المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولا جُوَالِقَات، وقد جاء في بعض الأسماء المذكوة ذلك مع - شرح شافية ابن الحاجب - الرضي الأستراباذي - جـ ٢

[الرضي الأستراباذي]

الفصل: ولا جُوَالِقَات، وقد جاء في بعض الأسماء المذكوة ذلك مع

ولا جُوَالِقَات، وقد جاء في بعض الأسماء المذكوة ذلك مع الكسير، نحو بوانات في بُِوان، وهو عمود (1) الخيمة.

مع قولهم بون، وإنا جمع بالألف والتاء في مثله مع أنه ليس قياسه لاضطرارهم إليه، لعدم مجئ التكسير، وامتناع الجمع بالواو والنون لعدم شرطه.

وقريبٌ من ذلك نحو الأرضين والْعِزين والثُّبِين (2) ، ونحو ذلك من المؤنثات المجموعة بالواو والنون وقد يجئ جمع لا واحد له أصلاً، لا قياسي ولا غير قياسي، كَعَبَادِيد

وعَبَابيد (3) ، وقد مضى القول في أكثر ذلك مبسوطاً في شرح الكافية في باب الجمع، فليرجع إليه.

" قَالَ وَقَدْ يُ‌

‌جْمَعُ الْجَمْعُ

نَحْوُ أكاليب وَأَنَاعِيمَ وجَمَائِلَ وَجِمَالَاتٍ وَكلَابَاتٍ وَبُيُوتَاتٍ وَحُمُرَاتٍ وَجُزُرَاتٍ " أقول: اعلم أن جمع الجمع ليس بقياس مطرد، كما قال سيبويه وغيره، سواء كسَّرته أو صححته، كأكالب وبُيُوتات، بل يقال فيما قالوا ولا يُتَجَاوَز، فلو قلت أفْلُسَات وأدْلِيَات في أفلس وأدل لم يجز، وكذلك أسماء الأجناس كالتمر والشعير لا تجمع قياساً، وكذا المصدر لأنه أيضاً اسم جنس، فلا يقال الشُّتُوم والنُّصُور في الشتم والنصر، بل يقتصر على ما سمع كالأشغال والحلوم والعقول، وكذا لا يقال الابار في جمع الْبُرّ، بل يقتصر في جميع ذلك على المسموع، إلا أن يضطر شاعر فيجمع الجمع، قال:

لانهم قد كسروه فقالوا: جواليق " اه وفى القاموس أنهم اجمعوه بالالف والتاء فقالوا: جوالقات، (1) انظر (ص 127 من هذا الجزء)(2) انظر (ص 115، 116 من هذا الجزء)(3) انظر (ح 1 ص 268 ثم ص 78 من هذا الجزء)(*)

ص: 208

69 -

* بأعْيُنَاتٍ لَمْ يُخَالِطْهَا الْقَذَى * (1) وقد سمع في أفعل وأفْعِلَة كثيراً، كالأَيْدي والأيادي والأوطب والأواطب (2) والأسقية والأساقي (3) ، مشبه بالأجدل والأجادل (4) والأنملة والأنامل، وقالوا: الأقوال والأقاويل، والأسورة والأساورة، (5) والأنعام والأناعيم (6) وقالوا في الصحيح: أعطيت (7) وأسقيات كأنملات، وجمعوا

(1) لم نقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين ولا على سابق له أولاحق عليه.

والاعينات: جمع أعين، وهو جمع عين.

والقذى: ما يسقط في العين أو غيرها من الوسخ.

والفعل قذى من باب فرح.

(2)

الاوطب: جمع وطب - كفلس - وهو وعاء اللبن من جلد الجذع فما فوقه، وجمع الاوطب الاواطب، وقد أنشد سيبويه: * تحاسب منها ستة الاواطب * (3) الاسقية: جمع سقاء، وهو جلد السخلة إذا أجذعت (انظر ص 52 من هذا الجزء) والاساقي جمع الجمع، وقد جمع على أسقيات أيضا كأعطيات، (4) الاجدل: الصقر، وأصله من الجدل الذي هو الشدة ثم سمى به قال الشاعر كأن بنى الدعماء إذ لحقوا بنا * فراخ القطا لاقين أجدل بازيا (5) الاسورة: جمع سوار - بضم السين وكسرها - وهو حلية من الذهب أو الفضة تلبسها النساء في سواعدهن، والاساور جمع الجمع، قال تعالى:(يحلون فيها من أساور من ذهب) .

وقد يقولون: أساورة، بزيادة التاء لتأكيد الجمع، وقرئ (فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب) .

وانظر (ص 127 من هذا الجزء)(6) الانعام: جمع نعم، وهو الابل والشاء، ويقال: هو خاص بالابل (7) الاعطيات: جمع أعطية، وهو جمع عطاء بالمد والقصر، والعطاء: الشئ المعطى، ومنه أعطيات الجند لارزاقهم، والعطية بمعنى العطاء، وجمعها عطايا (*)

ص: 209

أيضاً فِعَالاً على فَعَائِل كجمال وجمائل وشَمَائل، وصححوه ككِلَابات ورجالات وجِمَالات، وقالوا في فُعُول نحو بُيُوتات، وفي فُعُل نحو جَزُرَات (1) وحُمُرَات

وطُرُقَات، وفي فُعْل نحو عُوذَات (2) ودُورَات جمع عائذ ودار، وإنما جمع الجمع بالألف والتاء لأن المكسر مؤنث، وقالوا في فعلان كَمَصارين وحَشَاشين جمع مُصْرَان جمع مَصِير وجمع حَشَّان جمع (3) حُشّ، فهو كسلطان وسلاطين، ولا يقاس على شئ من ذلك قال:" التاء السَّاكِنَيْنِ يُغْتَفَرُ في الْوَقْفِ مُطْلقاً، وَفِي الْمُدْغَمِ قَبْلَهُ لِينٌ فِي كَلِمَةٍ نَحْوُ خُوَيْصَّة وَالضَّالِّينَ وَتُمُوَدَّ الثَّوْبُ، وفي نَحْوِ مِيْمْ وَقَافْ وَعَيْنْ مِمَّا بُنِيَ لِعَدَم التَّرْكِيبِ، وَقْفاً وَوَصْلاً، وَفِي نَحْوِ الْحَسَنُ عندك وآيمن الله بمينك، للالتباس، وفي نحو لا ها اللهِ وَإي الله جَائِزٌ، وَحَلْقَتَا الْبِطَانِ شَاذٌّ " أقول: اعلم أن الحرفين الساكنين إذا كان أولهما (حرفاً) صحيحاً لا يمكن التقاؤهما إلا مع إتيانك بكسره مُخْتَلَسة غير مُشْبَعَة على الاول منهما، فيحسب المستمعأن الساكنين التقيا، ويشاركه في هذا الوهم المتكلم أيضاً، فإذا تفطَّن كل منهما علم أن على الأول منهما كسرة خفيفة، نحو بَكْرَ بِشْرْ بُسْرْ، حركت عين الثلاثة بكسرة خفيفة، وإلا استحال أن تأتي بعدها بالراء الساكنة، وإنما تحس بذلك وتتفطنه بعد تثبتك وتأنُّقِكَ فيما تتكلم به، وإذا

1 0) الجزرات: جمع جزر - بضم أوله وثانيه - وهو جمع جزور، وهو البعير المجزور، ويقال: هو خاص بالناقة المجزورة، وقد جمع الجزور على جزائر أيضا (2) العوذات: جمع عوذ، وهو جمع عائذ (انظر ص 182 من هذا الجزء)(3) انظر (ص 95 من هذا الجزء)(*)

ص: 210

خلَّيْتَ نفسك وسجيتها وجدت منها منها أنها لا تلتجئ في النطق بالساكن الثاني المستحيل مجيئه بعد الساكن الأول من بين الحركات إلا إلى الكسرة، وإن

حصل لها هذا المقصود بالضمة والفتحة أيضاً، وكذلك إذا فرضت أول كلمة تريد النطق بها ساكنا، وذلك مما لا يجئ في العربية في اتبداء الكلام إلا مع همزة الوصل، ويوجد في الفارسية كقولهم شْتَاب وسْطَام، وجدت من نفسك أنك تتوصل إلى النطق بذلك الساكن بهمزة مكسورة في غاية الخفاء، حتى كأنها من جملة حديث النفس، فلا يدركها السامع، ثم تجهز بالحرف الساكن في أول الكلمة، فيتحقق لك أن إزالة كلفة النطق بالساكن بالكسرة، سواء كان ذلك الساكن في أول الكلمة أو في آخرها أو في وسطها، من طبيعة النفس وسجيتها إذا خليتها وشأنها فظهر لك أنهم لأيِّ سبب كسروا همزة الوصل، ولِمَ اجتلبوها دون غيرها، ولِمَ كسروا أول الساكنين في نحو اضْرِبِ اضْرِبِ، و (لَمْ يَكُنِ الذين) وأما إذا كان أولهما حرف لين فإنه يمكن التقاؤهما لكن مع ثقل ما، وإنما أمكن ذلك مع حروف العلة لأن هذه الحروف هي الروابط بين حروف الكلمة بعضها ببعض، وذلك أنك تأخذ أبعاضها، أعني الحركات، فتنظم بها بن الحروف، ولولاها لم تَتَّسِق، فإذا كانت أبعاضها هي الروابط وكانت إحداها وهي ساكنة قبل ساكن آخر مددتها ومكنت صوتك منها حتى تصير ذات أجزاء، فتتوصل بجزئها الأخير إلى ربطها بالساكن الذي بعدها، ولذلك وجب المد التام في أول مثل هذين الساكنين، ويَقلُّ المد في حروف كان ما قبلها من الحركات من جنسها، نحو قَوْل وبِيعَ، وذلك لأن في نحو قولَ المضموم قافه تتهيأ بعد النطق بالقاف للواو، وذلك لأن الضمة بعض

ص: 211

الواو، فيسهل عليك المجئ بعد الضمة بالواو كاملة لأنه لم يخالطها إذن نوع آخر في المد كما خالطها في نحو قَوْل المفتوح قافه، فإنك إذن تهيأت فيه بعد القاف

للمد الألفي: أي الفتحة، ثم انتقلت في الحال إلى المد الواوي شائباً شيئاً من المد الأول بالمد الثاني، وميل كل واحد من المدين إلى جانب الآخر، فلا جرم لم تتمكن من إشباع المد الواوى تمام التمكن فإذا تقرر هذا فاعلم ن أول مثل هذين الساكنين إذا كان ألفاً فالأمر أخف لكثرة المد الذي في الألف، إذ هو مد فقط، فلذلك كان نحو مَادَّ وَسَادَّ أكثر من نحو تُمُودَّ الثوب، ثم بعد ذلك إذا كان أولهما واواً أو ياء ما قبلهما من الحركات من جنسهما، ولم يأت مثل ذلك في الياء في كلامهم نحو سِيْر، والدرجة الأخيرة أن يكون أول الساكنين واواً أو ياء قبلها فتحة لقلة المد الذي في مثل ذلك، ولم يأت مثل ذلك إلا في المصغر نحو خُوَيْصَّة، فلا تقول في الأفعل من الْيَلَل (1) والود: أيْلّ وأوْدّ، بحذف حركة اللام الأولى كما في أُصَيْمّ، بل تنقل حركة أول الساكنين عند قصد الإدغام إلى الواو والياء، نحو أيَلُّ وأوَدُّ (1) ، لقلة المد الذي فيهما، كما فعلت في نحو أشد وأمر، وإنما اختص ياء التصغير بعدم جواز نقل حركة ما بعده إليه عند قصد الإدغام لوضعهم له ساكناً ولزومه للسكون هذا، ومع المد الذي في حروف اللين يشترط في الساكن الثاني أحد الشرطين: أحدهما: أن يكون مدغماً بشرط أن يكون المدغم والمدغم فيه معاً من كلمة حرف المد، وذلك أنه إذا كان مدغماً في متحرك فهو في حكم المتحرك، وذلك لشدة التصاقه به فإن اللسان يرتفع بالمدغم فيه ارتفاعةً واحدة، فيصيران كأنهما حرف واحد متحرك، وإنما اشترطنا أن يكون المدغم من كلمة

(1) انظر (ح 1 ص 27)

ص: 212

حرف المد احترازاً من نحو خَافَا الله وخَافُوا الله وخَافِي الله فإنه يحذف حرف

المد للساكنين، وذلك لأن في التقائهما مطلقاً وإن حصل جميع الشرائط كلفةً ما، كما ذكرنا، فإذا كان أولهما في مكان يليق به الحذف وهو آخر الكلمة كان تخفيف الكلمة بحذفه أولى، وإنما حذف الأول دون الثاني لضعفه، واشترطنا كون المدغم فيه من كلمة حرف المد إذ لو لم يكن منها لكان الإدغام الذي هو شرط اغتفار اجتمع الساكنين بِمَعْرِض الزوال فلا يعتد به، فلهذا لا تقول في النون المخففة في المثنى (1) اضْرِبَانْ نُعمان، بإدغام نون اضربانْ في نون نُعمان، وجاز في " ها الله " في أحد الوجوه اجتماعُ الساكنين وإن لم يكن المدغم من كلمة حرف المد لما مر في شرح (2) الكافية، الشرط الثاني

(1) يريد أن نون التوكيد الخفيفة لا تقع بد الالف اسما كانت الالف أو حرفا، حتى لو وقع بعدها نون يمكن إدغامها فيها، لان النون التي بعدها لما كانت من كلمة أخرى كان الادغام بِمَعْرِض الزوال، فلا يعتد به فان قلت: إنهم اغتفروا التقاء الساكنين في المؤكد بالنون الثقيلة مضارعا كان أو أمرا نحو لا تضربان واضربان يا زيدان، مع أن المدغم فيه ليس من كلمة حرف المد، إذ الالف والنون كلمتان مستقلتان، فالجواب: أنهم اغتفروه وإن لم يكن على حده للضرورة، وذلك أنهم لو حذفوا الالف كما هو القياس في التقاء الساكنين لفتحوا النون، إذ كسرها لتشبيههما بنون المثنى في وقوعها بعد الالف، ولو فتحوا النون التبس المسند إلى الاثنين بالمسند إلى الواحد، فليس مراد المؤلف أن النون الخفيفة تقع بعد الالف ولو كان بعدها نون يمكن إدغامها فيها، فاقتصر على نفى الصورة المتوهمة (2) قال في شرح الكافية (ح 2 ص 32) :" وإذا دخلت " ها " على الله ففيه أربعة أوجه: أكثرها إثبات ألف ها وحذف همزة الوصل من الله فيلتقي ساكنان: ألف ها، واللام الاولى من " الله "، وكان القياس حذف

الالف، لان مثل ذلك إنما يغتفر في كلمة واحدة كالضالين، أما في كلمتين، (*)

ص: 213

من الشرطين المعتبر واحد منهما في الساكن الثاني: أن يكون موقوفاً عليه بالسكون، أو مُجْرًى محرى الموقوف عليه، وذلك لأن الوقف لقصد

فالواجب الحذف نحو ذا الله وما الله، إلا أنه لم يحذف في الاغلب ههنا ليكون كالتنبيه على كون ألف هنا من تمام ذا، فان " ها الله ذا " بحذف ألف ها ربما يوهم أن الهاء عوض عن همزة الله كهرقت في أرقت، وهياك في إياك.

