المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في الغسل من الجنابة: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٢٣

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في الغسل من الجنابة:

إذا كنت تحريت وبحثت وسألت وأعطيته من أجل أن يستمر على ملازمة العبادة؛ لأنه لا يستطيع الحضور إلى المسجد، أما إذا كان يصلي في بيته وهو يستطيع الحضور إلى المسجد فمثل هذا يهجر، ولا يعطى من الزكاة، ويبين له أن منعه من الزكاة من أجل عدم حضوه الجماعة لعلى ذلك أن يكون رادع له عن معصيته التي ارتكبها؛ لأن الصلاة مع الجماعة واجبة وهو عاصٍ بتركها.

يقول: أليس إذا غسل رجلاً ثم أدخلها ثم غسل الثانية ثم أدخلها في الخف يكون قد أدخلهما طاهرتين؟ فقوله: ((طاهرتين)) حال للثنتين جميعاً وليس لواحدة، فلو قال: إني أدخلتهما طاهرتين أي أحد القدمين صح الاستدلال فما قولكم؟

هذه المسألة، السؤال هذا استعجلنا أو أعجلنا في مسألة بحثها أهل العلم ونذكرها في موطنها -إن شاء الله تعالى-، لكن نشير إليها الآن، يعني إذا غسل العضو ارتفع الحديث عنه وإلا الحدث شيء واحد لا يرتفع إلا إذا اكتملت الطهارة؟ بمعنى أنه لو غسل وجهه وغسل يديه يجوز أن يمس المصحف قبل أن يغسل قدميه؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ إذاً لا يرتفع الحدث ولا يصح وصف الرجل بأنها طهارة حتى يغسل الثانية.

يقول: إذا كان من أصول الحنفية أن الزيادة على القرآن نسخ فكيف يرون المسح على الخفين مع أن الآحاد عندهم لا ينسخ القرآن؟

أولاً: المسح على الخفين ورد بالتواتر القطعي، وينسخ به القرآن عند من لا يرى نسخ القرآن بالآحاد، لكن هناك مسائل كثيرة ثبتت بأحاديث آحاد وقالوا بها، مسائل كثيرة لم تثبت إلا أنها وردة بأحاديث ضعيفة وقالوا بها، فبهذا يلزمون، يلزمون بنقض هذه القاعدة.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:

‌باب: ما جاء في الغسل من الجنابة:

ص: 7

حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن خالته ميمونة رضي الله عنها قالت:"وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً فاغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء بشماله على يمينه فغسل كفيه، ثم أدخل يده في الإناء فأفاض على فرجه، ثم دلك بيده الحائط أو الأرض، ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض على سائر جسده، ثم تنحى فغسل رجليه".

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وفي الباب عن أم سلمة وجابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة.

حدثنا بن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء، ثم غسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يشرب شعره الماء، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وهو الذي اختاره أهل العلم في الغسل من الجنابة أنه يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفرغ على رأسه ثلاث مرات، ثم يفيض الماء على سائر جسده، ثم يغسل قدميه، والعلم على هذا عند أهل العلم.

وقالوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"باب: ما جاء في الغسل من الجنابة" الجنابة في الأصل البعد، الجار الجنب يعني البعيد، سمي جنباً لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة {وَلَا جُنُبًا إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [(43) سورة النساء] ومنهي أن يقرب موضع الصلاة اللي هو المسجد، فعليه أن يبتعد عنه، وقيل: لمجانبته الناس حتى يغتسل، مع أن المسلم طاهر، وفي حديث أبي هريرة أنه لما لقي النبي عليه الصلاة والسلام انخنس، ابتعد عنه؛ لأنه كان جنباً، فالأصل في التسمية هو هذا، وأن الجنب يبتعد عن الناس، ويبتعد عن مواطن الصلاة.

