المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة في دلالة الأحاديث الواردة في هذا البحث - أحاديث القراءة في صلاة الفجر جمعا ودراسة

[إبراهيم العبيد]

الفصل: ‌مسألة في دلالة الأحاديث الواردة في هذا البحث

صبي فركع ثم قام فقرأ آيتين ثم ركع".

والحديث في الصحيحين1 من طريق قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه".

وفي لفظ لمسلم من طريق ثابت البناني عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة".

1 البخاري في صحيحه (1/250 رقم 677، 676، 675، 678) كتاب الجمعة والإمامة، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي. ومسلم في صحيحه (1/342، 343 رقم 470) كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام.

ص: 276

‌مسألة في دلالة الأحاديث الواردة في هذا البحث

مسألة:

أكثر الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة في صلاة الفجر القراءة بطوال المفصل لكن يرد على هذا الأحاديث الواردة في القراءة في الفجر بأوساط المفصل وقصاره كحديث عمرو بن حريث القراءة بالتكوير2 وحديث رجل من جهينة القراءة بالزلزلة3 وحديث عقبة بن عامر4 وعمرو بن عبسة5 القراءة بالمعوذتين، وحديث ابن عمر6 القراءة بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} والصمد وغيرها.

لكن يمكن أن يجاب عن ذلك من وجهين:

الأول: أن التخفيف لعارض من سفر أو بكاء صبي أو غير ذلك.

2 حديث رقم (7) .

3 حديث رقم (8) .

4 حديث رقم (11) .

5 حديث رقم (12) .

6 حديث رقم (18) .

ص: 276

قال ابن القيم رحمه الله1: "وأما تخفيف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند بكاء الصبي فلا يعارض ما ثبت عنه من صفة صلاته بل قد قال في الحديث نفسه "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز" 2 فهذا تخفيف لعارض وهو من السنة كما يخفف في صلاة السفر وصلاة الخوف.

وكل ما ثبت عنه من التخفيف فهو لعارض كما ثبت عنه أنه قرأ في السفر في العشاء بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} 3 وكذلك قراءته في الصبح بالمعوذتين فإنه كان في السفر ولذلك رفع الله الجناح عن الأمة في قصر الصلاة في السفر والخوف.

والقصر قصران: قصر أركان وقصر عدد فإن اجتمع السفر والخوف اجتمع القصران وإن انفرد السفر وحده شرع قصر العدد وإن انفرد الخوف وحده شرع قصر الأركان وبهذا يعلم سر تقييد القصر المطلق في القرآن بالخوف والسفر فإن القصر المطلق الذي يتناول القصريين إنما يشرع عند الخوف والسفر فإن انفرد أحدهما بقى مطلق القصر إما في العدد وإما في القدر".أ. هـ

وقال ابن رجب4: "وقد حكى ابن عبد البر5 الإجماع على تقصير القراءة في السفر وقال أصحابنا: لا يكره تخفيف القراءة في الصبح وغيرها في السفر دون الحضر".

1 تهذيب السنن (1/415) زاد المعاد (1/209) .

2 انظر: حديث رقم (39) .

3 أخرجه البخاري في صحيحه (1/266رقم733) كتاب صفة الصلاة، باب الجهر في العشاء. ومسلم في صحيحه (1/339 رقم 464) كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء.

4 فتح الباري له (7/45) .

5 الإستذكار (4/178) .

ص: 277

وقال إبراهيم النخعي: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأون في السفر بالسور القصار.

خرجه ابن أبي شيبة"1. أ. هـ

ومما يؤيد هذا الوجه وأن هذا ليس منه صلى الله عليه وسلم دائما ما في حديث الرجل من جهينة2 من قراء النبي صلى الله عليه وسلم بالزلزلة في الركعتين كلتيهما.

قال الراوي: فلا أدري أنسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمداً، فلو كان شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم التخفيف دائماً ما حصل هذا الاستفهام.

