المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أبواب: الحجامة، صيام عاشوراء، الوصال - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ٦٠

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌أبواب: الحجامة، صيام عاشوراء، الوصال

الموطأ -‌

‌ كتاب الصيام (3)

‌أبواب: الحجامة، صيام عاشوراء، الوصال

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للحاضرين والسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى- باب ما جاء في حجامة الصائم:

حدثني يحي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم، قال: ثم ترك ذلك بعد، فكان إذا صام لم يحتجم، حتى يفطر.

وحدثني عن مالك عن بن شهاب أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم كانا يحتجمان وهما صائمان.

وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يحتجم وهو صائم، ثم لا يفطر، قال: وما رأيته احتجم قط إلا وهو صائم.

قال مالك رحمه الله: "لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية من أن يضعف، ولولا ذلك لم تكره، ولو أن رجلاً احتجم في رمضان، ثم سلم من أن يفطر لم أر عليه شيئاً، ولم آمره بالقضاء لذلك اليوم الذي احتجم فيه؛ لأن الحجامة إنما تكره للصائم لموضع التغرير بالصيام، فمن احتجم وسلم من أن يفطر حتى يمسي فلا أرى عليه شيئاً، وليس عليه قضاء ذلك اليوم".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في حجامة الصائم:

أي ما حكمها؟ وجاء فيها حديث ابن عباس في البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم، والحديث في البخاري، وفيها أيضاً حديث شداد بن أوس في المسند والسنن أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:((أفطر الحاجم والمحجوم)) احتجم النبي عليه الصلاة والسلام وهو صائم، وحديث شداد بن أوس:((أفطر الحاجم والمحجوم)) وعليهما المعول عند أهل العلم فيمن قال: بأن الحجامة تفطر، ومن قال: بأن الحجامة لا تفطر.

ص: 1

فالجمهور على العمل بحديث ابن عباس، وأن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم وهو صائم، وأما حديث شداد بن أوس:((أفطر الحاجم والمحجوم)) فأجابوا عنه بأجوبة منها: أنه منسوخ، وذلك أن حديث شداد كان عام الفتح، وحديث ابن عباس في حجة الوداع، ولا يقول أحد: بأن حديث ابن عباس متقدم على حديث شداد، كلهم متفقون على أن حديث شداد متقدم على حديث ابن عباس، ولذا قال الشافعي: حديث شداد منسوخ بحديث ابن عباس؛ لأن حديث شداد كان عام الفتح، وحديث ابن عباس في حجة الوداع وهو متأخر، وإنما كانوا يعملون بالآخر من فعله عليه الصلاة والسلام، والجمهور على هذا، ومنهم من يقول: أن معنى ((أفطر الحاجم والمحجوم)) أن أمرهما يؤول إلى الفطر؛ فالحاجم لا يؤمن أن يتسرب شيء من الدم إلى جوفه، فيفطر بهذا، والمحجوم لا يؤمن أن يضعف عن الصوم، فيضطر إلى الفطر، فيكون المقصود مآل أمرهما إلى الفطر، يقول ابن خزيمة: "جاء بعضهم بأعجوبة، وهي أن المراد بقوله عليه الصلاة والسلام:((أفطر الحاجم والمحجوم)) لأنهما كانا يغتابان الناس، مر النبي عليه الصلاة والسلام بحاجم ومحجوم كانا يغتابان الناس، فقال:((أفطر الحاجم والمحجوم)) بالغيبة، يقول: ولو سألت هذا القائل وقلت له: هل الغيبة تفطر الصائم؟ لقال: لا، إذاً كيف يعول على أن السبب في فطرهما الغيبة والغيبة لا تفطر حتى عند هذا القائل؟ ولذا تعجب ابن خزيمة من هذا القول.

قد يقول قائل: إذا كان مآل الحاجم إلى الفطر؛ لأنه قد يتسرب إلى جوفه شيء من الدم؛ لأنه كان العمل على الآلات القديمة التي تعمل بالمص، والآن أدوات كهربائية أو آلية تشتغل تلقائياً من غير أن يمصها الحاجم، فهل نقول: أنه يفطر أو لا يفطر؟ والصوم إنما ثبت بيقين، وكونه ينساب إلى جوفه شيء مشكوك فيه، حتى على أداء الآلات القديمة، قد يتحرز ولا ينساب إلى جوفه شيء، فكيف يفطر؟ على كل حال هذا على القول بتصحيح حديث شداد، والمعتمد تصحيحه، لكنه متقدم على حديث ابن عباس.

طالب: ألا يمكن أن يقال: الحكمة في الإفطار تعبدية؟

ص: 2

لا، لأصحاب القول الآخر أجوبة، يقول الإمام أحمد وإسحاق: يفطر الحاجم والمحجوم، المظنة هنا نزلت منزلة المئنة، كما أن النوم ينقض الوضوء وهو في الأصل ليس بناقض، والوضوء ثبت بيقين، والنقض بالناقض الحقيقي مشكوك فيه؛ لأن الناقض ما يحصل أثناء النوم، لا النوم نفسه، بدليل أن النوم إذا لم يكن مستغرقاً لم ينتقض الوضوء، وجاء ما يدل على أنهم كانوا ينتظرون العشاء فتخفق رؤوسهم، والنبي عليه الصلاة والسلام يضطجع ويسمع له خطيط.

