الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ الْقَوْلُ فِي الْأَطْفَالِ أَنَّهُمْ يُولَدُونَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ كَمَا تَنَاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ مِنْ جَدْعَاءَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ «آخِرُ هَذَا الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ بَيَانُ حُكْمِهِ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيِّ
⦗ص: 165⦘
عِنْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ " هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْخَلْقَ فَجَعَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يُفْصِحُوا بِالْقَوْلِ فَيَخْتَارُوا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ، الْإِيمَانَ أَوِ الْكُفْرَ لَا حُكْمَ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا الْحُكْمُ لَهُمْ بِآبَائِهِمْ، فَمَنْ كَانَ آبَاؤُهُمْ يَوْمَ يُولَدُونَ فَهُمْ بِحَالِهِمْ إِمَّا مُؤْمِنٌ فَعَلَى إِيمَانِهِ وَإِمَّا كَافِرٌ فَعَلَى كُفِرِهِ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: الَّذِي يُؤَكِّدُ هَذَا مَا رَوَى الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْحَدِيثِ «فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ» فَأَمَّا حُكْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَبَيَانُهُ فِي آخِرِ الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» فَحُكْمُهُمْ فِي الدُّنْيَا فِي النِّكَاحِ وَالْمَوَارِيثِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا حُكْمُ آبَائِهِمْ حَتَّى يُعْرِبُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِأَحَدِهِمَا، وَحُكْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ مَوْكُولٌ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ عز وجل فَيهِمْ. وَعَلَى مِثْلِ هَذَا يَدُلُّ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ
أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْمُذَكِّرِ قَالَ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الزَّاهِدُ قَالَ، نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُؤَدِّبُ قَالَ، نا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا وَلَمْ يَدْرِهِ، فَقَال: أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا خَلَقَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا خَلَقَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ " فَهَذَا الْحَدِيثُ يَمْنَعُ مَنْ قَطَعَ الْقَوْلَ بِكَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّةِ
⦗ص: 166⦘
وَحَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ أَنَّهُ طُبِعَ كَافِرًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ. وَقَدْ رُوِّينَا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْقَدَرِ أَخْبَارًا فِي أَنَّ أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ مَعَ آبَائِهِمْ فِي النَّارِ وَأَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ آبَائِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَأَخبَارًا غَيْرَ قَوِيَّةٍ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ خُدَّامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَا صَحَّ مِنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُمْ مَوْكُولٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى مَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَكَتَبَ لَهُ السَّعَادَةَ أَوِ الشَّقَاوَةَ، وَقَدْ قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى أَكْرَمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِأَنْ أَلْحَقَ بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّغَانِيُّ، بِمَكَّةَ قَالَ، نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ، أنا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ عز وجل:(أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) قَالَ: اللَّهُ عز وجل يَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ ثُمَّ قَرَأَ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يَقُولُ: وَمَا نَقَصْنَاهُمْ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سُمَاعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ قَالَ، نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى
⦗ص: 167⦘
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) يَعْنِي: بِإِيمَانٍ فَأَدْخَلَ اللَّهُ عز وجل الْأَبْنَاءَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ الْجَنَّةَ " قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي وَلَدِ الْأَنْصَارِيِّ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَجَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْلُومِ فِي جَرَيَانِ الْقَلَمِ بِسَعَادَةِ كُلِّ نَسَمَةٍ أَوْ شَقَاوَتِهَا فَمَنَعَ مِنَ الْقَطْعِ بِكَوْنِهِ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّتَهُ بِإِلْحَاقِ ذُرِّيَّةِ الْمُؤْمِنِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلُوا عَمَلَهُ، فَجَاءَتْ أَخْبَارٌ بِدُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ فَعَلِمْنَا بِهَا جَرَيَانَ الْقَلَمِ بِسَعَادَتِهِمْ، فَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ» أو قال: «دَعَامِيصُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَيْضًا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ عليهما السلام، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُفِعُوا إِلَى آبَائِهِمْ» وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي هَلَكَ ابْنٌ لَهُ قَالَ: فَعَزَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " يَا فُلَانُ أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: أَنْ تُمَتَّعَ بِهِ عُمْرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ؟ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ، قَالَ فَذَاكَ لَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ أَهَذَا لِهَذَا خَاصَّةً أَوْ مَنْ هَلَكَ لَهُ طِفْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَاكَ لَهُ؟ قَالَ: مَنْ هَلَكَ لَهُ طِفْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ "
⦗ص: 168⦘
كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَأَسَانِيدُ هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ غَيْرِهَا ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ الصَّبْرِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِيمَنْ وَافَى أَبَوَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُؤْمِنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَيَلْحَقُ بِالْمُؤْمِنِ ذُرِّيَّتُهُ كَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ، وَيُسْتَفْتَحُ لَهُ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَيُحْكَمُ لَهَا بِأَنَّهَا كَانَتْ مِمَّنْ جَرَى لَهُ الْقَلَمُ بِالسَّعَادَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ مَا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل بِفَضْلِ نِعْمَتِهِ أَثَابَ النَّاسَ عَلَى الْأَعْمَالِ أَضْعَافَهَا، وَمَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ أَلْحَقَ بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَوَفَّرَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فَقَالَ:(أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فَلَمَّا مَنَّ عَلَى الذَّرَارِي بِإِدْخَالِهِمْ جَنَّتَهُ بِلَا عَمَلٍ كَانَ أَنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ عَمَلَ الْبِرِّ فِي الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى قَالَ: وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ فِي أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله: وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ فِي جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُوَافُونَ الْقِيَامَةَ مُؤْمِنِينَ وَإِلحَاقِ ذُرِّيَّتِهِمْ بِهِمْ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَجَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ إِلَّا أَنَّ الْقَطْعَ بِهِ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِعَيْنِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِمَا يُخْشَى مِنْ تَغَيُّرِ حَالِهِ فِي الْعَاقِبَةِ، وَرُجُوعِهِ إِلَى مَا كُتِبَ لَهُ مِنَ الشَّقَاوَةِ فَكَذَلِكَ قَطْعُ الْقَوْلِ بِهِ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْمَوْلُودِينَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِعَدَمِ عِلْمِنَا بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ حَالُ مَتْبُوعِهِ وَبِمَا جَرَى لَهُ بِهِ الْقَلَمُ فِي الْأَزَلِ مِنَ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ، وَكَانَ إِنْكَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقَطْعَ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ
⦗ص: 169⦘
رضي الله عنها، وَعَنْ أَبِيهَا لِهَذَا الْمَعْنَى، فَنَقُولُ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَلَا نَقْطَعُ الْقَوْلَ بِهِ فِي آحَادِهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ جَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ قَالَ بِالطَّرِيقَةِ الْأُولَى فِي التَّوَقُّفِ فِي أَمْرِهِمْ جَعَلَ امْتِحَانَهُمْ وَامْتِحَانَ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ
مُحْتَجًّا بِمَا أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، ثنا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سُرَيْعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي يَدُلُّونَ عَلَى اللَّهِ بِحُجَّةٍ رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ، فَأَمَّا الْأَصَمُ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونَنِي بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الْهَرِمُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي فَتْرَةٍ فَيَقُولُ: رَبِّ مَا آتَانِي الرَّسُولُ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ وَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا مَا كَانَتْ عَلَيْهِمْ إِلَّا بَرْدًا وَسَلَامًا " وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ
وَرَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالْمَعْتُوهِ
⦗ص: 170⦘
وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَيَتَكَلَّمُونَ بِحُجَّتِهِمْ وَعُذْرِهِمْ فَيَأْتِي عُنُقٌ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ لَهُمْ رَبُّهُمْ: إِنِّي كُنْتُ أُرْسِلُ إِلَى النَّاسِ رُسُلًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنِّي رَسُولُ نَفْسِي إِلَيْكُمُ ادْخُلُوا هَذِهِ النَّارَ فَأَمَّا مَنْ كَتَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاوَةَ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا مِنْهَا فَرَرْنَا، وَأَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى يَدْخُلُوهَا فَيَدْخُلُ هَؤُلَاءِ الْجَنَّةَ، وَيَدْخُلُ هَؤُلَاءِ النَّارَ، فَيَقُولُ لِلَّذِينَ كَانُوا لَمْ يُطِيعُوهُ: قَدْ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا النَّارَ فَعَصَيْتُمُونِي وَقَدْ عَايَنْتُمُونِي فَأَنْتُمْ لِرُسُلِي كُنْتُمْ أَشَدَّ تَكْذِيبًا " أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: نا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ قَالَ: نا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، أنا ابْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْبَانُ، عَنْ لَيْثٍ فَذَكَرَهُ، قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله: وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَنْ قَالَ بِالطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ لَمْ يُوَافِ أَحَدَ أَبَوَيْهِ الْقِيَامَةَ مُؤْمِنًا يُجْعَلُ امْتِحَانُهُ فِي الْآخِرَةِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ مُتَّبِعًا يَلْحَقُ بِهِ فِي الْجَنَّةِ