قال في «الفائقِ»: اخْتارَه الخِرَقِي، قال الحارِثِي: هذا المذهبُ. انتهى. قال الزرْكَشِيُّ: [الرُّجوعُ اخْتِيار الخِرَقِي، والقاضي، وعامَّةِ أصحابِه](1). والصحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يرْجِعُ به. جزَمْ به في «المُحَرَّرِ» ،

(1) سقط من: ط.

ص: 230

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» . واخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيل، وأبو بَكْر. قاله في «الفائقِ» . وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيص» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وأمَّا المَهْرُ وأُجْرَةُ النَّفْعِ، فالصحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يرْجِعُ بهما على الغاصِبِ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه المُصَنِّفُ هنا، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ». قال الحارِثِي: هذا المذهبُ. ورُجوعُه بالمَهْرِ على الغاصِبِ مِنَ المُفْرَداتِ. وعنه، لا يرجِعُ. اخْتارَه أبو بَكْر، وابنُ أبِي مُوسى. قاله في «القَواعِدِ». قال في «الفُروعِ»: اخْتارَه الخِرَقِيُّ، وأبو بَكْر، وابنُ عَقِيل. قلتُ: المُصَرَّحُ به في «الخِرَقي» ، رُجوعُ المشتَرِى بالمَهْرِ. قال الزَّركَشِي: يرجِعُ بالمَهْرِ عندَ الخِرَقِي، والقاضي، وعامَّةِ أصحابِه، ولعله سَهْوٌ. وأطْلَقهما في المَهرِ، في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهم. وأطْلَقهما في المَهْرِ، والأُجْرَةِ، في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الشرْحِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. الثالثُ، ما يرْجِعُ به على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وهو قِيمَةُ الوَلَدِ، كما تقدّم.

ص: 231

وإنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ، رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا لا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيهِ.

ــ

والرابعُ، ما يرْجِعُ به قوْلًا واحِدًا، وهو نَقْصُ ولادَةٍ، ومَنْفَعَة فائتة. جزَم به في «الفُروعِ» ، وجزَم به القاضي، وابنُ عَقِيل، والمُصَنِّفُ في «الكافِي» ، و «المُغنِي» ، في نَقْصِ الولادَةِ. قال الحارِثيُّ: وأدْخَلَه الباقُون فيما يرْجِعُ به، كما في المَتْنِ.

فائدة: حُكْم المُتَّهِبِ حُكْم المُشْتَرِي. وقد حكَى المُضنِّفُ هنا وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» وجماعة فيه الرِّوايتَين. وحكَى الخِلافَ في «المُغْنِي» وَجْهَين. قال الحارِثي: وهو الصَّوابُّ، فإنَّه مَقِيس على نصِّه.

فائدة أخرى: حُكْم الثمَرةِ والوَلَدِ الحادِثِ في المَبِيعِ، حُكْم المَنافِعِ، إذا ضُمِّنَها، رجَع ببَدَلِها على الغاصِبِ. وكذلك الكَسْبُ. صرح به القاضي في «خِلافِه» ، إلَّا أنْ يكونَ انْتَفعَ بشيءٍ مِن ذلك، فيُخَرَّج على الرِّوايتَين.

قوله: وإنْ ضَمنَ الغاصِبَ، رجَع على المشْتَرِي بما لا يَرْجِعُ به عليه. اعلمْ أن

ص: 232

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للمالك تَضْمِينَ مَن شاءَ منهما، أعْنِي الغاصِبَ ومَنِ انْتَقَلَتْ إليه منه، فإنْ ضمَّنَ غيرَ الغاصِبِ، فقد تقدَّم حُكْمُ رُجوعِه على الغاصِبِ وعدَمِه، وإنْ رجَع على الغاصِبِ؛ وهو ما قاله المُصَنفُ هنا، فهو أرْبَعَةُ أضْرُب؛ أحدُها، قِيمَةُ العَينِ. فهذا إذا رجَع المالِكُ على الغاصِبِ، يرْجِعُ الغاصِبُ به على المُشْتَرِي. الثَّاني، قِيمَةُ الوَلَدِ. فإذا رجَع بها على الغاصِبِ، لَمْ يَرْجِعِ الغَاصِبُ على المُشْتَرِي، على الصَّحيح مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وتقدَّم رِوايَةٌ ذكَرَها ابنُ عَقِيل، أن المالِكَ إذا ضَمنَ المُشْتَرِيَ لا يرْجِعُ به على الغاصِبِ. فَتأتِي الروايَةُ هنا، أن الغاصِبَ إذا ضمنَه المالِكُ يرْجِعُ به على المُشْتَرِي. الثَّالثُ، المَهْرُ، وأرْشُ البَكارَةِ، والأجْرَةُ، ونحوُه. فعلى القَوْلِ برُجوعِ المُشْتَرِي، والمُتَّهِبِ على الغاصِبِ، إذا ضَمنَهما المالِكُ هناك، لا يرْجِعُ الغاصِبُ عليهما هنا، إذا ضَمَّنه المالِكُ. وعلى القَوْلِ. أنَّهما لا يَرْجِعان، يَرْجِعُ الغاصِبُ عليهما هنا. الرَّابعُ، نَقْصُ الولادَةِ، والمَنْفَعَةُ الفائتةُ. فإنْ رجَع المالِكُ على الغاصِبِ، لم يَرْجِعْ به الغاصِبُ على المُشْتَرِي، قَوْلًا واحِدًا، على قَوْلِ صاحِبِ «الفُروعِ» وغيرِه. وهذا كله قد شَمِلَه قوْلُ المُصَنفِ: وإنْ ضمَّنَ الغاصِبَ، رجَع على المُشْتَرِيَ بما لا يرْجِعُ به عليه. فحيثُ ضمَّنَ المُشتَرِيَ، وقُلْنا: يَرْجِعُ على الغاصِبِ إذا ضمَّنَ الغاصِبَ. لا يرجِعُ على المُشْتَرِي. وعكْسُه بعَكْسِه.

ص: 233

وإنْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْج فَمَاتَ الْوَلَدُ، ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ، وَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ؟ عَلَى روَايَتَينِ.

ــ

قوله: وإنْ وَلَدَتْ مِن زَوْجٍ، فماتَ الوَلَدُ، ضَمِنَه بقِيمَتِه، وهل يَرْجِعُ به على الغاصِبِ؟ على رِوايتَين. مِثالُ ذلك، أنْ يكونَ المُشْتَرِي جاهِلًا بغَصْبِها، فيُزَوِّجَها لغيرِ عالِم بالغَصْبِ، فتَلِدَ منه، فهو مَمْلُوكٌ، فيَضْمَنَه مَن هو في يَدِه بقِيمَتِه، إذا تَلِفَ وهل يَرْجِعُ به على الغاصِبِ؟ على رِوايتَين؛ بِناءً على الرِّوايتَين في ضَمانِ النَّفْعِ إذا تَلِفَ عندَ المُشْتَرِي، على ما تقدَّم. قاله المُصَنِّفُ، والشارِحُ. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم؛ إحْداهما، يرْجِعُ. صحَّحه في «التصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وهو المذهبُ؛ لأنَّ الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، أنَّه يَرْجِعُ عليه بأُجْرَةِ النَّفْعِ، على ما تقدَّم قريبًا، فكذا هذا. والثَّانيةُ، لا يرْجِعُ.

ص: 234

وَإنْ أعَارَهَا فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ، اسْتَقَر ضَمَانُ قِيمَتِهَا عَلَيهِ، وَضَمَان الأجْرَةِ عَلَى الْغَاصِبِ.

ــ

قوله: وإنْ أعارَها فتَلِفَتْ عندَ المُسْتَعيرِ، اسْتَقَرَّ ضَمَانُ قِيمَتِها عليه وضمَانُ الأجْرَةِ على الغاصِبِ. إذا اسْتَعارَها مِنَ الغاصِبِ عالِمًا بغَصْبِها، فله تَضْمِينُ الغاصِبِ، والمُسْتَعِيرِ؛ فإنْ ضَمَّنَ الغاصِبَ، رجَع على المُسْتَعِيرِ، وإنْ ضمَّنَ المُسْتَعِيرَ، لم يَرْجِعْ على الغاصِبِ مُطْلقًا. وإنْ كان غيرَ عالِم بالغَصْبِ، فضَمَّنَ المُسْتَعِيرَ، لم يَرْجِعْ على الغاصِبِ بقِيمَةِ العَينِ، ويرْجِعُ عليه بضَمانِ المَنْفَعةِ.

ص: 235

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وهو قَوْلُ المُصنِّفِ، وضَمان الأجْرَةِ على الغاصِبِ. وعنه، لا يرْجِعُ بضَمانِ المَنْفَعةِ، إذا تَلِفَت بالاسْتِيفاءِ، ويَسْتَقِرُّ الضَّمانُ عليه في مُقابَلَةِ الانْتِفاعِ. قال في «القواعِدِ»: وإنْ ضُمنَ الغاصِبُ المَنْفَعةَ ابْتِداءً، ففيه طَرِيقان؛ أحدُهما، البِناءُ على الرِّوايتَين. فإن قُلْنا: لا يَرْجِعُ القابِضُ عليه إذا ضُمِّنَ ابْتِداءً، رجَع الغاصِبُ هنا عليه، والَّا فلا. وهي طَرِيقَةُ أبِي الخَطابِ، ومَنِ اتَّبَعه، والقاضي؛ وابنِ عَقِيل، في مَوْضِعٍ. والطريق الثاني، لا يَرْجِعُ الغاصِبُ على القابِضِ، قَوْلًا واحِدًا. قاله القاضي، وابنُ عَقِيل، في مَوْضِع آخَرَ.

فائدة: ذكَر المُصَنِّفُ، رَحِمَه الله تَعالى، فيما إذا انْتقَلَتِ العَينُ مِن يَدِ الغاصِبِ إلى يَدِ غيرِه، ثلاث مَسائل؛ مسْألة الشراءِ، ومَسْأله الهِبَةِ، ومَسْألة العارِيّةِ. وتقدَّم الكلامُ عليها. وقد ذكَر العَلامَةُ ابنُ رَجَبٍ في «قواعِدِه» ، أن الأيدِيَ القابِضَةَ مِنَ الغاصِبِ، مع عدَمْ العِلْمِ بالحالِ، عَشَرة؛ منها الثلاثةُ المذْكُورَةُ التي ذكَرَها المُصَنِّفُ، ولكِنْ نُعِيدُ ذِكْرَ يَدِ المُتَّهِبِ؛ لأجْلِ نظَائرِها في اليَدِ التَّاسِعَةِ. فاليَد الثّالثةُ، الغاصِبَةُ مِنَ الغاصِبِ، وحقها أنْ تكونَ أوْلَى؛ لأنها كالأصْل للأيدِي؛ وهو أن اليَدَ الغاصِبَةَ مِنَ الغاصِبِ يتَعَلَّقُ بها الضمانُ، كأصْلِها، ويسْتَقِرُّ عليها مع التَّلَف تحتَها، ولا يُطالبُ بما زادَ على مُدَّتِها. اليَد الرابعَةُ، يدٌ آخِذَة لمصْلَحَةِ الدَّافِعِ؛ كالاسْتِيداعِ، والوَكالةِ بغيرِ جُعْل،

ص: 236

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالصحيحُ مِنَ المذهبِ، أنّ للمالِكِ تَضْمينَها، ثم يَرْجِعُ بما ضُمنَ على الغاصِبِ؛ لتَغْرِيره. وفيه وَجْهٌ آخَرُ باسْتِقْرارِ الضَّمانِ عليها، ولتَلَفِ المالِ تحتَها مِن غيرِ إذْنٍ. صرح به القاضي في «المُجَرَّدِ» ، في بابِ المُضارَبَةِ. قال ابنُ رَجَبٍ: ويتَخَرَّجُ فيه وَجْهٌ آخَرُ، لا يجوزُ تَضْمِينُها بحال، مِنَ الوَجْهِ المَحْكِيِّ كذلك في المُرْتَهِن ونحوه، وأوْلَى. وخرَّجَه الشيخُ تَقِيُّ الدينِ مِن مُودَعِ المُودِعِ، حيثُ لا يجوزُ له الإيداعُ؛ فإنَّ الضَّمانَ على الأوَّلِ وحدَه. كذلك قال القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيل في «الفُصولِ» ، وذكَر أنَّه ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، ومِنَ الأصحابِ مَن منَع ظُهورَه. اليَد الخامسةُ، يَدْ قابِضَة لمصْلَحَتِها، ومَصْلَحَةِ الدافِعِ (1)؛ كالشريك، والمُضارِبِ، والوَكِيلِ بجُعْل، والمُرْتَهِنِ، فالمَشْهورُ جَوازُ تَضْمِينها أَيضًا، وترْجِعُ بما ضُمِّنَتْ؛ لدُخُولِها على الأمانَةِ. وذكَر القاضي في «المُجَرد» ، وابنُ عَقِيل، والمُصَنفُ، في الرَّهْنِ احْتِمالين آخَرَين؛ أحدُهما،

(1) في النسخ: «الغاصب» وانظر: القواعد الفقهية 225.

ص: 237

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اسْتِقْرار الضمانِ على القابِضِ. وحَكَوا هذا الوَجْهَ في المُضارِبِ أَيضًا. والثاني، لا يجوزُ تَضْمِينُها بحالٍ؛ لدُخُولِها على الأمانَةِ. قال ابنُ رَجَبٍ: ويَنْبَغِي أنْ يكونَ هو المذهبَ، وأنه لا يجوزُ تَضْمِين القابِضِ ما لم يدْخُلْ على ضَمانِه في جميعِ هذه الأقْسامِ. وحكَى القاضي وغيرُه في المُضارَبَةِ وَجْهًا آخَرَ، أن الضَّمانَ في هذه الأماناتِ يَسْتَقِرُّ على مَن ضُمنَ منهما، فأيّهما ضُمِّن لم يرْجِعْ على الآخَرِ. اليَدُ السادِسةُ، يد قابِضَة عِوَضًا مُسْتَحَقا بغيرِ عَقْدِ البَيعِ، كالصَّداق، وعِوَضِ الخُلْعِ، والعِتْقِ، والصلْحِ عن دَمِ العَمْدِ، إذا كان مُعَينًا له، أو كان القَبْضُ وَفاءٌ لدَينٍ مُسْتَقِر في الذِّمةِ؛ مِن ثَمَنِ مَبِيع، أو غيرِه، أو صَداقٍ، أو قِيمَةِ مُتْلَفٍ، ونحوه، فإذا تَلِفَتْ هذه الأعْيانُ في يَدِ مَن قَبَضَها، ثم اسْتُحِقَّتْ، فللمُسْتَحِقِّ الرُّجوعُ على القابِضِ ببَدَلِ العَينِ والمَنْفَعَةِ، على ما تَقرَّرَ. قال: ويتَخَرَّجُ وَجْهٌ، أنْ لا مُطالبَةَ له عليه. وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ أبِيِ مُوسى في الصداقِ. والباقي مِثْلُه على القَوْلِ بالتَّضْمِينِ، فَيرْجِعُ على الغاصِبِ بما غرِمَ مِن قِيمَةِ المَنافِعِ؛ لتَغْرِيرِه، إلَّا بما انْتفَعَ به، فإنَّه مُخَرَّجٌ على الرِّوايتَين. وأما قِيَم الأعْيانِ، فمُقْتَضَى ما ذكَرَه القاضي ومَنِ اتَّبَعه، أنَّه لا يَرْجِعُ بها. ثم إنْ كان القَبْضُ وَفاءً عن دَين ثابتٍ في الذمةِ، فهو باقٍ بحالهِ، وإنْ كانَ عِوَضًا مُتَعيِّنًا في العَقْدِ، لم يَنْفَسِخِ العَقْدُ، ها هنا باسْتِحْقاقِه، ولو قُلْنا: إنَّ النِّكاحَ على المَغْصُوبِ لا يصِحُّ. لأنَّ القَوْلَ بانْتِفاءِ الصِّحَّةِ مُخْتَصٌّ بحالةِ العِلْمِ. ذكَرَه ابنُ أبِي مُوسى. ويَرْجِعُ على الزَّوْجِ بقِيمَةِ المُسْتَحَقِّ في المَنْصُوصِ. وهو قَوْلُ القاضي في «خِلافِه» ، وقال في «المُجَرَّدِ»: ويجِبُ مَهْر المِثْلِ. وأمَّا عِوَضُ الخُلْعِ، والعِتْقُ، والصُّلْحُ عن دَمِ العَمْدِ، ففيها وجْهان؛ أحدُهما، يجِبُ الرُّجوعُ فيها بقِيمَةِ العِوَضِ المُسْتَحَقِّ. وهو المَنْصوصُ، وهو قَوْلُ القاضي في أكْثرَ كُتُبِه. وجزَم به صاحِبُ «المُحَررِ» .

ص: 238

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والثاني، يجبُ قِيمَةُ المُسْتَحَقِّ في الخُلْعِ، والصُّلْحِ عن دَمِ العَمْدِ، بخِلافِ العِتْقِ، فإنَّ الواجِبَ فيه قِيمَةُ العَبْدِ. وهو قَوْلُ القاضي في البُيوعِ مِن «خِلافِه» ، ويُشْبِهُ قَوْلَ الأصحابِ، فيما إذا جعَل عِتْقَ أمَتِه صَداقَها، وقُلْنا: لا ينْعَقِدُ به النِّكاحُ فأبَتْ أنْ تتَزَوَّجَه على ذلك، أنَّ عليها قِيمَةَ نفْسِها لا قِيمَةَ مَهْرِ مِثْلِها. وعلى الوَجْهِ المُخَرَّج في البَيعِ؛ أنَّ المَغْرورَ يرْجِعُ بقِيمَةِ العَينِ، فهُنا كذلك. اليَد السابعةُ، يد قابِضَة بمُعاوَضَةٍ؛ وهي يَد المُسْتَأجِرِ. فقال القاضي والأكْثَرون: إذا ضُّمِّنَتِ المَنْفَعَةَ، لم يَرْجِعْ بها. ولو زادَتْ أجْرَةُ المِثْلِ على الأجْرَةِ المُسمَّاةِ، ففيه ما مَر مِن زِيادَةِ قِيمَةِ العَينِ على الثمنِ. وإذا ضُمِّنَتْ قِيمَةَ العَينِ، رَجَعَتْ بها على الغاصِبِ؛ لتَغْرِيرِه. وفي «تَعْلِيقَةِ المَجْدِ» ، يتَخَرَّجُ لأصحابِنا وَجْهان؛ أحدُهما (1)، أنَّ المُسْتَأجِرَ لا ضَمانَ عليه بحالٍ؛ لقَوْلِ الجُمْهورِ: يضْمَن العَينَ. وهل القَرارُ عليه؛ لنا وَجْهان؛ أحدُهما، عليه. والثَّاني، علي الغاصِبِ. وهو الذي ذكَرَه القاضي في «خِلافِه» . انتهى. اليَد الثامِنَةُ، يد قابِضَة للشَرِكَةِ؛ وهي المُتَصَرِّفَةُ في المالِ بما يُنَمِّيه بجُزْءٍ مِنَ النماءِ؛ كالشَّرِيكِ، والمُضارِبِ، والمُزارِعِ، والمُساقِي، ولهم الأجْرَةُ على الغاصِبِ؛ لعَمَلِهم له بعِوَض [لم يُسْلَمْ. فأمَّا المُضارِبُ، والمُزارِعُ بالعَينِ المَغْصُوبَةِ، وشَرِيكُ العِنانِ](2)، فقد دَخَلُوا على أنْ لا ضَمانَ عليهم بحالٍ، فإذا ضُمِّنُوا على المَشْهورِ، رَجَعُوا بما ضُمِّنُوا، إلَّا حِصَّتهم مِنَ الرِّبْحِ، فلا يَرْجعُون بضَمانِها. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيل، في المُساقِي. والمُزارِعُ نَظِيرُه. أَمَّا المُضارِبُ، والشرِيكُ، فلا نَبْغِي أنْ يَسْتَقِر عليهم ضَمانُ شيء بدُونِ القِسْمَةِ مُطْلقًا. وحكَى الأصحابُ، في

(1) ذكر الشيخ أحد الوجهين ولم يذكر الوجه الآخر. انظر القواعد الفقهية 229.

(2)

سقط من: ط.

ص: 239

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُضارِبِ (1) بغيرِ إذْنٍ وَجْهًا آخَرَ، أنْه يَرْجِعُ بما ضُمِّنَه؛ بِناءً على الوَجْهِ المذْكُورِ باسْتِقْرارِ الضمانِ على مَن تَلِفَ المالُ بيَدِه. ويتَخَرجُ وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه لا يَمْلِكُ المالِكُ تَضْمِينَهم بحالٍ، وإنَّما أعادَ حُكْمَ الشَّرِيكِ والمُضارِبِ لذِكْرِ النَّماءِ. وأما المُساقِي إذا ظهَر الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا بعدَ تَكْمِلَةِ العَملِ، فللعامِلِ أُجْرَةُ المِثْلِ لعَملِه على الغاصِبِ، وإذا تَلِفَ الثَّمَرُ، فله حالتَان؛ إحْداهما، أنْ يَتْلَف بعدَ القِسمَةِ، فللمالِكِ تَضْمِينُ كل مِنَ الغاصِبِ والعامِلِ ما قبَضَه، وله أنْ يُضَمِّنَ الكُلَّ للغاصِبِ، فإذا ضَمَّنَه الكُلَّ رجَع على العامِلِ بما قَبَضَه لنَفْسِه. وفي «المُغْنِي» احْتِمال، لا يَرْجِعُ عليه. وهل للمالِكِ تَضْمِين العامِلِ جميعَ الثَّمرَةِ؟ ذكَر القاضي فيه احْتِمالين؛ أحدُهما، نعم. ثم يَرْجِعُ العامِلُ على الغاصِبِ بما قبَضَه مِنَ الثَّمَرِ، على المَشْهورِ، وبالكُلِّ على الاحْتِمالِ المذْكُورِ. والثَّاني، لا. والحالةُ الثَّانيةُ، أنْ يتْلَف الثَّمرُ قبلَ القِسْمَةِ؛ إمَّا على الشَّجَرِ، وإلَا بعدَ جَذِّه. ففي «التَّلْخيصِ» ، في مُطالبَةِ العاملِ بالجميع، احْتِمالان. وكذا لو تَلِفَ بعضُ الشَّجَرِ. قال ابنُ رَجَبٍ: وهو مُلْتَفَتٌ إلى أنَّ يَدَ العاملِ، هل تَثْبُتُ على الشَّجَرِ والثمَرِ، أم لا؟ والأظْهرُ، أنْ لا؛ لأنَّ الضمانَ عندَنا لا ينْتَقِل في الثَّمَرِ المُعَلَّقِ على شَجَرِه بالتَّخْلِيةِ. ولو اشْتَرَى شَجَرَةً بثَمَرِها، فهل تدْخُل الثَّمرَةُ في ضَمانِه تبَعًا للشَجَرَةِ؟ قال ابنُ عَقِيل في «فُنونِه»: لا تدخُل. والمذهبُ دُخُولُه تبَعًا. اليدُ التَّاسعةُ، يد قابِضةٌ تَمَلُّكًا لا بعِوَض؛ إمَّا للعَيِن بمَنافِعِها؛ كالهبَةِ والوقْفِ، والصَّدَقَةِ، والوَصيَّةِ، أو للمَنْفَعَةِ؛ كالمُوصَى له بالمنافِعِ. والمَشْهورُ أنَّها تَرْجِعُ بما ضُمِّنَتْه بكل حالٍ، إلَّا ما يحْصُلُ لها به نَفْعٌ، ففي رُجُوعِها بضَمانِه الروايَتان. ويتَخَرَّجُ وَجْه آخَرُ، أنَّها لا تُضمَّن ابْتِداءً، ما لم يَسْتَقِرَّ ضَمانُها عليه.

(1) بعدها في النسخ: «للمضاربة» وانظر: القواعد الفقهية 229.

ص: 240

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وذكَر القاضي، وابنُ عَقِيل رِوايةً، أنَّها لا تَرْجِعُ بما ضُمِّنَتْه بحالٍ. ثم اخْتلَفَ الأصحابُ في مَحَلِّ الرِّوايتَين، في الرُّجوعِ بما انْتفَعَتْ به على طُرُقٍ ثَلاثةٍ؛ إحْداهُنَّ، أنَّ مَحَلَّهما إذا لم يقُلِ الغاصِبُ: هذا مِلْكِي. أو ما يدُلُّ عليه، فإنْ قال ذلك، فالقَرارُ عليه، بغيرِ خِلافٍ. وهي طَرِيقةُ المُصَنِّفِ في «المُغْنِي» .

والطَّريقةُ الثَّانيةُ؛ إنْ ضمَّنَ المالِكُ القابِضَ ابْتِداءً، ففي رُجوعِه على الغاصِبِ الرِّوايتَان مُطْلَقًا. وإنْ ضمَّنَ الغاصِبَ ابْتِداءً، فإنْ كان القابِضُ قد أقَرَّ له بالمِلْكِيَّةِ، لم يَرْجِعْ على القابضِ. رِوايَةً واحدَةً، وهي طريقةُ القاضي. والطَّريقةُ الثَّالثةُ، الخِلافُ في الكُلِّ مِن غيرِ تَفْصِيلٍ. وهي طريقةُ أبِي الخَطَّابِ وغيرِه. اليَدُ العاشِرَةُ، يدٌ مُتْلِفة للمالِ نِيابَةً عنِ الغاصِبِ؛ كالذَّابِحِ للحَيوانِ، والطَّابِخِ له، فلا قَرارَ عليها بحالٍ، وإنَّما القَرارُ علي الغاصِبِ. قاله القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والأصْحابُ. قال ابنُ رَجَبٍ: ويَتَخرَّجُ وَجْهٌ آخَرُ بالقَرارِ عليها فيما أتْلَفَتْه، كالمُوْدَعِ، إذا تَلِفَتْ تحتَ يدِه، وأوْلَى؛ لمُباشَرتِها للإتلافِ. قال: ويتَخَرَّجُ وجْهٌ آخَرُ، لا ضَمانَ عليها بحالٍ مِن نصِّ أحمدَ، في مَن حفَر لرَجُل بِئْرًا في غيرِ مِلْكِه، فوقَعَ فيها إنْسان، فقال الحافِرُ: ظَنَنْتُ أنَّها في مِلْكِه. فلا شيءَ عليه. وبذلك جزَم القاضي، وابنُ عَقِيل، في كتابِ الجِناياتِ. وأمَّا إذا أتْلَفَتْه على وَجْهٍ مُحَرَّم شَرْعًا، عالِمةً بتَحْريمِه؛ كالقاتِلَةِ للعَبْدِ المَغْصُوبِ، والمُحْرِقَةِ للمال بإذْنِ الغاصِبِ فيهما، ففي «التَّلْخيصِ» ، يَسْتَقِرُّ عليها الضَّمانُ؛ لأنَّها عالِمَةٌ بالتَّحْريمِ، فهي كالعالِمةِ بأنه مال الغيرِ، ورَجَّح الحارِثِي دُخولها في قِسْم المَغْرورِ. انتهى كلامُ ابنِ رَجَبٍ في «القواعدِ» مُلَخَّصًا ، ولقد أجادَ، فرَحِمَه الله تَعالى.

