الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح: الموطأ -
كتاب الاعتكاف
باب: ذكر الاعتكاف - باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به - باب خروج المعتكف للعيد - باب قضاء الاعتكاف - باب النكاح في الاعتكاف - باب ما جاء في ليلة القدر
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الاعتكاف
باب: ذكر الاعتكاف
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان".
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا اعتكفت لا تسأل عن المريض إلا وهي تمشي لا تقف.
قال مالك رحمه الله: "لا يأتي المعتكف حاجته، ولا يخرج لها، ولا يعين أحداً، إلا أن يخرج لحاجة الإنسان، ولو كان خارجاً لحاجة أحد لكان أحق ما يخرج إليه عيادة المريض، والصلاة على الجنائز وإتباعها".
قال مالك: لا يكون المعتكف معتكفاً حتى يجتنب ما يجتنب المعتكف من عيادة المريض، والصلاة على الجنائز ودخول البيت إلا لحاجة الإنسان.
وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يعتكف هل يدخل لحاجته تحت سقف؟ فقال: نعم لا بأس بذلك.
قال مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه، ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها، إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة، أو يدعها، فإن كان مسجداً لا يجمع فيه الجمعة، ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه، فإني لا أرى بأساً بالاعتكاف فيه؛ لأن الله تبارك وتعالى قال:{وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] فعم الله المساجد كلها، ولم يخص شيئاً منها.
قال مالك: فمن هنالك جاز له أن يعتكف في المساجد التي لا يجمع فيها الجمعة إذا كان لا يجب عليه أن يخرج منه إلى المسجد الذي تجمع فيه الجمعة.
قال مالك: ولا يبيت المعتكف إلا في المسجد الذي اعتكف فيه إلا أن يكون خباؤه في رحبة من رحاب المسجد، ولم أسمع أن المعتكف يضرب بناء يبيت فيه إلا في المسجد أو في رحبة من رحاب المسجد، ومما يدل على أنه لا يبيت إلا في المسجد قول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، ولا يعتكف فوق ظهر المسجد، ولا في المنار -يعني الصومعة-.
وقال مالك: يدخل المعتكف المكان الذي يريد أن يعتكف فيه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها حتى يستقبل باعتكافه أول الليلة التي يريد أن يعتكف فيها، والمعتكف مشتغل باعتكافه لا يعرض لغيره مما يشتغل به من التجارات أو غيرها، ولا بأس بأن يأمر المعتكف ببعض حاجته بضيعته ومصلحة أهله، وأن يأمر ببيع ماله أو بشيء لا يشغله في نفسه، فلا بأس بذلك إذا كان خفيفاً أن يأمر بذلك من يكفيه إياه.
قال مالك: لم أسمع أحداً من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطاً، وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال مثل الصلاة والصيام والحج، وما أشبه ذلك من الأعمال، ما كان من ذلك فريضة أو نافلة، فمن دخل في شيء من ذلك فإنما يعمل بما مضى من السنة، وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون، لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه، وقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف المسلمون سنة الاعتكاف.
قال مالك رحمه الله: والاعتكاف والجوار سواء، والاعتكاف للقروي والبدوي سواء.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الاعتكاف:
وقد مضى نظائره من ذكر البسملة قبل الترجمة، والأصل أن يبدأ بها، وذكرنا مراراً أنها قد تقدم الترجمة على البسملة أحياناً، وهذا يوجد في البخاري، تقدم الترجمة على البسملة، ويكون ذكر الترجمة بمثابة ذكر اسم السورة في القرآن قبل البسملة، ولكل وجه.
كتاب الاعتكاف:
الكتاب: مضى تعريفه مراراً.
والاعتكاف: اللزوم، لزوم الشيء وحبس النفس عليه، خيراً كان أو شراً، فمن لزم شيئاً وحبس نفسه عليه اعتكف، كما قال -جل وعلا-:{وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] وقال -جل وعلا-: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ} [(138) سورة الأعراف] هذا اعتكاف، فلزوم الشيء وحبس النفس عليه اعتكاف، يعني طول المكث والبقاء في مكان لأمر من الأمور اعتكاف، ولذا الذين يمضون الساعات أمام القنوات والآلات هم يعتكفون عليها، يعكفون عليها، ويتداول الطلاب أيام الامتحانات هذه اللفظة، إذا أداموا النظر ولزموا الأماكن لمطالعة دروسهم يقال: فلان عاكف على دروسه؛ لأنه يطيل المكث والملازمة ملازمة المكان للإفادة من دروسه.
