المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٣٥

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر:

قال بعضهم: هي المغرب لأنها وسطى، لماذا؟ بالنسبة لعدد الركعات ليست رباعية ولا ثنائية، ثلاثية متوسطة بين الصبح وبين الظهر والعصر والعشاء، وقيل: العشاء، وجاء فيها ما جاء في صلاة الصبح من أنها أثقل الصلاة على المنافقين، وقيل: أخفاها الله كما أخفى ليلة القدر وساعة الجمعة ليجتهد الناس في الصلوات كلها، ما من صلاة إلا وقد قيل: إنها هي الوسطى، ولكن النصوص الصحيحة الصريحة كما قال النووي وغيره تدل على أنها العصر.

قال رحمه الله: "حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى قال: حدثنا قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته، فقال: سمعته من سمرة بن جندب"

هذا تصريح من الحسن أنه سمع من سمرة حديث العقيقة، فلا إشكال في هذا؛ لأنه صحيح، سمع من سمرة حديث العقيقة، والسن يحتمل، لكن مع ذلك هل يطرد القول بسماعه منه لأنه ثبت سماعه منه لهذا الحديث؟ أو يقال: إنه لم يسمع منه إلا هذا الحديث؟ أو يقال: لم يسمع منه مطلقاً لأن البخاري أورد الخبر تعليق؟ وصله الترمذي، على كال حال "قال أبو عيسى: وأخبرني محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- قال: حدثنا علي بن عبد الله" يعني شيخه ابن المديني "عن قريش بن أنس بهذا الحديث، قال محمد: قال علي: وسماع الحسن من سمرة صحيح واحتج بهذا الحديث" وقال شعبة: لم يسمع الحسن من سمرة شيئاً، واختاره ابن حبان، وقال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة، وقال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة، وقيل: سمع منه مطلقاً كما سمعنا في كلام علي بن المديني، وقيل: سمع منه حديث العقيقة فقط، قاله النسائي والدارقطني والبزار، واختاره عبد الحق، لكن من أثبت كعلي بن المديني والبخاري قالوا: إنه مقدم على من نفى، ولعله اختيار الترمذي؛ فإنه صحح أحاديث من رواية الحسن عن سمرة، ويبقى أنه إن صرح الحسن بالسماع منه قبل وإلا فلا؛ لأن الحسن مدلس، وتدليسه شديد فلا تقبل عنعنته مع هذا الاختلاف، فلا بد أن يصرح.

سم.

عفا الله عنك.

قال -رحمه الله تعالى-:

‌باب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر:

ص: 15

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا منصور وهو ابن زاذان عن قتادة قال: أخبرنا أبو العالية عن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب، وكان من أحبهم إلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.

وفي الباب عن علي وابن مسعود وأبي سعيد وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر وسمرة بن جندب وعبد الله بن عمرو ومعاذ بن عفراء والصنابحي، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعائشة وكعب بن مرة وأبي أمامة وعمرو بن عبسة ويعلى بن أمية ومعاوية رضي الله عنهم.

حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح.

قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء: حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)) وحديث علي: ((القضاة ثلاثة)).

يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:

ص: 16

"باب: ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر" جاء النهي عن الصلاة في هذين الوقتين في هذا الحديث حديث عمر وهو مروي عن جمع من الصحابة يشير إليهم الترمذي بقوله: وفي الباب ممن سيأتي ذكره، وجاء أيضاً النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة في حديث عقبة بن عامر قال:"ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب" فعندنا وقتان وفي حديث عقبة ثلاثة، فتكون الأوقات خمسة، ومنهم من يجعلها ستة فيجعل ما قبل صلاة الصبح وقت، وما بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس وقت، ومن طلوعها إلى ارتفاعها وقت ثالث، ومن وقوفها في كبد السماء حتى تزول رابع، ومن صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب خامس، ومن ذلك الوقت إلى أن تغرب وقت سادس، لماذا؟ لأنه اختلف في بداية وقت النهي بالنسبة للصبح هل هو من طلوع الصبح أو من صلاة الصبح؟ مع أنهم يتفقون على أن وقت النهي بالنسبة للعصر إنما يبدأ من صلاة العصر، لا من وقت العصر، فيتطوع المرء بما شاء بين أذان صلاة العصر وبين إقامتها، وقد جاء الحث على أربع ركعات قبل صلاة العصر، فالنهي هل يبدأ من طلوع الصبح إذا طلع الصبح فلا صلاة إلا ركعتي الفجر، أو يبدأ من صلاة الفجر وحينئذٍ يتطوع الإنسان بما شاء حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح بدأ وقت النهي، وجاء في الحديث:((إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر)) وجاء أيضاً بالإجمال كما هنا، قال:"نهى عن الصلاة بعد الفجر" ويحتمل أن يكون بعد طلوعه وبين أداء صلاة الفجر.