والثانية - وهي المتوسطة في القلة والكثرة - ها الله ذا " بحذف ألف " ها " للساكنين كما في " ذا الله " ولكونها حرفا كلا وما وذا.

والثالثة - وهى دون الثانية في الكثرة -: إثبات ألف ها وقطع همزة الله مع كونها في الدرج، تنبها على أن حق ها أن يكون مع ذا بعد الله، فكأن الهمزة لم تقع في الدرج.

والرابعة حكاها أبو علي - وهي أقل الجميع -: هأ لله، بحذف همزة الوصل وفتح ألف ها للساكنين بعد قلبها همزة كما في الضألين ودأبة، قال الخليل: ذا من جملة جواب القسم، وهو خبر مبتدأ محذوف: أي الامر ذا، أو فاعل: أي ليكونن ذا، أولا يكون ذا، والجواب الذي يأتي بعد نفيا أو أثباتا نحو ها الله ذا لافعلن أولا أفعل بدل من الاول، ولا يقاس عليه، فلا يقال: ها الله أخوك: أي لانا أخوك ونحوه وقال الاخفش: ذا من تمام القسم: إما صفة لله: أي الله الحضر الناظر، أو مبتدأ محذوف الخب ر: أي ذا قسمي، فبعد هذا: إما أن يجئ الجواب أو يحذف مع القرينة " اه هذا ما يتعلق بلفظ هذه الكلمة من حيث النطق بها وإعرابها، فأما ما يتعلق بها من حيث المعنى فقد ذكر المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 311، 312) أن معناها القسم، ثم اختلفوا في هذه الهاء

قال ما نصه: " وإذا حذف حرف القسم الاصلى: أعنى الباء: فان لم يبدل منها فالمخار النصب بفعل القسم.

ويختص لفظة الله بجواز الجر مع حذف الجار بلا عوض، نحو الكعبة لافعلن، والمصحف لاتين وتختص لفظة الله بتعويض " ها " أو همزة الاستفهام من الجار، وكذا يعوض من الجار فيها قطع همزة الله في الدرج، فكأنها حذفت للدرج ثم ردت عوضا من الحرف، وجار الله جعل هذه الاحرف بدلا من الواو، ولعل ذلك لاختصاصها بلفظة " الله " كالتاء، فإذا جئت بها.

(*)

ص: 214

الاستراحة، ومشارفة الراحة تهون عليك أمر الثقل الذي كنت فيه (1) والوقف على ضربين: إما أن يكون في نظر الواضع، أولا فالأول في أسماء حروف الهجاء، وإنما كانت هذه الأسماء كذلك لأن الواضع وضعها لتُعَلَّم بها الصبيان أو من يجري مجراهم من الجهال صوَر مفردات حروف الهجاء، فسمى كل واحد منها باسم أوله ذلك الحرف، حتى يقول الصبي: ألِفْ مثلاً، ويقف هنيهة قدر ما يميزها عن غيرها، ثم يقول: بَا، وهكذا إلى الآخر، فلا ترى ساكنين ملتقيين في هذه الأسماء إلا وأولهما حرف لين، نحو جِيمْ

التنبيه بدلا فلابد أن تجى بلفظة " ذا " بعد المقسم به، نحو لاها الله ذا، وإى ها الله ذا، وقوله: تعلمن ها لعمر الله ذا قسما (فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك) والظاهر أن حرف التنبيه من تمام اسم الاشارة

قدم على لفظ المقسم به عند حذف الحرف ليكون عوضا منه " اه (1) قد علل هذا العلامة ابن يعيش في شرحه على المفصل (ح 9 ص 120) فقال: " وإنما سد الوقف مسد الحركة لان الوقف على الحرف يمكن جرس ذلك الحرف ويوفر الصوت فيصير توفير الصوت عليه بمنزلة الحركة له، ألا ترى أنك

إذا قلت: عمر، ووقفت عليه، وجدت للراء من التكرر وتوفير الصوت ما ليس لها إذا وصلتها بغيره؟ وذلك أن تحريك الحرف يقلقله قبل التمام ويجتذبه إلى جرس الحرف الذي منه حركته، ويؤيد عندك ذلك أن حروف القلقلة وهى القاف والجيم والطاء والياء والدال لا تستطيع الوقوف عليها إلا بصوت، وذلك لشدة الحفل والضغط، وذلك نحو: الحق، واذهب، واخلط، واخرج، ونحو الزاى والذال والطاء، والصاد، فبعض العرب أشد تصويتا، فجميع هذه لا تستطيع الوقوف عليها إلا بصوت، فمتى أدرجتها وحركتها زال ذلك الصوت، لان أخذك في صوت آخر وحرف سوى المذكور يشغلك عن إتباع الحرف الاول صوتا، فبان لك بما ذكرته أن الحرف الموقوف عليه أتم صوتا وأقوى جرسا من المتحرك، فسد ذلك مسد الحركة، فجاز اجتماعه مع ساكن قبله " اه (*)

ص: 215

دَالْ نُونْ، وكذا الأصوات، نحو قُوسْ (1) ، وطِيخْ (2) ، الوقف فيها وضعي، لأنها لم توضع لقصد التركيب كما مضى في بابها (3)

(1) قوس: اسم صوت يزجر به الكلب ليبتعد، فيقال له: قوس قوس، وهو مبنى على السكون، فإذا دعوته ليقبل قلت: قس قس، وقد اشتقوا من ذلك فعلا فقالوا: قوقس الرجل، إذا أشلى كلبه: أي دعاه أو أغراه (2) طيخ: حكاية صوت الضحك، وهواسم صوت، والذى ذكره صاحب اللسان والقاموس أنه مبنى على الكسر، وكذلك ذكر المؤلف نفسه في شرح الكافية (ح 2 ص 77) حيث قال:" من الاصوات التى هي حكاية عن أصوات الانسان أو العجماوات أو الجمادات " طيخ " وهو حكاية صوت الضاحك، وعيط حكاية صوت الفتيان إذا تصايحوا في اللعب، وغاق - بكسر القاف - وقد ينون، وهو صوت الغراب

وشيب صوت مشافر لابل عند الشرب.

كلها مكسورة الاواخر " اه، فعلم من هذا أنه قد خالف هنا ما ذكره هناك وما هو

نقل علماء اللغة (3) الذى مضى هو قوله في (ح 2 ص 75) : " اعلم أن الالفاظ التى تسميها النحاة أصواتا على ثلاثة أقسام: أحدها حكاية صوت صادر إما عن الحيوانات العجم كغاق (حكاية صوت الغراب) أو عن الجمادات كطق (حكاية صوت حجر وقع على آخر) وشرط الحكاية أن تكون مثل المحكى، وهذه الالفاظ مركبة من حروف صحيحة محركة بحركات صحيحة، وليس المحكى كذلك لانه شبه المركب من الحروف وليس مركبا منها، إذ الحيوانات والجمادات لا تحسن الافصاح بالحروف إحسان الانسان، لكنهم لما احتاجوا إلى إيراد أصواتها التى هي شبه المركب من الحروف في أثناء كلامهم أعطوها حكم كلامهم من تركيبها من حروف صحيحة، لانه يتعسر عليهم أو يتعذر مثل تلك الاجراس الصادرة منها، كما أنها لا تحسن مثل الكلام الصادر من جنس الانس، إلا في النادر كما في الببغاء، فأخرجوها على أدنى ما يمكن من الشبه بين الصوتين، أعنى الحكاية والمحكى، قضاء لحق الحكاية: أي كونها كالمحكى سواء، فصار الواقع في كلامهم كالحكاية عن تلك الاصوات.

وثانيها أصوات خارجة (*)

ص: 216

والثاني أن لا يكون الوقف بنظر الواضع، بل يطرأ ذلك في حال الاستعمال

عن فم الانسان غير موضوعة وضعا، بل دالة طبعا على معان في أنفسهم، كأف وتف، فان المتكره لشئ يخرج من صدره صوتا شبيها بلفظ أف، ومن يبزق على شئ مستكره يصدر منه صوت شبيه بتف، وكذك آه للمتوجع أو المتعجب، فهذه وشبهها أصوات صادرة منهم طبعا كأح لذى السعال، إلا أنهم لما ضمنوها كلامهم لاحتياجهم إليها، نسقوها نسق كلامهم وحركوها تحريكه وجعلوها لغات مختلفة

، وثالثها أصوات يصوت بها للحيوانات عند طلب شئ:

إما المجئ كألفاظ الدعاء، نحو جوت، وقوس، ونحوهما، وإما الذهاب كهلا، وهج، وهجا، ونحوها، وإما أمر آخر، كسأ للشرب، وهدع للتسكين، وهذه الالفاظ ليست مما يخاطب به هذه الحيوانات العجم حتى يقال: إنها أوامر أو نواه، كما ذهب إليه بعضهم، لانها لا تصلح لكونها مخاطبة، لعدم فهمهما الكلام، كما قال الله تعالى:(كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) بل كان أصلها أن الشخص كان يقصد انقياد بعض الحيوانات لشئ من هذه الافعال فيصوت لها: إما بصوت غير مركب من الحروف كالصفير للدابة عند إيرادها الماء وغير ذلك، وإما بصوت معين مركب من حروف معينة لا معنى تحته، ثم يحرضه مقارنا لذلك التصويت على ذلك الامر: إما بضربه وتأديبه، وإما بايناسه وإطعامه، فكان الحيوان يمتثل المراد منه إما رهبة من الضرب أو رغبة في ذلك البر، وكان يتكرر مقارنة ذلك التصويت لذلك الضرب أو البر إلى أن يكتفي الطالب لذلك الصوت عن الضرب أو البر، لانه كان يتصور الحيوان من ذلك الصوت ما يصحبه من الضرب أو ضده فيمتثل عقيب الصوت عادة ودربد، فصار ذلك الصوت المركب من الحروف كالامر والنهي لذلك الحيوان، وإنما وضعوا لمثل هذا الغرض صوتا مركبا من الحروف ولم يقنعوا بساذج الصوت لان الصوت من حيث هو هو مشتبه الافراد، وتمايزها بالتقطيع والاعتماد بها على المخارج سهل، فلما كانت الافعال المطلوبة من الحيوانات مختلفة أرادوا اختلاف العلامات الدالة عليها، فركبوها من الحروف، وما ذكرنا من الترتيب يتبين من كيفية تعليم الحيوانات كالدب (*)

ص: 217

في غير أسماء حروف الهجاء والأصوات، نحو المؤمنُونْ، والمؤمناتْ، والفوْتُ، والميْتُ، وكذا الأسماء المعدودة نحو زَيْدْ ثَمُودْ سَعِيدْ عِمَادْ، وذلك أن الواضع

وضعها لينطق بها مركبة تركيب إعراب فيقف عليها المستعمل إما مع تركيبها مع عاملها نحو جاءني المؤمنونْ أولا مع تركيبها معه نحو ثمودْ وزيْدْ والأسماء التي وضعها الواضع لتستعمل مركبة في الكلام على ضربين: أحدهما ما علم الواضع أنه يلزمه سبب البناء في التركيب، أعني مشابهة المبني، والثاني ما علم نه لا يلزمه ذلك

والفرد والكلب وغير ذلك " ثم قال: " وإنما بنى أسماء الاصوات لما ذكرنا من أنها ليست في الاصل كلمات قصد استعمالها في الكلام، فلم تكن في الاصل منظورا فيها إلى التركيب الذى هو مقتضى الاعراب، وإذا وقعت مركبة جاز أن تعرب اعتبارا بالتركيب العارض، وهذا إذا جعلها بمعنى المصادر كآها منك وأف لكما، إذا قصدت ألفاظها لا معانيها، قال جهم بن العباس: ترد بحيهل وعاج وإنما * من العاج والحيهل جن جنونها وقال: تداعين باسم الشيب في متثلم * جوانبها من بصرة وسلام وقال: (دعاهن ردفى فارعوين لصوته) * كما رعت بالجوت الظماء الصواديا على الحكاية مع الالف واللام، وتقول: زجرته بهيد (بفتح الهاء وكسرها) وبهيد (الاول محكي والثاني معرب)، وهذا كما تقول في الكلمات المبنية إذا قصدت ألفاظها:(ليت شعري وأين مني ليت) * إن لوا وإن ليتا عناء ولا يحد الله بأين ولا بأين "

والاعراب مع اللام أكثر من البناء نحو من العاج والحيهل - بالجر - وباسم الشيب، لكونها علامة الاسم الذي أصله الاعراب " اه (*)

ص: 218

ففي الأول جوز وضع بناء بعضُهُ على أقل مِنْ ثلاثة نحو من وماوذا، وفي الثاني لم يجوز ذلك: إذ الثلاثة أقل أبنية المعرب، وأما أسماء حروف الهجاء والأصوات فمما لم يقصد بوضعها وقوعها مركبة، فلهذا جوز أيضاً وضع بعضها على أقل من ثلاثة، نحو بَا تَا ثَا وصَهْ وسَأْ (1) ، إذ ليست في نظره مركبة، فلا تكون في نظره معربة، وأما إن كان أول الساكنين من غير حروف اللين، ولا يكون إذن سكون ثانيهما إلا للوقف في حال الاستعمال لا بنظر الواضع، فلابد من تحريك الأول منهما بكسرة مختلسة خفيفة كما ذكرنا، حتى يمكن النطق بالثاني ساكناً، نحو عمرو وَبَكْرْ وَبِشْرْ، وإنما جوَّز هذا الشبيهُ بالتقاء الساكنين لما قلنا إن الوقف لطلب استراحة، فيحتمل معه أدنى ثقل، ولما استحال اجتماعهما إلا مع تحريك الاول وإن كان بحركة خفيفة اختار بعض العرب نَقْلَ حركة الحرف الموقوف عليه إلى الساكن الأول على التحريك بالكسرة الخفيفة التي اقتضاها الطبع كما ذكرنا، لفائدتين: إحداهما: دفع الضرورة من غير اجتلاب حركة أجنبية، والثانية إبقاء دليل الإعراب لكن فيما اختاره ضعفاً من جهة دوران الإعراب على وسط الكلمة فلذلك اجتنبه أكثر العرب قوله " يغتفر في الوقف مطلقاً " أي: سواء كان أولهما حرف لين كالمؤمنون والمؤمنين والمؤمنات، أولا نحو بكر عمرو، وقد عرفت أن الثاني ليس فيه التقاء الساكنين حقيقة، إذ هو مستحيل فيما أولهما فيه حرف صحيح قوله " وفي المدغم قبله لين في كلمة " احتراز من نحو (قالوا اطيرنا) وخافى الله، وخافا الله