فرق بين {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] السنة النبوية، وبين {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ} [(138) سورة الأعراف] وبينهما أمور، يعني هذا من أفضل الأعمال، وهذا -نسأل الله السلامة والعافية- الشرك والكفر، فعلى الإنسان أن يلزم طاعة الله -جل وعلا-، ولا يصرف هذا المسمى -وإن كان لغوياً- لكن حقيقته الشرعية لزوم المسجد، والمسجد كما جاء في بعض الأخبار بيت كل تقي.
وخير مقام قمت فيه وحلية
…
تحليتها ذكر الإله بمسجدِ
والرباط: انتظار الصلاة بعد الصلاة، والملائكة تصلي على المصلي ما دام في مصلاه:"اللهم اغفر له، اللهم ارحمه" هكذا ينبغي أن تنفق الأوقات، أما أن تنفق على القيل والقال، أو على الآلات المحرمة، أو على ما يقرب منها من استعمال بعض الأمور من ورقة وغيرها، يمضون عليها الساعات الطوال، ويحدث معها من الألفاظ البذيئة، وتأثر القلوب، وقد يحصل معها الجعل المحرم كالقمار، المقصود أن الإنسان عليه أن يحفظ وقته.
وعرف الاعتكاف شرعاً: بأنه لزوم المسجد لطاعة الله -جل وعلا-، يعني للعبادات الخاصة اللازمة من صلاة وتلاوة وذكر، حتى ما كان نفعه عاماً يعطل أثناء الاعتكاف، وأما ما يستروح إليه بعض أهل العلم أن الاعتكاف يصح بأدنى شيء، وأن كل من دخل المسجد ينوي سنة الاعتكاف، هذا ليس بشيء، ليس باعتكاف لا لغوي ولا شرعي، ولذا يوجد في بعض المساجد في الاسطوانة التي تقابل الداخل إلى المساجد تذكير بنية الاعتكاف، نويت سنة الاعتكاف، مكتوب عليه هكذا لكل داخل، ينوي سنة الاعتكاف، يعني أقل ما قيل في الاعتكاف، قال بعضهم: ولو لحظة، لكن هذا لعب بالنصوص، الحنفية عندهم أن أقل ما ينطبق عليه الاعتكاف ساعة، مكث ساعة.
قولهم: نويت سنة الاعتكاف، على أنها لفظ مخالف لحقيقة الاعتكاف أيضاً هي تذكير بأمر مبتدع، وهو النطق بالنية، استحضار النية، ولو لم ينطق بها الإنسان على هذه الكيفية بأن يقول: نويت سنة الاعتكاف ولو في نفسه هذا لم يرد به دليل، إنما يعمل به بعض متأخري الفقهاء، ولا يوجد في خبر صحيح ولا ضعيف عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن صحابته أن المتعبد يقول: نويت كذا، نويت أن أعتكف، نويت أن أصلي صلاة كذا، ولو في نفسه، إنما مجرد قصده لهذا الأمر هو النية، مجرد ما يذهب إلى المسجد، ويمثل في الصف بين يدي الله -جل وعلا- هذه هي النية.
يقول المؤلف:
باب ذكر الاعتكاف:
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عمرة بنت عبد الرحمن" الذي في البخاري عن عروة وعمرة عن عائشة؛ لأن عروة يرويه عن عائشة بدون واسطة، يقول الحافظ ابن حجر: ذكر عمرة في رواية مالك من المزيد في متصل الأسانيد، نعم الإمام مالك يروي الخبر من طريقين، من طريق عروة ومن طريق عمرة كلاهما عن عائشة رضي الله عنها، وليس على هذه الصورة التي جاءت في رواية يحيى.
"عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله"، "يدني" يقرب إلي رأسه "فأرجله" يعني أمشط شعره وأسرحه وأنظفه "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان" دل على أن إخراج جزء من البدن من المسجد لا يخل بالاعتكاف، إذا أخرج رأسه أو يده أو رجله دون بقية بدنه هذا لا يخل بالاعتكاف، وليس معنى هذا أن المعتكف يفرش فراش عند باب المسجد ويخرج رأسه لينظر إلى الغادي والرائح هذا لحاجة هذا، من أجل التسريح والترجيل، بعض الناس عنده محبة للاستطلاع، يحب الاستطلاع ومع ذلك يجعل الفراش عند باب المسجد، ويخرج رأسه، ويقول: النبي عليه الصلاة والسلام كان يخرج رأسه، وإلا ليس هذا هو المقصود، هذا ينافي مقتضى الاعتكاف، وبعض الناس يتوسع في أمر الاعتكاف حتى لا يوجد فرق بين كونه معتكفاً أو كونه في بيته، أو في محل مع زملائه من استراحة أو غيرها، يتوسع في أموره، تجد عنده الأجهزة التي كان يستعملها في بيته، عنده التليفون الثابت، وعنده الجوال، وعنده إن كان آلات إنترنت أو غيره، ويزاول جميع ما كان يعمله قبل الاعتكاف، بل مع الأسف أنه وجد من تنقل إليه الصحف والمجلات هل هذا اعتكاف؟ أو يخل ببعض العبادات، تجده ينام حتى يفوته بعض الصلوات، هذا ينافي مقتضى الاعتكاف، الاعتكاف للازدياد من القرب من الله -جل وعلا-، والخلوة به، ومعالجة القلب من آثار الران الذي يكسبه طول العام.
فعلى الإنسان أن يتخفف من أمور الدنيا كلها إلا ما لا بد منه، ولذا كان عليه الصلاة والسلام لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، فسرها الزهري بالبول والغائط، واتفق العلماء على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب، أما إذا أمكن إدخال الأكل والشرب إلى المسجد فلا يجوز له أن يخرج من أجلهما، وأما إذا منع من إدخال الأكل والشرب في المسجد صار حكمه -حكم الأكل والشرب- حكم الحاجة، يلحق أيضاً بما ذكر الزهري ما هو في معناهما كالقيء مثلاً، احتاج إلى أن يقيء يخرج من المسجد وهكذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الرباط؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الرباط لزوم المسجد، لكن أحكامه قد تختلف عن أحكام الاعتكاف؛ لأن أحكام الاعتكاف أو الاعتكاف ينبغي أن يخصص للعبادات الخاصة، والرباط قد يكون للتعلم والتعليم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
سيأتي الكلام عن المجاورة.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة كانت إذا اعتكفت لا تسأل عن المريض إلا وهي تمشي" مع أن عيادة المريض سنة، إتباع الجنازة من حق المسلم على المسلم، ومع ذلك تعطل هذه الأمور، ونص المالكية أنه لو كان المريض أو الميت أحد الأبوين ما يعرج عليه، إلا يسأل عنه وأنت ماشي، مثلما تفعل عائشة، لا تقف؛ لأن الوقوف بمعنى العيادة ولا تجوز العيادة كحضور الجنازة، يعني ومن باب أولى طلب دين واستيفاؤه وما أشبه ذلك، والمالكية يشددون في أمر الاعتكاف جداً.
"قال مالك: لا يأتي المعتكف حاجته، ولا يخرج لها من المسجد" حاجته غير حاجة الإنسان التي لا بد منها، أموره الحاجية الأخرى "لا يأتي المعتكف حاجته، ولا يخرج لها من المسجد، ولا يعين أحداً" شخص عند باب المسجد يريد من يرفع معه متاعه إلى دابته أو سيارته يقول: لا يعينه "لا يخرج من المسجد، ولا يعين أحداً إلا أن يخرج لحاجة الإنسان" التي تقدمت "ولو كان خارجاً لحاجة أحد لكان أحق ما يخرج إليه عيادة المريض" وأحق وعيادة بالوجهين، بالنصب والرفع، أحدهما اسم كان، والثاني الخبر، إما مقدم أو مؤخر، يعني نظير ما جاء:((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ)) والرواية الأخرى: ((يوشك أن يكونَ خير مالِ المسلم غنماً)) يجوز هذا وهذا.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يخرج إليه، يعني عموم المعتكفين، أو ما يخرج إليه المعتكف، المعنى ما يختلف.
"عيادة المريض، والصلاة على الجنائز وإتباعها" لأن هذه الأمور من حقوق المسلم على أخيه، واتباعها مع أنه لا يخرج لذلك، فمن باب أولى أن لا يخرج لغيرهما، بعض الناس يستثني، وسيأتي ما في الاستثناء في الاعتكاف، بعضهم يستثني الدوام، يخرج للدوام، ويرجع بعد الدوام يكمل اعتكافه.
