المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثمحل وجود الطائفة الظاهرة - أحاديث الطائفة الظاهرة

[حسام الدين عفانة]

الفصل: ‌المبحث الثالثمحل وجود الطائفة الظاهرة

‌المبحث الثالث

محل وجود الطائفة الظاهرة

وأما ما زعمه الكاتب من أن هذه الطائفة محصورة في الشام، وفي بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، حيث قال:[وأخيراً يدل قوله صلى الله عليه وسلم وهم بالشام، ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس على مكان نشأة الحزب، هذا أي حزب التحرير، إذ لم يُعرف أن حزباً هذه أوصافه قد نشأ في مدينة القدس وما حولها سوى حزب التحرير] ص55.

وأقول قد بينت سابقاً كذب الدعوى العريضة، التي ادعاها الكاتب من أن الأحاديث الواردة في الطائفة الظاهرة، تنطبق على حزب التحرير فقط.

وهنا أبين خطأ ادعاء الكاتب أن الطائفة الظاهرة في الشام وفي بيت المقدس وأكناف بيت المقدس فقط، وهو ما قال ذلك إلا لأن حزبه نشأ في فلسطين، فأراد أن يحمل الأحاديث على حزبه فأقول:

أولاً: إن قول الكاتب: [ولا تدل هذه الألفاظ على أهل الشام كلهم كما فسرها معاوية لدعم موقفه من علي] ص54.

إن الكاتب افترى على معاوية فنسب له ما سبق، والحقيقة خلاف ذلك، لأن الذي حدد موقع الطائفة في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري - وهو الذي ساقه الكاتب -، إنما هو معاذ وليس معاوية

ص: 32

رضي الله عنهما، قال الإمام البخاري:[حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ابن جابر حدثني عمر بن هانئ أنه سمع معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من كذّبهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك] فقال مالك بن يخامر: سمعت معاذاً يقول: وهم بالشام، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول وهم بالشام] صحيح البخاري مع الفتح 13/ 547.

وأقول أولاً إن سياق حديث معاوية في صحيح مسلم، ليس فيه التحديد المذكور (وهم بالشام)، وإنما ورد ذلك في صحيح البخاري.

ثانياً: إن القول بأنهم في الشام، هو قول معاذ، وإنما قال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول: وهم بالشام.

وقد روي عن معاوية أنه قال في حديث آخر: [وإني لأرجو أن تكونوا هم يا أهل الشام] مجمع الزوائد 7/ 287.

ثالثاً: إن قول الكاتب: (

كما فسرها معاوية لدعم موقفه من علي رضي الله عنه) فيه غمز بمعاوية رضي الله عنه هذا الصحابي الجليل، وهو أحد كتبة الوحي.

رابعاً: ما ورد في حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله:

ص: 33

(صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قالوا: وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس) رواه الطبراني وعبد الله بن الإمام أحمد وقال الهيثمي: رجاله ثقات. مجمع الزوائد 7/ 288.

الروايات الواردة في محل الطائفة الظاهرة:

أود أن أبين أن ما ذكره الكاتب من انحصار وجود الطائفة الظاهرة في بعض الشام – بيت المقدس وأكنافه – وليس في كل الشام، ليوافق مكان نشأة حزبه، إن هذا القول غير مسلَّم، ولتوضيح ذلك أذكر أولاً ما وقفت عليه من الروايات التي تحدد محل الطائفة الظاهرة ثم أتبع ذلك بذكر كلام أهل العلم فيه فأقول:

محل هذه الطائفة حسب الروايات الواردة:

أولاً: الشام:

ورد في صحيح البخاري في حديث معاوية أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: هم بالشام. صحيح البخاري مع الفتح 13/ 547.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال عصابة من أمتي على الحق ظاهرين على الناس، لا يبالون من خالفهم حتى ينزل عيس بن مريم). قال الأوزاعي فحدثت بهذا

ص: 34

الحديث قتادة فقال: لا أعلم أولئك إلا أهل الشام. أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال 7/ 268.

قال الحافظ ابن كثير: [

ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلاً للإسلام وأهله وبها ينزل عيسى ابن مريم إذا نزل بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها، ولهذا جاء في الصحيحين:(لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك). وفي صحيح البخاري (وهم بالشام)] تفسير ابن كثير 1/ 184.