ص: 241

وَإذَا اشْتَرَى أرْضًا فَغَرَسَهَا أوْ بَنَى فِيهَا، فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً، فَقُلِعَ غَرْسُهُ وَبِنَاؤُهُ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائعِ بمَا غَرِمَهُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي في الْقِسْمَةِ.

ــ

قوله: وإن اشْتَرَى أرْضًا، فغَرَسَها، أو بَنَى فيها، فخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً، فقَلعَ غَرْسَه وبِنائه، رَجَعَ المُشْتَرِي على البائِعِ بما غَرِمَه. ذكَرَه القاضي في القِسْمَةِ. وهذا بلا نِزاعٍ، على القَوْلِ بجَوازِ القَلْعِ. وأفادَنا كلام المُصَنِّفِ، أنَّ للمالِكِ قَلْعَ الغرْسِ والبِناءِ. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا. أعْنِي، مِن غيرِ ضَمانِ النَّقْصِ، ولا الأخْذِ بالقِيمَةِ، وعليه جماهير الأصحابِ. وجزَم به في «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الوَجيزِ» ، وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِي» ، وقال: هو الأصحُّ. قال في «القواعِدِ» : هذا الذي ذكَرَه ابنُ أبِي مُوسى، والقاضي في «المُجرَّدِ» ، وتَبِعَه عليه المُتَأخرون. وعنه، لرَبِّ الأرْضِ قَلْعُه، إنْ ضَمِنَ نقصَه، ثم يَرْجِعُ به على البائعِ. قاله في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وقال الحارِثِيُّ: وعن أحمدَ، لا يَقْلَعُ، بل يَأخُذُه بقِيمَتِه. وذكَر النَّصَّ مِن رِوايةِ حَرْب. وقدَّمه في «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ والسَّبْعِين» ، في غَرْسِ المُشْتَرِي مِنَ الغاصبِ، وقال: نَقَله عنه حَرْب، ويَعْقُوبُ بنُ بخْتانَ. وذكَر النَصَّ، وقال:

ص: 242

وإنْ أطْعَمَ الْمَغْصُوبَ لِعَالِم بِالْغَصْبِ، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيهِ،

ــ

وكذلك نقَل عنه [محمدُ بنُ أبِي حَرْبٍ الجَرجَرائيُّ](1)، وقال: وهذا الصَّحيحُ، ولا يَثْبُتُ عن أحمدَ سِوَاه، ونَصَره بأدِلّةٍ. وتقدَّم التنبِيهُ على بعضِ ذلك، في أوَّلِ البابِ، عندَ غَرْسِ الغاصبِ وبِنائه، ولكِنَّ كلامَه هنا أعَمُّ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو بنَى فيما يَظنُّه مِلْكَه، جازَ نَقْضُه؛ لتَفْرِيطِه، ويَرْجِعُ على مَن غرَّه. ذكَرَه في «الانْتِصارِ» ، في الشَّفِيعِ، واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ» . الثَّانيةُ، لو أخَذ منه ما اشْتَراه بحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ، ردَّ بائعُه ما قبَضَه منه. على المذهب. قدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: إنْ سبَقَ المِلْكُ الشِّراءَ، وإلَّا فلا. ذكَرَه في «الرعايةِ» في الدَّعْوَى.

قوله: وإنْ أطْعَمَ المغْصُوبَ لعالِم بالغَصْبِ، استَقَرَّ الضَّمانُ عليه -يعنِي، على الآكِلِ. وهذا بلا نِزاع- وإنْ لم يَعْلَمْ، وقال له الغَاصِبُ: كُلْه، فإنَّه طَعامِي. اسْتَقَرَّ الضَّمانُ على الغاصِبِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «النَّظْمِ» ،

(1) في النسخ: «محمَّد بن حرب الجرجاني» . وتقدمت ترجمت في 9/ 295.

ص: 243

وإنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَال لَهُ الْغَاصِبُ كُلْهُ، فَإنَّهُ طَعَامِي. اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإنْ لَمْ يَقُلْ، فَفِي أيِّهِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيهِ الضَّمَانُ وَجْهَانِ.

ــ

و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروع» ، و «الخُلاصَةِ». وقيل: الضَّمانُ على الآكِلِ. وأطْلَقهما في «الرعايتَين» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . ويأتِي كلام القاضي، وأبِي الخَطَّابِ، وغيرِهما.

قوله: وإنْ لم يَقُلْ -يعْنِي، وإنْ لم يقُلْ: هو طَعامِي. بل قال له: كُلْ- ففي أيِّهما يَسْتَقِرُّ عليه الضَّمانُ، وَجْهان. أكثر الأصحاب يحْكُون الخِلافَ وَجْهَين، وحَكاهما في «المُغْنِي» رِوايتَين. وأطْلَقهما في «الشَّرْحِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغيرِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحارِثِي» ؛ أحدُهما، يَسْتَقِرُّ الضَّمانُ على الغاصِبِ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «النَّظْمِ» ، و «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الفُروعِ» . وهو ظاهرُ كلام الخِرَقِيِّ. والوَجْهُ الثَّاني، يَسْتَقِر على الآكِلِ. وقال القاضي، وأبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ، والسَّامَرِّيُّ في «المُسْتَوْعِب» ، وابن الجَوْزِيِّ في «المُذْهَب»: إنْ ضُمِّنَ الغاصِبُ، اسْتَقَرَّ الضَّمانُ عليه، وَجْهًا واحِدًا، وإنْ ضُمنَ الآكِلُ، ففي رُجوعِه على الغاصِبِ وَجْهان مَبْنِيَّان على رِوايَتَي المَغْصوبِ. لكِنَّ القاضيَ قال: ذلك فيما إذا قال: هو طَعامِي، فكُلْه. وغيرُه ذكَرَه في المَسْألتين.

ص: 244

وَإنْ أطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ ولَمْ يَعْلَمْ، لَمْ يَبْرأ. نَصَّ عَلَيهِ، في رَجُلٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ تَبِعَةٌ، فَأوْصَلهَا إِليهِ، عَلَى أنهَا صِلَةٌ، أَوْ

ــ

قوله: وإنْ أطْعَمَه لمالِكِه، ولم يَعْلَمْ، لم يَبْرَأ. نَصَّ عليه في رَجُل له عندَ رَجُل تَبِعَةٌ، فأوْصَلَها إليه على أنها صِلَة أو هَدِيَّة، ولم يَعْلَمْ: كيف هذا. قال المُصَنِّفُ: يَعْنِي، أنَّه لا يَبْرأُ. اعلمْ أنَّه إذا أطْعَمه لمالِكِه، فأكَلَه عالِمًا أنَّه طَعامُه، بَرِئ غاصِبُه. وكذا لو أكَلَه بلا إذْنِه. فإذ لم يَعْلَمْ، وقال له الغاصِبُ: كُلْه، فإنَّه طَعامِي. لم يبرَأ الغاصِبُ أَيضًا. وإنْ لم يقُلْ ذلك، بل قدَّمه إليه، وقال: كُلْه. فجزَم المُصَنِّفُ هنا، أنَّه لا يَبْرأ، وهو ظاهر النَّص المذْكُورِ. قال الحارِثِيُّ: نصَّ عليه مِن وُجُوه، وذكَرَها. وهو المذهبُ، جزَم به في «الوَجيزِ» ،

ص: 245

هَدِيَّةٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ: كَيفَ هَذَا؟ يَعْنِي أنَّهُ لا يَبْرأ.

ــ

و «الفائقِ» ، و «ناظِمِ المُفْرَداتِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الحارِثِيِّ» . وهو مِن مُفْرداتِ المذهبِ. قال المُصَنِّفُ، وتَبِعَه الشَّارِحُ: ويتَخَرَّجُ أنْ يَبرَأ؛ بِناءً على ما إذا أطْعَمَه لأجْنَبِيّ، فإنَّه يَسْتَقِرُّ الضَّمانُ على الأكِلِ في أحَدِ الوَجْهَين؛ تقدَّم. وذكَرَه ابنُ أبِي مُوسى تخْرِيجًا.

فائدتان؛ إحْداهما، لو أطْعَمَه لدابةِ المَغْصُوبِ منه، أو لعَبْدِه، لم يَبْرَأ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وجزَم به في «التَّلْخيصِ». قال في «الفائقِ»: ولو أطْعَمَه لدابَّتِه مع عِلْمِه، بَرِئ مِنَ الغَصْبِ، وإلا فلا. نص عليه. وقدَّمه في

ص: 246

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الرعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». قَال في الفُرُوعِ: لغَيرِ عالِم بغَصْبِه. قال جماعَة: أو لدابَّتِه، استَقَرَّ ضَمانُه عليه: وقال في «الرعايةِ الكُبْرى» : إنْ جَهِلَ مالِكُه، ففيه ثَلاثةُ أوْجُهٍ؛ الثَّالِثُ، لا يَبْرَأ، إنْ قال: هو لي. وإلَّا بَرِئ. انتهى. الثَّانيةُ، قال المصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لو وَهَبَ المَغصُوبَ لمالِكِه، أو أهْداه إليه، بَرِئ. على الصَّحيحِ؛ لأنَّه سلَّمه إليه تَسْلِيمًا تامًّا. وكذا إنْ باعَه أَيضًا، وسلَّمه إليه، أو أقْرَضَه إيَّاه. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. قال في «الفُروعِ»: وجزَم به جماعَةٌ. وصحَّحه في «الكافِي» وغيره. وقال في «القاعِدَةِ السَّادِسَةِ والسِّتِّين» : والمَشْهورُ في الهِبَةِ، أنَّه لا يَبْرَأ، نصَّ عليه أَحْمد، معَلِّلًا بأنه تحَمّل مِنَّته، ورُبما كافأه على ذلك، واختارَ القاضي في «خِلافِه» ، وصاحِبُ «المُغْنِي» ، أنَّه يَبْرأ (1)؛ لأنَّ المالِكَ تسَلَّمه تسَلُّمًا تامًّا، وعادَتْ سُلْطَتُه إليه. انتهى. وقدَّم في «الفُروعِ» ، أنَّ أخْذَه بهِبَةٍ، أو شِراءٍ، أو

(1) في الأصل، ط:«لا يبرأ» ، وانظر: المغني 7/ 419، والقواعد الفقهية 121، 122.

ص: 247

وإِن رَهَنَهُ عِنْدَ مَالِكِهِ، أوْ أوْدَعَهُ إيَّاهُ، أوْ أجَرَهُ، أو اسْتَأجَرَهُ عَلَى قِصَارَتِهِ وَخِيَاطَتِهِ، لَمْ يبرَأ إلَّا أنْ يَعْلَمَ.

ــ

صَدَقةٍ، أنَّه كإطعامِه لرَبِّه، على ما تقدَّم. وقال في «الرِّعايةِ الكبْرى»: إن أهْداه إليه، أو جعَلَه صَدَقَةً، لم يبرأ، على الأصح. قال الحارِثِي: والمَنْصوصُ عدَمُ البَراءَةِ. اخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى، والقاضِيان؛ أبو يَعْلَى، ويَعْقُوبُ بنُ إبْراهِيمَ.

انتهى.

قوله: وإنْ رهَنَه عندَ مالكه، أو أوْدَعَه إيَّاه، أو أجَره، أو اسْتَأجَرَه على قِصارَتِه وخِياطَتِه، لم يبرأ، إلَّا أنْ يَعْلَمَ. وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ». قال الحارِثِي: فالنَّصُّ قاضٍ بعَدَمِ البَراءَةِ. انتهى. وقدَّمه في «الكافِي» ، في غيرِ الرَّهْنِ. وقيل: يبرأ. قال في «الفُروعِ» : وقال جاعَة: يَبْرأ في وَدِيعَةٍ، ونحوها. قال الشَّارِحُ: وقال بعض أصحابِنا: يَبْرأ. [قلتُ: وَرأيتُه في نُسْخَةٍ قُرِئَتْ على المُصَنِّفِ. وقال أبو الخَطَّابِ: يَبْرأ](1).

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 248

وإنْ أعَارَهُ إيَّاهُ، بَرِئ، عَلِمَ أوْ لَمْ يَعْلَمْ.

ــ

فائدة: لو أباحَه مالِكُه للغاصبِ، فأكَلَه قبلَ عِلْمِه، ضَمِنَ. ذكَرَه في «الانْتِصارِ» ، فيما إذا حلَف: لا خرَجْتِ إلَّا بإذْنِي. قال في «الفرُوع» : ويتَوَجَّهُ الوَجْهُ. يعْنِي، بعَدَمِ الضَّمان. قال: والظَّاهِرُ أن مُرادَهم غير الطَّعامِ كهو في ذلك، ولا فَرْقَ. قال في «الفُنونِ» ، في مَسْألةِ الطعامِ: يَبْقَى الضَّمانُ؛ بدَليلِ ما لو قدَّم له شَوْكَه الذي غصَبَه منه، فسَجَرَه وهو لا يعْلَمُ. انتهى. وما ذكَرَه في «الانْتِصارِ» ذكَرَه القاضي يَعْقُوبُ في «تَعْلِيقِه» ، في المَكانِ المذْكُورِ، ولم يخُصَّه بالطعامِ، بل قال: كلُّ تصَرُّفٍ تَصَرَّفَ به الأجْنَبِيُّ في مالِ غيرِه، وقد أذِنَ فيه مالِكُه ولم يَعْلَمْ، فعليه الضَّمانُ. انتهى. ولم يَرْتَضِه بعضُ المُتَأخِّرين. قلتُ: قال في «القاعدَةِ الرَّابِعَةِ والسِّتِّين» : وما ذكره في «الانْتِصارِ» بعيدٌ جِدًّا، والصوابُ الجَزْمُ بعَدَمِ الضَّمانِ؛ لأنَّ الضَمانَ لا يَثْبُت بمُجَردِ الاعْتِقادِ فيما ليس بمَضْمُونٍ، كمَن وَطِئ أمْرأةً يظُنُّها أجْنَبِيَّةً، فَتبَينَّتْ زَوْجَتَه، فإنَّه لا مَهْرَ عليه، [ولا غيرَه](1)، وكما لو أكَل في الصَّوْمِ يظُنُّ أنَّ الشمس تَغرُبْ، فَتَبَيَّنَ أنها كانتْ غربَت، فإنه لا يَلْزَمُه القَضاءُ. انتهى. وهو الصوابُ.

قوله: وإنْ أعَارَه إيَّاه، بَرِئ؛ عَلم أو لم يَعْلَم. هذا المذهبُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنجَّى» ، و «الفُروعِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقيل: إذا لم يَعْلَمْ، لم يَبْرَأ. جزَم به في

(1) كذا في الأصول. وفي القواعد الفقهية: «ولا عبرة باستصحاب أصل الضمان مع زوال سببه» . انظر: القواعد الفقهية 119.

ص: 249

وَمَنِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأعْتَقَهُ، فَادَّعَى رَجُلٌ أنَّ الْبَائِعَ غصَبَهُ منه، فَصَدَّقَهُ أحَدُهُمَا، لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْآخَرِ. وإن

ــ

«التَّلْخيصِ» . قال الحارِثِيُّ: ومُقْتَضَى النَّص الضَّمانُ، وبه قال ابنُ عَقِيل، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» . انتهى. وقدَّمه في «الكافِي» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وقال: اخْتارَه الشَّيخُ. يعْنِي به المُصَنِّفَ. والظَّاهِرُ أنَّه أَرادَ ما قدَّمه في «الكافِي» ، ولم يُعاودِ (1)«المُغْنِي» ، و «المُقْنِعِ» ؛ فإنَّ المُصَنِّفَ جزَم بالبَراءَةِ فيهما. وأمَّا صاحِبُ «الفُروعِ» ، فإنَّه تابَعَ المُصَنِّفَ في «المُغْنِي» ، ولو أعادَ النَّظَرَ، لحكَى الخِلافَ، كما حَكاه غيرُه.

[فائدة: لو باعَه إيَّاه، أو أقْرضَه، فقَبَضَه جاهِلًا، لم يَبْرَأ، على المَنْصُوصَ. قاله الحارِثِيُّ. واخْتارَ المُصَنِّفُ، أنَّه يَبْرأ](2).

قوله: ومَنِ اشْتَرَى عَبْدًا فأعْتَقَه، فادَّعى رَجُل أنَّ البائعَ غصَبَه منه، فصَدَّقه أحَدُهما، لم يُقْبَلْ على الآخَرِ -بلا نِزاع- وإنْ صَدَّقاه مع العَبْدِ، لم يَبْطُلِ العِتْقُ،

(1) في ا: «يعارضه» .

(2)

سقط من: ط.

ص: 250

صَدَّقَاهُ مَعَ الْعَبْدِ، لَم يَبْطُلِ الْعِتْقُ، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَيَحْتَمِلُ أنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ إذا صَدَّقُوهُ كُلُّهُمْ.

ــ

ويَسْتَقِرُّ الضَّمانُ على المُشْتَرِي. وهو المذهبُ، وعليه أكثر الأصحابِ؛ منهم القاضي وغيرُه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهبِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافي» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحارثي» . وقال أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ، والمُصَنِّفُ، وجماعَةٌ: ويَحْتَمِلُ أنْ يبطُلَ العِتْقُ، إذا صَدَّقُوه كُلهم. يعْنِي، إذا اتَّفَقُوا عليه كُلهم، ويعُودُ العَبْدُ إلى المُدَّعِي.

ص: 251

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: الضمانُ هنا هو ثَمَنُه. قدَّمه في «الرعايةِ الكُبْرى» . وقيل: بل قِيمَتُه حينَ العَقْدِ. قال في «الرعايةِ الكُبْرى» : قلتُ: إنْ أجازَ البَيعَ، وقُلْنا: يصحُ بالإجازَةِ. فله الثمَنُ، وإنْ ردَّه، فله القِيمَةُ. فعلى المذهبِ، في أصْلِ المَسْألَةِ، لو ماتَ العَبْدُ، وخلَّفَ مالًا، فهو للمُدَّعِي إلَّا أنْ يُخَلِّفَ وارِثًا، فَيأخذَه، وليس له عليه وَلاء.

ص: 252

فَصْلٌ: وإنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ، إنْ كَانَ مَكِيلًا أوْ مَوْزُونًا.

ــ

قوله: وإنْ تَلِفَ المَغْصُوبُ، لَزِمَه مِثْلُه، إنْ كانَ مَكِيلًا، أوْ مَوْزُونًا. وكذا لو أتْلَفَه. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، سوءٌ تَماثلَتْ أجْزاؤه، أو تَفاوَتَتْ؛ كالأثْمانِ، والحُبوبِ، والأدْهَانِ، وغيرِ ذلك، وجزَم به في «العُمْدَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «التَّسْهيلِ» ، وغيرِهم. وقدُّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وحَكاه ابنُ عبدِ البَرِّ إجْماعًا في المَأكُولِ، والمَشْرُوبِ. وعنه، يَضْمَنُه بقِيمَتِه. قال الحارِثِيُّ: ذكَرَها القاضي أبو الحُسَينِ في كِتابِه «التمامِ» ، وأبو الحَسَنِ ابنُ

ص: 254

وَإنْ أعْوَزَ الْمِثْلُ، فَعَلَيهِ قِيمَةُ مِثْلِهِ يَوْمَ إعْوَازِهِ. وَقَال الْقَاضِي: يَضْمَنُهُ. بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ. وَعنه، تَلْزَمُهُ قيمَتُهُ يَوْمَ تَلَفِهِ.

ــ

بَكْروس في «رُءوسِ المَسائلِ» ، وذكَرَه القاضي أَيضًا. وذكَرَ أَيضًا أخْذَ القِيمَةِ في نُقْرَةٍ (1)، وسَبِيكَةٍ للأثْمانِ، وعِنَب، ورُطَب، وكُمَّثْرَى. قال المُصَنفُ، والشَّارِحُ: ويَحْتَمِلُ أنْ يضْمنَ النُقْرَةَ بقِيمَتِها.

تنبيه: مَحَل هذا إذا كان باقِيًا على أصْلِه، فأمَّا مُباح الصِّناعَةِ؛ كمَعمُولِ الحديدِ، والنُّحاس، والرَّصاصِ، والصوفِ ، والشعَرِ المَغْزولِ، ونحو ذاك، فإنَّه يُضْمَنُ بقِيمَتِه؛ لأنَّه خرَج عن أصْلِه. جزَمْ به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.

قوله: وإنْ أعْوزَ المِثْلُ، فعليه قِيمَةُ مثْلِه يَوْمَ إعْوازِه. هذا المذهبُ، وعليه

(1) النقرة: القطعة المذابة من الذهب والفضة.

ص: 255

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جماهير الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُحَررِ» ، و «ناظِمِ المُفْرَداتِ» ، و «المُنَوَّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» و «الكافي» و «المُغْنِي» و «الشرْحِ» ، و «التلْخيصِ» و «الفُروعِ» و «الفائقِ» وغيرِهم. وهو مِن مُفْرداتِ المذهبِ. وقال القاضي في «الخِصالِ»: يَضمَنُه بقِيمَتِه يومَ القَبضِ. يعْني يومَ قَبْضِ البَدَلِ. قال في «التلْخيصِ» : وذكَرَه ابنُ عَقِيل. قال الحارِثي: اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. وعنه، تَلْزَمُه قِيمَتُه يَوْمَ تَلَفِه. وقيل: أكثرُهما. يعْنِي أكثرُ القِيمَتَين؛ قِيمَتُه يَوْمَ البَدَلِ، وقِيمَتُه يومَ التَّلَفِ. وعنه، يَوْمَ المُحاكَمَةِ. وعنه؛ يَلْزَمُه قِيمَتُه يوم غَصْبِه. وقيل: يَلْزَمُه أكثر القِيمَتَين؛ قِيمَتُه يوم الإعْوازِ، وقِيمَتُه يومَ الغصْبِ. وهو تَخْرِيجٌ في «الهِدايَةِ» وغيرِها.

ص: 256

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد، إحْداها، إنْ قَدَرَ على المِثْل قبلَ أخْذِ القِيمَةِ، وَجَبَ ردُّ المِثْلِ. قاله الأصحابُ. وقال في «القاعِدَةِ السَّادِسَة عَشْرَةَ»: يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ كلامُهم على ما إذا قَدَرَ على المِثْلِ عندَ الإِتْلافِ، ثم عَدِمَه. أمَّا إنْ عَدِمَه ابْتِداءً، فلا يبْعُدُ أن يُخَرجَ في وُجوبِ أداءِ المِثْلِ خِلافٌ. انتهى. وإنْ كان بعدَ أخْذِها، أجْزَأتْ، ولا يَلْزَمُه ردُّها، وأخْذُ المِثْلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: لم يَرُدَّ القِيمَةَ في الأصح. قال في «التَّلْخيصِ» : لم يَرُدَّ القِيمَةَ على الأظْهَرِ. وجزَم به في «الفائقِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقيل: يرُدُّه، ويأخُذُ المِثْلَ. الثَّانيةُ، الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أن المِثْلِي هو المَكِيلُ والمَوزُونُ. قال الحارِثِي: المذهبُ أنَّه كالمَكيلِ والمَوْزونِ. كذلك نصَّ عليه، مِن رِوايَةِ إبْراهِيمَ بنِ هانِئ ، وحَرْبِ بنِ إسْماعِيلَ. وتقدَّم كلامُ القاضي، في السَّبِيكَةِ، ونحوها. وقال في «المُجَرَّدِ»: الحَطَبُ، والخَشَبُ،

ص: 257

وَإنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا، ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ في بَلَدِهِ مِنْ نَقْدِهِ.

ــ

والحديدُ، والنحاسُ، والرصاصُ، ليس مِثْلِيًّا؛ لأنَّه (1) يَخْتَلِفُ. قال الحارِثِي: وعُمومُ نصِّ أحمدَ على خِلافِه، وهو الصحيحُ. انتهى. وذكَر في «المُسْتَوْعِبِ» ، أنَّ كلَّ ما لا يُضْبَطُ بالضِّفَةِ؛ كالربَويَّاتِ، والأشْرِبَةِ، والغالِيَةِ (2)، غيرُ مِثْلِيٍّ؛ لاخْتِلافِه باخْتِلافِ المُرَكَباتِ والتَرْكيبِ. قال الحارِثِي: والصَّوابُ إدْراجُه في المَنْصُوصِ؛ لأنَّه مَوْزون. وقال الحارِثِي أَيضًا: ولَعَمْرِي، إنَّ اعتِبارَ المِثْلِيِّ بكلِّ ما يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ حسَن، والتَّشابُهُ في غيرِ المَكيلِ والمَوْزونِ مُمْكِن، فلا مانِعَ منه، وكذلك ما انْقَسَم بالأجْزاءِ بينَ الشَّرِيكَين مِن غيرِ تَقْويم، مُضافًا إلى هذا النَّوْعِ؛ لوُجودِ التماثُلِ، وانْتِفاءِ التَّخالُفِ. انتهى. الثَّالثةُ، الدَّراهِم المَغْشُوشَةُ الرائجَةُ مِثْلِيَّة؛ لتماثُلِها عُرْفًا ، ولأنَّ أخْلاطَها غيرُ مَقْصُودَةٍ. قاله الحارِثِي.

قوله: وإنْ لم يَكُنْ مِثْلِيًّا، ضَمِنَه بقِيمَتِه. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحاب. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. قال الحارِثِيُّ: هو قَوْلُ الأكْثَرِين. وقد نصَّ عليه في الأَمَةِ مِن رِوايَةِ صالح، وحَنْبَل، ومُوسى بنِ سَعِيدٍ، ومحمدِ بنِ يَحْيى

(1) في الأصل، ا:«لا» .

(2)

الغالية: أخلاط من الطِّيب كالمسك والعنبر.