(1) سأ: اسم يزجر به الحمار ليحتبس، أو ليمضى، أو يدعى به ليشرب، وفي المثل " قرب الحمار من الردهة ولا تقل له سأ " والردهة: نقرة في الصخرة

يستنقع فيها الماء (*)

ص: 219

قوله " خويْصَّة " تصغير خاصة قوله " تمودّ الثوب " فعل ما لم يسم فاعله من " تمد دنا الثوب " أي: مده بعضنا من بعض قوله " نحو ميم قاف عين " يعني به التقاء ساكنين ثانيهما لعدم موجب الإعراب، سواء كانت الكلمة من أسماء حروف التهجي كقاف لام ميم، أو من غيرها، كمرْصَاد ثَمُودْ عَمِيدْ، وسواء كان الحرف الأول حرف لين كما ذكرنا، أولا كعَمْرو بكر، وقد ذكرنا أن هذا الأخير شبيه بالتقاء الساكنين وليس به في التحقيق، وإنما جاز التقاء الساكنين في مثل هذ لكون الكلمات مُجْرَاة مجرى الموقوف عليه كما يجئ وإن لم تكن موقوفاً عليها قوله " وصلا " كما تصل عين بصاد في هذه الفاتحة، فسكون أواخرها ليس لأنها كانت متحركة ثم قطعت حركتها لأجل الوقف، بل لكونها مبنية على السكون، وقال جار الله (1) : هي مُعَرَّبة، لكنها لم تعرب لعريها عن سبب

(1) قال جار الله الزمخشري في تفسير سورة البقرة من الكشاف (ح 1 ص 9) فان قلت: من أي قبيل هي (يريد الالفاظ التي يهتجي بها) من الاسماء: أمعربة أم مبنية؟ قلت: بل هي أسماء معربة، وإنما سكنت سكون زيد وعمرو وغيرهما من الاسماء حيث لا يمسها إعراب لفقد مقتضيه وموجبه، والدليل على أن سكونها وقف وليس بناء أنها لو بنيت لحذى بهد حذو كيف، وأين، وهؤلاء ولم يقل: ص ق ن مجموعها فيها بين الساكنين " اه، وقد حقق العلامة البيضاوى مراد جار الله من هذه العبارة بأوجز لفظ فقال " وهي (أي: أسماء حروف التهجى) ما لم تليها العوامل موقوفة خالية عن الاعراب، لفقد موجبه ومقتضيه،

لكنها قابلة إياه معرضة له، إذ لم تناسب مبنى الاصل، ولذلك قيل:" ص " و " ق " مجموعا فيهما بين ساكنين، ولم تعامل معاملة أين وهؤلاء " اه ومن هنا تعلم أن ادعاء المؤلف الاضطراب والتناقض في عبارة جار الله غير (*)

ص: 220

الإعراب، وهذا منه عجيب، كيف يكون الاسم معرباً بلا مقتضٍ للاعراب؟

صحيح، لان معنى قول جار الله " إنها معربة " هو أنها ليست مبنية بل هي مهيأة للاعراب ومعدة له وتقبله لعدم وجود مقتضى البناء، ومعنى قوله " لكنها لم تعرب لعريها عن سبب الاعراب " هو أنها في حال عدم تركيبها لم تعرب بالفعل، وذلك لا غبار عليه، لان كل الاسماء قبل تركيبها لا يجرى عليها الاعراب بالفعل وإن كانت بعرضة أن يجري عليها، واستمع لابي حيان حيث يقول: " الاسماء المتمكنة قبل التركيب كحروف الهجاء المسرودة: اب ت ث، وأسماء العدد، نحو واحد اثنان ثلاثة أربعة، فيها للنحاة ثلاثة أقوال: فاختار ابن مالك رحمه الله أنها مبنية على السكون لشبهها بالحروف في كونها غير عاملة ولا معمولة، وهذا عنده يسمى بالشبه الاهمالى.

وذهب غيره إلى أنها ليست معربة لعدم تركبها مع العامل، ولا مبنية لسكون آخرها في حلة الوصل وما قبله ساكن، وليس في المبنيات ما هو كذلك.

وذهب بعضهم إلى أنها معربة، يعني حكما لا لفظا، والمراد به قابلية الاعراب وأنه بالقوة كذلك، ولولاه لم يعل فتى لتحركه وانفتاح ما قبله.

وهذا الخلاف مبنى على اختلافهم في تفسير المعرب والمبني، فان فسر المعرب بالمركب الذي لم يشبه مبني الاصل شبها تاما والمبنى بخلافه، فهي مبنية، وإن فسر بما شابهه وخلافه ولم نقل بالشبه الاهمالي فهي معربة، تنزيلا لما هو بالقوة منزلة ما هو بالفعل، وإن قلنا: المعب ما سلم من الشبه وتركب مع العامل والمبنى ما شابهه، فهي واسطة، وللناس فيما يعشقون مذاهب، فالخلاف لفظي، والامر فيه سهل،

وكلام الكشاف مبنى على الثاني (من تفسيرات المعرب والمبنى) وكلام البيضاوى محتمل له ولما بعده وإن كان الاول أظهر، ثم إنه قيل: إن المحققين حصروا سبب بناء الاسماء في مناسبة مالا تمكن له أصلا (يريد شبه الحرف) ، وسموا الاسماء الخالية عنها معربة، وجعلوا سكون أعجازها قبل التركيب وقفا لا بناء، واستدلوا على ذلك بأن العرب جوزت في الاسماء قبل التركيب التقاء الساكنين كما في الوقف فقالوا زيد، عمرو، ص، ق، ولو كان سكونها بناء لما جمعوا بينهما كما في سائر الاسماء المبنية نحو كيف وأخواتها.

لا يقال: ربما عددت الاسماء ساكنة الاعجاز متصلا بعضها ببعض فلا يكون سكونها وقفا بل بناء، لانا نقول:(*)

ص: 221

وإنما قلنا إنها لم تكن متحركة بحركة لأن الحركة إما إعرابية وكيف تثبت الحركة الإعرابية من دون سبب الإعراب الذي هو التركيب مع العامل؟ وإما بنائية، ولا يجوز، لأن بناء ما لم يثبت فيه سبب الإعراب أقوى من بناء ما عرض فيه مانع من الإعراب، فينبغي أن يكون أقوى وجهي البناء على أصل البناء، وهو السكون، لأن أصل الإعراب الحركة، وأصل البناء السكون، ثم نقول: إن (مثل) هذه الكلمات سواء كانت من أسماء حروف الهجاء أو من أسماء العدد كواحد اثنان ثلاثة، أو من غيرهما كزيد عمرو بكر، وإن اتصل بعضها ببعض في اللفظ، إلا أن آخر كل واحد منها في حكم الموقوف عليه، وإنما وجب ذلك فيها لأن كل كلمة منها مقطوعة عما بعدها من حيث المعنى، وإن كانت في اللفظ متصلة به، والدليل على كون كل واحدة في حكم الموقوف عليه إثبات ألف الوصل في اثنان إذا عددت ألفاظ العدد، وقلبُ تاء أربعة وثلاثة هاء، نحو واحد اثنان ثلاثة أربعة، اتفاقاً منهم، وألف الوصل تسقط في الدرج ولا ينقلب التاء هاء إلا في الوقف، فهذه أسماء مبنية على السكون أجْرَيْتَ عليها

حكم الوقف، كما يوقف على كَمْ ومَنْ وسائر الكلم المبنية على السكون، فيجري في آخر كل واحدة منها حكم الوقف، لعدم تعلق شئ منها بما بعده، كما أنه لما لم يتعلق نحو قوله تعالى:(بِسمِ الله الرحمن الرحيم) بما بعده من أول السورة كقوله تعالى: (قُلْ هُوَ الله أحد) وقفت على الرحيم، لكن لا تسكت على كل واحدة كما هو حق الوقف في آخر الكلام التام، لأن ذلك إنما هو للاستراحة بعد التعب، ولا تعب ههنا بالتلفظ بكل كلمة، فمن حيث تُجْرِي أواخرها مجرى

هي قبل التركيب في حكم الوقف سواء كانت متفاصلة أو متواصلة، إذ ليس فيها قبل ما يوجب الوصلة، فالمتواصلة منها في نية الوقف فتكون ساكنة، بخلاف كيف وأين، وحيث، وجير، إذا عددت وصلا، فان حركتها لكونها لازمة لا تزول إلا بوجود الوقف حقيقة " اه (*)

ص: 222

الموقوف عليه قلبت التاء في ثلاثة أربعة هاء، ومن حيث وصلتها بما بعدها ولم تقف عليها نقلت حركة همزة أربعة إلى الهاء، على ما حكى سيبويه، كما ينقل في نحو مَسْأَلة، وقَدْ أفلح، ومثله قول الشاعر: 70 - أقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ زِيَادٍ كَالْخَرِفْ * تَخُطُّ رِجْلَايَ بِخَطٍ مُخْتَلِفْ * تُكَتِّبَان فِي الطَّرِيقِ لامَ الِفْ (1) بنقل حركة همزة ألف إلى ميم، ونقل المبرد عن المازني منع نقل حركة الهمزة في ثلاثة أربعة إلى الهاء، وسيبويه أوثق من أن تُرَدَّ روايته (2) عن العرب، ولا سيما إذا لم يمنعها القياس، وفرق سيبويه بين ما سكونه بنظر الواضع كأسماء حروف التهجي وبين ما سكونه يعرض ند قصد التعديد نحو واحد اثنان ثلاثة، وزيد عمرو بكر، فقال: ما أصله الإعراب جاز أن يُشَمَّ فيه الرفع، فيقال واحد اثنان، بإشمام الرفع (وإنما أشم الرفع) دون غيره لأنه أقوى الاعراب

(1) هذه الابيات لابي النجم العجلى الفضل بن قدامة، وكان لابي النجم صديق يسقيه الشراب فإذا انصرف من عنده انصرف ثملا.

وزياد: هو صديق أبى النجم الذى كان يسقيه.

والخرف: الذي فسد عقله لكبر أو نحوه، وهو صفة مشبهة، وبابه فرح.

وتخط: تعلم، ومعنى الابيات أنه خرج من عند صديقه يترنج فتخط رجلاه خطا كالالف تارة وكاللام تارية أخرى، يريد أنه لا يمشى على استقامة.

والاستشهاد بالبيت على أنه نقل حركة همزة ألف إلى ميم لام كما نقلت حركة همزة أربعة إلى الهاء في قولك ثوثة أربعة حين تصل الثلاثة بما بعدها.

وهذا البيت من شواهد سيبويه (ح 2 ص 34)(2) قال سيبويه رحمه الله (ح 2 ص 34) : " وزعم من يوثق به أنه سمع من العرب من يقول: ثلاثة أربعة، طرح همزة أربعة على الهاء ففتحها ولم يحولها تاء، لانه جعلها ساكنة والساكن لا يتغير في الادراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا " اه، وبعد أن ذكر سيبويه نه ينقل ذلك عن من يوثق به عن العرب لا محل لانكار المبرد الذي ذكره المؤلف عنه (*)

ص: 223

وأسبقه، وأما ألف لام ميم فلا يُشَمُّ شئ منها حركة لكونها أعرقَ في السكون من الأول، إذ سكون مثلها بنظر الواضع، ومنع الأخفش من الإشمام، ولا وجه لمنعه مع وجه الاستحسان المذكور، وعلى ما قاله سيبويه لا بأس بإشمام الرفع في المضاف في نحو غلام زيد إذا لم تركبه مع عامله قوله " وفي نحو الْحَسَن عندك، وآيْمُنُ الله يمينك، للالتباس " يعني إذا دخلت همزة الاستفهام على ما أوله همزة وصل مفتوحة لم يجز حذف همزة الوصل، وإن وقعت في الدرج، لئلا يلتبس الاستخبار بالخبر، لأن حركتي الهمزتين متفقتان، إذ هما مفتوحتان، وللعرب في ذلك طريقان: أكثرهما قلب الثانية

ألفاً محضاً، والثاني تسهيل الثانية بين الهمزة والألف، والأول أولى، لأن حق الهمزة الثانية كان هو الحذف، لوقوعها في الدرج، والقلب أقرب إلى الحذف من التسهيل، فإذا قلبت الثانية ألفاً التقى ساكنان لا على حدهما، لأن الثاني ليس بمدغم في نحو الْحَسَن ولا موقوف عليه كما شرطنا، وفي قولك " آلله " وإن كان مدغماً إلا أن المدغم ليس من كلمة حرف المد، ولا المدغم فيه، وإنما لم يحذف الالف المنقلبة من الهمزة لئلا يلزمهم ما فروا منه من التباس الاستخبار بالخبر، وهَوَّن ذلك كون الألف أمكن في المد من أخويه قوله " وحلقتا البطان " يقال في المثل: التقت حلقتا البطان، (1) إذا

(1) هذا مثل تقوله العرب إذا اشتد الكرب، ومنه قول أوس بن حجر من قصيدته التي يمدح فيها فضالة بن كلدة ويرثيه بعد وفاته ليبكك الشرب والمدامة والفتيان طرا وطامع طمعا وذات هدم عار نواشرها * تصمت بالماء تولبا جدعا والحى إذ حاذروا الصباح وإذ * خافوا مغيرا وسائرا تلعا وازدحمت حلقتا البطان بأقوام وجاشت نفوسهم جزعا (*)

ص: 224

تفاقم الشر، وذلك لأنهما لا يلتقيان إلا عند غاية هزال البعير أو فرط شد البطان قال:" فإنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ وَأوَّلُهُمَا مَدَّةٌ حُذِفَت، نَحْوُ خَفْ وَقُلْ وَبِعْ وَتَخْشَيْنَ وَاغْزُوا وَارْمِي واغزن وارمن ويخشى الْقَوم ويغزو الْجَيْشُ وَيَرْمِي الْغَرَضُ " أقول: كان حق قوله " وحَلْقَتَا البطان شاذ " أو يكون بعد قوله " وَيَرْمِي الغرض " لأن حق الألف الحذف كما في " يخشى القوم " ولم تحذف

قوله " فإن كان غير ذلك " أي: إن كان التقاء الساكنين غيرَ ذلك المذكور، وذلك على ضربين: إما أن يكون أولهما مدة أولا، ونعني بالمدة حرفَ لين ساكناً، حركةُ ما قبله من جنسه، فإن كان فلا يخلو من أن يكون حذفُ المدة يؤدّي إلى لبس، أولا، فإن أدى إليه حرك الثاني، إذ المد لا يحرك كما في مسلمون ومسلمان، فإن النون في الأصل (1) ساكن، فلو حذفت الألف والواو للساكنين لالتبسا بالمفرد المنصوب والمرفوع المنونين، وكذا في يسلمان

الهدم: الاخلاق من الثياب.

