المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان - شرح النووي على مسلم - جـ ١

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌‌‌فصل)

- ‌فصل)

- ‌فصل)

- ‌فصل)

- ‌فصل)

- ‌فصل)

- ‌فصل)

- ‌فصل)

- ‌فصل)

- ‌فصل)

- ‌فصل

- ‌فصل)

- ‌فصل فى بيان جملة من الكتب المخرجة على صحيح مسلم)

- ‌فصل)

- ‌فصل في ألفاظ يتداولها أهل الحديث)

- ‌فصل اذا قال الصحابى كنا نقول أونفعل أو يقولون أو

- ‌فصل اذا قال الصحابى قولا أو فعل فعلا فقد قدمنا

- ‌فصل فى الاسناد المعنعن)

- ‌فصل)

- ‌فصل فى حكم المختلط)

- ‌فصل فى أحرف مختصرة فى بيان الناسخ والمنسوخ وحكم

- ‌فصل)

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل)

- ‌فصل)

- ‌فصل

- ‌فصل)

- ‌(بَاب تَغْلِيظِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْحَدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الضُّعَفَاءِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي

- ‌(بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْإِسْنَادَ مِنَ الدِّينِ وَأَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَكُونُ

- ‌(فَرْعٌ فِي جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ)

- ‌(بَابُ صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِالْحَدِيثِ الْمُعَنْعَنِ إِذَا أَمْكَنَ لِقَاءُ

- ‌كتاب الايمان

- ‌(بَابُ بَيَانِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ وَوُجُوبِ الْإِيمَانِ

- ‌(بَاب بَيَانِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فِيهِ

- ‌(باب السُّؤَالِ عَنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فِيهِ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ

- ‌(باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة (وَأَنَّ مَنْ تَمَسَّكَ

- ‌(باب بَيَانِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَدَعَائِمِهِ الْعِظَامِ قَالَ مُسْلِمٌ

- ‌(بَابُ الْأَمْرِ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ

- ‌(باب الدُّعَاءِ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ فِيهِ بَعْثِ

- ‌(باب الأمر بقتال النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

- ‌(وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُتَمَسِّكُونَ بِدِينِهِمْ مِنَ الْأَزْدِ مَحْصُورِينَ

- ‌(أَرَادَ مُدَّةَ عِقَالٍ فَنَصَبَهُ عَلَى الظَّرْفِ وَعَمْرٌو هَذَا السَّاعِي هُوَ

- ‌(باب الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ إِسْلَامِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ (ما لم يشرع

- ‌(باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ دَخَلَ الْجَنَّةَ

الفصل: ‌(باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان

غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (كَلَامًا خَلْفًا) بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَهُوَ السَّاقِطُ الْفَاسِدُ قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ أَيْ الِاتِّكَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَالْفَضْلُ والمنة وبه التوفيق والعصمة

(

‌كتاب الايمان

()

‌(بَابُ بَيَانِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ وَوُجُوبِ الْإِيمَانِ

بِإِثْبَاتِ قَدَرِ اللَّهِ سبحانه وتعالى (وَبَيَانُ الدَّلِيلِ عَلَى التَّبَرِّي مِمَّنْ لَا يُؤْمِنُ بِالْقَدْرِ وَإِغْلَاظِ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ) أَهَمُّ مَا يُذْكَرُ فِي الْبَابِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَعُمُومِهِمَا وَخُصُوصِهِمَا وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ أَمْ لَا وَأَنَّ الْأَعْمَالَ مِنَ الْإِيمَانِ أَمْ لَا وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ الْقَوْلَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَنَا أَقْتَصِرُ عَلَى نَقْلِ أَطْرَافٍ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ يَحْصُلُ مِنْهَا مَقْصُودُ مَا ذَكَرْتُهُ مَعَ زِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ الْبُسْتِيُّ الْفَقِيهُ الْأَدِيبُ الشَّافِعِيُّ الْمُحَقِّقُ رحمه الله فِي كِتَابِهِ مَعَالِمُ السُّنَنِ مَا أَكْثَرَ مَا يَغْلَطُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَالَ الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانُ الْعَمَلُ وَاحْتَجَّ بِالْآيَةِ يَعْنِي قَوْلَهُ سبحانه وتعالى قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ)

ص: 144

الايمان فى قلوبكم وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ رَجُلَانِ مِنْ كُبَرَاءِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى قَوْلٍ مِنْ هَذَيْنِ وَرَدَّ الْآخَرُ مِنْهُمَا عَلَى الْمُتَقَدِّمِ وَصَنَّفَ عَلَيْهِ كِتَابًا يَبْلُغُ عَدَدُ أَوْرَاقِهِ الْمِئِينَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَيَّدَ الْكَلَامُ فِي هَذَا وَلَا يُطْلَقَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِهَا وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا وَإِذَا حَمَلْتَ الْأَمْرَ عَلَى هَذَا اسْتَقَامَ لَكَ تَأْوِيلُ الْآيَاتِ وَاعْتَدَلَ الْقَوْلُ فِيهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ شَيْءٌ مِنْهَا وَأَصْلُ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ وَأَصْلُ الْإِسْلَامِ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ فَقَدْ يَكُونُ الْمَرْءُ مُسْتَسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الْبَاطِنِ وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي الْبَاطِنِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الظَّاهِرِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ الْإِيمَانَ الشَّرْعِيَّ اسْمٌ لِمَعْنًى ذِي شُعَبٍ وَأَجْزَاءٍ لَهُ أَدْنَى وَأَعْلَى وَالِاسْمُ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِهَا كَمَا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّهَا وَالْحَقِيقَةُ تَقْتَضِي جَمِيعَ شُعَبِهِ وَتَسْتَوْفِي جُمْلَةَ أَجْزَائِهِ كَالصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ لَهَا شُعَبٌ وَأَجْزَاءٌ وَالِاسْمُ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِهَا وَالْحَقِيقَةُ تَقْتَضِي جَمِيعَ أَجْزَائِهَا وَتَسْتَوْفِيهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم الْحَيَاءُ شُعْبَةً مِنَ الْإِيمَانِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ التَّفَاضُلِ فِي الْإِيمَانِ وَتَبَايُنُ الْمُؤْمِنِينَ فِي دَرَجَاتِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيُّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَجَوَابِهِ قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْإِسْلَامَ اسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأَعْمَالِ وَجَعَلَ الْإِيمَانَ اسْمًا لِمَا بَطَنَ مِنَ الِاعْتِقَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ بَلْ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةٍ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَجِمَاعُهَا الدِّينُ وَلِذَلِكَ قَالَ صلى الله عليه وسلم ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ وَالتَّصْدِيقُ وَالْعَمَلُ يَتَنَاوَلُهُمَا اسْمُ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ جَمِيعًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دينا وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ منه فَأَخْبَرَ سبحانه وتعالى أَنَّ الدِّينَ الَّذِي رَضِيَهُ وَيَقْبَلُهُ مِنْ عِبَادِهِ هُوَ الْإِسْلَامُ وَلَا يَكُونُ الدِّينُ فِي مَحَلِّ الْقَبُولِ وَالرِّضَا إِلَّا بِانْضِمَامِ التَّصْدِيقِ إِلَى الْعَمَلِ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ التَّمِيمِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ الشَّافِعِيُّ رحمه