ص: 258

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكَحَّالِ، وفي الدَّابَّةِ مِن رِوايَةِ مُهَنَّا، وفي الثِّيابِ مِن رِوايَةِ الكَحَّالِ أَيضًا، وابنِ مُشَيش، ومُهَنَّا. وعنه في الثَّوْبِ والعَصَا والقَصْعَةِ، ونحوها، يَضْمَنُها بالمِثْلِ، مُراعِيًا للقِيمَةِ. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِي الدِّين، وصاحِبُ «الفائقِ». قال في رِوايَةِ مُوسى بنِ سعيدٍ: المِثْلُ في العَصا، والقَصْعَةِ إذا كُسِرَ، وفي الثوْبِ، وصاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّر؛ إنْ شاءَ شقَّ الثَّوْبَ، وإنْ شاءَ مِثْلَه. قال المُصَنِّفُ:

ص: 259

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَعْناه، والله أعلمُ؛ إنْ شاءَ أخَذ أرْش الشَّق. قال الحارِثِيُّ: وفيه نظَر؛ فقد قال في رِوايَةِ الشَّالنْجِي: يَلْزَمُه المِثْلُ في العَصا، والقَصْعَةِ، والثَّوْبِ. قلتُ: فلو كان الشَّقُّ قليلًا؟ قال: صاحِبُ الثَّوْبِ بالخِيارِ؛ قليلًا كان أو كثيرًا، وذكَر ذلك في «الفائقِ» وغيرِه. وقال في «الفُروعِ» وعنه، يضْمَنُه بمِثْلِه. [ذكَرَها ابنُ أبِي مُوسى، واخْتارَها شيخُنا. قال في «الاخْتِياراتِ»: وهو المذهبُ عندَ ابنِ أبِي مُوسى. قال الحارِثِيُّ: هو المذهبُ عندَ ابنِ أبِي مُوسى، واخْتارَه، وذكَر لَفْظَه في «الإرْشادِ». قال الحارِثيُّ: وهو الحقُّ. وعنه، يَضْمَنُه بمِثْلِه](1). وعنه،

(1) سقط من: الأصل.

ص: 260

وَيَتَخَرَّجُ أنْ يَضْمَنَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصَبَهُ.

ــ

يضمَنُه (1) في غيرِ الحَيوانِ بمِثْلِه. ذَكره جماعة. وذكَر في «الواضِح» ، و «المُوجَزِ» ، أنَّه ينْقُصُ عنه عَشَرةُ دَراهِمَ. وذكَر في «الانْتِصارِ» ، و «المُفْرَداتِ» ، لو حكَم حاكِمٌ بغيرِ المِثْلِ في المِثْلِيِّ، وبغيرِ القِيمَةِ في المُتقَوَّمِ، لم ينْفُذْ حُكْمُه، ولم يَلْزَمْه قبُولُه. ونقلَ ابنُ مَنْصُورٍ، في مَن كسَر خَلْخَالًا، أنَّه يُصْلِحُه.

قوله: ضَمِنَه بقِيمَتِه يَوْمَ تَلَفِه في بَلَدِه مِن نَقْدِه. وهذا المذهبُ. نقلَه الجماعَةُ عن أحمدَ. قال الحارِثِيُّ: وهو الصَّحيح والمَشْهورُ. وقال الزَّرْكَشِيُّ: هذا

(1) في الأصل، ط:«يجوز» . انظر: الفروع 4/ 507.

ص: 261

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَشْهورُ والمُخْتارُ عندَ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «نَظْم المُفْرَداتِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، وغيرِهم. ويتَخَرَّجُ أنْ يَضمَنَه بقِيمَتِه يومَ غَصْبِه. وهو رِوايَة عن أحمدَ. قال الحارِثِي: أوْرَدَ المُصَنِّف، وأبو الخَطَابِ هذا التَّخْريجَ مِن قَوْلِ أحمدَ، في حَوائجِ البَقَّالِ؛ يُعْطِيه على سِعْرِ يومِ أخَذَ. وفرَّقَ بينَهما بأنَّ الحَوائجَ يَمْلِكُها الآخِذُ بأخْذِها، بخِلافِ المَغْصُوبِ. انتهى. وعنه، أكثَرِهما، يعْنِي أكثَرَ القِيمَتَينِ؛ قيمَتُه يَوْمَ تَلَفِه، ويَوْمَ غَصبِه. قال الحارِثِيُّ: ومِنَ الأصحابِ مَن حكَى رِوايَةً بوجوبِ أقْصَى القِيَمِ؛ مِن يَوْم الغَصْبِ إلى يوم التَّلَفِ. ونُسِبَ إلى الخِرَقِيِّ مِن قَوْلِه: ولو غصَبَها حامِلًا، فوَلَدَتْ في يَدِه، ثم ماتَ الوَلَدُ، أَخَذَها سيِّدُها، وقِيمَةَ وَلَدِها أكْثَرَ ما كانتْ قِيمَتُه. وهو اخْتِيار السَّامَرِّي. قال القاضي في «الروايتَين»: وما وَجَدْتُ رِوايَةً

ص: 262

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بما قال الخِرَقِي، وهو عندِي غيرُ مُنافٍ للأوَّلِ؛ فإنَّ قِيمَةَ الوَلَدِ بعدَ الولادَةِ تتَزايَدُ بتَزايُدِ تَرْبيَته؛ فيَكونُ يومَ مَوْتِه أكثر ما كانتْ، وعلى هذا يتَعَيَّنُ حَمْلُ ما قال؛ لأنَّه المَعْروفُ مِن نصِّ أحمدَ، وما عَداه مِن ذلك لا يُعْرَفُ مِن نصه. انتهى.

فائدة: حُكْم المَقْبُوضِ بعَقْدٍ فاسِدٍ، وما جَرَى مَجْراه، حُكْم المَغْصُوبِ في اعْتِبارِ الضَّمانِ بيَوْمِ التَلَفِ، وكذا المتْلَفُ بلا غَصْبٍ، بغيرِ خِلافٍ. قاله الحارِثِي. وتقدَّمَتِ الإحالةُ على هذا المكانِ في آواخِر خِيارِ البَيعِ. وقولُه: في بَلَدِه. هو الصَّحِيحُ مِنَ المذهبِ. أي في بَلَدِ غَصْبِه. جزَم به في

ص: 263

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وعنه، تُعْتَبر القِيمَةُ مِن نَقْدِ البَلَدِ الذي تَلِفَ فيه؛ لأنَّه مَوْضِعُ ضَمانِه. جزَم به في «الكافِيِ». قال الحارِثِيُّ عنِ القَوْلِ الأوَّلِ: كذا قال أبو الخَطَّابِ، ومَن تابعَه. وعلَّلَ بأنَّه مَحَل الضّمانِ، فاخْتَصَّ به دُونَ غيرِه. قال: وفي هذا نَظر؛ فإنَّه إنَّما يتَمَشَّى على اعْتِبارِ الضَّمانِ بيَوْمِ الغَصْبِ؛ لأنَّه إذَنْ مَحِل الضَّمانِ، أمَّا على اعْتِبارِه بيَوْمِ التَّلَفِ، كما هو الصَّحيحُ، فالاعْتِبارُ إذَنْ إنَما هو بمَحِلِّ التَّلفِ؛ لأنَّه مَحِلُّ الضَّمانِ، حيثُ وُجِدَ

ص: 264

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سبَبُه فيه، فوَجَبَ الاعْتِبارُ به. وقد أشارَ صاحِبُ «التَلْخيصِ» إلى ما قُلْنا؛ فإنَّه قال: لو غُصِبَ في بَلَدٍ، وتَلِفَ في بَلَدٍ آخَرَ، ولَقِيَه في ثالثٍ، كان له المُطالبَةُ بقِيمَةِ أيِّ البَلَدَين شاءَ؛ مِن بَلَدِ الغَصبِ والتَّلَفِ، إلا أنْ نقولَ: الاعْتِبارُ بيَوْمِ القَبْضٍ. فيُطالبَ بالقِيمَةِ في بَلَدِ الغَصبِ. انتهى. قلت: قد صرَّح في «التَّلْخيصِ» ، بأنه تُعْتَبر القِيمَةُ في بَلَدِ الغَصبِ، في هذا المَحَل في «كِتابِه» ، فقال: وتُعْتَبر القِيمَةُ في بَلَدِ الغَصْبِ. وعلى كِلا القَوْلَين؛ إنْ كان في البَلَدِ، نَقْدٌ، أخَذ منه، وإنْ كان فيه نُقود، أخَذ مِن غالِبِها. صرح به الأصحابُ، إلَّا أن يكونَ من جِنْس المَغْصُوبِ؛ مِثْلَ المَصُوغِ، ونحوه، على ما يَأتِي.

فوائد؛ الأولَى، لو نُسِجَ غَزْلًا، أو عُجِنَ دَقيقًا، فقيل: حُكْمُه كذلك. جزَم به في «الفائقِ» . وقيل: حُكْمُه كذلك، أو القِيمَةُ. قال في «التَّلْخيص»: وهو أوْلَى عنْدِي. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . الثانيةُ، لا قِصاصَ في المال؛ مثل

ص: 265

فَإِنْ كَانَ مَصُوغًا أَوْ تِبْرًا تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ، قَوَّمَهُ بِغَيرِ جِنْسِهِ.

ــ

شَقِّ ثَوْبِه، ونحوه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. ونقَل إسْماعِيلُ، ومُوسى بنُ سَعِيدٍ، والشَّالنْجِيُّ، وغيرُهم، أنَّه مُخَيَّر في ذلك. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، وابن أبِي مُوسي، وتقدم النَّقْل في ذلك قريبًا، في قَوْلِه: وإنْ لم يَكُنْ مِثْلِيًّا. ويأتِي: هل يقْتَصُّ مِنَ اللطْمَةِ، ونحوها؟ في بابِ ما يُوجِبُ القِصاصَ. الثالثةُ، لو غصَبَ جماعَة مُشاعًا، فرَدَّ واحِدٌ منهم سَهْمَ واحِدٍ إليه، لم يَجُزْ له؛ حتَّى يُعْطِيَ شُرَكاءَه. نصَّ عليه. وكذا لو صالحُوه عنه بمالٍ. نقَلَه حَرْبٌ. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنَّه بَيعُ المُشاعِ. الرَّابعةُ، لو زكَّاه رَبُّه، رجَع بها. قدَّمه في «الفُروعِ». وقال: وظاهرُ كلامِ أبِي المَعالِي، لا يَرْجِعُ. قال في «الفُروعِ»: وهو أظْهَرُ. واخْتارَ صاحِبُ «الرِّعايةِ» ، أنَّه كمَنْفَعَةٍ.

قوله: فإنْ كانَ مَصُوغًا أو تِبْرًا تُخالِفُ قِيمَتُه وَزْنَه، قَوَّمَه بغيرِ جِنْسِه. هذا المذهبُ. قال في «الرِّعايتَين» ، و «النَّظْمِ»: قوَّمَه بغيرِ جِنْسِه، في الأصحِّ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وقال: قاله الشَّيخُ وغيرُه. قال الحارِثِيُّ: هذا المَشْهورُ. وقال القاضي: يجُوزُ تَقْويمُه بجِنْسِه. واخْتارَه في «الفائقِ» . قال الحارِثِي: وهو قوْلُ القاضي، وابنِ

ص: 266

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَقِيلٍ. قال: وهو الأظْهَرُ. وقال الحارِثِي: إذا اسْتَهْلَكَ ذهَبًا أو فِضَّةً، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكُونا مَضْرُوبَين، أوْ لا، فإنْ كانا مَضْرُوبَين، فمِثْلِيَّان، وإنْ كانا غيرَ مَضْرُوبَين، فلا يَخْلُو؛ إما أنْ يكُونا مَصُوغَين، أوْ لا، فإنْ لم يكُونا مَصُوغَين، فإنْ قيلَ بمِثْلِيّتِه، كما هو الصَوابُ، فيُضْمَنا بالمِثْلِ. وإنْ قيلَ بتَقْويمِه، وهو الوارِدُ في الكتابِ، فإنْ كانَ مِن جِنْسِ نَقْدِ البَلَدِ، واسْتَوَيا زِنَةً وقِيمَةً، فمَضْمُونٌ بالزِّنَةِ مِن نَقْدِ البلَدِ. وإنِ اخْتلَفا، وهي مَسْألةُ الكِتابِ، فمَضمُونٌ بغيرِ الجِنْسِ. وذكَرَه القاضي أَيضًا، وابنُ عَقِيل، وغيرُهما. وإنْ كان

ص: 267

فَإِنْ كَانَ مُحَلّى بِالنَّقْدَينِ مَعًا، قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَأعْطَاهُ بِقِيمَتِهِ عَرْضًا.

ــ

مُغايِرًا لجِنْسِ نَقْدِ البَلَدِ، بأنْ كان المُتْلَفُ ذَهَبًا، ونَقْد البَلَدِ دَراهِمَ، أو بالعَكْسِ، ضُمِنَ بغالبِ نَقْدِ البَلَدِ. وإنْ كانا مَصُوغَينِ؛ فإنْ قيلَ بالمِثْلِيَّةِ في مِثْلِه، كما تقدَّم، وجَب المِثْلُ زِنَةً وصُورَةً. وإنْ قيلَ بالتَّقْويمِ، كما هو المَشْهورُ، فإنِ اتَّحَدا قِيمَةً ووَزْنًا لسُوءِ الصناعَةِ، ضُمِنَ بزِنَتِه مِن نَقْدِ البَلَدِ كيف كان، وإنِ اخْتلَفا، وَجَبَتِ القِيمَةُ مِن غيرِ الجِنْسِ. وقال القاضي، وابنُ عَقِيل: يجوزُ أداءُ القِيمَةِ مِنَ الجِنْسِ. وهو الأظْهَرُ. انتهى.

تنبيه: مَحَلُّ هذا إذا كان مُباحَ الصناعَةِ، فأما مُحَرَّم الصناعَةِ؛ كالأوانِي وحَلْي الرِّجالِ المُحَرَّمِ، فإنَه لم يَجُزْ ضَمانُه بأكثْر مِن وَزْنِه، وَجْهًا واحِدًا. قاله المُصَنِّفُ، والشارِحُ، والحارِثِي، وغيرُهم. وعنه، يُضْمَنُ بقِيمَتِه. ذكَرَها في «الرِّعايتَين» ، وزادَ في «الكُبْرَى» ، فقال: وقيلَ: إنْ جازَ اتِّخاذُه، ضُمِنَ كالمُباحَ، وإلَّا فلا.

قوله: فإن كانَ مُحَلّى بالنقْدَين مَعًا، قَوَّمَه بما شاءَ منهما، وأعْطاه بقِيمَتِه عَرْضًا. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» ،

ص: 268

وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَغْصُوب، فَنَقَصَتْ قِيمَةُ بَاقِيهِ؛ كَزَوْجَيْ خُفٍّ تَلِفَ أَحَدُهُمَا، فَعَلَيهِ رَدُّ الْبَاقِي وَقِيمَةُ التَّالِفِ وَأَرْشُ النَّقْصِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ.

ــ

و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال الحارِثِيُّ: فالواجِبُ القِيمَةُ مِن غيرِ الجِنْسِ، وهو العَرْضُ مُقَوَّمًا بأيِّهما شاءَ. وعلَّلَه، وقال: هذا على أصلِ المُصَنِّفِ ومُوافَقَتِه في المسْأَلةِ الأُولَى. أمَّا على أصلِ القاضي ومَن وافَقَه، فجائزٌ تَضْمِينُه بالجِنْسِ، على ما مَرَّ. انتهى.

قوله: وإنْ تَلِفَ بعضُ المَغْصُوبِ، فنَقَصَتْ قِيمَةُ باقِيه، كزَوْجَيْ خُفٍّ تَلِفَ

ص: 269

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحَدُهما، فعليه رَدُّ الباقِي، وقِيمَةُ التَّالِفِ، وأَرْشُ النَّقْصِ. [هذا المذهبُ بلا رَيبٍ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. ونصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وصحَّحه في «النَّظْمِ» وغيرِه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. قال الحارِثِيُّ: هذا المذهبُ. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» وغيرِها. وقيل: لا يَلْزَمُه أَرْشُ النَّقْصِ](1). قال الحارِثِيُّ: وهذا الوَجْهُ لا أصْلَ له، ولوَهائِه أعْرَضَ عنه غيرُ واحدٍ مِنَ الأصحابِ، مع الاطَّلاعِ على إيرادِ أبِي الخَطَّابِ له. وأطْلَقهما في

(1) سقط من: الأصل.

ص: 270

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ» .

ص: 271

وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا، فَأَبَقَ، أَوْ فَرَسًا فَشَرَدَ، أَوْ شَيئًا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مَعَ بَقَائِهِ، ضَمِنَ قِيمَتَهُ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيهِ بَعْدُ، رَدَّهُ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ.

ــ

قوله: وإنْ غَصَبَ عَبْدًا فأبَقَ، أو فَرَسًا فشَرَدَ، أو شَيئًا تَعَذَّرَ رَدُّه مع بَقائِه، ضَمِنَ قِيمَتَه، فإنْ قدَر عليه بعدُ، رَدَّه، وأخَذَ القِيمَةَ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقالوا: يرُدُّ القِيمَةَ للغاصِب بعَييها، إنْ كانتْ باقِيَةً، ويرُدُّ زَوائِدَها المُتَّصِلَةَ؛ مِن سِمَنٍ، ونحوه، ولا يَرُدُّ المُنْفَصِلَةَ. بلا نِزاعٍ. وإنْ كانتْ تالِفَةً، فمِثْلُها، إنْ كانتْ مِثْلِيَّةً، أو قِيمَتُها، إنْ كانت مُتَقَوَّمَةً. وهل للغاصِبِ حَبْسُ العَينِ لاسْتِرْدادِ القِيمَةِ؟ قال في «التَّلْخيصِ»: يَحْتَمِلُ وَجْهَين. قال: وكذلك إذا اشْتَرَى شِراءً فاسِدًا، هل يَحْبِسُ المُشْتَرِي المَبِيعَ على ردِّ الثَّمَنِ؟ والصَّحِيحُ أنَّه لا يَحْبِسُ، بل يَدْفَعان إلى عَدْلٍ، ليُسْلِمَ إلى كلِّ واحدٍ ماله. انتهى. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ» .

ص: 273

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: إذا أخَذَ المالِكُ القِيمَةَ مِنَ الغاصِبِ، مَلَكَها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قاله المُصَنِّفُ وغيرُه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرهِ. قال الحارِثِيُّ: قاله أصحابُنا. وقال في «عُيونِ المَسائلِ» وغيرِها: لا يَمْلِكُها، وإنَّما حصَل بها الانْتِفاعُ في مُقابلَةِ ما فوَّتَه الغاصِبُ، فما اجتَمعَ البَدَلُ والمُبْدَلُ منه. نقَلَه عنه في «الفُروعِ». وقال الزَّرْكَشِيُّ: وقال القاضي في «التَّعْليقِ» : لا يَمْلِكُها، وإنَّما يُباحُ له الانْتِفاعُ بها بإزاءِ ما فاتَه مِن مَنافِعِ العَينِ المَغْصُوبَةِ. قال القاضي يَعْقُوبُ في «تَعْليقِه»: لا يَمْلِكُها، وإنَّما جُعِلَ الانْتِفاعُ بها عِوَضًا (1) عمَّا فوَّته الغاصِبُ. قال الحارِثِيُّ: يجبُ اعْتِبارُ القِيمَةِ بيَوْمِ التَّعَذُّر. قال في «التَّلْخيصِ» : ولا يُجْبَرُ

(1) في ط: «عوضًا عليه» .

ص: 274

وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ، فَعَلَيهِ قِيمَتُهُ. فَإِنِ انْقَلَبَ خَلًّا، رَدَّهُ، وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَصِيرِ.

ــ

المالِكُ على أخْذِها، ولا يصِحُّ الإِبراءُ منها، ولا يتَعلَّقُ الحقُّ بالبَدَلِ، فلا ينْتَقِلُ إلى الذِّمَّةِ، وإنَّما ثبَتَ جَوازُ الأخْذِ دَفْعًا للضَّرَرِ، فتوَقَّفَ على خِيَرَتِه.

فائدة: لا يَمْلِكُ الغاصِبُ العَينَ المَغْصُوبَةَ بدَفْعِ القِيمَةِ؛ فلا يَمْلِكُ أكسابَه، ولا يَعْتِقُ عليه لو كان قَرِيبَه، ويَسْتَحِقَه المالِكُ بنَمائِه المُتَّصِلِ والمُنْفَصِلِ. وكذلك أُجْرَةُ مِثْلِه إلى حينِ دَفْعِ البدَلِ، على ما يأْتِي.

قوله: وإِنْ غصَب عَصِيرًا فتَخَمَّرَ، فعليه قِيمَتُه. رأَيتُ في نُسْخَةٍ مَقْروءَةٍ على المُصَنِّف، وعليها خطُّه: فعليه قِيمَتُه. وهو أحدُ الوَجْهَين. جزَم به في

ص: 275

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَب» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». قال الحارِثِيُّ: وليس بالجَيِّدِ. قلتُ: وهو بعيدٌ جِدًّا؛ لأنَّ له مِثْلًا. والوَجْهُ الثَّاني، يَلْزَمُه مِثْلُه. ورأَيتُ في نُسَخٍ: فعليه مِثْلُه. وعليها شَرَحَ الشَّارِحُ، والحارِثِيُّ، وابنُ مُنَجَّى، وهو المذهبُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «التَّلْخيصِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «شَرْء الحارِثِيِّ» ، و «الفائقِ» . وأطْلَقهما في «الفُروعِ» .

قوله: وإِنِ انْقَلَبَ خَلًّا، رَدَّه، وما نقَص مِن قِيمَةِ العَصِيرِ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحاب. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ،

ص: 276

فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَغْصُوب أُجْرَةٌ، فَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ في يَدِهِ. وَعَنْهُ، التَّوَقُّفُ عَنْ ذَلِكَ. وَقَال أَبُو بَكْرٍ:

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ». وقال في «عُيونِ المَسائلِ»: لا يَلْزَمُه قِيمَةُ العَصِيرِ؛ لأنَّ الخَلَّ عينُه، كحَمَلٍ صارَ كَبْشًا. وقال الحارِثِيُّ: وللشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ، يَمْلِكُه الغاصِبُ. وهو الأقْوَى. ونصَرَه بأدِلَّةٍ كثيرةٍ.

فائدة: لو غلَّى العَصِيرَ، فنقَصَ، غَرِمَ أرْشَ نَقْصِه، وكذا يَغْرَمُ نقْصَه. علِى المذهبِ، وقاله الأصحابُ. قال في «الفُروعِ»: وَيحْتَمِلُ أنَّه لا يَلْزَمُه؛ لأنَّه ماءٌ.

قوله: وإنْ كانَ للمَغْصُوبِ أُجْرَةٌ، فعلى الغاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِه مُدَّةَ مُقَامِه في يَدِه.

ص: 277

هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ.

ــ

يَعْنِي، إذا كانتْ تصِحُّ إجارَتُه (1) هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه في قَضايا كثيرةٍ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارثِيِّ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه التَّوَقُّفُ عن ذلك. قال أبو بَكْرٍ: هذَا قَوْلٌ قديمٌ رجَع عنه؛ لأنَّ الرَّاويَ لها عنه محمدُ بنُ الحَكَمِ، وقد ماتَ قبلَ الإِمامِ أحمدَ بعِشْرين سَنةً. قلتُ: مَوْتُه قبلَ الإِمامِ أحمدَ لا يدُلُّ على رُجوعِه، بل لا بُدَّ مِن دَليل يدُلُّ على رُجوعِه غيرِ ذلك. ثم وَجَدْتُ الحارِثِيَّ قال قرِيبًا مِن ذلك، فقال: الاسْتِدْلالُ على الرُّجوعِ بتَقَدُّمِ وَفاةِ محمدِ بنِ الحَكَمِ لا يصِحُّ، فإنَّ مَن تأَخَّرَتْ وَفاتُه مِنَ الجائزِ أنْ يكونَ منهم مَن سمِعَ قبلَ سَماعِ محمدِ بنِ الحَكَمِ، لا سِيَّما أبو طالِبٍ، فإنَّه

(1) في ط: «أجرته» .

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قديمُ الصُّحْبَةِ لأحمدَ. قال: وأحْسَنُ منه التَّأَنُّسُ بما رُوِيَ أنَّ ابنَ مَنْصورٍ بلَغَه أنَّ أحمدَ رجَع عن بعضِ المَسائلِ التي علَّقَها، فجمَعَها في جِرابٍ وحمَلَها على ظَهْرِه، وخرَج إلى بَغْدادَ، وعرَضَ خُطُوطَ أحمدَ عليه في كلِّ مسْأَلَةٍ، فأَقَرَّ له بها ثانيًا. فالظَّاهِرُ أنَّ ذلك كان بعدَ مَوْتِ ابنِ الحَكَمِ، وقبلَ وَفاةِ أحمدَ بيَسِيرٍ، وابنُ مَنْصورٍ ممَّن روَى الضَّمانَ، فيَكُونُ مُتَأخِّرًا عن رِوايَةِ ابنِ الحَكَمِ. انتهى. وتقدَّم نَظيرُ ذلك في البابِ عندَ قوْلِه: وإنْ غصَبَ ثَوْبًا فقَصَرَه، أو غَزْلًا فنَسَجَه. قال في «الفُروعِ» هنا: ونقَل ابنُ الحَكَمِ، لا أُجْرَةَ مُطْلَقًا، يعْنِي، سواءٌ انْتَفَع

ص: 279

وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ، فَعَلَيهِ أُجْرَتُهُ إلَى وَقْتِ تَلَفِهِ. وَإِنْ غَصَبَ شَيئًا فَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ، فَأَدَّى قِيمَتَهُ، فَعَلَيهِ أُجْرَتُهُ إلى وَقْتِ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَفِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ.

ــ

به أوْ لا. وظاهرُ «المُبْهِجِ» التَّفْرِقَةُ. يعْنِي، إنِ انْتفَعَ به، فعليه الأُجْرَةُ، وإلَّا فلا. واخْتارَه بعضُ الأصحابِ. وجعَلَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ ظاهِرَ ما نُقِلَ عنه. وقد نقَلَ ابنُ مَنْصُورٍ، إنْ زرَع بلا إذْنٍ، فعليه أُجْرَةُ الأرْضِ بقَدْرِ ما اسْتعْمَلَها إلى ردِّه، أو إتْلافِه، أو رَدِّ قِيمَتِه.

