الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الذَّاتِ وَصِفَةِ الْفِعْلِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ
لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، فأَشَارَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَى فَصْلِ أَسْمَاءِ الذَّاتِ مِنْ أَسْمَاءِ الْفِعْلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، إِلَى سَائِرِ مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الذَّاتِ وَأَسْمَاءِ الْفِعْلِ، فلِلَّهِ عَزَّ اسْمُهُ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ، وَأَسمَاؤُهُ صِفَاتُهُ، وَصِفَاتُهُ أَوصَافُهُ، وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا صِفَاتُ ذَاتٍ، وَالْآخَرُ صِفَاتُ فِعْلٍ. فَصِفَاتُ ذَاتِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فِيمَا لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَقْلِيٌّ، وَالْآخَرُ: سَمْعِيٌّ. فَالْعَقْلِيُّ: مَا كَانَ طَرِيقُ إِثْبَاتِهِ أَدِلَّةَ الْعُقُولِ مَعَ وُرُودِ السَّمْعِ بِهِ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَدُلُّ خَبَرُ الْمُخْبِرِ بِهِ عَنْهُ، وَوصْفُ الْوَاصِفِ لَهُ بِهِ، عَلَى ذَاتِهِ، كَوَصْفِ الْوَاصِفِ لَهُ بِأَنَّهُ
شَيْءٌ، ذَاتٌ، مَوْجُودٌ، قَدِيمٌ، إِلَهٌ، مَلِكٌ، قُدُّوسٌ، جَلِيلٌ، عَظِيمٌ، مُتَكَبِّرٌ، وَالِاسْمُ وَالْمُسَمَّى فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاحِدٌ. وَالثَّانِي: مَا يَدُلُّ خَبَرُ الْمُخْبِرِ بِهِ عَنْهُ، وَوصْفُ الْوَاصِفِ لَهُ بِهِ، عَلَى صِفَاتٍ زائِدَاتٍ عَلَى ذَاتِهِ قَائِمَاتٍ بِهِ، وَهُوَ كَوَصْفِ الْوَاصِفِ لَهُ بِأَنَّهُ حَيٌّ، عَالِمٌ، قَادِرٌ، مُرِيدٌ، سَمِيعٌ، بَصِيرٌ، مُتَكَلِّمٌ، بَاقٍ. فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَوصَافُ عَلَى صِفَاتٍ زَائِدَةٍ عَلَى ذَاتِهِ قَائِمَةٍ بِهِ، كَحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَكَلَامِهِ وَبَقَائِهِ. وَالِاسْمُ فِي هَذَا الْقِسْمِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْمُسَمَّى لَا يُقَالُ: إِنَّهَا هِيَ الْمُسَمَّى، وَلَا إِنَّهَا غَيْرُ الْمُسَمَّى. وَأَمَّا السَّمْعِيُّ: فهُوَ مَا كَانَ طَرِيقُ إِثْبَاتِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَقَطْ، كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعَيْنِ، وَهَذِهِ أَيْضًا صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَا يُقَالُ فيهَا: إِنَّهَا هِيَ الْمُسَمَّى، وَلَا غَيْرُ الْمُسَمَّى، وَلَا يَجُوزُ تكْيِيفُهَا، فَالْوَجْهُ لَهُ صِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِصُورَةٍ، وَالْيَدَانِ لَهُ صِفَتَانِ وَلَيْسَتَا الْجَارِحَتَيْنِ، وَالْعَيْنُ لَهُ صِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِحَدَقَةٍ، وَطَرِيقُ إِثْبَاتِهَا لَهُ صِفَاتُ ذَاتٍ وَرَدَ خَبَرُ الصَّادِقِ بِهِ
وَأَمَّا صِفَاتُ فِعْلِهِ: فَهِيَ تَسْمِيَاتٌ مُشْتَقَّةٌ مَنْ أَفْعَالِهِ وَرَدَ السَّمْعُ بِهَا مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ فِيمَا لَا يَزَالُ دُونَ الْأَزَلِ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي اشْتُقَّتْ مِنْهَا لَمْ تَكُنْ فِي الْأَزَلِ، وَهُوَ كَوَصْفِ الْوَاصِفِ لَهُ بِأَنَّهُ خَالِقٌ، رَازِقٌ، مُحْيٍ، مُمِيتٌ، مُنْعِمٌ، مُفَضِّلٌ. فَالتَّسْميَةُ فِي هَذَا الْقِسْمِ إِنْ كَانَتْ مِنَ اللَّهِ عز وجل فَهِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، وَهُوَ كَلَامُهُ، لَا يُقَالُ: إِنَّهَا الْمُسَمَّى، وَلَا غَيْرُ الْمُسَمَّى. وَإِنْ كَانَتِ التَّسْمِيَةُ مِنَ الْمَخْلُوقِ فَهِيَ فِيهَا غَيْرُ الْمُسَمَّى. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ لِذَاتِهِ الَّذِي لَهُ صِفَاتُ الذَّاتِ وَصِفَاتُ الْفِعْلِ، فَعَلَى هَذَا الِاسْمُ وَالْمُسَمَّى فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَدُلُّ كَلَامُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أنا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ، إِجَازَةً، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَكَرِيَّا اللَّخْمِيُّ، ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: الِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى فَاشْهَدْ عَلَيْهِ بِالزَّنْدَقَةِ قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ
لَا يُقَالُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّهَا أَغْيَارٌ، قَدْ نَقَلْنَا كَلَامَهُ فيهَا فِي موَاضِعَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَمَنْ قَالَ بِهَذَا احتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مريم: 7] ، فَأَخْبَرَ أَنَّ اسْمَهُ يَحْيَى، ثُمَّ قَالَ:{يَا يَحْيَى} [مريم: 12] ، فَخَاطَبَ اسْمَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ يَحْيَى، وَهُوَ اسْمُهُ وَاسمُهُ هُوَ، وَكَذَلِكَ قَالَ:{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً} [يوسف: 40] ، وَأَرَادَ الْمُسَمَّيَاتِ، وَقَالَ:{تَبَارَكَ اسْمُ ربِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 78]، كَمَا قَالَ:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان: 1]، وَكَمَا قَالَ:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ» ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ السَّلَامِ:«تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» ، وَقَالَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ:«تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» . قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَى تَبَارَكَ: تَعَالَى وَتَعَظَّمَ. وَقِيلَ: هُوَ تَفَاعَلَ مِنَ الْبرَكَةِ، وَهِيَ الْكَثْرَةُ وَالِاتِّسَاعُ
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيُّ، بِبَغْدَادَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْكَابُلِيُّ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
⦗ص: 74⦘
اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، وَلْيَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ " غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَقُلْ: «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ» . وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَحُذَيْفَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ قَالَ:«اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا، وَبِاسْمِكَ أَمُوتُ» . كَمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الصَّبَاحِ: «اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نمُوتُ»
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنَادَةَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، يَذْكُرُ عَنْ
⦗ص: 75⦘
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام جَاءَهُ وَهُوَ يُوعِكُ، فَقَالَ: أُرْقِيكَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ، وَمِنْ كُلِّ حَسَدِ حَاسِدٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ، وَاسْمُ اللَّهِ يَشْفِيكَ" قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: وَلَوْ كَانَ اسْمُهُ غَيْرَهُ، أَوْ لَا هُوَ الْمُسَمَّى لَكَانَ الْقَائِلُ إِذَا قَالَ: عَبَدْتُ اللَّهَ وَاللَّهُ اسْمُهُ أَنْ يَكُونَ عَبَدَ اسْمَهُ، إِمَّا غَيْرُهُ، أَوْ مَا لَا يُقَالُ: إِنَّهُ هُوَ، وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَقَوْلُهُ:«إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا» ، مَعْنَاهُ تَسْمِيَاتُ الْعِبَادِ لِلَّهِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ وَاحِدٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَادَ ثُمَّ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّلَامِ هُوَ السَّلَامُ
بَابُ ذِكْرِ آيَاتٍ وَأَخْبَارٍ وَرَدَتْ فِي صِفَاتٍ يَسْتَحِقُّهَا الْبَارِي عز وجل بِذَاتِهِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْبَابَيْنِ قَبْلَهُ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]، وَقَالَ:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23]، وَقَالَ:{هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [لقمان: 26]، وَقَالَ:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3]، وَقَالَ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2]، وَقَالَ:{هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25]، وَقَالَ:{إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73]، وَقَالَ:{الْكَبِيرُ الْمُتعَالِ} ، وَقَالَ:{وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [ص: 65]، وَقَالَ:{نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال: 40]، وَقَالَ:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر
: 23] ، وَقَالَ:{إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [يونس: 65]، وَقَالَ:{أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139]، وَقَالَ خَبَرًا عَنْ إِبْلِيسَ:{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82]، وَقَالَ:{وَيَبْقَى وَجْهُ ربِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، وَقَالَ:{تَبَارَكَ اسْمُ ربِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 78]، وَقَالَ:{وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الجاثية: 37]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثنا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ثنا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ، قَالَ: انْطَلَقْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ مَعْبَدٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" ثُمَّ أَقُومُ فِي الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيُقَالُ لِي: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، أَوْ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكَ، وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ: «وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَعَظَمَتِي»
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، بِبَغْدَادَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ بَعْدَ الصَّلَاةِ إِلَّا قَدْرَ مَا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً، فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ. قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الرُّكُوعِ: أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ
⦗ص: 79⦘
. قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مِنْ كَمَالِ أَوْصَافِ الْإِلَهِيَّةِ، فَوَجَبَ إِثْبَاتُ كُلِّ مَدْحٍ لَهُ، وَنَفْيُ كُلِّ نَقْصٍ عَنْهُ
بَابُ ذِكْرِ آيَاتٍ وَأَخْبَارٍ وَرَدَتْ فِي صِفَاتٍ زائِدَاتٍ عَلَى الذَّاتِ قَائِمَاتٍ بِهِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، وَقَالَ:{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111]، وَقَالَ:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] ، فَهُوَ حَيٌّ وَلهُ حَيَاةٌ يُبَايِنُ بِهَا صِفَةَ مَنْ لَيْسَ بِحَيٍّ، وَقَالَ:{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284]، وَقَالَ:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ} [الأنعام: 65] فُهُوَ قَاِدٌر، وَلَهُ قُدْرَةٌ يُبَايِنُ بِهَا صِفَةَ مَنْ لَيْسَ بِقَادِرٍ، وَقَالَ:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] . وَقَالَ: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11]، وَقَالَ:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] ، فهُوَ عَالِمٌ وَلَهُ عِلْمٌ يُبَايِنُ بِهِ صِفَةَ مَنْ لَيْسَ بِعَالِمٍ، وَقَالَ:{لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق
: 12] ، أَيْ عِلْمُهُ أَحَاطَ بِالْمَعْلُومَاتِ كُلِّهَا كَمَا قُدْرَتُهُ عَمَّتِ الْمَقْدُورَاتِ كُلَّهَا، وَقَالَ:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]، وَقَالَ:{أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [البقرة: 165]، وَالْقُوَّةُ: الْقُدْرَةُ، وَقَالَ:{إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الحج: 14]، وَقَالَ:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107]، وَقَالَ:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] ، وَالْمَشِيئَةُ وَالْإِرَادَةُ عِبَارَتَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، فَهُوَ مُرِيدٌ، وَلَهُ إِرَادَةٌ يُبَايِنُ بِهَا صِفَةَ مَنْ يَكُونُ سَاهِيًا أَوْ مَغْلُوبًا أَوْ مُكْرَهًا، وَقَالَ:{وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134]، وَقَالَ:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] ، فَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَلَهُ سَمْعٌ وَبَصَرٌ يُدْرِكُ بِأَحَدِهِمَا جَمِيعَ الْمَسْمُوعَاتِ، وَبَالْآخَرِ جَمِيعَ الْمُبْصَرَاتِ، وَقَالَ:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وَقَالَ:{يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144]، وَقَالَ:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]، وَقَالَ:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ استَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] ، فَهُوَ مُتَكَلِّمٌ، وَلَهُ كَلَامٌ يُبَايِنُ
بِهِ صِفَةَ الْأَخْرَسِ وَالسَّاكِتِ، وَقَالَ:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3]، وَقَالَ:{الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، وَقِيلَ فِي مَعْنَى {الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] : إِنَّهُ الدَّائِمُ، وَقَالَ:{وَيَبْقَى وَجْهُ ربِّكَ} [الرحمن: 27] ، فهُوَ بَاقٍ وَلَهُ بَقَاءٌ، وَمَعْنَى وَصْفِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ فِيمَا لَمْ يَزَلْ، مُسْتَمِرُّ الْوُجُودِ فِيمَا لَا يَزَالُ.
أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ رحمه الله، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، ثنا أَبُو الْأَزْهَرِ، ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ قَالَ: «يَا حِيُّ يَا قيُّومُ» قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَرُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ:«أَعُوذُ بعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ» . وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 83⦘
لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ. وَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ. فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَيَاةِ اللَّهِ وَبِبَقَائِهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَّالِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأَمْرِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ لَنَا:" إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّكَ تَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَتَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ وَتُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ الَّذِي تُرِيدُ خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَمَعَادِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُهُ شَرًّا لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَمَعَادِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي مِثْلَ الْأَوَّلِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ "، أَوْ قَالَ:«فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ» . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِثْبَاتُ صِفَةِ الْعِلْمِ وَصِفَةِ الْقُدْرَةِ وَاسْتِخَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهِمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا شَوَاهِدَهُ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ
⦗ص: 84⦘
، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا يَقُولُ أَحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، وَارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ؛ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لَا مُكْرِهَ لَهُ " قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ الْمَشِيئَةِ لَهُ تَعَالَى عز وجل، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُرْفِيُّ، بِبَغْدَادَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، ثنا عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: يَنْتَهِي الْقُرْآنُ كُلُّهُ إِلَى: {إِنَّ ربَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْإِرَادَةِ لِلَّهِ عز وجل، وَأَنَّ مَا أَوْعَدَ عَلَيْهِ عِبَادَهُ فِيمَا دُونَ الشِّرْكِ إِلَى مَشِيئَتِهِ كَمَا قَالَ:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]
وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، رحمه الله، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتِ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ تَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل {قَدْ سَمِعُ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] ، وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ السَّمْعِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الْإِيمَانِ قَالَ، يَعْنِي السَّائِلَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ الرُّؤْيَةِ لِلَّهِ عز وجل، وَالرُّؤْيَةُ وَالْبَصَرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ أَلْقَى اللَّهُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عز وجل لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَ بِي مِنْكِ
⦗ص: 86⦘
، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ "، وَقَالَ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ مَعْنَاهُ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَيَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَأَبِيهِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ، حَدَّثَاهُ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلًا فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ " وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى: «بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ» . وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ صِفَةِ الْكَلَامِ لِلَّهِ عز وجل، وَإِنَّمَا قَالَ بِكَلِمَاتٍ عَلَى طَرِيقِ التَّعْظِيمِ. وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا»
⦗ص: 87⦘
. وَفِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سيُكَلِّمُهُ ربُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَاجِبٌ وَلَا تَرْجُمَانٌ» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرهُ
بَابُ ذِكْرِ آيَاتٍ وَأَخْبَارٍ وَرَدَتْ فِي إِثْبَاتِ صِفَةِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعَيْنِ وَهَذِهِ صِفَاتٌ طَرِيقُ إِثْبَاتِهَا السَّمْعُ، فَنُثْبِتُهَا لِوُرُودِ خَبَرِ الصَّادِقِ بِهَا وَلَا نُكَيِّفُهَا. قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ ربِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] ، فَأَضَافَ الْوَجْهَ إِلَى الذَّاتِ، وَأَضَافَ النَّعْتَ إِلَى الْوَجْهِ، فَقَالَ:{ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] ، وَلَوْ كَانَ ذِكْرُ الْوَجْهِ صِلَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِلذَّاتِ صِفَةٌ لَقَالَ:«ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» ، فَلَمَّا قَالَ:{ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] عَلِمْنَا أَنَّهُ نَعْتٌ لِلْوَجْهِ وَهُوَ صِفَةٌ لِلذَّاتِ، وَقَالَ اللَّهُ عز وجل:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنَ الْإِضَافَةِ، وَذَلِكَ تَحْقِيقٌ فِي التَّثْنِيَةِ، وَفِي ذَلِكَ مَنْعٌ مِنْ حَمْلِهِمَا عَلَى النِّعْمَةِ أَوِ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِتَخْصِيصِ التَّثْنِيَةِ فِي نِعَمِ اللَّهِ، وَلَا فِي قُدْرَتِهِ مَعْنًى يَصِحُّ؛ لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى؛ وَلِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّخْصِيصِ وَتَفْضِيلِ آدَمَ عليه السلام عَلَى إِبْلِيسَ، وَحَمْلُهَا عَلَى الْقُدْرَةِ أَوْ عَلَى النِّعْمَةِ يُزِيلُ مَعْنَى التَّفْضِيلِ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَاءِ وَالطِّينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ: لِمَا خَلَقْتُ مِنْ يَدِي، كَمَا يُقَالُ صُغْتُ هَذَا الْكُوزَ مِنَ الْفِضَّةِ أَوْ مِنَ النُّحَاسِ، فَلَمَّا قَالَ:{بِيَدَيَّ} [ص: 75] عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى
عَيْنِي} [طه: 39]، وَقَالَ:{فَإِنَّكَ بأَعْيُنِنَا} [الطور: 48]
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، رحمه الله، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65] قَالَ: هَاتَانِ أَيْسَرُ وَأَهْوَنُ
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ الْمَلَائِكَةَ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا "، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا بُعِثَ نَبِيُّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَ
⦗ص: 90⦘
الدَّجَّالَ، أَلَا وَإِنَّهُ أَعْورُ، وَإِنَّ ربَّكُمْ لَيْسَ بأَعْورَ» . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَفِي هَذَا نَفْيُ نَقْصِ الْعَوَرِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَإِثْبَاتُ الْعَيْنِ لَهُ صِفَةً، وَعَرَفْنَا بِقَوْلِهِ عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وَبِدَلَائِلِ الْعَقْلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَدَقَةٍ، وَأَنَّ الْيَدَيْنِ لَيْسَتَا بِجَارِحَتَيْنِ، وَأَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ بِصُورَةٍ؛ وَأَنَّهَا صِفَاتُ ذَاتٍ أَثْبَتْنَاهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِلَا تَشْبِيهٍ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
بَابٌ فِي ذِكْرِ صِفَةِ الْفِعْلِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102]، وَقَالَ:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تقْدِيرًا} [الفرقان: 2]، وَقَالَ:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27]، وَقَالَ:{فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 14]، وَقَالَ:{وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} ، إِلَى سَائِرِ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَاتِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، ثنا أَبِي، ثنا الْأَعْمَشُ، ثنا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، أنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ
⦗ص: 92⦘
هَذَا الْأَمْرِ كَيْفَ كَانَ؟ قَالَ: «كَانَ اللَّهُ عز وجل وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ كَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: قوْلُهُ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَهُ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَهُ، لَا الْمَاءُ وَلَا الْعَرْشُ وَلَا غَيْرُهُمَا، وَكُلُّ ذَلِكَ أَغْيَارٌ، وَقَوْلُهُ:«وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» يَعْنِي بِهِ: ثُمَّ خَلَقَ الْمَاءَ وَخَلَقَ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ: «ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ»
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلهُ فَقَالَ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: مِنَ الْمَاءِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالتُّرَابِ، قَالَ الرَّجُلُ: مِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ؟ فَتَلَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]
⦗ص: 93⦘
قَالَ: فَأَخْبَرَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَاءَ وَالنُّورَ وَالظُّلْمَةَ وَالرِّيحَ وَالتُّرَابَ مِمَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ. وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ مَصْدرَ الْجَمِيعِ مِنْهُ، أَيْ مِنْ خَلْقِهِ وَإِبْدَاعِهِ وَاخْتِرَاعِهِ، فَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، خَلَقَ الْمَاءَ أَوَّلًا، أَوِ الْمَاءَ وَمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ لَا عَنْ أَصْلٍ وَلَا عَلَى مِثَالٍ سَبَقَ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَصْلًا لِمَا خَلَقَ بَعْدَهُ، فَهُوَ الْمُبْدِعُ وَهُوَ الْبَارِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلَا خَالِقَ سِوَاهُ
بَابُ الْقَوْلِ فِي الْقُرْآنِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ عز وجل، وَكلَامُ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ مَخْلُوقًا وَلَا مُحْدَثًا وَلَا حَادِثًا، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] . فَلوْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا لَكَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَائِلًا لَهُ كُنْ، وَالْقُرْآنُ قَوْلُهُ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مَقُولًا لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُوجِبُ قَوْلًا ثَانِيًا، وَالْقَوْلُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَفِي تَعَلُّقِهِ بِقَوْلٍ ثَالِثٍ كَالْأَوَّلِ، وَهَذَا يُفْضِي إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَهُوَ فَاسدٌ، وَإِذَا فَسَدَ ذَلِكَ فَسَدَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ أَمْرًا أَزَلِيًّا مُتعَلِّقًا بِالْمُكَوَّنِ، فِيمَا لَا يَزَالُ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ مُتَعَلِّقٌ بِصَلَاةِ غَدٍ، وَغَدٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَمُتَعَلِّقٌ بِمَنْ يُخْلَقُ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِهِمْ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي يَصِحُّ فِيمَا بَعْدُ، كَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي التَّكْوِينِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ عز وجل أَزَلِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْلُومَاتِ عِنْدَ حُدُوثِهَا، وَسَمْعُهُ أَزَلِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِإِدْرَاكِ الْمَسْمُوعَاتِ عِنْدَ ظُهُورِهَا، وَبَصَرُهُ أَزَلِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بإِدْرَاكِ الْمَرْئِيَّاتِ عِنْدَ وُجُودِهَا مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ مَعْنًى فِيهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَأَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ مُحْدَثًا؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ:{الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ} [الرحمن: 2] . فَلمَّا جَمَعَ فِي الذِّكْرِ بَيْنَ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ كَلَامُهُ وَصِفَتُهُ
