الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحرير عنوان الكتاب
هذا الكتاب جوابٌ مبسوطٌ عن استفتاء وُجِّه لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، شأن كثير من كتب الشيخ ورسائله التي يتعذَّر إحصاؤها لكثرتها مما هي في أصلها جوابٌ عن سؤال سائل
(1)
.
وكدأب تلك الرسائل والفتاوى التي لم يحفل الشيخ بتسميتها، وإنما عُرِفت بموضوعها أو باسم السائل المستفتي أو بلده ونحو ذلك من القرائن المعرِّفة، لم تُسَمَّ مسألتنا هذه في الأصل الخطي الذي اعتمدنا عليه، وهو مجموعٌ مشتملٌ على مسائل كثيرة ورسائل لشيخ الإسلام، بل ابتدأ الناسخ المسألة بقوله: «مسألة: ما قولكم في مذهب السلف
…
».
وعندما أراد الشيخ محمد حامد الفقي أن يطبع الكتاب أول مرة سنة 1370 عن نسخةٍ نُسِخَت من هذا الأصل، ولم يجد له اسمًا، قال في مقدمة نشرته:«ثم شاورت العلامة السلفي الصالح المحقق ــ ضيف مصر الكريم ــ الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ــ رحمه الله ورضي عنه ــ في اختيار اسم للكتاب، فإن شيخ الإسلام لم يسمِّه، فوقع الاختيار على: نقض المنطق، قال ابن عبد الهادي في «العقود الدرية» : وله كتابٌ في الردِّ على المنطق مجلد كبير، وله مصنفان آخران في الرد على المنطق مجلد».
وواضحٌ من هذا عدُّه الكتاب من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد
(1)
انظر: «العقود الدرية» (84، 86، 95، 96، 97، 107، 109).
على المنطق التي أشار إليها ابن عبد الهادي، ويؤيده قوله في المقدمة قبل ذلك: «وبعد، فقد تفضل السلفي الكبير
…
فأعطاني النسخة الخطية لرد شيخ الإسلام
…
على المنطق».
وشاع هذا الظن بين كثير من أهل العلم والباحثين، وسأكتفي بمثالين لاثنين من جِلَّة العلماء المعاصرين.
الأول: علامة الشام الشيخ محمد بهجة البيطار (ت: 1396) ، فقال في مقال تعريفيٍّ بالكتاب
(1)
تعليقًا على قول ابن عبد الهادي عن شيخ الإسلام ابن تيمية: «وله كتاب في الرد على المنطق مجلدٌ كبير، وله مصنفان آخران في الرد على المنطق»
(2)
: «قلت: أحدها كتاب الرد على المنطقيين، وقد طبع في بمباي سنة 1368 في نحو خمسمئة وخمسين صفحة. والثاني نقض المنطق، وهو هذا. ولم أهتد إلى الثالث، ولعله كتاب الموافقة بين المعقول والمنقول
…
».
والثاني: الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421)، وقال: «وممن كتب في الرد على المنطق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فقد كتب في الرد عليهم كتابين أحدهما مطول والآخر مختصر، المطول: الرد على المنطقيين، والمختصر: نقض المنطق، والأخير أحسن لطالب العلم لأنه أوضح وأحسن ترتيبًا
…
»
(3)
.
(1)
مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق (المجلد 27، الجزء 2، رجب 1371).
(2)
«العقود الدرية» (53، 54).
(3)
«شرح السفارينية» (715).
والحقُّ أن هذا بعيدٌ عن الصواب، ولبيان ذلك لا بدَّ من تحرير أمرين، أولهما: ما كتبه شيخ الإسلام في الرد على المنطق. والثاني: لم لا يكون كتابنا أحد تلك الكتب؟
* فأما الأمر الأول، فلنأخذه عاليًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية من لفظه، ثم نثني بكلام أصحابه.
حدَّث شيخ الإسلام عن نفسه في مقدمة كتابه «الرد على المنطقيين» فقال: «أما بعد، فإني كنتُ دائمًا أعلمُ أن المنطق اليوناني لا يحتاجُ إليه الذكيُّ ولا ينتفع به البليد، ولكن كنتُ أحسبُ أن قضاياه صادقة؛ لِمَا رأيتُ مِن صدق كثيرٍ منها، ثم تبين لي فيما بعدُ خطأ طائفة من قضاياه وكتبتُ في ذلك شيئًا.
ثم لما كنتُ بالاسكندرية اجتمع بي من رأيته يعظِّم المتفلسفة بالتهويل والتقليد، فذكرتُ له بعض ما يستحقه من التجهيل والتضليل، واقتضى ذلك أني كتبتُ في قعدةٍ بين الظهر والعصر من الكلام على المنطق ما علَّقته تلك الساعة، ثم تعقَّبته بعد ذلك في مجالس إلى أن تمَّ،
…
فأراد بعض الناس أن يكتب ما علَّقتُه إذ ذاك من الكلام عليهم في المنطق، فأذنتُ في ذلك؛ لأنه يفتح باب معرفة الحق، وإن كان ما فُتِح من باب الردِّ عليهم يحتملُ أضعاف ما علقتُه تلك الساعة، فقلت:
…
» ثم ابتدأ فصول الكتاب.
ففي هذا النص يخبر شيخُ الإسلام أنه حين تبيَّن له خطأ طائفة من قضايا المنطق كتب فيه شيئًا، وهو تعبيرٌ يدلُّ على قلة ذلك المكتوب واختصاره،
وهو وصفٌ مناسبٌ لكتاب صغير، ثم حين كان بالاسكندرية
(1)
واجتمع به بعض من يعظِّم المتفلسفة بالتقليد والتهويل ــ وما أكثر خفافيش العقول والبصائر في كل زمان، وما أهونهم على أنفسهم! ــ وذكر له الشيخُ بعض ما يستحقُّه من التجهيل= رأى الحاجة لكشف خطل هذه الصناعة ودفع صيال أهلها قائمة، فاقتضاه واجبُ النصح والبيان أن يكتب كتابًا أوسعَ من تلك الكتابة السابقة المختصرة، فابتدأه في قعدةٍ بين الظهر والعصر، ثم أتمَّه في مجالس بعد ذلك، وذلك هو كتاب «الرد على المنطقيين» ، ويغلبُ على ظني
(1)
أمر أعداء الشيخ بالقاهرة سنة 709 بنفيه إلى الاسكندرية لعل أحدًا من أهلها يتجاسر عليه فيقتله غيلة فيستريحون منه، وكانت معقل متفلسفة المتصوفة أتباع ابن سبعين وابن عربي، وبقي فيها ثمانية أشهر، في برج متسع مليح نظيف، يدخل عليه من شاء، ويتردد إليه الأكابر والأعيان والفقهاء يقرؤون عليه ويستفيدون منه، كما قال ابن كثير في «البداية والنهاية» (18/ 85).
وفي هذا المنفى كتب شيخ الإسلام كتابه الكبير في الرد على المنطقيين.
وكتب فيه كذلك: الرد على رسالة «الألواح» لابن سبعين، المطبوع بعنوان «بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية» ، ويسمى «المسائل الاسكندرية في الرد على الملاحدة والاتحادية» ، ويسمى «السبعينية» نسبة إلى ابن سبعين. انظر:«الصفدية» (1/ 302) ، و «النبوات» (398) ، و «الرد على المنطقيين» (275).
وكتب فصولًا في الفقه، كما في «مجموع الفتاوى» (23/ 210).
وكتب لصاحب سبتة إجازة بأسانيده في عشر ورقات، كتبها من حفظه ويعجز عن عمل بعضها أكبرُ محدِّثٍ يكون! كما يقول الذهبي في «الدرة اليتيمية» (40 - تكملة الجامع لسيرة شيخ الإسلام).
وكتب إلى أصحابه رسالةً تفيض حبًّا وصدقًا ورضًا ويقينًا بالله، اقرأها في «مجموع الفتاوى» (28/ 30 - 46) ، وهي من كريم الرسائل.