"قال مالك: لا يكون المعتكف معتكفاً حتى يجتنب ما يجتنب المعتكف من عيادة المريض ولو أبويه، والصلاة على الجنائز، ودخول البيت إلا لحاجة الإنسان" يعني ما استثني إلا هذا، فدل على أن المعتكف يلزم المسجد.
"وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يعتكف هل يدخل لحاجته تحت سقف؟ فقال: نعم لا بأس بذلك" وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة، وقال جماعة: إن دخل تحته –تحت السقف- بطل، ويش السبب؟ هو في الأصل في المسجد تحت سقف، هل يدخل لحاجته تحت سقف؟ يعني يأوي إلى بيت أو إلى مسكن، أو يخرج يتبرز مثلما كانت العرب تفعله ويرجع؛ لأن دخوله تحت سقف في الغالب أن يكون في هذا المكان أناس ينشغل بهم، وأما إذا خرج لمكان قضاء الحاجة الذي لا يظله سقف ليس فيه أحد ينشغل به، لكن لا بأس بذلك، وهو قول جماهير أهل العلم.
"قال مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه" يعني تصلى فيه الجمعة "ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه" لأنه بيضطر أن يخرج إلى صلاة الجمعة، أو يضطر إلى تركها، وكلاهما لا يجوز، لا يجوز الخروج إلى صلاة الجمعة، ولا يجوز أن يترك الجمعة، هذا عند الإمام مالك رحمه الله.
"ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة وجوباً أو يدعها" فيحرم عليه ترك الجمعة "فإن كان مسجداً لا يجمع فيه الجمعة، ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه" لا يجب عليه إتيان الجمعة لكونه مسافر مثلاً، مسافر لا جمعة عليه، أو امرأة لا جمعة عليها، أو كانت مدة الاعتكاف بحيث لا يتخللها جمعة، بيعتكف خمسة أيام من السبت إلى أو من الأحد إلى الخميس، مثل هذا لا بأس أن يعتكف في مسجد غير جامع.
"ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه، فإني لا أرى بأساً من اعتكافه فيه؛ لأن الله -جل وعلا- قال: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] فعمم الله المساجد كلها" فيدخل في ذلك مساجد الفروض، ويدخل فيها الجوامع، يدخل فيها المساجد الثلاثة، ويدخل فيها ما سواها؛ لأن الله -جل وعلا- عم المساجد كلها "ولم يخص شيئاً منها" لعدم الاحتياج إلى الخروج.
اشتراط المسجد قول عامة أهل العلم أنه لا يصح الاعتكاف إلا في المسجد، لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد، قيل عن محمد بن عمر بن لبابة أنه أجازه في كل مكان، وأجازه الحنفية للمرأة في مسجد بيتها دون الرجل، وعلى كل حال لا اعتكاف إلا في مسجد.
"قال مالك: فمن هنالك جاز له أن يعتكف في المساجد" لكن لو قدر أن شخصاً لو اعتكف في المسجد تأذى الناس بوجوده، نعم وأفتي من باب المصلحة أن يعتكف في جهة من الجهات التي لا يتأذى الناس بوجودهم فيها، ولو كانت خارج المسجد قريباً منه، هذا ليس عليه ما يدل عليه من النصوص، والمصالح والمفاسد مقدرة باعتبار أن هذه سنة وليست بواجب، ويترتب عليها مفسدة كبيرة، وقد حصل بعض الشيء بعض العلماء أفتى من يتأذى الناس بوجوده إما لكثرة الاحتياط عليه، أو كثرة الأتباع.
"قال مالك: فمن هنالك جاز له أن يعتكف" هذا من النظر في المصالح، لكن عموماً المصالح إذا خالفت الأدلة لا ينظر إليها، وحينئذٍ تكون الفتوى باطلة، لكن من ناحية أخرى هذه سنة، إن حصل له أجرها فبها ونعمت، وإلا حصل له أجر القصد، بخلاف من أفتى من وجبت عليه الكفارة، أفتاه بالصيام قبل العتق، يقول
…
-على ما مضى شرحه- من علماء الأندلس من أفتى في كفارة الوطء في نهار رمضان، قال: تصوم شهرين متتابعين، يعني يجب عليه أن يعتق، فإن لم يجد يصوم شهرين متتابعين، قال: لو قلنا له: يعتق، كان يطأ كل يوم، العتق سهل بالنسبة له، لكن كيف يصوم شهرين متتابعين وهو أمير؟ فالنظر في المصالح إذا لم تعارض النصوص، نعم؟
طالب: إذا كان مسجد؟
هو مسجد على كل حال، لكن المسجد الذي تعطلت منافعه بحيث لا يصلى فيه البتة ليس بمسجد هذا.