ص: 145

اللَّهُ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرُ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّصْدِيقُ فَإِنْ عَنَى بِهِ ذَلِكَ فَلَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ شَيْئًا يَتَجَزَّأُ حَتَّى يُتَصَوَّرَ كَمَالُهُ مَرَّةً وَنَقْصُهُ أُخْرَى وَالْإِيمَانُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ وَالْعَمَلُ بِالْأَرْكَانِ وَإِذَا فُسِّرَ بِهَذَا تَطَرَّقَ إِلَيْهِ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ فَالْخِلَافُ فِي هَذَا عَلَى التَّحْقِيقِ إِنَّمَا هُوَ أَنَّ الْمُصَدِّقَ بِقَلْبِهِ اذا لم يجمع إلى تصديقه العمل بمواجب الْإِيمَانَ هَلْ يُسَمَّى مُؤْمِنًا مُطْلَقًا أَمْ لَا وَالْمُخْتَارُ عِنْدنَا أَنَّهُ لَا يُسَمَّى بِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِمُوجِبِ الْإِيمَانِ فَيَسْتَحِقَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ خَلَفِ بْنِ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ الْمَغْرِبِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَالْحُجَّةُ عَلَى زِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ مَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ مِنَ الْآيَاتِ يَعْنِي قَوْلَهُ عز وجل لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مع ايمانهم وقوله تعالى وزدناهم هدى وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وقوله تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى وقوله تعالى ويزداد الذين آمنوا ايمانا وَقَوْلُهُ تَعَالَى أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الذين آمنوا فزادتهم ايمانا وقوله تعالى فاخشوهم فزادهم ايمانا وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا قال بن بَطَّالٍ فَإِيمَانُ مَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الزِّيَادَةُ نَاقِصٌ قَالَ فَإِنْ قِيلَ الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ التَّصْدِيقُ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّصْدِيقَ يَكْمُلُ بِالطَّاعَاتِ كُلِّهَا فَمَا ازْدَادَ الْمُؤْمِنُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ كَانَ إِيمَانُهُ أَكْمَلَ وَبِهَذِهِ الْجُمْلَةِ يَزِيدُ الْإِيمَانُ وَبِنُقْصَانِهَا يَنْقُصُ فَمَتَى نَقَصَتْ أَعْمَالُ الْبِرِّ نَقَصَ كَمَالُ الْإِيمَانِ وَمَتَى زَادَتْ زَادَ الْإِيمَانُ كَمَالًا هَذَا تَوَسُّطُ الْقَوْلِ فِي الْإِيمَانِ وَأَمَّا التَّصْدِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَنْقُصُ وَلِذَلِكَ تَوَقَّفَ مَالِكٌ رحمه الله فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ الْقَوْلِ بِالنُّقْصَانِ إِذْ لَا يَجُوزُ نُقْصَانُ التَّصْدِيقِ لِأَنَّهُ إِذَا نَقَصَ صَارَ شَكًّا وَخَرَجَ عَنِ اسْمِ الْإِيمَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا تَوَقَّفَ مَالِكٌ عَنِ الْقَوْلِ بِنُقْصَانِ الْإِيمَانِ خَشْيَةَ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ أَهْلَ الْمَعَاصِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالذُّنُوبِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ بِنُقْصَانِ الْإِيمَانِ مِثْلَ قَوْلِ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ سَمِعْتُ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ شُيُوخِنَا وَأَصْحَابِنَا سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَالْأَوْزَاعِيَّ ومعمر بن راشد وبن جريح وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُونَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يزيد وينقص وهذا قول بن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ فَالْمَعْنَى

ص: 146

الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعَبْدُ الْمَدْحَ وَالْوِلَايَةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ إِتْيَانُهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَالْعَمَلُ بِالْجَوَارِحِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ وَعَمِلَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُ وَمَعْرِفَةٍ بِرَبِّهِ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ مُؤْمِنٍ وَلَوْ عَرَفَهُ وَعَمِلَ وَجَحَدَ بِلِسَانِهِ وَكَذَبَ مَا عَرَفَ مِنَ التَّوْحِيدِ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ مُؤْمِنٍ وَكَذَلِكَ إِذَا أَقَرَّ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِرُسُلِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِالْفَرَائِضِ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا بِالْإِطْلَاقِ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُسَمَّى مُؤْمِنًا بِالتَّصْدِيقِ فَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ عز وجل إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أولئك هم المؤمنون حقا فَأَخْبَرَنَا سبحانه وتعالى أَنَّ الْمُؤْمِنَ مَنْ كَانَتْ هذه صفته وقال بن بَطَّالٍ فِي بَابِ مَنْ قَالَ الْإِيمَانُ هُوَ الْعَمَلُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَدَّمْتُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ قِيلَ التَّصْدِيقُ هُوَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْإِيمَانِ وَيُوجِبُ لِلْمُصَدِّقِ الدُّخُولَ فِيهِ وَلَا يُوجِبُ لَهُ اسْتِكْمَالَ مَنَازِلِهِ وَلَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا مُطْلَقًا هَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَرْبَابِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ الَّذِينَ كَانُوا مَصَابِيحَ الْهُدَى وَأَئِمَّةَ الدِّينِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَغَيْرِهِمْ قال بن بَطَّالٍ وَهَذَا الْمَعْنَى أَرَادَ الْبُخَارِيُّ رحمه الله إِثْبَاتَهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَعَلَيْهِ بَوَّبَ أَبْوَابَهُ كُلَّهَا فَقَالَ بَابُ أُمُورِ الْإِيمَانِ وَبَابُ الصَّلَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ وَبَابُ الزَّكَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ وَبَابُ الْجِهَادُ مِنَ الْإِيمَانِ وَسَائِرُ أَبْوَابِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ وَتَبْيِينَ غَلَطِهِمْ وَسُوءَ اعْتِقَادِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِمْ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ قَالَ بن بَطَّالٍ فِي بَابٍ آخَرَ قَالَ الْمُهَلَّبُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ عَقْدُ الْقَلْبِ الْمُصَدِّقِ لِإِقْرَارِ اللِّسَانِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُهُ وَقَالَتِ الْكَرَّامِيَّةُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةُ الْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ دُونَ عَقْدِ الْقَلْبِ وَمِنْ أَقْوَى مَا يُرَدُّ بِهِ عَلَيْهِمْ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى إِكْفَارِ الْمُنَافِقِينَ وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَظْهَرُوا الشَّهَادَتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ هذا آخر كلام بن بَطَّالٍ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رحمه الله قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم الاسلام أن تشهد أن لااله إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا

ص: 147

وَالْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ هَذَا بَيَانٌ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْبَاطِنُ وَبَيَانٌ لِأَصْلِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ الظَّاهِرُ وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ ثَبَتَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنَّمَا أَضَافَ إِلَيْهِمَا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّوْمَ لِكَوْنِهَا أَظْهَرَ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَأَعْظَمَهَا وَبِقِيَامِهِ بِهَا يَتِمُّ اسْتِسْلَامُهُ وَتَرْكُهُ لَهَا يُشْعِرُ بِانْحِلَالِ قَيْدِ انْقِيَادِهِ أَوِ اخْتِلَالِهِ ثُمَّ إِنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ يَتَنَاوَلُ مَا فُسِّرَ بِهِ الْإِسْلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وسائر الطاعات لكونها ثَمَرَاتٌ لِلتَّصْدِيقِ الْبَاطِنِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَمُقَوِّيَاتٌ وَمُتَمِّمَاتٌ وَحَافِظَاتٌ لَهُ وَلِهَذَا فَسَّرَ صلى الله عليه وسلم الْإِيمَانُ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَإِعْطَاءِ الْخُمُسِ مِنَ الْمَغْنَمِ وَلِهَذَا لَا يَقَعُ اسْمُ الْمُؤْمِنِ الْمُطْلَقِ عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً أَوْ بَدَّلَ فَرِيضَةً لِأَنَّ اسْمَ الشَّيْءِ مُطْلَقًا يَقَعُ عَلَى الْكَامِلِ مِنْهُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي النَّاقِصِ ظَاهِرًا إِلَّا بِقَيْدٍ وَلِذَلِكَ جَازَ إِطْلَاقُ نَفْيِهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَاسْمُ الْإِسْلَامِ يَتَنَاوَلُ أَيْضًا مَا هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْبَاطِنُ وَيَتَنَاوَلُ أَصْلَ الطَّاعَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ اسْتِسْلَامٌ قَالَ فَخَرَجَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَحَقَقْنَا أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ يَجْتَمِعَانِ وَيَفْتَرِقَانِ وَأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا قَالَ وَهَذَا تَحْقِيقٌ وَافِرٌ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ مُتَفَرِّقَاتِ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ الَّتِي طَالَمَا غَلِطَ فِيهَا الْخَائِضُونَ وَمَا حَقَّقْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَذَاهِبِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْخَلَفِ فَهِيَ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَطَابِقَةٌ عَلَى كَوْنِ الْإِيمَانِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَهَذَا مَذْهَبُ السَّلَفِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَنْكَرَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ زِيَادَتَهُ وَنُقْصَانَهُ وَقَالُوا مَتَى قَبِلَ الزِّيَادَةَ كَانَ شَكًّا وَكُفْرًا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ نَفْسُ التَّصْدِيقِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَالْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِزِيَادَةِ ثَمَرَاتِهِ وَهِيَ الْأَعْمَالُ وَنُقْصَانِهَا قَالُوا وَفِي هَذَا تَوْفِيقٌ بَيْنَ ظَوَاهِرِ النُّصُوصِ الَّتِي جَاءَتْ بِالزِّيَادَةِ وَأَقَاوِيلِ السَّلَفِ وَبَيْنَ أَصْلِ وَضْعِهِ فِي اللُّغَةِ وَمَا عَلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُونَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا حَسَنًا فَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ نَفْسَ التَّصْدِيقِ يَزِيدُ بِكَثْرَةِ النَّظَرِ وَتَظَاهُرِ الْأَدِلَّةِ وَلِهَذَا يَكُونُ إِيمَانُ الصِّدِّيقِينَ أَقْوَى مِنْ إِيمَانِ غَيْرِهِمْ بِحَيْثُ لَا تَعْتَرِيهِمُ الشُّبَهُ وَلَا يَتَزَلْزَلُ إِيمَانُهُمْ بِعَارِضٍ بَلْ لَا تَزَالُ قُلُوبُهُمْ مُنْشَرِحَةً نَيِّرَةً وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِمُ

ص: 148

الْأَحْوَالُ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ وَمَنْ قَارَبَهُمْ وَنَحْوِهِمْ فَلَيْسُوا كَذَلِكَ فَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ إِنْكَارُهُ وَلَا يَتَشَكَّكُ عَاقِلٌ فِي أَنَّ نَفْسَ تَصْدِيقِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه لَا يُسَاوِيهِ تَصْدِيقُ آحَادِ النَّاسِ وَلِهَذَا قَالَ البخارى فى صحيحه قال بن أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِطْلَاقُ اسْمِ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَعْمَالِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ وَدَلَائِلُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُشْهَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ اللَّهُ ليضيع ايمانكم أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاتَكُمْ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَسَتَمُرُّ بِكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْهَا جُمَلٌ مُسْتَكْثَرَاتٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنِ اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ دِينَ الْإِسْلَامِ اعْتِقَادًا جَازِمًا خَالِيًا مِنَ الشُّكُوكِ وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى إِحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَصْلًا إِلَّا إِذَا عَجَزَ عَنِ النُّطْقِ لِخَلَلٍ فِي لِسَانِهِ أَوْ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِمُعَاجَلَةِ الْمَنِيَّةِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا أَمَّا إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ مَعَهُمَا أَنْ يَقُولَ وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ إِلَّا إِذَا كَانَ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم إِلَى الْعَرَبِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إِلَّا بِأَنْ يَتَبَرَّأَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله مَنْ شَرَطَ أَنْ يَتَبَرَّأَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ أَمَّا إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَقُلْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لايكون مُسْلِمًا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَكُونُ مُسْلِمًا وَيُطَالَبُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ أَبَى جُعِلَ مُرْتَدًّا وَيُحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ عَلَى قَوْلِ الشَّهَادَتَيْنِ وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى لِارْتِبَاطِهِمَا وَشُهْرَتِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا إِذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوِ الصَّوْمِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ مِلَّتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فَهَلْ يُجْعَلُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا فَمَنْ جَعَلَهُ مُسْلِمًا قَالَ كُلُّ مَا يَكْفُرُ الْمُسْلِمُ بِإِنْكَارِهِ يَصِيرُ الْكَافِرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ مُسْلِمًا أَمَّا إِذَا أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَهَلْ يُجْعَلُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْحَقُّ وَلَا يَظْهَرُ لِلْآخَرِ وَجْهٌ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاللَّهُ أعلم واختلفا

ص: 149

الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ فِي إِطْلَاقِ الْإِنْسَانِ قَوْلَهُ أَنَا مُؤْمِنٌ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَقُولُ أَنَا مُؤْمِنٌ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ بَلْ يَقُولُ أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَحَكَى هَذَا الْمَذْهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ وَذَهَبَ آخرون إلى جواز الاطلاق وأنه لايقول إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَقَوْلُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَمَنْ أَطْلَقَ نَظَرَ إِلَى الْحَالِ وَأَحْكَامُ الْإِيمَانِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَمَنْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالُوا فِيهِ هُوَ إِمَّا لِلتَّبَرُّكِ وَإِمَّا لِاعْتِبَارِ الْعَاقِبَةِ وَمَا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَدْرِي أَيَثْبُتُ عَلَى الْإِيمَانِ أَمْ يُصْرَفُ عَنْهُ وَالْقَوْلُ بِالتَّخْيِيرِ حَسَنٌ صَحِيحٌ نَظَرًا إِلَى مَأْخَذِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَرَفْعًا لِحَقِيقَةِ الْخِلَافِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَفِيهِ خِلَافٌ غَرِيبٌ لِأَصْحَابِنَا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُقَالُ هُوَ كَافِرٌ وَلَا يَقُولُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ فِي التَّقْيِيدِ كَالْمُسْلِمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيُقَالُ عَلَى قَوْلِ التَّقْيِيدِ هُوَ كَافِرٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ نَظَرًا إِلَى الْخَاتِمَةِ وَأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ وَلَا يُكَفَّرُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَأَنَّ مَنْ جَحَدَ مَا يُعْلَمُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً حُكِمَ بِرِدَّتِهِ وَكُفْرِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ فَيُعَرَّفُ ذَلِكَ فَإِنِ اسْتَمَرَّ حُكِمَ بِكُفْرِهِ وَكَذَا حُكْمُ مَنِ استحل الزنى أَوِ الْخَمْرَ أَوِ الْقَتْلَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي يُعْلَمُ تَحْرِيمُهَا ضَرُورَةً فَهَذِهِ جُمَلٌ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِيمَانِ قَدَّمْتُهَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ تَمْهِيدًا لِكَوْنِهَا مِمَّا يَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إِلَيْهِ وَلِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهَا وَتَرْدَادِهَا فِي الْأَحَادِيثِ فَقَدَّمْتُهَا لأحيل عليها اذا مررت بما يحرج عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رضي الله عنه

[8]

(حَدَّثَنِي أبو خيثمة زهير بن حرب ثنا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بريدة عن يحيى بن

ص: 150

يعمر ح وثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ وَهَذَا حَدِيثُهُ ثنا أبى ثنا كهمس عن بن بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ) اعْلَمْ أَنَّ مُسْلِمًا رحمه الله سَلَكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ طَرِيقَةً فِي الْإِتْقَانِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالتَّدْقِيقِ وَالتَّحْقِيقِ مَعَ الِاخْتِصَارِ الْبَلِيغِ وَالْإِيجَازِ التَّامِّ فِي نِهَايَةٍ مِنَ الْحُسْنِ مُصَرِّحَةً بِغَزَارَةِ عُلُومِهِ وَدِقَّةِ نَظَرِهِ وَحِذْقِهِ وَذَلِكَ يَظْهَرُ فِي الْإِسْنَادِ تَارَةً وَفِي الْمَتْنِ تَارَةً وَفِيهِمَا تَارَةً فَيَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي كِتَابِهِ أَنْ يَتَنَبَّهَ لِمَا ذَكَرْتُهُ فَإِنَّهُ يَجِدُ عَجَائِبَ مِنَ النَّفَائِسِ وَالدَّقَائِقِ تَقَرُّ بِآحَادِ أَفْرَادِهَا عَيْنُهُ وَيَنْشَرِحُ لَهَا صَدْرُهُ وَتُنَشِّطُهُ لِلِاشْتِغَالِ بِهَذَا الْعِلْمِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ شَارَكَ مُسْلِمًا فِي هَذِهِ النَّفَائِسِ الَّتِي يُشِيرُ إِلَيْهَا مِنْ دَقَائِقِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ وَكِتَابُ الْبُخَارِيِّ وَإِنْ كَانَ أَصَحَّ وَأَجَلَّ وَأَكْثَرَ فَوَائِدَ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمَعَانِي فَكِتَابُ مُسْلِمٍ يَمْتَازُ بِزَوَائِدَ مِنْ صَنْعَةِ الْإِسْنَادِ وَسَتَرَى مِمَّا أُنَبِّهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَنْشَرِحُ لَهُ صَدْرُكَ وَيَزْدَادُ بِهِ الْكِتَابُ وَمُصَنِّفُهُ فِي قَلْبِكَ جَلَالَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا قُلْتُهُ فَفِي هَذِهِ الْأَحْرُفِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنَ الْإِسْنَادِ أَنْوَاعٌ مِمَّا ذَكَرْتُهُ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ ثُمَّ قَالَ فِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ فَفَرَّقَ بَيْنَ حَدَّثَنِي وَحَدَّثَنَا وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَهِيَ أَنَّهُ يَقُولُ فِيمَا سَمِعَهُ وَحْدَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ حَدَّثَنِي وَفِيمَا سَمِعَهُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ حَدَّثَنَا وَفِيمَا قَرَأَهُ وَحْدَهُ عَلَى الشَّيْخِ أَخْبَرَنِي وَفِيمَا قُرِئَ بِحَضْرَتِهِ فِي جَمَاعَةٍ عَلَى الشَّيْخِ أَخْبَرَنَا وَهَذَا اصْطِلَاحٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمْ وَلَوْ تَرَكَهُ وَأَبْدَلَ حَرْفًا مِنْ ذَلِكَ بِآخَرَ صَحَّ السَّمَاعُ وَلَكِنْ تَرَكَ الْأَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ثُمَّ فِي الطَّرِيقِ الثانى أعاد الرواية عن كهمس عن بن بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى فَقَدْ يُقَالُ هَذَا تَطْوِيلٌ لَا يَلِيقُ بِإِتْقَانِ مُسْلِمٍ وَاخْتِصَارِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ عَلَى وَكِيعٍ وَيَجْتَمِعُ مُعَاذٌ وَوَكِيعٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ كَهْمَسٍ عَنِ بن بُرَيْدَةَ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ فَاسِدٌ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ شَدِيدِ الْجَهَالَةِ بِهَذَا الْفَنِّ فَإِنَّ مُسْلِمًا رحمه الله يَسْلُكُ الِاخْتِصَارَ لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ خَلَلٌ وَلَا يَفُوتُ بِهِ مَقْصُودٌ وَهَذَا الْمَوْضِعُ يَحْصُلُ فِي الِاخْتِصَارِ فِيهِ خَلَلٌ وَيَفُوتُ بِهِ مَقْصُودٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ وَكِيعًا قَالَ عَنْ كَهْمَسٍ وَمُعَاذٌ قَالَ حَدَّثَنَا

