المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٢١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف:

هذا الاختلاف في عود الضمائر في أبيه وجده هو الذي أوجد خلاف في الاحتجاج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فمن قال: عن أبيه شعيب عن جده محمد جد عمرو محمد، قال: لا يحتج بهذه السلسلة؛ لأن الخبر يكون مرسلاً، محمد ليس بصحابي تابعي، ومن قال: إن جده يعود إلى الأب الذي هو شعيب فيكون جد عبد الله بن عمرو بن العاص، فيكون حينئذٍ الخبر متصلاً إن ثبت سماع شعب من جده عبد الله بن عمرو، على كل حال المسألة مختلف فيها، والذي يراه أهل التحقيق وأهل الإنصاف والاعتدال من أهل العلم أن السند قابل للتحسين إذا صح إلى عمرو، فإذا صح السند إلى عمرو فالخبر لا ينزل عن درجة الحسن.

يقول: ما صحة قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، أدبار صلاتي المغرب والفجر؟

صحيح.

وكذلك سورة الإخلاص أدبار الصلوات؟

هي جاءت سورة الإخلاص مع آية الكرسي، وأما المعوذتان فلا إشكال فيهما، لكن سورة الإخلاص أقل مما جاء في المعوذتين.

يقول: بعض الأئمة تكون أصواتهم بالتكبير بالصلاة لها نغمات معينة؟

يعني يختلف أدائهم بالتكبير تكبير الركوع، تكبير السجود، تكبير الجلوس، تكبير القيام.

يقول: بحيث لو كان المأموم مغمض العينين لعرف أنه يركع أو يسجد أو أنه في التشهد الأخير؟

لا شك أن هذا مما يعين المأموم على ضبط صلاته، لا سيما إذا كان لا يرى الإمام، وإذا كان القصد إعانة المأموم والمأموم كما يقال: إذا كان سبب المنع أننا نعينه على الغفلة هو غافل غافل، الغافل غافل لا نعينه ولا نزيده، على كل حال هذه من الأمور المتروكة التي لم يرد فيها صفة عن النبي عليه الصلاة والسلام، فكيفما أديت صحت.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- وغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين:

‌باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف:

ص: 6

حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر وإسحاق بن منصور قال أبو عبيدة: حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني أبي عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه.

قال أبو عيسى: وقال إسحاق بن منصور: معدان بن طلحة، قال أبو عيسى: وابن أبي طلحة أصح، قال أبوعيسى: وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء وهو قول مالك والشافعي، وقد جود حسين المعلم هذا الحديث، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب، وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه فقال: عن يعيش بن الوليد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء رضي الله عنه ولم يذكر فيه الأوزاعي، وقال: عن خالد بن معدان وإنما هو معدان بن أبي طلحة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف" القيء: ما يخرج من المعدة عن طريق الفم، والرعاف الدم الذي يخرج من طريق الأنف، الخارج النجس من البدن لا يخلو إما أن يكون من المخرجين السبيلين فهذا ينقض الوضوء بالاتفاق، قليه وكثيره، أو من غيرهما، فإن كان نجساً محكوم بنجاسته فلا يخلو إما أن يكون فاحشاً، فهذا ينقض عند جمع من أهل العلم، وعليه يدل ما في الباب، وإن كان يسيراً فلا عند الجميع.