المقصود أن هذه مظنة بفطر، وليست بفطر، يجيبون على حديث ابن عباس بجواب جيد، يقولون: احتجم النبي عليه الصلاة والسلام وهو صائم، وفي حديث شداد بن أوس:"احتجم الرجل وهو صائم" لكن النتيجة؟ النتيجة: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لكن ليس في حديث ابن عباس أنه أفطر أو ما أفطر؛ لكن فيه أنه احتجم، لكن هل فيه أنه استمر على صيامه؟

طالب:. . . . . . . . .

احتجم وهو صائم؛ لكن يمكن على احتمال أن يكون سياق مثل هذا الحديث للاستدلال به على أن الحجامة لا تفطر، هذا احتمال، الاحتمال الثاني يساق على جواز الحجامة لمن احتاج إليها وإن كان صائماً ولو اضطره الأمر إلى الفطر، يعني ما هي مسألة ناسخ ومنسوخ وانتهى الإشكال، لا شك أن حديث ابن عباس أقوى من حديث شداد؛ لأنه في البخاري؛ لكن ما موقف الأئمة من هذه الأحاديث؟

ص: 3

الجمهور يقولون: حديث شداد منسوخ؛ لأنه متقدم، وهذا لا شك أنه مخرج، عند ضيق المخارج، وآخر شيء القول بالنسخ، آخر ما يلجأ إليه، إذا لم يمكن الجمع بين النصوص، ولا الترجيح يلجأ إلى النسخ، فإن قلنا: بالترجيح فحديث ابن عباس أرجح، وإن قلنا: بالتقدم والتأخر فحديث شداد متقدم، وهذا مما يؤيد قول الجمهور وإن قلنا: بجواب الحنابلة ومن يقول: بفطر الحاجم والمحجوم، قلنا: أن ليس فيه أكثر مما ذكر ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم؛ ولكن ماذا عن النتيجة؟ ماذا عن النتيجة؟ ما ذكرت في حديث ابن عباس؛ لكن ظاهر اللفظ، ليس بنص في المسألة، ظاهر النص؛ لأن عندنا نص وظاهر، والاحتمال الأرجح والأظهر في الدلالة من النص، واحتمال مرجوح يسمونه المؤول، الذي يقابل الظاهر، فالنص الذي لا يحتمل غير الدلالة التي هي منطوق الخبر، والظاهر هو الاحتمال الراجح، والاحتمال الراجح من حديث ابن عباس أنه سيق لبيان أن الحجامة لا تفطر الصائم، هذا الذي يظهر من النص، يعني إذا قيل: زيد أسد، النص في هذا أنه حيوان مفترس، والظاهر أن زيد شجاع كالأسد، والاحتمال الأضعف أن زيد فيه وصف من أوصاف الأسد غير ظاهر؛ لكنه يحتاج إليه أحياناً، لو قلت: زيد أسد –مثلاً- وهو معروف ومشاع بين الناس أن زيد جبان تبحث عن وصف آخر يتفق فيه مع الأسد، وهو أيش –مثلاً- البخر، إذا كان زيد أبخر قيل: زيد أسد؛ لأنه يشارك الأسد في صفة غير ظاهرة، فالنص في هذا أن زيد حيوان مفترس؛ لكن ما هو مراد قطعاً، الظاهر منه أن زيد رجل شجاع كالأسد، المؤول وهو الاحتمال المرجوح أن زيد أبخر، تنبعث منه روائح كريهة من فمه كالأسد، وهذا يحتاج إليه إذا لم نجزم بالاحتمال الأظهر.

وهنا الاحتمال الظاهر أن ابن عباس ساق الخبر لبيان أن الحجامة لا تفطر الصائم، والاحتمال الثاني أنه ساق الخبر لبيان أن الحجامة تجوز للصائم إذا احتاج إليها كغيرها من المفطرات؛ لكنه لا يظهر، ليس بنص، ولا ظاهر، إنما هو احتمال مرجوح.

طالب:. . . . . . . . .

نعم، هو لوجود بعض الروايات التي تشير إلى أنه يحتج به على الفطر قلنا: أنه ظاهر، والاحتمال الثاني قائم.

ص: 4

يقول: حدثني يحي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم، قال: ثم ترك ذلك بعد لما بلغه فيها ما بلغه من حديث شداد، فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر؛ لأنه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- من الورع بمكان، كما قال بن عبد البر، وقال الباجي:"لما كبر وضعف صار لا يحتجم وهو صائم" لما كان في وقت الشباب والنشاط والقوة يحتجم وهو صائم لماذا؟ لأنه يحتمل الحجامة مع الصيام يحتمل الحجامة، ويستطيع أن يحتجم ويواصل الصيام؛ لكن لما ضعف وكبر صار ما يتحمل، فإذا احتجم اضطر إلى الفطر، فصار لا يحتجم وهو صائم، هذا ما قاله الباجي.