ص: 151

كَهْمَسٌ وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ المعنعن أن العلماء اختلفوا فى الاحتجاج بالمعنعن ولم يختلفوا فى المتصل بحدثنا فَأَتَى مُسْلِمٌ بِالرِّوَايَتَيْنِ كَمَا سُمِعَتَا لِيُعْرَفَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَلِيَكُونَ رَاوِيًا بِاللَّفْظِ الَّذِي سَمِعَهُ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فِي مُسْلِمٍ سَتَرَاهَا مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا ظَاهِرًا لِمَنْ لَهُ أَدْنَى اعْتِنَاءٍ بِهَذَا الْفَنِّ إِلَّا أَنِّي أُنَبِّهُ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِمْ وَلِبَعْضِهِمْ مِمَّنْ قَدْ يَغْفُلُ وَلِكُلِّهِمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُمُ النَّظَرُ وَتَحْرِيرُ عِبَارَةٍ عَنِ الْمَقْصُودِ وَهُنَا مَقْصُودٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ قَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ وَفِي رِوَايَةِ معاذ قال عن بن بُرَيْدَةَ فَلَوْ أَتَى بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ حَصَلَ خَلَلٌ فانه ان قال بن بُرَيْدَةَ لَمْ نَدْرِ مَا اسْمُهُ وَهَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا أَوْ أَخُوهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بُرَيْدَةَ وَإِنْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ كَانَ كَاذِبًا عَلَى مُعَاذٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ عَبْدُ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ فَلَا يَظْهَرُ لِذِكْرِهِ أَوَّلًا فَائِدَةٌ وَعَادَةُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ لَا يَذْكُرُوا يَحْيَى بْنَ يَعْمَرَ لِأَنَّ الطَّرِيقَيْنِ اجْتَمَعَتَا فِي بن بُرَيْدَةَ وَلَفْظُهُمَا عَنْهُ بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى عن يحيى فحسب وليس فيها بن يَعْمَرَ فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَهُوَ مُزِيلٌ لِلْإِنْكَارِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِيهِ فَائِدَةٌ كَمَا قررناه فى بن بريدة والله أعلم ومن ذلك قوله حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ وَهَذَا حَدِيثُهُ فَهَذِهِ عَادَةٌ لِمُسْلِمٍ رحمه الله قَدْ أَكْثَرَ مِنْهَا وَقَدِ اسْتَعْمَلَهَا غَيْرُهُ قَلِيلًا وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ تَحْقِيقِهِ وَوَرَعِهِ وَاحْتِيَاطِهِ وَمَقْصُودُهُ أَنَّ الرَّاوِيَيْنِ اتَّفَقَا فِي الْمَعْنَى وَاخْتَلَفَا فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ وَهَذَا لَفْظُ فُلَانٍ وَالْآخَرُ بِمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أعلم وأما قوله بَعْدَ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَهِيَ حَاءُ التَّحْوِيلِ مِنْ إِسْنَادٍ إِلَى إِسْنَادٍ فيقول القارىء إِذَا انْتَهَى إِلَيْهَا ح قَالَ وَحَدَّثَنَا فُلَانٌ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ بَيَانَهَا وَالْخِلَافَ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا مَا حَضَرَنِي فِي الْحَالِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى دَقَائِقِ هَذَا الْإِسْنَادِ وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا سِوَاهُ وَأَرْجُو أَنْ يُتَفَطَّنَ بِهِ لِمَا عَدَاهُ وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي هَذَا الشَّرْحِ أَنْ يَسْأَمَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَجِدُهُ مَبْسُوطًا وَاضِحًا فَإِنِّي إِنَّمَا أَقْصِدُ بِذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْكَرِيمُ الْإِيضَاحَ وَالتَّيْسِيرَ وَالنَّصِيحَةَ لِمُطَالِعِهِ وَإِعَانَتَهُ واغنائه مِنْ مُرَاجَعَةِ غَيْرِهِ فِي بَيَانِهِ وَهَذَا مَقْصُودُ الشُّرُوحِ فَمَنِ اسْتَطَالَ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَشِبْهِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ مِنَ الْإِتْقَانِ مُبَاعِدٌ لِلْفَلَاحِ فِي هَذَا الشَّأْنِ فَلْيُعَزِّ نَفْسَهُ لِسُوءِ حَالِهِ وَلْيَرْجِعْ عَمَّا ارْتَكَبَهُ مِنْ قَبِيحِ فِعَالِهِ وَلَا يَنْبَغِي لِطَالِبِ التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ وَالْإِتْقَانِ وَالتَّدْقِيقِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى كَرَاهَةِ أَوْ سَآمَةِ ذَوِي الْبَطَالَةِ وَأَصْحَابِ الْغَبَاوَةِ وَالْمَهَانَةِ وَالْمَلَالَةِ بَلْ