ثانياً: الغرب:

ورد في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة).

قال الإمام النووي: [قوله (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) قال علي بن المديني: المراد بأهل الغرب العرب، والمراد بالغرب الدلو الكبير لاختصاصهم بها غالباً. وقال آخرون: المراد به الغرب من الأرض، وقال معاذ: هم بالشام. وجاء في حديث آخر هم ببيت المقدس، وقيل: هم أهل الشام وما وراء ذلك. قال

ص: 35

القاضي: وقيل: المراد بأهل الغرب أهل الشدة والجلد، وغرب كل شيء حدُّه] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 60.

وقال الحافظ ابن حجر: [ذكر يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني قال: المراد بالغرب، الدلو أي الغَرَب بفتح المهملتين، لأنهم أصحابها لا يستقي بها أحدٌ غيرهم، لكن في حديث معاذ، وهم أهل الشام، فالظاهر أن المراد بالغرب البلد، لأن الشام غربي الحجاز كذا قال؛ وليس بواضح، ووقع في بعض طرق الحديث [المغرب] بفتح الميم وسكون المعجمة، وهذا يرد تأويل الغرب بالعرب، لكن يحتمل أن يكون بعض رواته نقله بالمعنى الذي فهمه، أن المراد الإقليم لا صفة بعض أهله، وقيل المراد بالغرب أهل القوة والاجتهاد في الجهاد، يقال في لسانه غَرْبٌ بفتح ثم سكون أي حِدَّةٌ، ووقع في حديث أبي أمامة عند أحمد أنهم ببيت المقدس، وأضاف بيت إلى المقدس، وللطبراني من حديث النهدي نحوه، وفي حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني:(يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم ظاهرين إلى يوم القيامة)، قلت: ويمكن الجمع بين الأخبار بأن المراد قوم يكونون ببيت المقدس، وهي شامية ويسقون بالدلو، وتكون لهم قوة في جهاد العدو وحدة وجد] فتح الباري 13/ 361.

ص: 36

ثالثاً: بيت المقدس وأكناف بيت المقدس:

ورد في حديث أبي أمامة عند الطبراني قوله صلى الله عليه وسلم: (هم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس).

رابعاً: دمشق وبيت المقدس:

عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم إلى يوم القيامة) رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الوليد بن عبّاد وهو مجهول، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 288.

وبهذا يظهر لنا أن هذه الطائفة، ليست محصورة في بيت المقدس وأكنافه، كما زعم الكاتب ونفى أن تكون في الشام كله عندما قال:

(ولا تدل هذه الألفاظ على أهل الشام كلهم، كما فسرها معاوية لدعم موقفه من علي رضي الله عنه ص 54.

أقوال العلماء في محل الطائفة الظاهرة:

قال الشيخ حمود التويجري: [وقد اختلف في محل هذه الطائفة:

فقال ابن بطال: [إنها تكون في بيت المقدس، كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة رضي الله عنهم: (قيل: يا رسول الله أين هم؟ قال:

ص: 37

(ببيت المقدس)، وقال معاذ رضي الله عنهم: هم بالشام. وفي كلام الطبري ما يدل على أنه لا يجب أن تكون في الشام أو في بيت المقدس دائماً، بل قد تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة. قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى:" ويشهد له الواقع، وحال أهل الشام وأهل بيت المقدس من أزمنة طويلة لا يعرف فيهم من قام بهذا الأمر بعد شيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه في القرن السابع وأول الثامن، فإنهم في زمانهم على الحق، يدعون إليه، ويناظرون عليه، ويجاهدون فيه، وقد يجيء من أمثالهم بَعْدُ بالشام من يقوم مقامهم بالدعوة إلى الحق، والتمسك بالسنة، والله على كل شيء قدير.

ومما يؤيد هذا أن أهل الحق والسنة في زمن الأئمة الأربعة وتوافر العلماء في ذلك الزمان وقبله وبعده لم يكونوا في محل واحد، بل هم في غالب الأمصار، في الشام منهم أئمة، وفي الحجاز، وفي مصر، وفي العراق واليمن، وكلهم على الحق يناضلون ويجاهدون أهل البدع، ولهم المصنفات التي صارت أعلاماً لأهل السنة، وحجة على كل مبتدع.