ولنواشر: عروق ظاهر الكف.

والجدع: السئ الغذاء.

والبطان: الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير، وفيه حلقتان، فإذا التقتا فقد بلغ الشد غايته (1) وجهه أن النون في المثنى والجمع هي التنوين الدال على تمكن الاسم، والتنوين نون ساكنة، فلما اجتمعت مع حرف المد وهو ساكن أيضا، واجتماعهما ههنا ليس مما يغتفر، وتعذر حذف حرف المد لانه مفض إلى اللبس، وتعذر تحريكه لانه نقض للغرض، لأن المطلوب من المد التخفيف وتحريكه نقض لهذا الغرض، حركت النون، والاصل في تحريك الساكن إذا اضطر إليه أن يكسر وفتحت النون في الجمع للفرق بين نون المثنى ونون الجمع، ولم يعكس ليحصل التعادل في المثنى لخفة الالف وثقل الكسرة، وفي الجمع بثقل الواو وخفة الفتحة (*)

ص: 225

ويُسْلِمون وتُسلمين لو حذفت المدّات لالتبس الفعل بالمؤكد بالنون الخفيفة في بدء النظر، وإن لم يؤدّ الحذف إلى اللبس حُذِفَ المدُّ، سواء كان الساكن الثاني من كلمة الأول كما في خَفْ وقُلْ وبِعْ، أو كان كالجزء منها، وذلك بكونه ضميراً مرفوعاً متصلاً، نحو تَخْشَيْن وتَغْزُونَ وتَرْمِينَ، كان أصلها تَخْشَى

وتَغْزُو وتَرْمِي، (1) فلما اتصلت الضمائر الساكنة بها سقطت اللامات للساكنين، أو بكونه أول نوني التأكيد المدغم أحدهما في الآخر، نحو اغزن وارْمِنَّ، فإنه سقط فيهما الضميران لاتصال النون الساكنة بهما، أو كان الساكن الثاني أول كلمة منفصلة كما في يَخْشَى الْقَوم، ويغزو الجيش، ويرمي الغرضَ (2) وإنما حذف الأول إذا كان مدة مع عدم اللبس، وحرك هو إذا كان غيرَهَا نحو اضرِب اضْرِب إلا مع مانع كما في لَمْ يَلْدَهُ (3) على ما يجئ، ولم

(1) هذا الذي ذكره مبنى على ما ذهب إليه المؤلف وقرره مرارا من أن الضمائر إنما تلحق الافعال بعد إعلالها على ما تقتضيه أسباب الاعلال (أنظر ح 1 ص 79) وسقرر ذلك قريبا.

وأما بناء على ما ذهب إليه غيره من أن الضمائر تلحق الافعال قبل الاعلال فأصل تخشين تخشيين - كتعلمين - تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصار تخشاين، فحذفت الالف للتخلص من التقاء الساكنين، وأوثرت هي بالحذف لامرين: الاول أنها جزء كلمة، والثاني أنها لام، واللام محل التغيير والحذف.

وأصل تغزون تغزوون - كتنصرون - استثقلت من التقائهما.

وأصل ترمين ترميين كتضربين، استثقلت الكسرة على الياء فحذفت الكسرة فالتقى ساكنان، فحذفت الياء الاولى للتخلص من التقائهما (2) الغرض: الهدف الذي ينصب فيرمى بالسهام (3) وردت هذه الكلمة في بيت من الشعر لرجل من أزد السراة وهو: عجبت لمولود وليس له أب * وذى ولد لم يلده أبوان وقد مضى ذكر البيت ووجه التخفيف فيه (أنظر ح 1 ص 45) وانظر (ص 238 من هذا لجزء)(*)

ص: 226

يحذف الثاني ولم يحرك هو في جميع المواضع لأن الثاني من الساكنين هو الذي يمتنع

التلفظ به إذا كان الأول صحيحاً، والذي يستثقل فيه ذلك إذا كان الاول حرف لين، وسبب الامتناع أو الاستثقال هو سكون الأول فَيُزَال ذلك المانع: إما بحذف الأول إذا استثقل عليه الحركة، وذلك إذا كان مداً، أو بتحريكه إذا لم يكن كذلك، وأما أول الساكنين فإنك تبتدئ به قبل مجئ الثاني فلا يمتنع سكونه ولا يستثقل، وإنما استثقل تحريك المد الذي هو الواو والياء لأن المطلوب من المد التخفيف وذلك بأن سكن حرف اللين وجعل ما قبله من جنسه ليسهل النطق به، وتحريكه نقض لهذا الغرض، وأما الالف فلا يجئ فيه ذلك، لأن تحريكه مستحيل، إذ لا يبقى إذن ألفاً، وإنما حذف الواو من اغْزُنَّ والياء من ارْمِنَّ وإن كان نون التأكيد كجزء الكلمة الأولى فيكون لو خُلِّي مثل الضَّالين وتمودَّ الثوب لأنها كلمة أخرى على كل حال، وليست بلازمة، فتعطي من جهة اللزوم حكم بعض الكلمة فإن قيل: فلم عد في نحو اضربانّ كجزء الكلمة فلم يحذف الألف؟ قلت: الغرض الفرق بين الواحد والمثنى، كما مر في شرح الكافية فنقول: النون من حيث لا يستثقل يمكن أن يكون له حكم جزء الكلمة، ومن حيث هو على حرفين وليس بلازم للكلمة ليس كجزئها، فحيث كان لهم غرض في إعطائه حكم الجزء أعطوه ذلك، أعني في نحو اضْرِبَانّ، وحيث لم يكن لهم غرض لم يعطوه ذلك كما في اغْزُنَّ وارْمِنَّ، وفي تمثيل المصنف باغْزُوا وارْمِي - نظراً إلى أن أصلهما اغْزُوُوا وارْمِيِي فسكنت اللام استثقالاً ثم حذفت لالتقاء الساكنين - نظر، لأن الواو والياء فاعلان يتصلان بالفعل بعد الإعلال، كما ذكرنا أول الكتاب (1) في تعليل ضمة قُلْتُ وكسرةِ بِعْتُ، فالحق أن يقال: الواو

(1) أنظر (ح 1 ص 79)(*)

ص: 227

والياء في اغزوا وارمي إنما اتصلا باغْزُ وارم محذوفي اللام، لا أنهما ثابتا اللام اعلم أن الضمائر المرفوعة المتصلة بالمجزوم والموقوف (1) نحو اغْزُوَا ولم يَغْزُوَا واغْزُوا ولَمْ تَغْزُوا واغْزِي ولم تَغْزِي وارْمِيَا ولم تَرْمِيَا وارْمُوا ولم تَرْمُوا وارْمِي ولم تَرْمِي وارْضَيَا ولم تَرْضَيَا وارْضَوْا ولم تَرْضَوْا وارْضَيْ ولم تَرْضَيْ، إنما تلحق الفعل بعد حذف اللام للجزم أو الوقف، كمل لحقت في اضْرِبَا وقُولُوا ولم يَضْرِبَا ولم يقولوا بعد الجزم والوقف، ثم تعود اللامات لحقوقها، لأن الجزم والوقف معها ليسا على اللام، ثم تسقط اللامات مع الواو والياء لاجتماع الساكنين بعد حذف حركاتها، ولا تسقط مع الألف نحو اغْزُوَا وارْمِيَا وارْضَيَا ولم يغزوا ولم تَرْمِيَا ولم تَرْضَيَا، لعدم الساكنين، ولم يقلب اللام ألفاً في ارْضَيَا وَاخْشَيَا حملاً على ترضيان وتخشيان، على ما يجئ في باب الإعلال قال:" وَالْحَرَكَةُ فِي نَحْوِ خف الله واخْشَوُا الله واخْشَى الله وَاخْشَوُنَّ وَاخْشَيِن غَيْرُ مُعْتَدّ بِهَا، بِخِلَافِ نحو خَافَا وخَافَنَّ " أقول: يعني أن حركة الواو في اخْشَوُا الله وحركة اللام في خَفِ الله عرضتا لأجل كلمة منفصلة، وهي الله، فلم يعتد بها، فلم ترجع الألف المحذوفة لأجل سكون الواو واللام، وكذلك حركة واو اخشون ويا اخْشَينَّ لأن النون المتصلة بالضمير كالكلمة المفصلة، على ما قرر المصنف في آخر الكافية فإن قيل: هب أن النون كالكلمة المنفصلة عن الفعل بسبب توسط الضمير بيهما، أليست كالمتصلة بالضمير اتصالها باللام في خَافَنَّ؟ فلما كان حركة اللام في خَافَنَّ كالأصلية بسبب ما اتصل به: أي النون، فلذا رجع الألف المحذوفة في خف، فكذا كان ينبغي أن يكون حركة الواو والياء في اخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ، فكان ينبغي أن ترجع اللام المحذوفة فيهما لسكون الواو والياء المتصلين بهما

(1) المراد بالموقوف المبنى وهو تعبير شائع في عبارات المتقدمين من النحاة (*)

ص: 228

قلنا: بين اتصال النون بلام الكلمة وبين اتصالها بالضمير فرق، وذلك لأن النون إذا اتصلت لفظاً بالضمير فهي غير متصلة به معنى، لأنها لتأكيد الفعل لا لتأكيد الضمير، وأيضاً فإن لام الكلمة عريق في الحركة فاعتدَّ بحركته العارضة، بخلاف واو الضمير ويائه، فانها عريقان في السكون فإن قلت: أليس النون في نحو اضْرِبَانَّ بعد الضمير؟ فهلا حذفت الألف كما في اضْرِبَا الرَّجل؟ قلت: خوفاً من التباس المثنى بالمفرد كما مر، وأما حركة اللام في خافا وخافوا وخافي وخَافَنَّ فإنها مع عروضها صارت كالأصلية، بسبب اتصال الضمير المرفوع المتصل الذي هو كجزء الفعل، واتصالُ نون التأكيد بنفس الفعل، وكذا في لِيَخَافَا ولْيَخَافُوا ولْيَخَافَنَّ، مع أن حركات اللام في الكلمات المذكورة وإن كانت عارضة بسبب إلحاق الضمائر والنون، لكنها ثابتة الأقدام لأجل خروج اللام عن كونه في تقدير السكون، كما كان في قُمِ الليل ولم يَقُمِ الليل، إذ الجزم والوقف مع نون التأكيد المتصلة بلام الكلمة زالا بالكلية لصيرورتها معها مبنية على الحركة على (1) الأصح، كما مر في شرح الكافية، ومع اتصال

(1) هذا أحد أقوال ثلاثة في الفعل المضارع الذى اتصلت به نون التوكيد، وحاصله أن الفعل المضارع يبنى على الفتح إذا باشرته نون التوكيد ولم يفصل بيهما فاصل ظاهر أو مقدر، وذلك في الفعل المضارع المسند إلى اسم ظاهر أو إلى ضمير الواحد المذكر، وعلة بنائه حينئذ تركبه مع النون كتركب خمسة عشر، والفاصل الظاهر ألف الاثنين، والمقدر واو الجماعة وياء المخاطبة، والقول الثاني أن المضارع مع نون التوكيد مبنى مطلقا سوا أباشرته النون أم لم تباشره، وهو مبنى على فتح ظاهر مع المباشرة، وعلى فتح مقدر منع من

ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة مع غير المباشرة.

والقول الثالث أن الفعل المضارع مع نون التوكيد معرب مطلقا، وعلامة إعرابع النون المحذوفة لتوالى الامثال إذا كانت النون غير مباشرة للفعل بأن فصل بينهما فاصل ملفوظ (*)

ص: 229

الضمائر البارزة في نحو قولا ولم يقولا وقولوا ولم يقولوا وقولي ولم تقولي بلا نون تأكيد ينتقل الجزم والوقف عن اللام إلى النون التي بعد اللام، ففي الحالتين لم يبق اللام في تقدير السكون، فلا جرم رجعت العينات، ولزوال الجزم والوقف تثبت اللامات في اغْزُوَن وليَغْزُوَنَّ واغْزُوَا هذا، وإنما لم يحذف أول الساكنين، أعني الألف في رمى وغزا، عند اتصال ألف المثنى في غَزَوَا وَرَمَيَا وأَعْلَيَانِ وحُبْلَيَان، بل قلبت واواً أو ياء كما رأيت، وحرك، خوفاً من التباس المثنى بالمفرد، أعنى رمى وغزا وأَعْلَى زيدٍ وحُبْلَى عمرو وإنما لم ترد اللام المحذوفة في مثل رَمَتْ وَغَزَتْ وإن تحركت التاء في غَزَتَا وَرَمَتَا لأن حركتهما وإن كانت لأجل الألف التي هي كالجزء، لكن تاء التأنيث الفعلية عريقة السكون، بخلاف لام قُوَما، كما مر، وأيضاً حق التاء أن تكون بعد الفاعل، لأنها علامة تأنيثه لا علامة تأنيث الفعل، فهي مانعة للألف من الاتصال التام كما قُلْنا في اخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ، على أن بعضهم جوز رَدَّ الألف في مثله، مستشهداً بقوله 71 - لَهَا مَتْنَتَانِ خَظاتَا كَمَا * أكَبَّ عَلَى سَاعِدَيْهِ النمر (1)

به أو مقدر، أما مع النون المباشرة فعلامة إعرابه حركة مقدرة منع من ظهورها حركة التمييز بين المسند إلى الواحد والمسند إلى الجماعة والمسند إلى الواحدة.