وَبَيْنَ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ خَلْقُهُ وَمَصْنُوعُهُ، خَصَّ الْقُرْآنَ بِالتَّعْلِيمِ، وَالْإِنْسَانَ بِالتخْلِيقِ، فَلوْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا كَالْإِنْسَانِ لَقَالَ: خَلَقَ الْقُرْآنَ وَالْإِنْسَانَ. وَقَالَ: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] ، فَفَرَّقَ بَيْنَ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ بِالْوَاوِ الَّذِي هُوَ حَرْفُ الْفَصْلِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمُتَغَايِرَيْنِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ خَلْقِهِ، وَقَالَ:{لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] ، يَعْنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ وَمنْ بَعْدِ ذَلِكَ. وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَقَالَ:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 171]، وَقَالَ:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68] ، وَالسَّبْقُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي سَبْقَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ، وَقَالَ:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ ثُمَّ يَكُونَ هُوَ بِهِ مُتَكَلِّمًا مُكَلَّمًا دُونَ ذَلِكَ الْغَيْرِ، كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَقَالَ:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51] ، فَلَوْ كَانَ كَلَامُ اللَّهِ لَا يُوجَدُ إِلَّا مَخْلُوقًا فِي شَيْءٍ مَخْلُوقٍ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ هَذِهِ الْوُجُوهِ مَعْنًى لِاسْتِوَاءِ جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي سَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ وَوُجُودِهِمْ ذَلِكَ عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ مَخْلُوقًا فِي غَيْرِ اللَّهِ، وَهَذَا يُوجِبُ إِسقَاطَ مَرْتَبَةِ النَّبِيِّينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ إِذَا زَعَمُوا أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لِمُوسَى خَلَقَهُ فِي شَجَرَةٍ، أَنْ يَكُونَ مَنْ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ مَلَكٍ أَوْ مِنْ نَبِيٍّ أَتَاهُ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَفْضَلَ مَرْتَبَةً فِي سَمَاعِ الْكَلَامِ مِنْ مُوسَى؛ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ شَجَرَةٍ، وَأَنْ يَزْعُمُوا أَنَّ الْيَهُودَ إِذْ سَمِعَتْ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ مُوسَى نَبِيِّ اللَّهِ أَفْضَلُ مَرْتَبَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ سَمِعَتْهُ مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَسَلَّمَ سَمِعَهُ مَخْلُوقًا فِي شَجَرَةٍ وَلَوْ كَانَ مَخْلُوقًا فِي شَجَرَةٍ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ عز وجل مُكَلِّمًا لِمُوسَى مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ عز وجل لِمُوسَى عليه السلام لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا فِي شَجَرَةٍ كَمَا زَعَمُوا لَزِمَهُمْ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ بِذَلِكَ الْكَلَامِ مُتَكَلِّمَةً، وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنَّ مَخْلُوقًا مِنَ الْمَخْلُوقِينَ كَلَّمَ مُوسَى وَقَالَ لَهُ:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَقَدِ احْتَجَّ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ رحمه الله بِهَذِهِ الْفُصُولِ وَاحْتَجَّ بِهَا غَيْرُهُ مِنْ سَلَفِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أنا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ، إِجَازَةً، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَصْبَهَانِيُّ، بِمَكَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْجَارُودِيَّ، يَقُولُ: ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ ابْنَ عُلَيَّةَ فَقَالَ: أَنَا مُخَالِفٌ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي قَوْلِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَسْتُ أَقُولُ كَمَا يَقُولُ، أَنَا أَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَذَاكَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ كَلَامًا أَسْمَعَهُ مُوسَى مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ قُلْنَا: وَلِأَنَّ اللَّهَ قَالَ مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] ، يَعْنُونَ الْقُرْآنَ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدْ جَعَلَهُ قَوْلًا
لِلْبَشَرِ، وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] ، فَلَوْ كَانَتِ الْبِحَارُ مِدَادًا يُكْتَبُ بِهِ لِنَفِدَتِ الْبِحَارُ وَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ وَلَمْ يَلْحَقِ الْفَنَاءُ كَلِمَاتِ اللَّهِ عز وجل كَمَا لَا يَلْحَقُ الْفَنَاءُ عِلْمَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَنْ فَنِيَ كَلَامُهُ لَحِقَتْهُ الْآفَاتُ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّكُوتُ، فَلَمَّا لَمْ يَجْرِ ذَلِكَ عَلَى رَبِّنَا عز وجل صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا وَلَا يَزَالُ مُتَكَلِّمًا، وَقَدْ نَفَى النَّفَادَ عَنْ كَلَامِهِ كَمَا نَفَى الْهَلَاكَ عَنْ وَجْهِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عز وجل:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: 19]، مَعْنَاهُ: قَوْلٌ تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ أَوْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ، أَوْ نَزَلَ بِهِ رَسُولٌ كَرِيمٌ. فَقَدْ قَالَ:{فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] ، فَأَثْبَتَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ عز وجل، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَلَامًا لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَكلَامًا لِلَّهِ، دَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا قُلْنَا، وَقَوْلُهُ:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3] مَعْنَاهُ: سَمَّيْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَأَنْزَلْنَاهُ مَعَ الْمَلَكِ الَّذِي أَسْمَعْنَاهُ إِيَّاهُ حَتَّى نَزَلَ بِهِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ لِيَعْقِلُوا مَعْنَاهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62]، يَعْنِي: يَصِفُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَلْقَ. وَقَوْلُهُ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذِكْرًا غَيْرَ الْقُرْآنِ، وَهُوَ كَلَامُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَوَعْظِهِ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ
الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: لَا يَأْتِيهِمْ ذِكْرٌ إِلَّا كَانَ مُحْدَثًا، وَإِنَّمَا قَالَ:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٌ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرًا غَيْرَ مُحْدَثٍ ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ ذِكْرَ الْقُرْآنِ لَهُمْ وَتِلَاوتَهُ عَلَيْهِمْ وَعِلْمَهُمْ بِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحْدَثٌ، وَالْمَذْكُورُ الْمَتْلُوُّ الْمَعْلُومُ غَيْرُ مُحْدَثٍ، كَمَا أَنَّ ذِكْرَ الْعَبْدِ لِلَّهِ وَعِلْمَهُ بِهِ وَعِبَادَتَهُ لَهُ مُحْدَثٌ، وَالْمَذْكُورُ الْمَعْلُومُ الْمَعْبُودُ غَيْرُ مُحْدَثٍ، وَحِينَ احْتُجَّ بِهِ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنه: قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَنْزِيلُهُ إِلَيْنَا هُوَ الْمُحْدَثُ لَا الذِّكْرُ نَفْسُهُ مُحْدَثٌ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: وَهَذَا الَّذِي أَجَابَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله ظَاهِرٌ فِي الْآيَةِ، وَإِتْيَانُهُ تَنْزِيلُهُ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ الَّذِي أَتَى بِهِ، وَالتَّنْزيلُ مُحْدَثٌ، وَقَدْ أَجَابَ أَحْمَدُ رحمه الله بِالْجَوَابِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا تَسْمِيَةُ عِيسَى بِكَلِمَةِ اللَّهِ فَعَلَى مَعْنَى أَنَّهُ صَارَ مُكَوَّنًا بِكَلِمَةِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ كَمَا صَارَ آدَمُ مُكَوَّنًا بِكَلِمَةِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] . وَقَدْ رُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ» ، وَالْقُرْآنُ فِيمَا كُتِبَ فِي الذِّكْرِ لِقَوْلِهِ عز وجل:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22] . وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى قِدَمِ الْقُرْآنِ وَوُجُودِهِ قَبْلَ وُقُوعِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَأَبُو الْفَضْلِ بْنُ
⦗ص: 99⦘
إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَاريُّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى عليهما السلام، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فَيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ، قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَكَلَامِهِ، وَأَعْطَاكَ الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَرَّبَكَ اللَّهُ نَجِيًّا، فَبِكَمْ وُجِدَتِ التَّوْرَاةُ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا، قَالَ آدَمُ: وَجَدْتَ فِيهَا {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلُومُنِي أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَعْمَلُهُ بِعِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً "، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا التَّارِيخُ يَرْجِعُ إِلَى إِظْهَارِهِ ذَلِكَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ مَعَ الْآيَةِ دِلَالَةٌ عَلَى وُجُودِهِ قَبْلَ وُقُوعِ الْخَطِيئَةِ مِنْ آدَمَ عليه السلام
⦗ص: 100⦘
. وَكلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مَوْجُودٌ فِيمَا لَمْ يَزَلْ، مَوْجُودٌ فِيمَا لَا يَزَالُ، وَبإِسْمَاعِهِ كَلَامَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَعِبَادِهِ مَتَى شَاءَ، صَارَ كَلَامُهُ مَسْمُوعًا لَهُ بِلَا كَيْفٍ، وَالْمَسْمُوعُ كَلَامُهُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِهِ، وَكَلَامُهُ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ، كَمَا لَا يُشْبِهُ سَائِرُ أَوْصَافِهِ أَوْصَافَ الْمَخْلُوقِينَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ بِبَغْدَادَ، أنا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أنا إِسْرَائِيلُ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَالْمٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:" لَمَّا أُمِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ جَعَلَ يَقُولُ: يَا قَوْمِ، لِمَ تُؤْذُونَنِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي "، يَعْنِي الْقُرْآنَ
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، ثنا الْأَحْوَصُ بْنُ جَوَّابٍ، ثنا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، وَأَبِي، مَيْسَرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ مَضْجَعَهِ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ، اللَّهُمَّ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ، وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ»
⦗ص: 101⦘
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: فَاسْتعَاذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْخَبَرِ وَغَيْرِهِ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ كَمَا اسْتَعَاذَ بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، فَكَمَا أَنَّ وَجْهَهُ الَّذِي اسْتَعَاذَ بِهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَكَذَلِكَ كَلِمَاتُهُ الَّتِي اسْتَعَاذَ بِهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، وَكلَامُ اللَّهِ وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَإِنَّمَا جَاءَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ كَقَوْلِهِ:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا تَامَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِهِ عَيْبٌ أَوْ نَقْصٌ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ، ثنا حَامِدُ بْنُ مَحْمُودٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْجَرَّاحَ الْكِنْدِيَّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خِيَارُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَذَاكَ الَّذِي أَجْلَسَنِي هَذَا الْمَجْلِسَ، وَكَانَ يُقْرِئُ الْقُرْآنَ، قَالَ: وَفَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ الرَّبِّ عَلَى خَلْقِهِ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْهُ. قَالَ الشَّيْخُ: قَوْلُهُ: وَذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْهُ، يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِهِ
وَأنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ الْكَلْبِيُّ، ثنا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: مَنْ شَغَلَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ مَسْأَلَتِي
⦗ص: 102⦘
أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ السَّائِلِينَ، وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ " قَالَ الْأُسْتَاذُ رحمه الله: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَمَّا كَانَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ أَنَّهُ قَدِيمٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، كَانَ مِنْ فَضْلِ كَلَامِهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ "
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رضي الله عنه، ثنا أَبُو مَعْمَرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ سُرَيْجِ بْنِ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ نِيَارِ بْنِ مُكْرَمٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، رضي الله عنه قَرَأَ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُ عز وجل:{الم غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 2]، فَقَالُوا: كَلَامُكَ هَذَا، أَمْ كَلَامُ صَاحِبِكَ؟ قَالَ: لَيْسَ بِكلَامِي وَلَا كَلَامِ صَاحِبِي، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ يَعْنِي الشَّعْبِيَّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَهْرٍ، قَالَ:" كُنْتُ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فَقَرَأَ ابْنٌ لَهُ آيَةً مِنَ الْإِنْجِيلِ، فَضَحِكْتُ، فَقَالَ: أَتَضْحَكُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ عز وجل "
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافَ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نوْفلٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَارًا لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، فَخَرَجْنَا مَرَّةً مِنَ الْمَسْجِدِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ: يَا هَنَاهُ، تَقَرَّبْ
⦗ص: 104⦘
إِلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَعْتَ، وَإِنَّكَ لَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، حَدَّثَنِي أُنَاسٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، أنا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الصَّفَّارُ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ خُرَّزَاذَ، ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ» وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ أَيُّوبَ، ثنا أَبُو عُمَرَ بْنُ أَيُّوبَ الصَّرِيفِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، ثنا إِسْرَائِيلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه: لَوْ أَنَّ قُلُوبَنَا طَهُرَتْ مَا شَبِعْنَا مِنْ كَلَامِ ربِّنَا، وَإِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمٌ لَا أَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: مَا حَكَّمْتُ مَخْلُوقًا، مَا حَكَّمْتُ إِلَّا الْقُرْآنَ "
وَعَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: صَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَلَى جِنَازَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ رَبَّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ اغْفِرْ لَهُ "، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ، إِنَّ الْقُرْآنَ مِنْهُ، إِنَّ الْقُرْآنَ مِنْهُ، يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَرُوبَةَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنَ شَبِيبٍ، ثنا الْحَكَمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَشْيَخَتَنَا، مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَقُولُونَ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ، وَأنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ، وَاللفْظُ لَهُ، أنا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ، قَالَ: قَالَ الْحَكَمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو مَرْوَانَ الطَّبَرِيُّ: حَدَّثَنَاهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مَشْيَخَتَنَا مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ
⦗ص: 106⦘
