المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في سؤر الهرة: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٢١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في سؤر الهرة:

مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ومن معهم يقولون: بأنه يغسل سبعاً على خلاف بينهم، هل غسله لنجاسته، كما في قوله:((طهور إناء أحدكم)) أو لا لنجاسته بل الكلب عند الإمام مالك طاهر يغسل تعبداً، ولو كان للنجاسة لكفى فيه ثلاث، كما يكفي في العذرة، أبو حنيفة يقول: يكفي غسله ثلاث مرات، ولا يلزم سبع؛ لأن أبا هريرة أفتى بالثلاث، والعبرة عندهم بما رأى لا بما روى؛ لأنه لو كان يراه ثابتاًً أو يراه محكماً غير منسوخ لما أفتى بخلافه، لكن هذا مردود؛ لأن أبا هريرة ثبت عنه الفتوى بالسبع، وهي أقوى وأرجح من الفتوى بالثلاث، والعبرة مع ذلك بما روى لا بما رأى.

احتج الحنفية بأن العذرة أشد في النجاسة ولم تقيد بالسبع، وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد في الاستقذار أن تكون أشد في تغليظ الحكم، وبأنه يرد عليهم أيضاً بأن هذا قياس مع وجود النص، والقياس مع النص فاسد الاعتبار.

ابن العربي أطال في تقرير مذهب مالك في قوله: بطهارة عين الكلب ولعابه وأن الغسل من ولوغه مجرد تعبد لا للنجاسة، والجمهور على أنه نجس، يستدلون بأدلة كثيرة منها:((طهور إناء أحدكم)) الطهارة لا تكون إلا من حدث أو خبث ولا حدث هنا إذاً تعين الخبث، ومالك لهم أجوبة، لا سيما ابن العربي أطال في تقرير هذه المسألة وأنه طاهر، وأن المسلم يتوضأ ويغتسل وهو طاهر، يجب غسله بدنه وهو طاهر، والمسلم إذا مات يغسل وهو طاهر، ولا يقترن تقترن الطهارة الحكمية مع النجاسة العينية.

على كل حال عامة أهل العلم على أنه نجس، كما يستدل المالكية بأن ما صاده بفمه يؤكل من غير غسل، فدل على طهارته، وأن ما باشره بفمه ولعابه طاهر، والمسألة يعني البحث فيها طويل، والأدلة كثيرة من الطرفين، والمرجح هو قول الجمهور.

سم.

عفا الله عنك.

قال الترمذي -رحمه الله تعالى-:

‌باب: ما جاء في سؤر الهرة:

ص: 32

حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت عند ابن أبي قتادة رضي الله عنه أن أبا قتادة دخل عليها قالت: فسكبت له وضوءاً قالت: فجاءت هرة تشرب فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ فقلت: نعم، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات)) وقد روى بعضهم عن مالك: وكانت عند أبي قتادة، والصحيح ابن أبي قتادة.

قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق لم يروا بسؤر الهرة بأساً، وهذا أحسن شيء روى في هذا الباب، وقد جود مالك هذا الحديث عن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأتِ به أحد أتم من مالك.

يقول -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في سؤر الهرة" وأنه طاهر، خلافاً لما تقتضيه الجملة الأخيرة في الباب السابق مما يدل على أنها غير مرفوعة ولا محفوظة عن النبي عليه الصلاة والسلام، والسؤر هنا هو السؤر هناك، يعني بقية الشراب، بقية ما شرب منه أو شربت منه الهرة.

قال: "حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن" بن عيسى بن يحيى الأشجعي، وهو ثقة ثبت "قال: حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة" مالك إمام دار الهجرة نجم السنن، ولا يحتاج أن يقال فيه: ثقة ولا غير ثقة، ما يحتاج إلى أن يوثق، ولا يحتاج أن يراجع له الكتب، ولا يحتاج أن يراجع له أقوال أهل العلم، هو نجم السنن، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

وصححوا استغناء ذي الشهرة عن

تزكية كـ (مالك) نجم السنن

ص: 33

لأنه ما يحتاج إلى تزكية مالك قال: "عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة" الأنصاري المدني، وهو ثقة أيضاً "عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة" قال ابن حجر: مقبولة، الأنصارية "عن كبشة" زوج إسحاق بن عبد الله "عن كبشة بنت عبد الله" يعني زوج إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الراوي عنها، وهي تروي "عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت عند ابن أبي قتادة" عبد الله بن أبي قتادة، يقول ابن حبان: لها صحبة "أن أبا قتادة" وهو الحارث بن ربعي الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم "دخل عليها" أي على كبشة، وهي زوجة ابنه "قالت: فسكبت له وضوءاً" يعني صببت له ماءً يتوضأ به "قال: فجاءت هرة تشرب فأصغى" يعني أمال لها "الإناء" ليسهل عليها الشرب "حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه" نظر المنكر أو المتعجب "فقال: أتعجبين من شربها من وضوئي يا بنت أخي؟ يعني في الإسلام؟ "فقلت: نعم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنها ليست)) " يعني الهرة ((إنها ليست بنجس)) ونجس مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع، فتقول: هو نجس وهي نجس وهما نجس وهن نجس {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] يستوي فيه المذكر والمؤنث، يعني ليست نجسة ((إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات)) الطوافين الخدم في البيوت، وجاء بالواو أيضاً ((إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات)) فـ (أو) هذه إما أن تكون للشك أو للتنويع، الطوافين الذكور والطوافات الإناث.

ونظراً لهذه العلة وهي أنها إنما حكم بطهارتها لأنها طوافة، فيشق الاحتراز عنها، ولذا يقول أهل العلم: وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر؛ لأنه إذا شق التحرز عن الهرة، شق التحرز عما هو دونها في الخلقة من باب أولى.

"وقد روى بعضهم عن مالك: وكانت عند أبي قتادة -الحارث بن ربعي- والصحيح عند ابن أبي قتادة" عند ابنه وليست عنده، ولذلك قال: يا ابنة أخي؛ لأنه لا يحسن أن يقال للزوجة: يا ابنة أخي، فتدعى بما يدعى به المحارم.

ص: 34

"قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة" عائشة عند أبي داود والدارقطني وابن ماجه، وحديث أبي هريرة عند الدارقطني أيضاً، وأيضاً رواه أنس فيما ذكره الزيلعي في نصب الراية.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني، وقال الحافظ في التلخيص: صححه البخاري والترمذي، الترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح.

"وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق" ومالك والليث والأوزاعي، كلهم "لم يروا بسؤر الهرة بأساً" يعني فهو طاهر من غير كراهة، وقال الحنفية: هو طاهر مع الكراهة، وحديث الباب يدل على أن لا كراهة فيه "وهذا أحسن شيء روى في هذا الباب، وقد جود مالك هذا الحديث عن عبد الله بن أبي طلحة" يعني صححه وجعله جيداً، واحتج به في موطئه "ولم يأتِ به أحد بأتم مما جاء به مالك" يعني مما ذكره في موطئه واحتج به، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 35