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز ففي غالب أحواله صلى الله عليه وسلم يقرأ بطوال المفصل لكنه قرأ بقصار المفصل ليبين للأمة جواز ذلك.

قال ابن القيم رحمه الله3: "ولو قدر أنه صلى الله عليه وسلم خفف الصلاة لا لعذر كان في ذلك بيان الجواز وأن الاقتصار على ذلك لعذر ونحوه يكفي في أداء الواجب فأما أن يكون هو السنة وغيره مكروه مع أنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أغلب أوقاته فحاشى وكلا ولهذا رواته عنه أكثر من رواة التخفيف والذين رووا التخفيف رووه أيضاً فلا نضرب سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها ببعض بل يستعمل كل منها في موضعه وتخفيفه إما لبيان الجواز وتطويله لبيان الأفضل.

وقد يكون تخفيفه لبيان الأفضل إذا عرض ما يقتضي التخفيف فيكون التخفيف في موضعه أفضل والتطويل في موضعه أفضل ففي الحالين ما خرج عن

1 في مصنفه (1/366) كتاب الصلاة، باب من كان يخفف القراءة في السفر ورجال إسناده ثقات لكن مرسل إبراهيم لم يلق أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قاله ابن المديني.

المراسيل (9) .

2 حديث رقم (8) .

3 تهذيب السنن (1/416) .

ص: 278

الأفضل وهذا اللائق بحاله صلى الله عليه وسلم وجزاه عنا أفضل ما جزى نبيًا عن أمته وهو اللائق بمن اقتدى به وائتم به صلى الله عليه وسلم".أ. هـ

فإن قيل فما الجواب عن الأحاديث التي فيها الأمر بتخفيف الصلاة مطلقاً يجاب عن ذلك بما ذكره ابن القيم رحمه1: "من أنه يرجع في التخفيف المأمور بة إلى فعله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلي وراءه الضعيف والكبير وذو الحاجة وقد أمرنا بالتخفيف لأجلهم فالذي كان يفعله هو التخفيف إذ من المحال أن يأمر بأمر ويعلله بعلة ثم يفعل خلافه مع وجود تلك العلة إلا أن يكون منسوخاً.

وفي صحيح مسلم2 عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طول صلاة الرجل وقصر خطبتة مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان سحراً" فجعل طول الصلاة علامة على فقه الرجل وأمر بإطالتها وهذا الأمر إما أن يكون عاماً في جميع الصلوات وإما أن يكون المراد به صلاة الجمعة فإن كان عاماً فظاهر وإن كان خاصاً بالجمعة مع كون الجمع فيها يكون عظيماً وفيه الضعيف والكبير وذو الحاجة وتفعل في شدة الحر ويتقدمها خطبتان ومع هذا فقد أمر بإطالتها فما الظن بالفجر ونحوها التي تفعل في وقت البرد والراحة مع قلة الجمع

"أ. هـ.

وقال أيضاً3: "إن الإيجاز هو الذي كان يفعله وعليه داوم حتى قبضه الله إليه فلا يجوز غير هذا البتة".

وقال ابن القيم أيضاً4: "وأما ما رواه مسلم في صحيحه5 من حديث جابر

1 تهذيب السنن (1/413) .

(2/594 رقم 869) كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة.

3 الصلاة وحكم تاركها لابن القيم (186) .

4 تهذيب السنن (1/412) .

5 تقدم حديث رقم (5) .

ص: 279

بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر (بقاف والقرآن المجيد) وكانت صلاته بعد تخفيفاً.

فالمراد به -والله أعلم- أن صلاته كانت بعد الفجر تخفيفاً يعني أنه كان يطيل قراءة الفجر ويخفف قراءة بقية الصلوات لوجهين:

أحدهما: أن مسلماً روى في صحيحه عن سماك بن حرب قال: "سألت جابر بن سمرة عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان يخفف الصلاة ولا يصلي صلاة هؤلاء قال: وأنبأني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر (بقاف والقرآن المجيد) ونحوها" فجمع بين وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخفيف وأنه كان يقرأ في الفجر بقاف.