فالمسألة كما سمعتم والأكثر على أن الأوقات خمسة، من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس هذا واحد، ولا يستثنى من ذلك إلا صلاة الصبح الفريضة، ومعلوم أن الفرائض لا تدخل على خلاف سيأتي مع الحنفية وركعتا الفجر مستثناة.

ص: 17

طيب لماذا لا نقول: إن أوقات النهي ثلاثة؟ من طلوع الفجر حتى ترتفع الشمس، ولا نفصل هذا إلى وقتين أو ثلاثة، وحين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول، ومن صلاة العصر حتى تغرب الشمس ثلاثة، وكلما قلت الأقسام كان الحصر والضبط أقرب، لماذا؟ لأن هذه الأوقات متفاوتة، منها الأوقات الموسعة التي النهي فيها أخف من الأوقات الثلاثة المضيقة بدليل أنه لا يقتصر على النهي عن الصلاة، بل دفن الموتى ممنوع في حديث عقبة بن عامر فهي أوقات قصيرة ثلاثة مضيقة، والنهي فيها أشد من الوقتين الموسعين.

قال: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا منصور وهو ابن زاذان" أبو المغيرة الثقفي الواسطي ثقة "عن قتادة" بن دعامة السدوسي "قال: أخبرنا أبو العالية" رفيع بن مهران الرياحي ثقة، وسيأتي في كلام الإمام الترمذي أن قتادة لم يسمع من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث وهذا واحد منها على ما سيأتي، "عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب"، قال: حدثني رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر "وكان من أحبهم إليَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر" يعني بعد صلاة الفجر، أو بعد دخول وقتها سوى ركعتي الفجر على ما قرر عند أهل العلم، وإن كان المرجح أنه بعد طلوع الفجر، النهي يبدأ من بعد طلوع الفجر، فلا صلاة إلا ركعتي الفجر "حتى تطلع الشمس" وهذا الوقت موسع، ومن طلوعها حتى ترتفع هذا وقت مضيق "وعن الصلاة بعد -صلاة- العصر" أي بعد العصر يعني بعد صلاتها بالاتفاق "حتى تغرب الشمس".

ص: 18

قال رحمه الله: "وفي الباب عن علي" عند أبي داود "وابن مسعود" عند الطحاوي "وأبي سعيد" عند البخاري ومسلم "وعقبة بن عامر" عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم "وأبي هريرة" عند البخاري ومسلم "وابن عمر" عند الشيخين أيضاً "وسمرة بن جندب" قال الشارح: لم يقف على من أخرجه، "وعبد الله بن عمرو" عند الطبراني "ومعاذ ابن عفراء" وهذا ذكره ابن سيد الناس في شرحه بنحو حديث أبي سعيد المتفق عليه "والصنابحي" عند أحمد في المسند وعند النسائي وعند مالك في الموطأ، قال:"ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم" فخبره مرسل "وسلمة بن الأكوع" يقول الشارح: إنه لم يقف عليه "وزيد بن ثابت" عند الطبراني "وعائشة" عند أبي داود "وكعب بن مرة" عند الطبراني أيضاً "وأبي أمامة" يقول الشارح: إنه لم يقف عليه "وعمرو بن عبسة" عند أحمد في المسند، وعند الإمام مسلم وأبي داود "ويعلى بن أمية" يقول الشارح: إنه لم يقف عليه "ومعاوية" عند البخاري وغيرهم من الصحابة، كثير من الصحابة رووا أحاديث النهي.