فعلى هذا، فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تفترق، وقد تكون في الشام وقد تكون في غيره، فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ لا يفيد

ص: 38

حصرها بالشام، وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمان لا في كلها ".

قلت: الظاهر من حديث أبي أمامة وقول معاذ أن ذلك إشارة إلى محل هذه الطائفة في آخر الزمان عند خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، ويدل على ذلك ما تقدم ذكره من حديث أبي أمامة الذي رواه ابن ماجة وفيه: (فقالت أم شريك: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل وجلهم يومئذ ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح

).

ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داوود والبخاري في تاريخه والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنهم، قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي - أو على هامتي - ثم قال: (يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك)، قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.

وفي المسند أيضاً وجامع الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستخرج نار من حضرموت أو من نحو

ص: 39

بحر حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس قالوا: يا رسول الله! فما تأمرنا؟ فقال: عليكم بالشام). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وفي المسند أيضاً وسنن أبي داوود ومستدرك الحاكم عن أبي الدرداء رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال لها: الغوطة فيها مدينة يقال لها: دمشق. خير منازل المسلمين يومئذ)، قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.

قال المنذري في " تهذيب السنن " قال يحيى بن معين، وقد ذكروا عنده أحاديث من ملاحم الروم، فقال يحيى: ليس من حديث الشاميين شيء أصح من حديث صدقة بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (معقل المسلمين أيام الملاحم دمشق) انتهى.

ففي هذه الأحاديث دليل على أن جل الطائفة المنصورة يكون بالشام في آخر الزمان، حيث تكون الخلافة هناك، ولا يزالون هناك ظاهرين على الحق، حتى يرسل الله الريح الطيبة، فتقبض كل من في قلبه إيمان كما تقدم في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) وقال معاذ: وهم بالشام.

ص: 40

فأما في زماننا وما قبله، فهذه الطائفة متفرقة في أقطار الأرض، كما يشهد له الواقع من حال هذه الأمة منذ فتحت الأمصار في عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم وتكثر في بعض الأماكن أحياناً، ويعظم شأنها ويظهر أمرها ببركة الدعوة إلى الله تعالى وتجديد الدين] إتحاف الجماعة 1/ 332 - 334.

قال الإمام النووي: (

ويحتمل أن هذه الطائفة، مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 58 - 59.

وبعد عرض أقوال أهل العلم في الطائفة الظاهرة، يظهر لنا أن الكاتب حجَّر واسعاً، وألبس جماعته وحزبه لباساً ليس على مقاسهم، وما زعمه من أن أوصاف الطائفة الواردة في الأحاديث تنطبق على حزب التحرير دون استثناء، زعمٌ باطلٌ يرده واقع هذا الحزب وأفكاره.

ص: 41

وما هذه الدعوى العريضة التي لم يقم عليها دليل ولا برهان إلا غرور وكبر وتزكية للنفس والحزب، بل تعصب مقيت للحزب، قاتل الله التعصب ماذا يفعل بصاحبه، قال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:

(والقرآن يحذر من تزكية النفس، بمعنى مدحها والثناء عليها، كما قال تعالى: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم، فلا تزكوا أنفسكم، هو أعلم بمن أتقى)، وذم اليهود والنصارى الذين زكوا أنفسهم، فقال:(ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم، بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا)، وذلك أنهم قالوا، كما حكى عنهم القرآن:(نحن أبناء الله وأحباؤه)، وردَّ عليهم بقوله:(بل أنتم بشر ممن خلق، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، ولله ملك السموات والأرض وما بينهما، وإليه المصير).

ولا يجوز لمن يعمل الصالحات، أن يذكرها بعد الفراغ منها، إلا تحديثاً بنعمة ربه عليه:(وأما بنعمة ربك فحدث)، أو ليرغب غيره فيقتدي به:(من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)، أو دفاعاً عن نفسه أمام اتهام ألصق به وهو منه برئ، أو لغير ذلك من الأسباب الباعثة، وهذا مشروع لمن قوي باطنه في المعرفة بالله، وعدم الالتفات إلى ما سواه، وأمن على نفسه من تسلل آفتي

ص: 42

العجب والرياء، ولم يكن قصده اكتساب محمدة الناس والمنزلة عندهم، وقلَّ من يسلم من ذلك .. والله المستعان.