فائدتان؛ إحْداهما، لو كانَ العَبْدُ ذا صنائِعَ، لَزِمَه أُجْرَةُ أعْلاها فقط. الثَّانيةُ، مَنافِعُ المَقْبوضِ بعَقْدٍ فاسدٍ، كَمنافعِ المَغْصُوبِ؛ تُضْمَنُ بالفَواتِ والتَّفْويتِ.

تنبيه: قال الحارِثِيُّ: «أبو بَكْرٍ» المُبْهَمُ في الكِتابِ هو الخَلَّالُ. وإطْلَاقُ «أبِي بَكْرٍ» في عُرْفِ الأصحابِ إنَّما هو أبو بَكْرٍ عَبْدُ العزيزِ، لا الخَلَّالُ، وإنْ كانَ يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مِن كلامِ أبِي بَكْرٍ عَبْدِ العزِيزِ، كما قال، فإنَّه أدْخَلَ في «جامعِ الخَلَّالِ» شيئًا مِن كلامِه، فرُبَّما اشْتَبَه بكَلامِ الخَلَّالِ، إلَّا أنَّ القاضيَ، وابنَ عَقِيلٍ، وغيرَهما مِن أهْلِ المذهبِ، إنَّما حَكَوه عنِ الخَلَّالِ. انتهى.

قوله: وإنْ غَصَبَ شَيئًا، فعَجَز عن رَدِّه فأَدَّى قِيمَتَه، فعليه أُجُرَتُه إلى وَقْتِ أَداءِ

ص: 280

فصْلٌ: وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ؛ كَالْحَجِّ، وَسَائِرِ

ــ

القِيمَةِ، وفيما بعدَه وَجْهان. إنْ كانَ قبلَ أداءِ القِيمَةِ، فحُكْمُه حُكْمُ المَسْألةِ التي قبلَها، خِلافًا ومذهبًا. وإنْ كانَ بعدَ أدائِها، فأطْلَقَ في وُجوبِها الوَجْهَين، وأطْلَقهما في «التَّلْخيص» ، وقال: ذكَرَهما القاضي، وابنُ عَقِيلٍ؛ أحدُهما، لا يَلْزَمُه. وهو الصّحيحُ مِنَ المذهبِ. صحَّحه في «المُسْتَوْعِبِ» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التَّصْحيحِ» ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. والوَجْهُ الثَّاني، يلْزَمُه؛ لأنَّ العَينَ باقيةٌ على مِلْكِ المغْصُوبِ منه والمَنْفَعَةَ. فعلى هذا الوَجْهِ، تَلْزَمُه الأُجْرَةُ إلى ردِّه مع بَقائِه.

فائدة: قال في «الفُروعِ» : وظاهرُ كَلامِ الأصحابِ، أنَّه يضْمَنُ رائحةَ المِسْكِ ونحوَه، خِلافًا «للانْتِصارِ» ، لا نقْدًا لتِجارَةٍ. قلتُ: الذي يَنْبَغِي أنْ يُقْطَعَ بالضَّمانِ في ذَهابِ رائحةِ المِسْكِ، ونحوه.

قوله: وتَصرُّفَاتُ الغَاصِبِ الحُكْمِيَّةُ؛ كالحَجِّ وسائِرِ العِباداتِ، والعُقُودِ؛ كالبَيعِ والنِّكاحِ، ونحوها باطِلَةٌ في إحْدَى الروَايتَين. وهي المذهبُ. قال

ص: 281

الْعِبَادَاتِ، وَالْعُقُودِ؛ كَالْبَيعِ، وَالنِّكَاحِ، وَنَحْوهَا، بَاطِلَةٌ في إِحْدَى الرِّوَايَتَينِ، وَالْأُخْرَى صَحِيحَة.

ــ

الشَّارِحُ: هذا أظْهَرُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المذهبُ. وصَحَّحه في «التَّصْحيحِ» وغيرِه. قال في «التَّلْخيصِ» ، في بابِ البَيعِ: وإنْ كثُرَتْ تَصرُّفاتُه في أعْيانِ المَغْصُوباتِ، يُحْكَمُ ببُطْلانِ الكُلِّ، على الأصحِّ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكْثَرُ. ذكَرَه في كتابِ البَيعِ، في الشَّرْطِ السَّابعِ. والأُخْرى، صحيحةٌ. وعنه، تصِحُّ

ص: 282

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَوْقُوفَةً على الإِجازَةِ. وأطْلَقهُنَّ في «الفائقِ» ، وقال: وقيل: الصِّحَّةُ مُقَيَّدَةٌ بما لم يُبْطِلْه المالِكُ مِنَ العُقودِ. انتهى. قلتُ: قال الشَّارِحُ: وقد ذكَر شيخُنا في الكتابِ المَشْروحِ رِوايةً، أنَّها صحيحةٌ. وذكَرَها أبو الخَطَّابِ، قال: وهذا يَنْبَغِي أن يَتَقيَّدَ في العُقودِ بما إذا لم يُبْطِلْه المالِكُ. فأمَّا إنِ اخْتارَ المالِكُ إبْطاله، فأَخَذَ المَعْقُودَ عليه، فلا نعْلَمُ فيه خِلافًا. وأمَّا ما لم يُدْرِكْه المالِكُ، فوَجْهُ التَّصْحيحِ فيه، أن الغاصِبَ تَطُولُ مُدَّتُه وتكْثُرُ تصَرُّفاتُه، ففي القَضاءِ ببُطْلانِها ضرَرٌ كثيرٌ، ورُبَّما عادَ الضَّرَرُ على المالِكِ. انتهى. وقال ما قاله الشَّارِحُ، والقاضي في «خِلافِه» ، وابنُ عَقِيلٍ. نقَلَه عنهما في «الفائِدَةِ العِشْرِين» ، والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، وأطْلَقَ الرِّوايَةَ مرَّةً كما هنا، ومرَّة قال: يَنْبَغِي أنْ يُقَيِّدَ، كما قال الشَّارِحُ. وقال: وهو أشْبَهُ مِنَ الإِطْلاقِ. قال الحارِثِيُّ: وهذه الرِّوايةُ لم أرَ مَن تقدَّم المُصَنِّفَ وأبا الخطَّابِ في إيرادِها. وقال أيضًا: وأمَّا الصِّحَّةُ على الإِطْلاقِ، فلا أعْلَمُ به أيضًا، سِوَى نَصِّه على مِلْكِ المالِكِ، كرِبْحِ المالِ المَغْصُوبِ، كما سنُورِدُه في مسْألَةِ الرِّبْحِ. وقال عن كلامِ المُصَنِّفِ في تَقْيِيدِ الرِّوايةِ: أمَّا طُولُ مُدَّةِ الغَصْبِ، وكَثْرةُ تصرُّفاتِ الغاصِبِ، فلا يَطَّرِدُ، بل كثيرٌ مِنَ المَغْصُوبِ لا يُتَصَرَّفُ فيه بَعقْدٍ أصْلًا، وبتَقْديرِ الاطِّرادِ غالِبًا.

تنبيهان؛ أحدُهما، بنَى المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، وجماعةٌ، تصَرُّفَ الغاصِبِ، على تَصُّرفِ الفُضُولِيِّ، فأثْبَتَ فيه ما في تَصرُّفِ الفُضُولِيِّ، مِن رِوايةِ الانْعِقادِ مَوْقُوفًا على إجازَة المالِكِ. قال الحارِثِيُّ: ومِن مُتَأَخِّرِي الأصحابِ مَن جعَل هذه التَّصَرُّفاتِ مِن نَفْسِ تصَرُّفاتِ الفُضُولِيِّ. قال: وليس بشيءٍ. ثم قال: ولا يصِحُّ إلحْاقُه بالفُضُولِيِّ. وفرَّق بينَهما بفُروقٍ جيِّدَةٍ. الثَّاني، هذا الخِلافُ المَحْكِيُّ في أصْلِ المَسْأَلةِ مِن حيثُ الجُمْلَةُ، وقد قَسَمَها المُصَنِّفُ

ص: 283

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قِسْمَين؛ عِباداتٌ، وعُقُودٌ. فالعِباداتُ فيها مَسَائلُ؛ منها، الوُضُوءُ بماءٍ مَغْصُوبٍ، والوُضُوءُ مِن إناءٍ مَغْصُوبٍ، وغَسْلُ النَّجاسَةِ بماءٍ مَغْصوبٍ، وسَتْرُ العَوْرَةِ بثَوْبٍ مَغْصُوبٍ، والصَّلاةُ في مَوْضِعٍ مَغْصوبٍ. وقد تقدَّم ذلك مُسْتَوْفًى في كتابِ الطَّهارَةِ، والآنِيَةِ، وإزالةِ النَّجَاسةِ، وسَتْرِ العَوْرَةِ، واجْتِنابِ النَّجاسَةِ. ومنها، الحَجُّ بمالٍ مَغْصُوبٍ، كما قال المُصَنِّفُ، والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يصِحُّ. نصَّ عليه. قال ابنُ أبِي مُوسى: وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. قال في «الخُلاصَةِ» : باطِلٌ على الأصحِّ. قال الشَّارِحُ: باطِلٌ على الأظْهَرِ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : هذا المذهبُ. قال في «الرِّعايةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: يَبْطُلُ في كلِّ عِبادَةٍ على الأصحِّ. وصحَّحه النَّاظِمُ وغيرُه. وقدَّمه الحارِثِيُّ وغيرُه. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وقيل: عنه، يُجْزِئُه مع الكَراهَةِ. قاله ابنُ أبِي مُوسى. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. قال الحارِثِيُّ: وهو أقْوَى. قلتُ: وهو الصَّوابُ، فيَجِبُ بَدَلُ المالِ دَينًا في ذِمَّتِه. ومنها، الهَدْيُ المَغْصُوبُ لا يُجْزِئُ. صرَّح به الأصحابُ. ونصَّ عليه في رِوايةِ عليِّ بنِ سَعِيدٍ. وعنه، الصِّحَّةُ مَوْقُوفَةٌ على إجازَةِ المالِكِ. ونصَّ الإِمامُ أحمدُ على الفَرْقِ بينَ أنْ يَعْلَمَ أنَّها لغيرِه، فلا يُجْزِئُه، وبينَ أنْ يظُنَّ أنَّها لنَفْسِه، فيُجْزِئَه، في رِوايةِ ابنِ القاسِمِ، وسِنْدِيٍّ. وسوَّى كثيرٌ مِنَ الأصحابِ بينَهما في حِكَايةِ الخِلافِ. قال في «الفائِدَةِ العِشْرِين»: ولا يصِحُّ. وإنْ كان الثَّمَنُ مَغْصُوبًا، لم يُجْزِئْه أيضًا؛ اشْتَراه بالعَينِ، أو في الذِّمَّةِ. قاله الحارِثِيُّ. قلتُ: لو قيلَ بالإِجْزاءِ إذا اشْتَراه في الذِّمَّةِ، لكانَ مُتَّجِهًا. ومنها، لو أوْقَع الطَّوافَ، أو السَّعْيَ، أو الوُقوفَ على الدَّابَّةِ

ص: 284

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَغْصُوبَةِ، ففي الصِّحَّةِ رِوايتَا الصَّلاةِ (1) في البُقْعَةِ المَغْصُوبَةِ. قاله الحارِثِيُّ. قلتُ: النَّفْسُ تمِيل إلى صِحَّةِ الوُقوفِ على الدَّابَّةِ المَغْصُوبَةِ. ومنها، أداءُ المالِ المَغْصُوبِ في الزَّكاةِ غيرُ مُجْزِئُ. قال الحارِثِيُّ: ثم إنَّ أبا الخَطَّابِ صرَّح بجَرَيانِ الخِلافِ في الزَّكاةِ، وتَبِعَه المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، وغيرُه مِنَ الأصحابِ، كما انْتَظَمَه عُمومُ إيرادِ الكِتابِ. فإنْ أُرِيدَ به ما ذكَرْنا مِن أداءِ المَغْصُوبِ عنِ الغاصِبِ، وهو الصَّحيحُ، فهذا شيءٌ لا يقْبَلُ نِزاعًا أَلْبَتَّةَ؛ لما فيه مِنَ النَّصِّ، فلا يُتَوَهَّمُ خِلافُه. وإنْ أُرِيدَ به الأداءُ عنِ المالِكِ، بأنْ أخْرَجَ عنه مِنَ النِّصابِ المَغْصُوبِ، وهو بعيدٌ جدًّا، فإنَّ الواقِع مِنَ التَّصَرُّفِ للعِبادَةِ إنَّما يكونُ عنِ الغاصِبِ نَفْسِه؛ فلا يُقْبَلُ أَيضًا، خِلافًا لاتِّفاقِنا على اعْتِبارِ نِيَّةِ المالِكِ، إلَّا أنْ يَمْتَنِعَ مِنَ الأداءِ، فيَقْهَرَه الإِمامُ على الأخْذِ منه، فيُجْزِئَ في الظَّاهِرِ، وليس هذا بواحِدٍ مِنَ الأَمْرَين، فلا يُجْزِئُ بوَجْهٍ. ومنها، كلُّ صَدَقَةٍ؛ مِن كفَّارَةٍ، أو نَذْرٍ، أو غيرِهما، كالزَّكاةِ سَواءً. ومنها، عِتْقُ المَغْصوبِ لا يَنْفُذُ، بلا خِلافٍ في المذهبِ. ونصَّ عليه. قاله الحارِثِيُّ. ومنها، الوَقْفُ لا ينْفُذُ في المَغْصُوبِ، قَوْلًا واحِدًا. لكِنْ لو كان ثَمَنُ المُعْتَقِ أو الموْقُوفِ مَغْصوبًا؛ فإنِ اشْتَرَى بعَينِ المالِ، لم يَنْفُذْ، [وإنِ اشْتَرَى في الذِّمَّةِ، ثم نقَدَه، فإنْ قيلَ بعَدَمِ إفادَةِ المِلْكِ، لم يَنْفُذْ](2)، وإنْ قيلَ بالإِفادَةِ، نفَذ العِتْقُ والوَقْفُ. قاله الحارِثِيُّ. وأمَّا العُقودُ؛ مِنَ البَيعِ، والإِجارَةِ، والنَّكاحِ، ونحوها، فالعَقْدُ باطِلٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه. وعليه الأصحابُ. وتقدَّم حِكايَةُ الرِّوايةِ بالصِّحَّةِ، والكلامُ عليها، والرِّوايَةُ بالوَقْفِ على الإِجازَةِ.

(1) في ط: «الصحة» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 285

وَإِنِ اتَّجَرَ بالدَّرَاهِمِ، فَالرِّبْحُ لِمَالِكِهَا.

ــ

[تنبيه: قوْلُه: وتَصَرُّفاتُ الغاصِبِ الحُكْمِيَّةُ. أي التي يُحْكَمُ عليها بصِحَّةٍ أو فَسادٍ. احْتِرازًا مِن غيرِ الحُكْمِيَّةِ، كإتْلافِ المَغْصُودبِ، كأكْلِه الطَّعامَ، أو إشْعالِه الشَّمْعَ، ونحوهما، وكَلُبْسِه الثَّوْبَ، ونحوه، فإن هذا لا يُقالُ فيه صحيحٌ ولا فاسِدٌ. واللهُ أعلمُ. قال ابنُ نَصْرِ اللهِ في «حَواشِي الفُروعِ (1)»: وقوْلُه: الحُكْمِيَّةُ احْتِرازٌ مِنَ التَّصَرُّفاتِ الصُّورِيَّةِ. فالحُكْمِيَّةُ؛ ما له حُكْمٌ من صِحَّةٍ وفَسادٍ؛ كالبَيعِ، والهِبَةِ، والوَقْفِ، ونحوه. والصُّورِيَّةُ، كطَحْنِ الحَبِّ، ونَسْجِ الغَزْلِ، ونَجْرِ الخَشَبِ، ونحوه. انتهى. وهو كالذي قبلَه](2).

قوله: وإِن اتَّجَرَ بالدَّرَاهِمِ، فالرِّبْحُ لمالِكِها. يعْنِي، إذا اتَّجَرَ بعَينِ المالِ، أو بثَمَنِ الأعْيانِ المَغْصُوبَةِ، فالمالُ ورِبْحُه لمالِكِها. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه، ونقَلَه الجماعَةُ، وعليه الأصحابُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: قال أصحابُنا: الرِّبْحُ للمالِكِ، والسِّلَعُ المُشْتَراةُ له. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. واحْتَجَّ أحمدُ بخَبَرِ

(1) في ا: «الوجيز» .

(2)

سقط من: الأصل، ط.

ص: 286

وَإِنِ اشْتَرَى في ذِمَّتِهِ ثُم نَقَدَهَا، فَكَذَلِكَ. وَعَنْهُ، الرِّبْحُ لِلْمُشْتَرِي.

ــ

عُرْوَةَ بنِ الجَعْدِ (1). ونقَل حَرْبٌ في خَبَرِ عُرْوةَ، إنَّما جازَ؛ لأنَّه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، جوَّزَه له. وقيَّد جماعةٌ؛ منهم صاحِبُ «الفُنونِ» ، و «التَّرْغيبِ» الرِّبْحَ للمالِكِ، إنْ صحَّ الشِّراءُ، وأطْلَقَ الأكْثَرُ. وقال الحارِثِيُّ: ويتَخَرَّجُ مِنَ القَوْلِ ببُطْلانِ التَّصُّرفِ رِوايَةٌ بعَدَمِ المِلْكِ للرِّبْحِ، وهو الأقْوَى. انتهى. وعنه، يتَصَدَّقُ به. وقيل: لا يصِحُّ بعَينه، إنْ قُلْنا: النُّقودُ تَتَعيَّنُ بالتَّعْيِينَ.

قوله: وإنِ اشْتَرَى في ذِمَّتِه، ثم نقَدَها، فكذلك. يعْنِي، الرِّبْحُ للمالِكِ أيضًا. واعْلمْ أنَّه إذا اشْتَرَى في الذِّمَّةِ، أو باعَ سَلَمًا، ثم أقْبَضَ المَغْصُوبَ ورَبِحَ، فالعَقْدُ صحيحٌ، على المذهب، والإقْباضُ فاسِدٌ. بمَعْنَى، أنَّه غيرُ مُبْرِئُ، وصِحَّةُ العَقْدِ نصَّ عليها في رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ. وحكَى القاضي في «التَّعْليقِ الكبيرِ» وَجْهًا، يكونُ العَقْدُ مَوْقوفًا على إجازَةِ المالِكِ؛ إنْ أجازَه، صحَّ، وإلَّا بَطَلَ.

(1) تقدم تخريجه في 11/ 56.

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال: وهو أصحُّ ما يُقالُ في المَسْأَلَةِ. قال الحارِثِيُّ: وهو مأْخُوذٌ مِن مِثْلِه في مَسْألَةِ المفُضولِيِّ. قال: وهو مُشْكِلٌ؛ إذْ كيف يَقِفُ تصَرُّفُ الإِنْسانِ لنَفْسِه على إجازَةِ غيرِه؟ انتهى. وأمَّا الرِّبْحُ، فقدَّم المُصَنِّفُ هنا أنَّه للمالِكِ، وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال الشَّارِحُ: هذا المَشْهورُ في المذهبِ. قال الحارِثِيُّ: هو ظاهِرُ المذهبِ. وجزَم به جماهيرُ الأصحابِ، حتى أبو الخَطَّابِ في «رُءوسِ المَسائلِ» . انتهى. وجزَم به في «الإرْشادِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرِهم. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقال في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ»: إذا اشْتَرَى في ذِمَّتِه بنِيَّةِ نقْدِها، فالرِّبْحُ للمالِكِ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وعنه، الرِّبْحُ للمُشْتَرِي. وهو احْتِمالٌ في «الشَّرْحِ» ، وهو قِياسُ قَوْلِ الخِرَقِيِّ. قال الحارِثِيُّ: وهو الأَقْوَى. فعليها، يجوزُ له الوَطْءُ. ونقَلَه المَرُّوذِيُّ. وعلى هذا، إنْ أرادَ التَّخَلُّصَ مِن شُبْهَةٍ بيَدِه،

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اشْتَرى في ذِمَّتِه، ثم نقَدَها. وقاله القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. وذكَرَه عن أحمدَ.

فوائد؛ الأُولَى، لو اتَّجَرَ بالوَدِيعَةِ، فالرِّبْحُ للمالِكِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه في رِوايَةِ الجماعةِ. ونقَل حَنْبَلٌ، ليس لواحِدٍ منهما، ويتَصَدَّقُ به. قال الحارِثِيُّ: وهذا مِن أحمدَ مُقْتَضٍ لبُطْلانِ العَقْدِ، وذلك وَفْقَ المذهبِ المُخْتارِ في تَصَرُّفِ الغاصِبِ، وهو أقْوَى. انتهى. الثَّانيةُ، لو قارَضَ بالمَغْصوبِ، أو الوَدِيعَةِ، فالرِّبْحُ على ما تقدَّم، ولا شيءَ للعامِلِ على المالِكِ، وإنْ عَلِمَ، فلا شيءَ له على الغاصِبِ أيضًا، وإلَّا فله عليه أُجْرَةُ المِثْلِ. الثَّالثةُ، إجارَةُ الغاصِبِ للمَغْصُوبِ. وهو كالبَيعِ، تقدَّم، وهو داخِلٌ في كلامِ المُصَنِّفِ، والأُجْرَةُ للمالِكِ. نصَّ عليه. وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّ المُسَمَّى هو الواجِبُ للمالِكِ. قاله الحارِثِيُّ. وقال المُصَنِّفُ وغيرُه: إنَّ الواجِبَ أُجْرَةُ المِثْلِ. قال

ص: 289

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحارِثِيُّ: وهو أقْوَى. الرَّابعةُ، لو أنْكَحَ الأَمَةَ المَغْصوبَةَ، ففي البُطْلانِ والصِّحَّةِ ما قاله المُصَنِّفُ في المَتْنِ. قال الحارِثِيُّ: والتَّصْحيحُ لا أصْلَ له؛ فإنَّه مُقْتَضٍ لنَفْي اشْتِراطِ الوَلِيِّ في النِّكاحِ، وهو خِلافُ المذهبِ. لكِنْ قد يقْرُبُ إجْراؤُه مَجْرَى الفُضُولِيِّ، فتأْتِي رِوايَةُ الانْعِقادِ مع الإِجازَةِ. الخامسةُ، لو وَهَبَ المَغْصُوبَ، ففيه الخِلافُ السَّابِقُ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ البُطْلانُ، على ما تقدَّم. السَّادِسَةُ، تذْكِيَةُ الغاصبِ الحَيوانَ المَأْكُولَ. وفي إفادتِها لحِلِّ الأكْلِ رِوايَتان؛ إحْداهما، هو مَيتَةٌ، لا يَحِلُّ أكْلُه مُطْلَقًا. جزَم به أبو بَكْرٍ في «التنبِيهِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يحِلُّ. قال الحارِثِيُّ: وهو قَوْلُ الأَكْثَرِين. انتهى. وهذا المذهبُ، وهو قَوْلُ غيرِ أبِي بَكْرٍ مِنَ الأصحابِ. قاله في «القاعِدَةِ الثَّانيةِ بعدَ المِائَةِ» . [وقد نبَّهَ عليه المُصَنِّفُ قبلَ ذلك، فيما إذا ذَبَحَ الشَّاةَ وشَواها](1). ويأْتِي نَظِيرُ ذلك في ذَبْحِ السَّارِقِ الحَيوانَ المَسْروقَ، في بابِ القَطْعِ في السَّرِقَةِ. ومِن جُمْلَةِ المَسائلِ المُتَعَلِّقَةِ بذلك؛ التَّذْكِيَةُ بالآلةِ المَغْصُوبَةِ، وكذلك التَّزَوُّجُ بمالٍ مَغْصُوبٍ. وفي كل واحِدٍ منهما خِلافٌ يأْتِي.

(1) زيادة من: ا.

ص: 290

وَإِنِ اخْتَلَفَا في قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، أَوْ قَدْرِهِ، أَوْ صِنَاعَةٍ فِيهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ.

ــ

قوله: وإنِ اخْتَلَفا في قِيمَةِ المَغْصُوبِ، أو قَدْرِه، أو صِناعَةٍ فيه، فالقَوْلُ قَوْلُ الغاصِبِ. لا أعلمُ فيه خِلافًا.

فائدة: لو اخْتَلَفا في تَلَفِ المَغْصُوبِ، فالقَوْلُ قَوْلُ الغاصِبِ في تَلَفِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: قُبِلَ قَوْلُ الغاصِبِ في الأصحِّ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه الحارِثِيُّ. وقيل: القَوْلُ قَوْلُ المالِكِ. اخْتارَه الحارِثِيُّ. وهما احْتِمالان مُطْلَقان في «التَّلْخيصِ» . فعلى المذهبِ، للمَغْصُوبِ منه أنْ يُطالِبَ الغاصِبَ ببَدَلِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفرُوعِ» . وصحّحه الحارِثِيُّ، واخْتارَه المُصَنِّفُ. وقيل: ليس له مُطالبَتُه؛ لأنَّه لا يَدَّعِيه.

ص: 291

وَإِنِ اخْتَلَفَا في رَدِّهِ، أَوْ عَيبٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ.

ــ

قوله: وإِنِ اخْتَلَفا في رَدِّه، أو عَيبٍ، فالقَوْلُ قَوْلُ المالِكِ. بلا نِزاعٍ أعْلَمُه. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، و «الوَجيز» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. لكِنْ لو شاهَدَتِ البَيِّنَةُ العَبْدَ مَعِيبًا عندَ الغاصِبِ، فقال. المالِكُ: حدَثَ عندَ الغاصِبِ. وقال الغاصِبُ: بل كانَ فيه قبلَ غَصْبِه. فالقَوْلُ قَولُ الغاصِبِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» وغيرِه. وقدَّمه في «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الشَّرْحِ» ، وقال: ويتَخَرَّجُ أنَّ القَوْلَ قوْلُ المالِكِ. كما لو تَبايَعا واخْتلَفا في عَيبٍ؛ هل كان عندَ البائعِ، أو حدَثَ عندَ المُشْتَرِي؟ فإنَّ فيه رِوايةً، أنَّ القَوْلَ قَولُ البائعَ. كذلك هذا؛ إذِ الأصْلُ السَّلامَةُ، وتأَخَّرَ

ص: 292

وَإِنْ بَقِيَتْ في يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرفُ أَرْبَابَهَا، تَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ، بِشرْطِ الضَّمَانِ، كَاللُّقَطَةِ.

