الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول النووي: اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل مع الجماع وإن لم يكن معه إنزال، يعني كان الخلاف بين الصحابة معروف، قال: اعلم أن الأمة مجتمعة الآن على وجوب الغسل مع الجماع وإن لم يكن معه إنزال، وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال، ثم رجع بعضهم وانعقد الإجماع بعد الآخرين، وأردف الترمذي هذه الترجمة بالترجمة:"ما جاء أن الماء من الماء" وكان هذا في صدر الإسلام فهو منسوخ، ونقرأه لصلته بحديث الباب، نعم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء أن الماء من الماء:
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب رضي الله عنهما قالا: "إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها".
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد مثله.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبي بن كعب ورافع بن خديج، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم على أنه إذا جامع الرجل امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا.
حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك عن أبي الجحاف عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إنما الماء من الماء في الاحتلام".
قال أبو عيسى: سمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك، قال أبو عيسى: وأبو الجحاف اسمه: داود بن أبي عوف، ويروى عن سفيان الثوري قال: حدثنا أبو الجحاف وكان مريضاً.
مرضياً، مرضياً.
عفا الله عنك.
"وكان مريضاً".
قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الماء من الماء)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء أن الماء من الماء" وهذا مثل ما تقدم بحثه في تقديم الناسخ على المنسوخ، والترتيب الطبيعي أن يقدم هذا لقدمه في الزمان في الوقت، قال:"باب ما جاء أن الماء من الماء" الماء هو الماء الذي يغتسل به من الماء الذي هو الخارج من الإنسان إثر الجماع، لا ماء إلا من الماء، مقتضاه أنه لا غسل إلا بالإنزال، والترمذي عقد هذه الترجمة لبيان أن هذا الحديث أن الترجمة بلفظ حديث أنه منسوخ لبيان أن ما ورد مما يدل على أن الماء من الماء منسوخ، وقوله: الماء من الماء هذا فيه الجناس التام، يأتي اللفظ واحد والمعنى مختلف.
قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا يونس بن يزيد" الأيلي، وهو ثقة "عن الزهري عن سهل بن سعد" بن مالك الأنصاري الخزرجي، له ولأبيه صحبة "عن أبي بن كعب قال:"إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنها" يعني وفرض الغسل بمجرد الإيلاج، فلا يلزم نزول الماء.
قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد مثله، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وهو مخرج عند الإمام أحمد وأبي داود والدارمي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وإنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، في العلل التي في أخر الجامع لما ذكر الحديث حديث:"الماء من الماء" قال: بينا علته في الكتاب، وعلته أنه منسوخ، ولذا ذكروا من أجناس العلل النسخ، وقالوا: إن الترمذي سمى النسخ علة، ويريدون بهذا الكلام هذا الموضع من الترمذي، قال: إنما كان الماء من الماء في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك، وحديث أبي صريح في النسخ، وقال في العلل: بينا علته في الكتاب وهي النسخ، فالترمذي سمى النسخ علة، فإن قصده أنها علة مؤثرة في الصحة فلا، الحديث صحيح، وإن قصده أن العلة مؤثرة في العمل بالحديث فصحيح، لو لم نعرف المتقدم من المتأخر، وجاءنا حديث:((إنما الماء من الماء)) مع حديث: ((إذا التقى الختانان)) فما الذي يقدم منهما؟ نعم؟ أيهما الماء من الماء؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ طيب، ها؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم جاء حمله على الاحتلام، لكن يبقى أيضاً أنه من حيث
…
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنه إيش؟ يعني أنزل أو لم ينزل.