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: هَكذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْحكَايَةُ فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ: أَدْرَكْتُ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ. وَمَشَايِخُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ثُمَّ أَكَابِرِ التَّابِعينَ، فَهُوَ حِكَايَةُ إِجْمَاعٍ مِنْهُمْ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ بِبَغْدَادَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْآدَمِيُّ، ثنا ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ، ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ الضَّبِّيُّ، عَنْ مَعْبَدٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقُلتُ: إِنَّهُمْ يَسْأَلُونَنَا عَنِ الْقُرْآنِ، أَمَخْلُوقٌ هُوَ؟ قَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عز وجل قَالَ رحمه الله: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ جَعْفَرٍ، فَهُوَ عَنْ جَعْفَرٍ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَرُوِّينَاهُ مِنْ أَوجُهٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ كَافَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَامِيَ أَئِمَّتِهِمْ وَكُبَرَائِهِمُ الَّذِينَ صَرَّحُوا بِهَذَا وَرَأَوُا اسْتِتَابَةَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا يُوسُفَ فَقُلْتُ: أَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ. فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ، وَلَا أَنَا أَقُوُلُهُ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو
⦗ص: 108⦘
جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو يَحْيَى السَّاجِيُّ، إِجَازَةً قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا شُعَيْبٍ الْمِصْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ، رحمه الله يَقُولُ:«الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ» وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا نَتْلُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِأَلْسِنَتِنَا وَنَسْمَعُهُ بِآذَانِنَا وَنَكْتُبُهُ فِي مَصَاحِفِنَا يُسَمَّى كَلَامَ اللَّهِ عز وجل، وَأَنَّ اللَّهَ عز وجل كَلَّمَ بِهِ عِبَادَهُ بِأَنْ أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. وَبِمَعْنَاهُ ذَكَرَهُ أَيْضًا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فِي كِتَابِهِ الْإِبَانَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ: مَنْ جَاءَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - قَالَ: يَعْنِي الْإِمَامَ - أَنْ يُجِيرَهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُبَلِّغَهُ مَأْمَنَهُ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ استَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] . وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكلِّمَ رَجُلًا فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولًا: مَنْ قَالَ يَحْنَثُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51]، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْمُنَافِقِينَ: {قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} [التوبة: 94] ، وَإِنَّمَا نَبَّأَهُمْ مِنْ أَخْبَارِهِمْ بِالْوَحْيِ الَّذِي تَنَزَّلَ بِهِ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيُخْبِرُهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَحْيِ اللَّهِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ: لَا يَحْنَثُ، قَالَ: إِنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ عز وجل، كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ
⦗ص: 109⦘
بِالْمُوَاجَهَةِ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَذَكَرَ بَاقِيَ الْمَسْأَلَةِ: وَهُوَ فِيمَا قَرَأْتُهُ عَلَى أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو فِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ حَدَّثَهُمْ قَالَ: أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أنا الشَّافِعِيُّ رحمه الله فَذَكَرَهُ. فَقَدْ سَمَّى الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا مَا نُسَمِّيهِ مِنَ الْقُرْآنِ كَلَامَ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ بِهِ عِبَادَهُ بِأَنْ أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ وَإِنْ كَانَ يَكُونُ بِالْمُوَاجَهَةِ فِي الْحُكْمِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَكلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عِبَادَهُ قَدْ يَكُونُ بِالرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ كَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ كَلَامًا وَتَكْلِيمًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: حَدِّثُونَا أَتَقُولُونَ: إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ عز وجل فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ؟ قِيلَ لَهُ: نَقُولُ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22] ، فَالْقُرْآنُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهُوَ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] ، وَهُوَ مَتْلُوٌّ بِالْأَلسِنَةِ، قَالَ اللَّهُ:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] ، فَالْقُرْآنُ مَكْتُوبٌ فِي مَصَاحِفِنَا فِي الْحَقِيقَةِ، مَحْفُوظٌ فِي صُدُورِنَا فِي الْحَقِيقَةِ، مَتْلُوٌّ بِأَلْسِنَتِنَا فِي الْحَقِيقَةِ مَسْمُوعٌ لَنَا فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ:{فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، فِي التَّارِيخِ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
⦗ص: 110⦘
أَبِي الْهَيْثَمِ الْمُطَوَّعِيُّ بِبُخَارَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرْبَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ يَعْنِي أَبَا قُدَامَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَعْنِي الْقَطَّانَ، يَقُولُ: مَا زِلْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ: أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ: حَرَكَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُهُمْ وَاكْتِسَابُهُمْ وَكِتَابَتُهُمْ مَخْلُوقَةٌ، فَأَمَّا الْقُرْآنُ الْمَتْلُوُّ الْمُبَيَّنُ الْمُثْبَتُ فِي الْمَصَاحِفِ الْمَسْطُورُ الْمَكْتُوبُ الْمُوعَى فِي الْقُلُوبِ فَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، قَالَ اللَّهُ عز وجل {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] . قَالَ الشَّيْخُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله. وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْهُ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى تِلْمِيذِهِ أَبِي طَالِبٍ قَوْلَهُ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَكَرِهَ الْكَلَامَ فِي اللَّفْظِ
وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الْأَدِيبَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، يُرِيدُ بِهِ الْقُرْآنَ، فَهُوَ كَافِرٌ
⦗ص: 111⦘
قَالَ الشَّيْخُ رضي الله عنه: فَإِنَّمَا أُنْكِرُ قَوْلَ مَنْ تَذَرَّعَ بِهَذَا إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ تَرْكَ الْكَلَامِ فِيهِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
بَابُ الْقَوْلِ فِي الِاسْتِوَاءِ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، وَالْعَرْشُ هُوَ السَّرِيرُ الْمَشْهُورُ فِيمَا بَيْنَ الْعُقلَاءِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7]، وَقَالَ:{وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129]، وَقَالَ:{ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15]، وَقَالَ:{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75]، وَقَالَ:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر: 7] الْآيَةَ، وَقَالَ:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17]، وَقَالَ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، وَقَالَ:{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد: 2]، وَقَالَ:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، وَقَالَ:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]، وَقَالَ:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50]، وَقَالَ:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] ، إِلَى سَائِرِ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] ، وَأَرَادَ مَنْ فَوْقَ السَّمَاءِ، كَمَا قَالَ:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] ، يَعْنِي عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ، وَقَالَ:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة: 2] ، يَعْنِي عَلَى الْأَرْضِ، وَكُلُّ مَا عَلَا فَهُوَ سَمَاءٌ، وَالْعَرْشُ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ، فَمَعْنَى الْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ عَلَى الْعَرْشِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، ثنا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيًّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ: «فَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِردَوْسَ؛ فَإِنَّهُ وَسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ
⦗ص: 114⦘
وَمِنْهُ تَتَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ»
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خُلَيٍّ، ثنا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي " قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَالْأَخْبَارُ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا كَتَبْنَا مِنَ الْآيَاتِ دَلَالَةٌ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَقَوْلُهُ عز وجل {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا
⦗ص: 115⦘
كُنْتُمْ} [الحديد: 4] ، إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بِعِلْمِهِ لَا بِذَاتِهِ، ثُمَّ الْمَذْهبُ الصَّحِيحُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ التَّوْقِيفُ دُونَ التَّكْيِيفِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالُوا: الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ قَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ فِي غَيْرِ آيَةٍ، وَوَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ، فَقَبُولُهُ مِنْ جِهَةِ التَّوْقِيفِ وَاجِبٌ، وَالْبَحْثُ عَنْهُ وَطَلَبُ الْكَيْفِيَّةِ لَهُ غَيْرُ جَائِزٍ
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ زَيْرَكَ الْيَزْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ النَّضْرِ النَّيْسَابُورِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى، يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، كَيْفَ اسْتَوَى؟ قَالَ: فَأَطْرَقَ مَالِكٌ رَأْسَهُ، حَتَّى عَلَاهُ الرُّحَضَاءُ ثُمَّ قَالَ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَمَا أَرَاكَ إِلَّا مُبْتَدِعًا، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يَخْرُجَ قَالَ الشَّيْخُ: وَعَلَى مِثْلِ هَذَا دَرَجَ أَكْثَرُ عُلَمَائِنَا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِوَاءِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالنِّزُولِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] وَقَالَ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210]
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يَنْزِلُ اللَّهُ عز وجل كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي
⦗ص: 117⦘
فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ " قَالَ رحمه الله: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ فِيمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَمْثَالِ هَذَا، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي تَأْوِيلِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَآمَنَ بِهِ وَلَمْ يُؤَوِّلْهُ وَوَكَلَ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ وَنَفَى الْكَيْفِيَّةَ وَالتَّشْبِيهَ عَنْهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَآمَنَ بِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي اللُّغَةِ وَلَا يُنَاقِضُ التَّوْحِيدَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي تَكَلَّمُوا فِيهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَفِي الْجُمْلَةِ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اسْتِوَاءَ اللَّهِ سبحانه وتعالى لَيْسَ بِاسْتِوَاءِ اعْتِدَالٍ عَنِ اعْوِجَاجٍ وَلَا اسْتِقْرَارٍ فِي مَكَانٍ، وَلَا مُمَّاسَّةٍ لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَكِنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ بِلَا كَيْفٍ بِلَا أَيْنَ، بَائِنٌ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَأَنَّ إِتْيَانَهُ لَيْسَ بِإِتْيَانٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَأَنَّ مَجِيئَهُ لَيْسَ بِحَرَكَةٍ، وَأَنَّ نُزُولَهُ لَيْسَ بِنَقْلَةٍ، وَأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَأَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِصُورَةٍ، وَأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بجَارِحَةٍ، وَأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَتْ بِحَدَقَةٍ، وَإِنَّمَا هَذِهِ أَوْصَافٌ جَاءَ بِهَا التَّوْقِيفُ، فَقُلْنَا بِهَا وَنَفَيْنَا عَنْهَا التَّكْيِيفَ، فَقَدْ
⦗ص: 118⦘
قَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، وَقَالَ:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]، وَقَالَ:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَقَالُوا: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفِيَّةٍ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى الْبَزَّارَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ حَمْزَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي الْحَوَارِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: كُلُّ مَا وَصَفُ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ فَتَفْسيرُهُ تِلَاوَتُهُ وَالسُّكُوتُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا تَفْسِيرُهُ يُؤَدِّي إِلَى تَكْيِيفٍ، وَتَكْيِيفُهُ يَقْتَضِي تَشْبِيهًا لَهُ بِخَلْقِهِ فِي أَوْصَافِ الْحَدَثِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} . قَالَتْ رضي الله عنها: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا رَأَيْتُمُ
⦗ص: 119⦘
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ»
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَقِيهُ الْقَفَّالُ، ثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا يُقَالُ لِلْأَصْلِ لِمَ، وَلَا كَيْفَ قَالَ الشَّيْخُ: وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْهُ: الْأَصْلُ كِتَابٌ، أَوْ سُنَّةٌ، أَوْ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ إِجْمَاعُ النَّاسِ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، فَذَكَرَهُ