ــ

الحُدوثُ عن وَقْتِ الغَصْبِ. انتهى. قلتُ: هذه الرِّوايةُ اخْتارَها جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ هناك، على ما تقدَّم في الخِيارِ في العَيبِ.

قوله: وإِنْ بَقِيَتْ في يَدِه غُصُوبٌ لا يَعْرِفُ أَرْبابَها، تَصَدَّقَ بها عنهم، بشَرْطِ الضَّمانِ، كاللُّقَطَةِ. إذا بَقِيَ في يَدِه غُصُوبٌ لا يَعْرِفُ أصحابَها، فسَلَّمَها إلى الحاكمِ، بَرِئَ من عُهْدَتِها، بلا نِزاعٍ. ويجوزُ له الصَّدَقَةُ بها عنهم بشَرْطِ ضَمانِها، ويَسْقُطُ عنه إثْمُ الغَصْبِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه

ص: 293

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابُ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال في «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ والتِّسْعِين»: لم يذكُرْ أصحابُنا فيه خِلافًا. وقال في «القاعِدَةِ السَّادِسَةِ بعدَ المِائَةِ» : ويتَصَدَّقُ بها عنه، على الصَّحيحِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهما. نقَل المَرُّوذِيُّ، يُعْجِبُنِي الصَّدقَةُ بها. وقال في «الغُنْيَةِ»: عليه ذلك. ونقَل أيضًا، على فُقراءِ مَكانِه، إنْ عرَفَه. ونقَل صالِحٌ، أو بقِيمَتِه. وله شِراءُ عَرْضٍ بنَقْدٍ، ويتَصَدَّق به، ولا تجوزُ مُحاباةُ قَريبٍ وغيرِه. نصَّ عليهما. وظاهرُ نَقْلِ حَرْبٍ، في الثَّانِيَةِ، الكَراهَةُ. قال في «الفُروعِ» وهو ظاهرُ كلامِهم في غيرِ مَوْضِعٍ. انتهى. وعنه، ليس له الصَّدَقَةُ بها. ذكَرَها القاضي في كتابِ «الرِّوايتَين» . وهو تخْرِيج في «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» .

فائدتان؛ إحْداهما، قال الحارِثِيُّ وغيرُه: وكذا الرُّهونُ، والوَدائِعُ، وسائرُ الأماناتِ، كالأَمْوالِ المُحَرَّمَةِ فيما ذكَرْنا. وذكَر نُصوصًا في ذلك. وتقدَّم حُكْمُ الرُّهونِ في آخِرِ الرَّهْنِ، ويأْتِي قريبًا مِن ذلك، في بابِ أدَبِ القاضي، عندَ حُكْمِ الهَدِيَّةِ، والرِّشْوَةِ، وتأْتِي مسْأَلةُ الوَدِيعَةِ في بابِها، وهل يَلْزَمُ الحاكِمَ الأخْذُ، أم

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا؟ الثَّانيةُ، لا يجوزُ لمَن هذه الأشْياءُ في يَدِه، وقُلْنا: له الصَّدَقَةُ بها. أنْ يأْخُذَ منها لنَفْسِه إذا كان مِن أهْلِ الصَّدَقَةِ. نصَّ عليه. وخرَّج القاضي جَوازَ الأكْلِ منها إذا كان فَقِيرًا، على الرِّوايتَين في شِراءِ الوَصِيِّ مِن نَفْسِه. نقَلَه عنه ابنُ عَقِيلٍ في «فُنونِه» ، وأفْتَى به الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ في الغاصِبِ إذا تابَ.

تنبيه: ظاهرُ قوْلِه: لا يعْرِفُ أرْبابَها. أنَّه لا يتَصَدَّقُ بها إلَّا مع عدَمِ مَعْرِفَةِ أرْبابِها، سواءٌ كان قليلًا أو كثيرًا، وهو المذهبُ. وقدَّمه في «الفُروعِ» . ونقَل الأثْرَمُ وغيرُه، له الصَّدَقَةُ بها إذا عَلِمَ ربَّها، وشَقَّ دَفْعُه إليه، وهو يَسِيرٌ، كحَبَّةٍ. وقطَع به في «القاعِدَةِ السَّابعَةِ والتِّسْعِين» ، فقال: له الصَّدقَةُ به عنه. نصَّ عليه في مَواضِعِ. وقال الحارِثِيُّ: إذا عَلِمَ الغاصِبُ المالِكَ، فهنا حالتان؛ إحْداهما، انْقِطاعُ خبَرِه لغيبَةٍ؛ إمَّا ظاهِرُها السَّلامَةُ؛ كالتِّجارَةِ، والسِّياحَةِ، ومضَتْ مُدَّةُ الإياسِ، ولا وارِثَ له، تصَدَّقَ بها كما لو جَهِلَ. نصَّ عليه. وإمَّا ظاهِرها الهَلاكُ؛ كالمَفْقُودِ مِن بينِ أهْلِه، أو في مَهْلَكَةٍ، أو بينَ الصَّفَّين، ونحوه، وكذلك أرْبَعُ سِنِين، وأربعَةُ أشْهُرٍ وعَشْرٌ، ولا وارِثَ له، تصَدَّقَ به أيضًا. نصَّ عليه. وإنْ كان له وارِثٌ، سلَّمَ إليه. وأنْكَرَ أبو بَكْرٍ الزِّيادَةَ على الأرْبَعِ سِنِين، وقال: لا مَعْنًى للأرْبعَةِ أشْهُرٍ في ذلك. قال القاضي وغيرُه: أصْلُ المَسْأَلةِ، هل يُقْسَمُ مالُ المَفْقُودِ للمُدَّةِ التي تُباحُ زَوْجَتُه فيها، أو لأرْبَعِ سِنِين فقط؟ على رِوايتَين. وإنْ لم تَمْضِ المُدَّةُ المُعْتَبَرَةُ، ففي المالِ المُحَرَّمِ يتَعَيَّنُ التَّسْليمُ إلى الحاكمِ مِن غيرِ انْتِظارٍ. وأمَّا ما اؤْتُمِنَ عليه؛ كالوَدِيعَةِ، والرَّهْنِ، فليس عليه الدَّفْعُ إليه. الحالةُ الثَّانيةُ، أنْ يعْلَمَ وُجودَه، فإنْ كان غائِبًا، سلَّمَ إلى وَكِيلِه، وإلَّا فإلى الحاكمِ، وإنْ كان حاضِرًا، فإليه أو إلى وَكِيلِه. وإنْ عَلِمَ مَوْتَه، فإلى وَرَثَتِه، فإن لم يكُنْ له وَرَثَةٌ، تصَدَّقَ به. نصَّ عليه. ولا يكون لبَيتِ المالِ فيه شيءٌ. ويأْتِي

ص: 295

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا كسَبَ مالًا حَرامًا برِضَا الدَّافِعِ، ونحوُه، في بابِ أدَبِ القاضي، عندَ الكلامِ على الهَدِيَّةِ للحاكمِ.

تنبيه: قوْلُ المُصَنِّف: كاللُّقَطَةِ. قال الحارِثِيُّ: الأَلْيَقُ فيه التَّشْبِيهُ بأصْلِ الضَّمانِ، لا في مَضْمُونِ الصَّدَقَةِ والضَّمانِ، فإنَّ المذهبَ في اللُّقَطَةِ التَّمَلُّكُ لا التَّصَدُّقُ. انتهى. قلتُ: بل الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ جَوازُ التَّصَدُّقِ باللُّقَطَةِ التي لا تُمْلَكُ بالتَّعْريفِ، على ما يأْتِي مِن كلامِ المُصَنِّفِ في اللُّقَطَةِ. قال الشَّارِحُ هنا: وعنه في اللُّقَطَةِ، لا تجوزُ الصَّدَقَةُ بها. فيتَخَرَّجُ هنا مِثْلُه.

فوائد؛ إحْداها، قال في «الفُروعِ»: لم يذْكُرِ الأصحابُ في ذلك سِوَى الصَّدَقَةِ بها. ونقَل إبْراهِيمُ بنُ هانِئٍ، يتَصَدَّقُ بها، أو يَشْتَرِي بها كِراعًا، أو سِلاحًا يُوقَفُ، هو مَصْلَحَةٌ للمُسْلِمين. انتهى. قلتُ: قد ذكَر ذلك الحارِثِيُّ، وقال عن ذلك: يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الصَّدَقَةِ. انتهى. قال في «الفُروعِ» : وسألَه جَعْفَرٌ (1) عن مَن ماتَ، وكان يدْخُلُ في أُمُورٍ تُكْرَهُ، فيُرِيدُ بعضُ وَلَدِه التَّنَزُّهَ؟ فقال إذا دفَعَها إلى المَساكِينِ، فأيُّ شَيءٍ بَقِيَ عليه؟ واسْتَحْسَنَ أنْ يُوقِفَها على المَساكِينِ. ويتَوَجَّهُ على أفْضَلِ البِرِّ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تُصْرَف في المصَالِحِ. وقاله في وَديعَةٍ، وغيرِها، وقال: قاله العُلَماءُ، وأنَّه مذهبُنا، ومذهبُ أبِي حَنِيفَةَ، ومالكٍ. وهذا مُرادُ أصحابِنا؛ لأنَّ الكُلَّ صَدَقَةٌ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَن تَصَرَّفَ فيه بولايَةٍ شَرْعِيَّةٍ، لم يضْمَنْ. وقال: ليس لصاحِبِه، إذا عُرِفَ، ردُّ المُعاوَضَةِ؛ لثُبوتِ الولايَةِ عليها شَرْعًا للحاجَةِ، كمَن ماتَ ولا وَلِيَّ له ولا حاكِمَ. مع أنَّه ذكَر أنَّ مذهبَ أحمدَ وَقْفُ العَقْدِ للحاجَةِ؛ لفَقْدِ المالكِ،

(1) في الفروع 4/ 513: «المروذي» .

ص: 296

فَصْلٌ: وَمَنْ أَتْلَفَ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيرِه، ضَمِنَهُ.

ــ

ولغيرِ حاجَةٍ، الرِّوايَتان. وقال في مَنِ اشْتَرَى مال مُسْلِمٍ مِنَ التَّتَرَ لمَّا دخَلُوا الشَّامَ: إنْ لم يُعْرَفْ صاحِبُه، صُرِفَ في المَصالِحِ، وأُعْطِيَ مُشْتَرِيه ما اشْتَراه به؛ لأنَّه لم يَصِرْ لها إلَّا بنَفقَتِه، وإنْ لم يقْصِدْ ذلك. كما رجَّحه في مَنِ اتَّجَرَ بمالِ غيرِه، ورَبِحَ. ونصَّ في وَدِيعَةٍ، تُنْتَظَرُ، كمالِ مَفْقُودٍ، وأنَّ جائزَةَ الإِمامِ أحَبُّ إليه مِنَ الصَّدَقَةِ. قال القاضي: إنْ لم يعْرِفْ أنَّ عَينَه مَغْصوبٌ، فله قَبُولُه. وسوَّى ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه بينَ وَدِيعَةٍ وغَصْبٍ، وذكَرَهما الحَلْوانِيُّ، كرَهْنٍ. الثَّانيةُ، إذا تصدَّقَ بالمالِ، ثم حضَر المالِكُ، خُيِّرَ بينَ الأَجْرِ وبينَ الأخْذِ مِنَ المُتَصَدِّقِ؛ فإنِ اخْتارَ الأَجْرَ، فذاك وإنِ اخْتارَ الأخْذَ، فله ذلك، والأَجْرُ للغارِمِ. نصَّ عليه في الرَّهْنِ، قاله الحارِثِيُّ. الثَّالثةُ، إذا لم يَبْقَ دِرْهَمٌ مُباحٌ، فقال في «النَّوادِرِ»: يأْكُلُ عادَتَه، لا ما له عنه غُنْيَةٌ؛ كحَلْواءَ، وفاكِهَةٍ.

قوله: ومَن أَتْلَفَ مالًا مُحْتَرَمًا لغيرِه، ضَمِنَه. سواءٌ كان عَمْدًا أو سَهْوًا. ومَفْهومُه، أن غيرَ المُحْتَرَمِ لا يضْمَنُه؛ كمالِ الحَرْبِيِّ، والصَّائلِ، والعَبْدِ في حالِ قَطْعِه الطَّرِيقَ، ونحوه. وهو كذلك.

تنبيه: يُسْتَثْنَى مِن قوْلِه: ومَن أتْلَفَ مالًا مُحْتَرَمًا، ضَمِنَه. الحَرْبِيُّ إذا أتْلَفَ مال المُسْلِم، فإنَّه لا يضْمَنُه.

ص: 297

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ منها، قال في «الفائقِ»: قلتُ: ولو أتْلَفَ لغيرهِ وَثِيقَةً بمالٍ، لا يثْبُتُ ذلك المالُ إلَّا بها ففي إلْزامِه ما تضَمَّنَتْه احْتِمالان؛ أحدُهما، يَلْزَمُه، كقْولِ المالِكِيَّةِ. انتهى. قلتُ: وهذا الصَّوابُ. وقال في «الفُروعِ» ، في بابِ القَطعِ في السَّرِقَةِ: وإنْ سَرَق فَرْدَ خُفٍّ، قِيمَةُ كلِّ واحدٍ منهما مُنْفرِدًا دِرْهَمان، ومعًا عَشَرَةٌ، ضَمِنَ ثَمانِيةً؛ قِيمَةُ المُتْلَفِ خَمْسَةٌ، ونقْصُ التَّفْرِقَةِ ثَلاثةٌ. وقيل: دِرْهَمَين، ولا قَطْعَ. قال: وضَمانُ ما في وَثِيقَةٍ أتْلَفَها، إنْ تعَذَّرَ، يتَوَجَّهُ تخْرِيجُه عليها. انتهى. وقال ابنُ نَصْرِ اللهِ في «حَواشِي الفُروعِ»: وقد يُخرَّجُ الضَّمانُ للوَثيقَةِ مِن مَسْألَةِ الكَفالةِ؛ فإنَّها تَقْتَضِي إحْضارَ المَكْفُولِ، أو ضَمان ما عليه، وهنا؛ إمَّا أنْ يُحْضِرَ الوَثِيقَةَ، أو يَضْمَنَ ما فيها، إنْ تعَذَّرَتْ. ومنها، لو أُكْرِهَ على إتْلافِ مالِ الغيرِ، فقيل: يضْمَنُه مُكْرِهُه. قطَع به القاضي في كِتابِه «الأمْرُ بالمَعْرُوفِ، والنَّهْيُ عنِ المُنْكَرِ» ، وابنُ عَقِيل في «عُمَدِ الأدِلَّةِ». قاله في «القَواعِدِ». وقيل: هو كمُضْطَرٍّ. قال في «التَّلْخيصِ» : يجِبُ الضَّمانُ عليهما. واقْتَصَر عليه الحارِثِيُّ. وهو احْتِمالٌ للقاضي، في بعضِ تَعالِيقِه. وأطْلَقهما في «الفرُوعِ» ، و «القَواعِدِ». وقال في «الرِّعايةِ»: وإنْ أُكْرِهَ على إتْلافِه، ضَمِنَه. يعْنِي المُباشِرَ، وقطَع به. انتهى. فإذا ضَمِنَ المُباشِرُ، إنْ كان جِاهلًا، رجَع على مُكْرِهِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الرِّعايةِ». وصحَّحه في «الفُروعِ». وقيل: لا يَرْجِعُ. وإنْ كان عالِمًا، لم يرْجِعْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يَرْجِعُ؛ لإِباحَةِ إتْلافِه ووُجوبه بخِلافِ الإِكْراهِ على القَتْلِ. ولم يَخْتَرْه، بخِلافِ مُضْطَرٍّ. وهل لمالِكِه مُطالبَةُ مُكْرِهِه إذا كان المُكْرَهُ، بفتْحِ الرَّاءِ، عالِمًا، وقُلْنا: له الرُّجوعُ عليه؟ فيه وَجْهان. وقال في «الرعايتَين» : يَحْتَمِلُ وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . قلتُ: له مُطالبَتُه. فإنْ قُلْنا: له

ص: 298

وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرِهِ، أَوْ حَلَّ قَيدَ عَبْدِهِ، أَوْ رِبَاطَ فَرَسِهِ،

ــ

مُطالبَته. وطالبَه، رجَع على المُتْلِفِ، إنْ لم يَرْجِعْ عليه. وقيل: الضَّمانُ بينَهما. ومنها، لو أذِنَ رَبُّ المالِ في إتْلافِه، فأَتْلَفَه، لم يَضْمَنِ المُتْلِفُ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: إنْ عيَّن الوَجْهَ المأْذُونَ فيه، مع غَرضٍ صحيحٍ، لم يضْمَنْ. وقال في «الفُنونِ»: لو أذِنَ في قَتْلِ عَبْدِه، فقَتَلَه، لَزِمَه كفَّارَةٌ للهِ، وأَثِمَ، ولو أذِنَ في إتْلافِ مالِه، سقَطَ الضَّمانُ والمَأْثَمُ، ولا كفَّارَةَ. وقال بعدَ ذلك: يُمْنَعُ مِن تَضْيِيعِ الحَبِّ والبَذْرِ في الأرْضِ السَّبِخَةِ بما يقْتَضِي أنَّه محَلُّ وفاقٍ. قال في «الفُروعِ» : وسبَقَ أنَّه يَحْرُمُ، في الأشْهَرِ، دَفْنُ شيءٍ مع الكَفَنَ.

قوله: وإنْ فتَح قَفَصًا عن طائرِه، أو حَلَّ قَيدَ عَبْدِه، أو رِباطَ فَرسِه، ضَمِنَه. هذا المذهبُ مُطْلَقا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمة في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «التَّلْخيصِ»: قال أصحابُنا: يَلْزَمُه الضَّمانُ في جميعِ ذلك، سواءٌ تعَقَّبَ ذلك فِعْلَه، أو تَراخَى عنه. قال في «القَواعِدِ»: ذكَرَه القاضي، والأكْثَرون.

ص: 299

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الحارِثِيُّ: لا يخْتَلِفُ فيه المذهبُ. وقال في «الفُنونِ» : إنْ كان الطائِرُ مُتَأَلِّفًا، لم يَضْمَنْه. وقال أيضًا: الصَّحيحُ التَّفْرِقَةُ بينَ ما يُحالُ الضَّمانُ على فِعْلِه؛ كالآدَمِيِّ، وبينَ ما لا يُحالُ عليه الضَّمانُ؛ كالحَيواناتِ والجَماداتِ، فإذا حلَّ قَيدَ العَبْدِ، لم يَضمَنْ. وقيل: لا يضْمَنُ إلَّا إذا ذهَبُوا عَقِبَ الفَتْحِ. والحَلِّ. فعلى المذهبِ، يَضْمَنُه، سواءٌ ذهَبَ عَقِبَ فِعْلِه، أو مُتَراخِيًا عنه، وسواءٌ هيَّجَ الطَّائِرَ والدَّابَّةَ حتى ذهَبا، أو لم يُهَيِّجْهما. قاله الأصحابُ.

فوائد؛ إحْداها، لو بَقِيَ الطَّيرُ والفَرَسُ بحالِهما، حتى نفَّرَهما آخَرُ، ضَمِنَهما المُنَفِّرُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ،

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرعايةِ» ، وغيرِهم. الثَّانيةُ، لو دفَع مِبْرَدًا إلى عَبْدٍ فبَرد به قَيدَه، فهل يضْمَنُه، أم لا؟ وحكَى في «الفُضولِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايةِ» فيه احْتِمَالين، وحَكاهما في «الفُروعِ» وَجْهَين، وأطْلَقُوهما. قلتُ: الصَّوابُ الضَّمانُ. وهو ظاهرُ ما قدَّمه الحارِثِيُّ. ولو دفَع مِفْتاحًا إلى لِصٍّ، لم يَضمَنْ. الثَّالثةُ، لو حَلَّ قَيدَ أسيرٍ، ضَمِنَ، كحَلِّ قَيدِ العَبْدِ، وكذا لو فتَح الإِصْطَبْلَ، فضاعَتِ الدَّابَّةُ، وكذا لو حَلَّ رِباطَ سَفِينَةٍ، فغَرِقَتْ، وسواءٌ كان لعُصُوفِ رِيحٍ، أو لا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعلى قَوْلِ القاضي: لا يضْمَنُ العُصُوفَ. الرَّابعةُ، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لو غَرِمَ بسَبَبِ كَذِبٍ عليه، عندَ وَلِيِّ الأمْرِ، رجَع على الكاذِبِ. قلتُ: وهو صَحيحٌ. وتقدَّم ذلك وغيرُه في بابِ الحَجْرِ. الخامسةُ، لو كانتِ الدَّابَّةُ المَحْمُولَةُ عَقُورًا وجَنَتْ، ضَمِنَ جنايَتَها. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه، واقْتَصَر عليه في «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، كما لو حلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ، أو ساجُورَ كَلْبٍ، فعقَرَ. وإنْ أفْسَدَتْ زَرْعَ إنْسانٍ، فكإفسادِ دابَّةِ نفْسِه، على ما سيَأْتِي. السَّادِسَةُ، لو وثَبَتْ هِرَّةٌ على الطَّائرِ بعدَ الفَتْحِ، ضَمِنَه. وقد تضَمَّنَه كلامُ المُصَنِّفِ. وكذا لو كسَر الطَّائرُ في خُروجِه قارُورَة، ضَمِنَها.

ص: 301

أَوْ وكَاءَ زِقِّ مَائِعٍ، أَوْ جَامِدٍ فَأذَابَتْهُ الشَّمْسُ، أَوْ بَقِيَ بَعْدَ حَلِّهِ قَاعدًا فَأَلقَتْهُ الرِّيحُ فَانْدَفَقَ، ضَمِنَهُ. وَقَال الْقَاضِي: لَا يَضْمَنُ مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ.

ــ

قوله: أو حَلَّ وكاءَ زِقِّ مائعٍ أو جامِدٍ، فأذابَتْه الشَّمْسُ، أو بَقِيَ بعدَ حَلِّه قاعِدًا، فأَلْقَتْه الرِّيحُ، فانْدَفَقَ، ضَمِنَه. إذا حَلَّ وكاءَ زِقِّ مائعٍ فانْدفَقَ، ضَمِنَه، بلا نِزاعٍ أعْلَمُه. وإنْ كان مُنْتَصِبًا، فسَقَطَ برِيحٍ، أو زَلْزَلَةٍ، أو طائر، ضَمِنَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الحارِثِيِّ» ، ونَصرَه المُصَنِّفُ.

وقال القاضي: لا يَضمَنُ ما ألْقَتْه الرِّيحُ. وكذا قال أبو الخَطَّابِ وغيرُه. وقال

ص: 302

وَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً في طَرِيقٍ فَأَتْلَفَتْ، أَو اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا فَعَقَرَ، أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا ضَمِنَ.

ــ

الحارِثِيُّ: وعنِ القاضي، وابنِ عَقِيلٍ، لا يَضْمَنُ. وقدَّمه في «التَّلْخيصِ» . وإنْ ذابَ بالشَّمْسِ وانْدفَقَ، ضَمِنَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الحارِثِيُّ: وافَقَ على ذلك القاضي، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، وغيرِهما. وقال في «الفائقِ»: قال القاضي: لا يَضْمَنُ، فلعَلَّ له قولَين. وقال ابنُ عَقِيلٍ: عندِي، لا فَرْقَ بينَ حَرِّ الشَمْسِ وهُبوبِ الرِّيحِ؛ فإمَّا أنْ يسْقُطَ الضَّمانُ في المَوْضِعَين، أو يجِبَ فيهما. واخْتارَ أنَّه لا ضَمانَ هنا أيضًا. وقال في «الفُروعِ»: وإنْ حَلَّ وعاءً فيه دُهْنٌ جامِدٌ، فذَهَبَ برِيحٍ ألْقَتْه، أو شَمْسٍ، فوَجْهان.

قوله: وإنْ ربَط دَابَّةً في طَرِيقٍ فأَتْلَفتْ، ضَمِنَ. شَمِلَ مَسْأَلتَين؛ إحْداهما،

ص: 303

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنْ يكونَ الطَّرِيقُ ضَيقًا، فيَضْمَنَ ما أتْلَفَتْ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم. وقاله ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ البَنَّا، ولو كان ما أتْلَفَتْه بنَفْحِ رِجْلِها. نصَّ عليه. ومَن ضرَبَها، فرفَسَتْه، فماتَ، ضَمِنَه. ذكَرَه في «الفُنونِ» . والمَسْألَةُ الثَّانيةُ، أنْ تكونَ الطَّرِيقُ واسِعَةً. فظاهرُ ما قطَع به المُصَنِّفُ هنا، أنَّه يَضْمَنُ. قال الحارِثِيُّ: وكذا أوْرَدَه ابنُ أبِي مُوسى، وأبو الخَطَّابِ، مُطْلَقًا، ونصَّ عليه أحمدُ. انتهى. قلتُ: وهو ظاهرُ ما جزَم به في «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ؛ لإطْلاقِهم الضَّمانَ. وقدَّمه في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والثَّمانِين» ، وقال: هذا المَنْصوصُ. وذكَر النُّصوصَ في ذلك. والروايةُ الثَّانيةُ، لا يَضْمَنُ إذا لم تَكُنْ في يَدِه. ذكَرَها القاضي في «المُجَرَّدِ» . وهو ظاهرُ ما جزَم به في «الوَجيزِ» . وقدمه في «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وأطْلَقهما في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ» ، و «القَواعدِ

ص: 304

إلَّا أَنْ يَكُونَ دَخَلَ مَنْزِلَهُ بِغيرِ إِذْنِهِ.

ــ

الأُصُولِيَّةِ»، و «الزَّرْكَشِيِّ». وقال القاضي في كتابِ «الرِّوايتَين» وغيرِه: ظاهرُ كلامِ أحمدَ، أنَّه لا يَضْمَنُ إذا كان واقِفًا لحاجَةٍ، والطَّرِيقُ واسِعٌ. قال الحارِثِيُّ: وهو الأَقْوَى نظَرًا.

فائدة: لو تَرَكَ طِينًا في طَرِيقٍ، فزَلَقَ فيه إنْسانٌ، أو خَشَبَةً، أو عَمُودًا، أو حجَرًا، أو كِيسَ دَراهِمَ. نصَّ عليه، أو أسْنَدَ خَشَبَةً إلى حائطٍ، فتَلِفَ به شيءٌ، ضَمِنَه. جزَم به في «الفُروعِ» وغيرِه. ويأتِي في أوَّلِ كتابِ الدِّياتِ؛ إذا صبَّ ماءً في طَريقٍ، أو بالتْ فيها دابَّتُه، أو رَمَى قِشْرَ بِطِّيخٍ، فتَلِفَ به إنْسانٌ، في كلامِ المُصَنِّفِ.