أيضاً حديث: ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ولو لم ينزل)) هذا منطوق، ودلالة حديث:((الماء من الماء)) على عدم الاغتسال من مجرد الإيلاج مفهوم وليس بالمنطوق، منطوق الحديث دلالته في محل نطقه أن الماء الذي هو الاغتسال يجب إذا أنزل، مفهومه أنه لا يجب إذا لم ينزل، منطوق الحديث غير مخالف لمنطوق الحديث السابق، منطوق الحديث غير مخالف، لكن المخالفة بين الحديث السابق مع مفهوم هذا الحديث، والمنطوق مقدم على المفهوم، يعني مثل ما قالوا في حديث القلتين أن ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) وحديث القلتين:((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) قالوا: إن حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) مخصص بحديث: ((إذا بلغ الماء قلتين)) ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) فيه عموم مخصوص بحديث: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) قالوا: لكنه تخصيص بالمفهوم، يعني المعارضة بين هذا وهذا ليست منطوق مع المنطوق، إنما هي منطوق مع المفهوم، ولذلك شيخ الإسلام يرى أن حديث القلتين صحيح، لكن دلالته على مراد الشافعية والحنابلة بالمفهوم لا بالمنطوق، ومخالفه منطوق فالمنطوق مقدم على المفهوم، وهنا كذلك، يعني حديث:((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل ولو لم ينزل)) هذا منطوقه ظاهر في أنه يلزمه الغسل نعم ولو لم ينزل، وحديث:((إنما الماء من الماء)) أو الماء من الماء منطوقه أنه يجب الغسل إذا أنزل، مفهومه أنه لا يجب الغسل إذا لم ينزل، المنطوق مع المنطوق ما في مخالفة، المخالفة بين منطوق الحديث الأول ومفهوم الحديث الثاني، وحينئذٍ المنطوق مقدم على المفهوم، مع أن القول بالنسخ واضح كانت رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها، أيضاً التصريح هنا:"ثم نسخ ذلك" وسيأتي حمله على الاحتلام.
"قال: وهكذا روى غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبي بن كعب" حديثه تقدم في الباب نفسه "ورافع بن خديج" وروايته خرجها الحازمي في الاعتبار "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم على أنه إذا جامع الرجل امرأته في الفرج وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا".
مسألة تتعلق بالحديث السابق ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل)) وهي مما يحتاج إليها، ويسأل عنها، إذا أولج بحائل، مع حائل مثلاً يعني من غير مباشرة لا سيما مع ما يرد على هذه البلاد من مصنوعات قد تستعمل على وجه مشروع أو على وجه غير مشروع، المقصود أنه يوجد حوائل وجودها مثل عدمها، يعني لا تحول دون كمال اللذة، فهل نقول: إن هذا إيلاج بحائل أو مباشرة، إذا جامع بحائل منهم من يقول: إنه إيلاج مطلقاً، ولو كان هذا الحائل خشن يحول دون كمال اللذة، ومنهم من يقول: ليس بإيلاج مطلقاً، ولو كان ناعماً، والصواب التفريق بين الخشن الذي يحول دون كمال اللذة، وبين الناعم الذي لا يحول دون كمال اللذة، فالناعم وجوده مثل عدمه، يعني يكون إيلاج ويجب الغسل من الطرفين، ولو لم يحصل إنزال، بينما الذي يحول دون كمال اللذة من حائل خشن مثل هذا لا يأخذ حكم المباشرة.
أيضاً لو أولج في غير القبل؛ لأن في الحديث: ((إذا التقى الختان)) والدبر ليس فيه ختان، فهل الحكم واحد أو يختلف؟ هذه مسألة من المسائل الكبار ترى ليست سهلة، يعني ولا يعني أن العلماء إذا بحثوا مثل هذه المسألة أنهم يبيحون العمل، لا العمل حرام، يعني سواء كان الإيلاج بالنسبة للمرأة من الدبر أو في اللواط -نسأل الله السلامة والعافية-، كل هذا من عظائم الأمور، لكن يبقى أن له أحكام مترتبة أخرى، هل يلزم اغتسال أو لا يلزم؟ هذه مسألة من كبار المسائل، ولا بد من بحثها، منهم من يقول: ما دام فرج الحكم واحد، ولعل هذا هو الظاهر.