فليحذر المسلم من إعجابه بنفسه، وما يقدمه من حسنات وصالحات، واعتقاده أنه وحده المفلح، وغيره من الخاسرين، أو أنه وجماعته هم "الفرقة الناجية" وكل المسلمين من الهالكين، أو أنهم وحدهم "الطائفة المنصورة " وغيرهم من المخذولين!

إن هذه النظرة إلى النفس، هي العجب المهلك، وتلك النظرة إلى المسلمين هي "الاحتقار المردي". وفي الحديث الصحيح:"إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم".

روي الحديث بضم الكاف وبفتحها، ومعنى الضم: أنه هو "أهلكُهم"، بمعنى أسرعهم وأشدهم هلاكا، لغروره بنفسه، وإعجابه بعمله، واحتقاره لغيره.

ومعنى الرواية بالفتح "أهلكَهم": أنه الذي تسبب ـ هو وأمثاله ـ في هلاكهم، بالاستعلاء عليهم، وتيئيسهم من روح الله.

قال الإمام النووي: "وهذا النهي لمن قال ذلك، عجباً بنفسه، وتصاغراً للناس، وارتفاعاً عليهم، فهذا هو الحرام. وأما من قاله لما يرى في الناس من نقص في أمر دينهم، وقاله تحزناً عليهم، وعلى الدين، فلا

ص: 43

بأس به. فكذا فسره العلماء وفصلوه، وممن قاله من الأئمة الأعلام: مالك بن أنس، والخطابي، والحميدي، وآخرون.

وفي الحديث الصحيح الآخر: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) فمن حق المسلم على المسلم ألا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، وكيف يحقر الإنسان أخاه، وهما فرعان من أصل واحد؟) برنامج الشريعة والحياة للقرضاوي / قناة الجزيرة الفضائية / عن شبكة الإنترنت.

ويضاف إلى ما تقدم، أنه قد وردت في بعض روايات أحاديث الطائفة الظاهرة، أوصاف تبطل زعم الكاتب أنها تنطبق على حزب التحرير فقط، وقد ذكرها الكاتب، ولكنه أوَّلها تأويلاً أعرجاً حتى تؤيد زعمه الباطل:

فمن ذلك ما ورد في الحديث: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة

إلخ) رواه مسلم.

وفي الحديث الآخر (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم

إلخ).

فهذه الأحاديث، تثبت أن الطائفة الظاهرة تقاتل على دين الله وتدافع عنه بالقتال؟

ص: 44

فأين هذا الوصف من واقع حزب التحرير، الذي لا يؤمن باستخدام الوسائل المادية أبداً؟

وإنما مبدؤه ورأسماله الفكر والثقافة، ولا شيء سوى ذلك، أي الكلام باللسان فقط؟

وأما ما قاله الكاتب: [فقوله صلى الله عليه وسلم يقاتلون على الحق، يقاتلون على أمر الله، جاء القتال

فيقاتلونهم ويرزقهم الله منهم)، يدل دلالة صحيحة على أن هذه الطائفة، سيكون لها دولة تعلن الجهاد والقتال وتنتصر على الأعداء، وهذه هي الغاية التي يسعى إليها

(حزب التحرير) منذ نشأته وهي إعادة الخلافة الراشدة] ص56.

إن هذا القول تأويل بعيد لا تحتمله النصوص، لأن الأحاديث أخبرت أنهم يقاتلون لا أنهم سيقاتلون، وفرق بين الحالتين.

وأما دعواه أن الحزب سيقيم دولة ستقاتل. فهذا أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. ولا أظن أن الحزب بهذه الأفكار التي يحملها والوسائل التي ينتهجها سيصل إلى إقامة دولة.

فإعادة الخلافة أو إقامة الدولة الإسلامية يحتاج إلى أكثر من الثقافة والفكر الذي حصر الحزب نفسه بهما، إن سنة الله تعالى وما سلكه الأنبياء عليهم السلام في الدعوة إلى الله يدل على ارتباط القول بالعمل وهكذا كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم. انظر أثر الجماعات الإسلامية 1/ 251.

ص: 45