ص: 8

والجنب يقع على الواحد والاثنين والجمع المذكر والمؤنث، فتقول: هذا جنب وهذه جنب وهذان جنب وهؤلاء جنب {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [(6) سورة المائدة] فاللفظ يقع على هذه الأحوال المختلفة في حال الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، مثل طفل ثم إيش؟ {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [(67) سورة غافر] ما قال: أطفالاً فيستوي في المذكر والمؤنث والمثنى والمفرد والجمع، والجنب المراد به الذي يجب عليه الغسل بجماع أو إنزال.

قال -رحمه الله تعالى-:

"حدثنا هناد" وهو ابن السري مر مراراً "قال: حدثنا وكيع" هو الإمام وكيع بن الجراح الرؤاسي "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن سالم بن أبي الجعد" الأشجعي الكوفي ثقة، وهو من رجال الكتب الستة "عن كريب" بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم، ولى ابن عباس، وهو ثقة أيضاً "عن -عبد الله- ابن عباس" رضي الله عنه حبر الأمة، وترجمان القرآن رضي الله عنهم "عن خالته ميمونة" بن الحارث الهلالية، زوج النبي عليه الصلاة والسلام، تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام وبنى بها في سرف، وماتت سنة إحدى وخمسين بسرف، نفس المكان "قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً" يعني ماء يغتسل به، الماء الذي يغتسل به يسمى غسل، كالأكل لما يؤكل {أُكُلُهَا دَآئِمٌ} [(35) سورة الرعد] يعني ما يؤكل "فاغتسل" يعني: أراد الاغتسال، لأنه مر بنا مراراً أن الفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الشيء، وهذا هو الأصل، ولذا سمي ماضياً، ويطلق الفعل الماضي ويراد به الشروع فيه، ويطلق ويراد به إرادة الفعل، هنا أراد أن يغتسل "فاغتسل من الجنابة" أو يقال: شرع فيها؟ و (من) في قوله: "من الجنابة" سببية، يعني بسببها "فأكفأ الإناء" يعني أماله، ومثله أصغى "فأكفاء الإناء بشماله على يمينه، فغسل كفيه" يعني أخذ بيمينه فغسل بها الكفين، اليمنى واليسرى، والكف إلى المفصل إلى الرسغ "ثم أدخل يده في الإناء" في الجملة الأولى "فأكفأ بشماله على يمينه فغسل كفيه" ثم بعد ذلك لما غسل كفيه ساغ أن يدخل اليد في الإناء، فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها، إما على سبيل الاستحباب أو على سبيل الوجوب في حالة ما إذا قام من النوم.

ص: 9

"ثم أدخل يده في الإناء فأفاض على فرجه" يعني صب الماء على فرجه بيده اليمنى وغسله باليسرى "ثم دلك بيده الحائط" الحائط الجدار "أو الأرض" شك هل دلك بيده؟ أو شكت هل دلك بيده عليه الصلاة والسلام الحائط أو الأرض؟ المقصود أنه إذا غسل فرجه يدلك يده بالأرض أو بالحائط ليذهب إن كان فيها شيء علق بها من هذا المكان، ومنهم من يقول: إن هذه من أجل إذهاب الرائحة؛ لأن مثل هذا الدلك يقضي على الرائحة، وإلا فالماء يذهب عين النجاسة "ثم دلك بيده الحائط أو الأرض، ثم مضمض واستنشق" مضمض واستنشق، غسل يديه ثم غسل فرجه وما تلوث بسبب الجماع ثم مضمض واستنشق "وغسل وجهه وذراعيه" يبدأ بالمضمضة والاستنشاق ثلاثاً كما هو السنة في الضوء من كف واحدة "وغسل وجهه وذراعيه" غسل وجهه المعروف الحدود: من منابة شعر الرأس طولاً ومن الذقن إلى الأذن عرضاً "وذراعيه" والذراع يطلق على الكف والساعد "ثم أفاض على رأسه ثلاثاً" ثم أفاض يعني الماء على رأسه ثلاثاً، وظاهره أنه لم يمسح رأسه، لم يمسح رأسه، ولم يكمل وضوءه، يعني غسل يديه وفرجه، ثم مضمض واستنشق، غسل وجهه وذراعيه، ثم بعد ذلك أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، وهذه الإفاضة تابعة للوضوء وإلا للغسل؟ للغسل؛ لأنه لو كان وضوءاً لاكتفى بالمسح كما هو شأن الوضوء، فعلى هذا الوضوء كامل وإلا ناقص؟ ناقص "ثم أفاض على رأسه ثلاثاً" وأهل العلم يبحثون مسألة إجزاء غسل الرأس عن مسحه، فمنهم من يقول: إنه مسح وزيادة، فيجزئ، ومنهم من يقول: إن غسل الرأس مردود؛ لأنه على خلاف ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) مردود، ولا يجزئ الغسل عن المسح، فمن قال: إن الغسل يجزئ عن المسح قال: إنه توضأ، وأخر غسل الرجلين، وسيأتي ما في هذا من كلام حكم تأخير غسل الرجلين عن الغسل، فجاء ما يدل على تقديمهما، وجاء ما يدل على تأخيرهما، توضأ وضوءه للصلاة، مقتضى هذا أنه توضأ إلى أن غسل رجليه ثم اغتسل فقدم غسل الرجلين، وهنا قال:"ثم أفاض على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض على سائر جسده" يعني باقي جسده، والسائر هو الباقي، وقد يستعمل للجميع، وقد يستعمل للجميع، وقد وقع عند البخاري من حديث عائشة ثم