"قال أبو عيسى: حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، "وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح" قال: بعد صلاة الصبح مع أن الحديث محتمل للصلاة وللوقت "حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وأما الصلوات الفوائت فلا بأس أن تقضى بعد العصر وبعد الصبح"((فليصلها إذا ذكرها)) يعني في أي وقت، والفرائض مستثناة من أحاديث النهي، يقول: قول أكثر الفقهاء من الصحابة ومن بعدهم كراهية الصلاة في هذه الأوقات مطلقاً، وهو المعروف عند الحنفية والمالكية والشافعية، يعني هو قول الجمهور، وذهب داود إلى جواز الصلاة فيها مطلقاً، وروي عن بعض الصحابة، فلعل هؤلاء لم يبلغهم النهي أو حملوه على التنزيه، ومنهم من قال بأن أحاديث النهي منسوخة، كما ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري، ومنهم من رأى المنع من الصلاة في هذه الأوقات فرضها ونفلها، ومنهم من جوز فعل ذوات الأسباب في هذه الأوقات دون غيرها.

ص: 19

قول داود لا عبرة به مع ثبوت هذه الأحاديث، أنه تجوز الصلاة فيها مطلقاً، وقول من يقول بالمنع مطلقاً حتى الفرائض أيضاً مردود بما جاء من السنة الصحيحة الصريحة في استثناء الفرائض من قوله:((من أدرك ركعة من صلاة الصبح)) ((من أدرك ركعة من صلاة العصر)) يعني في شدة وقت النهي، فقولهم مردود بهذه الأحاديث، يبقى أن النهي في النوافل، القول بشمول النهي لجميع النوافل سواءً كانت نوافل مطلقة أو ذات سبب هو قول الحنفية والمالكية والشافعية، فلا يتطوع الإنسان بأي صلاة كانت ولو كانت ذات سبب، وأدلتهم أحاديث النهي، ويفرق الشافعية بين ما له سبب وما لا سبب له، فتحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له، وأما ما له سبب فلا يدخل في النهي، ويستدلون إذا استدل الجمهور بعموم أحاديث النهي استدل الشافعية بعموم أحاديث ذوات الأسباب، مثل:((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) ومثل ما جاء من الصلوات الخاصة مثل الاستخارة، مثل ركعتي الوضوء، يعني في أي وقت كان، مثل ركعتي الطواف، وغيرها من الصلوات.

ص: 20

فإذا قال الجمهور أحاديث ذوات الأسباب عامة وأحاديث النهي خاصة والخاص مقدم على العام ((فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) يعني في غير وقت النهي، فمثل هذا عام يخص بأحاديث النهي، قال الشافعية ومن يقول بقولهم كشيخ الإسلام بعكس هذا الكلام، قالوا: إن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة؛ لأنه يسمع من بعض من يفتي أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة وانتهى الإشكال، يعني مثل ما يقول الشافعية، لكن هل يسلم هذا؟ إذا قالوا هؤلاء هذا الكلام قال غيرهم كلام بمستواه، قالوا: إن أحاديث ذوات الأسباب عامة في كل وقت، وأحاديث النهي خاصة بهذه الصلوات، يعني عندنا عموم وخصوص في الطرفين، أحاديث النهي عامة في الأوقات، عامة في الصلوات خاصة في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات خاصة بالصلوات عكس أحاديث النهي، وإذا قال هؤلاء كذا قال هؤلاء كذا، والنظران متساويان، فلا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر، النظران من حيث القواعد متساويان؛ لأننا نسمع من يقول: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، ويمرر المسألة كأنها لا شيء، وهي من عضل المسائل، من أعظم المسائل إشكالاً، وتجده يأتي قبل غروب الشمس بخمس دقائق ويكبر ويصلي مرتاح، كأنه يصلي الضحى، بناءً على أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة والخاص مقدم على العام، طيب القول الثاني؟ عكس ما تقول، أحاديث ذوات الأسباب في أي وقت تدخل المسجد صلي ركعتين إلا في أوقات النهي، أحاديث ذوات الأسباب عامة وأحاديث النهي خاصة، يعني مقابلة تامة بين القولين، مع أن القول بالمنع هو رأي الجمهور، ولم يقل بذوات الأسباب إلا الشافعية ويرجحه شيخ الإسلام، ونجد كثير من الناس يرتاح لهذا القول، لماذا؟ لأن شيخ الإسلام رجحه،