ص: 7

يقول -رحمه الله تعالى- قال: "حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر وهو أحمد بن عبد الله الهمداني الكوفي" يقول عنه ابن حجر: صدوق يهم "وإسحاق بن منصور" الكوسج، ثقة ثبت "قال أبو عبيدة -بن أبي السفر-: حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا" الترمذي ميز بين صيغ الأداء، فبين أن صيغة شيخه أبو عبيدة: حدثنا، وصيغة رواية إسحاق عن شيخه عبد الصمد: أخبرنا، وهذا جارٍ على الاصطلاح الذي استقر عليه الأمر بين التفريق بين الصيغتين، الأصل أن التحديث والإخبار بمعنىً واحد {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] فالتحديث والإخبار معناهما واحد، وإن كان الإخبار أوسع من التحديث بدليل أن من قال لعبيده: من أخبرني بكذا فهو حر، أنه يعتق إذا أخبره بأي طريق يفهم الإخبار، سواءً كان بالمشافهة أو بالكتابة أو بالإشارة المفهمة، لكن لو قال: من حدثني بكذا فهو حر، فإنه لا يعتق حتى يشافهه بالخبر، حتى يشافهه بالخبر، فهذا التعميم والتخصيص، العموم والخصوص بين اللفظين لم يلتفت إليه كثير من أهل العلم وعلى رأسهم الإمام البخاري، فسواءٌ قال الراوي: حدثنا أو قال: أخبرنا لا فرق، بينما الاصطلاح استقر على التفريق بينهما، وهو الذي يعتني به ويهتم به الإمام مسلم، والترمذي كما هنا، والإمام أحمد في مسنده قبلهما، وأبو داود والأكثر من علماء الحديث في المشرق، كلهم أو جلهم يفرقون، جلهم يفرقون بين التحديث والأخبار، ولذا احتاج الترمذي أن يقول: قال أبو عبيدة حدثنا وقال إسحاق: أخبرنا، ولا شك أن هذا من دقته وتحريه، حينما استقر الاصطلاح على ذلك ينبغي متابعة الاصطلاح في هذا، فمتى يقول المحدث حدثنا ومتى يقول أخبرنا؟ يقول: حدثنا إذا روى الحديث بطريق السماع من لفظ الشيخ، إذا سمع من لفظ الشيخ قال: حدثنا، وإذا قرأ على الشيخ أو قرئ بحضرته على الشيخ قال: أخبرنا.

ص: 8

يقول: "قال أبو عبيدة: حدثنا، وقال إسحاق: أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث" وهذا صدوق "قال: حدثني أبي" عبد الوارث بن سعيد ثقة "عن حسين المعلم" وقد يقال: المكتب، ومعناهما واحد، المكتب الذي يعلم الناس في الكتاب، يعلمهم القراءة والكتابة، حسين بن ذكوان المعلم ثقة، المعلم والمكتب، كان الناس يتعلمون في الكتاب، وأدرك هذا الكتاب حتى بعض من حضر أدرك الكتاب، ويوجد من يعلم الناس الحروف بالألواح أو بالأوراق، ويعلمهم الكتابة ومبادئ القراءة وقصار السور، هذا يقال له: معلم أو مكتب، المقصود به أنه صاحب كُتاب، وصاحب الكُتاب هو معلم صبيان، أجره عند الله عظيم، وهو في زمرة المعلمين؛ لأن التعليم لا يختص بالكبار، بل الرباني عند جمع من أهل العلم يقولون: من يعلم صغار العلم قبل كباره، وبعض الناس يأنف من هذه المهنة، لا سيما وقد سطر في كتب الأدب الذم لهؤلاء الذين يعلمون الصبيان، وقالوا: إنهم لا يلبثون إذا اقتصروا على ذلك أن عقولهم تنزل على مستوى الصغار، ويألفون ذلك، فتضعف عقولهم، لكنها مهنة لا بد من القيام بها، ولا يعني هذا أن الإنسان إذا بدأ يعلم الصغار أنه لا يجالس الكبار، ولا يتعلم مع الكبار، ولا يكمل دراسته مع الكبار، لا، نعم إذا اقتصر على الصغار وصار معهم ليله ونهاره، وكتب الأدب فيها التندر بهم كثير، حتى المتأخرين منهم، يعني كتب الأدب القديمة هذا كثير حدث ولا حرج، يعني معلم الصبيان عندهم صفة ذم.