أنه لم يكتب له مقدمةً إذ ذاك، بل افتتح الكلام في الرد، ثم حين أراد أحدُ أصحابه نسخَ الكتاب (آخر حياته سنة 728) قابله على أصل الشيخ الذي بخطه وعرَضه عليه، فنظر فيه وصحَّحه وزاد بخطه زيادات، وكتب له هذه المقدمة وحكى قصَّته، وعن هذه النسخة الفريدة نُشِر الكتاب. وهو ظاهرٌ لمن تدبَّره إن شاء الله.
وكِبَر حجم كتاب «الرد على المنطقيين» بالنسبة إلى الكتاب الصغير الذي تقدمت الإشارة إليه قرينةٌ صالحةٌ ليوصف بأنه كتابٌ كبير.
فتحصَّل من كلام شيخ الإسلام هذا أن له في الرد على المنطق كتابين: صغيرًا مختصرًا متقدم التأليف، وكبيرًا هو «الرد على المنطقيين»
(1)
.
وصرَّح بهذا في «الصفدية» (2/ 281) وزاده بيانًا بقوله: «أما تقسيم الصفات اللازمة إلى ثلاثة أنواع
…
فهذا من الخطأ الذي أنكره عليهم نظَّار المسلمين، كما قد كتبنا بعض كلام النظَّار في ذلك في غير هذا الموضع في الكلام على المحصَّل، وعلى منطق الإشارات، وعلى المنطق اليوناني مصنَّف كبير ومصنَّف مختصر، وغير ذلك».
وذكر كتابه الكبير في «منهاج السنة» (2/ 347 - 348) بقوله: «
…
كما قد بُسِط الكلام على المنطق اليوناني وما يختص به أهل الفلسفة من الأقوال الباطلة في مجلد كبير».
(1)
هذا هو الاسم المثبت على تلك النسخة التي عليها خط شيخ الإسلام، وهو أولى من الاسم المسجوع الذي ذكره له السيوطي في مختصره «نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان» .
وأشار إليه في «شرح الأصبهانية» (455)، فقال: «
…
وقد بُسِط الكلام على هذا في مواضع غير هذا الموضع، كالرد على الغالطين في المنطق، وغير ذلك».
وأشار إلى ما كتبه في الرد على منطق «الإشارات والتنبيهات» لابن سينا كذلك في «الرد على المنطقيين» (64، 463) ، و «منهاج السنة» (5/ 434).
وأحال على كلامه على «المحصَّل» ــ وهو «محصَّل أفكار المتقدمين والمتأخرين» للرازي ــ في «درء التعارض» (1/ 22) ، و «الرد على المنطقيين» (37، 110، 122، 345، 357) ، و «الصفدية» (2/ 151، 187) ، و «منهاج السنة» (1/ 168) ، و «الفتاوى» (8/ 7) ، وقد شرح شيخُ الإسلام أول «المحصَّل»
(1)
،
(1)
ذكر ابن رشيق في «أسماء مؤلفات ابن تيمية» (295 - الجامع لسيرة شيخ الإسلام) ، وابن عبد الهادي في «العقود الدرية» (57) أنه في مجلد، وذكر الصفدي في «أعيان العصر» (1/ 240) و «الوافي» (7/ 24) أنه بلغ ثلاث مجلدات.
وقال الشيخ في «منهاج السنة» (5/ 433): «وحدثني غير مرة رجلٌ ــ وكان من أهل الفضل والذكاء والمعرفة والدين ــ أنه كان قد قرأ على شخص سمَّاه لي ــ وهو من أكابر أهل الكلام والنظر ــ دروسًا من المحصَّل لابن الخطيب، وأشياء من إشارات ابن سينا. قال: فرأيت حالي قد تغير، وكان له نورٌ وهدى، ورُئيت له منامات سيئة، فرآه صاحب النسخة بحال سيئة، فقص عليه الرؤيا، فقال: هي من كتابك.