الثاني: أن سائر الصحابة اتفقوا على أن هذه كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي مازال يصليها ولم يذكر أحد أنه نقص في آخر أمره من الصلاة وقد أخبرت أم الفضل1 عن قراءته في المغرب بالمرسلات في آخر الأمر وأجمع الفقهاء أن السنة في صلاة الفجر أن يقرأ بطوال المفصل.

وأما قوله: "ولا يصلي صلاة هؤلاء" فيحتمل أمرين:

أحدهما: لم يكن بحذف كحذفهم بل يتم الصلاة.

والثاني: أنه لم يكن يطيل القراءة إطالتهم.

وفي مسند أحمد وسنن النسائي2 عن عبد الله بن عمر قال: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمرنا بالتخفيف وإن كان ليؤمنا بالصافات" وهذا يدل على أن الذي أمر به هو الذي فعله فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يصلوا مثل صلاته ولهذا

1 أخرجه البخاري في صحيحه (1/265رقم729) كتاب صفة الصلاة، باب القراءة في المغرب. ومسلم في صحيحه (1/338 رقم 462) كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح.

2 وتقدم تخريجه برقم (14) .

ص: 280

صلى على المنبر، وقال:"إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي"1.

وقال لمالك بن الحويرث وصاحبه: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 2 وذلك أنه ما من فعل في الغالب إلا ويسمى خفيفاً بالنسبة إلى ما هو أطول منه وطويلاً بالنسبة إلى ما هو أخف منه فلا يمكن تحديد التخفيف المأمور به في الصلاة باللغة ولا بالعرف لأنه ليس له عادة في العرف كالقبض والحرز والإحياء والاصطياد حتى يرجع فيه إليه بل هو من العبادات التي يرجع في صفاتها ومقاديرها إلى الشارع كما يرجع إليه في أصلها ولو جاز الرجوع فيه إلى العرف لاختلفت الصلاة الشرعية اختلافاً متبايناً لا ينضبط ولكان لكل أهل عصر ومصر بل لأهل الدرب والسكة وكل محل لكل طائفة غرض وعرف وإرادة في مقدار الصلاة يخالف عرف غيرهم وهذا يفضي إلى تغيير الشريعة وجعل السنة تابعة لأهواء الناس فلا يرجع في التخفيف المأمور به إلا إلى فعله صلى الله عليه وسلم

".أ. هـ

وقال أيضاً3: "وأما إن قدِّر نفور كثير ممن لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى وكثير من الباطوليه الذين يعتادون النقر كصلاة المنافقين وليس لهم في الصلاة ذوق ولا لهم فيها راحة بل يصليها أحدهم استراحة منها لا بها فهؤلاء لا عبرة بنفورهم فإن أحدهم يقف بين يدي المخلوق معظم اليوم ويسعى في خدمته

1 أخرجه البخاري في صحيحه (1/310،311رقم875) كتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر. ومسلم في صحيحه (1/386-387 رقم 544) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة.

2 أخرجه البخاري في صحيحه (1/226 رقم 605) كتاب الآذان، باب الآذان للمسافر إذا كانوا جماعة

3 تهذيب السنن (1/416) .

ص: 281

أعظم السعي فلا يشكو طول ذلك ولا يتبرم به فإذا وقف بين يدي ربه في خدمته جزءً يسيراً من الزمان، وهو أقل القليل بالنسبة إلى وقوفه في خدمة المخلوق استثقل ذلك الوقوف واستطال وشكى منه وكأنه واقف على الجمر يتلوى ويتقلى ومن كانت هذه كراهته لخدمة ربه والوقوف بين يديه فالله تعالى أكره لهذه الخدمة منه والله المستعان". أ. هـ

ص: 282