ص: 9

أحمد أمين في فيض الخاطر ذكر عن نفسه أنه لما دخل الكتاب وجد في مصر يسمون المعلم هذا الفقيه، وقد يحذفون الهاء، المقصود أن الفقيه عندهم هذا من طول ممارسة هذه المهنة ومعاملة الصبيان يحتاج إلى طرق في التعامل معهم قد لا تكون مناسبة، والأديب هذا أحمد أمين أسفّ كثيراً في وصف هذا الكُتاب وهذا المكتب هذا المعلم في فيض الخاطر، وقال: إن عنده عصا طويلة للبعيد، وعصا قصيرة للقريب، ويحذف العصا أحياناً فتصيبه في مقتل، وذكر من عدم النظافة الشيء الذي تتقزز منه النفوس، يعني فيما يُشرب في المكتب في محل الدرس، وفيما يجلس عليه، وفيما يأكل من أرغفة سوداء، وأخذ يذم ذماً بالغاً، يقول: ثم جاء الولد فلما بلغ سن التمييز، قبل ذلك قبل التمييز يعني قبل خمس أدخلته الروضة ذهبت به إلى الروضة فاستقبلتنا آنسة في فناء مزروع مظلل، ما أدري، أخذ يمدح مدح لا نظير له، في مقابل ذم الكُتاب عنده، وهو رجل بليغ يعني أديب كبير يعني إذا أراد أن يذم استطاع يعني بقوة، وإذا أراد أن يمدح رفع شأن الممدوح وإن كان الأصل أن هذا لله -جل وعلا-، يعني هو يذم ويبالغ ويمدح ويبالغ، لكن الذي يضر ذمه ومدحه هو الله -جل وعلا-، في النهاية ختم كلامه بعد أن ذم الكُتاب ذماً بليغاً ومدح الروضة التي استقبلته فيها الآنسة والمكان المزروع والمكيف، أخذ يمدح مدح شيء، ولا يقبل الطالب لو يكح أو يعطس لا يقبل من الغد إلا بتقرير طبي، يقول: نحن في الكُتاب إلى الكتف ندخل اليد في الزير لنتناول الكأس لنشرب به، إلى الكتف، يقول، إلى الإبط، ندخل اليد في الزير، كل هذا من أجل ذم هذا ومدح هذا، يقول: وفي النهاية -شوف النتيجة- وفي النهاية حفظت القرآن ولم يحفظ ولدي شيئاً، يعني حفظ القرآن في الكُتاب وولده ما استفاد شيء، لكن الأسلوب الذي ذم به الكُتاب وهو يريد أني يتوصل إلى هذه النتيجة هذا الكلام ليس بصحيح، يعني إذا أراد الإنسان أن يقرر نتيجة طيبة لا بد أن يمهد لها بكلام طيب، وأن هذا يعني يمكن تصحيحه، ويمكن يغتفر في مقابل أن الإنسان يحفظ القرآن؛ لأن هذا أمر عظيم، لكن ماذا عن الذين استقبلوا بالورود وفرشت لهم الأراضي بالزروع؟ وما أدري إيش؟ ما حفظ، يقول: ولا سورة واحدة،

ص: 10

فحقيقة أنا ما استطعت تأويل ذمه الشديد لهذا الكُتاب وفي النهاية فحظ القرآن، ومدحه الشديد للروضة، روضة الأطفال وفي النهاية لا شيء، يعني الأصل أنه إن كان يهمه حفظ القرآن كان يهمه حفظ القرآن، إن كان بالفعل يعنى بحفظ القرآن يقدم بمقدمات تجعل السامع يقدم على هذا الأمر، ما يصرف الناس عن هذا المكتب الذي في النهاية حفظ القرآن، ويمدح الروضة التي في النهاية لم يحفظ شيئاً.

ينبغي أن تكون مقدمات مناسبة للنتائج، إذا كان هناك أخطاء يسعى في تصحيحها، إذا كان هناك ما يجلب الأمراض، وهناك أوساخ وكذا تصحح، لكن ليس بهذه الطريقة إلا إذا كان وهذا أستبعده يعني؛ لأنه وإن كان أديباً له عليه ملاحظات كثيرة، لكنه مدرس في مدرسة القضاء الشرعي، يعني إذا كان لا يهمه حفظ القرآن، يهمه النظافة، يهمه الترتيب يهمه كذا، فالمقال ماشي، يعني ماشي على ما يريد، وإن كان يهتم بحفظ القرآن فليست هذه الصياغة المناسبة لإغراء الناس بحفظ القرآن، وإلحاق أطفالهم بالكتاتيب التي تحفظ القرآن، هذه جاءت بمناسبة المكتب هذه.