وحدثني عن مالك عن بن شهاب أن سعد بن أبي وقاص -هذا منقطع لكن ثبت من رواية عامر بن سعد عن أبيه وبهذا يكون متصلاً- أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان، فدل على أن بعض الصحابة يرون أن الحجامة لا تفطر.

وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يحتجم وهو صائم، ثم لا يفطر، فالمؤلف -رحمه الله تعالى- يريد أن يقرر أن الحجامة لا تفطر، وأن ذلك معروف عند الصحابة والتابعين أيضاً، قال:"وما رأيته احتجم قط إلا وهو صائم" لأنه كان يواصل الصوم، قاله بن عبد البر، وهو محمول على غالب الأحوال محمول على الغالب من أحواله أنه كان لا يحتجم إلا وهو صائم؛ لكن إن احتاج إلى الحجامة وهو مفطر لا يحتجم ينتظر حتى يصوم؟! لا يظن به هذا.

قال مالك: "لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية من أن يضعف" كما قال أنس بن مالك عند البخاري، ولولا ذلك لم تكره؛ لأن الضعف يلجأه إلى الفطر، "ولو أن رجلاً احتجم في رمضان ثم سلم من أن يفطر -يعني واصل الصيام ما احتاج إلى أن يفطر لضعفه- لم أر عليه شيئاً" لأنه فعل هذا الفعل الذي لا يفطر، "ولم آمره بالقضاء لذلك اليوم الذي احتجم فيه؛ لأن الحجامة إنما تكره للصائم لموضع التغرير بالصيام" يعني من أجل تعريض الصيام للإفطار، من أجل تعريض الصيام للإفساد والإبطال، "فمن احتجم وسلم من أن يفطر حتى يمسي فلا أرى عليه شيئاً، وليس عليه قضاء ذلك اليوم" وهذا هو قول الجمهور، ويرى الإمام أحمد وإسحاق أن الحجامة تفطر الصائم لحديث شداد.

ص: 5

استدل الجمهور بقول ابن عباس وغيره، كما في البخاري "الفطر مما دخل لا مما خرج، ونقض الوضوء مما خرج لا مما دخل" يعني الفطر بسبب ما يدخل في البدن، ونقض الوضوء بسبب ما يخرج منه؛ لكن مثل هذا الكلام وهو غير مرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام لا يسلم طرداً ولا عكساً، الآن الفطر بالإجماع بالنسبة لمن جامع زوجته بسبب ما دخل من بدنه أو مما خرج منه؟ خرج، وليكن مثل ذلك: القيء والحجامة فلا يسلم طرداً كما أنه لا يسلم عكساً، فنقض الوضوء من أكل لحم الجزور مما دخل لا مما خرج، نعم قد ينازعون -من يقول مثل هذا- ينازع فيما نوزع فيه؛ لكن القاعدة ليست مطردة.

الحجامة مثل ما سمعنا من أقوال أهل العلم وحججهم، وعلى هذا يقال: الأحوط أن لا يحتجم الصائم؛ لكن إن احتاج إلى الحجامة، ورأى أنه يحتمل الحجامة من غير أن يعرض صومه للبطلان فالعمل على حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولا شك أن حديث شداد متقدم، والمتأخر يقضي على المتقدم.

فالمقصود أن الاحتياط أن لا يحتجم الصائم؛ لكن إن احتاج إلى الحجامة في هذا الوقت، وفي هذا الظرف، ولم يستطع تأخيرها إلى الليل اضطر إليها ومثلها الفصد، وقل مثل هذا في التبرع بالدم.

طالب:. . . . . . . . .

التحليل قالوا: إنه شيء يسير لا يؤثر؛ لكن التبرع بالدم الذي يحتاج إلى قدر كبير أكثر من الحجامة، فمن يفطر بالحجامة يفطر بالتبرع، والذي لا يفطر بالحجامة لا يفطر بالتبرع، أما بالنسبة لما يحتاج إليه من التحليل فمثل هذا يسير، لا يؤثر عند أهل العلم.

الغسيل بالنسبة لمريض الكلى، يحتاج المريض ولا يستطيع التأخير عن الوقت المحدد إلى إخراج الدم من بدنه، ثم تنقية هذا الدم، وإضافة بعض المواد إليه، ثم إعادته إلى البدن، وهذا لا إشكال في كونه يفطر، يعني إن قلنا: أن الحجامة تفطر هذا أفطر من مجرد إخراج الدم من بدنه، وإذا قلنا: إن الحجامة لا تفطر قلنا: أنه أفطر بإدخاله في بدنه وإضافة بعض المواد إليه، فالغسيل مفطر.

طالب:. . . . . . . . .

هذا خرج ودخل على القولين مفطر، هو مفطر على القولين.

طالب:. . . . . . . . .

نعم كيف؟ والله هو ما حل لكنه الراجح تصفيحه الراجح تصفيحه.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 6