بَابُ الْقَوْلِ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ عز وجل فِي الْآخِرَةِ بِالْأَبْصَارِ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [القيامة: 22] يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] يَعْنِي: مُشرِقَةً، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] ، وَلَيْسَ يَخْلُو النَّظَرُ مِنْ وُجُوهٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل عَنَى بِهِ نَظَرَ الِاعْتِبَارِ كَقَوْلِهِ: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17]، أَوْ يَكُونَ عَنَى بِهِ نَظَرَ الِانْتِظَارِ كَقَوْلِهِ:{مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 49]، أَوْ يَكُونَ عَنَى بِهِ نَظَرَ التَّعَطُّفِ وَالرَّحْمَةِ كَقَوْلِهِ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ، أَوْ يَكُونَ عَنَى الرُّؤْيَةَ كَقَوْلِهِ:{يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [محمد: 20]، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنَى بِقَوْلِهِ:{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة
: 23] نَظَرَ التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِدَارِ اسْتِدْلَالٍ وَاعْتِبَارٍ، وَإِنَّمَا هِيَ دَارُ اضْطِرَارٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَنَى نَظَرَ الِانْتِظَارِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَنَّةِ انْتِظَارٌ؛ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ مَعَهُ تنْغِيصٌ وَتَكْدِيرٌ، وَالْآيَةُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْبِشَارَةِ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ فِيمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مِنَ الْعَيْشِ السَّلِيمِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَهُمْ مُمَكَّنُونَ مِمَّا أَرَادُوا وَقَادِرُونَ عَلَيْهِ، وَإِذَا خَطَرَ بِبَالِهِمْ شَيْءٌ أُتُوا بِهِ مَعَ خُطُورِهِ بِبَالِهِمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ:{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] نَظَرَ الِانْتِظَارِ؛ وَلِأَنَّ النَّظَرَ إِذَا ذُكِرَ مَعَ ذِكْرِ الْوُجُوهِ فَمَعْنَاهُ: نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الْوَجْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]، وَأَرَادَ بِذَلِكَ تَقَلُّبَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ:{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23]، وَنَظَرُ الِانْتِظَارِ لَا يَكُونُ مَقْرُونًا بِـ «إِلَى» لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولُوا فِي نَظَرِ الِانْتِظَارِ:«إِلَى» ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل لَمَّا قَالَ:{مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 49] لَمْ يَقُلْ: «إِلَى» ؛ إِذْ كَانَ مَعْنَاهُ الِانْتِظَارَ، وَقَالَتْ بِلْقِيسُ فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهَا {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35] ، فَلمَّا أَرَادَتِ الِانْتِظَارَ لَمْ تَقُلْ:«إِلَى» . قُلْنَا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَرَادَ نَظَرَ التَّعَطُّفِ وَالرَّحْمَةِ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَطَّفُوا عَلَى خَالِقِهِمْ، فَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ صَحَّ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ النَّظَرِ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ:{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] أَنَّهَا رَائِيَةٌ تَرَى اللَّهَ عز وجل، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِلَى ثَوَابِ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ؛ لِأَنَّ ثَوَابَ اللَّهِ غَيْرُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل:{إِلَى رَبِّهَا} [القيامة: 23]، وَلَمْ يَقُلْ: إِلَى غَيْرِ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وَالْقُرْآنُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُزِيِلَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَّا بِحُجَّةٍ، أَلَا تَرَى
أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرونِ} [البقرة: 152]، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ ملَائِكَتِي أَوْ رُسُلِي، ثُمَّ نَقُولُ: إِنْ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَدَّعُوا هَذَا فِي قَوْلِهِ: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] جَازَ لِغَيْرِكُمْ أَنْ يَدَّعِيَهُ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]، فَيَقُولُ: أَرَادَ بِهَا: لَا تُدْرِكُ غَيْرَهُ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ هَذَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ: لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، وَلَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْكَافرِينَ مُطْلَقًا، كَمَا قَالَ:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] . فَلمَّا عَاقَبَ الْكُفَّارَ بِحَجْبِهِمْ عَنْ رُؤْيَتِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُثِيبُ الْمُؤْمِنِينَ بِرَفْعِ الْحِجَابِ لَهُمْ عَنْ أَعْيُنِهِمْ حَتَّى يَرَوْهُ، وَلمَّا قَالَ فِي وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [القيامة: 22] ، فَقَيَّدَهَا بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَوَصَفَهَا، فَقَالَ:{نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] ثُمَّ أَثْبَتَ لَهَا الرُّؤْيَةَ فَقَالَ: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] ، عَلِمْنَا أَنَّ الْآيَةَ الْأُخْرَى فِي نَفْيِهَا عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، وَفِي نَفْيِهَا عَنِ الْوُجُوهِ الْبَاسِرَةِ دُونَ الْوُجُوهِ النَّاضِرَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَتَيْنِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْهُ، ثُمَّ قَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّمَا نَفَى عَنْهُ الْإِدْرَاكَ دُونَ الرُّؤْيَةِ. وَالْإِدْرَاكُ هُوَ الْإِحَاطَةُ بِالْمَرْئِيِّ دُونَ الرُّؤْيَةِ، فَاللَّهُ يُرَى وَلَا يُدْرَكُ، كَمَا يُعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عز وجل يُرَى بِالْأَبْصَارِ قَوْلُ مُوسَى الْكَلِيمِ عليه السلام {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَبِيٌّ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ، قَدْ أَلْبَسَهُ اللَّهُ جِلبَابَ النَّبِيِّينَ وَعَصَمَهُ مِمَّا عَصَمَ مِنْهُ الْمُرْسَلِينَ، يَسْأَلُ رَبَّهُ مَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى مُوسَى عليه السلام فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ رَبَّهُ مُسْتَحِيلًا، وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ جَائِزَةٌ عَلَى رَبِّنَا عز وجل، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل لِمُوسَى عليه السلام:{فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] ، فَلمَّا كَانَ اللَّهُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْجَبَلَ مُستَقِرًّا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي لَوْ فَعَلَهُ لَرَآهُ مُوسَى، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُرِيَ نَفْسَهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ رُؤْيَتُهُ، وَقَوْلُهُ:{لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] أَرَادَ بِهِ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ بِدَلِيلِ مَا مَضَى مِنَ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقوْنَهُ سَلَامٌ} [الأحزاب: 44] ، وَاللِّقَاءُ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى الْحَيِّ السَّلِيمِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا رُؤْيَةَ الْعَيْنِ، وَأَهْلُ هَذِهِ التَّحِيَّةِ لَا آفَةَ بِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ:{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35]، وَقَالَ:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] . وَقَدْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ عز وجل، فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنْهُ، وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تبارك وتعالى، وَانْتَشَرَ عَنْهُ وَعَنْهُمْ إِثْبَاتُ رُؤْيَةِ اللَّهِ عز وجل فِي الْآخِرَةِ بِالْأَبْصَارِ، وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ أَقْوَالَ بَعْضِهِمْ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ، فَقَدْ أَفْرَدْنَا لِإِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ كِتَابًا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانٍ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
⦗ص: 124⦘
بِشْرَانَ، فِي آخَرِينَ بِبَغْدَادَ قَالُوا: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نُودُوا: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا لَمْ تَرَوْهُ. قَالَ: فَيَقُولُونَ: فَمَا هُوَ أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَيُزَحْزِحْنَا عَنِ النَّارِ وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ؟ قَالَ: فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ عز وجل شَيْئًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْهُ. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَرَوَاهُ هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ وَلَا أَقَرُّ لِأَعْيُنِهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تبارك وتعالى أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا هُدْبَةُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فَذَكَرَهُ قَالَ رحمه الله: وَرُوِّينَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، ثنا الْفَرَّاءُ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ زِيدُوا النَّظَرَ إِلَى ربِّهِمْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ عز وجل، قَالَ رضي الله عنه: تَابَعَهُمَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَرُوِّينَا هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، ثنا أَبُو الْأَشْهبِ هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ: الْجَنَّةُ {وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ عز وجل قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، وَقَتَادَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ الزِّيَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ ربِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا سَلَمَةُ بْنُ سَابُورَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] يَعْنِي: حُسْنَهَا {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] قَالَ: نَظَرَتْ إِلَى الْخَالِقِ
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] قَالَ: حَسَنَةٌ، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] قَالَ: تَنْظُرُ إِلَى رَبِّهَا عز وجل حَسَّنَهَا اللَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَنْضُرَ وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى رَبِّهَا قَالَ رحمه الله: وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّابِعِينَ
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، ثنا مُسَدَّدٌ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، ثنا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكِتَابِهِ وَلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَتؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخَرِ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ
⦗ص: 127⦘
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَاللِّقَاءُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ لِقَاءُ اللَّهِ عز وجل، فَقَدْ أَفْرَدَ الْبَعْثَ بِالذِّكْرِ وَقَالَ فِي حَدِيثِ دُعَاءِ التَّهَجُّدِ: وَوَعْدُكَ حَقٌّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: وَسَتَلْقَوْنَ ربَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي قِصَّةِ الْأَنْصَارِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُمُ: اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَفِي الْكِتَابِ {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْجِرَاحِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَاسَوَيْهِ، ثنا عَبْدُ الْكَرِيمِ السُّكَّرِيُّ، ثنا وَهْبُ بْنُ زَمْعَةَ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْبَاشَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، عَنْ قَوْلِهِ عز وجل {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110] ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ أَرَادَ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ خَالِقِهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا، وَلَا يُخْبِرْ بِهِ أَحَدًا
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:" كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ عز وجل فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا «وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الضَّبِّيُّ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، زَادَ عِنْدَ قَوْلِهِ» وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " ثُمَّ قَرَأَ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ ربِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: سَمِعْتُ الشَّيْخَ الْإِمَامَ أَبَا الطَّيِّبِ سَهْلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ رحمه الله يَقُولُ فِيمَا أَمْلَاهُ عَلَيْنَا فِي قَوْلِهِ: لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ بِضَمِّ التَّاءِ وَتشْدِيدِ الْمِيمِ يُرِيدُ لَا تَجْتَمِعُونَ لِرُؤْيَتِهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يُضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ عز وجل لَا يُرَى فِي جِهَةٍ كَمَا يُرَى الْمَخْلُوقُ فِي جِهَةٍ وَمَعْنَاهُ بِفَتحِ التَّاءِ لَا تُضَامُونَ لِرُؤْيَتِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ بِضَمِّهَا، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ بِالِاجْتِمَاعِ فِي جِهَةٍ وَهُوَ دُونَ تَشْدِيدِ الْمِيمِ مِنَ الضَّيْمِ مَعْنَاهُ: لَا تُظْلَمُونَ فِي رُؤْيَتِهِ بِرُؤْيَةِ بَعْضِكُمْ دُونَ بَعْضٍ وَأَنَّكُمْ تَرَوْنَهُ فِي جِهَاتِكُمْ كَلِّهَا وَهُوَ يَتَعَالَى عَنْ جِهَةٍ، قَالَ: وَالتَّشْبِيهُ بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ لِيَقِينِ الرُّؤْيَةِ دُونَ تَشْبِيهِ الْمَرْئِيِّ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّارِمِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، ثنا يُوسُفَ بْنُ مُوسَى، ثنا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ الْيَرْبُوعِيُّ، ثنا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ ربَّكُمْ عِيَانًا
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، ثنا أَبُو سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَخْبَرَهُمَا أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى ربَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَلَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«هَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ» ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ»