ص: 11

"عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي" ابن أبي كثير ثقة، والأوزاعي إمام "عن يعيش بن الوليد المخزومي -وثقه النسائي- عن أبيه" الوليد بن هشام الأموي "عن معدان بن أبي طلحة" اليعمري شامي ثقة "عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ" قاء: يعني خرج من معدته ما خرج عن طريق الفم، "قاء فأفطر" الفاء هذه إن كانت سببية فالقيء مفطر، يعني أفطر بسبب القيء، فتوضأ إن كانت سببية كذلك توضأ بسبب القيء، وإن كانت تعقيبية يعني أنه حصل منه لما قاء أفطر، يعني أجهد بعد ذلك وتعب فاحتاج إلى أن يفطر فأفطر، وتلوث بدنه وثيابه فتوضأ، يعني وضوءاً لغوياً، ولذا اختلف في مفاد هذا الحديث، ومنهم من لا يثبت:"فتوضأ" من لا يثبتها، إنما يقول: قاء فأفطر، ولذلك أورده الترمذي في كتاب الصيام، يقول: قاء فأفطر، الفاء على القول الأول سببية، فدل على أن الفطر مرتب على القيء وبسببه، وكذلك الوضوء، ولكنها ليست نصاً صريحاً في أن القيء ناقض للوضوء؛ لاحتمال أن تكون الفاء للتعقيب من دون أن تكون سببية، ومنهم من يقول: إن "فتوضأ" ليست محفوظة في الحديث، إنما الحديث:"قاء فأفطر" لكن قول ثوبان: "صدقت" تصديقاً لأبي الدرداء: أنا صببت له وضوءه، تدل على أن الوضوء محفوظ، يعني سواءً جاء مع الإفطار أو دونه، فهو محفوظ بدليل أن ثوبان هو الذي صب الوضوء للنبي عليه الصلاة والسلام وهو الماء الذي يتوضأ فيه أو يتوضأ منه.

قال معدان: "فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له" ذكرت له أن أبا الدرداء حدثني بذلك "فقال ثوبان: صدق أبو الدرداء، أنا صببت له صلى الله عليه وسلم وضوءه" أي الماء بفتح الواو الذي يتوضأ منه.

ص: 12

"قال أبو عيسى: وقال إسحاق بن منصور: معدان بن طلحة" رواية الباب ابن أبي طلحة، وإسحاق بن أبي منصور قال: معدان بن طلحة، الآن الحديث يرويه الإمام الترمذي عن طريق أبي عبيدة بن أبي السفر، وإسحاق بن منصور، الترمذي بين الفرق بين صيغتي الأداء قال أبو عبيدة: حدثنا، وقال إسحاق: أخبرنا، ثم بعد ذلك أبو عبيدة قال: عن معدان بن أبي طلحة، وإسحاق بن منصور قال: معدان بن طلحة، لماذا لم يبين هذا وهو أهم من بيان صيغة الأداء لم يبينه في الإسناد؟ الآن الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- بين صيغة الأداء بالنسبة لأبي عبيدة فقال: حدثنا، وبالنسبة لإسحاق بن منصور الكوسج قال: أخبرنا، وأبو عبيدة بن أبي السفر قال: عن معدان بن أبي طلحة، وإسحاق بن منصور قال: معدان بن طلحة، فاهتم الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- لبيان الفرق بين صيغتي الأداء من قبل الشيخين ولم يبين الفرق بين معدان بن طلحة وابن أبي طلحة وهذا أهم، لماذا؟ يعني الاختلاف في الصحابي لا شك أن الاهتمام به أولى من الاهتمام بصيغة أداء الأثر فيها ضعيف؛ لأنه حتى لو قدر أن هذا تلقاه بصيغة السماع، وذاك تلقاه بصيغة العرض على الشيخ كلاهما مجمع على صحة الرواية به، ولذا الإمام البخاري لا يلتفت إلى هذه الأمور، بينما الخلاف في الراوي "قال أبو عيسى: وقال إسحاق بن منصور: معدان بن طلحة" بحذف أبي، ابن أبي طلحة، قال أبو عيسى: "وابن أبي طلحة أصح" طيب أبو عيسى ما الذي أثبته في الكتاب في أصل الكتاب؟ ابن أبي طلحة، وهو عنده أصح، وإذا كانت رواية إسحاق: معدان بن طلحة، إذاً اللفظ الثاني رواية أبي عبيدة الراوي الثاني، الذي رواه الترمذي، هذا الذي رجحه الترمذي يخالف ما رجحه يحيى بن معين، يقول الإمام يحيى بن معين: أهل الشام يقولون: ابن طلحة، وقتادة وهؤلاء يقولون: ابن أبي طلحة وأهل الشام أثبت فيه، وعلى كل حال هو متميز، سواءً قلنا: ابن طلحة أو ابن أبي طلحة، يعني لا يختلط بغيره ولا يلتبس بغيره، وسواءً قلنا: ابن طلحة وابن أبي طلحة الأثر العملي وثمرة الخلاف في هذا معدومة، ولهذا قال: هذا أصح، يحيى بن معين قال: ابن طلحة أصح، وأهل الشام أثبت فيه، وقد يختلف في اسم الراوي في اسمه، وقد