قوله: أَو اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا فعَقَر، أو خرَق ثَوْبًا، إلَّا أَنْ يكونَ دخَل مَنْزِلَه بغيرِ إذْنِه. إذا دخَل بَيتَه بإذْنِه، فعَقَرَه، أو خرَق ثَوْبَه، أو فعَل ذلك خارِجَ البَيتِ، ضَمِنَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الحارِثِيُّ: يَضْمَنُ بغيرِ خِلافٍ في المذهبِ، إذا فعَل ذلك خارِجَ المَنْزِلِ. وقال: إذا دخَل بإذْنِه، يَنْبَغِي تَقْيِيدُه بما، إذا لم يُنَبِّهْه على الكَلْبِ، أو على

ص: 305

وَقِيلَ: في الْكَلْب رِوَايَتَانِ في الْجُمْلَةِ.

ــ

كوْنِه غيرَ مُوثَقٍ، أمَّا إنْ نبَّه، فلا ضَمانَ. قال في «الرِّعايةِ»: إنْ عقَر خارِجَ الدَّارِ، ضَمِنَ، إنْ لم يَكُفَّه رَبُّه، أو يُحَذِّرْ منه. انتهى. وعنه، لا يَضْمَنُ. اخْتارَه الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ. وإنْ دخَلَ بَيتَه بغيرِ إذْنِه، ففَعل ذلك به، لم يَضْمَنْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وعنه، يَضْمَنُ أيضًا. اخْتارَه القاضي في «الجامعِ» . نقلَ حَنْبَلٌ، إذا كان الكَلْبُ مُوثَقًا، لم يَضْمَنْ ما عقَر.

قوله: وقِيلَ: في الكَلْبِ رِوايَتان في الجُمْلَةِ. يعْنِي رِوايتَين مُطْلقَتين، سواءٌ دخَل بإذْنٍ، أو لا، وسواءٌ كان في مَنْزِلِ صاحِبِه، أو خارِجًا عنه. ذكَرَه الشَّارِحُ. قال الحارِثِيُّ: أوْرَدَ المُصَنِّفُ في «كِتابَيه» ، وابنُ أبِي مُوسى، والقاضي في «المُجَرَّدِ» ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» ذلك مِن غيرِ خِلافٍ في شيءٍ مِن ذلك. وحكَى القاضي في «الجامعِ الصَّغِيرِ» ، في الضَّمانِ مُطْلَقًا مِن غيرِ تَقيِيدٍ

ص: 306

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بإذْنٍ، رِوايتَين، وهو ما حكَى أبو الخَطَّابِ في «كِتابَيه» عنِ القاضي، وأوْرَدَه المُصَنِّفُ هنا. وجرَى كل حِكايَةِ هذا الخِلافِ جماعَةٌ مِن أئِمَّةِ المذهبِ؛ الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وأبو الخَطَّابِ، وأبو الحَسَنِ بنُ بَكْرُوسٍ، في «كُتُبِهم الخِلافيَّةِ» ، واخْتَلَفُوا؛ فمنهم مَن صحَّح الضَّمانَ، وهو القاضي في «الجامعِ» ، ومنهم مَن عكَس، وهو قَوْلُ الشَّرِيفِ، والظَّاهِرُ مِن كلامِ أبِي الخَطَّابِ، وابنِ بَكْرُوسٍ. قال: وقَوْلُ المُصَنِّفِ. وقيلَ: في الكَلْبِ رِوايَتان. قال شيخُنا ابنُ أبِي عُمَرَ في «شَرْحِه» : سواءٌ كان في مَنْزِلِ صاحبِه، أو خارِجًا، وسواءٌ دخَلَ بإذْنِ صاحبِ المَنْزِلِ، أو لا. قال: وليس كذلك، فإنَّ كلامَ أبِي الخَطَّابِ، الذي أخَذ منه المُصَنِّفُ ذلك، إنَّما هو وارِدٌ في حالةِ الدُّخولِ، والإِجْمالُ فيه عائلٌ على الإِذْنِ وعدَمِه. وكذلك أوْرَدَ السَّامَرِّيُّ في «كِتابِه»؛ فقال: إنِ اقْتَنَى في مَنْزِلِه كَلْبًا عَقُورًا، فعَقَر فيه إنْسانًا؛ إنْ كان دخَل بغيرِ إذْنِه، فلا ضَمانَ، وإنْ كان بإذْنِه، فعليه الضَّمانُ. قال: وخرَّجَها القاضي على رِوايتَين؛ الضَّمانُ، وعدَمُه، فإنْ عقَر خارِجَ المَنْزِلِ، ضَمِنَ. ذكَرَه ابنُ أبِي مُوسى. انتهى. قال الحارِثِيُّ: فخَصَّصَ الخِلافَ بحالةِ العَقْرِ داخِلَ المَنْزلِ دُونَ خارِجِه. وهو الصَّحيحُ. انتهى. وهذا قطَع به ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» .

فوائد؛ الأُولَى، إفْسادُ الكَلْبِ بما عَدا العَقْرَ؛ كبوْلِه ووُلُوغِه في إناءِ الغيرِ، لا يُوجِبُ ضَمانًا. ذكَرَه المُصَنِّفُ وغيرُه، واقْتَصَر عليه الحارِثِيُّ. وكذلك

ص: 307

وَإِنْ أَجَّجَ نَارًا فِي مِلْكِهِ، أَوْ سَقَى أَرْضَهُ، فَتَعَدَّى إلَى مِلْكِ

ــ

لا يَضْمَنُ ما أتْلَفَه غيرُ العَقُورِ ليلًا ونَهارًا. قاله المُصَنِّفُ وغيرُه، وهو ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ؛ لتَقْيِيدِهم الكَلْبَ بالعَقُورِ. قال الحارِثِيُّ: وكلامُ المُصَنِّفِ مَحْمولٌ على ما يُباحُ اقْتِناؤُه، وأمَّا ما يَحْرُمُ، كالكَلْبِ الأسْوَدِ، فيَجِبُ الضَّمانُ؛ لأنَّه في مَعْنَى العَقُورِ في مَنْعِ الاقْتِناءِ، واسْتِحْقاقِ القَتْلِ. وكذلك ما عَدا كَلْبَ الصَّيدِ والحَرْثِ والماشِيَةِ؛ لأنَّه في مَعْنَى ما تقدَّم، فيَحْصُلُ العُدْوانُ بإمْساكِه. انتهى. الثَّانيةُ، لو اقْتَنَى أسَدًا أو نَمِرًا أو ذِئْبًا، ونحوَ ذلك مِنَ السِّباعِ المُتَوَحِّشَةِ، فكالكَلْبِ العَقُورِ فيما تقدَّم؛ لأنَّه في مَعْناه وأوْلَى؛ لعدَمِ المَنْفَعَةِ. الثَّالثةُ، لو اقْتَنَى هِرَّةً تأْكُلُ الطُّيورَ، وتَقْلِبُ القُدورَ في العادَةِ، فعليه ضَمانُ ما تُتْلِفُه ليلًا ونَهارًا، كالكَلْبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وقالُوا، إلَّا صاحِبَ «الفُروعِ»: قاله القاضي. قال الحارِثِيُّ: ذكَرَه أصحابُنا. فإنْ لم يكُنْ مِن عادَتِها ذلك، فلا ضَمانَ. قاله الأصحابُ. ولو حصَلَ عندَه كَلْبٌ عَقُورٌ، أو سِنَّوْرٌ ضارٌّ مِن غيرِ اقْتِناءٍ واخْتِيارٍ، وأفْسَدَ، لم يَضمَنْ. الرَّابعةُ، يجوزُ قَتْلُ الهِرِّ بأَكْلِ لَحْمٍ، ونحوه. على الصَّحيحِ بِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ». وقال في «الفُصولِ»: له قَتْلُها حينَ أَكْلِها فقط. واقْتصَرَ عليه الحارِثِيُّ، ونصَرَه. وقال في «التَّرْغِيبِ»: له قَتْلُها إذا لم تَنْدَمعْ إلَّا به، كالصَّائلِ.

قوله: وإِنْ أجَّجَ نارًا في مِلْكِه، أو سَقَى أَرْضَه فتَعَدَّى إلى مِلْكِ غيرِه فأَتْلَفَه، ضَمِنَه، إذا كانَ قد أَسْرَفَ فيه، أو فرَّطَ، وإلَّا فلا. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال في «الفُروعِ»: والمُرادُ، لا بطَرَيانِ رِيحٍ. ولهذا قال في

ص: 308

غَيرِهِ فَأَتْلَفَهُ، ضَمِنَ إِذَا كَانَ قَدْ أَسْرَفَ فِيهِ، أوْ فَرَّطَ، وَإلَّا فَلَا.

ــ

«عُيونِ المَسائلِ» : لو أجَّجَها على سَطْحِ دارٍ، فَهبَّتِ الرِّيحُ، فأطارَتِ الشَّرَرَ، لم يَضْمَنْ؛ لأنَّه في مِلْكِه، ولم يُفَرِّطْ، وهُبوبُ الرِّيحِ ليس مِن فِعْلِه، بخِلافِ

ص: 309

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما لو أوْقَفَ في دابَّته في طَريقٍ فبالتْ، أو رَمَى فيها قِشْرَ بِطِّيخٍ؛ لأنَّه في غيرِ مِلْكِه، فهو مُفَرِّطٌ. قال في «الفُروعِ»: وظاهِرُه، لا يَضْمَنُ في الأُولَى مُطْلقًا. انتهى. وقال في «الرِّعايةِ» ، بعدَ ذِكْرِ المَسْألَةِ: قلتُ: وإنْ كان المَكانُ مَغْصُوبًا، ضَمِنَ مُطْلَقًا. يعْنِي، سواءٌ فرَّطَ أو أسْرَفَ، أو لا، إنْ لم يكُنْ للسَّطْحِ سُتْرَةٌ وبقُرْبِه زَرْعٌ، ونحوُه، والرِّيحُ هابَّةٌ، أو أرْسَلَ في الماءِ ما يَغْلِبُ ويَفِيضُ، ضَمِنَ. وقيل: مَن أجَّجَ نارًا في مِلْكٍ بيَدِه له أو لغيرِه بإيجارٍ أو إعارَةٍ، وأسْرَفَ، ضَمِنَ، وإلَّا فلا، وإنْ مُنِعَ مِن ذلك لأَذَى جارِه، ضَمِنَ، وإنْ لم يُسْرِف. انتهى.

فائدة: قال الحارِثِيُّ: قوْلُه: أسْرَفَ فيه أو فَرَّطَ. يُغْنِي الاقْتَصارُ على لَفْظِ «التَّفْرِيطِ» ؛ لدُخولِ الإِسْرافِ فيه. انتهى. قلتُ: الذي يَظْهَرُ، أنَّ الأمْرَ ليس

ص: 310

وَإِنْ حَفَرَ في فِنَائِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ، ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا.

ــ

كذلك، وأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَنْفَكُّ عنَ الآخَرِ؛ لأنَّ الإِسْرافَ مُجاوَزَةُ الحَدِّ عَمْدًا عُدْوانًا. وأمَّا التَّفْريطُ فهو التَّقْصِيرُ في المأْمُورِ. ولذلك قال بعضُ المُحَققِين مِنَ الأصحابِ: فرَّطَ أو أفْرَطَ.

قوله: وإنْ حفَر في فِنائِه بِئْرًا لنَفْسِه، ضَمِنَ ما تَلِفَ بها. هذا المذهبُ، بلا رَيب، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وجوَّزَ بعضُ الأصحابِ حَفْرَ بِئْرٍ لنَفْسِه في فِنائِه بإذْنِ الإِمامِ. ذكَرَه القاضي. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: نَقْلتُه مِن خَطِّه، في مَسْألَةٍ حدَثَتْ في زَمَنِه. قال في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والثَّمانِين»: وفي «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» ، له التَّصَرُّفُ في فِنائِه بما شاءَ مِن حَفْرٍ وغيرهِ، إذا لم يَضُرَّ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ومَن لم يسُدَّ بِئْرَه سَدًّا يَمْنَعُ مِنَ الضَّرَرِ، ضَمِنَ ما تَلِفَ بها. ويأْتِي ذلك أيضًا في أوَّلِ كتابِ الدِّياتِ.

فائدة: لو حفَر الحُرُّ بِئْرًا بأُجْرَةٍ، أو لا، وثبَتَ عِلْمُه أنَّها في مِلْك غيرِه، نصَّ

ص: 311

وَإِنْ حَفَرَهَا في سَابِلَةٍ؛ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَضْمَنْ، في أَصَحِّ الرِّوَايَتَينِ.

ــ

عليه، ضَمِنَ الحافِرُ. قاله القاضي، وابنُ عَقِيل، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وقال: ونصُّه، هما. وقدَّمه الحارِثِيُّ، وقال: هو مُقْتَضَى إيرادِ ابنِ أبِي مُوسى، يَعْنِي، أنَّهما ضامِنان، وإنْ جَهِلَ، ضَمِنَ الآمِرُ. وقيل: الحافِرُ، ويرْجِعُ على الآمِرِ.

قوله: وإنْ حفَرَها في سابِلَةٍ؛ لنَفْعِ المُسْلِمِين، لم يَضْمَنْ في أصَحِّ الرِّوايتَين. يعْنِي، إذا لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ. وهذا المذهبُ بهذا الشَّرْطِ. قال في «الوَجيزِ» وغْيرِه: إنْ كانتِ السَّابِلَةُ واسِعَةً. وهو قيدٌ حَسنٌ، كما يأْتِي. جزَم به ابنُ أبي

ص: 312

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُوسى، والقاضي في «الجامعِ الصَّغِيرِ» ، وأبو الفَرَجِ الشِّيرازِيُّ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَب» ، و «الخُلاصَةِ»: لم يضْمَنْ في أصحِّ الرِّوايَتْين. وصحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ أيضًا، والنَّاظِمُ. وقدَّمه في «الفروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «المُحَرَّرِ» . وعنه، يضْمَنُ. ولم يذْكُرِ القاضي غيرَ هذه الرِّوايَةِ. قال الحارِثِيُّ: وهذا له قُوَّةٌ، وإنْ كان المُصَنِّفُ، وأبو الخَطَّابِ صحَّحا غيرَه. وعنه، لا يضْمَنُ إنْ كانَ بإذْنِ الإِمامِ، وإلَّا ضَمِنَ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: قال بعضُ أصحابِنا: لا يَضْمَنُ إذا كانَ بإذْنِ الإِمامِ. قال

ص: 313

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحارِثِيُّ: وهذه طريقَةُ القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وكتابِ «الرِّوايتَين» ، وابنِ عَقِيلٍ، والسَّامَرِّي، وصاحبِ «التَّلْخيصِ» ، وغيرِهم. انتهى. وهي طريقَةُ صاحبِ «المُحَرَّرِ» أيضًا. وقال بعضُ الأصحابِ: يَنْبَغِي أنْ يتَقَيَّدَ سقُوطُ الضَّمانِ عنه فيما إذا حفَرَها في مَوْضِعٍ مائلٍ عنِ القارِعَةِ، بَشْرطِ أنْ يجْعَلَ عليه حاجِزًا يُعْلَمُ به؛ ليُتَوَقَّى.

تنبيهان؛ أحدُهما، محَلُّ الخِلافِ، إذا كانتِ السَّابِلَةُ واسِعَةً، فإنْ كانتْ ضَيِّقَةً، ضَمِنَ، بلا نِزاعٍ. قال الحارِثِيُّ: لو حفَر في سابلَةٍ ضَيِّقَةٍ، وجَب الصَّمانُ؛ لأنَّه لا يَخْتَلِفُ المذهبُ فيه، وليس بداخِلٍ فيما أَوْرَدَه المُصَنِّفُ مِنَ

ص: 314

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخِلافِ، وإنَّ ظاهِرَ الإِيرادِ يشْمَلُه، ومحَلُّ الخِلافِ أيضًا، إذا حفَر في غيرِ مَكانٍ يَضُر بالمارَّةِ. فأمَّا إنْ حفَر في طَريقٍ، اسِعٍ، في مَكانٍ منه يَضُرُّ بالمارَّةِ، فهو كما لو كانَ الطَّريقُ نفْسُه ضَيِّقًا. ولا فَرْقَ بينَ كَوْنِه لمَصْلَحَةٍ عامَّةٍ، أو خاصَّةٍ، بإذْنِ الإِمامِ أو غيرِه. الثَّاني، مَفْهومُ قوْلِه: لنَفْعِ المُسْلِمِين. أنَّه لو حفَر لنَفْعِ نَفْسِه، أنَّه يضْمَنُ. وهو كذلك، أذِنَ فيه الإِمامُ أو لم يأْذَنْ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو حفَرَها في مَواتٍ؛ للتَّمَلُّكِ، أو الارْتِفاقِ بها، أو الانْتِفاعِ العامِّ، فلا ضَمانَ، نصَّ عليه. وقطَع به الحارِثِيُّ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهم، ذكَراه في كتابِ الدِّياتِ. الثَّانيةُ، حُكْمُ ما لو بنَى فيها مَسْجِدًا أو غيرَه، كالخانِ، ونحوه، لنَفْعِ المُسْلِمين حُكْمُ حَفْرِ البِئْرِ في سابِلَةٍ لنَفْعِ المُسلِمين. نقَل إسْماعِيلُ بنُ سَعِيدٍ، في المَسْجِدِ، لا بَأْسَ به إذا لم يَضُرَّ بالطَّريقِ. ونقَل عَبْدُ اللهِ، أكْرَهُ الصَّلاةَ فيه، إلَّا أنْ يكونَ بإذْنِ إمامٍ. ونقلَ المَرُّوذِيُّ، حُكْمُ هذه المَساجِدِ التي بُنِيَتْ في الطَّرِيقِ، تُهْدَمُ. وسأَلَه محمدُ بنُ يَحْيَى الكَحَّالُ: يَزِيدُ في المَسْجِدِ مِن الطَّريقِ؟ قال: لا يُصَلَّى فيه. ونقَل حَنْبَلٌ، أنَّه سُئِلَ عنِ المَساجِدِ على الأنْهارِ؟ قال: أخْشَى أنْ يكونَ مِنَ الطرَّيقِ. وسألَه ابنُ إبْراهِيمَ، عن ساباطٍ فوْقَه مَسْجِدٌ، أَيُصَلَّى فيه؟ قال: لا يُصَلَّى فيه، إذا كان مِنَ الطَّريقِ. قال في «القَواعِدِ»: الأكْثَرُ منَ الأصحابِ قالُوا: إنْ كان

ص: 315

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بإذْنِ الإِمام، جازَ، وإلَّا فروايَتان، ما لم يَضُرَّ بالمَارَّةِ. وفهم مَن أطْلَقَ الرِّوايتَين. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: ويَحْتَمِلُ أنْ يُعْتَبرَ إذْنُ الإِمامِ في البِناءِ لنَفْعِ المُسْلِمين دُونَ الحفْرِ؛ لدَعْوَى الحاجَةِ إلى الحَفْرِ لنَفْعِ الطَّريقِ وإصْلاحِها، وإزالةِ الطِّينِ والماءِ منها، فهو كتَنْقِيَتِها، وحَفْرِ هِدْفَةٍ فيها، وقَلْعِ حجَرٍ يضُرُّ بالمارَّةِ، ووَضْعِ الحَصَى في حُفْرَةٍ؛ ليَمْلأَها، وتَسْقيفِ ساقِيَةٍ فيها، ووَضْعِ حجَرٍ في طِينٍ فيها؛ ليَطَأَ النَّاسُ عليه. فهذا كلُّه مُباحٌ، لا يضْمَنُ ما تَلِفَ به، لا نعْلَمُ فيه خِلافًا. قالا: وكذلك يَنْبَغِي أنْ يكونَ في بِناءِ القَناطِرِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يُعْتَبرَ إذْنُ الإِمامِ فيها؛ لأنَّ مَصْلَحَتَه لا تعُمُّ. انتهى كلامُهما. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: حُكْمُ ما بُنِيَ وَقْفًا على المَسْجِدِ في هذه الأمْكِنَةِ، حُكْمُ بِناءِ المَسْجِدِ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو فعَل العَبْدُ ذلك بأمْرِ سيِّدِه، كان كفِعْلِ نَفْسِه؛ أعْتَقَه، أو لا. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ. وقال الحارِثِي: إنْ كان ممَّن يجْهَلُ الحال، فلا إشْكال في إطْلاقِ الأصحابِ، وإنْ كان ممَّن يَعْلَمُه، ففيه ما في مَسْألَةِ القَتْلِ بأمْرِ السَّيِّدِ، إنْ عَلِمَ

ص: 316

وَإِنْ بَسَطَ في مَسْجِدٍ حَصِيرًا، أَوْ عَلَّقَ فِيهِ قِنْدِيلًا، لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ.

ــ

الحُرْمَةَ، وفيها رِوايَتان؛ إحْداهما، القَوَدُ على السَّيِّدِ فقط. والأُخْرَى، على العَبْدِ. فيتَعَلَّقُ الضَّمانُ هنا برَقَبتِه، كما لو لم يأْمُرِ السَّيِّدُ. وإنْ حفرَ بغيرِ أمْرِ السَّيِّدِ، تعَلَّقَ الضَّمانُ برَقَبتِه، ثم إنْ أعْتَقَه، فما تَلِفَ بعدَ عِتْقِه، فعليه ضَمانُه. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. قال الحارِثِيُّ: وهو الأصحُّ. وقال صاحِبُ «التَّلْخيصِ» وغيرُه: الضَّمانُ على المُعْتِقِ بقَدْرِ قِيمَةِ العَبْدِ، فما دُونَه. الثَّانيةُ، لو أمَرَه السُّلْطانُ بفِعْلِ ذلك، ضَمِنَ السُّلْطانُ وحدَه.

قوله: وإنْ بسَط في مَسْجِدٍ حَصِيرًا، أو علَّقَ فيه قِنْدِيلًا، لم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكْثَرُ. قال الحارِثِيُّ: هذا ما حكَى المُصَنِّفُ، والقاضي في «الجامِعِ الصَّغِيرِ» ، وأبو الخَطَّابِ، والشَّرِيفان؛ أبو جَعْفَرٍ وأبو القاسِمِ الزَّيدِيُّ، والسَّامَرِّيُّ، في آخَرِين، عنِ المذهبِ. انتهى. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفائقِ» وغيرِه. وقيل: يضْمَنُ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وهو تخْرِيجٌ لأبِي

ص: 317

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» مِنَ التي قبلَها؛ وهي حَفْرُ البِئْرِ. وكذلك خرَّجَه أبو الحَسَنِ بنُ بَكْروسٍ. قال الحارِثِيُّ: ولا يصِحُّ؛ لأنَّ الحَفْرَ عُدْوانٌ لإِبطْالِ حقِّ المُرورِ، ولا كذلك ما نحنُ فيه. وذكَر القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وكتابِ «الرِّوايتَين» ، إنْ أذِنَ الإمامُ (1)، فلا ضَمانَ، وإلَّا فعلى وَجْهَين؛ بِناءً على البِئْرِ. وتَبِعَه على ذلك ابنُ عَقِيلٍ في «الفُصولِ» ، مع أنَّهما قالا: قال أصحابنُا، في بَوارِيِّ المَسْجِدِ: لا ضَمانَ على فاعِلِه، وَجْهًا واحِدًا، بإذْنِ الإِمامِ أو غيرِ إذْنِه؛ لأنَّ هذا مِن تَمامِ مَصْلَحَتِه.

فائدة: لو نصَب فيه بابًا، أو عُمُدًا، أو سقَفَه، أو جعَل فيه رَفًّا؛ لينْتَفِعَ به النَّاسُ، أو بنَى جِدارًا، أو أوْقَدَ مِصْباحًا، فلا ضَمانَ عليه (2).

ص: 318

وَإِنْ جَلَسَ في مَسجِدٍ أوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ، لَمْ يَضْمَنْ، في أَحَدِ الْوَجْهَينِ.

ــ

قوله: وإنْ جلَس في مَسْجِدٍ، أو طَرِيقٍ واسِعٍ، فعَثَر به حَيَوانٌ، لم يَضْمَنْ في أَحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. قال في «الفُروعِ»: والأصحُّ، لا يضْمَنُ. قال الشَّارِحُ: وهو أوْلَى. قال في «الفائقِ» ، فيما إذا جلَس في طريقٍ واسعٍ: لم يضْمَنْ في أصحِّ الوَجْهَين. وصحَّحه في «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يضْمَنُ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، في الجالِسِ في الطَّريقِ. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» .

تنبيه: قال الحارِثِيُّ: أوْرَدَ المُصَنِّفُ الوَجْهَين في المَتْنِ؛ أخْذًا مِن إيرادِ أبِي الخَطَّابِ. قال: ولم أرَهما لأحَدٍ قبلَه. وأصْلُ ذلك، واللهُ أعلمُ، ما مَرَّ مِنَ الرِّوايتَين، في رَبْطِ الدَّابَّةِ بالطَّريقِ. ومحَلُّه ما لم يَكُنِ الجُلُوسُ مُباحًا، كالجُلوسِ في المَسْجِدِ مع الجَنابَةِ والحَيضِ، أو للبَيعِ والشِّراءِ، ونحو ذلك. أمَّا ما هو مَطْلُوبٌ؛ كالاعْتِكافِ، وانْتِظارِ الصَّلاةِ، والجُلُوسِ لتَعْليمِ القُرآنِ والسُّنةِ، فلا يتَأَتَّى الخِلافُ فيه بوَجْهٍ. وكذا ما هو مُباحٌ مِنَ الجُلُوسِ فيه، وفي

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جَوانِبِ الطُّرُقِ الواسِعَةِ؛ كبَيعِ مأْكُولٍ، ونحوه، لامْتِناعِ الخِلافِ فيه؛ لأنَّه جلَس فيما يسْتَحِقُّه بالاخْتِصاصِ، فهو كالجُلُوسِ في مِلْكِه، مِن غيرِ فَرْقٍ. وقد حكَى القاضي الجَزْمَ بنَفْي الضَّمانِ في المَسأَلَةِ، في الطَّريقِ الواسِعِ. وهذا التَّقْيِيدُ حَكاه بعضُ شُيوخِنا في كُتُبِه عن بعضِ الأصحابِ، ولا بُدَّ منه، لكِنَّه يقْتَضِي اخْتصِاصَ الخِلافِ بالمَسْجِدِ دُونَ الطَّريقِ؛ لأنَّ الجُلُوسَ بالطَّريقِ الواسِعَةِ؛ إمَّا مُباحٌ، كما ذكَرْنا، فلا ضَمانَ بحالٍ. وإمَّا غيرُ مُباحٍ، كالجُلُوسِ وَسْطَ الجادَّةِ، فالضَّمانُ واجِبٌ، ولابُدَّ. انتهى كلامُ الحارِثِيِّ.