"قال مالك: فمن هنالك جاز له أن يعتكف في المساجد التي لا يجمع فيها الجمعة" يعني لعدم احتياجه إلى الخروج، إما لعدم وجوبها، أو لعدم مرور يوم الجمعة أثناء مدة إقامته في معتكفه "إذا كان لا يجب عليه أن يخرج منه إلى المسجد الذي تجمع فيه الجمعة" لانقضاء ما نواه من اعتكاف قبل مجيئها، فعند مالك كون المسجد جامع إذا احتاج إلى الخروج الجمعة شرط؛ لأنه مجرد الخروج لغير حاجة الإنسان يبطل الاعتكاف عنده، فيشترط أن يكون المسجد جامع، وأما غيره فيستحب أن يكون جامع لئلا يخرج، لكن إن خرج إلى الجمعة اعتكف في مسجد لا يجمع فيه وخرج لصلاة الجمعة فهذا مستثنى، مستثنى شرعاً، كما استثني حاجة الإنسان وهذه الحاجة، يعني الحاجة الشرعية لا تقل عن الحاجة العادية، وخصه حذيفة -رضي الله تعالى عنه- خص الاعتكاف في المساجد الثلاثة، لكن رد عليه ابن مسعود، فالجمهور على أن الاعتكاف يصح في جميع المساجد؛ لعموم قوله:{وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة].
"قال مالك: ولا يبيت المعتكف إلا في المسجد الذي اعتكف فيه إلا أن يكون خباؤه" يعني خيمته التي ضربها للاعتكاف في رحبة من رحاب المسجد، أي في صحن المسجد، يعني المسجد يقسم في الغالب إلى قسمين، قسم مسقوف، وقسم مكشوف، المكشوف يسمونه رحبة المسجد، هذه يصح الاعتكاف فيها؛ لأنها داخلة في سور المسجد.
طالب:. . . . . . . . .
الساحات، أي ساحات؟
طالب:. . . . . . . . .
ساحات المسجد النبوي ليست تبع المسجد، اللي خارجة عن السور ليست تبع المسجد، الشبك اللي داخله الدورات وما الدورات؟
طالب:. . . . . . . . .
ولا سحاته، اللي خارج الأسوار ليس من المسجد.
"ولم أسمع أن المعتكف يضرب بناء يبيت فيه إلا في المسجد، أو في رحبة من رحاب المسجد، ومما يدل على أنه -يعني المعتكف- لا يبيت إلا في المسجد قول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان" يعني لا يدخل البيت لا للأكل ولا للشرب، ولا للنوم، لا يدخل بيته إلا لهذا، فحصر الدخول بالحاجة الضرورية التي سبق ذكرها.
"ولا يعتكف فوق ظهر المسجد" لأنه ليس منه، هذا على رأي الإمام مالك "ولا في المنارة" المنار يعني التي وضعت علامة على المسجد كالصومعة هذه لا يعتكف فيها، غيره يقول: ظهر المسجد وسطح المسجد حكمه حكم المسجد؛ لأن الهواء له حكم القرار، والمنارة يقولون: إن كانت تفتح إلى المسجد فهي منه، وإن كانت تفتح إلى خارج المسجد فليست منه، والإمام مالك يشدد في هذا.
"وقال مالك: يدخل المعتكف المكان الذي يريد أن يعتكف فيه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها؛ لأجل أن يستقبل باعتكافه أول الليلة التي يريد أن يعتكف فيها" متى يدخل المعتكف؟ من أراد أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان؟ على قول مالك وهو قول الجمهور أنه يدخل المعتكف قبل غروب الشمس من يوم عشرين، يعني يوم عشرين ليس من العشر، العشر تبدأ من ليلة واحد وعشرين، وليلة واحد وعشرين إنما تبدأ بغروب الشمس، فيدخل المعتكف من غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، ويخرج منه بعد غروب الشمس من آخر يوم من رمضان، وهذا سيأتي.