قال: "حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا شريك" بن عبد الله القاضي "عن أبي الجحاف" داود بن أبي عوف، كما ذكر الترمذي، وهو صدوق "عن عكرمة عن ابن عباس قال:"إنما الماء من الماء في الاحتلام" إنما الماء من الماء في الاحتلام، يعني لا في الجماع، ولا شك أنه إذا احتلم ولم ينزل فإنه لا غسل عليه، لحديث أم سلمة قالت:"هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ " قال: ((نعم إذا هي رأت الماء)) إذا رأت الماء، إذا رأت الماء يلزم الغسل، مفهومه أنها إذا لم تر الماء فإنه لا غسل عليها.
"قال أبو عيسى: سمعت الجارود" بن معاذ السلمي الترمذي ثقة "يقول: سمعت وكيعاً" الإمام ابن الجراح، "يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك" ومعروف شريك أنه يخطأ، وقال الإمام مسلم في حديث الإسراء الذي رواه من طريقه فقال: إن شريكاً زاد فيه ونقص، وقدم وأخر، وأورد ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد من أوهام شريك في الإسراء، وكذلك الحافظ ابن حجر ما يصل إلى العشرة، عشرة أوهام في حديث الإسراء "يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك" أولاً: هذا الخبر موقوف على ابن عباس واجتهاد منه، الأمر الثاني: أنه سواء كان ثبت عن ابن عباس أو لم يثبت فالقول به من أجل التوفيق بين النصوص لا شك أنه وجه من وجوه رفع التعارض، ومسلك من المسالك التي يسلكها أهل العلم للتوفيق بين النصوص، وهو قول جيد في الجملة، يعني إذا أمكن الجمع فلا يعدل عنه إلى النسخ، ويمكن حمل حديث:((الماء من الماء)) على الاحتلام، ولا يحتاج إلى أن نقول: إنه منسوخ؛ لأن النسخ يقتضي إلغاء الحديث، رفع الحكم بالكلية، والقول بأنه محمول على صورة خاصة وهو الاحتلام يبقي دلالة الحديث قائمة، وينفي التعارض بينه وبين الأحاديث الأخرى.
قال أبو عيسى: وأبو الجحاف اسمه: داود بن أبي عوف، ويروى عن سفيان الثوري أنه قال: حدثنا أبو الجحاف وكان مرضياً" مرضياً، سفيان الثوري يقول: حدثنا أبو الجحاف وكان مرضياً، وهذه من ألفاظ التعديل المتوسطة، يعني تدل على قبول خبره وإن لم يكن على درجة من التوثيق.
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الماء من الماء)).
الحديث لم يرد عنهم جميعاً بهذا اللفظ، وإنما وردوا في قصة، وردت أسماؤهم في قصة واحدة عند البخاري، في صحيح البخاري عن يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني أبو سلمة أن عطاء بن يسار أخبره أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أريت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمنِ؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني معناه معنى حديث:((الماء من الماء)) فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك، يعني المعنى واحد وليس بلفظ الخبر.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، يعني سبب الورود يرد قول ابن عباس، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن قد يلجأ إلى خصوص السبب عند التعارض، فيحمل أو يقصر الخبر على سببه، قول وكيع: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك يدل على أنهم يسمون الأخبار الموقوفة والمقطوعة حديث، يسمون الموقوفات والمقاطيع يسمونها أحاديث، ولذلك هذا ينفع في رفع الإشكال الذي يرد عند ذكر ما يحفظه الأئمة، إذا قيل: الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث، طيب سبعمائة ألف حديث لو بحثت في الدواوين الموجودة ما وجدت ولا مائة ألف، وين راحت؟ ضاعت على الأمة؟ لا ما ضاعت، كانوا يعدون المكررات أحاديث فربما حديث يرد من مائة طريق يعدونها مائة حديث، يعدون أقوال الصحابة أحاديث كما هنا، نعم، سمى كلام ابن عباس حديث، يعدون أقوال التابعين حديث، فإذا جمعنا هذه الأمور مجتمعة بلغت أضعاف ما يحفظه الإمام أحمد، فلا يقال: إن شيء من الدين قد ضاع على الأمة، يعني الأمة معصومة في أن تفرط في شيء من دينها.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.