وإذا قالت حذام فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام

ص: 21

بغض النظر عن النظر في النصوص وتطبيق القواعد العلمية عليها، نجلس هكذا؟ بعض العلماء يقول: لا تدخل في وقت النهي، لا تدخل المسجد؛ لئلا تقع في حرج، إن صليت خالفت حديث النهي، وإن ما صليت خالفت حديث:((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس)) بعضهم يقول: ادخل المسجد واذكر الله وسبح وهلل وبإمكانك تقرأ قرآن لكن لا تجلس؛ لئلا تقع في حرج، وهذا يدل على إيش؟ على أن هذه المسألة من أدق وأعقد المسائل، ليست المسألة سهلة، كما نرى ونشاهد من بعض طلاب العلم بل من أهل العلم يجلس، يدخل وهو مرتاح، يصلي ركعتين في الأوقات المضيقة، لماذا؟ لأنه رأى رأي الشافعية، ورجحه شيخ الإسلام وانتهت المسألة، لا، طيب، ماذا

؟ كيف نصنع؟ نقول: لا تدخل المسجد؟ أو إذا دخلت لا تجلس؟ مع أن النصوص في الطرفين صحيحة، والنظر إلى هذه النصوص في كفتي ميزان متعادلة، والتعادل هو الذي يوجد الحرج، يعني لو رجحت إحدى الكفتين انتفى الحرج، ماذا يقول الجمهور؟ يقول الجمهور: نرجح قولنا بأن الحظر يعني المنع مقدم على الإباحة، بل مقدم على الأمر، لماذا؟ لأن النهي أشد من الأمر، ومخالفة النهي أشد من مخالفة الأمر، كيف؟ ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ما في خيار النهي، بينما الأمر فيه شيء من الاستثناء، قد يقول قائل: إن هذا الكلام لا يتجه إلى مثل شيخ الإسلام، لماذا؟ لأنه يرى أن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، فلا يتجه إليه مثل هذا الكلام، كيف ارتكاب المحظور أسهل من ترك المأمور؟ قال: نعم؛ لأن معصية آدم ارتكاب محظور ومعصية إبليس ترك مأمور ومعصية إبليس أعظم، ورجح هذا الكلام بعض أهل العلم، لكن الأكثر على العكس أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور، وعلى كل حال القول بهذا أو ذاك على الإطلاق ليس بوجيه، نعم عند التكافؤ ممكن، لكن إذا نظرنا إلى كل مسألة بمفردها في تعارض الأمر والحظر ينظر إلى قوة الأمر مع قوة الحظر وحينئذٍ يرجح الأقوى، فمثلاً أيهما أعظم حلق اللحية أو عدم الصبغ؟ تغيير الشيب؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 22

لا، ما هو بالسواد، لا، أقول: تغيير الشيب، ((غيروه)) أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن نغير الشيب، أو حلق اللحية لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن حلقها؟

طالب:. . . . . . . . .

أعظم؟

طالب:. . . . . . . . .

نقول هنا: ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور، لماذا؟ لأننا نظرنا إلى كل واحد على حدة.

لكن لو كان هذا المأمور عظيم مثل الصلاة مثلاً منعت من الصلاة حتى تأكل شيء من الربا، تتعامل بمعاملة ربوية، ماذا نقول؟ اترك الصلاة؟ أيهما أعظم الآن؟ نقول: ترك المأمور أعظم من فعل المحظور؛ لأن ترك الصلاة كفر، وهكذا ينظر إلى كل مسألة على حدة، والأصل الحديث:((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) والمقرر عند الجمهور أن ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور، فأنت إذا دخلت المسجد وصليت ركعتين ارتكبت محظور، صليت في أوقات النهي وفعلت مأمور، لكن لو جلست ما صليت تركت مأمور ولم ترتكب محظور، قالوا: الحظر مقدم على الإباحة فيرجح من هذه الحيثية.

الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه: باب: الطواف بعد الصبح وبعد العصر، فأورد الأحاديث، أحاديث النهي عن الصلاة، فأورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وقال: صلى عمر ركعتي الطواف بذي طوى، لأنه طاف بعد الصبح وما صلى الركعتين إلا بذي طوى، لما خرج وقت النهي، فالإمام البخاري ماذا يرجح؟ يرجح أننا لا نفعل شيئاً من السنن ولو كانت ذا سبب مثل ركعتي الطواف.

وجاء في حديث جابر في المسند عند أحمد قال: "لم يكونوا يطوفون بعد الصبح وبعد العصر" لكن أقول: لا مانع من الطواف، لكن تؤخر الصلاة حتى يخرج وقت النهي مثل ما فعل عمر، لا إشكال في هذا لأنهم لم يكونوا يطوفون لئلا يصلوا في هذا الوقت؛ لأن الممنوع الصلاة ما هو بالطواف، وجاء في حديث يستدل به من يقول بفعل ذوات الأسباب:((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) ولذا جاء بعض استثناء مكة -على ما سيأتي- عند بعض العلماء.

ص: 23

نعود إلى أصل المسألة، المسألة فيها ما سمعتم، وهي شائكة ودقيقة ومعضلة من عضل المسائل، ليست بالسهلة كما يراها بعض الناس، والجمهور على أنه لا يتطوع بشيء ولو كان له سبب، في مقابل الشافعية الذين يستثنون ذوات الأسباب، وكان المعمول به هو قول الجمهور، إلى أن اطلع الناس على الأقوال، وشهر قول شيخ الإسلام، وقلده الناس، ووجد من يشهر شيخ الإسلام، واختيارات شيخ الإسلام فصاروا يصلون في هذه الأوقات، وإلا كان الناس أبداً، رأينا من يحرف الناس إذا كبر العصر ليصلي تحية المسجد، وكان عمر يضرب الناس إذا صلوا بعد العصر.

الحظر مقدم على الإباحة، بل على الأمر كما جاء في الحديث:((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ورجح به كثير من أهل العلم أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور، بهذا يرجح الجمهور قولهم، ومن يرجحه ممن يقلدهم، طيب الشافعية لهم مرجحات وإلا ما لهم مرجحات؟ لهم مرجحات من هذه المرجحات ....

طالب:. . . . . . . . .

هاه؟

طالب:. . . . . . . . .

حديث إيش؟

طالب:. . . . . . . . .

ويش هو؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، لا هذا ما ينفع، هذا دليل، نريد شيء يرجح هذا الدليل.

طالب:. . . . . . . . .

هذا دليل للمسألة، نريد ما يرجح هذه الأدلة على الأدلة الأخرى، إحنا عرفنا أن لهم أدلة، نحن لا نبحث الآن في الأدلة، نريد مرجح خارجي؛ لأنه إذا كان التعارض من باب العموم والخصوص الوجهي نريد مرجح خارجي، لا نرجح بنفس الأدلة، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

كيف؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، لا، الجلوس المراد به الأمر، إحداث صلاة، لو انسدح، لو اضطجع ويش يصير؟

طالب:. . . . . . . . .

لكن هو نهي عن الجلوس لو اضطجع؟ أو المراد إيجاد صلاة؟ المراد إيجاد صلاة في هذا الوقت تحية للمسجد، ولذا لا يكفي أن يصلي ركعة واحدة.

المقصود أنه لا بد من مرجح خارجي؛ لأن الخلاف من باب العموم والخصوص الوجهي الذي هو من أعقد ما يبحث في مسائل الأصول، وعرفنا أن الجمهور رجحوا بترجيح الحظر على الإباحة، هذه قاعدة معروفة ويقول بها الشافعية في كثير من المسائل، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 24

هذا من أدلتهم، من الأدلة، الأدلة لا نبحث فيها الآن، نريد مرجح خارجي، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ويش فيه؟

طالب:. . . . . . . . .