فائدة: حُكْمُ الاضْطِجاعِ في المَسْجِدِ، والطَّريقِ الواسِعَةِ، حُكْمُ الجُلُوسِ فيهما، على ما تقدَّم. وأمَّا القِيامُ، فلا ضمانَ به بحالٍ؛ لأنَّه مِن مَرافِقِ الطُّرُقِ، كالمُرورِ.

تنبيه: مَفْهومُ كلامِه، أنَّه لو جلَس في طَريقٍ ضَيِّقَةٍ، أنَّه يضْمَنُ. وهو كذلك، ويأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، في أوائلِ كتابِ الدِّياتِ، في مَسْألَةِ الاصْطِدامَ.

ص: 320

وَإِنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا أَوْ مِيزَابًا إِلَى الطَّرِيقِ، فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ أَتْلَفَهُ، ضَمِنَ.

ــ

قوله: وإنْ أَخْرَجَ جَناحًا، أو مِيزابًا إلى الطَّرِيقِ -قال في «الرِّعايةِ»: نافِذًا أو غيرَ نافِذٍ، يعْنِي، بغيرِ إذْنِ أهْلِه- فسَقَط على شَيءٍ فأتْلَفَه، ضَمِنَ. وهذا قاله أكثرُ الأصحابِ. وتقدَّم الكلامُ في ذلك مُحَرَّرًا، في بابِ الصُّلْحِ، عندَ قوْلِه: ولا يَجُوزُ أنْ يشْرَعَ إلى طَريقٍ نافِذ جَناحًا. قال في «الفُروعِ» : ولو بعدَ بَيعٍ، وقد طُولِبَ بنَقْضِه، لحُصُولِه (1) بفِعْلِه. انتهى.

(1) في الفروع 4/ 521: «كحصوله» .

ص: 321

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقاله القاضي وغيرُه. وقال في «الرِّعايةِ» ، بعدَ أنْ ذكَر الأوَّلَ: ولا يضمَنُ ما تَلِفَ بما يُباحُ؛ مِن جَناحٍ، وساباطٍ، ومِيزاب. فعُلِمَ من ذلك، أنَّ مُرادَ المُصَنِّفِ وغيرِه ممَّن أطْلَقَ، إذا كان ذلك لا يُباحُ فِعْلُه. وقد صرَّح بذلك المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، في إخْراجِ الجَناحِ في غيرِ الدَّرْبِ النَّافِذِ بإذْنِ أهْلِه، أنَّه لا يضْمَنُ. قال الحارِثِيُّ: ومَبْنَى هذا الأصْلِ، أنَّ الإِخْراجَ؛ هل يُباحُ، أم لا؟

ص: 322

وَإِنْ مَال حَائِطُهُ، فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيئًا، لَمْ يَضْمَنْهُ، نَصَّ عَلَيهِ. وَأَوْمَأَ في مَوْضِعٍ، أَنَّهُ إِنْ تُقُدِّمَ إِلَيهِ بِنَقْضِهِ وَأُشْهِدَ عَلَيهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، ضَمِنَ.

ــ

قوله: وإن مال حائطُه فلم يَهْدِمْه حتى أَتْلَفَ شيئًا، لم يَضْمَنْه، نصَّ عليه. وهو المذهبُ. قال الحارِثِيُّ في «شَرْحِه»: والذي عليه مُتَأَخِّرُو الأصحابِ؛ القاضي ومَن بعدَه، أنَّ الأصحَّ مِنَ المذهبِ عدَمُ الضَّمانِ. قال: وأصْلُ ذلك قوْلُ القاضي في «المُجَرَّدِ» : المَنْصوصُ عنه في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ، لا ضَمانَ عليه؛ سواءٌ طُولِبَ بنَقْضِه، أو لم يُطالبْ. انتهى. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وصحَّحه النَّاظِمُ. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وأوْمَأَ في مَوْضِعٍ، أنَّه إنْ تُقُدِّمَ إليه بنَقْصه، وأُشْهِدَ عليه، فلم يَفْعَلْ، ضَمِنَ. وهذا الإِيماءُ ذكَرَه ابنُ بخْتانَ، وابنُ هانِئٍ، ونصَّ على

ص: 323

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك، في رِوايَةِ إسْحاقَ بنِ مَنْصُورٍ. ذكَرَه أبو بَكْرٍ في «زادِ المُسافِرِ». قال الحارِثِيُّ: وهذه الرِّوايَةُ هي المذهبُ. ولم يُورِدِ ابنُ أبِي مُوسى سِواها، وكذلك قال في «رُءوسِ المَسائلِ» ، وهو مِن كُتُبِه القَديمَةِ. وذكَر أبو الخَطَّابِ، والقاضي أبو الحُسَينِ، وابنُ بَكْروسٍ، وغيرُهم، أنَّه اخْتِيارُ طائفَةٍ مِنَ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ»: وعنه، إنْ طالبَه مُسْتَحِقٌّ بنَقْضِه، فأبَى مع إمْكانِه، ضَمِنَه. اخْتارَه جماعَةٌ. وقدَّمه في «النَّظْمِ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وأمَّا إنْ طُولِبَ بنَقْضه، فلم يَفْعَلْ، فقد توَقَّفَ أحمدُ عنِ الجَوابِ فيها. وقال أصحابُنا: يضْمَنُ. وقد أوْمَأَ إليه أحمدُ، والتَّفْرِيعُ عليه. وأطْلَقَهما في «الرِّعايةِ الكُبْرى». وقيل: يضْمَنُ مُطْلَقًا. وخرَّجه أبو الخَطَّابِ، والمَجْدُ،

ص: 324

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَجْهًا. قال الشَّارِحُ: ذكَر بعضُ أصحابِنا وَجْهًا بالضَّمانِ مُطْلَقًا. انتهى. وهذا اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. قال الحارِثِيُّ: وهو الأقْوَى. وتقدَّم التَّنْبِيهُ على بعضِ ذلك، في أواخِرِ بابِ الصُّلْحَ.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا عَلِمَ بمَيَلانِه، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . ولم يذْكُرْ في «التَّرْغِيب» العِلْمَ بمَيَلانِه. وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، وجماعَةٍ.

فوائد؛ إحْداها، كيفِيَّةُ الإِشْهادِ: اشْهَدُوا أَنِّي طالبْتُه بنَقضِه. أو: تقَدَّمتُ إليه بنَقْضِه. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ، وذكَر القاضي بعضَه، وكذلك كلُّ لَفْظٍ أدَّى

ص: 325

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إليه. ثم المَيلُ إلى السَّابلَةِ فيَسْتَقِلُّ بها الإِمامُ، ومَن قامَ مَقامَه، وكذا الواحِدُ مِنَ الرعِيَّةِ؛ مُسْلِمًا كان أوَ ذِمِّيًّا. ولو كان إلى دَرْبٍ مُشْتَركٍ، فكذلك يسْتَقِلُّ به الواحِدُ مِن أهْلِه. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. وإنْ كانَ إلى دارِ مالكٍ مُعَيَّنٍ، اسْتَقَلَّ به. وإنْ كانَ ساكِنُها الغيرَ، فكالمالِكِ. وإنْ كانَ السَّاكِنُ جماعَةً، اسْتَقَلَّ به أحدُهم. وإنْ كانَ غاصِبًا، لم يَمْلِكْه، وما تَلِفَ له، فغيرُ مَضْمُونٍ. الثَّانيةُ، لو سقَطَ الجِدارُ مِن غيرِ مَيَلانٍ، لم يضْمَنْ ما توَلَّدَ منه، بلا خِلافٍ. وإنْ بَناه مائِلًا إلى مِلْكِ الغيرِ بإذْنِه، أو إلى مِلْكِ نَفْسِه، أو مال إليه بعدَ البِناءِ، لم يضْمَنْ. وإنْ بَناه مائِلًا إلى الطرَّيقِ، أو إلى مِلْكِ الغيرِ بغيرِ إذْنِه، ضَمِنَ. قال المُصَنِّفُ: لا أعْلَمُ فيه خِلافًا. ومَسْألَةُ المُصَنِّفِ، بَناه مُسْتَويًا، ثم مال.

ص: 326

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثَّالثةُ، لا أثَرَ لمُطالبَةِ مُسْتَأْجِرِ الدَّارِ، ومُسْتَعِيرِها، ومُسْتَوْدِعِها، ومُرْتَهِنِها، ولا ضَمانَ عليهم، فلو طُولِبَ المالِكُ في هذه الحالِ؛ فإنْ لم يُمْكِنْه اسْتِرْجاعُها، أو نَقْضُ الحائطِ، فلا ضَمانَ، وإنْ أمْكَنَه؛ كالمُعيرِ، والمُودِعِ، والرَّاهِنِ، إذا أمْكَنَه فِكاكُ الرَّهْنِ، ولم يَفْعَلْ، ضَمِنَ. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. وإنْ حُجِرَ على المالِكِ؛ لسَفَهٍ، أو صِغَرٍ، أو جُنونٍ، فطُولِبَ، لم يضْمَنْ، وإنْ طولِبَ وَلِيُّه، أو وَصِيُّه، فلم يَنْقُضْه، ضَمِنَ المالِكُ. قاله القاضي في «المُجَرَّدِ» ، والمُصَنِّف في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ، والحارِثِيُّ، وغيرُهم. قال في «الفُروعِ»: ولا يضْمَنُ وَلِيٌّ فَرَّطَ، بل مُوَلِّيه، ذكَرَه في «المُنْتَخَبِ» ، ويتَوجَّهُ عكْسُه. وكأنَّه لم يطَّلِعْ على كلامِ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، والحارِثِيِّ. [وقال ابنُ عَقِيل: الضَّمان على الوَلِيِّ. قال الحارِثِيُّ] (1): وهو الحَقُّ؛ لوُجودِ التَّفْريطِ، وهو التَّوجِيهُ الذي ذكَرَه في «الفُروعِ» . الرَّابعةُ، لو كان المَيَلانُ إلى مِلْكِ مالِكٍ مُعَيَّنٍ؛ إمَّا واحدٍ أو

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 327

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جماعةٍ، فأمْهَلَه المالِكُ، أو أبْرَأَه، جازَ، ولا ضَمانَ. وإنْ أمْهَلَه ساكِنُ المِلْكِ، أو أبْرَأَه، فكذلك. ذكَرَه القاضي، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقدَّمه الحارِثِيُّ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يسْقُطُ، ولا يتَأَجَّلُ، إلَّا أنْ يجْتَمِعا، أعْنِي السَّاكِنَ والمالِكَ. قال الحارِثِيُّ: والذي قاله: أنَّه لا يَبْرَأُ بالنِّسْبَةِ إلى المُبْرِئ. فليس كما قال؛ لأنَّ مَن

ص: 328

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ملَكَ حَقًّا، ملك إسْقاطَه، وإنْ كان بالنِّسْبَةِ إلى مَن لم يَبرَأْ، فنَعم، وذلك على سَبيلِ التَّفْصِيلِ لا يقْبَلُ خِلافًا. وإنْ كان المَيَلانُ إلى دَرْبٍ لا ينْفُذُ، أو إلى سابِلَةٍ، فأبْرأه البعضُ، أو أمْهَلَه، بَرِئ، بالنِّسْبَةِ إلى المُبْرِيء، أو المُمْهِلِ. الخامسةُ، لو كان المِلْكُ مُشْتَرَكًا، فطُولِبَ أحدُهم بنَقْضِه، فقال المُصنِّفُ، والشَّارِحُ: احْتَمَلَ وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا يَلْزَمُه شيءٌ. والثَّاني، يَلْزَمُه بحِصَّتِه. وهو ظاهرُ ما جزَم به النَّاظِمُ. السَّادسةُ، لو باعَ الجِدارَ مائِلًا بعدَ التَّقَدُّمِ إليه، فقال القاضي في «المُجَرَّدِ» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والسَّامَرِّيُّ في «فُروقِه»: لا ضَمانَ عليه؛ لزوالِ التَّمَكنِ مِنَ الهَدْمِ حالةَ السُّقُوطِ. قال المُصَنِّفُ: ولا على المُشْتَرِي؛ لانْتِفاءِ التَّقَدُّمِ إليه. وكذا الحُكْمُ لو وهَبَه وأقْبضَه. وإنْ قُلْنا بلُزومِ الهِبَةِ، زال الضَّمانُ عنه بمُجَرَّدِ العَقْدِ. انتهى. وقال ابنُ

ص: 329

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَقِيلٍ في «الفُصولِ» : إنْ باعَه فِرارًا، لم يسْقُطِ الضَمانُ؛ لأنَّ الحِيَلَ لا تُسْقِطُ الحُقوقَ بعدَ وُجوبِها. انتهى. وقال الحارِثِيُّ: والأوْلَى، إنْ شاءَ الله، وجُوبُ الضَّمانِ عليه مُطْلَقًا. وقال ابنُ عَقِيلٍ، بعدَ كلامِه المُتَقدِّمِ: وكذا لو باعَ فَخًّا أو شبَكَةً مَنْصُوبَين، فوَقَعَ فيهما صَيدٌ في الحَرَمِ، أو مَمْلُوكٌ للغيرِ، لم يسْقُطْ عنه ضَمانُه. قال ابنُ رَجَبٍ: والظَّاهِرُ أنَّ القاضيَ لا يُخالِفُ في هذه الصُّورَةِ. قاله في «القاعِدَةِ الرَّابِعَةِ والعِشْرِين» . وقال في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ والثَّمانِين» : وهل يجِبُ الضَّمانُ على مَنِ انْتَقَلَ المِلْكُ إليه إذا اسْتَدامَه، أم لا؟ الأَظهَرُ وُجوبُه عليه، كمَنِ اشْتَرَى حائِطًا مائِلًا، فإنَّه يقُومُ مَقامَ البائعِ فيه، فإذا طُولِبَ بإزالتِه، فلم يفْعَلْ، ضَمِنَ على رِوايَةٍ. انتهى. السَّابعةُ، إذا تشَقَّقَ الحائِطُ طُولًا،، لم يُوجِبْ

ص: 330

وَمَا أَتْلَفَتِ الْبَهِيمَةُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا، إلا أنْ تَكُونَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ؛ كَالرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ، فَيَضْمَنُ مَا جَنَت يَدُهَا أوْ فَمُهَا دُونَ مَا جَنتْ رِجْلُهَا.

ــ

نقْضَه، وحُكْمُه حُكْمُ الصَّحيحِ، وإنْ تشَقَّقَ عَرْضًا، فحُكْمُه حُكْمُ المائلِ، على ما تقدَّم. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والحارِثِيُّ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم.

قوله: وما أَتْلَفَتِ البَهِيمَةُ، فلا ضَمانَ على صاحِبِها. وهذا المذهبُ بشَرْطِه الآتِي، وعليه الأصحابُ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ، وسواءٌ كان التَّالِفُ صَيدَ حَرَم أو غيرَه. قال في «الفُروعِ»: أطْلَقَه الأصحابُ. قال: ويتَوَجَّهُ، إلَّا الضَّارِيَةَ، ولعَلَّه مُرادُهم. وقد قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، في مَن أمَرَ رَجُلًا بإمْساكِها: ضَمِنَه، إنْ لم يُعْلِمْه بها. وقال في «الفُصولِ»: مَن أطْلَقَ كَلْبًا عَقُورًا، أو دابَّةً رَفُوسًا، أو

ص: 331

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَضُوضًا على النَّاسِ، وخَلَّاه في طُرُقِهم ومَصاطبِهم ورِحابِهم، فأَتْلَفَ مالًا، أو نَفَسًا، ضَمِنَ؛ لتَفْرِيطِه. وكذا إنْ كانَ له طائرٌ جارِحٌ؛ كالصَّقْرِ والبازِيِّ، فأَفْسَدَ طُيورَ النَّاسِ وحَيواناتِهم. انتهى. قلتُ: وهو الصَّوابُ.

فائدة: قال في «الانْتِصارِ» : البَهِيمَةُ الصَّائِلَةُ يَلْزَمُ مالِكَها وغيرَه إتْلافُها. وكذا قال في «عُيونِ المَسائلِ» : إذا عُرِفَتِ البهِيمَةُ بالصَّوْلِ، يجِبُ على مالِكِها قَتْلُها، وعلى الإِمامِ وغيرِه، إذا صالتْ على وَجْهِ المَعْروفِ، ومَن وجَب قَتْلُه على وَجْهِ المَعْروفِ، لم يُضْمَنْ، كمُرْتَدٍّ. وتقدَّم إذا كانتِ البَهِيمَةُ مغْصُوبَةً، وأتْلَفَتْ، عندَ قوْلِه: وإنْ جنَى المَغْصُوبُ، فعليه أَرشُ جِنايَتِه.

قوله: إلَّا أنْ تَكُونَ في يَدِ إنْسانٍ؛ كالرَّاكِبِ، والسَّائِقِ، والقائدِ -يعْنِي، إذا كان قادِرًا على التَّصَرُّفِ فيها- فيَضْمَنَ ما جنَتْ يدُها أو فَمُها دُونَ ما جَنَتْ

ص: 332

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رِجْلُها. وهذا المذهبُ. قال الحارِثِيُّ: هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «خِلافِه الصَّغِيرِ» ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَر، وابنُ عَقِيلٍ في «التَّذْكِرَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وعنه، يضْمَنُ السَّائقُ جِنايَةَ رِجْلِها. قال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ: وهي أصحُّ؛ لتَمَكُّنِ السَّائقِ مِن مُراعاةِ الرِّجْلِ، بخِلافِ الرَّاكِبِ والقائدِ. وعنه، يضْمَنُ ما جنَت برِجْلِها؛ سواءٌ كان سائِقًا أو قائدًا، أو راكِبًا. ذكَرَها في «المُغْنِي» وغيرِه. قال الحارِثِيُّ: وأوْرَدَ في «المُغْنِي» هذا الخِلافَ مُطْلَقًا في القائدِ والسَّائقِ والرَّاكِبِ، والصَّوابُ ما حَكاه في «الكافِي» وغيرِه مِنَ التَّقْيِيدِ بالسَّائقِ؛ فإنَّه مأُخُوذ مِنَ القاضي، والقاضي إنَّما

ص: 333

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذكَرَه في السَّائقِ فقط. انتهى. قلتُ: هذا غيرُ مُؤثِّر فيما أوْرَدَه المُصَنِّفُ مِنَ الإِطْلاقِ؛ لأنَّ جماعَةً مِنَ الأصحابِ حَكَوا الرِّواياتِ الثَّلاثَ، والنَّاقِلُ مُقَدَّمٌ على النَّافِي. وقال في «المُحَرَّرِ»: يضْمَنُ إذا كان معها راكِبٌ أو قائدٌ أو سائقٌ ما جنَتْ بيَدِها وفَمِها ووَطْءِ رِجْلِها، دُونَ نَفْحِها ابْتِداءً. انتهى. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه». وقال ابنُ البَنَّا: إنْ نفَحَتْ برِجْلِها، وهو يَسِيرُ عليها، فلا ضَمانَ، وإنْ كان سائقًا، ضَمِنَ ما جنَتْ برِجْلِها.

فوائد؛ منها، لو كبَحَها باللِّجامِ زِيادَةً على المُعْتادِ، أو ضرَبَها في الوَجْهِ، ضَمِنَ ما جنَتْ برِجْلِها أيضًا، ولو لمَصْلَحَةٍ. قال الحارِثِيُّ: لا يخْتَلِفُ الأصحابُ في وُجوبِ الضَّمانِ وَطْئًا ونَفْحًا. وظاهِرُ نَقْلِ ابنِ هانِئٍ في الوَطْءِ؛ لا يضْمَنُ. [ونقَل أبو طالِبٍ، لا يضْمَنُ](1) ما أصابَتْ برِجْلِها، أو نفَحَت بها؛ لأنَّه لا يَقْدِرُ على حَبْسِها. وهو ظاهرُ كلامِ جماعَةٍ. قاله في «الفُروعِ» .

(1) سقط من: الأصل، ط، انظر: الفروع 4/ 522.

ص: 334

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها، لا يضْمَنُ ما جنَتْ بذَنَبِها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كرِجْلِها. قال في «الفُروعِ»: ولا ضَمانَ بذَنَبِها في الأصحَّ. جزَم به في «التَّرْغِيبِ» وغيرِه، وجزَم به أيضًا في «الرعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم، مع ذِكْرِهم الخِلافَ في الرِّجْلِ. وقيل: يضْمَنُ. قال الحارِثِيُّ: والذَنَبُ كالرِّجْلِ، يَجْرِي فيه الخِلافُ في السَّائقِ، ولا يضْمَنُ به الرَّاكِبُ والقائدُ، كما لا يضْمَنُ بالرِّجْلِ، وجْهًا واحِدًا. كذا أوْرَدَه في «الكافِي» . انتهى. ومنها، لو كان السَّبَبُ مِن غيرِ السَّائقِ والقائدِ والرَّاكِبِ؛ مثْلَ أنْ نخَسَها أو نفَّرَها غيرُه، فالضَّمانُ على مَن فعَل ذلك. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. ومنها، لو جنَى وَلَدُ الدَّابَّةِ، ضَمِنَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب، نصَ عليه. واخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى، والسَّامَرِّيُّ، وقطَعا به. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ الحارثِيِّ». وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَضْمَنُ إنْ فرَّطَ؛ نحوَ أنْ يَعْرِفَه شَمُوصًا، وإلَّا فلا. وقيل: لا يَضْمَنُ مُطْلَقًا. واخْتارهَ المُصنِّفُ، والشَّارِحُ. وقدَّمه في «الفائقِ» ، ومنها، لو كان الرَّاكِبُ اثْنان، فالضَمانُ على الأوَّلِ، إلَّا أنْ يكونَ صَغِيرًا أو

ص: 335

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَرِيضًا، ونحوَهما، وكان الثَّانِي مُتَوَلِّيًا تَدْبِيرَها، فيَكونَ الضَّمانُ عليه. وقال الحارثِيُّ: وإنِ اشْتَركا في [التَّصَرُّفِ، اشْتَرَكا في](1) الضَّمانِ. وإنْ كان مع الدَّابَّةِ سائق وقائدٌ، فالضَّمانُ عليهما، على المذهبِ، وعليه الأصحابُ. قال الحارِثِيُّ: وعن بعضِ المالِكِيَّةِ، الضَّمانُ على القائدِ وحدَه. قال: وهذا قَوْلٌ حَسَنٌ. وإنْ كان معهما، أو مع أحَدِهما راكِبٌ، اشْتَرَكُوا في الضَّمانِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وفيه وَجْهٌ آخَرُ، الضَّمانُ على الراكِبِ فقط. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ الحارِثِيِّ» ، و «الفائقِ». وقيل: يضْمَنُ القائدُ فقط. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» . ومنها، الإبِلُ والبِغالُ المُقْطَرَةُ كالبَهِيمَةِ الواحِدَةِ، على قائدِها الضَّمانُ، وإنْ كان معه سائقٌ، شارَكَه في ضَمانِ الأخِير منها دُونَ ما قبلَه. هذا إذا كان في آخِرِها. فإنْ كان في أوَّلِها، شارَكَ في الكُلِّ، وإنْ كان فيما عَدا الأوَّلَ، شارَكَ في ضَمانِ ما باشَرَ سَوْقَه، دُونَ ما قبلَه، وشارَكَ فيما بعدَه. وإنِ انْفَرَدَ راكِبٌ بالقِطار، وكان على أوَّلِه، ضَمِنَ جِنايَةَ الجَميعِ. قاله الحارِثِيُّ. وقال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (2)، ومَن تَبعَه: المَقْطورُ على الجَمَلِ المَرْكوبِ، يضْمَنُ جِنايَتَه؛ لانَّه في حُكْمِ القائدِ له، فأَمَّا المَقْطورُ على الجَمَلِ الثَّانِي، فيَنْبَغِي أنْ لا تُضْمَنَ جِنايَتُه؛ لأنَّ الرَّاكِبَ الأوَّلَ لا يُمْكِنُه حِفْظُه عنِ الجِنايَةِ. انتهى. قال الحارِثِيُّ: وليس بالقَويِّ؛ فإنَّ ما بعدَ الراكبِ إنَّما يَسِيرُ بسَيرِه، ويَطَأُ بوَطْئِه، فأمْكَنَ حِفْظُه عنِ الجِنايَةِ، فضَمِنَ، كالمَقْطُورِ على ما تحتَه. انتهى. ومنها، لو انْفَلَتَتِ الدَّابةُ ممَّن هي في يَدِه، وأفْسدَتْ، فلا ضمانَ. نصَّ عليه، فلو اسْتَقْبَلَها إنْسانٌ فرَدَّها، فقِياسُ قوْلِ

(1) سقط من: الأصل.

(2)

انْظر: المغني 12/ 545.

ص: 336

وَمَا أفْسَدَتْ مِنَ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيلًا، وَلَا يَضْمَنُ مَا أفْسَدَتْ مِنْ ذَلِكَ نَهَارًا.

ــ

الأصحابِ الضمانُ. قاله الحارثِي. ومنها، لا فَرْقَ في الرِّاكبِ والسَّائقِ والقائدِ، بينَ المالِكِ، والأجِيرِ، والمُسْتَأجِرِ، والمُسْتَعيرِ، والمُوصَى إليه بالمَنْفَعةِ. وعُمومُ نُصوصِ أحمدَ تقْتَضِيه.

قوله: وما أفْسَدَتْ مِنَ الزَّرْعِ والشجَرِ لَيلًا. يعْنِي، يَضْمَنُه رَبُّها. وهذا بلا نِزاعٍ. لكِن ظاهِرَ كلامِ المُصَنفِ الضَّمانُ؛ سواءٌ انْفلَتَتْ باخْتِيارِه، أو بغيرِ اخْتِيارِه. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. نقَلَها جماعَةٌ؛ منهم ابنُ مَنْصُورٍ، وابنُ هانِئ. وقطَع به المُصَنِّفُ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: صرَّح به المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، وغيرُه مِنَ الأصحابِ. انتهى. وقدَّمه في «الفائقِ». قال الزَّرْكَشِي: كذا قال جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ؛ منهم القاضي في «الجامِعِ الصَّغِيرِ» ، والشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافَيهما» ، والشيرازِيُّ، وابنُ البَنَّا، وابنُ عَقِيلٍ في «التَّذْكِرَةِ» ، وغيرُهم. انتهى.

