الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسلم في حَدِيثُ سَمُرَةَ الْكَاذِبَيْنِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ على التثنية واحتج به على أن الراوى له يُشَارِكَ الْبَادِئَ بِهَذَا الْكَذِبِ ثُمَّ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ الْكَاذِبَيْنِ أَوِ الْكَاذِبِينَ عَلَى الشَّكِّ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَذَكَرَ بَعْضُ الأئمة جواز فتح الياء من يُرَى وَهُوَ ظَاهِرٌ حَسَنٌ فَأَمَّا مَنْ ضَمَّ الْيَاءَ فَمَعْنَاهُ يَظُنُّ وَأَمَّا مَنْ فَتَحَهَا فَظَاهِرٌ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى يَظُنُّ أَيْضًا فَقَدْ حُكِيَ رَأَى بِمَعْنَى ظَنَّ وَقُيِّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ إِلَّا بِرِوَايَتِهِ مَا يَعْلَمُهُ أَوْ يَظُنُّهُ كَذِبًا أَمَّا مَا لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَظُنُّهُ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ وَإِنْ ظَنَّهُ غَيْرُهُ كَذِبًا أَوْ عَلِمَهُ وَأَمَّا فِقْهُ الْحَدِيثِ فَظَاهِرٌ فَفِيهِ تَغْلِيظُ الْكَذِبِ وَالتَّعَرُّضُ لَهُ وَأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُ مَا يَرْوِيهِ فَرَوَاهُ كَانَ كَاذِبًا وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَاذِبًا وَهُوَ مُخْبِرٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ وَسَنُوَضِّحُ حَقِيقَةَ الْكَذِبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ
(بَاب تَغْلِيظِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
[1]
فِيهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ يَلِجِ النَّارَ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنِ النَّارِ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ أَمَّا أَسَانِيدُهُ فَفِيهِ غُنْدَرٌ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِيهِ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ أَنَّهُ يُقَالُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهُذَلِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبُو بَكْرٍ وَغُنْدَرٌ لَقَبٌ لقبه به بن جُرَيْجٍ رُوِّينَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَائِشَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ كُلْثُومٍ السُّلَمِيِّ قَالَ قَدِمَ علينا بن جُرَيْجٍ الْبَصْرَةَ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَحَدَّثَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِحَدِيثٍ فَأَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ بن عائشة انما سماه غندرا بن جُرَيْجٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَانَ يُكْثِرُ الشَّغْبُ عَلَيْهِ فَقَالَ اسْكُتْ يَا غُنْدَرُ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَ الْمُشْغِبَ غُنْدَرًا وَمِنْ طُرَفِ أَحْوَالِ غُنْدَرٍ رحمه الله أَنَّهُ بَقِيَ خَمْسِينَ سَنَةً يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَمَاتَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وتسعين
وفيه ربعى بن حراش فربعى بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وَحِرَاشٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ وَآخِرُهُ شِينٌ مُعْجَمَةٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي آخِرِ الْفُصُولِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حِرَاشٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ سِوَاهُ وَمَنْ عَدَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشِ بْنِ جَحْشٍ الْعَبْسِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ الْكُوفِيُّ أَبُو مَرْيَمَ أَخُو مَسْعُودٍ الَّذِي تَكَلَّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَخُوهُمَا رَبِيعٌ وَرِبْعِيٌّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ جَلِيلٌ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَضْحَكُ حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ مَصِيرُهُ فَمَا ضَحِكَ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَذَلِكَ حَلَفَ أَخُوهُ رَبِيعٌ أَنْ لَا يَضْحَكَ حَتَّى يَعْلَمَ أَفِي الْجَنَّةِ هُوَ أَوْ فِي النَّارِ قَالَ غَاسِلُهُ فلم يزل متبسما عَلَى سَرِيرِهِ وَنَحْنُ نُغَسِّلُهُ حَتَّى فَرَغْنَا تُوُفِّيَ رِبْعِيٌّ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ تُوُفِّيَ فِي وِلَايَةِ الْحَجَّاجِ وَمَاتَ الْحَجَّاجُ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ
[2]
(حَدَّثَنَا إسماعيل يعنى بن عُلَيَّةَ) فَإِنَّمَا قَالَ يَعْنِي لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ في الرواية بن عُلَيَّةَ فَأَتَى بِيَعْنِي وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي الْفُصُولِ وَأَوْضَحْتُ هُنَاكَ مَقْصُودَهُ وَعُلَيَّةُ هِيَ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ وَأَبُوهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَهْمِ بْنِ مِقْسَمٍ الْأَسَدِيُّ أَسَدُ خُزَيْمَةَ مَوْلَاهُمْ وَإِسْمَاعِيلُ بَصْرِيٌّ وَأَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ كُنْيَتُهُ أَبُو بِشْرٍ قَالَ شعبة إسماعيل بن عُلَيَّةَ رَيْحَانَةُ الْفُقَهَاءِ وَسَيِّدُ الْمُحَدِّثِينَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عُلَيَّةُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ هِيَ عُلَيَّةُ بِنْتُ حَسَّانٍ مَوْلَاةٌ لِبَنِي شَيْبَانَ وَكَانَتِ امْرَأَةً نَبِيلَةً عَاقِلَةً وَكَانَ صَالِحٌ الْمُرِّيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ وجوه الْبَصْرَةِ وَفُقَهَائِهَا يَدْخُلُونَ عَلَيْهَا فَتَبْرُزُ فَتُحَادِثُهُمْ وَتُسَائِلُهُمْ ومن طرف ما يتعلق باسماعيل بن عُلَيَّةَ مَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ حَدَّثَ عن إسماعيل بن علية بن جريج وموسى بن سهل الوشا وَبَيْنَ وَفَاتَيْهِمَا مِائَةٌ وَتِسْعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَقِيلَ سبع وعشرون قال وحدث عن بن عُلَيَّةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَبَيْنَ
وفاته ووفاة الوشا مِائَةٌ وَعَشْرُ سِنِينَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ سنة قال وحدث عن بن علية شعبة وبين وفاته ووفاة الوشا مائة وثمانى عشرة سنة وحدث عن بن عُلَيَّةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَبَيْنَ وَفَاتِهِ ووفاة الوشا احدى وثمانون سنة مات الوشا يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْآخَرِ
[3]
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغُبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا الْغُبَرِيُّ فَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ مَنْسُوبٌ إِلَى غُبَرَ أَبِي قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ فِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَمُحَمَّدٌ هَذَا بَصْرِيٌّ وَأَمَّا أَبُو عَوَانَةَ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالنُّونِ وَاسْمُهُ الْوَضَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ وَأَمَّا أَبُو حُصَيْنٍ فَبِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْفُصُولِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَهُ نَظِيرٌ وَأَنَّ مَنْ سِوَاهُ حُصَيْنٌ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ إِلَّا حُضَيْنَ بْنَ الْمُنْذِرِ فَإِنَّهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَاسْمُ أَبِي حُصَيْنٍ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ التَّابِعِيُّ وَأَمَّا أَبُو صَالِحٍ فَهُوَ السَّمَّانُ وَيُقَالُ الزَّيَّاتُ وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ كَانَ يَجْلِبُ الزَّيْتَ وَالسَّمْنَ إِلَى الْكُوفَةِ وَهُوَ مَدَنِيٌّ تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ وَفِي دَرَجَتِهِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ جَمَاعَةٌ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَبُو صَالِحٍ وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كُنِّيَ بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ عَلَى نَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ قَوْلًا وَأَصَحُّهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ إِلَيْهِ الْقَلْبُ فِي اسْمِهِ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ قَالَ وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَتْ طَائِفَةٌ صَنَّفَتْ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَكَذَا قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ أَصَحُّ شَيْءٍ عِنْدنَا فِي اسْمِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ وَأَمَّا سَبَبُ تَكْنِيَتِهِ أَبَا هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ كَانَتْ لَهُ فِي صِغَرِهِ هُرَيْرَةٌ صَغِيرَةٌ يَلْعَبُ بِهَا وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم رِوَايَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ الْأَنْدَلُسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ خَمْسَةَ آلَافِ حَدِيثٍ وَثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وسبعين حديثا
