الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثَّالِثَةُ: أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللهَ لايجوز له مولاة من حاد الله ورسوله
…
"الثَّالِثَةُ"1: أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللهَ لا يَجُوزُ لَهُ مُوَالاةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ. وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي
ــ
1.
وهذه هي المسألة الثالثة وهي من أهم الواجبات أن يعلم كل مسلم ومسلمة أنه لا يجوز له أن يوالي المشركين أو يحبهم. فكل من أطاع الله ورسوله ووحد الله جل وعلا يلزمه أن يعادي الكفار ويبغضهم في الله، ولا يجوز له موالاتهم ومحبتهم لقوله تعالى:{لا تَجِدُ قَوْماً} 1. أي لا تجد يا محمد قوماً أهل إيمان صادق يوادون من حاد الله ورسوله. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 2. وقال عز وجل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} 3. فلا بد من البغضاء والعداوة لأعداء الله. ومودة المؤمنين ومحبتهم، وهكذا المؤمن يحب أولياء الله، ويتعاون معهم على الخير، ويكره أعداء الله ويبغضهم ويعاديهم في الله. وإن دعاهم إلى الله. وإن أقرهم في بلاده وأخذ منهم الجزية كولي
1 سورة المجادلة ، جزء من آية:22.
2 سورة المائدة ، آية:51.
3 سورة الممتحنة ، آية 4.
قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
ــ
الأمر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس 1 وأخذ الجزية منهم فيه عون للمسلمين لامحبة لهم.
وتؤخذ الجزية منهم إذا لم يدخلوا في الإسلام ولا يقاتلون بل يقرون مع بغضهم في الله، وعدم موالاتهم.
فإن أبوا الإسلام والجزية قوتلوا مع القدرة. وهذا خاص بأهل الكتاب والمجوس. أما بقية الكفار فلا تقبل منهم الجزية، بل يقاتلون حتى يدخلوا في الإسلام كالوثنيين والشيوعيين وغيرهم من أصناف الكفرة مع القدرة على ذلك، لقول الله سبحانه:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} 2. وقوله سبحانه: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 3. وقوله سبحانه: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَد ٍ
1 رواه عبد الرزاق في مصنفه 6/69 ، باب أخذ الجزية من المجوس برقم 10025 من حديث عبد الرحمن بن عوف. وكذلك في 10/325 باب هل يقاتل أهل الشرك حتى يؤمنوا من غير أهل الكتاب وتؤخذ منهم الجزية برقم 19253 ولفظه "سنوا بهم سنة أهل الكتاب".
ورواه أبو يعلى 2/862 بلفظ "سنتهم سنة أهل الكتاب".
2 سورة الأنفال ، آية:39.
3 سورة التوبة ، آية 41.
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
اعْلَمْ أَرْشَدَكَ 1 اللهُ لِطَاعَتِهِ أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ 2 مِلَّةَ إبراهيم أن تعبد
ــ
فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1 والآيات في هذا المعنى كثيرة. ومراده سبحانه مع القدرة على ذلك؛ لقوله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} 2.
وقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 3 الآية. ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يقاتل المشركين حتى قوي على ذلك. ثم قال تعالى في أخر الآية: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} 4. أي قواهم بقوة منه.
1.
قال رحمه الله اعلم أرشدك الله لطاعته، جمع رحمه الله بين التعليم والدعاء.
2.
الحنيفية ملة إبراهيم. وهي أن تعبد الله مخلصاً له الدين، وهي التي قال الله فيها لنبيه: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيم َ
1 سورة التوبة ، آية:5.
2 سورة البقرة ، آية:286.
3 سورة التغابن ، آية:16.
4 سورة المجادلة ، آية:22.
الله وحده له. وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ 1 جَمِيعَ النَّاسِ وَخَلَقَهُمْ لَهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى ـ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} .
ــ
حنيفاً} 1 فالحنيفية هي الملة التي فيها الإخلاص لله وموالاته، وترك الإشراك به سبحانه. والحنيف هو الذي أقبل على الله وأعرض عما سواه، وأخلص له العبادة، كإبراهيم وأتباعه وهكذا الأنبياء وأتباعهم.
1.
قال وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ وَخَلَقَهُمْ لَهَا، فأمرهم بالتوحيد والإخلاص، وخلقهم ليعبدوه، وأمرهم بأن يعبدوه وحده في صلاتهم وصومهم ودعائهم وخوفهم ورجائهم وذبحهم ونذرهم وغير ذلك من أنواع العبادة. كله لله كما قال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} 2 ، وقال:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 3. وقال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} 4 ،وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} 5. هذه العبادة هي التي خلق لها الناس. خلق الثقلان وهي توحيد الله، وطاعة أوامره، واجتناب نواهيه، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ
1 سورة النحل ، آية:123.
2 سورة الإسراء ، جزء من آية:23.
3 سورة الفاتحة ، آية:5.
4 سورة الزمر ، جزء من آية:2.
5 سورة البقرة ، جزء من آية:21.
ومعنى يعبدون: يوحدوني. وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ: التَّوْحيِدُ، وَهُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ. وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْه الشرك، وهو دعوة غيره
ــ
إِ لَّا لِيَعْبُدُونِ} 1. يعني يوحدوني في العبادة ، ويخصوني بها، بفعل الأوامر وترك النواهي إلى غير ذلك من الآيات.
1.
وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحيِدُ. وَهُوَ إفراد الله بالعبادة فتقصده بالعبادة دون كل من سواه، فلا تعبد معه صنماً ولا نبياً ولا ملكاً ولا حجراً ولا جنياً ولا غير ذلك.
2.
الشرك دعوة غيره معه، وقد قال سبحانه:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 2 ، وقال سبحانه:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 3 ، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك. قيل ثم أي؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قيل ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك "4، فبين صلى الله عليه وسلم أن الشرك أعظم الذنوب وأشدها وأخطرها. وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر. قلنا بلى يا رسول الله قال: الإشراك
1 سورة الذاريات ، آية:56.
2 سورة الأنعام ، جزء من آية:88.
3 سورة الزمر ، آية:65.
4 رواه البخاري 8/13 في كتاب التفسير. في تفسير سورة البقرة باب قوله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} "22". برقم 4477.
ورواه مسلم 2/80 من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.