في الحديث الصحيح في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا صلى الصبح دخل معتكفه، صلى الصبح دخل المعتكف، وهنا يقول أهل العلم: النبي عليه الصلاة والسلام يعتكف العشر الأواخر، هذا الذي استقر عليه أمره عليه الصلاة والسلام، صلى الصبح ثم دخل المعتكف، يعني صبح عشرين وإلا صبح واحد وعشرين؟ إن كان واحد وعشرين يكون ما اعتكف ليلة إحدى وعشرين، وليلة إحدى وعشرين في سنة من السنوات هي ليلة القدر كما سيأتي، أنه يرى أنه يسجد صبيحتها في ماء وطين، فهل يدخل صبيحة عشرين أو صبيحة واحد وعشرين؟ عشرين ليست من العشر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هذا ما قاله الشراح، يقولون: دخل المسجد للاعتكاف في العشر قبل غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، ثم لما صلى الصبح دخل المكان المخصص للاعتكاف الخباء، أو الحجيرة التي تحجرها النبي عليه الصلاة والسلام في المسجد.
طالب:. . . . . . . . .
معتكف، معتكف في المسجد؛ لأن مكان الاعتكاف في المسجد، لكنه خلا بعد ذلك بعد صلاة الصبح.
"والمعتكف مشتغل باعتكافه، لا يعرض لغيره مما يشتغل به من التجارات أو غيرها" يعني من أمور الدنيا، ولا بأس .. ، إذا كان السلف يعطلون العلم وتعليمه، ويتفرغون للعبادات الخاصة من صلاة وتلاوة وذكر فكيف بأمور الدنيا؟! "ولا بأس أن يأمر المعتكف ببعض حاجته بضيعته" احتيج في المزرعة إلى أمر تلف، ويتوقف أمر المزرعة عليه لا مانع من أن يأمر يقول: اذهب إلى فلان، واشتر منه كذا وإلا قل لفلان: يصنع كذا شيء خفيف جداً "ولا بأس بأن يأمر المعتكف ببعض حاجته بضيعته ومصلحة أهله" لا مانع أن يقول: يا فلان -من أولاده-: وصل أهلك، أو وصل إخوانك أو كذا، شيء يسير.
"وأن يأمر ببيع ماله" عنده سيارة زائدة، وإلا يبي يشتري غيرها، وإلا يبدلها استعداداً للسفر بعد الاعتكاف يقول له: بعها، بع السيارة، ما نحتاجها، واشتر مكانها كذا، يأمر ببعض ما يحتاج إليه، بقدر الحاجة "أو بشيء لا يشغله في نفسه" لا يشغل باله بهذه الأمور "فلا بأس بذلك إذا كان خفيفاً" طيب هذا معتكف، ويحتاج إلى زكاة الفطر، لا مانع أن يقول: يا فلان هذه عشرة اشترِ لنا صاع زكاة الفطر، نعم، هذا شيء خفيف "فلا بأس بذلك إذا كان خفيفاً يأمر بذلك من يكفيه إياه" إذ المدار على عدم اشتغاله عما هو فيه، والأمر بما خف لا يشغله.
"قال مالك: لم أسمع أحداً من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطاً" يعني لا يشترط في اعتكافه، يعني إذا أراد أن يدخل المعتكف أو نوى الاعتكاف يقول
…
، يشترط إن احتاج إلى الخروج، أو اشترط الخروج للصلاة على الأموات، أو يشترط الخروج إلى الدوام، أو يشترط إيصال الأولاد إلى المدارس ويرجع، كل هذا يقول الإمام مالك رحمه الله:"لم أسمع أحداً من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطاً" يخرجه عن هذه السنة، كمن شرط الخروج متى أراد مثلاً "وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال" المتصلة، يتصل أولها بآخرها "مثل الصلاة والصيام والحج" لأنه عند مالك رحمه الله إذا شرع في الشيء المندوب وجب ولزم من ذلك الاعتكاف، من ذلك الصلاة، من ذلك الصيام، من ذلك النسك، يجب "مثل الصلاة والصيام والحج وما أشبه ذلك من الأعمال كالعمرة والطواف، ما كان من ذلك فريضة أو نافلة" لا فرق بينهما "فمن دخل في شيء من ذلك فإنما يعمل بما مضى من السنة، وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون" ليس له أن يحدث، المسلمون ما اشترطوا إذاً أنت لا تشترط "لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه".
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
الاشتراط يشترط في الحج، يشترط، لا سيما عند الحاجة، إذا رأى علامات ما يحتاج إليه في الاشتراط يشترط ((حجي واشترطي)) حديث ضباعة بنت الزبير "لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه" يحدثه بعد الدخول، "وقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف المسلمون سنة الاعتكاف" عنه ولم ينقل أحد الاشتراط في الاعتكاف.