ص: 10

يفيض الماء على جلده كله، قال ابن حجر: والتأكيد يدل على أنه عمم جميع الجسد لا غالب الجسد، وهذا يدل على أنه بعد ذلك يعمم جميع بدنه بما في ذلك ما غسل للوضوء، يعني إذا توضأ وضوءه للصلاة ثم بعد ذلك أفاض الماء على رأسه، ثم غسل سائر جسده هل يغسل ذراعيه ورجليه؟ أو لا يغسلهما باعتبار أنه غسل هذه الأعضاء في الوضوء؟ فإذا قلنا: سائر الباقي، أن المراد بسائر هو الباقي قلنا: ما يلزم أن يغسل ذراعيه؛ لأنه غسلهما مع الوضوء، ولا يلزم أن يغسل رجليه؛ لأنه غسلهما مع الوضوء، أو سوف يغسلهما بعد ذلك كما في هذا الحديث، على كل حال قوله: ثم يفيض الماء على جلده كله يشمل أعضاء الوضوء التي سبق غسلها، قال:"ثم تنحى" أي تحول عن مكانه إلى ناحية أخرى "فغسل رجليه" وفي هذا تأخير غسل الرجلين عن بعد الغسل، والانتقال عن مكان أخر، وهو مخالف لحديث عائشة الآتي:"توضأ وضوءه للصلاة" فإما أن يقال: إن حديث عائشة: "توضأ وضوءه للصلاة" يعني في غالبه، محمول على الغالب، وأنه لا يبقى إلا الرجلين تغسل بعد، وإما أن يقال: هذه صورة وهذه صورة، ويمكن حمل الصورتين على حالين بأن يقال: إذا كان المكان نظيفاً ولا يلوث الرجلين فمثل هذا المكان أقول: ففي مثل هذا المكان يتوضأ الوضوء الكامل كما يتوضأ للصلاة ويغسل رجليه قبل الغسل، وإذا كان المكان قد يلوث القدمين بعد الغسل بأن يكون فيه طين وما أشبه ذلك فإنه يتحول عن مكانه ويغسل رجليه.

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" هذا حديث حسن صحيح، ورواه الجماعة، رواه الجماعة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، يعني مخرج في دواوين الإسلام كلها.