ص: 152

يَفْرَحُ بِمَا يَجِدُهُ مِنَ الْعِلْمِ مَبْسُوطًا وَمَا يُصَادِفهُ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْمُشْكِلَاتِ وَاضِحًا مَضْبُوطًا وَيَحْمَدُ اللَّهَ الْكَرِيمَ عَلَى تَيْسِيرِهِ وَيَدْعُو لِجَامِعِهِ السَّاعِي فِي تَنْقِيحِهِ وَإِيضَاحِهِ وَتَقْرِيرِهِ وَفَّقَنَا اللَّهُ الْكَرِيمُ لِمَعَالِي الْأُمُورِ وَجَنَّبَنَا بِفَضْلِهِ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الشُّرُورِ وَجَمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَحْبَابِنَا فِي دَارِ الْحُبُورِ وَالسُّرُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا ضَبْطُ أَسْمَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ فَخَيْثَمَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَبَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ وَأَمَّا كَهْمَسٌ فَبِفَتْحِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ وَأَمَّا يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا وَهُوَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِوَزْنِ الْفِعْلِ كُنْيَةُ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَيُقَالُ أَبُو سَعِيدٍ وَيُقَالُ أَبُو عَدِيٍّ الْبَصْرِيُّ ثُمَّ الْمَرْوَزِيُّ قَاضِيهَا مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ بَكْرِ بْنِ أَسَدٍ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فى تاريخ نيسابور يحيى بن يعمر فقيه أديب نحوى مبرر أَخَذَ النَّحْوَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ نَفَاهُ الْحَجَّاجُ إِلَى خُرَاسَانَ فَقَبِلَهُ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ وَوَلَّاهُ قَضَاءَ خُرَاسَانَ وَأَمَّا مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ التَّمِيمِيُّ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَنْسَابُ الْجُهَنِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ نِسْبَةً إِلَى جُهَيْنَةَ قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ نَزَلَتِ الْكُوفَةَ وَبِهَا مَحِلَّةٌ تُنْسَبُ إِلَيْهِمْ وَبَقِيَّتُهُمْ نَزَلَتِ الْبَصْرَةَ قَالَ وَمِمَّنْ نَزَلَ جُهَيْنَةَ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ كَانَ يُجَالِسُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْبَصْرَةِ بِالْقَدَرِ فَسَلَكَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بَعْدَهُ مَسْلَكَهُ لَمَّا رَأَوْا عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ يَنْتَحِلُهُ قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ صَبْرًا وَقِيلَ إِنَّهُ مَعْبَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُوَيْمِرٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ السَّمْعَانِيِّ وَأَمَّا الْبَصْرَةُ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهَا الْأَزْهَرِيُّ وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ وَيُقَالُ لَهَا الْبُصَيْرَةُ بِالتَّصْغِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَيُقَالُ لَهَا تَدْمُرَ وَيُقَالُ لَهَا الْمُؤْتَفِكَةُ لِأَنَّهَا ائْتَفَكَتْ بِأَهْلِهَا فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ وَالنَّسَبُ إِلَيْهَا بَصْرِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ يُقَالُ الْبَصْرَةُ قُبَّةُ الْإِسْلَامِ وَخِزَانَةُ الْعَرَبِ بَنَاهَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بَنَاهَا سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَسَكَنَهَا النَّاسُ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَلَمْ يُعْبَدَ الصَّنَمُ قَطُّ عَلَى أَرْضِهَا هَكَذَا كَانَ يَقُولُ لِي أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْوَاعِظُ بِالْبَصْرَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْبَصْرَةُ دَاخِلَةٌ فِي أَرْضِ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ فَمَعْنَاهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِنَفْيِ الْقَدَرِ فَابْتَدَعَ وَخَالَفَ الصَّوَابَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ وَيُقَالُ الْقَدَرُ وَالْقَدْرُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَإِسْكَانِهَا

ص: 153

لغتان مشهورتان وحكاهما بن قُتَيْبَةَ عَنِ الْكِسَائِيِّ وَقَالَهُمَا غَيْرُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ إِثْبَاتُ الْقَدَرِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَدَّرَ الْأَشْيَاءَ فِي الْقِدَمِ وَعَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهَا سَتَقَعُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُ سبحانه وتعالى وَعَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَةٍ فَهِيَ تَقَعُ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّرَهَا سبحانه وتعالى وَأَنْكَرَتِ الْقَدَرِيَّةُ هَذَا وَزَعَمَتْ أَنَّهُ سبحانه وتعالى لَمْ يُقَدِّرْهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمُهُ سبحانه وتعالى بِهَا وَأَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةُ الْعِلْمِ أَيْ إِنَّمَا يَعْلَمُهَا سُبْحَانَهُ بَعْدَ وُقُوعِهَا وَكَذَبُوا عَلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى وَجَلَّ عَنْ أَقْوَالِهِمُ الْبَاطِلَةَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ قَدَرِيَّةً لِإِنْكَارِهِمُ الْقَدَرَ قَالَ أَصْحَابُ الْمَقَالَاتِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَدِ انْقَرَضَتِ الْقَدَرِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ الشَّنِيعِ الْبَاطِلِ وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ عَلَيْهِ وَصَارَتِ الْقَدَرِيَّةُ فِي الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ تَعْتَقِدُ إِثْبَاتَ الْقَدَرِ وَلَكِنْ يَقُولُونَ الْخَيْرُ مِنَ اللَّهِ وَالشَّرُّ مِنْ غَيْرِهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَقَدْ حَكَى أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ غَرِيبُ الْحَدِيثِ وَأَبُو الْمَعَالِي إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْإِرْشَادُ فِي أُصُولِ الدِّينِ أَنَّ بَعْضَ الْقَدَرِيَّةِ قَالَ لَسْنَا بِقَدَرِيَّةٍ بَلْ أَنْتُمُ الْقَدَرِيَّةَ لِاعْتِقَادِكُمْ إِثْبَاتَ القدر قال بن قُتَيْبَةَ وَالْإِمَامُ هَذَا تَمْوِيهٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ ومباهتة وتواقح فان أهل الحق يفوضون أمورهم إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى وَيُضِيفُونَ الْقَدَرَ وَالْأَفْعَالَ إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى وَهَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ يُضِيفُونَهُ إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَمُدَّعِي الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ وَمُضِيفُهُ إِلَيْهَا أَوْلَى بِأَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ مِمَّنْ يَعْتَقِدُهُ لِغَيْرِهِ وَيَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ شَبَّهَهُمْ بِهِمْ لِتَقْسِيمِهِمُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فِي حُكْمِ الْإِرَادَةِ كَمَا قَسَّمَتِ الْمَجُوسُ فَصَرَفَتِ الْخَيْرَ إِلَى يَزْدَانَ وَالشَّرَّ إِلَى أَهْرَمْنَ وَلَا خَفَاءَ بِاخْتِصَاصِ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْقَدَرِيَّةِ هَذَا كلام الامام وبن قُتَيْبَةَ وَحَدِيثُ الْقَدَرِيَّةِ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَوَاهُ أبو حازم عن بن عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ إِنْ صَحَّ سماع أبى حازم من بن عُمَرَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا جَعَلَهُمْ صلى الله عليه وسلم مَجُوسًا لِمُضَاهَاةِ مَذْهَبِهِمْ مَذْهَبَ الْمَجُوسَ فِي قَوْلِهِمْ بِالْأَصْلَيْنِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخَيْرَ مِنْ فِعْلِ النُّورِ وَالشَّرَّ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمَةِ فَصَارُوا ثَنَوِيَّةً وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ يُضِيفُونَ الْخَيْرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّرَّ إِلَى غَيْرِهِ وَاللَّهُ سبحانه وتعالى خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ فَهُمَا مُضَافَانِ إِلَيْهِ سبحانه وتعالى خَلْقًا وَإِيجَادًا وَإِلَى الْفَاعِلَيْنِ لَهُمَا مِنْ عِبَادِهِ فِعْلًا وَاكْتِسَابًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قال الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يَحْسَبُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ معنى القضاء

ص: 154

وَالْقَدَرِ إِجْبَارُ اللَّهِ سبحانه وتعالى الْعَبْدَ وَقَهْرُهُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَتَوَهَّمُونَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ تَقَدُّمِ عِلْمِ اللَّهِ سبحانه وتعالى بِمَا يَكُونُ مِنَ اكْتِسَابِ الْعَبْدِ وَصُدُورِهَا عَنْ تَقْدِيرٍ مِنْهُ وَخَلَقَ لَهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا قَالَ وَالْقَدَرُ اسْمٌ لِمَا صَدَرَ مُقَدَّرًا عَنْ فِعْلِ الْقَادِرِ يُقَالُ قَدَرْتُ الشَّيْءَ وَقَدَّرْتُهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْقَضَاءُ فِي هَذَا مَعْنَاهُ الْخَلْقُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات فى يومين أَيْ خَلَقَهُنَّ قُلْتُ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَدِلَّةُ الْقَطْعِيَّاتُ مِنَ الْكِتَابِ وِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى إِثْبَاتِ قَدَرِ اللَّهِ سبحانه وتعالى وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ مِنَ التَّصْنِيفِ فِيهِ وَمِنْ أَحْسَنِ الْمُصَنَّفَاتِ فِيهِ وَأَكْثَرِهَا فَوَائِدَ كِتَابُ الْحَافِظِ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ رضي الله عنه وَقَدْ قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ ذَلِكَ أَحْسَنَ تَقْرِيرٍ بِدَلَائِلِهِمُ الْقَطْعِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) هُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَاهُ جُعِلَ وَفْقًا لَنَا وَهُوَ مِنَ الْمُوَافَقَةِ الَّتِي هِيَ كَالِالْتِحَامِ يُقَالُ أَتَانَا لِتِيفَاقِ الْهِلَالِ وَمِيفَاقِهِ أَيْ حِينَ أَهَلَّ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَهِيَ لَفْظَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الِاجْتِمَاعِ وَالِالْتِئَامِ وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فَوَافَقَ لَنَا بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَالْمُوَافَقَةُ الْمُصَادَفَةُ قَوْلُهُ (فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي) يَعْنِي صِرْنَا فِي نَاحِيَتَيْهِ ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ وَكَنَفَا الطَّائِرِ جَنَاحَاهُ وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَدَبِ الْجَمَاعَةِ فِي مَشْيهِمْ مَعَ فَاضِلِهِمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَكْتَنِفُونَهُ وَيَحُفُّونَ بِهِ قَوْلُهُ (فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ) مَعْنَاهُ يَسْكُتُ وَيُفَوِّضُهُ إِلَيَّ لِإِقْدَامِي وَجُرْأَتِي وَبَسْطَةِ لِسَانِي فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنِّي كُنْتُ أَبْسَطَ لِسَانًا قَوْلُهُ (ظهر قبلنا ناس يقرؤن الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ) هُوَ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الْفَاءِ وَمَعْنَاهُ يَطْلُبُونَهُ وَيَتَتَبَّعُونَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَجْمَعُونَهُ وَرَوَاهُ بَعْضُ شُيُوخِ الْمَغَارِبَةِ من طريق بن ماهان يتفقرون بتقديم الفاء وهو صحيح أَيْضًا مَعْنَاهُ يَبْحَثُونَ عَنْ غَامِضِهِ وَيَسْتَخْرِجُونَ خَفِيَّهُ وروى