وقال الشافعي -رحمه الله تعالى-: إن شرط في ابتداء اعتكافه إن عرض له أمر خرج جاز، وهو رواية عن الإمام أحمد، وفرق بعضهم بين الواجب والتطوع، يعني في الواجب لا يشترط، وفي التطوع يشترط.
"قال مالك: والاعتكاف والجوار سواء، والاعتكاف للقروي والبدوي سواء" يعني لا يفرق، لا فرق سواء العاكف فيه والباد، البادي الأعرابي الذي يأتي لمدة يسيرة مثله العاكف المقيم الملازم للمسجد، والجوار يطلق ويراد به الاعتكاف فيلزم فيه ما يلزم في الاعتكاف، ويطلق على ما يفعله من يقصد مكة في آخر عمره، وهذا معروف كثير في تراجم أهل العلم أنه جاور، أو في أثناء عمره يجاور، بمعنى أنه يلزم المسجد الحرام بالنهار، وينقلب بالليل إلى مكان إقامته، هذا معروف كثير من أهل العلم يوجد في ترجمته أنه جاور، ويذكر في ترجمة الزمخشري أنه سمي جار الله لأنه جاور، وغيره من العلماء، لكن الجوار من أجل أي شيء؟ لكسب الحسنات، والبعد عن السيئات، واستصلاح القلب في هذا المكان المعظم.
ذكروا عن الفارابي أنه جاور في آخر عمره، ولزم المسجد الحرام، ولزم الصيام، كان يصوم الدهر، الصيام والقيام، لكن هل هذا على الجادة؟ معروف الرجل بانحرافه، ومع ذلكم في مجاورته ذكروا أنه كان يفطر على إيش؟ الخمر المعتق، وأفئدة الحملان، -نسأل الله السلامة والعافية-.
على كل حال هو معروف الرجل وضعه، ما هو محمود السيرة، المقصود أن الإنسان لا يتعبد إلا بما شرعه الله -جل وعلا-.
أحمد أمين يقول: إنه افتقد شيخاً من شيوخه الذين درس عليهم في مدرسة القضاء الشرعي، وكان يثني عليه، ويمدحه بالعلم والخلق والعبادة، يقول: افتقده عشر سنوات، يبحث عنه ما وجده، فقدر أن رآه في .. ، حصل له سفرة إلى تركيا، قال: فوجدته فيها، قد انقطع عن الناس، ولزم الصيام والقيام، لكن هل هو على الجادة؟ مثل الأول -نسأل الله السلامة والعافية-، يصوم من بعد طلوع الشمس يعني بساعة أو كذا، قريب منها، إلى غروب الشمس، صوم ليس بشرعي، ويعلل ذلك أنه في الشقة التي تحته عائلة، والله ما أدري عاد قال: نصرانية أو يهودية، إذا أراد أن يقوم يستيقظ من أجل السحور يمكن يشوش عليهم وإلا .. ، -نسأل الله السلامة والعافية-.
أمور ما تدري ويش لون الأمور يجر بعضها بعضاً، وإلا في بداية الأمر شخص يسمع هذا الكلام يقول: يستحيل، يستحيل أن يصنع مثل هذا، لكن هي أمور تراكمات يجر بعضها بعضاً، والحسنة تقول: أختي، أختي، والسيئة كذلك، فإذا تراكمت هذه الأمور، والضلال ما له نهاية، الضلال لا نهاية له، يعني
…
، إذا وجد من يقول:
ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ
…
وتنطمس البصائر والقلوبُ
مشكلة؛ لأن الضلال ما له نهاية، لكن على الإنسان أن يعتصم بالكتاب والسنة، والله المستعان.
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما لا يجوز الاعتكاف إلا به:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد ونافعاً مولى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالا: "لا اعتكاف إلا بصيام، بقول الله تبارك وتعالى في كتابه:{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام.
قال مالك رحمه الله: وعلى ذلك الأمر عندنا أنه لا اعتكاف إلا بصيام.
اشتراط الصيام لصحة الاعتكاف مسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يشترط، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يثبت عنه أنه اعتكف إلا وهو صائم، وجاء في خبر عائشة:((ولا اعتكاف إلا بصيام)) لكنه مضعف، واستدلال مالك وانتزاعه الدليل من الآية يقول:{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة].