المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء في ليلة القدر: - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ٦٣

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب ما جاء في ليلة القدر:

"وفرق بين نكاح المعتكف ونكاح المحرم بحج أو عمرة أن المحرم يأكل ويشرب، ويعود المريض، ويشهد الجنائز" هذا مما يفرق به بين الاعتكاف والإحرام "ولا يتطيب" المحرم يأكل ويشرب، أيضاً المعتكف يأكل ويشرب في غير النهار لأنه يشترط الصيام له، ويعود المريض والمعتكف لا يعيد المريض، ويشهد الجنائز والمعتكف لا يشهد الجنائز، ولا يتطيب المحرم لا يتطيب والمعتكف يتطيب "والمعتكف والمعتكفة يدهنان ويتطيبان، ويأخذ كل واحد منهما من شعره حلقاً أو تقصيراً" هذا المعتكف لكن يحرم على المحرم "ولا يشهدان الجنائز، ولا يصليان عليها، ولا يعودان المريض، فأمرهما في النكاح مختلف" يعني كما اختلفا في بقية الأحكام يختلفان في أمر النكاح، فيجوز نكاح المعتكف دون المحرم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:((لا ينكح المحرم ولا يُنكِح)) "وذلك الماضي من السنة في نكاح المحرم والمعتكف والصائم بلا اعتكاف"، نعم.

أحسن الله إليك.

‌باب ما جاء في ليلة القدر:

حدثني زياد عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوسط من رمضان، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها من صبحها من اعتكافه قال:((من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبحها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر)) قال أبو سعيد: فأمطرت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش فوكف المسجد، قال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبح ليلة إحدى وعشرين".

وحدثني زياد عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)).

وحدثني زياد عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر)).

ص: 24

وحدثني زياد عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عبد الله بن أنيس الجهني رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني رجل شاسع الدار، فمرني ليلة أنزل لها؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((انزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان)).

وحدثني زياد عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقال: ((إني أريت هذه الليلة في رمضان حتى تلاحى رجلان فرفعت، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة)).

وحدثني زياد عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إني أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)).

وحدثني زياد عن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر.

وحدثني زياد عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب ما جاء في ليلة القدر:

ص: 25

ليلة القدر، والقدر: المقدار العظيم، فهي ذات قدر عظيم؛ لنزول القرآن فيها، ولكونها خيراً من ألف شهر؛ ولتنزل الملائكة فيها، أو لعظم قدر من أحياها، أو لما يقدر فيها من أحكام السنة، كما في قوله -جل وعلا-:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [(4) سورة الدخان] هذه الليلة ليلة عظيمة، جاءت فيها السورة الشهيرة:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [(1 - 2) سورة القدر] هذا تعظيم، تعظيم من شأنها، وجاء فيها الحديث الصحيح:((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ومن حرم فضل هذه الليلة فقد حرم، حرم الثواب المرتب على قيامها فهو المحروم، ليلة واحدة تعادل في ثوابها وأجرها أكثر من ثمانين سنة، ليس فيها ليلة من ليالي القدر، المقصود أنه جاء الحث عليها بالنصوص القطعية، وبعض الناس لا يرفع بها رأساً، هذا هو المحروم حقيقة.

ص: 26

هذه الليلة جاءت في النصوص الكثيرة التي قد يقول قائل: إنها بالنسبة للتحديد فيها اضطراب كبير، نصوص صحيحة لكنها ليست صريحة التحديد، فجاء نص صحيح يدل على أنها ليلة إحدى وعشرين، وجاءت نصوص تدل على أنها في العشر، وجاء ما يدل على أنها في الأوتار، وجاء ما يدل على أنها في السبع الأواخر، ولذا يختلف أهل العلم في تحديدها على ما يقرب من خمسين قولاً، وأرجح هذه الأقوال أنها تنتقل في العشر الأواخر، وإن كانت الأوتار آكد، لكن الأشفاع لها نصيبها من النصوص الصحيحة ((التمسوها في سابعة تبقى)) سابعة تبقى هذه على اعتبار أن الشهر ناقص هي ليلة ثلاث وعشرين، وعلى اعتبار أن الشهر كامل هي ليلة أربعة وعشرين، ولذا يختار بعض أهل البلدان ليلة بعينها، فأهل البصرة عندهم ليلة القدر ليلة أربعة وعشرين، هذا معروف أنس بن مالك والحسن البصري وجمع من عباد البصرة وعلمائها، وعند أهل مكة ليلة، وعند غيرهم ليلة، وعند أهل المدينة ليلة ثلاثة وعشرين، المقصود أنها على ضوء ما يفهم من مجموع ما ورد في الباب أنها تنتقل، وتحديدها بدقة في ليلة معينة ليس هدفاً شرعياً، وإنما الهدف إخفاؤها ليكثر الناس من التعبد، والقرب من الله -جل وعلا-، إذ لو حددت بليلة معينة كما أن ساعة الجمعة جاءت كذلك، لو حددت بساعة دعا الناس في هذه الساعة، ولو حددت هذه لقام الناس في هذه الليلة ولم يقوموا غيرها؛ لأن كثير من الناس مجبول على الكسل، ولذا تجدون الفرق واضح في المساجد بين ليالي الأوتار، وليالي الأشفاع، مع أنها تسع ليال ما هن شيء، ما فائت من أمر الدين ولا الدنيا شيء، إذا اعتني بهذه الليلة، والنبي عليه الصلاة والسلام إذا دخلت العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، فلا أقل من أن يجتهد الإنسان في هذه العشر، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يخلط العشرين الأولى من رمضان بقيام ونوم، لكنه في العشر الأواخر لا ينام، يحيي ليله.

ص: 27

"حدثني زياد عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوُسُط" أو الوسْط جمع وسطى "من رمضان، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها من صبحها" يعني الصبح الذي قبلها؛ لأن ليلة إحدى وعشرين ليست من العشر الوسط، وإنما هي من العشر الأواخر "من اعتكافه، قال: ((من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر)) " يعني بدءاً من ليلة إحدى وعشرين، فدل على أنه يخرج من صبيحة يوم واحد وعشرين، انتهت العشر الوسط، ((من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة)) وفي رواية: ((أريت هذه الليلة)) هذه الليلة ليلة القدر ((ثم أنسيتها)) بعد أن علمتها ((وقد رأيتني)) يعني رأى ما يدل عليها ((رأيتني أسجد)) يعني رأيت نفس أسجد ((من صبحها في ماء وطين)) جعلت له علامة يستدل بها ((فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر)) العشر الأواخر من رمضان، وفي كل وتر منه، وأولها ليلة الحادي والعشرين، وآخرها ليلة التاسع والعشرين.

"قال أبو سعيد: فأمطرت السماء تلك الليلة" ليلة إحدى وعشرين "وكان المسجد على عريش" من جريد النخل، "فوكف المسجد" يعني سال منه الماء، وتنازلت منه قطرات "قال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف وعلى جبهته، وفي وراية: جبينه، وأنفه أثر الماء والطين، من صبح ليلة إحدى وعشرين".

فليلة القدر في تلك السنة هي ليلة إحدى وعشرين، ولا يمنع أن تكون غير هذه الليلة في غيرها من السنوات كما دل على ذلك النصوص؛ لأنه جاء:((التمسوها في السبع الأواخر)) وليس منها ليلة إحدى وعشرين التي دل عليها هذا الحديث الصحيح الصريح.

"وحدثني زياد عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه" مرسلاً ووصله البخاري عن عائشة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا)) " اجتهدوا، اطلبوا ((ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)).

ص: 28

((في العشر الأواخر)) وأحياناً يقول: ((في السبع الأواخر)) أحياناً يقول: ((سابعة تبقى، خامسة تبقى)) وأحياناً .. ، ودل الدليل على أنها ليلة إحدى وعشرين، كل هذا من باب التعمية، في هذا الزمن المحدود في العشر، وليس تحديدها بليلة بعينها من المقاصد الشرعية، ولذا يخطئ في حق الأمة من يحددها بليلة معينة، وينشر ذلك في وسائل الاتصال من الجوالات وغيرها، هذا يحرم الناس من خير عظيم، ولو كان من مقاصد الشرع أن تحدد بليلة معينة لحددها من لا ينطق عن الهوى، المؤيد بالوحي، لكن الهدف الشرعي أن تكثر العبادات من قبل المسلم، وأن يري المسلمون من أنفسهم يروا الله -جل وعلا- من أنفسهم خيراً.

"وحدثني زياد عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا)) " يعني اجتهدوا في طلب ((ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان)).

"وحدثني زياد عن مالك عن أبي النضر" سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله القرشي التيمي "أن عبد الله بن أنيس" الجهني أبا يحيى المدني "قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني رجل شاسع الدار" بعيد الدار "فمرني ليلة أنزل لها؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان)) " هذا الخبر منقطع؛ لأن أبا النضر لم يلق عبد الله بن أنيس، ولا رآه.

قال أبو عمر: يقال: ليلة الجهني -عبد الله بن أنيس- معروفة بالمدينة ليلة ثلاث وعشرين، وحديثه هذا مشهور عند عامتهم وخاصتهم، والحديث وصله الإمام مسلم في صحيحه.

ليلة ثلاثة وعشرين، وهو يدل على أن ليلة القدر ثلاثة وعشرين، وكثير من أهل العلم يرون أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، ومنهم من استنبط يعني من الصحابة ومن غيرهم؛ لكن أهل العلم من استنبط التحديد بسبع وعشرين أنها هي بالنسبة لكلمات السورة تأتي رقم سبع وعشرين، سلام هي، هذه الكلمة (هي) رقم سبع وعشرين، يقول ابن عطية في تفسيره: هذا من ملح العلم لا من متينه، ولا تثبت الليلة بمثل هذا، لكن عندنا نصوص صحيحة في هذا الباب، وعرفنا أن السبب في إخفائها وتعميتها بهذه النصوص التي يحتار الإنسان في التوفيق بينها؛ ليجتهد جميع هذه الليالي.

ص: 29

قال: "وحدثني زياد عن مالك عن حميد الطويل -الخزاعي- عن أنس بن مالك أنه قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ليخبرنا بليلة القدر فقال: ((إني أريت هذه الليلة في رمضان)) " أريت، أو رأيت علمية أو بصرية؟ ((حتى تلاحى)) تنازع وتخاصم ((رجلان)) لم يذكرا، وإن زعم بعضهم أنهما ابن أبي حدرد وكعب بن مالك لما تقاضيا الدين، لكن ما في طرق الحديث ما يدل على هذا ((تلاحى رجلان)) يعني تخاصما وتنازعا ((فرفعت)) رفعت يعني رفع تحديدها، لا رفع وجودها كما زعم بعضهم، إنما رفع تحديدها، للتلاحي والتنازع، وفيه خير -ولله الحمد- للأمة ((رفعت فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة)) السابعة من البقايا أو من المواضي، يحتمل هذا وهذا، أنها سابعة تبقى، تاسعة تبقى، خامسة تبقى، أو تمضي.

"وحدثني زياد عن مالك عن نافع عن ابن عمر -أن جلاً لم يسم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أن رجالاً، أن رجالاً لم يسم أحد منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر" قال ابن حجر: يعني رأوا من يقول لهم: إنها في السبع الأواخر، ويحتمل أنهم رأوا ما يدل عليها "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إني أرى)) " أو أُرى، أجزم أو أظن ظناً جازماً، والظن يأتي بمعنى العلم ((أرى رؤياكم قد تواطأت)) يعني توافقت ((في السبع الأواخر، فمن كان متحريها)) أي: طالبها ((فليتحرها في السبع الأواخر)) من رمضان.

ص: 30

"وحدثني زياد عن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله" أراه الله -جل وعلا- أعمار الناس من الأمم السابقة "أو ما شاء الله من ذلك" رأى بعضهم، من يعيش خمسمائة سنة، ستمائة سنة، سبعمائة سنة، ألف سنة، أكثر، أقل "فكأنه عليه الصلاة والسلام تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الصالح" لأن طول المدة يمكن الإنسان من كثرة العمل، لكنه ليس بخير على كل حال؛ لأن الإنسان قد يعيش عشرين ثلاثين سنة، ويعمل فيها من الأعمال الصالحة ما لا يبلغه من عاش مائة سنة، وقد يعيش الإنسان مائة سنة ويؤخر لمعاصي وفتن وغير ذلك، فلا يكون من مصلحته أن يؤخر، فالعمر لا شك أنه مع استغلاله بالأعمال الصالحة إذا طال فهو أفضل وأحسن، ((خيركم من طال عمره وحسن عمله)) بخلاف من طال عمره وساء عمله "فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل -يعني الصالح- مثلما بلغ غيرهم من طول العمر لقصر أعمارهم، إذا أعمار هذه الأمة من الستين إلى السبعين، وقليل من يجاوز ذلك، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر" خير من ألف شهر يعني ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر، أو ستة أشهر، في ليلة واحدة فضل الله -جل وعلا- لا يحد.

قال ابن عبد البر: هذا أحد الأحاديث الأربعة التي لا توجد في غير الموطأ لا مسندة ولا مرسلة، وابن عبد البر وصل جميع المقطوعات في الموطأ إلا هذه الأحاديث الأربعة، هذا الحديث: أري أعمار الناس قبله، وحديث:((إني لأنسى، أو أنسى لأسن)) والثالث: ((إذا أنشأت بحرية)) تقدم هذا، والرابع قوله لمعاذ:((حسن خلقك للناس)) قال: وليس منها حديث منكر، ولا ما يدفعه أصل.

"وحدثني زياد عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يقول: من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها" أخذ بنصيبه من ليلة القدر، إذا صلى العشاء مع الجماعة، يعني إذا حضرها مع الجماعة أخذ بنصيبه من ليلة القدر؛ لأنه صح أنه صلى في ليلة القدر، ((ومن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل)) فأخذ نصيبه منها، منها يعني من ثوابها المنوه به في القرآن والسنة.

ص: 31

قال ابن عبد البر: قول ابن المسيب هذا لا يكون رأياً، يعني لا يمكن أن يقوله ابن المسيب من رأيه، اللهم إلا إذا كان استند إلى حديث:((من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل)) ومراسيله أصح المراسيل عند أهل العلم، يعني إذا كان لا يقال من جهة الرأي فهو له حكم الرفع، لكن سعيد تابعي، نقول: هذا مرسل إذا قلنا: إنه لا يقال من جهة الرأي، هو مرسل كما لو صرح بنسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام، مراسيل سعيد من أصح المراسيل.

يقول الباجي: وهو بمعنى الحديث: ((من شهد العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل)) وأما الصبح فلا يدخل، لماذا؟ ((من صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله)) لأن الصبح ليست من ليلة القدر، إذا طلع الصبح انتهت ليلة القدر، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 32