ص: 11

"قال: وفي الباب عن أم سلمة" وهذا عند مسلم "وجابر" عند ابن ماجه "وأبي سعيد" عند ابن ماجه أيضاً "وجبير بن مطعم" عند البخاري ومسلم وابن ماجه والنسائي "وأبي هريرة" عند ابن ماجه، يعني ابن ماجه خرج كل هذه الأحاديث حديث أم سلمة في مسلم جابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة كلهم عند ابن ماجه، ما يدل على أن ابن ماجه تفرد بأحاديث لم تذكر عند غيره، فزوائده على الكتب الخمسة كثيرة، زوائده على الكتب الخمسة كثيرة، وهذا هو ما جعل ابن طاهر يجعل ابن ماجه هو سادس الكتب، أول من أدخل ابن ماجه مع الكتب وجعله السادس أبو الفضل بن طاهر لكثرة زوائده على الكتب الخمسة، وهنا هذه الأحاديث التي أشار إليها الترمذي يعني جلها عند ابن ماجه يعني ما في إلا واحد لا يوجد عن ابن ماجه، وخمسة موجودة عنده، مما يدل على أن هذا الكتاب ينبغي أن يعتنى به، ففيه زوائد كثيرة، وإن كان كثير مما يتفرد به ضعيف، لكن يحتاج إليه.

ص: 12

"قال: حدثنا بن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة" قلنا: فيما تقدم أن (من) هذه سببية "بدأ فغسل يديه" وفي نسخة: "بغسل يديه"، بدأ بغسل يديه أو بدأ فغسل يديه، وفيه ما تقدم من مشروعية ذلك، إما وجوباً كما في حال الاستيقاظ من النوم على ما تقدم، أو استحباباً، وجوباً واستحباباً، "قبل أن يدخلهما الإناء ثم غسل فرجه" وفي نسخة:"ثم يغسل"، "ثم غسل فرجه ويتوضأ" يعني قوله:"ويتوضأ" مناسب للنسخة الأخرى التي فيها: "ويغسل فرجه"، "ويتوضأ وضوءه للصلاة" وضوءه منصوب على نزع الخافض، يعني توضأ كوضوئه للصلاة، يعني مثل ما في حديث:((ذكاة الجنين ذكاة أمه)) يعني: كذكاة أمه منصوب على نزع الخافض، هذا على رواية النصب، ويستدل بها من يقول: إن الجنين يذكى مثل ذكاة أمه، وهو قول الحنفية، والجمهور على أن الراوية الراجحة:((ذكاة الجنين ذكاة أمه)) يعني هي ذكاة أمه فتكفي، فلا تحتاج إلى تذكية "ويتوضأ وضوءه للصلاة" ومقتضى ذلك أنه يغسل رجليه قبل أن يفرغ على أو يفيض على رأسه الماء، وفيه ما تقدم أنه أحياناً يقدم غسل الرجلين كما في حديث عائشة، وأحياناً يؤخر غسل الرجلين كما في حديث ميمونة "ثم يشرب شعره الماء" يشرب من التشريب، يعني يسقي رأسه الماء، يسقي الماء رأسه، "ثم يشرب شعره الماء" كما في قوله تعالى:{وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [(93) سورة البقرة] يعني أدخل في قلوبهم حب العجل، وهنا يشرب شعره الماء، وشعره مفعول أول والماء مفعول ثاني، ليشرب "ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات" ثلاث حثيات يعني: غرفات بيديه واحدها حثية.

