المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌موضوع الكتاب ومنهج مؤلفه * موضوع الكتاب: هو جوابٌ عن سؤالٍ مركَّب - الانتصار لأهل الأثر المطبوع باسم «نقض المنطق» - المقدمة

[ابن تيمية]

الفصل: ‌ ‌موضوع الكتاب ومنهج مؤلفه * موضوع الكتاب: هو جوابٌ عن سؤالٍ مركَّب

‌موضوع الكتاب

ومنهج مؤلفه

* موضوع الكتاب:

هو جوابٌ عن سؤالٍ مركَّب من أمرين:

الأول: مذهب السلف في الاعتقاد ومذهب غيرهم من المتأخرين، ما الصواب منهما؟ وهل أهل الحديث أولى بالصواب من غيرهم؟ وهل حدث بعدهم علومٌ جهلوها وعلمها غيرهم؟

والثاني: علم المنطق، هل من قال:«إنه فرض كفاية» مصيب؟

وكأن السائل تخلَّص بالفقرة الأخيرة من الأمر الأول إلى السؤال عن المنطق، إذ المنطق من العلوم الصِّناعية التي حدثت بعد عهد السلف حين ترجمت كتب اليونان إلى العربية في دولة بني العباس.

استغرق جواب المصنف عن الأمر الأول ثلاثة أرباع الكتاب، وجعل الربع الأخير للجواب عن الثاني.

فابتدأ الجواب بتقرير أن اتباع سبيل المؤمنين من الصحابة وتابعيهم بإحسان واجبٌ، وأن مِن سبيلهم في الاعتقاد الإيمانَ بصفات الله تعالى وأسمائه التي وردت في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من غير زيادة عليها ولا نقص منها، وبلا تأويل ولا تشبيه لها بصفات المخلوقين.

واحتجَّ لإثبات أن ذلك من سبيلهم بنصوصٍ من عيون كلامهم وكلام من بعدهم ممَّن حكى مذهبهم وطريقتهم في هذا الباب.

ص: 26

ثم ابتدأ فصلًا في بيان أن طريقتهم أحكم وأعلم، وأفاض في بيان فضل أهل الحديث، وأنهم يشاركون كلَّ طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال، ويمتازون عنهم بما ليس عندهم، واحتجَّ لذلك بأن كلَّ إمامٍ متبوعٍ وطائفةٍ إنما يُحْمَدون عند الأمة بمقدار اتباعهم للحديث وقربهم منه، وضرب لذلك شواهد عديدة من الناس والطوائف في سياقٍ تاريخيٍّ نقديٍّ وتقويمٍ عادلٍ يتحرَّى الإنصاف.

ثم قصد إلى بيان أن الفلاسفة والمتكلمين الذين يصفون أهل الحديث بالحشو والجهل هم أحقُّ بذلك الوصف وأهلُه؛ لقولهم الباطلَ وتكذيبهم الحقَّ في مسائلهم ودلائلهم، واستدل لذلك بوجهين أطال فيهما:

الأول: أنهم أعظم الناس شكًّا واضطرابًا، وأضعفهم علمًا ويقينًا.

الثاني، وهو فرعٌ من الأول: أنهم أكثر الناس انتقالًا من قول إلى قول، وجزمًا بالقول في موضعٍ وبنقيضه وتكفير قائله في موضعٍ آخر.

ثم تحدَّث عن طرق الخارجين عن طريقة السابقين الأولين: طريق التخييل، وطريق التأويل، وطريق التجهيل، وأفاض في بيان كلِّ طريق، وهو بابٌ استفتحه في مواضع كثيرة من كتبه.

ثم ابتدأ فصلًا في نقض كلام مشهور للعز بن عبد السلام في رسالته «الملحة» ينبز فيه مثبتة الصفات بالحشو، وأنهم يتستَّرون بمذهب السلف، وأن منهم من لا يتحاشى من التشبيه والتجسيم، وأبان عما في كلامه من الحق والباطل، وحرَّر هذه المصطلحات.

ص: 27

ثم عقد فصلًا آخر للردِّ على معترضٍ نقل عن أبي الفرج بن الجوزي كلامًا يذمُّ به الحنابلة في باب إثبات الصفات، وأفاض في بيان ما فيه من ضعف العقل والنقل، وما اشتمل عليه من التعصُّب بالجهل والظلم.

ويقعُ في وهمي أن هذا الفصل والذي قبله ليسا من أصل الفتوى، وإنما هما فصلان من كتاب «جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية» ، أدرجهما الناسخ هنا لمناسبتهما لموضوع الكتاب؛ لما يلي:

1 -

أن الجواب قد تمَّ قبلهما على مقصود السؤال، فلا حاجة لنقض كلامٍ لم يُسأل عنه ولم يتقدَّم له ذكرٌ أو يستدعِه سياق.

