المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تفسير سورة الفاتحة:] - شرح رسالة محمد بن عبد الوهاب في شروط الصلاة وأركانها وواجباتها

[ابن باز]

الفصل: ‌[تفسير سورة الفاتحة:]

وقراءة الفاتحة ركن في كل ركعة (1)، كما في حديث:«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ، وهي أم القرآن.

‌‌

[تفسير سورة الفاتحة:]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (2):

(1) هذا الركن الثالث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج غير تمام» ، سواء كانت فريضة أو نافلة، فهذا عام، وهذا في حق الإمام والمنفرد، أما في حق المأموم فهي واجبة في حقه، تسقط مع السهو والجهل، وإذا سبقه الإمام، فجاء والإمام راكع وفاتته القراءة، فإنها تسقط عنه على الصحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أدرك أبو بكرة رضي الله عنه الركوع مع الإمام لم يأمره بقضاء الركعة، فالمأموم في حقه واجبة تسقط مع الجهل والنسيان وبفوات القيام، فإذا فاته القيام مع الإمام وأدرك الركوع أجزأه ذلك، أما إذا أمكنه فيقرأ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لعلكم تقرؤن خلف إمامكم» ، قلنا:(نعم)، قال:«لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» ، وهذا للعموم، فقراءة الفاتحة مثل ما تقدم ركن.

(2)

ثم يسمي الله بعد أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فيقول:«بسم الله الرحمن الرحيم» استعانة بالله، فالباء هذه للاستعانة، و «الله» معناه: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين سبحانه وتعالى، و «الرحمن» معناه: ذو الرحمة الواسعة، و «الرحيم» معناه: ذو الرحمة الخاصة بالمؤمنين كما قال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:43]، ويقول:{إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [البقرة:143].

- مسألة: هل لقراءة البسملة في الفاتحة ركنية الفاتحة؟.

الجواب: قراءة البسملة سنة، وليست من الفاتحة، ولا من جميع السور، إلا أنها بعض آية من سور النمل.

ص: 18

بركة واستعانة، {الْحَمْدُ للهِ}: الحمد ثناء (1)، والألف واللام لاستغراق جميع المحامد، وأما الجميل الذي لا صنع له فيه مثل الجمال ونحوه فالثناء به يسمى مدحاً لا حمداً، {رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) الرب: هو المعبود، الخالق، الرازق، المالك، المتصرف، مربي جميع الخلق بالنعم. {الْعَالَمِينَ}: كل ما سوى الله عالم، وهو رب الجميع، {الرَّحْمنِ} (3): رحمة عامة جميع المخلوقات، {الرَّحِيمِ} (4): رحمة خاصة بالمؤمنين، والدليل قوله تعالى:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:43]، {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (5): يوم الجزاء والحساب، يوم كل يجازى بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر، والدليل قوله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19]، والحديث عنه صلى الله عليه وسلم «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني» ،

(1) معنى {الْحَمْدُ للهِ} : الثناء لله كما تقدم.

(2)

ومعنى {رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: رب المخلوقات كلها.

(3)

{الرَّحْمنِ} : ذو الرحمة الواسعة.

(4)

{الرَّحِيمِ} : ذو رحمة خاصة بالمؤمنين.

(5)

{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} : يوم الجزاء والحساب، فالدين هو الجزاء والحساب، فهو مالك اليوم الذي فيه الجزاء والحساب، كما قال تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:19]، ومنه الحديث:«الكيس من دان نفسه -يعني: حاسبها- وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني» ، فالكيس الحازم هو الذي يحاسب نفسه، ويعمل لما بعد الموت ويجتهد، والعاجز الكسول من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، والحديث مشهور في سنده بعض اللين.

ص: 19

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (1): أي لا نعبد غيرك، عهد بين العبد وبين ربه ألا يعبد إلا إياه. {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: عهد بين العبد وبين ربه ألا يستعين بأحد غير الله، {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (2): معنى {اهدِنَا} : دلنا وأرشدنا وثبتنا، و {الصِّرَاطَ}: الإسلام، وقيل: الرسول، وقيل: القرآن، والكل حق، و {المُستَقِيمَ}: الذي لا عوج فيه، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} (3): طريق المنعم عليهم، والدليل قوله تعالى:{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69]،

(1){إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} معناه: {إِيَّاكَ} يعني: وحدك يا رب نعبد ونخصك بالعبادة، وهي: طاعاته التي أمر بها من صلاة وصوم وغير ذلك، وواجب العبد أن يخص الله بالعبادة كما قال جل وعلا {فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 14]، وقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} [البقرة: 21]، و {إِيَّاكَ} يعني: نقصدك وحدك ونستعين بك يا ربنا في كل شيء، في أمورنا كلها، في الدين والدنيا، وهذا يدل على أن العبد يجب عليه أن يخص ربه بالعبادة والاستعانة.

(2)

{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} : أي: دلنا وأرشدنا وثبتنا على الصراط، فالهداية بمعنى: الدلالة والإرشاد والتثبيت، و {الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} هو: طريق الله الذي نصبه لعباده وجعله موصلاً إليه، وهو: دينه القويم الذي بعث به نبيه عليه الصلاة والسلام، و {المُستَقِيمَ}: الذي لا عوج فيه، وهو اتباع الكتاب والسنة.

(3)

{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} : طريق المنعم عليهم، وهم: الرسل وأتباعهم أهل العلم والعمل، يعني: الصراط المستقيم هو طريقهم، طريق المنعم عليهم، وهم: أهل العلم والعمل، الذين قال فيهم سبحانه:{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69]، هؤلاء هم المنعم عليهم، وهم: الرسل وأتباعهم.

ص: 20

{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} : وهم: اليهود معهم علم ولم يعملوا به، نسأل الله أن يجنبك طريقهم، {وَلَا الضَّالِّينَ} (1): وهم: النصارى؛ يعبدون الله على جهل وضلال، نسأل الله أن يجنبك طريقهم، ودليل الضالين قوله تعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:104]، والحديث عنه صلى الله عليه وسلم:«لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» ، قالوا:(يا رسول الله اليهود والنصارى؟)، قال:«فمن» أخرجاه، والحديث الثاني:«افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» ، قلنا:(من هي يا رسول الله؟)، قال:«من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي» .

(1){غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} : وهم: اليهود قاتلهم الله، غضب الله عليهم لكفرهم وحسدهم وبغيهم، {وَلَا الضَّالِّينَ}: وهم: النصارى تعبدوا على جهل، اليهود داؤهم العناد مع العلم، والنصارى داؤهم الجهل هذا هو الغالب عليهم، قال تعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:104]، هذا وصف النصارى نسأل الله العافية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لتتبعن سَنَنَ من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» ، قالوا:(يا رسول الله اليهود والنصارى؟)، قال:«فمن» ، هم أهل الغضب والضلالة، أكثر الخلق سار في سبيلهم من ترك الحق واتباع الهوى، تارة عن عمد، وتارة عن جهل، قال تعالى:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]، وقال تعالى:{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]، وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» ، وهكذا اليهود إحدى وسبعون كلها في النار إلا واحدة، والواحدة هم: أتباع موسى عليه السلام في عهده وبعده، والبقية هالكون، والنصارى ثنتان وسبعون كلها في النار إلا واحدة، والواحدة هم: أتباع عيسى عليه السلام في عهده وبعده، والبقية هالكون، وفي أمة محمد صلى الله عليه وسلم الناجون هم: أتباع محمد صلى الله عليه وسلم في عهده وبعده، والذين خالفوه هم الهالكون.

ص: 22