ص: 13

"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" ورواه الشيخان وأبو داود والنسائي، قال:"وهو الذي اختاره أهل العلم في الغسل من الجنابة أنه يتوضأ وضأه للصلاة -كاملاً- ثم يفرغ -أي يصب- على رأسه ثلاث مرات ثم يفيض -يعني يسيل- الماء على سائر جسده"، قال:"ثم يغسل قدميه" يعني على ما جاء في حديث ميمونة، ثم يغسل قدميه، "والعمل على هذا عند أهل العلم وقولوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق" من وصف غسل النبي عليه الصلاة والسلام ذكروا أنه توضأ وضوءه للصلاة، إجمالاً وتفصيلاً، بعض الأحاديث مجمل توضأ وضوءه للصلاة، وبعضها تفصيل: غسل يديه ثم مضمض واستنشق وغسل وجه إلى أن أكمل الوضوء، فكل من وصف غسل النبي عليه الصلاة والسلام ذكر أنه توضأ قبله، كل من وصف غسل النبي عليه الصلاة والسلام ذكروا أنه توضأ قبله، ثم أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، ثم أفاض الماء على سائر جسده، وليس فيه تثليث، يعني يغسل شقه الأيمن ثم شقه الأيسر ولم يذكر فيه تثليث، وهذا هو الغسل الكامل، وإن كان بعضهم يرى أنه يفيض الماء على شقه الأيمن ثلاثاً ثم على شقه الأيسر ثلاثاً، يعني لم تأتِ به الرواية، وإنما قالوا: إن التثليث مستحب في الوضوء وفي غسل الرأس في الغسل فينبغي أن يكون مستحباً في الباقي، على كل حال الغسل الكامل هو ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، والمجزئ هو تعميم الجسد بالماء، ولا يلزم منه أن يتوضأ قبله ولا بعده، قال: وقالوا: إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه، يعني أن الوضوء ليس بواجب في غسل الجنابة، لماذا؟ لأنه إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد، عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مقضيه والأخرى مؤداة قالوا: دخلت الصغرى في الكبرى، يعني كمن جاء والإمام راكع يكبر تكبيرة الإحرام وتدخل فيها تكبيرة الركوع، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، يعني ابن رجب رحمه الله في قواعده ذكر أمثلة كثيرة لهذه القاعدة، "وهو وقول الشافعي وأحمد وإسحاق" وهو قول أبي حنيفة أيضاً وأصحابه، ونقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل.

ص: 14

قال الإمام الشافعي رحمه الله: فرض الله تعالى الغسل مطلقاً لم يذكر فيه شيئاً يبدأ به قبل شيء، فكيف ما جاء به المغتسل أجزأه، إذا أتى بغسل جميع بدنه، والاحتياط في الغسل ما روت عائشة، يعني في حديث الباب:"يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يشرب شعره الماء، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات" ثم بعد ذلك يفيض الماء على بدنه، والاحتياط في الغسل ما روت عائشة، وقال ابن عبد البر: إن لم يتوضأ قبل الغسل ولكن عم جسده ورأسه ونواه فقد أدى ما عليه بلا خلاف، لكنهم مجمعون على استحباب الوضوء قبل الغسل؛ لأن كل من وصف غسل النبي عليه الصلاة والسلام ذكر أنه توضأ، لكنهم مجمعون على استحباب الوضوء قبل الغسل، الآن قال: إن لم يتوضأ قبل الغسل ولكن عم جسده ورأسه ونواه فقد أدى ما عليه بلا خلاف، وابن بطال نقل الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل، وتعقب ابن حجر دعوى الإجماع فقد ذهب جماعة بقوله: ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء، الغسل لا ينوب على الوضوء للمحدث، انتهى كلام ابن حجر، وقال ابن العربي في العارضة، قال أبو ثور: يلزم الجمع بين الضوء والغسل، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه ثلاثة أجوبة؛ لأن ابن العربي يري أنه بالإجماع لا يلزم، ولم ذكر كلام أبي ثور أجاب عنه بثلاثة أجوبة.

الأول: أن ذلك ليس بجمع وإنما هو غسل كله، غسل كله يعني كونه غسل يديه وغسل وجهه وذراعيه، وأفاض الماء على رأسه، ثم عمم هذا غسل وليس بوضوء، يعني هذه أبعاض للغسل وليست من الوضوء، أن ذلك ليس بجمع وإنما هو الغسل كله.

الثاني: أنه إن كان جمع بينهما فإنما ذلك استحباب، استحباب بدليل قوله تعالى:{حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [(43) سورة النساء] وقوله: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني ما ذكر غير الاغتسال، وما ذكر غير التطهر، فهذا هو الفرض، يقول: فهذا هو الفرض.

الثالث: أن سائر الأحاديث ليس فيها ذكر الوضوء، سائر الأحاديث يعني غير ما ذكر من حديث ميمونة وحديث عائشة يقول: ليس فيها ذكر للوضوء، وإنما إذا سئل النبي عليه الصلاة والسلام قال: أن تفعل كذا وكذا، وليس فيه ذكر للوضوء.

ص: 15