(1)

هذا بيت من قصيدة تنسب لامرئ القيس بن حجر الكندى، وهو في وصف فرس، وقبله قوله.

لها حافر مثل قعب الوليد * ركب فيه وظيف عجر لها ثنن كخوافى العقا * ب سود يفين إذا تزبئر لها ذنب مثل ذيل العروس * تسد به فرجها من دبر (*)

ص: 230

" قال: فَإنْ لَمْ يَكُنْ مَدَّةً حُرِّكَ، نَحْوُ اذْهَبِ اذْهَبْ ولم أيله وألم الله واخْشَوُا الله وَاخْشَيِ الله، وَمِنْ ثَمَّ قِيْلَ اخْشَوُنَّ وَاخْشَيِنَّ لأَنَّهُ كالْمُنْفَصِلِ " أقول: اعلم أن أول الساكنين إن لم يكن مدةً وجب تحريكه، إلا إذا أدَّى تحريكه إلى نقض الغرض كما في لم يَلْدَهُ وانْطَلْق، كما يجئ، وإنما وجب تحريك الأول من دون هذا المانع لأن سكونه كما ذكرنا هو المانع

القعب: قدح مقعر من خشب، والوليد: الصبي، يريد أن جوف حافرها واسع.

والوظيف: مقدم الساق، وهو من الحيوان ما فوق الرسغ إلى الساق.

وعجر: غليظ، والثنن: جمع ثنة (كغرفة) ، وهي الشعرات التي في مؤخر رسغ الدابة، ويفين: أصله يفئن، وتزبئر: تنتفش، والمتنتان: تثنية متنة، وهي بمعنى المتن، وأراد جانبى ظهرها.

وخظاتا: أكتنزتا وارتفعتا، وقوله " كَمَا أكَبَّ عَلَى سَاعِدَيْهِ النَّمِرْ " قال ثعلب: أي في صلابة ساعد النمر إذا اعتمد على يديه، فكأنه قال لها جانبا ظهر مكتنزان شديدان.

والاستشهاد بالبيت في قوله " خظاتا " وهو فعل ماض أصله خظي - كرمى - ومعناه اكتنز، فأذا ألحقت به تاء التأنيث قلت خظت كما تقول رمت، فان جئت بألف المثنى مع تاء التأنيث فالقياس أن تقول: خظتا، كما تقول: رمتا، كما قال المؤلف، ولكن هذا الشاعر أعاد الالف التي هي لام الفعل نظرا إلى

تحرك التاء، ولم يبال بعراقة التاء في السكون، وهذا تخريج جماعة من العلماء منهم الكسائي، وذهب الفراء إلى مثنى خظاة، حذفت نون الرفع كما حذفت في نحو قول الراجز: * يا حبذا عينا سليمى والفما * أراد " والفمان " وكما حذفت في قول الشاعر: لنا أعنز لبن ثلاث فبعضها * لاولادها ثنتا وما بيننا عنز أراد " ثنتان "، وذهب أبو العباس المبرد إلى أن النون حذفت للاضافة، وعنده أن خظاتا مضاف إلى " كما أكب على ساعديه النمر " وهو كلام لا معنى له، إذ لا يمكن تخريجه على وجه صحيح (*)

ص: 231

من التلفظ بالساكن الثاني، فيزال ذلك المانع بتحريكه، إذ لا يؤدي التحريك إلى استثقال كما أدى إليه تحريك حرف المد على ما ذكرنا ويستثنى من هذا الباب نون التأكيد الخفيفة في نحو قوله: 72 - لا تُهِينَ الْفَقِيرَ عَلَّكَ أنْ * تَرْكَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ (1) فإنه يحذف كما ذكرنا في شرح الكافية فرقا بينها وبين التنوين (2)

(1) هذا البيت من بحر المنسرح، وآخر النصف الاول منه قوله:" علك أن " وقد حذف من أوله سبب خفيف.

وهو من قصيدة للاضبط بن قريع أولها: لكل هم من الهموم سعه * والصبح والمنسى لا فلاح معه ما بال من سره مصابك لا * يملك شيئا من أمره وزعه وقبل البيت الشاهد قوله: قد يجمع المال غير آكله ويأكل المال غير من جمعه

فاقبل من الدهر ما أتاك به * من قر عينا بعيشه نفعه وصل حبال البعيد إن وصل الحبل * وأقص القريب إن قطعه والاضبط بن قريح جاهلي قديم، وهو الذي أساء قومه مجاورته فانتقل عنهم إلى آخرين ففعلوا مثل ذلك فقال: أينما أوجه ألق سعدا، وقال: بكل واد بنو سعد (فذهبتا مثلين)، والفلاح: البقاء والعيش، وهو أيضا الفوز، وعليه يحمل قول المؤذن " حى على الفلاح " والاستشهاد بالبيتعلى أن أصله " لا تهينن " بنو التوكيد الخفيفة الساكنة بعد النون التي هي لام الكلمة، فلما وقع ساكن آخر وهو لام التعريف حذفت نون التوكيد للتخلص من التقاء الساكنين (2) يريد أنهم قصدوا عدم تسويتها بالتنوين، وذلك لان التنوين لازم للاسم المتمكن في الوصل إذا خلا عن المانع، وهو الاضافة واللام، بخلاف النون الخفيفة، فانها قد تترك من الفعل بلا مانع، فلما اضطروا إلى تحريكهما أو حذفهما - وذلك عند التقائهما مع ساكن آخر - أجزوا التنوين على الاصل في التخلص من التقاء (*)

ص: 232

ويستثنى أيضاً نون لَدُن، وحذفه شاذ، ووجهه مع الشذوذ أنه كان في معرض السقوط من دون التقاء الساكنين، نحو: 73 - مِنْ لَدُ لَحْيَيْهِ إِلَى مَنْحُورِهِ * يَسْتَوْعِبُ الْبَوْعَيْنِ مِنْ جَرِيرِهِ (1) فيجوز حذفه إذا وقع موقعاً يحسن حذف حرف المد فيه، وذلك لأجل مشابهته للواو، ولا يقاس عليه نون لم يكن، وإن شاركه فيما قلنا: من مشابهة

الساكنين، وهو تحريك أولهما إذا لم يكن مدة، وأجروا النون على خلاف الاصل، وهو حذف أول الساكنين، مع أنها ليست مدة، فرقا بينها وبين التنوين، ولم يعكسوا، لان التنوين لازم للاسم المتمكن بخلاف النون، والخلاصة أن التنوين إذا التقى مع ساكن آخر فلا يحذف قياسا إلا في ابن وابنة إذا

كانا نعتين لعلم وكانا مضافين لعلم آخر، وإنما حذف التنوين من الموصوف بهما لانه قد كثر استعمالهما نعتين على هذا الوجه، واللفظ إذا كثر استعماله طلب التخفيف فيه، فلما اضطروا بسبب التقاء الساكنين إلى تحريك التنوين أو حذفه اختاروا حذفه طلبا للخفة، والنون الخفيفة إذا التقت مع ساكن آخر حذفت قياسا، قصدا للفرق بينها وبين التنوين (1) هذا البيت من شواهد سيبويه، وقد وقع في نسخ الاصل كلها على ما ترى، والذي في سيبويه وفي شرح الشواهد للبغدادي يستوعب البوعين من جريره * من لد لحييه إلى منحوره وصف بعيرا، أو فرسا، بطول العنق فجعله يستوعب من حبله الذي يربط به مقدار باعين فيما بين لحييه ونحره.

والبوعان: مثنى بوع، وهو مصدر بعت الشئ أبوعه بوعا إذا ذرعته بباعك، والجرير: الحبل والاستشهاد بالبيت في قوله: " لد لحييه " على أن أصله لدن فحذفت النون قال سيبويه.

" فأما لدن فالموضع الذي هو أول الغاية، وهو اسم يكون ظرفا، يدلك على أنه اسم قولهم: من لدن، وقد يحذف بعض العرب النون حتى يصير على حرفين، قال الراجز: " يستوعب البوعين

البيت " اه (*)

ص: 233

الواو، وجواز حذفه لغير الساكنين، لأن حذف نون لدن للساكنين شاذ، وما ذكرناه وجه استحسانه، وليس بعلة موجبة ويستثنى أيضاً تنوين العلم الموصوف بابن مضافاً إلى علم كما مر في موضعه (1) وأما حذف التنوين للساكنين في قوله: 74 - وَحَاتِمُ الطَّائِيُّ وَهَّابُ المى (2)

(1) المعروف من مذاهب النحاة أن كلمة " ابن " إذا وقعت بين علمين ثانيهما أبو الاول وكانت وصفا لاولهما وجب أمران: أحدهما حذف ألف ابن في الخط، وثانيهما حذف تنوين العلم الاول إن كان منونا، لكن حكى التبريزي في شرح الحماسة في هذا لغتين: الاولى حذف التنوين كالمشهور عن النحاة، وثانيتهما جواز التنوين.

قال (ح 4 ص 34 طبعة المكتبة التجارية) في شرح قول قرواش بن حوط الضبى نبئت أن عقالا بن خويلد * بنعاف ذى عزم وأن الاعلما ينمى وعيدهما إلى ويننا * شم فوارع من هضاب يرمرما ما نصه: " والاجود في العلم وقد وصف بالابن أو الابنة مضافين إلى علم أو ما يجرى مجراه ترك التوين فيه، وقد نون هذا الشاعر " عقالا "، وإذ قد فعل ذلك فالاجود في ابن خويلد أن يجعل بدلا، ويجوز أن يجعل صفة على اللغة الثانية " اه، وعلى ذلك يحمل قول الراجز: * جارية من قيس بن ثعلبة * على أنه لغة، وليس ضرورة كما ذكره بعض النحاة (2) هذا بيت من الرجز المشطور لامرأة تفتخر بأخوالها، وقبله: * حيدة خالي ولقيط وعلى * وحيدة ولقيط وعلى وحاتم: أعلام، والطائي: نسبة إلى طئ على خلاف القياس.

والاستشهاد بالبيت في قوله " وحاتم الطائى " حيث حذف التنوين من حاتم (*)

ص: 234

وفيما قرئ من قوله تعالى (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد) فشاذ والأصل في تحريك الساكن الأول الكسر، لما ذكرنا أنه من سجية النفس إذا لم تُسْتَكْرَه على حركة أخرى، وقيل: إنما كان أصل كل ساكن

احتيج إلى تحريكه من هذا الذي نحن فيه ومن همزة الوصل الكسر لأن السكون في الفعل: أي الجزم، أقيم مقام الكسر في الاسم: أي الجر، فلما احتيج إلى حركة قائمة مقام السكون مزيلة له أقيم الكسر مقامه على سبيل التقاص، وقيل: إنما كسر أول الساكنين وقت الاحتياج إلى تحريكه لأنه لم يقع إلا في آخر الكلمة فاستحب أن يحرك بحركة لا تلتبس بالحركة الإعرابية، فكان الكسر أولى، لأنه لا يكون إعراباً إلا مع تنوين بعده أو ما يقوم مقامها من لام وإضافة، فإذا لم يوجد بعده تنوين ولا قائم مقامها علم أنه ليس بإعراب، وأما الضم والفتح فقد يكونان إعرابا بلا تنوين، ولا شئ قائم مقامه، نحو جاءني أحمد، ورأيت أحمد، ويضرب ولن يضرب، فلو حرك بإحدى الحركتين لالتبست بالحركة الإعرابية قوله " ولم أبَلِهْ " أصله أبَالِي، سقطت الياء بدخول الجازم، فكثر استعمال " لم أُبَالِ " فطلب التخفيف، فجُوِّز جزم الكلمة بالجازم مرة أخرى، تشبيهاً لها بما لم يحذف منه شئ كيقول ويخاف، لتحرك آخرها، فأسْقط حركة اللام، فسقط الألف للساكنين، فألحق هاء السكت لأن اللام في تقدير الحركة، إذ هي إنما حذفت على خلاف القياس، فكأنها ثابتة كما في " لم يَرَهْ " و " لم يَخْشه " فالتقى ساكنان فكسر الأول كما هو القياس، وأيضاً فإن الكسر حركته الأصلية وأما قوله (الم الله) فمن وقف على (ألم) وعدها آية وابتدأ بالله محركا لهمزته

ضرورة، وفيه شاهد آخر في قوله " المئي " حيث حذف النون ضرورة، وأصله المئين وليس هذا الاستشهاد الثاني مرادا هنا (*)

ص: 235

بالفتح فلا كلام فيه، وأما من وصل ألم بالله فإنه يحرك ميم ميم بالفتح لا غير،

وهو مذهب سيبويه، والمسموع من كلامهم، واختلف في هذه الفتحة، والأقرب كما قال جار الله أنها فتحة همزة الله نقلت إلى ميم، كما قلنا في ثَلاثَهَرْبَعَة.