ص: 337

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يَضْمَن إذا لم يُفَرِّطْ. قدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وقال: جزَم به جماعَةٌ. قال ابنُ مُنَجَّى: وكلامُه هنا مُشْعِرٌ به؛ لأنَّه عطَفَه على ضَمان ما جَنَتْ يَدُها أو فَمُها، بعدَ اشْتِراطِ كوْنِها في يَدِ إنْسانٍ مَوصوفٍ بما ذكَر. انتهى. قال الحارِثِي: إنَّما يَضْمَنُ إذا فرَّط، أمَّا إذا لمُ يُفَرِّطْ، فإنه لا يَضْمَنُ. قاله القاضِيان؛ أبو يَعْلَى، وابنُه أبو الحُسَينِ، وابنُ عَقِيلٍ، والقاضي يَعْقُوبُ، والسَّامَرِّيُّ، والمُصَنِّفُ في «الكافِي» ، وغيرُهم. انتهى.

ص: 338

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال في «الفائقِ» : ولو كَسَرتِ البابَ، أو فتَحَتْه، فهَدَرٌ، ولو فتَحَه آدَمِيُّ، ضَمِنَ. تنبيه: قوْلُه: وما أَفْسَدَتْ مِنَ الزَّرْعِ والشَّجَرِ ليلًا، يضمَنُه رْبُّها. خصَّصَ الضَّمانَ بالأمْرَين. وهكذا قال في «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، وجماعَةٌ. قال في «الفُروعِ»: جزَم به المُصَنِّفُ. ولعَلَّه أرادَ في هذا الكِتابِ. وذكَرَه أيضًا رِوايَةً عن أحمدَ. وجزَم في «المُغْنِي» ، و «الوَجيزِ» ، أنَّه لا يضْمَنُ سِوَى الزَّرْعِ. فقال في «المُغْنِي» (1): إنْ أتْلَفَتْ غيرَ الزَّرْعِ، لم يضْمَنْ مالِكُها؛ نَهارًا كان أو لَيلًا. قال الحارِثِيُّ، وابنُ مُنَجَّى: ولم أجِدْه لأحَدٍ غيرَه. انتهيا. قلتُ: هو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ؛ لاقْتِصارِه عليه. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يَضْمَنُ جميعَ

(1) انظر: المغني 12/ 542.

ص: 339

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما أتْلَفَتْه مُطْلَقًا. قال الحارِثِيُّ: وكافةُ الأصحابِ على التَّعْميمِ لكُلِّ مالٍ، بل منهم مَن صرَّح بالتَّسْويَةِ بينَ الزَّرْعِ وغيرِه؛ منهم القاضي في «المُجَرَّدِ» ، والسَّامَرِّيُّ في «المُسْتَوْعِبِ». قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: خصَّ المُصَنِّفُ الحُكْمَ بالزَّرْعِ والشَّجَرِ، وليس كذلك عندَ الأصحابِ. انتهى. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وقال: نصَّ عليه، وجزَم به جماعةٌ. انتهى. وقدَّمه في «الفائقِ» أيضًا. وقال في «الواضِحِ»: يضْمَنُ ما أتْلَفَتْ لَيلًا مِن سائرِ المالِ، بحيثُ لا يُنْسَبُ واضِعُه إلى تَفْرِيطٍ.

فائدة: لو ادَّعَى صاحِبُ الزَّرْعِ، أنَّ غَنَمَ فُلانٍ نفَشَتْ ليلًا، ووُجِدَ في الزَّرعِ أَثرُ غَنَمٍ، قُضِيَ بالضَّمانِ على صاحِبِ الغَنَمِ. نصَّ عليه في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ.

ص: 340

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجعَل الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ هذا مِنَ القِيافَةِ في الأمْوالِ، وجعَلَها مُعْتَبرَةً كالقِيافَةِ في الأنْسابِ. قاله في «القاعِدَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ» . ويتَخَرَّجُ وَجْهٌ، لا يُكْتَفَى بذلك. قلتُ: ومحَلُّ الخِلافِ إذا لم يكُنْ هناك غَنَمٌ لغيرِه.

قوله: ولا يَضْمَنُ ما أَفْسَدَتْ مِن ذلك نَهارًا. ظاهِرُه؛ سواءٌ أرْسَلَها بقُرْبِ ما تُفْسِدُه عادَةً، أو لا. وهو أحَدُ القَوْلَين، وهو ظاهرُ كلامِه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وجماعةٍ. وقدَّمه في «الفرُوعِ». قال الحارِثِيُّ: وهو الحَقُّ، وهو ظاهرُ كلامِ الأكْثَرِين مِن أهْلِ المذهبِ، وصرَّح به المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» . وقال القاضي، وجماعةٌ مِنَ الأصحابِ: لا يَضْمَنُ إلَّا أنْ يُرْسِلَها بقُرْبِ ما تُتْلِفُه عادَةً، فيَضْمَنَ. وذكَرَه الحارِثِيُّ وغيرُه رِوايَةً. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ». قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقاله القاضي في مَوْضِعٍ. نقَلَه الزَّرْكَشِيُّ.

ص: 341

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ الأُولَى، قال الحارِثِي: لو جرَتْ عادَةُ بعضِ النَّواحِي برَبْطِها نَهارًا، وبإرْسالِها وحِفْظِ الزَّرْعِ لَيلًا، فالحُكْمُ كذلك؛ لأنَّ هذا نادِرٌ، فلا يُعْتَبَرُ به في التَّخْصيصِ. الثَّانيةُ، إرْسالُ الغاصِبِ، ونحوه، مُوجبْ للضَّمانِ؛ نَهارًا كان أو لَيلًا، وإرْسالُ المُودَعِ كإرْسالِ المالِكِ في انْتِفاءِ الضَّمانِ. قاله الحارِثِيُّ أيضًا، والمُسْتَعِيرُ، والمُسْتَأْجِرُ (1) كذلك. ولو اسْتَأْجرَ أجِيرًا لحِفْظِ دَوابِّه، فأرْسَلَها نَهارًا، فكذلك، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يَشْتَرِطَ الكَفَّ عنِ الزَّرْعِ، فيَضْمَنَ، فهو كاشْتِراطِ المالِكِ على المُودَعِ ضبْطَها نَهارًا. الثَّالثةُ، لو طردَ دابَّةً مِن مَزْرَعَتِه، لم يَضْمَنْ ما جنَتْ، إلَّا أنْ يُدْخِلَها مَزْرَعَةَ غيرِه، فيَضْمَنَ. وإنِ اتَّصَلَتِ المَزارِعُ، صَبَرَ؛ ليَرْجِعَ على صاحِبِها. ولو قَدَرَ أنْ يُخْرِجَها، ولهُ منْصَرَفٌ غيرَ المَزارِعِ فتَرَكَها، فهَدَرٌ. الرَّابِعَةُ، الحَطَبُ الذي على الدَّابَّةِ، إذا خرَقَ ثَوْبَ آدَمِيٍّ بَصِير عاقل، يَجِدُ مُنْحَرَفًا، فهو هَدَرٌ. كذا لو كانَ مُسْتَدْبِرًا، وصاحَ به مُنَبِّهًا له، وإلَّا ضَمِنَه فيهما. ذكَرَه في «التَّرْغِيب» ، واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ» . الخامسةُ، لو أرْسَلَ طائِرًا فأفْسَدَ، أو لقَط حَبًّا، فلا ضَمانَ. قاله الحارِثِيُّ. [وقيل: يضْمَنُ مُطْلَقًا. وهو الصَّحيحُ. صحَّحَه ابنُ مُفْلِح في «الآدابِ» ، وضعَّف الأوَّلَ، وكذلك صحَّحه ابنُ القَيِّمِ في «الطُرُقِ الحُكْمِيَّةِ» ، ولم يذْكُرْها في «الفُروعِ» ] (2).

(1) سقط من: الأصل.

(2)

زيادة من: ا.

ص: 342

وَمَنْ صَال عَلَيهِ آدَمِيٌّ أَوْ غَيرُهُ، فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، لَمْ يَضْمَنْهُ.

ــ

قوله: ومَن صال عليه آدَمِي أو غيرُه، فقتَله دَفْعًا عن نَفْسِه، لم يَضْمَنْه. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقال في «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ والعِشْرِين»: لو دفَع صائلًا عليه بالقَتْلِ، لم يَضْمَنْه، ولو دَفَعَه عن غيرِه بالقَتْلِ، ضَمِنَه. ذكَرَه القاضي. وفي «الفَتاوَى الرَّجَبِيَّاتِ» عن ابن عَقيلٍ، وابنِ الرَّاغُونِيِّ، لا ضَمانَ عليه أيضًا. قال الحارِثِيُّ: وعن أحمدَ رِوايَةٌ بالمَنْعِ مِن قِتالِ اللصوصِ في الفِتْنَةِ، فيتَرتَّبُ عليه وُجوبُ الضَّمانِ بالقَتْلِ؛ لأنَّه مَمْنوعٌ منه إذَنْ، وهذا لا عَملَ عليه. انتهى. قلتُ: أمَّا وُرودُ الرِّوايَةِ بذلك،

ص: 343

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَمُسَلَّمٌ، وأمَّا وُجوبُ الضَّمانِ بالقَتْلِ، ففي النَّفْسِ مِن هذا شيءٌ. وخرَّج الحارِثِيُّ وغيرُه قَوْلًا بالضَّمانِ بقَتْلِ البَهيمِ الصَّائلِ؛ [بِناءً على ما قاله أبو بَكْر في الصَّيدِ الصَّائلِ](1) على المُحْرِمِ. ويأْتِي ذلك في كلامِ المُصَنِّفِ أيضًا، في آخِرِ بابِ المُحارِبِين، بأَتَمَّ مِن هذا، ومَسائلُ أُخَرُ. إنْ شاءَ الله تعالى.

فائدة: لو حالتْ بَهِيمَة بينَه وبينَ مالِه، ولم يَصِلْ إليه إلَّا بقَتْلِها، فقَتَلَها، فيَحْتَمِلُ أنْ يَضْمَنَ، ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَضْمَنَ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقهما الحارِثِيُّ. قلتُ: قد يقْرُبُ مِن ذلك ما لو انْفَرَشَ الجَرادُ في طَريقِ المُحْرِمِ، بحيثُ إنَّه لا يقْدِرُ على المُرورِ إلَّا بقَتْلِه، هل يَضْمَنُه، أم لا؟ على ما تقدَّم. ويأْتِي نَظيرُها في آخِرِ كِتابِ الدِّياتِ.

(1) سقط من: الأصل.

ص: 344

وَإِنِ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا.

ــ

قوله: وإنِ اصْطَدَمَه سَفِينَتان، فغَرِقَتا، ضَمِنَ كل واحِدٍ منهما سَفينَة الآخَرِ وما فيها. [هكذا أطْلَقَ كثير مِنَ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ وغيرُه: محَلُّه إذا فرَّط. قال الحارِثِي: إنْ فرَّط، ضَمِنَ كل واحدٍ سَفِينَةَ الآخَرِ وما فيها] (1)، وإنْ لم يُفَرِّطْ، فلا ضَنمانَ على واحدٍ منهما. حَكاه المُصَنِّفُ في «كِتابَيه» ، ومَن عَداه مِنَ الأصحابِ. ونصَّ أحمدُ على نحوه مِن رِوايَةِ أبِي طالِبٍ. مع أنَّ إطْلاقَ المَتْنِ لا يَقْتَضِيه، غيرَ أنَّ الإطْلاقَ مُقَيَّدٌ بحالةِ التَّفْريطِ التي قدَّمْناها، على ما ذهَب إليه الأصحابُ مِن غيرِ خِلافٍ عَلِمْتُه بينَهم. انتهى. وقال في «الفُروعِ»: وإنِ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 345

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اصْطَدَمَتْ سَفِينَتان فغَرِقَتا، ضَمِنَ كلُّ واخدٍ منهما مُتْلَفَ الآخَرِ. وفي «المُغْنِي» ، إنْ فرَّطا. وقاله في «المُنْتَخَبِ» ، وأنَّه ظاهِرُ كلامِه. انتهى. وجزَم بما قاله الحارِثِيُّ في «الرِّعايَةِ» وغيرِها.

تنبيه: حيثُ قُلْنا بالضَّمانِ، فيَضمَنُ كلُّ واحدٍ منهما سَفِينَةَ الآخَرِ وما فيها، كما قال المُصَنفُ. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال الحارِثِيُّ: قال الشَّافِعِيُّ: على كلِّ واحدٍ منهما نِصْفُ الضَّمانِ؛ لاشْتِراكِهما في السَّبَبِ؛ فإنه حصَل مِن كل واحِدٍ بفِعْلِه وفِعْلِ صاحبِه، فكان مُهْدَرًا في حقِّ نَفْسِه، مضمُونًا في حق الآخَرِ، كما في التَّلَفِ مِن جِراحَةِ نَفْسِه وجِراحَةِ غيرِه. قال الحارِثِيُّ: وهذا له قُوَّةٌ.

ص: 346

فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مُنْحَدِرَةً، فَعَلَى صَاحِبِهَا ضَمَانُ الْمُصْعِدَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ غَلَبَهُ رِيحٌ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِهَا.

ــ

قوله: وإنْ كانَتْ إحْداهما مُنْحَدِرَةً، فعلى صاحِبِها ضَمانُ المُصْعِدَةِ، إلَّا أنْ يكونَ غلَبَه رِيحٌ، فلم يَقْدِرْ على ضَبْطِها. وهذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحارِثِي» ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ. وفي «الواضِحِ» وَجْهٌ، لا تُضْمَنُ مُنْحدِرَة. وقال في «التَّرْغِيبِ»: السَّفِينَةُ كدابَّةٍ، والمَلَّاحُ كراكِبٍ.

تنبيه: قال الحارِثِيُّ: وسواءٌ فرطَ المُصْعِدُ في هذه الحالةِ أو لا، على ما صرَّح به في «الكافِي» . وأطْلَقه الأصحابُ، وأحمدُ. وقال في «المُغْنِي» (1): إن فرَّط المُصْعِدُ؛ بأنْ أمْكَنَه العُدولُ بسَفِينَتِه، والمُنْحَدِرُ غيرُ قادِرٍ ولا مُفَرِّطٍ، فالضَّمانُ على المُصْعِدِ؛ لأنَّه المُفَرِّطُ. قال الحارِثِيُّ: وهذا صَريحٌ في أنَّ المُصْعِدَ يُؤاخَذُ بتَفْريطِه.

(1) انظر: المغني 12/ 549.

ص: 347

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، يُقْبَلُ قَوْلُ المَلَّاحِ: إنَّ تلَفَ المالِ بغَلَبَةِ رِيحٍ. ولو تعَمَّدا الصَّدْمَ، فشَرِيكان في إتْلافِ كلَّ منهما، ومَن فيهما. فإنْ قُتِلَ في الغالِبِ، فالقَوَدُ، وإلَّا شِبْهُ عَمْدٍ، ولا يسقُطُ فِعْلُ المُصادِمِ في حقِّ نَفْسِه مع عَمْدٍ. ولو حرَقَها عَمْدًا أو شِبْهَه، أو خَطَأ، عُمِلَ على ذلك. قاله في «الفُروعِ». وقال الحارِثِي: إنْ عمَد ما لا يُهلِكُ غالِبًا، فشِبْهُ عَمْدٍ. وكذا ما لو قصَد إصْلاحَها، فقلَع لَوْحًا، أو أصْلَحَ مِسْمارًا، فخَرَقَ مَوْضِعًا. حَكاه القاضي وغيرُه. وقال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (1): والصَّحيحُ أنَّه خطَأٌ محْضٌ؛ لأنَّه قصَدَ فِعْلًا مُباحًا. وهل يَضْمَنُ مَن ألْقَى عِدْلًا مَمْلُوءًا بسَفِينَةٍ، فغَرَّقَها، ما فيها، أو نِصْفَه، أو بحِصَّتِه؟ قال في «الفُروعِ»: يَحْتَمِلُ أوْجُهًا. قلتُ: هي شَبيهَةٌ بما إذا جاوَزَ بالدَّابَّةِ مَكانَ الإجارةِ، أو حمَلَها زِيادَةً على المأْجُورِ، فتَلِفَتْ، أَو زادَ على الحَدِّ

(1) انظر: المغني 12/ 551.

ص: 348

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سَوْطًا، فقتَلَه. والصَّحيحُ مِنَ المذهب، هناك، أنَّه يضْمَنُه جميعَه على ما تقدَّمَ. ويأتِي في كلام المُصَنِّفِ، في كتابِ الحُدودِ، فكذلك هنا. وجزَم في «الفُصولِ» ، أنَّه يَضْمَنُ جميعَ ما فيها. ذكَرَه في أثْناءِ الإِجارَةِ، وجعَلَه أصْلًا لما إذا زادَ على الحدِّ سَوْطًا، في وُجوبِ الدِّيِة كامِلَةً. وكذلك المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» جعَلَها أصْلًا في وُجوبِ ضَمانِ الدَّابَّةِ كامِلَةً، إذا جاوَزَ بها مَكانَ الإجارَةِ، أو زادَ على الحدِّ سَوْطًا. ولو أشْرَفَتْ على الغَرَق، فعلى الرُّكْبانِ إلْقاءُ بعضِ الأمْتِعَةِ حسَبَ الحاجَةِ، ويَحْرُمُ إلْقاءُ الدَّوابِّ، حيث أمْكَنَ التَّخْفيفُ بالأمْتِعَةِ، وإنْ ألْجَأت ضَرُورَةٌ إلى إلْقائِها، جازَ؛ صَوْنًا للآدَميِّين. والعَبِيدُ كالأحْرارِ. وإنْ تقاعَدُوا عنِ الإلْقاءِ مع الإِمْكانِ، أثِمُوا. وهل يجبُ الضَّمانُ؟ فيه وَجْهان، اخْتارَ المُصَنِّفُ

ص: 349

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرُه عدَمَه. والثَّاني، يضمَنُ. وأطْلَقهما الحارِثِيُّ. ولو ألْقَى مَتاعَه، ومَتاعَ غيرِه، فلا ضَمانَ على أحدٍ. ذكَرَه الأصحابُ. قاله الحارِثِيُّ. وإنِ امْتَنَع مِن إلْقاءِ مَتاعِه، فللغيرِ إلْقاؤْه مِن غير رِضاه، دَفْعًا للمَفْسَدَةِ، لكنْ يضْمَنُه. قاله القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ في «الفُصولِ» ، والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، وغيرُهم. قال الحارِثِي: وعن مالِكٍ، لا يَضْمَنُ؛ اعْتِبارًا بدَفْعِ الصَّائلِ. قال: ويتَخَرَّجُ لنا مِثْلُه، بِناءً على انْتِفاءِ الضَّمانِ بما لو أرْسَلَ صَيدًا مِن يَدِ مُحْرِم. قلتُ: وهذا الصَّوابُ. وتقدَّمَ في آخِرِ الضَّمانِ بعضُ ذلك، ومَسائِلُ أُخَرُ تَتعَلَّقُ بهذا، فليُعاوَدْ. الثَّانيةُ، لو كانتْ إحْداهما واقِفَةً، والأخْرَى سائِرَةً،

ص: 350

وَمَنْ أَتْلفَ مِزْمَارًا، أوْ طُنْبُورًا، أَوْ صَلِيبًا،

ــ

فعلى قَيِّمِ السَّائِرَةِ ضَمانُ الواقِفَةِ، إنْ فرَّط، وإلَّا فلا. ذكَرَه المُصَنِّفُ، والقاضي، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم. ويأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، في أوائلِ كتابِ الدِّيات، إذا اصْطَدَمَ نَفْسان، أو أرْكَبَ صَبِبَّيْن فاصْطَدَما، ونحوُهما.

قوله: ومَنِ أتْلَفَ مِزْمارًا، أو طُنْبُورًا، أو صَلِيبًا، أو كسَر إناءَ فِضَّةٍ، أو ذَهَب، أو إِناءَ خمْرٍ، لم يَضْمَنْه. وكذا العُودُ، والطَّبلُ، والنَّرْدُ، وآلةُ السِّحْرِ، والتَّعْزيمِ، والتَّنْجيمِ، وصُوَرُ خَيالٍ، والأوْثانُ، والأصْنامُ، وكُتُبُ المُبْتَدِعَةِ المُضِلَّةُ، وكتُبُ الكُفْرِ، ونحوُ ذلك. وهذا المذهبُ في ذلك كلِّه. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ، في الثَّلاثَةِ الأوَلِ، وقدَّمُوه في الباقي مِن كلامِ المُصَنِّفِ، وصحَّحُوه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه، في الجميعِ. قال ناظِمُ «المُفْرَداتِ»: لا ضَمانَ في

ص: 351

أَوْ كسَرَ إِناءَ فِضَّةٍ أَوْ ذهَبٍ،

ــ

المَشْهُورِ. وهو منها. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، يضْمَنُ غيرَ الصَّلِيبِ ممَّا ذكَرَه المُصَنِّفُ. وأطْلَقَ في «المُحَرَّرِ» ، في ضَمانِ كَسْرِ آنِيَةِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والخَمْرِ، رِوايتَين. وأطْلَقَ في «التَّلْخيصِ» ، في ضَمانِ كَسْرِ أوانِي الِخَمْرِ وشق ظُروفِه، رِوايتَين. قال في «المُغْنِي» (1): حكَى أبو الخَطَّابِ رِوايَةً بأنَّه يضْمَنُ، إذا كسَر أوانِيَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ. قال الحارِثِيُّ: وحَكاها القاضي يَعْقُوبُ في «تَعْليقِه» ، وأبو الحُسَينِ في «التَّمامِ» ، وأبو يَعْلَى الصَّغيرُ في «المُفْرَداتِ» ، وغيرُهم. قال الحارِثِيُّ: إنْ أْرِيدَ ضَمانُ الإجْزاءِ، وهو ظاهرُ إيرادِهم؛ فإنَّ بعضَهم علَّلَه بجَوازِ المُعاوَضَةِ عليها، والقَطْعِ بسَرِقَتِها، فمُسَلَّم، ولكِنْ ليس محَلَّ النِّزاعِ؛ لأنَّه لا خِلافَ فيه. وإنْ أرِيدَ ضَمانُ الأرْشِ، وهو فَرْضُ

(1) انظر: المغني 7/ 428.

ص: 352

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَسْألةِ، فلا أعْلَمُ له وَجْهًا. وذكَر مأْخذَهم مِنَ الرِّوايَةِ، ورَدَّه. وعنه، يضْمَنُ آنِيَةَ الخَمْرِ، إنْ كان يُنْتَفَعَ بها في غيرِه. وعنه، يضْمَنُ غيرَ آلةِ اللَّهْو ممَّا ذكَرَه المُصَنِّفُ. وعنه، لا يضْمَنُ غيرَ الدُّفِ. وأطْلَقَ في «الرِّعايةِ» ، في ضمانِ دُفِّ الصُّنوجِ رِوايتَين. وعنه، لا يضْمَنُ دُفَّ العُرْسِ، أعْنِي، التي ليس فيها صُنُوجٌ، ذكَرَها الحارِثِيُّ. وحكَى القاضي في كتابِ «الروايتَين» رِوايَةً بجَوازِ إتْلافِه في اللَّعبِ بما عَدا النِّكاحِ. ورَدَّه الحارِثِيُّ. وقال في «الفُنونِ»: يَحْتَمِلُ أنْ يَضمَنَ آلةَ اللَّهْو، إذا كان يُرْغبُ في مادَّتِها؛ كعُودٍ، وداقورَةٍ.

ص: 353

أوْ إِنَاءَ خَمْرٍ، لَمْ يَضْمَنْهُ. وَعَنْهُ، يَضْمَنُ آنِيَةَ الْخَمْرِ أنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي غَيرِهِ.

ــ

تنبيه: مَحلُّ الخِلافِ في آنِيَةِ الخَمْرِ، إذا كانَ مَأمُورًا بإراقَتِها. واعلمْ أنَّ ظاهِرَ كلامِ المُصَنِّف في آنِيَةِ الخَمْرِ، أنَّه سواءٌ قدَر على إراقَتِها بدُونِ تَلَفِ الإِناءِ، أو لا. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. نقلَه المَرُّوذِيُّ. وقدَّمه في «الفُروعِ». ونقَل الأَثْرَمُ وغيرُه: إنْ لم يَقْدرْ على إراقَتِها إلَّا بتَلَفِها، لم يضمَنْ، وإلَّا ضَمِنَ.

فوائد؛ منها، لا يَضمَنُ مَخْزنَ الخَمْرِ إذا أحْرَقَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نقَلَه ابنُ مَنْصورٍ، واخْتارهَ ابنُ بَطَّةَ وغيرُه. وقدَّمه في «الفُروعِ» . ونقَل حنْبَلٌ، يَضْمَنُه. وجزَم به المُصَنِّفُ. وقال في «الهَدْي»: يجوزُ تَحْرِيقُ أماكِنِ المَعاصِي وهَدْمُها، كما حرَّقَ رسُولُ اللهِ، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، مَسْجِدَ الضِّرارِ، وأمرَ بهَدْمِه. ومنها، لا يضْمَنُ كِتابًا فيه أحاديثُ رَدِيئَةٌ حرَّقه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. نقَلَه المَرُّوذِيُّ. وقدَّمه في «الفُروعِ». قال في «الانتِصارِ»: فجعَلَه كآلَةِ لَهْوٍ ثم سلَّمَه، على نَصِّه في رِوايَةِ المَرُّوذِيِ، في سِتْرٍ فيه تَصاويرُ.

ص: 354

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ونصَّ على تَخْرِيقِ الثِّيابِ السُّودِ. قال في «الفُروعِ» : فيَتَوجَّهُ فيهما رِوايَتان. ومنها، لا يضْمَنُ حَلْيًا مُحَرَّمًا علي الرِّجالِ لم يَسْتَعْمِلُوه، يصْلُحُ للنِّساءِ. قاله في «الفُروعِ» . ومنها، قال صاحِبُ «الفُروعِ»: ظاهرُ كلامِ الأصحابِ، أنَّ الشِّطْرَنجَ مِن آلةِ اللَّهْو. قلتُ: بل هي مِن أعْظَمِها، وقد عَمَّ البَلاءُ بها. ونقَل أبو داودَ، لا شيءَ عليه فيه.

ص: 355