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم هَذَا الْقَدْرِ وَلَا مَا يُقَارِبهُ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ ينزل المدينه بذى الحليفة وله بها دار مات بالمدينة سنة تسع وخمسين وهو بن ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَمَاتَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا وَقِيلَ إِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَالصَّحِيحُ سَنَةَ تِسْعٍ وَكَانَ مِنْ سَاكِنِي الصُّفَّةِ وَمُلَازِمِيهَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ كَانَ عَرِّيفَ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَأَشْهَرَ مَنْ سَكَنَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَتْنُ الْحَدِيثِ فَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ فِي نِهَايَةٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَقِيلَ إِنَّهُ مُتَوَاتِرٌ ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فِي شَرْحِهِ لِرِسَالَةِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ رَوَى عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ صَحَابِيًّا مَرْفُوعًا وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَنْدَهْ عَدَدَ مَنْ رَوَاهُ فَبَلَغَ بِهِمْ سَبْعَةً وَثَمَانِينَ ثُمَّ قَالَ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ صَحَابِيًّا وَفِيهِمُ الْعَشَرَةُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ حَدِيثٌ اجْتَمَعَ عَلَى رِوَايَتِهِ الْعَشَرَةُ إِلَّا هَذَا وَلَا حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ صَحَابِيًّا إِلَّا هَذَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ رَوَاهُ مِائَتَانِ مِنَ الصَّحَابَةِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ فِي ازْدِيَادٍ وَقَدِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ وَأَمَّا إِيرَادُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُمَيدِيِّ صَاحِبِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ فَلَيْسَ بِصَوَابٍ فَقَدِ اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا لَفْظُ مَتْنِهِ فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ فَلْيَنْزِلْ وَقِيلَ فَلْيَتَّخِذْ مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُهُ مِنْ مَبَاءَةِ الْإِبِلِ وَهِيَ أَعْطَانُهَا ثُمَّ قِيلَ إِنَّهُ دُعَاءٌ بِلَفْظِ الْأَمْرِ أَيْ بَوَّأَهُ اللَّهُ ذَلِكَ وَكَذَا فَلْيَلِجِ النَّارَ وَقِيلَ هُوَ خَبَرٌ بِلَفْظِ الْأَمْرِ أَيْ مَعْنَاهُ فَقَدِ اسْتَوْجَبَ ذَلِكَ فَلْيُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى يَلِجِ النَّارَ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي النَّارِ ثُمَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ وَقَدْ يُجَازَى بِهِ وَقَدْ يَعْفُو اللَّهُ الْكَرِيمُ عَنْهُ وَلَا يُقْطَعُ عَلَيْهِ بِدُخُولِ النَّارِ وَهَكَذَا سَبِيلُ كُلِّ مَا جَاءَ مِنَ الْوَعِيدِ بِالنَّارِ لِأَصْحَابِ الْكَبَائِرِ غَيْرَ الْكُفْرِ فَكُلُّهَا يُقَالُ فِيهَا هَذَا جَزَاؤُهُ وَقَدْ يُجَازَى
وَقَدْ يُعْفَى عَنْهُ ثُمَّ إِنْ جُوزِيَ وَأُدْخِلَ النار فلا يخلد فيها بل لابد مِنْ خُرُوجِهِ مِنْهَا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ وَلَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَسَيَأْتِي دَلَائِلُهَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْكَذِبُ فَهُوَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ شَرْطُهُ الْعَمْدِيَّةُ وَدَلِيلُ خِطَابِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَنَا فَإِنَّهُ قَيَّدَهُ عليه السلام بِالْعَمْدِ لِكَوْنِهِ قَدْ يَكُونُ عَمْدًا وَقَدْ يَكُونُ سَهْوًا مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ وَالنُّصُوصَ الْمَشْهُورَةَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُتَوَافِقَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَى الناسى والغالط فَلَوْ أَطْلَقَ عليه السلام الْكَذِبَ لَتُوُهِّمَ أَنَّهُ يَأْثَمُ النَّاسِي أَيْضًا فَقَيَّدَهُ وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الْمُطْلَقَةُ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالْعَمْدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَشْتَمِلُ عَلَى فَوَائِدَ وَجُمَلٍ مِنَ الْقَوَاعِدِ إِحْدَاهَا تَقْرِيرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْكَذِبَ يَتَنَاوَلُ إِخْبَارُ الْعَامِدِ وَالسَّاهِي عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ الثَّانِيَةُ تَعْظِيمُ تَحْرِيمِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ فَاحِشَةٌ عَظِيمَةٌ وَمُوبِقَةٌ كَبِيرَةٌ وَلَكِنْ لَا يَكْفُرُ بِهَذَا الْكَذِبِ إِلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الطَّوَائِفِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالِدُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَبِي الْمَعَالِي مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا يَكَفُرُ بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم حَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ هَذَا الْمَذْهَبَ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دَرْسِهِ كَثِيرًا مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمْدًا كَفَرَ وَأُرِيقَ دَمُهُ وَضَعَّفَ إِمَامُ الحرمين هذا القول وقاله إِنَّهُ لَمْ يَرَهُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَصْحَابِ وَإِنَّهُ هَفْوَةٌ عَظِيمَةٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمْدًا فى حديث واحد فسق وردت رواياتة كُلُّهَا وَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِجَمِيعِهَا فَلَوْ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَصَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيِّينَ وَأَصْحَابِ الْوُجُوهِ مِنْهُمْ وَمُتَقَدِّمَيْهِمْ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ لَا تُؤَثِّرُ تَوْبَتُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ أَبَدًا بَلْ يُحَتَّمُ جَرْحُهُ دَائِمًا وَأَطْلَقَ الصَّيْرَفِيُّ وَقَالَ كُلُّ مَنْ أَسْقَطْنَا خَبَرَهُ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ بِكَذِبٍ
وَجَدْنَاهُ عَلَيْهِ لَمْ نَعُدْ لِقَبُولِهِ بِتَوْبَةٍ تَظْهَرُ وَمَنْ ضَعَّفْنَا نَقْلَهُ لَمْ نَجْعَلْهُ قَوِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ وَذَلِكَ مِمَّا افْتَرَقَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ وَالشَّهَادَةُ وَلَمْ أَرَ دَلِيلًا لِمَذْهَبِ هَؤُلَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ ذَلِكَ جُعِلَ تَغْلِيظًا وَزَجْرًا بَلِيغًا عَنِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم لِعِظَمِ مَفْسَدَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِخِلَافِ الْكَذِبِ عَلَى غَيْرِهِ وَالشَّهَادَةِ فَإِنَّ مَفْسَدَتَهُمَا قَاصِرَةٌ لَيْسَتْ عَامَّةٌ قُلْتُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ فِي هَذَا وَقَبُولِ رِوَايَاتِهِ بَعْدَهَا إِذَا صَحَّتْ تَوْبَتُهُ بِشُرُوطِهَا الْمَعْرُوفَةِ وَهِيَ الْإِقْلَاعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالنَّدَمِ على فعلها والعزم على أن لايعود إِلَيْهَا فَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ مَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ فِي هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ الثَّالِثَةُ أنه لافرق فِي تَحْرِيمِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ مَا كَانَ فِي الْأَحْكَامِ وَمَا لَا حُكْمَ فِيهِ كَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْمَوَاعِظِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ حَرَامٌ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَقْبَحِ الْقَبَائِحِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ خِلَافًا لِلْكَرَّامِيَّةِ الطَّائِفَةِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي زَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَضْعُ الْحَدِيثِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَتَابَعَهُمْ عَلَى هَذَا كَثِيرُونَ مِنَ الْجَهَلَةِ الَّذِينَ يَنْسُبُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَى الزُّهْدِ أَوْ يَنْسُبهُمْ جَهَلَةٌ مِثْلُهمْ وَشُبْهَةُ زَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا لِيُضِلَّ بِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ لَهُ عليه الصلاة والسلام لَا كَذِبٌ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي انْتَحَلُوهُ وَفَعَلُوهُ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ غَايَةَ الْجَهَالَةِ وَنِهَايَةِ الْغَفْلَةِ وَأَدَلُّ الدَّلَائِلِ عَلَى بُعْدِهِمْ مِنْ مَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَقَدْ جَمَعُوا فِيهِ جُمَلًا مِنَ الْأَغَالِيطِ اللَّائِقَةِ بِعُقُولِهِمُ السَّخِيفَةِ وَأَذْهَانِهِمُ الْبَعِيدَةِ الْفَاسِدَةِ فَخَالَفُوا قَوْلَ اللَّهِ عز وجل وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا وَخَالَفُوا صَرِيحَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْأَحَادِيثَ الصَّرِيحَةَ الْمَشْهُورَةَ فِي إِعْظَامِ شَهَادَةِ الزُّورِ وَخَالَفُوا إِجْمَاعَ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّاتِ فِي تَحْرِيمِ الْكَذِبِ عَلَى آحَادِ النَّاسِ فَكَيْفَ بِمَنْ قَوْلُهُ شَرْعٌ وَكَلَامُهُ وَحْيٌ وَإِذَا نَظَرَ فِي قَوْلِهِمْ وَجَدَ كَذِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يوحى وَمِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ قَوْلُهُمْ هَذَا كَذِبٌ لَهُ وهذا جهل
مِنْهُمْ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَخِطَابِ الشَّرْعِ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ كَذِبٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْحَدِيثَ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا وَأَخْصَرُهَا أَنَّ قَوْلَهُ لِيُضِلَّ النَّاسَ زِيَادَةٌ بَاطِلَةٌ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى إِبْطَالِهَا وَأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ صَحِيحَةً بِحَالٍ الثَّانِي جَوَابُ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كذبا ليضل الناس الثَّالِثُ أَنَّ اللَّامَ فِي لِيُضِلَّ لَيْسَتْ لَامَ التَّعْلِيلِ بَلْ هِيَ لَامُ الصَّيْرُورَةِ وَالْعَاقِبَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ عَاقِبَةَ كَذِبِهِ وَمَصِيرِهِ إِلَى الْإِضْلَالِ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عدوا وحزنا وَنَظَائِرُهُ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ أَكْثَرُ مِنْ أن يحصر وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ فَقَدْ يَصِيرُ أَمْرُ كَذِبِهِ إِضْلَالًا وَعَلَى الْجُمْلَةِ مَذْهَبُهُمْ أَرَكُّ مِنْ أَنْ يُعْتَنَى بِإِيرَادِهِ وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ يُهْتَمَّ بِإِبْعَادِهِ وَأَفْسَدُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ إِلَى إِفْسَادِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الرَّابِعَةُ يَحْرُمُ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ عَلَى مَنْ عَرَفَ كَوْنَهُ مَوْضُوعًا أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَضْعُهُ فَمَنْ رَوَى حَدِيثًا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ وَضْعَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ رِوَايَتِهِ وَضْعَهُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْوَعِيدِ مُنْدَرِجٌ فِي جُمْلَةِ الْكَاذِبِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا الْحَدِيثُ السَّابِقُ مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ رِوَايَةِ حَدِيثٍ أَوْ ذَكَرَهُ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا أَوْ حَسَنًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَذَا أَوْ فَعَلَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَلَا يَقُلْ قَالَ أَوْ فَعَلَ أَوْ أَمَرَ أَوْ نَهَى وَشِبْهَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ بَلْ يَقُولُ رُوِيَ عَنْهُ كَذَا أَوْ جَاءَ عَنْهُ كَذَا أَوْ يُرْوَى أَوْ يُذْكَرُ أَوْ يُحْكَى أَوْ يقال أوبلغنا وَمَا أَشْبَهَهُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وينبغى لقارىء الْحَدِيثِ أَنْ يَعْرِفَ مِنَ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَأَسْمَاءَ الرِّجَالِ مَا يَسْلَمُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ يَقُلْ وَإِذَا صَحَّ فِي الرِّوَايَةِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ خَطَأٌ فَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ يَرْوِيهِ عَلَى الصَّوَابِ وَلَا يُغَيِّرهُ فِي الْكِتَابِ لَكِنْ يَكْتُبُ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ كَذَا وَأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُهُ وَهُوَ كَذَا وَيَقُولُ عِنْدَ