ص: 155

فى غير مسلم يتفقون بِتَقْدِيمِ الْقَافِ وَحَذْفِ الرَّاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَمَعْنَاهُ أَيْضًا يَتَتَبَّعُونَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرَأَيْتُ بَعْضَهُمْ قَالَ فِيهِ يَتَقَعَّرُونَ بِالْعَيْنِ وَفَسَّرَهُ بِأَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ قَعْرَهُ أَيْ غَامِضَهُ وَخَفِيَّهُ وَمِنْهُ تَقَعَّرَ فِي كَلَامِهِ إِذَا جَاءَ بِالْغَرِيبِ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ يَتَفَقَّهُونَ بِزِيَادَةِ الْهَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوْلُهُ (وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ) هَذَا الْكَلَامُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الرُّوَاةِ الَّذِينَ دُونَ يحيى بن يعمر والظاهر أنه من بن بُرَيْدَةَ الرَّاوِي عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ يَعْنِي وذكر بن يَعْمَرَ مِنْ حَالِ هَؤُلَاءِ وَوَصْفِهِمْ بِالْفَضِيلَةِ فِي الْعِلْمِ وَالِاجْتِهَادِ فِي تَحْصِيلِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهِ قَوْلُهُ (يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ أَيْ مُسْتَأْنَفٌ لَمْ يَسْبِقْ بِهِ قَدَرٌ وَلَا عِلْمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَعْلَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ كَمَا قَدَّمْنَا حِكَايَتَهُ عَنْ مَذْهَبِهِمُ الْبَاطِلِ وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ غُلَاتِهِمْ وَلَيْسَ قَوْلُ جَمِيعِ الْقَدَرِيَّةِ وَكَذَبَ قَائِلُهُ وَضَلَّ وَافْتَرَى عَافَانَا اللَّهُ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (قال يعنى بن عُمَرَ رضي الله عنهما فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ) هذا الذى قاله بن عُمَرَ رضي الله عنهما ظَاهِرٌ فِي تَكْفِيرِهِ الْقَدَرِيَّةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله هَذَا فِي الْقَدَرِيَّةِ الْأُوَلِ الَّذِينَ نَفَوْا تَقَدُّمَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَائِنَاتِ قَالَ وَالْقَائِلُ بِهَذَا كَافِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ الْقَدَرَ هُمُ الْفَلَاسِفَةُ فِي الْحَقِيقَةِ قَالَ غَيْرُهُ وَيَجُوزُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْكَلَامَ التَّكْفِيرَ الْمُخْرِجَ مِنَ الْمِلَّةِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ كُفْرَانِ النِّعَمِ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْهُ ظَاهِرٌ فى التكفير فَإِنَّ إِحْبَاطَ الْأَعْمَالِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْكُفْرِ إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمُسْلِمِ لَا يُقْبَلُ عَمَلُهُ لِمَعْصِيَتِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ صَحِيحَةٌ غَيْرُ مُحْوِجَةٍ إِلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ بَلْ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فَلَا ثَوَابَ فِيهَا عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ فَأَنْفَقَهُ يَعْنِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ طَاعَتِهِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قال نفطويه

ص: 156

سُمِّيَ الذَّهَبُ ذَهَبًا لِأَنَّهُ يَذْهَبُ وَلَا يَبْقَى قَوْلُهُ (لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ) ضَبَطْنَاهُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ الْمَضْمُومَةِ وَكَذَلِكَ ضَبَطْنَاهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِ وَضَبَطَهُ الْحَافِظُ أَبُو حَازِمٍ الْعَدَوِيُّ هُنَا نَرَى بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ الدَّاخِلَ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْ نَفْسِهِ وَجَلَسَ عَلَى هَيْئَةِ الْمُتَعَلِّمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَالْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَإِيضَاحُهُ بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ قَوْلُهُ (فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ) سَبَبُ تَعَجُّبِهِمْ أَنَّ هَذَا خِلَافُ عَادَةِ السَّائِلِ الْجَاهِلِ إِنَّمَا هَذَا كَلَامُ خَبِيرٍ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا غَيْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) هَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُوتِيَهَا صلى الله عليه وسلم لِأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ أَحَدَنَا قَامَ فِي عِبَادَةٍ وَهُوَ يُعَايِنُ رَبَّهُ سبحانه وتعالى لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَحُسْنِ السَّمْتِ وَاجْتِمَاعِهِ بِظَاهِرِهِ

ص: 157

وَبَاطِنِهِ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِتَتْمِيمِهَا عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهَا إِلَّا أَتَى بِهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم اعْبُدِ اللَّهَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكَ كَعِبَادَتِكَ فِي حَالِ الْعِيَانِ فَإِنَّ التَّتْمِيمَ الْمَذْكُورَ فِي حَالِ الْعِيَانِ إِنَّمَا كَانَ لِعِلْمِ الْعَبْدِ بِاطِّلَاعِ اللَّهِ سبحانه وتعالى عَلَيْهِ فَلَا يُقْدِمُ الْعَبْدُ عَلَى تَقْصِيرٍ فِي هَذَا الْحَالِ لِلِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ مَعَ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْعَبْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ فَمَقْصُودُ الْكَلَامِ الْحَثُّ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ وَمُرَاقَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ تبارك وتعالى فِي إِتْمَامِ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ نَدَبَ أَهْلُ الْحَقَائِقِ إِلَى مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ لِيَكُونَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ تَلَبُّسِهِ بِشَيْءٍ مِنَ النَّقَائِصِ احْتِرَامًا لَهُمْ وَاسْتِحْيَاءً مِنْهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ لَا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعًا عَلَيْهِ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى شَرْحِ جَمِيعِ وَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ مِنْ عُقُودِ الْإِيمَانِ وَأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَإِخْلَاصِ السَّرَائِرِ وَالتَّحَفُّظِ مِنْ آفَاتِ الْأَعْمَالِ حَتَّى إِنَّ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ كُلَّهَا راجعة إليه ومتشعبة مِنْهُ قَالَ وَعَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَأَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ أَلَّفْنَا كِتَابَنَا الَّذِي سَمَّيْنَاهُ بِالْمَقَاصِدِ الْحِسَانِ فِيمَا يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ إِذْ لَا يَشِذُّ شَيْءٌ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ وَالرَّغَائِبِ وَالْمَحْظُورَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ عَنْ أَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ) فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ وَالْمُفْتِي وَغَيْرِهِمَا إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُهُ بَلْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وَرَعِهِ وَتَقْوَاهُ وَوُفُورِ عِلْمِهِ وَقَدْ بَسَطْتُ هَذَا بِدَلَائِلِهِ وَشَوَاهِدِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْخَيْرِ لَا بُدَّ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مِنْ مَعْرِفَةِ مِثْلِهَا وَإِدَامَةِ النَّظَرِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْأَمَارَةُ وَالْأَمَارُ بِإِثْبَاتِ الْهَاءِ وَحَذْفِهَا هِيَ الْعَلَامَةُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى رَبَّهَا عَلَى التَّذْكِيرِ وَفِي الْأُخْرَى بَعْلَهَا وَقَالَ يَعْنِي السَّرَارِيَّ وَمَعْنَى رَبَّهَا وَرَبَّتَهَا سَيِّدَهَا وَمَالِكَهَا وَسَيِّدَتَهَا وَمَالِكَتَهَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ كَثْرَةِ السَّرَارِيِّ وَأَوْلَادِهِنَّ فَإِنَّ وَلَدَهَا مِنْ سَيِّدِهَا بِمَنْزِلَةِ سَيِّدِهَا لِأَنَّ مَالَ الْإِنْسَانِ صَائِرٌ إِلَى وَلَدِهِ وَقَدْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فِي الْحَالِ تَصَرُّفَ

ص: 158

الْمَالِكِينَ إِمَّا بِتَصْرِيحِ أَبِيهِ لَهُ بِالْإِذْنِ وَإِمَّا بِمَا يَعْلَمُهُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَوْ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِمَاءَ يَلِدْنَ الْمُلُوكَ فَتَكُونُ أُمُّهُ مِنْ جُمْلَةِ رَعِيَّتِهِ وَهُوَ سَيِّدُهَا وَسَيِّدُ غَيْرِهَا مِنْ رَعِيَّتِهِ وَهَذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ وقيل معناه أن تَفْسُدُ أَحْوَالُ النَّاسِ فَيَكْثُرُ بَيْعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَكْثُرُ تَرْدَادُهَا فِي أَيْدِي الْمُشْتَرِينَ حَتَّى يَشْتَرِيَهَا ابْنُهَا وَلَا يَدْرِي وَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ لَا يَخْتَصَّ هَذَا بِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَإِنَّهُ مُتَصَوَّرٌ فِي غَيْرِهِنَّ فَإِنَّ الْأَمَةَ تَلِدُ وَلَدًا حُرًّا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ وَلَدًا رَقِيقًا بِنِكَاحٍ أَوْ زِنًا ثُمَّ تُبَاعُ الْأَمَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ بَيْعًا صَحِيحًا وَتَدُورُ فِي الْأَيْدِي حَتَّى يَشْتَرِيَهَا وَلَدُهَا وَهَذَا أَكْثَرُ وَأَعَمُّ مِنْ تَقْدِيرِهِ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَكِنَّهَا أَقْوَالٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا أَوْ فَاسِدَةٌ فَتَرَكْتُهَا وَأَمَّا بَعْلُهَا فَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَعْلَ هُوَ الْمَالِكُ أَوِ السَّيِّدُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى رَبِّهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ بَعْلُ الشَّيْءِ ربه ومالكه وقال بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَالْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهُ سبحانه وتعالى أتدعون بعلا أَيْ رَبًّا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَعْلِ فِي الْحَدِيثِ الزَّوْجُ وَمَعْنَاهُ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَكْثُرُ بَيْعُ السَّرَارِيِّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ الْإِنْسَانُ أُمَّهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي وَهَذَا أَيْضًا مَعْنًى صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْقَضِيَّةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَلَا مَنْعِ بَيْعِهِنَّ وَقَدِ اسْتَدَلَّ إِمَامَانِ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ فَاسْتَدَلَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْمَنْعِ وَذَلِكَ عَجَبٌ مِنْهُمَا وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم بِكَوْنِهِ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مَذْمُومًا فَإِنَّ تَطَاوُلَ الرِّعَاءِ فِي الْبُنْيَانِ وَفُشُوَّ الْمَالِ وَكَوْنَ خَمْسِينَ امْرَأَةً لَهُنَّ قَيِّمٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلَا شَكٍّ وَإِنَّمَا هَذِهِ عَلَامَاتٌ وَالْعَلَامَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ تَكُونُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْمُبَاحِ وَالْمُحَرَّمِ وَالْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ) أَمَّا الْعَالَةُ فَهُمُ الْفُقَرَاءُ وَالْعَائِلُ الْفَقِيرُ وَالْعَيْلَةُ الْفَقْرُ وَعَالَ الرَّجُلُ يَعِيلُ عَيْلَةً أَيِ افْتَقَرَ وَالرِّعَاءُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ وَيُقَالُ فِيهِمْ رُعَاةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَزِيَادَةِ الْهَاءِ بِلَا مَدٍّ وَمَعْنَاهُ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ وَأَشْبَاهَهَمْ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ تُبْسَطُ لَهُمُ الدُّنْيَا حَتَّى يَتَبَاهَوْنَ فِي الْبُنْيَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَلَبِثَ مَلِيًّا) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ لَبِثَ آخِرَهُ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ مِنْ غَيْرِ تَاءٍ وَفِي

ص: 159

كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ الْمُحَقَّقَةِ لَبِثْتُ بِزِيَادَةِ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَأَمَّا مَلِيًّا بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فَمَعْنَاهُ وَقْتًا طَوِيلًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِلْبَغَوِيِّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَفِي ظَاهِرِ هَذَا مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ هَذَا ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا جِبْرِيلُ فَيَحْتَمِلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يَحْضُرَ قَوْلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ فِي الْحَالِ بَلْ كَانَ قَدْ قَامَ مِنَ الْمَجْلِسِ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحَاضِرِينَ فِي الْحَالِ وَأُخْبِرَ عُمَرَ رضي الله عنه بَعْدَ ثَلَاثٍ إِذْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا وَقْتَ إِخْبَارِ الْبَاقِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ) فِيهِ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ وَالْإِحْسَانَ تُسَمَّى كُلُّهَا دِينًا وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنَ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ وَالْآدَابِ وَاللَّطَائِفِ بَلْ هُوَ أَصْلُ الْإِسْلَامِ كَمَا حُكِينَاهُ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ فِيهِ جُمَلٌ مِنْ فَوَائِدِهِ وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرُهُ مِنْ فَوَائِدِهِ أَنَّ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْعَالِمِ إِذَا عَلِمَ بِأَهْلِ الْمَجْلِسِ حَاجَةً إِلَى مَسْأَلَةٍ لَا يَسْأَلُونَ عَنْهَا أَنْ يَسْأَلَ هُوَ عَنْهَا لِيَحْصُلَ الْجَوَابُ لِلْجَمِيعِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَرْفُقَ بِالسَّائِلِ وَيُدْنِيَهُ مِنْهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ سُؤَالِهِ غَيْرَ هَائِبٍ وَلَا مُنْقَبِضٍ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلسَّائِلِ أَنْ يَرْفُقَ فِي سُؤَالِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ وَأَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ) أَمَّا الْغُبَرِيُّ فَبِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي أول مقدمة الكتاب والجحدرى اسْمُهُ الْفُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا حَاءٌ سَاكِنَةٌ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا بَيَانُهُ فِي المقدمة وعبدة بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفُصُولِ بَيَانُ عَبْدَةَ وَعُبَيْدَةَ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ هُوَ مَطَرُ بْنُ طَهْمَانَ أَبُو رَجَاءٍ الْخُرَسَانِيُّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ كَانَ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ فَقِيلَ لَهُ الْوَرَّاقُ قَوْلُهُ (فَحَجَجْنَا حِجَّةً) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ فَالْكَسْرُ هُوَ

ص: 160

الْمَسْمُوعُ مِنَ الْعَرَبِ وَالْفَتْحُ هُوَ الْقِيَاسُ كَالضَّرْبَةِ وَشِبْهِهَا كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ قَوْلُهُ (عُثْمَانُ بن غياث) هو بالغين المعجمة وحجاج بْنُ الشَّاعِرِ هُوَ حَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ حَجَّاجٍ الثَّقَفِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ بَيَانُهُ وَاتِّفَاقُهُ مَعَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الْوَالِي الظَّالِمِ الْمَعْرُوفِ وَافْتِرَاقُهُ وَفِي الاسناد يونس وقدم تَقَدَّمَ فِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ ضَمُّ النُّونِ وَكَسْرِهَا وفتحها مع الهمز فيهن وتركه وفى الْإِسْنَادِ الْآخَرِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ واسمعيل بْنُ عُلَيَّةَ وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ حَالِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَحَالِ أَخِيهِ عُثْمَانَ وَأَبِيهِمَا مُحَمَّدٍ وَجَدِّهِمَا أَبِي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمَ وَأَخِيهِمَا الْقَاسِمِ وَأَنَّ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ عَبْدُ الله والله أعلم وفى هَذَا الْإِسْنَادُ أَبُو حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بن عمرو بن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ فَأَبُو حَيَّانَ بِالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ التَّيْمِيُّ تَيْمُ الرَّبَابِ الْكُوفِيُّ وَأَمَّا أَبُو زُرْعَةَ فَاسْمُهُ هَرَمٌ وَقِيلَ