هذا من الأدلة لا أريد أدلة، الأدلة انتهينا منها، هؤلاء لهم أدلة وهؤلاء لهم أدلة، الآن في حال التعارض إذا كان من باب العموم والخصوص الوجهي نريد مرجح خارجي غير هذه الأدلة، لا نريد أفراد الأدلة التي يستدل بها الجمهور أو يستدل بها الشافعية، انتهينا من مسألة الأدلة، نريد مرجح خارجي، نريد قاعدة يستند إليها أهل العلم في الترجيح في مثل هذه المسائل المعضلة، نعم؟

طالب: يقولون: العموم إذا دخل التخصيص أضعفه.

نعم، قالوا: إن عموم أحاديث النهي غير محفوظ، بمعنى أنه دخله مخصصات ((لا صلاة بعد العصر)) و ((لا صلاة بعد الصبح)) و"ثلاث ساعات كان ينهانا" هل يشمل الفرائض أو هذه الأحاديث مخصصة بالفرائض؟ مخصصة بالفرائض، إذاً العموم غير محفوظ، وإذا خصت بالفرائض تخص بذوات الأسباب؛ لأن العموم إذا خصص ضعف، بينما عموم ذوات الأسباب قالوا: محفوظ، محفوظ ما دخله مخصصات، فيكون عموم ذوات الأسباب أقوى من عموم أحاديث النهي، وأولئك يرجحون بالقاعدة المتفق عليها حتى مع الشافعية أن الحظر مقدم، واحد جلس وهو مأمور بصلاة ركعتين، والآخر صلى وهو منهي عن الصلاة، قالوا: النهي أشد ((فأتوا منه ما استطعتم)) أنا لا أستطيع أن أصلي ركعتين في هذا الوقت، وقد نهيت من قبل الشارع عنها، يعني ما هو معنى عدم الاستطاعة أنك لا تقدر على أداء ركعتين؛ لأن عدم الاستطاعة الشرعية أشد من عدم الاستطاعة البدنية، إذا كنت ممنوع شرعاً منها.

ص: 25

وعلى كل حال المسألة مثل ما ذكرنا والأدلة متكافئة، والذي أميل إليه وأرجحه أن الوقتين الموسعين أمرهما سهل؛ لأن النهي عن الصلاة فيهما لا لذاتهما، بل إنما خشية أن يستمر الإنسان فيصلي حتى يدخل الوقت المضيق الذي الأمر فيه أشد، النهي فيه أغلظ في الثلاثة الأوقات المغلظة؛ لأن العلة واضحة الشمس تطلع بين قرني شيطان، تغرب بين قرني شيطان، إذا وقفت سجد لها الكفار، إذا طلعت سجد

، من أجل هذا نهينا، فإذا جاءت الثلاثة فأمسك عن الصلاة أياً كان سببها إلا الفريضة التي جاء فيها:((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) هذه مستثناة، ما تدخل في هذا على ما سيأتي، يأتي بحثها، فالأوقات الثلاثة المضيقة وهي قصيرة، يعني لا تزيد في الغالب في أطول الأوقات على ربع ساعة.

طالب:. . . . . . . . .

حين يقوم قائم الظهيرة وإيش فيه؟

وقت تسجر فيه جهنم، هذه العلة، حتى قيل: إن الشيطان يتراءى لها إذا قامت مثل طلوعها وغروبها.

المقصود أن الأوقات الثلاثة المضيقة يجتنب فيها المسلم الصلاة أياً كانت إلا الفرائض، وأما بالنسبة للوقتين الموسعين فالأمر فيهما أسهل، ولذا جاء في الحديث الذي يليه أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى راتبة الظهر بعد صلاة العصر، وأقر من تصدق على هذا بعد صلاة الصبح، وأقر من صلى ركعتي الصبح بعدها، فالأمر فيهما أوسع، بينما الأوقات المضيقة التي جاءت في حديث عقبة بن عامر أمرها شديد، ووقتها قصير، يعني لو انتظر الإنسان ما تأثر، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، الجمعة ما في تسجير لجهنم، ولذلك تتابع الصحابة -رضوان الله عليهم- على الصلاة في هذا الوقت حتى يدخل الإمام.

ص: 26