المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدرس الرابع: أقسام التوحيد: - شرح الدروس المهمة لعامة الأمة - جـ ١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌الدرس الرابع: أقسام التوحيد:

وباليوم الآخر: نؤمن بأن هناك يوم آخر، وأنه بعد الموت بعث، لا بد من الإيمان بالبعث بعد الموت، نؤمن به كما جاء في النصوص، وأن الله سبحانه وتعالى يعيد الخلق بعد موتهم، والإيمان بالقدر خيره وشره من الله سبحانه وتعالى، وأن كل شيء بقدر، وأنه لا يصب الإنسان، ولا يصيب الشعوب والأمم إلا شيء كتبه الله سبحانه وتعالى عليهم، لا يكون في خلقه ما لا يريده سبحانه وتعالى.

الإيمان بالقدر أن تعلم وتوقن وتجزم بأن ما أصبك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطئك لم يكن ليصيبك، وأن الأمم لو اجتمعت عليك ليضروك بشيء لم يكتبه الله سبحانه وتعالى عليك فإنهم لا يستطيعون ذلك، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يقدره الله لك ولم يكتبه لك لم يستطيعوا ذلك.

‌الدرس الرابع: أقسام التوحيد:

الدرس الرابع: أقسام التوحيد، وهي ثلاثة: توحيد الإلوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.

توحيد الإلوهية هو: توحيد الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة، هذا توحيد العبد وإفراده ربه عز وجل بعبادته بأن لا يصرف لغيره شيئاً مما يختص به الله سبحانه وتعالى، فلا يجوز أن يعبد ولا يؤلّه غير الله سبحانه وتعالى، فلا ينذر إلا له، ولا يستغاث إلا به، ولا يدعى سواه، ولا يصلى إلا له، وهكذا جميع أنواع العبادة لا يجوز صرف شيئاً منها لغير لله عز وجل، وبهذا يتم تحقيق توحيد الإلوهية.

وأما توحيد الربوبية والإقرار بوجوده، وأنه الرب الخالق الرازق المتصرف الذي لا شريك له في هذا الباب في الخلق ولا في الرزق، والإقرار به والاعتراف بتوحيد الربوبية لا يكفي وحده دون تخليص توحيد الإلوهية من الشوائب؛ لأنه لو كان كافياً لما قاتل النبي –عليه الصلاة والسلام الكفار حتى يقولوا: لا إله إلا الله، هم يعترفون بوجود الله، وأنه لا خالق غيره، وأنه لا رازق سواه، ولكنهم يشركون معه غيره.

ص: 17

وأما توحيد الأسماء والصفات: فالله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى وله الصفات العلى، يجب الإيمان بجميع ما جاء عن الله سبحانه وتعالى في كتابه، وعلى لسان رسوله عليه الصلاة والسلام كما جاءت، ولا نتعرض لتأويلها ولا تحريفها ولا التكيف، نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، ونؤمن بجميع ما جاء في النصوص مما صح عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، كما يليق بجلاله وعظمته، ونؤمن بأن له الصفات العلى الكاملة الكمال المطلق الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه، وكذلك الإيمان بالصفات يكون توقيفياً، فلا نصف ولا نسمي الله سبحانه وتعالى إلا بما سمى به نفسه، أو وصفه بها، ثم ذكر رحمه الله أقسام الشرك، وأنها ثلاثة: شرك أكبر، وشرك أصغر، وشرك خفي، الشرك الأكبر: أن تعبد مع الله سبحانه وتعالى غيره، وهذا الشرك هو المحبط للعمل، وهو الذي يوجب الخلود في النار، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر]، {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]، وأما الشرك الأصغر فأمره أسهل من الشرك الأكبر، وإن كان خطراً عظيماً، وإن كان الشرك الأصغر خطراً عظيماً حتى قال بعضهم: إنه لا يغفر، ولا يدخل تحت المشيئة كالكبائر، كبائر الذنوب التي يقترفها المسلم داخلة تحت المشيئة إن شاء الله سبحانه وتعالى عذبه، وإن شاء غفر له، لكن الشرك الأصغر إطلاق الشرك عليه يقتضي أنه لا يغفر، بل يدخل في قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]، وعلى كل حال هو لا يقتضي الخلود في النار، ولا يخرج من الملة، فصاحبه إذا عُذب ونقي من هذا الشرك فإنه مآله إلى الجنة -إن شاء الله تعالى-، الشرك الخفي وهو الرياء، من أمثلة الشرك الأصغر: الحلف بغير الله سبحانه وتعالى، وقول: ما شاء الله وشاء فلان، ولولا الله وفلان، هذا شرك أصغر.

ص: 18

والشرك الخفي هو الرياء، مرآة الغير بعمل الخير، تطيل الصلاة، تسكن في صلاتك، تخشع في قراءتك لما ترى من نظر غيرك إليك، هذا نسأل الله العافية من أنواع الشرك، وهو في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، وله كفارة كما جاء في الخبر تقول:"اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم" هذا فيما تخشى أن تقع فيه؛ لأنه خفي، والشيطان حريص على إحباط أعمال الإنسان، وهذا الرياء وهذا الشرك إذا خالط العمل الصالح إن لم يبطله ويحبطه نقص ثوابه، فإن قارنه من أوله إلى أخره فلا شك في بطلانه، وإن طرأ على المصلي أو على الصائم أو على الحاج أو غير ذلك ثم قاومه فإنه لا يضره -إن شاء الله سبحانه وتعالى.