ص: 13

يختلف في كنيته فضلاً عن كونه يختلف في اسم أبيه أو في كنيته، ولا يؤثر مثل هذا الاختلاف إلا إذا وجد راوٍ آخر يلتبس به، فيذكر معدان بن طلحة، ويختلف فيه هل هو ابن طلحة ويلتبس بآخر اسمه: معدان بن طلحة أو ابن أبي طلحة، وفيه ضعف، حتى لو قدر أنهما ثقتان، عندنا اثنان: معدان بن طلحة، ومعدان ابن أبي طلحة كلاهما ثقة هذا لا يضر، كما لو قيل: سفيان، ولم ندر أيهما، هل هو الثوري أو ابن عيينة؟ كلاهما ثقة، أو حماد ولا ندري هل ابن سلمة أو ابن زيد كلاهما ثقة، لكن الإشكال حينما يشترك معه في الاسم ويلتبس معه في الاسم بحيث لا يستطاع تمييزه مع ضعيف، هذا المؤثر، مع أن معدان بن طلحة لا يشاركه في اسمه أحد، سواءً قلنا: ابن طلحة أو ابن أبي طلحة، فهذا الاختلاف غير مؤثر.

"قال أبو عيسى: وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين الوضوء من القيء والرعاف، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق" استدلالاً بحديث الباب، وهو قول الزهري وعلقمة والأسود والشعبي وعروة والنخعي وقتادة والحكم وحماد والثوري والأوزاعي، جمع غفير من أهل العلم، "وقال بعض أهل العلم: ليس في القيء والرعاف وضوء، وهو قول مالك والشافعي" فعند مالك لا يتوضأ من رعاف ولا قيء ولا قيح، ولا يجب الوضوء إلا من حديث يخرج من قبل أو دبر أو نوم.

قال البخاري في صحيحه: وقال الحسن: مازال المسلمون يصلون في جراحاتهم، وصلى عمر رضي الله عنه وجرحه يثعب دماً، استدلوا بهذا، وبمثله، استدلوا بأنه ثبت عن جمع من الصحابة أن الواحد منهم يحرك أنفه فينزل منه الدم ولا يقطع صلاته، وقد يعصر البثرة فيخرج منها الدم، ولا يعيد صلاته ولا وضوءه لكن هذا محمول على القليل، لكن:"ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم، وصلى عمر وجرحه يثعب دماً" هذا دليل قوي لمن يقول بعدم النقض، لكن الإجابة عنه ممكنة: أن الجرح إذا لم يمكن إيقافه فيكون صاحبه بمنزلة من حدثه دائم، مثل المستحاضة، ومثل من به سلس، لا يستطيع إيقافه، فإذا كان لا يستطيع إيقافه يصلي على حسب حاله.

