المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأمور التي تخفف وقع المصائب على أصحابها - شرح رسالة العبودية لابن تيمية - عبد الرحيم السلمي - جـ ٥

[عبد الرحيم السلمي]

فهرس الكتاب

- ‌رسالة العبودية [5]

- ‌قوادح في العبودية

- ‌قوادح في العبودية لا تصل إلى الشرك الأكبر

- ‌تفاضل الناس في باب العبودية لله تعالى

- ‌عبد الدينار والدرهم والدنيا ليس عبداً لله

- ‌الفرق بين من طلب رزقه من الله وبين من طلبه من مخلوق في باب العبودية

- ‌الترفع عن سؤال الناس من كمال العبودية لله

- ‌الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر الذي هو من تمام العبودية لله

- ‌الأمور التي تخفف وقع المصائب على أصحابها

- ‌من دعاء موسى عليه السلام الذي يشتكي فيه إلى الله

- ‌دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الطائف وإظهاره الشكوى والافتقار إلى الله

- ‌طمع العبد في فضل الله ورحمته ورجاؤه له من كمال عبوديته له

- ‌العبودية الحقة هي عبودية القلب لا البدن

- ‌الأسئلة

- ‌كلمة حول استقبال شهر رمضان

- ‌لا أحد معصوم من الخطأ حتى الذين يدخلون الجنة بغير حساب

- ‌موقع (طريق التوبة) على الإنترنت وبيان أهمية التوبة ووجوبها

- ‌قبول توبة العبد ما لم يغرغر أو تطلع الشمس من مغربها

- ‌خروج الريح من نواقض الوضوء

- ‌سبب تخصيص ابن تيمية للصوفية بالذكر في رسالة العبودية دون سائر الفرق الضالة

الفصل: ‌الأمور التي تخفف وقع المصائب على أصحابها

‌الأمور التي تخفف وقع المصائب على أصحابها

ولهذا من أبلغ الأمور التي تجعل وقع المصائب على الإنسان خفيفة عدم التعلق بالدنيا تعلقاً كبيراً، وأن يكون تعلقه الأساسي بالآخرة، ويكون استحضاره للآخرة دائماً، وأنت تعلم أن هذه الدنيا محدودة الأجل، وأنه مهما طال بقاؤك فيها، فمصيرك إلى الموت.

الأمر الثاني: أن يكون الإنسان في محبته مقتصداً فلا يبالغ فيها، حتى في المحبة الطبيعية كمحبة الأولاد، أحياناً الإنسان يحب أولاده محبة غير طبيعية، ويزيد في المحبة بشكل عجيب جداً، وبمجرد حصول أي مصيبة لولده لا يستطيع أن يتحمل لكن لما تكون محبته متزنة وهادئة يستطيع أن يمتص مثل هذه المشكلات.

أيضاً محبة الإنسان لزوجته ولأهله وعشيرته، ومحبة الإنسان لأهل وطنه ولوظيفته.

ولهذا قابلت شخصاً صار بينه وبين زوجته -مع محبته الشديدة لها- خلاف وطلقها، فلما أفتاهم الشيخ بأنها فارقته، وأنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، أخذ يبكي بكاءً عجيباً جداً كالطفل، ولم يستطع أن يتحمل مثل هذه المشكلة؛ لأن كثيراً من الناس في مسيرتهم في الحياة متخبطون لا يسيرون باتزان.

ولهذا جاء في الأثر: أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما، فالاتزان في المحبة، وفي الكره، والاتزان في العواطف عموماً يجعل الإنسان مستقراً نفسياً، وأقرب إلى الهدوء النفسي، وأقرب إلى الوضع الطبيعي في النفس، لكن المبالغات هي التي تحدث عند الإنسان كثيراً من الأمراض، أذكر أن مرة من المرات -بعد أن انتهيت من أحد الدروس- جاءني طبيب نفسي، فذكر لي أشياء عجيبة جداً من حالات الشباب الذين يأتونه، يقول: أكثرها تدور حول المحبة والعشق، يحب فتاة ويحصل بينهم خلاف فيهجرها أو تهجره، فيعيش في حياة ضنك تستمر سنوات، وقد يفقد بسبب هذه المشكلة دراسته، وقد يفقد بسبب هذه المشكلة أهله، وقد يفقد بسبب هذه المشكلة وظيفته، وقد يحصل مصائب كثيرة بسبب مثل هذه المشكلات.

فالمجتمع مليء بالغرائب، وبالنسبة للناس الطبيعيين يرون أن هذا أمر غريب، لكن الواقع شيء مهول لا يتخيله الإنسان، ومن أسباب هذا المستوى الهزيل والضعيف في نفوس الشباب والفتيات والناس عموماً، أننا أصبحنا مع الأسف أمة متلقية لما عند الآخرين، ولسنا أمة منتجة نتأمل في كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ونربي أنفسنا عليها، وكثير -مع الأسف- من العقليات والنفسيات اليوم صبغت بالطابع الغربي من خلال الإعلام، ومن خلال أجهزة الإفساد كالقنوات الفضائية.

وأثرها في الشعور الظاهري كالصور المثيرة للشهوات قد تثيره، لكن من الأشياء الباطنية التي تبقى مع تعدد هذه الأفلام أن تكون روح الحياة الغربية موجودة في قلبه، وروح الأفكار الغربية موجودة في عقله، فيعيش في مجتمعه على هذا الأساس.

وهنا تكون الخطورة، وهنا يكون الضياع، إذ يكون الإنسان جامعاً بين منهجين وطريقتين وحضارتين وثقافتين مختلفتين تماماً، يعيش في بلد إسلامي فيه أهله يعلمونه القرآن والسنة، ولكنه في نفس الوقت قد حشا ضميره، وحشا نفسه، وحشا عقله بمثل هذه الأمور الخطيرة، فتحصل له تخبطات هائلة جداً، لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى.

ص: 9