وقال بعضهم: هي لإزالة الساكنين، وإنما كان الأول هو المختار لما تقدم أن أسماء حروف الهجاء إذا ركبت غير تركيب الاعراب جزى كل واحد منها مجرى الكلمة الموقوف عليها، لعدم اتصال بعضها ببعض من حيث المعنى، وإن اتصلت من حيث اللفظ، ومن ثم قلبت تاآت نحو ثلاثة أربعة هاء، فلما كانت ميم كالموقوف عليها ثبتت همزة الوصل في الله، لأنها كالمبتدأ بها، وإن كان متصلة في اللفظ بميم، فلما نقل حركة همزة القطع إلى ما قبلها وحذفت في ثَلَاثَهَرْبَعَة وفي قوله " لام الف " كذلك حذفت همزة الوصل بعد نقل حركتها إلى ما قبلها لأنها صارت كهمزة القطع من حيث بقاؤها مع الوصل، إلا أن حذفها مع نقل الحركة في (ألم الله) أولى من إثباتها، كراهة لبقاء همزة الوصل في الدرج، بخلاف الهمزة في ثَلَاثَهَرْبَعَة ولام ألف، فإن حذفها لا يترجح على إثباتها لكونها همزة قطع، واختار المصنف جعل حركة ميم للساكنين، بناء على أن الكلمات معدودة ليست أواخرهها كأواخر الكلم الموقوف عليها، فيسقط إذن همزة الوصل لكونها في الدرج، فيلتقي ساكنان: الميم، واللام الاولى، فلم يكسر الميم كأخواته لأن قبله ياء وكسرة، فلو كسرت لتوالت الأمثال، وأيضاً فيما فعلوا حصول التفخيم في لام الله، إذ هي تفخم بعد الفتح والضم وترقق بعد الكسر، والذي حمله على هذا بناؤه كما مر على أن سكون أواخر الكلمات المعدودة ليس للوقف، لأنه إنما يسكن المتحرك، ولا حركة أصلاً لهذه الكلمات، وذهب عنه أنه يوقف على الساكن أيضاً، والحق أنها مبنية على السكون، فجرى آخر كل واحدة منها مجرى الموقوف عليه، كما يوقف على مَنْ وكَمْ ونحوهما، وقلبُ التاء هاء وثبوت همزة الوصل في نحو واحد اثنان دليل الوقف، وأجاز الأخفش الكسر أيضاً في (ألم الله) قياساً

ص: 236

لا سماعاً، كما هو عادته في التجرد بقياساته على كلام العرب الذي أكثره مبني على السماع (وهذا هو من الأخفش) بناء على أن الحركة للساكنين وليست للنقل، وبه قرأ عمرو بن عبيد قوله " واخْشَوُا الله، واخْشَيِ الله " إنما لم يحذف الواو والياء لأن الأصل أن يتوصل إلى النطق بالساكن الثاني بتحريك الساكن الأول لا بحذفه، لأن سكونه هو المانع من النطق به، فيرفع ذلك المانع فقط، وذلك بالتحريك، وإنما ينتقل إلى حذفه إذا كان مدة كما ذكرنا، والواو والياء إذا انفتح ما قبلهما ليستا بمدتين فلا يستثقل تحريكهما، مع أنه لو حذف الواو والياء ههنا - وهما كلمتان برأسهما - لم يكن عليهما دليل، لأن قبلهما فتحة، بخلاف " اغزوا القوم " و " اغزي الجيش " فإن الضمة قبل الواو والسكرة قبل الياء دليلان عليهما بعد حذفهما قوله " ومن ثم قيل اخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ لأنه كالمنفصل " لا وجه لا يراد هذا الكلام ههنا أصلاً، لأن الساكن الأول يحرك إذا لم يكن مدة، وإن كان الثاني متصلاً مثل الهاء في " لم أبله " أو مفصلا كاخشوا واخْشَيِ الله أو كالمنفصل كاخْشَوُنَّ واخْشَيِنَّ، فأي فائدة لقوله " لأنه كالمنفصل " وحكم المتصل أيضاً كذلك؟ وهذا مثل ما قال في آخر الكافية " وهما في غيرهما مع الضمير البار كالمنفصل " كأنه توهم ههنا أن حق الواو والياء في مثله الحذف كما في اغْزُنَّ، لكن لما كان النون المؤكدة التي بعد الضمة كالكلمة المنفصلة لم يحذفا، كما لم يحذفا في نحو اخْشَوُا الله واخْشِي الله، وقد ذكرنا الكلام عليه هناك، وتحريك لام التعريف الداخلة على همزة الوصل، نحو الاِبن والاِسم والاِنطلاق والاستخراج، من باب تحريك أول الساكنين بالكسر ليمكن النطق بالثاني في نحو قَدِ اسْتَخْرَج وهَلِ

احتقر، لأن همزة الوصل حركتها تسقط في الدرج فيلتقي ساكنان: لام التعريف،

ص: 237

والساكن الذي كان بعد همزة الوصل، وروى الكسائي عن بعض العرب جواز نقل حركة الهمزة إذا أردت حذفه في الدرج إلى ما قبله، فروى (بسم الله الرحمن الرحيمَ الحمد لله) بفتح ميم الرحيم إذا وصلته بأول الحمد، وكذا قرئ في الشواذ (قُمَ اللَّيْل) بفتح الميم، فعلى هذا يجوز أن يكون كسرة اللام في الابن والاِنطلاق منقولة عن همزة الوصل، وكذا الضم في نحو (قَدُ استهزئ) و (قالتُ اخرج) وهو ضعيف، ولو جاز هذا لجاز (لَمْ يَكُنَ الَّذِينَ) وَعَنَ الَّذِينَ، بفتح النونين قال " إلا فِي نحو انطلق وَلَمْ يَلْدَهُ، وَفِي نَحْوِ رُدَّ وَلَمْ يَرُدَّ فِي تَمِيمٍ مِمَّا فُرَّ مِنْ تَحْرِيكِهِ لِلتَّخفِيفِ فَحُرِّكَ الثاني، وقراءة حفص وَيَتَّقْهِ لَيْسَتْ مِنْهُ عَلَى الأَصَحِّ " أقول: يعني إذا لم يكن الأول مدة حرك الاول، إلا إذا حصل من تحريك الأول نقض الغرض، وهذا في الفعل فقط، نحو انْطَلْقِ، وأصله انْطَلِقْ أمر من الانطلاق، فشبه طَلِق بكَتِفٍ في لغة تميم، فسكن اللام، فالتقى ساكنان، فلو حرك الأول على ما هو حق التقاء الساكنين لكان نقضاً للغرض وكذا الكلام في لَمْ يَلْدَهُ، قال: عَجِبْتُ لِمَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ ابٌ * وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ (1) واختير فتح ثاني الساكنين على الكسر الذي هو الأصل في تحريك الساكنين لتنزيه الفعل عنه، ومن ثم توقى منه بنون العماد، وأما الضم فلا يصار إليه في دفع الساكنين لثقله، إلا للإتباع كما في مُنْذُ، أو لكونه واو الجمع كما في اخْشَوُنَّ، وقيل: إنما فتح اتباعاً لحركة ما قبل الساكن الأول مع كون الفتح أخف

قوله " وفي نحو رُدَّ ولم يرُدَّ في تميم " اعلم أن أهل الحجاز لا يدغمون في

(1) قد سبق القول في هذا البيت (ج 1 ص 45) فارجع إليه هنالك، وانظر (ص 226 من هذا الجزء)(*)

ص: 238

المضاعف الساكن لامه للجزم أو للوقف، نحو ارْدُدْ ولم يَرْدُدْ، لأن شرط الإدغام تحريك الثاني، وبنو تميم وكثير من غيرهم لما رأوا أن هذا الإسكان عارض للوقف أو للجزم وقد يتحرك وإن كانت الحركة عارضة في نحو " أرْدُد القوم " لم يعتدوا بهذا الإسكان، وجعلوا الثاني كالمتحرك، فسكنوا الأول ليدغم، فتخف الكلمة بالإدغام، فالتقى ساكنان، فلو حرك الأول لكان نقضاً للغرض، وقد جاء به الكتاب العزيز أيضاً، قال تعالى:(وَلَا يُضَآرَّ كاتب) وإذا ثبت أن بعض العرب يدغم الأول في الثاني في نحو يرددن مع أن تحريك الثاني مع وجود النون ممتنع فما ظنك بجواز إدغام نحو أردد ولم يردد مع جوز تحريك الثاني للساكنين؟ واتفق الجمع على ترك إدغام أفْعِل تعجباً نحو أحْبِبْ، لكونه غير متصرف، وقد يحرك الثاني أيضاً إذا كان آخِرَ الكلمة المبنية، إذ لو حرك الأول والساكنان متلازمان على هذا التقدير لالتبس وزن بوزن، كما في امْسِ وَمُنْذ، فكان يشتبه فَعْل وفُعْل الساكنا العين بالمتحركيها، ويجوز أن يعلل أين وكيف وَحَيْثُ بمثله، وباستثقال الحركة على حرف العلة إن لم يقلب، ولو قلب لكان تصرفاً في غير متمكن قوله:" وقراءة حفص - إلخ " رد على الزمخشري (1)، فإنه قال: أصله

(1) لم ينفرد الزمخشري بما ذكره المؤلف، بل هو تابع فميا ذهب إليه لجمهرة النحاة، ونحن نلخص لك ما ذهبوا إليه في توجيه قراءة حفص، فنقول: ذهب النحاة في توجيه هذه القراءة أربعة مذاهب: أولها - وهو ما ذهب إليه الجمهور وعزاه المؤلف للزمخشري - وثانيها مذهب ذهب إليه عبد القاهر وحكاه

عنه الجار بردى واختاره المصنف وذكر المؤلف أنه الحق، وقد تكفل المؤلف ببيان هذين المذهبين، فلا داعى للاطالة في شرحهما، والثالث - وهو مذهب ذهب إليه أبو على الفارسي - وحاصله أن الهاء هاء الضمير المفرد المذكر، وأنها قد سكنت على لغة بنى عقيل وكلاب، وذلك أنهم يجوزون تسكين هاء ضمير (*)

ص: 239

يَتَّقِ ألحقت به هاء السكت فصار تَقِه ككَتِف فخفف بحذف حركة القاف كما هو لغة تميم، فالتقى ساكنان، فحرك الثاني: أي هاء السكت، لئلا يلزم تقض الغرض لو حرك الأول وفيما قال ارتكاب تحريك هاء السكت، وهو بعيد، وقال المصنف - وهو الحق -: بل الهاء فيه ضمير راجع إليه تعالى في قوله (ويَخْشَ الله) وكان تَقِه ككتف، فخفف بحذف كسر القف، ثم حذف الصلة التي بعدها الضمير: أي الياء، لأنها تحذف إذا كان الهاء بعد الساكن نحو منه وعنه وعليه، كما مر في باب المضمرات قال:" والكسر الاصل فإن خولف فلعارض: كوجوب الضم في ميم الجمع ومذ، وكاختيار الفتح في ألم الله " أقول: قد ذكرنا لم كان الكسر أصلاً في هذا الباب قوله: " كوجوب الضم في ميم الجمع " ليس على الإطلاق، وذلك أن ميم

المفرد المذكر إذا تحرك ما قبلها، ثم سكنت القاف من يتقه على لغة بنى تميم، تشبيها بنحو كتف، فالتقى ساكنان أولهما ليس مدة، فلو حرك الاول منهما على القاعدة لكان نقضا للغرض، فلذلك حرك الثاني، فعلى هذا جاز أن تكون قراءة حفص منه، والرابع أن الهاء هاء الضمير وأن القاف سكنت لا للتشبيه بنحو كتف في لغة بنى تميم، بل لتسليط الجازم عليها، كم سكنت اللام في " لم أبله "، وكما سكنت القاف في قول من قال:

ومن يتق فإن الله معه * ورزق الله مؤتاب وغادى وعلى هذا لا تكون قراءة حفص من باب التقاء الساكنين، كما أنها ليست كذلك على الوجه الذى ذهب إليه المصنف تبعا لعبد القاهر، والفرق بين هذا المذهب الاخير وبين ما ذهب إليه المصنف أن القاف سكنت على ما ذهب إليه المصنف تخفيفا تشبيها له بنحو كتف، وعلى المذهب سكنت القاف للجازم، والخلاصة أن قراءة حفص تكون من هذا الباب على المذهب الاول والثالث ولا تكون منه على المذهب الثاني والرابع (*)

ص: 240

الجمع إذا كانت بعد هاء مكسورة فالأشهر في الميم الكسر، كقراء، أبي عمرو (عليهم الذِّلَّة) و (بِهِمِ الأَسْبَابُ) وذلك لاتباع الهاء وإحراء الميم مُجْرَى سائر ما حرك للساكنين، وباقي القراء على خلافَ المشهور، نحو (بِهِمُ الأسباب) و (عليهمُ القتال) بضم الميم، تحريكا لها بحركتها الأصلية لما احتيج إليها: أي الضم كما مر في باب المضمرات (1) ، وإن كانت الميم بعد ضمة، سواء كانت على الهاء كما في قوله تعالى:(هم المؤمنون) وفي قراءة حمزة (علَيْهُمُ القتال) أو على غيرها نحو (أنْتُمُ الْفُقَرَاء) و " لَكُمُ الْمُلْك اليوم " و " لمْ يَأْتِ بِكُمُ الله " فالمشهور ضم الميم تحريكا لها بحركتها الأصلية وإتباعاً لما قبلها، وجاء في بعض اللغات كسرها للساكنين كما في سائر أخواتها من ساكن قبل آخر قوله " ومذ " لا يجب ضم ذال مذ كما ذكر المصنف، بل ضمها للساكنين أكثر من الكسر: إما لأن أصلها الضم على ما قيل من كونها في الاصل منذ،

(1) ملخص ما ذكره في شرح الكافية: أنهم زادوا الميم قبل الواو مع ضمير الجمع لئلا يلتبس ضمير الجمع بضمير المتكلم إذا أشبعت ضمته، فأصل " ضربتم " مثلا ضربتو، فدفعا للبس زادود الميم قبل الواو وضموها لمناسبة

الواو، ثم إن وقع بعد الواو ضمير وجب إثبات الواو على الصحيح، وإن لم يقع بعدها ضمير: فمنهم من يحذف الواو استثقالا لواو مضموم ما قبلها في آخر الاسم، ومنهم من لا يحذف، لان الاستثقال عنده خاص بالاسم المعرب، فإذا حذفت الواو سكنت الميم لزوال المقتضى لضمها، فإذا التقت مع ساكن آخر فان كانت بعد ضمة فالاشهر الاقيس ضمها إتباعا، ولان الضم حركتها الاصلية، فمنهم من يكسرها على أصل التخلص من التقاء الساكنين، وهو في غاية القلة، ومنعه أبو على الفارسى، وإن كانت بعد كسرة فالاشهر الاقيس كسرها إتباعا أو على أصل التخلص، ومنهم من يضمها تحريكها لها بحركتها الاصلية لانه لما اضطر إلى تحريك الميم كان تحريكها بحركتها الاصلية أولى من اجتلاب حركة أجنبية (*)

ص: 241

وإما لاتباع الذال للميم، وإما لكونه كالغايات كما مر في بابه، والتزموا الضم في " نحن " ليدل على الجمعية كما في هُمُو وأنْتُمُو قوله " وكاختيار الفتح "" في ألم " قد ذكرنا ما فيه، والفتح في نحو اضْرِبَنَّ وليضْرِبَنَّ للساكنين عند الزجاج والسيرافي، كما مر في شرح الكافية قال:" وَكَجَوَازِ الضَّمِّ إذَا كَانَ بَعْدَ الثَّانِي مِنْهُمَا ضَمَّةٌ أصْلِيَّة في كَلِمَتِهِ نحو وقالت اخرج وَقَالَتُ اغْزِي، بِخِلَافِ إِن امرؤ وقالت ارموا وإن الحكم " أقول: يعني إذا كان بعد الساكن الثاني من الساكنين ضمة قوله " أصلية " ليدخل نحو " وقَالَتُ اغْزِي " لأن أصل الزاي الضمة، إذ الياء لحقت باغْزُ بضم الزاي، وليخرج نحو " وَقَالَتِ ارْمُوا " لأن أصل الميم الكسر، إذ الواو لحقت بارْمِ بكسر الميم، وليخرج نحو (إِن امرؤ هَلَكَ)