2 -

أنه صدَّر الفصل الثاني بقوله: «قال المعترض: قال أبو الفرج

». والألف واللام للعهد، ولم يسبق لهذا المعترض ذكرٌ فيما تقدم من الجواب، وليس هو العز بن عبد السلام، فإنه توفي قبل ولادة المصنف، ولم يرد هذا النصُّ في رسالته «الملحة» ليقال: لعل أحدًا نقل كلامه.

ثم إن لفظ «المعترض» يفيد أن ثمة أمرًا معتَرضًا عليه، ولم يسبق في الكتاب كذلك ما يدلُّ على هذا الاعتراض، بينما اشتهر اعتراض بعض أهل عصره على «الفتوى الحموية» .

3 -

أن جملة «قال المعترض» التي استفتح بها الفصل الثاني هنا هي الجملة نفسها التي استفتح بها أول فصل من القطعة المطبوعة من كتاب «جواب الاعتراضات» ، وهي الأليق بعنوانه وموضوعه كما ترى.

ص: 28

4 -

أن المصنف قال في الفصل الأول الذي ناقش فيه كلام العز بن عبد السلام (ص: 207) بعد أن قرر منع تشبيه الله بخلقه: «وقد بسطنا القول في ذلك وذكرنا الدلالات العقلية التي دلَّ عليها كتابُ الله في نفي ذلك، وبيَّنَّا منه ما لم تذكره النفاة الذين يتسمَّون بالتنزيه ولا يوجدُ في كتبهم ولا يُسْمَعُ من أئمَّتهم» .

ولم يعيِّن في أي كتاب بسط ذلك وبيَّنه، ولا أحال على موضعٍ آخر ولو مبهمًا على مألوف عادته، والأشبه في مثل هذا أن يكون ذلك البسط والبيان قد وقع في الكتاب نفسه.

وقد وقع هذا البسط الذي يشير إليه المصنف في «جواب الاعتراضات» في القطعة المطبوعة (114 - 153) ، وللتأكيد على أن هذا هو الموضع الذي يقصده المصنف فقد أحال عليه كذلك في «بيان تلبيس الجهمية» (6/ 487) وصرَّح بأنه في «الأجوبة المصرية» وهو جواب الاعتراضات.

5 -

أن أحد معاصري المصنف وهو ابن جَهْبَل الحلبي (ت: 733) قد ضمَّن كلام العزِّ في رسالةٍ له في الردِّ والاعتراض على الفتوى الحموية

(1)

، ولولا أني لم أجد النصَّ المذكور في الفصل الثاني (المنقول عن ابن الجوزي) في رسالة ابن جَهْبَل لجزمت بأن الفصلين كليهما في الردِّ عليه.

ولا يشكل على هذا أن المصنف ذكر في فاتحة «بيان تلبيس الجهمية» أن كتاب «جواب الاعتراضات» مصنفٌ للرد على اعتراضات القاضي شمس

(1)

ساق السبكي رسالته بتمامها في «طبقات الشافعية» كما بينت في ذلك الموضع.

ص: 29

الدين السروجي، ووصفَه بأنه أفضل القضاة المعارضين؛ لأن الجواب عن اعتراضات غيره في فصول قليلة لا مانع منه، ولا ينقض أن يكون جلُّ الكتاب في الرد على اعتراضاته، ثم إنه لم يصلنا كتاب القاضي السروجي، ولعل الكلام المذكور في الفصلين هنا يكون فيه.

وبعد، فهذه قرائن للتأمل والنظر، ومن الجائز أن يكون المصنف وقف على هذه الاعتراضات بعد فراغه من تأليف الأجوبة، فرأى مناسبة إيراد جوابه عليها هنا لمناسبته لموضوع الفتوى، فإنه لم يزل يجيبُ عما يرد عليه من الاعتراضات بعد تصنيف «الجواب» ، وكتابُ «بيان تلبيس الجهمية» هو كالتكملة للجواب كما بيَّن في مقدمته.

بقي الكلام على الربع الأخير من الكتاب، وهو المتعلق بالمنطق، فإن أصل السؤال كان عمن يقول: إن تعلم المنطق فرض كفاية، فابتدأ المصنف الجواب ببيان أن هذا قولٌ في غاية الفساد، وذكر بعض من ذمَّ المنطق، وبيَّن عدم نفعه والحاجة إليه إلا لمن فقد أسباب الهدى.

ثم افتتح فصلًا للردِّ على كلام أهله في الحدود وبيان وجوه الخلل فيه، وهو أحد قسمي المنطق، ثم انتقل للحديث عن كلامهم في القياس ومواضع الإصابة والباطل فيه، كل ذلك بإيجازٍ وإحالةٍ على مواضع بسط القول في تلك المسائل.

هذه مقاليد الكتاب مجملة، وللمصنف بين ذلك استطراداتٌ كثيرة على طريقته المعهودة في تصانيفه.

ص: 30