ص: 14

والذين لا يقولون بالنقض عرفنا أنهم يجيبون عن حديث الباب بأن الفاء ليست للسببية وإنما هي للتعقيب، وأيضاً قالوا: إن لفظ: "فتوضأ" ليس بمحفوظ؛ لأن الحديث روي بلفظ: "قاء فأفطر" لكن مثل ما ذكرنا سابقاً أن قول ثوبان: أنا صببت له وضوءه، يدل على أن اللفظة محفوظة، وكونه يقتصر على بعض الحديث لا يعني أن من زاده -وهي زيادة ثقة- أن من زاده لا تثبت به الزيادة، فالزيادة من الثقة مقبولة، وكون الترمذي يورده في كتاب الصيام لما يناسبه من قوله: قاء فأفطر.

ص: 15

البخاري -رحمه الله تعالى- ذكر عن أبي هريرة وغيره قاعدة في الصيام وفي النقض، نقض الوضوء قال: الفطر مما دخل لا مما خرج، والوضوء مما خرج لا مما دخل، الفطر مما دخل لا مما خرج، والوضوء مما خرج لا مما دخل، لكن مثل هذا الكلام لا يوافق عليه طرداً ولا عكساً، فبالنسبة للصيام الحجامة إخراج وليست إدخال وهي مفطرة عند جمع من أهل العلم، وبالنسبة للطهارة أكل لحم الإبل إدخال وليس بإخراج وهو ناقض على القول الصحيح، إذا عرفنا هذا فالقول بنقض الوضوء والفطر بالقيء والرعاف ونحوه، أما بالنسبة للرعاف فلا شك أنه يفضي إلى ضعف البدن، كالحجامة، ثم بعد ذلك قد يحتاج الصائم إلى أن يفطر، وكونه يفطر، في قوله عليه الصلاة والسلام:((أفطر الحاجم والمحجوم)) مع أنه جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه احتجم وهو صائم، وفي رواية:"صائم محرم" على كل حال المسألة خلافية، ونقض الوضوء والصيام بهذه الأمور إنما هو احتياط؛ لأن النصوص محتملة، يعني كونه قاء فأفطر، هذه حكاية خبر، حكاية خبر، نعم إن كان الصيام صيام رمضان فلا يمكن أن يفطر إلا إذا كان القيء مفطراً، وإن كان في صيام تطوع فالقيء والرعاف يضعفانه، فيحتاج إلى شيء من الأكل؛ ليعوض كالحجامة مثلاً، لا شك أن هذا لا يدل على أنهما مفطران، وعلى كل حال الذي يترجح عندي أن الفطر والوضوء إنما هو احتياط للاحتمال المذكور في الفاء هل هي سببية أو تعقيبية؟ إن قلنا: إنها سببية قلنا: أفطر بسبب القيء، بسبب الرعاف، توضأ بسبب القيء، على أن أهل العلم عندنا الحديث:"قاء فأفطر" يستدلون بحديث: ((من ذرعه القيء)) ذرعه القيء: يعني قاء من غير قصد ولا اختيار، فإنه لا يفطر، بينما من استقاء يعني من طلب القيء وتسبب له فإنه يفطر، وفي الحديث:"قاء فأفطر"، هل يعني هذا أنه تسبب له أو ذرعه القيء؟ هل هذا ذرعه القيء أو استقاء؟ الحديث ما فيه ما يدل على هذا، وإذا قلنا: إنه استقاء فلن يكون هذا في رمضان، لن يطلب ما يبطل صيام الفرض، ونعود إلى أن المتطوع أمير نفسه، ولو لم يلزمه الفطر إنما أفطر لحاجته إلى الفطر، وما دام النص بهذه المثابة من الاحتمالات فيكون الفطر احتياط، وقضاء مثل هذا اليوم احتياط، وكذلك إعادة

ص: 16