لأن ضمة الراء تابعة لضمة الإعراب العارضة وتابع العارض عارض قوله " في كلمته " صفة بعد صفة لضمة: أي ضمة ثابتة في كلمة الساكن الثاني، ليخرج نحو " إن الْحُكْم " لأن ضمة الحاء وإن كانت لازمة للحاء لكن الحاء المضمومة ليست لازمة للساكن الثاني، إذ تقول: إن الحكم، وإن الفَرس، والمطلوب من كونها في كلمته لزومها له حتى يستحق أن تَتْبع حَرَكَتَهَا حركةُ الساكن الأول، وكان المبرد لا يستحسن ضم الساكن الأول إذا كان بعد كسرة، لاستثقال الخروج من الكسرة إلى الضمة نحو (عذاب اركض) وربما ضم أول الساكنين وإن لم يكن بعد ثانيهما ضمة أصلية، إتباعاً لضمة ما قبله، نحو قل اضرب، وقرئ في الشواذ (قمُ الليل) وقاس بعضهم عليه فتح المسبوق بفتحة، نحو " اصْنَعَ الْخَيْرَ " قال:" وَاخْتِيَارِهِ في نَحْوِ اخْشَوُا الْقَوْمَ عَكْسَ لَوْ اسْتَطَعْنَا "

ص: 242

أقول: قوله " واختياره " أي: اختيار الضم في واو الجمع المفتوح ما قبلها نحو اخْشُوا القوم واخْشَوُنَّ، لتماثل حركات ما قبل النون في جمع المذكر في جميع الأبواب نحو اضْرِبُنَّ واغْزُنَّ وارْمُنَّ واخشَوُنَّ، ويجوز أن يقال: قصدوا الفرق بى واو الجمع وغيره، نحو لَوِ اسْتَطَعْنَا، وكان واو الجمع بالضم أولى، جعلا لما قبل نون التأكيد في جمع المذكر على حركة واحدة في جميع الأبواب كما ذكرنا، وكذا واو الجمع في الاسم نحو " مُصْطَفَوُ الله " ليجانس نحو " ضَارِبُو القوم " واختير في واو " لو استطعنا " الكسر على الأصل، لانتفاء داعي الضم كما كان في واو الجمع، وقد يشبه واو الجمع بواو نحو " لَوِ استطعنا " فيكسر، وكذا قد يشبه واو نحو لَوْ بواو الجمع فيضم، وكلاهما قليل، واختاروا الضم في حَيْثُ لكونه كالغايات كما مر في بابه

قال " وَكَجَوَازِ الضَّمِّ وَالفَتْحِ في نَحْوُ رُدُّ وَلَمْ يَرُدُّ بِخِلَافِ رُدِّ الْقَوْمَ عَلَى الأَكْثَرِ، وَكَوُجُوبِ الْفَتْحِ فِي نَحْوِ رُدَّهَا، وَالضَّمِّ فِي نَحْوِ رُدُّهُ عَلَى الأَفْصَحِ، وَالكَسْرِ لُغَيَّةٌ، وغُلِّط ثَعْلَبٌ في جَوَازِ الْفَتْحِ " أقول: اعلم أن بني تميم ومن تبعهم إذا أدغموا مثل هذا الموقوف والمجزوم كما ذكرنا ذهبوا فيه مذاهب: منهم من يفتحه كما في نحو انْطَلْق وَلَمْ يَلْدَهُ، نظراً إلى كونه فعلاً فتجنيبه الكسرة اللازمة أولى، وأما في ارْدُدِ الْقَوْمَ فعروضها سهل أمرها، فيقول: مُدَّ وعَضَّ وعِزَّ، وفتح عَضَّ عنده ليس للإتباع، وإلا قال مُدُّ بالضم وعِزِّ بالكسر، ومنهم من يفر من الكسر إلى الإتباع كما في مُنْذُ، فيقول: مُدُّ وعِزِّ وعَضَّ، والكسر في عِزِّ ليس عنده لأن الساكن يحرك بالكسر، وإلا كسر عَضَّ ومُدُّ أيضاً، ومنهم من يبقي الجميع على الكسر الذي هو الأصل في إزالة الساكنين، وهم كعب وغَنِيٌّ، فيقول: مُدِّ وعَضِّ وعِزِّ، والكسر في عز عنده ليس للاتباع، وإلا أتبع في مد وعض أيضاً

ص: 243

وقد اجتمعت العرب حجازيُّهم وغيرهم على الإدغام في " هَلُمَّ " مع الفتح، لتركبه مع " ها " فخففوه بوجوب الإدغام ووجوب الفتح (1) وإن اتصل هذا المجزوم أو الموقوف بساكن بعده، نحو رُدِّ ابْنَكَ ولم تَرُدِّ القوم، اتفق الأكثر ممن كان يدغم على أنه يكسر قياساً على سائر ما يكون ساكناً قبل مثل هذا الساكن، نحو اضْرِب القوم، ومن العرب من تركه مفتوحاً مع هذا الساكن ايضاً، ذكر يونس أنه سمعهم ينشدون: 75 - فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيرٍ * فَلَا كَعْباً بَلَغْتَ وَلَا كلابا (2)

(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 68) : " وهو (يريد هلم) عند الخليل هاء التنبيه ركب معها " لم " أمر من قولك لم الله شعثه: أي جمع: أي اجمع

نفسك إلينا في اللازم، واجمع غيرك في المتعدى، ولما غير معناه عند التكريب، لانه صار بمعنى أقبل أو أحضر بعد ما كان بمعنى أجمع، صار كسائر أسماء الافعال المنقولة عن أصولها فلم يتصرف فيه أهل الحجاز مع أن أصله التصرف، ولم يقولوا فيه: هامم، كما هو القياس عندهم في " اردد وامدد " ولم يقولوا: هلم وهلم (بضم الاول للاتباع وكسر الثاني على أصل التخلص من التقاء الساكنين) كما يجوز ذلك في مد، كل ذلك لثقل التركيب " اه (2) البيت من قصيدة لجرير من عطية هجا بها الراعي النميري، ومطلعها: أقلى اللوم عاذل والعتابا * وقولى إن أصبت: لقد أصابا عاذل: مرخم عاذلة، وهو منادى، وجواب الشرط الذي هو قوله " إن أصبت " محذوف لدلالة ما قبله عليه، والمبرد يجعل المتقدم جوابا.

وقوله " لقد أصابا " مقول القول.

والمراد لا تعتز ولا تتكبر.

ونمير قبيلة الراعي المهجو، وكعب وكلاب قبيلتان بلغتا عند الشاعر غاية السمو والرفعة.

والاستشهاد بالبيت في قوله " فغض الطرف " فان يونس على ما حكاه عنه سيبويه سمع العرب ينشدونه بفتح الضاد، والفتح لغة بنى أسد كما قاله جار الله في المفصل (*)

ص: 244

بفتح الضاد، كأنهم حركوه بالفتح قبل دخول اللام، فلما جاء اللام لم يغيروه، ولم يسمع من أحد منهم الضم قبل الساكن، وقد أجازه المصنف في الشرح، وهو وهم (1) واتفقت العرب كلهم على وجوب الفتح إذا اتصلت به هاء بعدها ألف، نحو رُدَّها وعَضَّها واسْتَعِدَّهَا، وذلك لأن الهاء خفية فكأن الألف ولي المدغم فيه، ولا يكون قبلها إلا الفتحة، وإذا كانت الهاء مضمومة للواحد المذكر ضموا كلهم نحو رُدُّه وعَضُّه واسْتَعِدُّه، لأن الواو كأنها وليت المدغم فيه لخفاء الهاء،

فكأنك قلت رودا وعَضُّوا واسْتَعِدُّوا، وليس الضم في رُدُّهُ لإتباع ما قبله،

(1) قال الاشموني في شرحه على الالفية في باب الادغام: " والتزم أكثرهم الكسر قبل ساكن فقالوا رد القوم، لانها حركة التقاء الساكنين في الاصل، ومنهم من يفتح، وهم بنو أسد، وحكى ابن جنى الضم، وقد روى بهن قول جرير: فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيرٍ * فَلَا كَعْباً بَلَغْتَ وَلَا كِلَابَا نعم الضم قليل، قال في التسهيل في باب التقاء الساكنين: " ولا يضم قبل ساكن بل يكسر وقد يفتح " هذا لفظه " اه كلام الاشموني، وقال الجاربردى في شرح الشافية:" بخلاف ما إذا لقى ساكنا بعده نحو رد القوم، فان المختار حينئذ الكسر، لانه لو لم يدغم وقيل " اردد القوم " لزم الكسر، فلما أدغموا أبقوا الثاني على حركته، ومنهم من يفتحه، قال جرير: ذم المنازل بعد منزلة اللوى * والعيش بعد أولئك الايام قد روى " ذم " بالكسر أيضا، ومنهم من يضم وهو قليل شاذ " اه، وبعد سماع هذا لا محل لتوهيم الرضى ابن الحاجب فيما حكاه من أن الضم لغة، وإذا كان معتمد الرضى أن سيبويه لم يحكه أو أنكره فلا يجوز تعدية ذلك إلى غير سيبويه من العلماء، وقد رأيت في نص الاشموني أن ابن جنى ممن حكى الضم، وهذا القدر وحده كاف لابن الحاجب في الاستناد إليه، وكفى بابن جنى مستندا (*)

ص: 245

وإلا لم يضم في عَضُّه واسْتَعِدُّه، وورد في بعض اللغات كسر المدغم فيه، وذلك لأنه إذا كسر انكسر الهاء أيضاً تبعاً له كما هو عادته في بِهِ وغلامِهِ، فينقلب الواو ياء، فلو بقيت الهاء على أصلها لاستكره، لأن الواو الساكنة كأنها بعد الضمة بلا فصل، لخفاء الهاء، وجوز ثعلب في الفصيح من غير سماعٍ فتحَ المدغم

فيه مع مجئ هاء الغائب بعده، نحو رُدَّه وعَضَّه، وقد غلطه جماعة، والقياس لا يمنعه، لان مجئ الواو الساكنة بعد الفتحة غير قيل كقَوْل وطَوْل واعلم أنه إذا اتصل النون وتاء الضمير بالمضاعف، نحو رَدَدْتُ ورَدَدْنَا ورَدَدْنَ وغيرها، فإن بني تميم وافقوا فيه الحجازيين في فك الإدغام للزوم سكون الثاني، وزعم الخليل وغيره أن أناساً من بني بكر بن وائل وغيرهم يدغمون نحو رَدَّن ويَرُدَّنَ ورُدَّنَ في المضارع والماضي والأمر، وكذا رَدَّتُ، نظراً إلى عروض اتصال الضمائر، فيحركون الثاني بالفتح للساكنين، قال السيرافي: هذه لغة رديئة فاشية في عوام أهل بغداد قال: " وَالْفَتْحِ في نونمن مَعَ اللَاّمِ نَحْوُ مِنَ الرَّجُلِ وَالْكَسْرُ ضَعِيفٌ، عَكْسُ مِنِ ابْنِكَ، وعَنْ عَلَى الأَصْلِ، وَعَنُ الرَّجُلِ بِالضَّمِّ ضَعِيفٌ " أقول: أي وكوجوب الفتح في نون " من " اعلم أن نون " من " إذا اتصل به لام التعريف فالأشهر فتحه، وذلك لكثرة مجئ لام التعريف بعد من، فاستثقل توالي الكسرتين مع كثرته، وليس ذلك لنقل حركة الهمزة، وإلا جاز هَلَ الرَّجُل، قال الكسائي: وإنما فتحوا في نحو مِنَ الرَّجُل، لأن أصل من مِنَا، ولم يأت فيه بحجة، وهذا كما قال أصل كَمْ كَمَا، وأما إذا ولي نون " مِنْ " ساكن آخر غير لام التعريف فالمشهور كسر النون على الأصل، نحو مِنِ ابْنِكِ، ولم يبال بالكسرتين لقلة الاستعمال، قال سيبويه: وقد فتحه

ص: 246

جماعة من الفصحاء فرارا من الكسرتين، وقد كسر أيضاً بعض العرب - وليس بمشهور - نُونَ مِنْ مع لام التعريف على الاصل، ولم يبال بالكسرتين لعروض الثانية

والتزموا أيضاً الفتح في الساكن الثاني إذا كان الأول ياء نحو أيْنَ وكَيْفَ، فراراً من اجتماع المتماثلين، أعني الياء والكسرة، لو كسروا على الأصل، واستثقالاً للضمة بعد الياء لو ضموا، وقد شذ من ذلك حَيْثُ فإنهم جوزوا ضمه في الأفصح الأشهر وفتحه على القياس المذكور وكسره على ضعف، والأخيران قليلان، ووجه الضم قد تقدم، وأما الكسر فعلى الأصل وإن كان مخالفاً للقياس المذكور، لأن الأول ياء، لكن مجئ الضم مخالفاً للقياس المذكور جوز المخالفة بالكسر أيضاً قوله " وعَنْ على الاصل " أي: يكسر نونه مع أي ساكن كان، إذ لا يجتمع معه كسرتان كما في من، وحكى الأخفش " عَنُ الرَّجُل " بالضم، قال: وهي خبيثة شبه بقولهم: قُلُ انْظُرُوا، يعني أنه حرك النون بالضم إتباعاً لضمة الجيم، ولم يعتد بالراء المدغمة، وفيه ضعف، لعدم جواز الضم في " إنِ الْحُكم " مع أن الضمة بعد الساكن الثاني بلا فصل، فكيف بهذا؟ فلو صح هذه الحكاية فالوجه أن لا يقاس عليه غيره، ولو قيس أيضاً لم يجز القياس إلا في مثله مما بعد الساكن فيه ضم، نحو عن الحكم، أو بينهما حرف نحو عَنُ الْعَضُد.