وإشارات ابن سينا يعرفُ جمهورُ المسلمين الذين يعرفون دين الإسلام أن فيها إلحادًا كثيرًا، بخلاف المحصَّل يظنُّ كثيرٌ من الناس أن فيه بحوثًا تحصِّل المقصود. قال: فكتبت عليه:
محصَّلٌ في أصول الدين حاصلُه
…
من بعد تحصيله أصلٌ بلا دين
أصلُ الضلالات والشكِّ المبين فما
…
فيه فأكثره وحيُ الشياطين
قلت: وقد سئلتُ أن أكتب على المحصَّل ما يُعْرَفُ به الحقُّ فيما ذكره، فكتبتُ من ذلك ما ليس هذا موضعه، وكذلك تكلمتُ على ما في الإشارات في مواضع أخر، والمقصود هنا التنبيه على الجمل
…
».
وأظن الرجل الذي يشير إليه شيخ الإسلام من أهل الفضل والذكاء والمعرفة والدين هو الإمام ابن القيم، فقد قرأ أكثر المحصَّل على الصفيِّ الهندي كما ذكر الصفديُّ في «أعيان العصر» (4/ 367) ، وكان الصفيُّ من أكابر أهل الكلام والنظر لعهده، وقول شيخ الإسلام:«حدثني غير مرة» يفيد صحبته له، ثم إن البيتين يشبهان شعر ابن القيم ونسج كلامه، وقد أخبر في «الكافية الشافية» (570، 836) عن طول بحثه عن الحق ووقوعه في شباك المتكلمين حتى لقي شيخ الإسلام ابن تيمية فأخذ بيديه وسار به حتى أراه مطلع الإيمان. وانظر: «مفتاح دار السعادة» (446) وتعليقي عليه.
وفي أوله القول في التصوُّرات والتصديقات، وهما عماد المنطق.
فهذه أربعة كتب تضمَّنت الردَّ على المنطق نصَّ عليها شيخ الإسلام: كبير، وصغير، وآخران في الردِّ على منطق «الإشارات» والكلام على «المحصَّل» .
ولشيخ الإسلام في هذا الباب فصولٌ وفتاوى لا ينتظمها كتاب
(1)
، سوى ما تعرَّض لبحثه في مثاني مصنفاته، وهو كثير.
أما أصحابه، فمنهم من لم يذكر إلا الكتاب الكبير، وهو ابن رُشَيِّق
(2)
.
ومنهم من ذكر كتابين: صغيرًا وكبيرًا، وهو ابن القيم
(3)
.
(1)
انظر: «مجموع الفتاوى» (9/ 255 - 270).
(2)
«أسماء مؤلفات ابن تيمية» (295 - الجامع لسيرة شيخ الإسلام).
(3)
«مفتاح دار السعادة» (448) ، و «إغاثة اللهفان» (1022).
ومن طبقة أصحاب شيخ الإسلام، وما هو من أصحابه: الصفدي، ذكر له كذلك في «الوافي» (7/ 24) و «أعيان العصر» (1/ 240) كتابين: مجلدًا، وآخر لطيفًا.
ومنهم من ذكر ثلاثة كتب: كبيرًا، ومصنَّفين آخرَين نحو مجلد، وهو ابن عبد الهادي
(1)
.
* وهنا موضعُ الأمر الثاني، وهو: لم لا يكون كتابنا هذا أحد تلك الكتب الثلاثة، فتصحُّ تسميته بنقض المنطق؟
والجواب: أما الكتاب الكبير فقد تقدم أن المقصود به كتاب «الرد على المنطقيين» ، وكتابنا صغيرٌ بالنسبة إليه.
وأما الرد على منطق «الإشارات» والكلام على «المحصَّل» ، فليس بهما كما هو ظاهر، ولم يسمِّ ابن تيمية في الكتاب الذي معنا كتابَي «الإشارات» و «المحصَّل» أصلًا.
فلم يبق إلا الكتاب الصغير، ولا يصحُّ أن يكون هو المراد؛ لأمرين:
أولهما: أن كتابنا غير متمحِّض للرد على المنطق، بل جلُّه في الانتصار لعقيدة أهل الحديث والذبِّ عنهم والردِّ على مخالفيهم، والقدر المختصُّ بالمنطق لا يتجاوز الربع منه، فكيف يوصفُ بأنه كتابٌ في الرد على المنطق والحال هذه؟ !