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَا، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالَ: قُلْنَا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَهَلْ تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهِ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: قوْلُهُ تُمَارُونَ: أَصْلُهُ تَتَمَارُونَ
⦗ص: 130⦘
فَأُسْقِطَتْ إِحْدَاهُمَا وَهُوَ مِنَ الْمِرْيَةِ وَهِيَ الشَّكُّ فِي الشَّيْءِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ، يَقُولُ: تَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلَا شَكٍّ وَلَا مِرْيَةٍ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فِي دَارِ الدُّنْيَا بِلَا شَكٍّ وَلَا مِرْيَةٍ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِيُّ، ثنا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رضي الله عنه: قَوْلُهُ «رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ» هُوَ مَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ إِرَادَةِ احْتِجَابِ الْأَعْيُنِ، عَنْ رُؤْيَتِهِ فَإِذَا أَرَادَ إِكْرَامَ أَوْلِيَائِهِ بِهَا رَفَعَ ذَلِكَ الْحِجَابَ عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِخَلْقِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا لِيَرَوهُ بِلَا كَيْفٍ، كَمَا عَرَفُوهُ بِلَا كَيْفٍ، وَقَوْلُهُ «فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ» يَعْنِي: وَالنَّاظِرُونَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ " وَلِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ شَوَاهِدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامتِ، وَجَابرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَأَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَبُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ رضي الله عنه وَرُوِّينَا فِي إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
⦗ص: 131⦘
رضي الله عنه، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ نَفْيُهَا، وَلَوْ كَانُوا فِيهِ مُخْتَلِفِينَ لَنُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ إِلَيْنَا، وَكَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ نُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَيْنَا، وَكَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي رُؤْيَتِهِ بِالْأَبْصَارِ فِي الدُّنْيَا نُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَيْنَا فَلَمَّا نُقِلَتْ رُؤْيَةُ اللَّهِ بِالْأَبْصَارِ عَنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ كَمَا نُقِلَ عَنْهُمْ فِيهَا اخْتِلَافٌ فِي الدُّنْيَا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْقَوْلِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ بِالْأَبْصَارِ فِي الْآخِرَةِ مُتَّفِقِينَ مُجْتَمِعِينَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ بَحْرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُزَنِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ هَرِمٍ الْقُرَشِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، رحمه الله يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] قَالَ: فَلَمَّا حَجَبَهُمْ فِي السَّخَطِ كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ فِي الرِّضَا
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ: ذَكَرَ إِسْحَاقُ الطَّحَّانُ الْمِصْرِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله: مَا تَقُولُ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ؟ فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ أَسَدٍ اقْضِ عَلَيَّ حَيِيتَ أَوْ مِتَّ أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي أَقُولُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْنِي
بَابٌ الْقَوْلُ فِي الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ قَالَ اللَّهُ عز وجل {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12] وَقَالَ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] وَقَالَ: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] وَقَالَ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وَالْقَدَرُ اسْمٌ لِمَا صَدَرَ مُقدَّرًا عَنْ فِعْلِ الْقَادِرِ، يُقَالُ: قَدَّرْتُ الشَّيْءَ وَقَدَرْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فَهُوَ قَدَرٌ أَيْ: مَقْدُورٌ وَمُقَدَّرٌ، كَمَا يُقَالُ: هَدَمْتُ الْبِنَاءَ فَهُوَ هَدْمٌ أَيْ: مَهْدُومٌ، وَقَبَضْتُ الشَّيْءَ فَهُوَ قَبْضٌ أَيْ: مَقْبُوضٌ، فَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ هُوَ الْإِيمَانُ بِتَقَدُّمِ عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ أَكْسَابِ الْخَلْقِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَصُدُورِ جَمِيعِهَا عَنْ تَقْدِيرٍ مِنْهُ، وَخَلَقَ لَهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، ثنا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، ثنا
⦗ص: 133⦘
كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ فَانْطلَقْنَا حُجَّاجًا أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا قَدِمْنَا قُلْنَا: لَوْ لَقِينَا بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فِي الْقَدَرِ؟ قَالَ: فَوَافَقْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ قَالَ يَحْيَى: فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي يَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ ظَهَرَ قَبْلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَعْرِفُونَ الْعِلْمَ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَإِنَّمَا الْأَمْرُ أُنُفٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَإِذَا لَقِيتُمْ أُولَئِكَ فَأَخْبِرُوهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مِنِّي بُرَآءُ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ عز وجل مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا نَعْرِفُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ السَّبِيلَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: صَدَقْتَ، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ
⦗ص: 134⦘
الْإِيمَانِ مَا الْإِيمَانُ؟ فَقَالَ: الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَقَالَ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ مَا الْإِحْسَانُ؟ فَقَال: الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ فَحَدِّثْنِي عَنِ السَّاعَةِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟ قَال: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاةِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبِنَاءِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عُمَرُ مَا تُدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ، قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ عليه السلام أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ بِشْرَانَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا أَبُو سِنَانٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَابْنُ يَعْمَرَ جَالِسَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي سُؤَالِ الرَّجُلِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْإِيمَانِ، وَقَالَ فِي جَوَابِهِ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا سُفْيَانُ وَأَخْبَرَنَا أَبُو ذَرِّ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْمُذَكِّرُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ الزَّاهِدُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُؤَدِّبُ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ السَّهْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخَاصِمُونَهُ فِي الْقَدَرِ قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرٍ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 48]
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، قَالَ وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ
⦗ص: 136⦘
حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ أَوِ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا مُحَمَّدٌ الصَّيْرَفِيُّ، بِمَرْوَ، ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدُ الْمُقْرِئُ، ثنا حَيَوَةُ، ثنا أَبُو هَانِئٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ
وَأَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ الْهُذَلِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ أَبِي حَفْصَةَ قَالَ: قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لَابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْحَافِظُ رحمه الله بِبَغْدَادَ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا إِبْرَاهِيمُ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فِي جِنَازَةٍ فَقَال: مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 6] قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَقَوْلُهُ «فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» يُرِيدُ أَنَّهُ مُيَسَّرٌ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ لِلْعَمَلِ الَّذِي سَبَقَ لَهُ الْقَدَرُ بِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَكَوْنِهِ، وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ الَّذِي هُوَ أَمَارَةٌ لَهُ لِيَكُونَ رَاجِيًا خَائِفًا
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، بِبَغْدَادَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، رضي الله عنه قَالَ: ثنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ
⦗ص: 138⦘
فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ: اكْتُبْ رِزْقَهُ، وَعَمَلَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌ هُوَ أَمْ سَعِيدٌ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عليهما السلام فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى، اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي، قَالَ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى قَالَ رحمه الله: وَرَوَاهُ أَيْضًا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ نَظِيفٍ الْمِصْرِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمَوْتِ إِملَاءً، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ
⦗ص: 139⦘
، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ، ثنا أَبُو السَّرِيِّ مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَسْقَلَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ عليه السلام طُبِعَ كَافِرًا وَلَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا
أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَيْرِ جَامِعُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَكِيلُ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ، أنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدَآبَاذِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَالَ رحمه الله: وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَزَادَ فِيهِ: وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ، بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، ثنا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، وَكَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا غُلَّامُ أَوْ يَا
⦗ص: 140⦘
بُنَيَّ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ:«احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ فَاعْمَلْ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ فِي الْيَقِينِ، وَاعْلمْ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» قَالَ الْأُسْتَاذُ رحمه الله: وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ «جَفَّتِ الصُّحُفُ ورُفِعَتِ الْأَقْلَامُ» وَلهَذَا الْحَدِيثِ شَوَاهِدُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، وَحَدِيثُ «السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ لَا» يُخَالِفُ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْمَقَادِيرِ، وَجَرَيَانِ الْقَلَمِ بِمَا يَكُونُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَسْعَدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَنْ جَرَى الْقَلَمُ بِسَعَادَتِهِ وَإِنَّمَا جَرَى الْقَلَمُ بِسَعَادَةِ مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَفِي تَقْدِيرِهِ سَعَادَتُهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل عَلِمَ قبْلَ أَنْ يَكْتُبَ وَكَتَبَ
⦗ص: 141⦘
قبْلَ أَنْ يَخْلُقَ فَمَضَى الْخَلْقُ عَلَى عِلْمِهِ وَكِتَابِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبَا خُزَامَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ دَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَرُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَتُقًى نَتَّقِيهِ هَلْ يَرُدُّ ذَلِكَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: وَالَّذِي يَشْهَدُ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ قوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» فَهُوَ إِذَا تَدَاوَى أَوِ اسْتَرْقَى أَوِ اتَّقَى فَبِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَتَيْسِيرِهِ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ مِنْهُ فِعْلُ ذَلِكَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
بَابٌ الْقَوْلُ فِي خَلْقِ الْأَفْعَالِ قَالَ اللَّهُ عز وجل {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [غافر: 62] فَدَخَلَ فِيهِ الْأَعْيَانُ وَالْأَفْعَالُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَقَالَ:{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] فَنَفَى أَنْ يَكُونَ خَالِقٌ غَيْرَهُ وَنَفَى أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ سِوَاهُ غَيْرَ مَخْلُوقٍ، فَلَوْ كَانَتِ الْأَفْعَالُ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ لَكَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقَ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ جَمِيعِهَا، وَهَذَا خِلَافُ الْآيَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَفْعَالَ أَكْثَرُ مِنَ الْأَعْيَانِ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ خَالِقَ الْأَعْيَانِ وَالنَّاسُ خَالِقِي الْأَفْعَالِ لَكَانَ خَلْقُ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ خَلْقِهِ وَلَكَانُوا أَتَمَّ قُوَّةً مِنْهُ وَأَوْلَى بِصِفَةِ الْمَدْحِ مِنْ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ؛ وَلَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] فَأَخْبَرَ أَنَّ أَعْمَالَهُمْ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {قَالَ أَتعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] قَالَ: الْأَصْنَامُ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا
⦗ص: 143⦘
تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] قَالَ: خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ مَا تَعْمَلُونَ بِأَيْدِيكُمْ قُلْنَا: وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101] فَامْتَدَحَ بِالْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا، فَكَمَا لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ عِلْمِهِ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ غَيْرُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَلِأَنَّهُ قَالَ:{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14] فَأَخْبَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ وَسِرَّهُمْ وَجَهْرَهُمْ خَلَقَهُ وَهُوَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلِيمٌ. وَقَالَ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: 43] كَمَا قَالَ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم: 44] فَكَمَا كَانَ مُمِيتًا مُحْيِيًا بِأَنْ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ كَانَ مُضْحِكًا مُبْكِيًا بِأَنْ خَلَقَ الضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ، وَقَدْ يَضْحَكُ الْكَافِرُ سُرُورًا بِقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُ كُفْرٌ، وَقَدْ يَبْكِي حُزْنًا بِظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُ كُفْرٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ خَلْقِهِ وَإِحْدَاثِهِ إِيَّاهَا؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ:{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] وَقَالَ: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64] فَسَلَبَ عَنْهُمْ فِعْلَ الْقَتْلِ وَالرَّمْيِ وَالزَّرْعِ مَعَ مُبَاشَرَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَأَثْبَتَ فِعْلَهَا لِنَفْسِهِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرَ فِي وُجُودِهَا بَعْدَ عَدَمِهَا هُوَ إِيجَادُهُ وَخَلْقُهُ، وَإِنَّمَا وُجِدَتْ مِنْ عِبَادِهِ مُبَاشَرَةُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ بِقُدْرَةٍ حَادِثَةٍ أَحْدَثَهَا خَالِقُنَا عز وجل عَلَى مَا أَرَادَ فَهِيَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ خَلْقٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي اخْتَرَعَهَا بِقُدْرَتِهِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ مِنْ عِبَادِهِ
⦗ص: 144⦘
كَسْبٌ عَلَى مَعْنَى تَعَلُّقِ قُدْرَةٍ حَادِثَةٍ بِمُبَاشَرَتِهِمُ الَّتِي هِيَ أَكْسَابُهُمْ وَوُقُوعُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ أَوْ بَعْضِهَا عَلَى وُجُوهٍ تُخَالِفُ قَصْدَ مُكْتَسِبِهَا يَدُلُّ عَلَى مُوقِعٍ أَوْقَعَهَا عَلَى مَا أَرَادَ غَيْرِ مُكْتَسِبِهَا وَهُوَ اللَّهُ ربُّنَا خَلَقَنَا، وَخَلَقَ أَفْعَالَنَا لَا شَرِيكَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يُعَبِّرُ عَنْ هَذَا بِعِبَارَةٍ حَسَنَةٍ، فَيَقُولُ فِعْلُ الْقَادِرِ الْقَدِيمِ خَلْقٌ وَفِعْلُ الْقَادِرِ الْمُحْدَثِ كَسْبٌ فَتَعَالَى الْقَدِيمُ عَنِ الْكَسْبِ وَجَلَّ وَصَغُرَ الْمُحْدَثُ عَنِ الْخَلْقِ وَذَلَّ، وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَسْبَ الْعِبَادِ وَخَلْقَهُ كَسْبَهُمْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَفِي كِتَابِ الْقَدَرِ مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ هَاهُنَا، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ جَاءَتِ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِميُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، ثنا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتُهُ»
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا هِشَامٌ، ح وأنا أَبُو عَبْدُ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ السَّكَنِ الْوَاسِطِيُّ، ثنا الْقَوَارِيرِيُّ، ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ خَلِيقَتَانِ يُنْصَبَانِ لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الْمَعْرُوفَ وَالْمُنْكَرَ خَلِيقَتَانِ يُنْصَبَانِ لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَمَّا الْمَعْرُوفُ فَيَعِدُ أَهْلَهُ الْخَيْرَ وَيُمَنِّيهِ، وَأَمَّا الْمُنْكَرُ
⦗ص: 145⦘
فَيَقُولُ إِلَيْكُمْ، وَمَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُ إِلَّا لُزُومًا»
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الدَّامَغَانِيُّ نَزِيلُ بَيْهَقَ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَبُو عَمَّارٍ، نا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ الرَّهَاوِيِّ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْكَلَاعِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا خَلَقْتُ الْخَيْرَ وَقَدَّرْتُهُ فَطُوبَى لِمَنْ خَلَقْتُهُ لِلخَيْرِ وَخَلَقْتُ الْخَيْرَ لَهُ وَأَجْرَيْتُ الْخَيْرَ عَلَى يَدَيْهِ أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا خَلَقْتُ الشَّرَّ وَقَدَّرْتُهُ فَوَيْلٌ لِمَنْ خَلَقْتُ الشَّرَّ لَهُ وَخَلَقْتُهُ لِلشَّرِّ وَأَجْرَيْتُ الشَّرَّ عَلَى يَدَيْهِ " وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ: الْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ «فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِرْشَادُ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْأَدَبِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عز وجل وَالْمَدْحِ لَهُ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَحَاسِنُ الْأُمُورِ دُونَ مَسَاوِيهَا، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ إِدْخَالَ شَيْءٍ فِي قُدْرَتِهِ وَنَفْيِ ضِدِّهِ عَنْهُ، فَقَدْ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ» وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ «وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ» وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ " وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَهْدِي قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ وَيَعْصِمَ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ آخَرِينَ وَمَنْ لَمْ يَهْدِهِ وَلَمْ يَعْصِمْهُ فَقَدْ خَذَلَهُ وَمَنْ خَذَلَهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْرًا، قَالَ اللَّهُ عز وجل {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة: 41] وَكَانَ النَّضْرُ بْنُ
شُمَيْلٍ يَقُولُ: مَعْنَاهُ الشَّرُّ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ الدُّورِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» تَفْسِيرُهُ: وَالشَّرُّ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، فِي آخَرِينَ قَالُوا: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنا حَمَّادٌ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، ثنا مُطَرِّفٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعُلِمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: فَفِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا
⦗ص: 147⦘
خُلِقَ لَهُ " وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» أَوْ كَمَا قَالَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَأَعْلَمَهُمْ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْعِلْمَ السَّابِقَ فِي أَمْرِهِمْ وَاقِعٌ عَلَى مَعْنَى تَدْبِيرِ الرُّبُوبِيَّةِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ تَكْلِيفَهُمُ الْعَمَلَ بِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْخَلْقِ مُيَسَّرٌ لِمَا دُبِّرَ لَهُ فِي الْغَيْبِ فَيَسُوقُهُ الْعَمَلُ إِلَى مَا كُتِبَ لَهُ مِنْ سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٍ فَيُثَابُ وَيُعَاقَبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَازَاةِ، فَمَعْنَى الْعَمَلِ التَّعْرِيضُ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَبِهِ وَقَعَتِ الْحُجَّةُ وَعَلَيْهِ دَارَتِ الْمُعَامَلَةُ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ رحمه الله يَقُولُ: أَعْمَالُنَا أَعْلَامُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. قُلْنَا: وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِذَا خَلَقَ كَسْبَهُ وَيَسَّرَهُ لِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ عَاقَبَهُ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ ظُلْمًا، كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إِذَا مَكَّنَهُ مِنْهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ غَيْرُهُ ثُمَّ عَاقَبَهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ ظُلْمًا؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَالَّذِي هُوَ خَالِقُنَا وَخَالِقُ أَكسَابِنَا لَا آمِرَ فَوْقَهُ وَلَا حَادَّ دُونَهُ وَكُلُّ مَنْ سِوَاهُ خَلْقُهُ وَمِلْكُهُ فَهُوَ يَفْعَلُ فِي مُلْكِهِ مَا يَشَاءُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الْفَقِيهُ الزِّيَادِيُّ، أنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ
⦗ص: 148⦘
، ثنا أَبُو قِلَابَةَ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، (ح) وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أنا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدَّيْلِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ أَوْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ صلى الله عليه وسلم وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَقَالَ أَفَلَا يَكُونُ ظُلْمًا؟ قَالَ فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا وَقُلْتُ: كُلُّ شَيْءٍ خَلْقُ اللَّهِ وَمِلْكُ يَدِهِ فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، فَقَالَ لِي: يَرْحَمُكَ اللَّهُ إِنِّي لَمْ أُرِدْ بِمَا سَأَلْتُكَ عَنْهُ إِلَّا لِأُحْرِزَ عَقْلَكَ، إِنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فَيهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ أَوْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ صلى الله عليه وسلم وَثَبَتَتَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فَيهِمْ، قَالَ: فَفِيمَ نَعْمَلُ إِذًا؟ قَالَ: مَنْ كَانَ اللَّهُ خَلَقَهُ لِوَاحِدَةٍ مِنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ يَسَّرَهُ لَهَا، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، ثنا أَبُو سِنَانٍ سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ خَالِدٍ الْحِمْصِيَّ، يُحَدِّثُنَا عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ فَأَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ: أَبَا الْمُنْذِرِ، وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَلَاكُ دِينِي أَوْ أَمْرِي، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنَّ لَكَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ أَخِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَتَسْأَلُهُ، فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِي: لَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَتَسْأَلُهُ، فَأَتَيَتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: ائْتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَسَلْهُ، فَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رحمه الله: تَابَعَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَرَوَاهُ فِي جَامِعِهِ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ هَذَا وَرَوَاهُ أَيْضًا كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فِي أَوَّلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُذَيْفَةَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الصَّغَانِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنهما: وَدِدْتُ أَنِّي أَجِدُ مَنْ أُخَاصِمُ إِلَيْهِ رَبِّي، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَنَا فَقَالَ عَمْرٌو: أَيُقَدِّرُ عَلَيَّ شَيْئًا وَيُعَذِّبُنِي عَلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه
⦗ص: 150⦘
: نَعَمْ، قَالَ: لِمَ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَظْلِمُكَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ: لَمْ أُخَاصِمْ بِعَقْلِي كُلِّهِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ غَيْرَ أَصْحَابِ الْقَدَرِ، قُلُتْ أَخْبِرْنِي عَنِ الظُّلْمِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا هُوَ؟ قَالَ: أَنْ يَأَخُذَ الرَّجُلُ مَا لَيْسَ لَهُ، قُلْتُ: فَإِنَّ اللَّهَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: الظُّلْمُ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ فِعْلُ مَا لَيْسَ لِلْفَاعِلِ فِعْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ اللَّهُ إِلَّا وَلَهُ فِعْلُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَاعِلٌ بِالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ وَالْبَهَائِمِ مَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ، فَقَالَ:{أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح: 25] فَأَغْرَقَهُمْ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ، وَقَالَ:{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41] وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي تَعْذِيبِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ بِأَنْوَاعِ الْبَلَاءِ
بَابٌ الْقَوْلُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِضْلَالِ قَالَ اللَّهُ عز وجل {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} وَقَالَ: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجَعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39] وَقَالَ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] وَقَالَ مَعْنَاهُ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ كَتَبْنَاهَا فِي كِتَابِ الْقَدَرِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، نا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ: ثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمِّهِ: " قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي نِسَاءُ قُرَيْشٍ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] " وَرَوَاهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بْنِ حَزْنٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فِي آخَرِينَ قَالَا، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ، نا بِشْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: وَقَوْلُهُ «بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ» أَرَادَ بِهِ كَوْنَ الْقَلْبِ تَحْتَ قُدْرَةِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عز وجل ربُّنَا عَلَى الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يَقُولُونَ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] وَفِيهِ وَفِي السُّنَّةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنْ شَاءَ هَدَاهُمْ وَثَبَّتَهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَ قُلُوبَهُمْ وَأَضَلَّهُمْ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ زَيْغِ الْقُلُوبِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ
⦗ص: 153⦘
الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ، نا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ، نا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:" لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَا هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَارَبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَمِنْ شَرِّ مَا مَنَعْتَنَا، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ إِلَهَ الْحَقِّ "
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ قَالَ، نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ قَالَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} [المائدة: 74] قَالَ: قَدْ دَعَا اللَّهُ إِلَى تَوْبَتِهِ وَلَكِنْ لَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ أَنْ يَتُوبَ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قوْلُهُ {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: 118] فَبَدْءُ التَّوْبَةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
وَبِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] يَقُولُ يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ، يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ، وَقَوْلُهُ {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110] قَالَ: لَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَحِيلَ بيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْهُدَى كَمَا حِيلَ بَيْنَهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ {ربَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88] فَاسَتَجَابَ اللَّهُ لِمُوسَى عليه السلام وَحَالَ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ حَتَّى أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ فَلَنْ يَنْفَعَهُ الْإِيمَانُ، وَقَوْلُهُ {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39] يَقُولُ: أَضْلَلْتَنِي، وَقَوْلُهُ {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 162] يَقُولُ: لَا تَضِلُّونَ أَنْتُمْ وَلَا أُضِلُّ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ قَضَيْتُ لَهُ أَنَّهُ صَالِ الْجَحِيمِ، وَقَوْلُهُ {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: 108] قَالَ: زَيَّنَ لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمُ الَّذِي يَعْمَلُونَ حَتَّى يَمُوتُوا، وَقَوْلُهُ عز وجل {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا} [الأعراف: 179] خَلَقْنَا {مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 38] وَقَوْلُهُ {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: 29] وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل بَدَأَ خَلْقَ ابْنِ آدَمَ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا كَمَا قَالَ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن: 2] ثُمَّ يُعِيدُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا بَدَأَ خَلْقَهُمْ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17] يَقُولُ: بَيَّنَّا لَهُمْ، وَقَوْلُهُ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا
⦗ص: 155⦘
إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] يَقُولُ: أَمَرَ، وَقَوْلُهُ {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: 78] يَقُولُ: الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَمَّا الْحَسَنَةُ فَأَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكَ، وَأَمَّا السَّيِّئَةُ فَابْتَلَاكَ اللَّهُ بِهَا. قَوْلُهُ {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] قَالَ: الْحَسَنَةُ مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا أَصَابَ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَتْحِ، وَالسَّيِّئَةُ مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ أَنْ شُجَّ فِي وَجْهِهِ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، هَذَا كُلُّهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] أَيْ: مَا خَلَقْتُ مَنْ يَعْبُدُنِي إِلَّا لِيَعْبُدَنِي، وَفِي قَوْلِهِ {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] قَالَ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ يُسَبِّحُ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] أَيْ: إِلَّا لِآمُرَ أَهْلَ التَّكْلِيفِ مِنْهُمْ بِعِبَادَتِي وَقِيلَ: إِلَّا لِتَكُونُوا لِي عِبَادًا، كَقَوْلِهِ {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93]
بَابٌ الْقَوْلُ فِي وُقُوعِ أَفْعَالِ الْعَبْدِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ عز وجل قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فَأَخْبَرَ أَنَّا لَا نَشَاءُ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ شَاءَ وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] وَقَالَ: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] وَقَالَ: {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: 111] وَقَالَ: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125] وَقَالَ: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة: 41] وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَاتِ كَثِيرَةٌ قَدْ كَتَبْنَاهَا فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَفِي كِتَابِ الْقَدَرِ
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ قَالَ: أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ، نا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ
⦗ص: 157⦘
عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، قَالَ، نا شُعْبَةُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَسَارٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فَلَانٌ "
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، قَالَ: أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: «الْمَشِيئَةُ إِرَادَةُ اللَّهِ عز وجل، قَالَ اللَّهُ عز وجل {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فَأَعْلَمَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ لَهُ دُونَ خَلْقِهِ وَأَنَّ مَشِيئَتَهُمْ لَا تَكُونُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ»
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ح وأنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ، أنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ كُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هَلْ لِلْإِسْلَامِ مِنْ مُنْتهًى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ أَوِ الْعَجَمِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، فَقَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ تَقَعُ الْفِتَنُ كَأَنَّهَا الظُّلَلُ "
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ، أنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ قَالَ، أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ، قَالَ، أنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ، أنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْجَبُوا بِأَحَدٍ حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَا يُخْتَمُ لَهُ فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمُرِهِ أَوْ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلَا سَيِّئًا، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ قَبْلَ
⦗ص: 158⦘
مَوْتِهِ زَمَانًا مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّءٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ لَدَخَلَ النَّارَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ "
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقُ، قَالَ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: فَمَالِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَغُرَّتُهُمْ؟ قَالَ اللَّهُ عز وجل لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكَ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا "
أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ رحمه الله قَالَ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّرَقِيِّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى
⦗ص: 159⦘
الذُّهْلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رحمه الله يَقُولُ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعْصَى لَمْ يَخْلُقْ إِبْلِيسَ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل وَفَصَّلَهَا، عَلِمَهَا مَنْ عَلِمَهَا وَجَهِلَهَا مَنْ جَهِلَهَا {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163] وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ خَبَرٌ مَرْفُوعٌ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَوْصِلِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ فَاحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاستَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكذَا وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ اللَّوَّ يَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ "
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّعْبِيُّ قَالَ، أنا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ، أنا أَبُو خَلِيفَةَ، قَالَ، نا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ، ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، يَقُولُ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعْصَى مَا خَلَقَ إِبْلِيسَ
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا أَبَا بَكْرٍ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعْصَى مَا خَلَقَ إِبْلِيسَ "
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّرَائِفِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ عز وجل {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المائدة: 41] يَقُولُ: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ ضَلَالَتَهُ فَلَنْ تُغْنِيَ عَنْهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَقَوْلُهُ {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ} [الزمر: 7] يَعْنِي: الْكُفَّارَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ فَيَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] وَهُمْ عِبَادُهُ الْمُخْلِصُونَ الَّذِينَ قَالَ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] فَأَلْزَمَهُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحَبَّبَهَا إِلَيْهِمْ وَفِي قَوْلِهِ {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] يَقُولُ سَلَّطْنَا شِرَارَهَا فَعَصَوْا فِيهَا فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ عز وجل {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا} [الأنعام: 123] وَفِي قَوْلِهِ {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} [يس: 66] يَقُولُ أَضْلَلْنَاهُمْ عَنِ الْهُدَى فَكَيْفَ يَهْتَدُونَ؟ وَقَالَ: مَنْ أَعْمَيْنَاهُمْ عَنِ الْهُدَى، وَفِي قَوْلِهِ {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] يَقُولُ: مَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ الْإِيمَانَ آمَنَ وَمَنْ شَاءَ لَهُ الْكُفْرَ كَفَرَ، وَهُوَ قوْلُهُ عز وجل {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وَفِي قَوْلِهِ عز وجل {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148] قَالَ: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الأنعام: 148] ثُمَّ قَالَ: {وَلَوْ
⦗ص: 161⦘
شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام: 107] وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: 9] يَقُولُ اللَّهُ: لَوْ شِئْتُ لَجَمَعْتُهُمْ عَلَى الْهُدَى أَجْمَعِينَ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى {جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} [يس: 8] وَقَوْلُهُ تَعَالَى {مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف: 28] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] ، وَنحْوُ هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يُؤْمِنَ جَمِيعُ النَّاسِ وَيُبَايِعُوهُ عَلَى الْهُدَى، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ إِلَّا مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ وَلَا يَضِلُّ إِلَّا مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ الشَّقَاوَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: وَقَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ» ، وَهَذَا كَلَامٌ أَخَذَتْهُ الصَّحَابَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 162⦘
، وَأَخَذَهُ التَّابِعُونَ عَنْهُمْ وَلَمْ يَزَلْ يَأْخُذُهُ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَصَارَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَنَفَى أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدُ كَسْبًا يَنْفَعُهُ أَوْ يَضُرُّهُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ، أنا الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَطَّارُ قَالَ، نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سُئِلَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه عَنِ الْقَدَرِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر المتقارب]
مَا شِئْتَ كَانَ وَإِنْ لَمْ أَشَأْ
…
وَمَا شِئْتُ إِنْ لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ
خَلَقْتَ الْعِبَادَ عَلَى مَا عَلِمْ
…
تَ فَفِي الْعِلْمِ يَجْرِي الْفَتَى وَالْمُسِنْ
عَلَى ذَا مَنَنْتَ وَهَذَا خَذَلْتَ
…
وَهَذَا أَعَنْتَ وَذَا لَمْ تُعِنْ
فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَمِنْهُمْ سَعِيدٌ
…
وَمِنْهُمْ قَبِيحٌ وَمِنْهُمْ حَسَنْ
وَعَلَى نَحْوِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي إِثْبَاتِ الْقَدَرِ لِلَّهِ، وَوُقُوعِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ دَرَجَ أَعْلَامُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ذَهَبَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ: الْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُمْ رضي الله عنهم، وَحَكَيْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مِثْلَ ذَلِكَ وَهُوَ فِيمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ
⦗ص: 163⦘
الْمُزَكِّي يَقُولُ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ، نا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِصْمَةَ يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ مَنْ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ؟ قَالَ: مَنْ فَضَّلَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَحَبَّ عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ وَآمَنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللَّهِ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يُكَفِّرْ مُؤْمِنًا بِذَنْبٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِي اللَّهِ بِشَيْءٍ