ص: 161

عَمْرُو بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بَارِزًا) أَيْ ظَاهِرًا وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ وَلَمَّا بَرَزُوا لجالوت قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَلِقَائِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ) هُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِلِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْبَعْثِ فَقِيلَ اللِّقَاءُ يَحْصُلُ بِالِانْتِقَالِ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ وَالْبَعْثُ بَعْدَهُ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَقِيلَ اللِّقَاءُ مَا يَكُونُ بَعْدَ الْبَعْثِ عِنْدَ الْحِسَابِ ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِاللِّقَاءِ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَعُ لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَدْرِي الْإِنْسَانُ بِمَاذَا يُخْتَمُ لَهُ وَأَمَّا وَصْفُ الْبَعْثِ بِالْآخِرِ فَقِيلَ هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْبَيَانِ وَالْإِيضَاحِ وَذَلِكَ لِشِدَّةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ وَقِيلَ سَبَبُهُ أَنَّ خُرُوجَ الْإِنْسَانِ إِلَى الدُّنْيَا بَعْثٌ مِنَ الْأَرْحَامِ وَخُرُوجَهُ مِنَ الْقَبْرِ لِلْحَشْرِ بَعْثٌ مِنَ الْأَرْضِ فَقَيَّدَ الْبَعْثَ بِالْآخِرِ لِيَتَمَيَّزَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (الاسلام أن تعبد الله لا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ إِلَى آخِرِهِ) أَمَّا الْعِبَادَةُ فَهِيَ الطَّاعَةُ مَعَ خُضُوعٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ هُنَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ تعالى والاقرار بوحدانيته فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَطْفُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ عَلَيْهَا لِإِدْخَالِهَا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ دَخَلَتْ فِي الْعِبَادَةِ وَعَلَى هَذَا إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثِ لِكَوْنِهَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَأَظْهَرِ شَعَائِرِهِ وَالْبَاقِي مُلْحَقٌ بِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ مُطْلَقًا فَيَدْخُلُ جَمِيعُ وَظَائِفِ الْإِسْلَامِ فِيهَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَطْفُ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ تَنْبِيهًا عَلَى شَرَفِهِ وَمَزِيَّتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نوح وَنَظَائِرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَا تُشْرِكُ بِهِ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ سبحانه وتعالى فِي الصُّورَةِ وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ أَوْثَانًا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا شُرَكَاءُ فَنَفَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ

ص: 162

الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ) أَمَّا تَقْيِيدُ الصَّلَاةِ بِالْمَكْتُوبَةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الصَّلَاةَ كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وَقَدْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ وَصْفُهَا بِالْمَكْتُوبَةِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَخَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ وَأَمَّا تَقْيِيدُ الزَّكَاةِ بِالْمَفْرُوضَةِ وَهِيَ الْمُقَدَّرَةُ فَقِيلَ احْتِرَازٌ مِنَ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَإِنَّهَا زَكَاةٌ وَلَيْسَتْ مَفْرُوضَةً وَقِيلَ إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فِي التَّقْيِيدِ لِكَرَاهَةِ تَكْرِيرِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَقْيِيدُ الزَّكَاةِ بِالْمَفْرُوضَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهَا زَكَاةٌ لُغَوِيَّةٌ وَأَمَّا مَعْنَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إِدَامَتُهَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا وَالثَّانِي إِتْمَامُهَا عَلَى وَجْهِهَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ قُلْتُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال اعْتَدِلُوا فِي الصُّفُوفِ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ إِقَامَتِهَا الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَهَذَا يُرَجِّحُ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَتَصُومَ رَمَضَانَ فَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي قَوْلِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالشَّهْرِ خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَهُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُوَضَّحَةً بِدَلَائِلِهَا وَشَوَاهِدِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا) هِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاحِدُهَا شَرَطٌ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ وَالْأَشْرَاطُ الْعَلَامَاتُ وَقِيلَ مُقَدِّمَاتُهَا وَقِيلَ صِغَارُ أُمُورِهَا قَبْلَ تَمَامِهَا وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْبَهْمِ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَهِيَ الصِّغَارُ مِنْ أَوْلَادِ الْغَنَمِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ جَمِيعًا وَقِيلَ أَوْلَادُ الضَّأْنِ خَاصَّةً وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَالْوَاحِدَةُ بَهْمَةٌ قَالَ

ص: 163

الْجَوْهَرِيُّ وَهِيَ تَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالسِّخَالُ أَوْلَادُ الْمِعْزَى قَالَ فَإِذَا جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا قُلْتَ بِهَامٌ وَبَهْمٌ أَيْضًا وَقِيلَ إِنَّ الْبَهْمَ يَخْتَصُّ بِأَوْلَادِ الْمَعْزِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِقَوْلِهِ وَقَدْ يَخْتَصُّ بِالْمَعْزِ وَأَصْلُهُ كُلُّ مَا اسْتَبْهَمَ عَنِ الْكَلَامِ وَمِنْهُ الْبَهِيمَةُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ رِعَاءُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِهَا وَلَا وَجْهَ لَهُ مَعَ ذِكْرِ الْإِبِلِ قَالَ وَرُوِّينَاهُ بِرَفْعِ الْمِيمِ وَجَرِّهَا فَمَنْ رَفَعَ جَعَلَهُ صفة للرعاء أى انهم سود وقيل لاشىء لهم وقال الْخَطَّابِيُّ هُوَ جَمْعُ بَهِيمٍ وَهُوَ الْمَجْهُولُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ وَمِنْهُ أَبْهَمَ الْأَمْرَ وَمَنْ جَرَّ الْمِيمَ جَعَلَهُ صِفَةً لِلْإِبِلِ أَيِ السُّودِ لِرَدَاءَتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (يَعْنِي السَّرَارِيَّ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ الْوَاحِدَةُ سُرِّيَّةٌ بالتشديد لا غير قال بن السِّكِّيتِ فِي إِصْلَاحِ الْمَنْطِقِ كُلُّ مَا كَانَ وَاحِدُهُ مُشَدَّدًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ جَازَ فِي جَمْعِهِ التَّشْدِيدُ وَالتَّخْفِيفُ وَالسُّرِّيَّةُ الْجَارِيَةُ الْمُتَّخَذَةُ لِلْوَطْءِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ السِّرِّ وَهُوَ النِّكَاحُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ السُّرِّيَّةُ فُعْلِيَّةٌ مِنَ السِّرِّ وَهُوَ النِّكَاحُ قَالَ وَكَانَ أَبُو الْهَيْثَمِ يَقُولُ السُّرُّ السُّرُورُ فَقِيلَ لَهَا سُرِّيَّةُ لِأَنَّهَا سُرُورُ مَالِكِهَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ قَوْلُهُ

[10]

(عَنْ عمارة وهو بن الْقَعْقَاعِ) فَعُمَارَةُ بِالضَّمِّ وَالْقَعْقَاعُ بِفَتْحِ الْقَافِ الْأُولَى وقوله وهو بن قَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ فَائِدَتِهِ فِي الْفُصُولِ وَفِي الْمُقَدِّمَةِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الرِّوَايَةِ نَسَبُهُ فأراد

ص: 164

بَيَانَهُ بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ فِي الرِّوَايَةِ عَلَى مَا سَمِعَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (سَلُونِي) هَذَا لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلنَّهْيِ عَنْ سُؤَالِهِ فَإِنَّ هَذَا الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تعالى فاسألوا أهل الذكر قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَإِذَا رَأَيْتَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الصُّمَّ الْبُكْمَ مُلُوكَ الْأَرْضِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا) الْمُرَادُ بِهِمُ الْجَهَلَةُ السَّفِلَةُ الرِّعَاعُ كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ أَيْ لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِجَوَارِحِهِمْ هَذِهِ فَكَأَنَّهُمْ عَدِمُوهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (هَذَا جِبْرِيلُ أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا) ضَبَطْنَاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ

ص: 165