ثانيهما: أن شيخ الإسلام لا يفتأ يذكر في كتابنا هذا أنه ليس موضع بسط فساد المنطق وبيان ما فيه من الخلل، ويحيل على ما بسطه من الكلام في
(1)
«العقود الدرية» (53، 54).
مواضع أخرى.
فمن ذلك قوله (ص: 306): «وقد ذكرتُ في غير هذا الموضع ملخَّص المنطق ومضمونَه، وأشرتُ إلى بعض ما دخل به على كثيرٍ من الناس من الخطأ والضلال، وليس هذا موضع بسط ذلك» .
فكأنه يحيل هاهنا على كتابه المختصر في نقض المنطق حقًّا.
وقوله (ص: 269): «فإنهم يزعمون أنه آلةٌ قانونيةٌ تمنعُ مراعاتُها الذِّهنَ أن يزلَّ في فكره، وفسادُ هذا مبسوطٌ مذكورٌ في موضعٍ غير هذا» .
وقال في ختام الجواب (ص: 341): «فالتحقيقُ أنه مشتملٌ على أمورٍ فاسدة، ودعاوى باطلةٍ كثيرة، لا يتسعُ هذا الموضعُ لاستقصائها» .
وهذه النصوص دليلٌ على المطلوب من جهتين:
الأولى: أنه لو كان مصنَّفًا مقصودًا للردِّ على المنطق لحرَّر القول في بيان فساده، ولخَّص مقاصد الكلام فيه ما دام كتابًا مختصرًا، فإنه موضعُ ذلك ومظنَّتُه، وليس من السائغ والمألوف أن يحيل على غيره في ما حقُّه البيان فيه.
والواقع أنه إنما ذكر في هذا الكتاب ما يناسبُ جوابَ السؤال على جهة
الاختصار، وهو الكلام عن فساد جعل المنطق من فروض الكفاية، ثم استطرد إلى بيان بعض ما اشتمل عليه من الدعاوى الباطلة، وأحال على مظانِّ بسط ذلك في الكتب التي خصَّصها للرد على المنطق، كما يفعلُ في سائر كتبه عندما يعرض لشيءٍ من مسائل المنطق والردِّ عليه فإنه يذكر ما يناسبُ المقام ثم يحيل على المواضع التي بسط فيها الكلام
(1)
.
الثانية: أن الكتاب الصغير المختصر لشيخ الإسلام في الرد على المنطق متقدمُ التأليف، لم يسبقه شيءٌ كتبه الشيخ في موضوعه على جهة الانفراد، كما هو بيِّنٌ من مقدمة كتاب «الرد على المنطقيين» التي سلفت، وكتابنا هذا متأخرٌ يحيل فيه على ما بسط من الرد على المنطق في مواضع أخرى.
فإن قيل: فإن لم يكن كتابنا هو الكتاب الصغير المختصر الذي صنَّفه شيخ الإسلام في الردِّ على المنطق، فأين هو ذلك الكتاب؟
فالجواب أنه لم يصلنا بعد، وما هو بأول ما لم يُعْثَر عليه من تراث شيخ الإسلام، ولعله في زاوية من زوايا خزائن المخطوطات التي لا تزال ترفدنا كلَّ حين بجديدٍ من التصانيف التي لم نكن نعرف من أمر وجودها شيئًا.
وتلطَّف الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع (ت: 1385) في تخريج تسمية الكتاب بـ «نقض المنطق» ، فقال معلِّقًا على صفحة العنوان من نسخته المطبوعة من الكتاب: «هذا الاسم من باب المجاز المرسل، وهو ذِكرُ الجزء نيابةً عن الكل؛ لأن ما تضمنه الكتاب جوابُ سؤالٍ عن المنطق
(1)
انظر: «الصفدية» (2/ 145) ، و «منهاج السنة» (2/ 191، 272، 3/ 303، 315، 5/ 433، 451، 454 ، 8/ 35) ، و «شرح الأصبهانية» (325) ، وغيرها.
وغيره، وابتداء الجواب عن المنطق من ص 155».
وهو كما قال لو لم تُوهِم التسميةُ أن الكتاب أحد كتابي شيخ الإسلام المشهورَين في الرد على المنطق، وقد مرَّ تصريحُ الناشر بهذا وما أعقبه من ذهاب كثيرٍ من الناس إليه.
وإذ قد تبيَّن نأيُ تسمية الكتاب بـ «نقض المنطق» عن الصواب، وعدم مطابقة الاسم للمسمى إلا بضربٍ من المجاز، فإن اللائق باسم الكتاب أن يكون كاشفًا عن مضمونه، واضحًا في الدلالة على محتواه، وهو الدفاع عن اعتقاد السلف وأهل الحديث والردُّ على من طعن فيهم أو زعم أن عدم علمهم بعلم المنطق يوجبُ جهلهم وينقص قدرهم، وذلك ما تضمَّنه الاسم الذي أورده الشيخ سليمان بن سحمان (ت: 1349) ، فإنه وقف على الكتاب ونقل عنه نقلًا طويلًا، وقال في صدره: «قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في كتابه الانتصار لأهل الأثر
…
»
(1)
.
وسواءٌ أكان هذا الاسم مكتوبًا على النسخة التي رآها الشيخ سليمان وكان مِن وضع المصنف أو أحد أصحابه، أم كان مما سمَّاه الشيخ أو غيرُه باجتهاده وهو الأشبه = فإنه اسمٌ صادق الدلالة على المسمى، وهو اجتهادٌ خيرٌ من ذلك الاجتهاد، فلذا آثرتُ إحياءه وتعريفه للناس، فوضعته في صفحة العنوان وتحته الاسم الذي اشتهر به وذاع.
ولابن تيمية رحمه الله رسالةٌ في «فضل السلف على الخلف في العلم»
(1)
«كشف غياهب الظلام» (169). أفادني هذا الموضع المهم أخي وصديقي العزيز الشيخ الدكتور علي العمران وفقه الله.
ذكرها ابن رُشَيِّق في أسماء مؤلفاته
(1)
، وفي عنوانها ما قد يوهمُ أن تكون هي كتابنا هذا؛ إذ في الكتاب بيانُ فضل السلف والانتصار لهم والردُّ على من خالف طريقتهم من المتأخرين، لكن مما يدفع ذاك التوهُّم أن ابن عبدالهادي أورد تلك الرسالة في جملة القواعد
(2)
، وكتابنا جوابٌ وفتوى، ومقتضى صنيعه في سياق كتب الشيخ التفريقُ بين الفتاوى والقواعد، وهو ظاهر.
كما يدفعه أن موضوع الكتاب أخصُّ من عنوان تلك الرسالة، فإنه في الانتصار لعقيدة السلف وأصحاب الحديث في باب أسماء الله وصفاته وما يتصل بذلك ثم في بيان فساد المنطق وعدم الحاجة إليه، ولا تعرُّض فيه لباقي أبواب الاعتقاد الكبرى كالإيمان والقدر ونحوها مما للسلف فيه سبيلٌ غير سبيل بعض المتأخرين.
ثم إننا لا نجد فيه كذلك حديثًا عن التفسير والفقه والحديث والعربية وغيرها من فنون العلم ومدارك المعرفة التي يظهرُ بها فضلُ السلف على الخلف ولا يُظَنُّ أن يُغْفِلها شيخُ الإسلام في مثل هذا المقام.
وبعد، ففي تراث أبي العباس الذي وصلنا لآلئ متناثرةٌ في هذه المعاني تستحقُّ أن يَنْهَد لها باحثٌ يَنْظِم عِقْدَها في كتاب يجدِّد رسمَ ذلك العنوان الدارس.
* * * *
(1)
(301 - الجامع لسيرة شيخ الإسلام).
(2)
«العقود الدرية» (66).