من أنواع الشرك ما يسمى بالتشريك في العبادة، تعمل العمل لله ولغيره، نعم هذا تشرك في العبادة، أن تعمل لله ولغيره، فمن التشريك ما يضر بالعبادة، ومنه ما لا يضر، إذا شركت في العبادة أمراًً محرماً ضر، وأن شركت بها أمراً مباحاً فالأمر أسهل، وأن شركت عبادة بعبادة فالأمر -إن شاء الله- لا شيء فيه، لو قدر أن شخص تزوج لقضاء الوطر، نقول: يؤجر، وهو في عبادة، وإن كان تزوج من أجل قضاء شهوته كما جاء في الحديث:((وفي بضع أحدكم صدقة)) قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ((نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام)) فإذا شرك العبادة بغيرها طاف بالبيت ويقصد بذلك ثواب هذا الطواف، ويقصد مع ذلك التخفيف، نصحه الأطباء بأن يمشي، يكثر المشي مثلاً، فقال: بدلاً من أن أمشي في الأسواق والطرقات أمشي في المطاف له أجر وإلا ليس له أجر؟ نعم، له أجر، يؤجر -إن شاء الله تعالى- لأن عدله من المشي في الطرقات إلى المطاف لا شك أنه عدول إلى خير، لو أمر بحمية، فقال: أصوم بدلاً من أن أفطم نفسي بدون أجر، أصوم وأحتمي في الوقت نفسه يؤجر -إن شاء الله تعالى- لأنه عدوله إلى هذه العبادة خير له، لكن من خلصت نيته للعبادة لا شك أنه أعظم أجراً، تطويل الركوع من أجل الداخل هذا تشريك في العبادة لكن فيه مصلحة لأخيك المسلم من أجل أن يدرك الركعة، فلا شيء فيه عند أهل العلم ما لم يضر بالمصلين، وإن قال القرطبي ونقل عن المالكية: أنه من التشريك المذموم.

ص: 19

يقول الشيخ رحمه الله: فالشرك الأكبر يوجب حُبوط العمل، والخلود في النار، كما قال تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [(88) سورة الأنعام] وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [(17) سورة التوبة] لا شك أن عمارة المساجد من أفضل الأعمال، لكن لا بد أن يقترن بالعمارة الحسية العمارة المعنوية {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ} [(18) سورة التوبة] قد يقول القائل: لماذا هذا الحصر؟ ما المانع مثلاً أن يتبرع كافر ببناء مسجد؟ نقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ} [(18) سورة التوبة] أما عمارة الكافر للمسجد فإنها لا تنفعه، بل هي حابطة؛ لأنه مشرك، وبعض الناس يذم من يعمر المساجد ويقول:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ} [(19) سورة التوبة] يرددها بعض الناس، ويقول: إن عمارة المسجد الحرام .. ، نعم هي ليست كمن آمن بالله، لكن إذا قارنت الإيمان فهي من أفضل الأعمال، أما إذا صارت قسيماً للإيمان عمارة المساجد أو الإيمان بالله، فعمارة المساجد وسقاية الحاج لا خير فيها دون الإيمان، ولا أجر فيها ولا ثواب بدون الإيمان؛ لأن الإيمان شرط لقبول جميع الأعمال، وهذا عمل من أعمال الخير. يقول: "وأن من مات عليه فلن يغفر له، والجنة عليه حرام، قال تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] وقال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [(72) سورة المائدة] نسأل الله العافية.

ص: 20

يقول الشيخ: "ومن أنواعه: دعاء الأموات والأصنام، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم، ونحو ذلك" وغير ذلك من أنواع العبادة التي لا يجوز صرف شيء منها لغير لله سبحانه وتعالى، التوكل على غير الله، السجود لغير الله، نسأل الله العافية كل هذا من الشرك الأكبر.

أما الشرك الأصغر يقول: "فهو ما ثبت بالنصوص من الكتاب والسنة تسميته شركاً، ولكنه ليس من جنس الشرك الأكبر كالرياء في بعض الأعمال، والحلف بغير الله، وقول: ما شاء الله وشاء فلان، ونحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)) فسئل عنه فقال: ((الرياء)) رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي عن محمود بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه بإسناد جيد، ورواه الطبراني بأسانيد جيدة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم" مرة يروى عن محمود بن لبيد بدون واسطة ومرة بواسطة رافع بن خديج، ومحمود بن لبيد معروف أنه صحابي صغير جداً عقل المجة التي مجها النبي عليه الصلاة والسلام في وجهه وهو ابن خمس سنين، فلا يبعد أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة.

"وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بشيء دون الله فقد أشرك)) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان)) أخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه"، وهذه أمثله للشرك الأصغر، يقول رحمه الله:"وهذا النوع لا يوجب الردة، ولا يوجب الخلود في النار، ولكنه ينافي كمال التوحيد الواجب" هذا النوع لا يوجب الردة، ولا يوجب الخلود في النار، لا يحبط العمل، ولا يلزم منه أن يخلد، يبقى خالداً في النار لا يخرج منها، والجنة ليست عليه حرام، أنما يعذب بقدر شركه هذا الأصغر، ثم إذا نقي يدخل الجنة -إن شاء الله تعالى-.

ص: 21