قال: " وَجَاءَ في المغتفر ومن النقر واضربه ودأبة وشأنة (وجَأنٌّ) ، بِخِلَافِ تَأْمُرُونِّي " أقول: يعني جاء في نوعين مغتفرين من التقاء السَّاكنين تحريك أولهما، وذلك لكراهتهم مطلق التقاء الساكنين: أحدهما ما يكون سكون الثاني فيه

ص: 247

للوقف وأولهما غير حرف اللين، نحو جاءني عَمْرو ومررت بعمرو، فتحرك الأول بحركة الثاني، وذلك لأنه لم يكن بد من الحركة الخفية، كما ذكرنا في أول هذا

الباب فتحريكه بحركة كانت ثابتة فقصد حذفها دالةٍ على معنى أولى، كما يجئ في باب الوقف، فإن كان الساكن الثاني هاء المذكر، نحو اضْرِبْه ومِنْه وضَرَبَتْهُ، جاز نقل حركة الهاء إلى الساكن الذي قبله، فتقول اضْرِبُهْ ومِنُهْ وضَرَبَتُهْ، وبعض بني تميم من بني عدى يحذفون حركة الهاء ويحركون الأول بالكسر فيقولون: ضَرَبَتِه وأخَذَتِهْ، كما تقول: ضربت المرأة، على ما يجئ في باب الوقف، وثاني النوعين ما يكون الساكن الثاني فيه مدغماً والأول ألف نحو الضَّالِّين، فتقلب الألف همزة مفتوحة، كما يجئ عن أيوب السخستياني في الشواذ (ولا الضَّأَلِّين) وحكى أبو زيد عنه دَأَبَّة وشَأَبَّة، وأنشد: 76 - يَا عجبا لقد رأيت عجبا * حمار قبان يسوق أرنبا خاطمها رأمها أنْ تَذْهَبَا * فَقُلْتُ أرْدِفْنِي فَقَالَ مَرْحَبَا (1) أي: رامها، فقلبها همزة مفتوحة، إذ لا يستقيم هنا وزن الشعر باجتماع

(1) هذه أبيات من الرجز المشطور أنشدها في اللسان (ق ب ب) و (ق ب ن) ولم نقف لها على نسبة إلى قائل معين، وحمار قبان: دويبة متسديرة تتولد في الاماكن الندية، مرتفعة الظهر كأن ظهرها قبة، إذا مشت لا يرى منها سوى أطراف رجليها، وهي أقل سوادا من الخنفساء وأصغر منها ولها ستة أرجل.

ووزنها فعلان على الراجح، ومنهم من يقول: وزنها فعال، وليس بشئ، لان منعهم إياها من الصرف دليل على أن وزنها فعلان.

وقوله: زأمها، أصله زامها: أي ممسكا بزمامها.

وأن تذهب: على تقدير حرف الجر: أي من أن تذهب، أو على تقدير مضاف محذوف، والاصل: مخافة أن تذهب، أو نحو ذلك.

والاستشهاد بالبيت في قوله " زأمها " حيث همز الالف فرارا من التقاء الساكنين، وفتحة الالف لما ذكر المؤلف (*)

ص: 248

الساكنين، وروى أبو زيد عن عمرو بن عبيد (عن ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جَأَنٌّ) قال المبرد: قلت للمازني: أتقيس ذلك؟ قال: لا، ولا أقبله (1) ، وذهب الزمخشري والمصنف إلى أن جعل الألف همزة مفتوحة للفرار من الساكنين.

فإن قيل: فالتقاء الساكنين في نحو دَأَبة أسهل من نحو تُمُودَّ الثوب، لأن الألف أقعد في المد من أخويه، فلم لم يفر من الساكنين في تمود؟ فالجوان أنه وإن كان أثقل إلا أنه أقل في كلامهم من نحو دَابَّة وشَابَّة، وإنما قلبت الألف همزة دون الواو والياء لاستثقالهما متحركين مفتوحاً ما قبلهما، كما يجئ في باب الإعلال، ولانه يلزم قبلهما ألفين في مثل هذا الحال، ويجوز

(1) قول المؤلف حكاية عن المازني في جوابه على المبرد: " ولا أقبله " معناه محتمل لاحد وجهين: الاول أن الضمير المنصوب عائد على القياس المفهوم من قوله: " أتقيس ذلك " وحاصل المعنى حينئذ: لا أقيس ولا أقبل القياس إن قال به قائل، والثاني أن الضمير المنصوب راجع إلى اسم الاشارة المقصود به قراءة عمرو بن عبيد، وحاصل المعنى حينئذ: لا أقيس على هذه القراءة ولا أقبلها، وفي الوجه الثاني نظر، فقد كان عمرو بن عبيد من الجلالة والامامة بحيث لا يدفع ما يرويه.

نعم يمكن أن يوجه عدم القبول إلى صحة الاسناد إليه فكأنه يقول: لا أقبل نسبة هذه القراءة إلى عمرو بن عبيد، بقى أن نقول: إن مثل هذه القراءة قد جاء في قوله تعالى (ولا الضالين) عن أيوب السختياني (ولا الضألين) بهمزة غير ممدودة كأنه فر من التقاء الساكنين، وهي لغة، حكى أبو زيد قال: سمعت عمرو بن عبيد يقرأ (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن) فظننته قد لحن، حتى سمعت من العرب دأبة وشأبة، قال أبو الفتح: وعلى هذا قول كثير: * إذا ما الغوا لى بالعبيط احمأرت * " اه (*)

ص: 249

أن يقال: إن قلب اللف في نحو دابة همزة ليس للفرار من الساكنين، بل هو كمال في العالم والبأز، كما يجئ في باب الإبدال، فلما قلبوها همزة ساكنة لم يمكن مجئ الساكن بعدها كما أمكن بعد الالف، فحزك أول الساكنين كما هو الأصل، إلا أنه فتح لأن الفتحة من نخرج البدل والمبدل منه: أي الهمزة والألف، لأنهما من الحلق، وإن كان للألف أصل متحرك بحركة حركت الهمزة بتلك الحركة، قال: 77 - يَا دارمي بدَ كاكِيكِ الْبُرَقْ * صَبْراً فَقَدْ هيحت شَوْقَ الْمُشْتَئِقِ (1) قوله " بخلاف تأمرونّي " يعني أول الساكنين إذا كان ألفاً في هذا الباب فُرَّ من الساكنين بقلبه همزة متحركة وأما إذا كان واواً كتمودَّ وتأمروني، أو ماء كدويبَّة وخُوَيْصَّة، فلا، لكثرة الساكنين كذلك، وأولهما ألف دون الواو والياء قال: " الابْتِدَاءُ: لَا يُبْتَدَأُ إلَاّ يمتحرك كما بِمُتَحَرِّكٍ كما لا يُوقَفُ إلَاّ عَلَى سَاكِنٍ، فَإنْ كَانَ الأَوَّلُ سَاكِناً - وَذلِكَ في عَشَرَةِ أسْمَاءٍ مَحْفُوظَةٍ، وَهِيَ ابْنٌ، وَابْنَةٌ، وابْنُمٌ واسْمٌ، واسْتٌ، واثْنَان، وَاثْنَتَانِ، وامْرُؤٌ، وامرأة وايمن الله، وفى كل

(1) هذا البيت لرؤبة بن العحاج، والدكاديك: جمع دكداك، وهو الرمل المتلبد في الأرض من غير أن يرتفع، والبرق: جمع برقة: وهي غلظ في حجارة، ورمل، ووراه الجوهرى: بادلكاديك البرق، على الوصف، وصبرا: مفعول مطلق، والمشتئق: المشتاق، وهو محل الاستشهاد بالبيت، حيبث همز الالف حين أراد الوقف وحرك الهمزة بحركة الحرف الذى كان أصلا للالف، وبيان ذلك أن المشتئق اسم فاعل، وأصله مشتوق - بكسر الواو، لان الاصل فيه الشوق، فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصار مشتاقا فلما همز الالف حركها بالحركة التى كانت للواو (*)

ص: 250

مَصْدَرٍ بَعْدَ ألِفِ فِعْلِهِ المَاضِي أرْبَعَةٌ فَصَاعِداً، كالاِقْتِدَارِ وَالاسْتِخْرَاجِ، وَفِي أَفْعَالِ تِلْكَ الْمَصَادِرِ مِنْ مَاضٍ وَأمْرٍ، وَفِي صِيغَةِ أمْرِ الثُّلَاثِيِّ، وَفِي لام التَّعْرِيفِ وَمِيمِهِ - أُلْحِقَ في الابْتِدَاءِ خَاصَّةً هَمْزَةُ وَصْلٍ مَكْسُورَةٌ، إلَاّ فِيمَا بَعْدَ سَاكِنِهِ ضَمَّةٌ أصْلِيَّةٌ فَإِنَّهَا تُضَمُّ، نَحْوُ اقْتُلْ، اغْزُ، اغْزِي، بِخِلَافِ أرْمُوا، وَإلَاّ في لَامِ التَّعْرِيفِ وَايْمُنٍ فَإِنَّهَا تُفْتَحُ) أقول: الأكثرون على أن الابتداء بالسكن متعذر، وذهب ابن جني إلى أنه متعسر لامتعذر، وقال: يجئ ذلك في الفارسية نحو شْتَرْ وَسْطَام، والظاهر أنه مستحيل ولابد من الابتداء بمتحرك، ولما كان ذلك في شْتَرْ وَسْطَام في غاية الخفاء كما ذكرنا ظُنَّ أنه ابتدئ بالساكن، بل هو معتمد قبل ذلك الساكن على حرف قريب من الهمزة مكسور، كما يُحَسُّ في نحو عمرو، وقْفاً، بتحريك الساكن الأول بكسرة خفية، وللطف الاعتماد لا يتبين، وأما الوقف على متحرك فليس بمستحيل، ولا يريد بالوقف الصناعي، فإنه ليس إلا على الساكن أو شبهه مما يرام حركته، بل يريد به السكوت والانتهاء واعلم أن الأصل أن يكون أول حروف الكلمة متحركاً، ولايكون أولها ساكناً على وجه القياس، إلا في الأفعال وما يتصل بها من المصادر على ما سيأتي، وذلك لكثرة تصرف الأفعال وكونها أصلاً في الإعلال من القلب والحذف ونقل الحركة، على ما سيأتي، فجُوِّز فيها تسكين الحرف الأول، ولم يأت ذلك في الاسم الصَّرْف إلا في أسماء معدودة غير قياسية، وهي العشرة المذكورة في المتن، ولا في الحرف إلا في لام التعريف وميمه، والهمزة في الأسماء العشرة عوض مما أصابها من الوهن: إذ هي ثلاثية فتكون ضعيفة الخِلْقة، وقد حذف لاماتها نسياً، أو هي في حكم المحذوف، وهو وهن على وَهْن، لأن المحذوف نسياً كالعدم، وليس يجب في جميع الثلاثي المحذوف اللام إبدال الهمزة منها، ألا ترى إلى غد ويد وحر،

ص: 251

فنقول: لما نُهِكَت هذه الأسماء بالإعلال الذي حقه أن يكون في الفعل شابهت الاعفال، فلحقها همزة الوصل عوضاً من لمحذوف، بدلالة عدم اجتماعهما، نحو ابى وَبَنَوِيّ، وقولك: ابْنُم وامْرُؤٌ وايْمُن ليست بمحذوفة الأواخر، وميم ابْنِمٍ بدل من اللام: أي الواو، لكن لما كانت النون والراء في ابنم وامرئ تتبع حركتهما حركة الإعراب بعدهما صارتا كحرف الإعراب، على أنه قيل: إن مبم ابم زائدة (1) كميم زرقم (2) وستهم (3) واللام محذوفة،

(1) قال في اللسان: " وروى عن أبى الهيثم أنه قال: يقال: هذا ابنك، ويزاد فيه الميم فيقال: هذا ابنمك، فإذا زيدت الميم فيه أعرب من مكانين، فقيل: هذا ابنمك، فضمت النون والميم، وأعرب بضم النون وضم الميم، ومررت بابنمك ورأيت ابنمك، تتبع النون الميم في الاعراب بضم النون وضم الميم، ومررت بابنمك ورأيت ابنمك، تتبع النون الميم في الاعراب، والالف مكسورة على كل حال، ومنهم من يعربه من مكان واحد فيعرب الميم، لانها صارت آخر الاسم، ويدع النون مفتوحة على كل حال، فيقول: هذا ابنمك، ومررت بابنمك، ورأيت ابنمك، وهذا ابنم زيد، ومررت بابنم زيد، ورأيت ابنم زيد، وأنشد لحسان: ولدنا بنى العنقاء وابنى محرق * فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما وزيادة الميم فيه كما زادوها في شدقم وزرقم وشجعم (كجعفر في الاول والثالث وكبرثن في الثاني) لنوع من الحيات، وأما قول الشاعر: * ولم يحم أنفا عند عرس ولا ابنم * فأنه يريد الابن، والميم زائدة " اه وبيت حسان لا يرجح أحد المذهبين على الخر، لجواز أن تكون فتحة النون تابعة لفتحهه الميم، ولجواز أن تكون هي الفتحة الملتزمة في الوجه الثاني، و " ابنما " فيه تمييز، وإنما جئ بالبيت دليلا على

استعمال ابنم بالميم.

(2)

قال اللسان " الزرقم: الازرق الشديد (بوزن فرح) والمرأة زرقم أيضا، والذكر والانثى في ذلك سواء، قال الراجز: ليست بكحلاء ولكن زرقم * ولا برسحاء ولكن ستهم وقال اللحيانى رجل أزرق وزرقم، وامرأة زرقاء ببنة الزرق وزرفمة " اه (3) قال في اللسان: " الجوهرى: والاست العجز، وقدش يراد بها حلقة الدبر وأصله سته على فعل - بالتحريك، يدل على ذلك أن جمعه أستاه، مثل جمل (*) =

ص: 252

_________

= وأجمال ولا يجوز أن يكون مثل درع وقفل اللذين يجمعان أيضا على أفعال، لانك إذا رددت الهاء التى هي لام الفعل وحذفت العين قلت: سه - بالفتح، قال الشاعر أوس: شأتك قعين غثها وسمينها * وأنت السه السفلى إذا ادعين نصر يقول: أنت فيهم بمنزلة الاست من الناس، وفى الحديث " العين وكاء السه " بحذف عين الفعل، ويروى " وكاء الست " - بحذف لام الفعل، ويقال للرجال الذى يستذل: أنت الاست السفلى، وأنت السه السفلى، ويقال لارذال الناس: هؤلاء الاستاه، ولا فضلهم: هؤلاء الاعيان، والوجوه، قال ابن برى: ويقال فيه ست أيضا، لغة ثالثة، قال ابن رميض (بصيغة التصغير) العنبري: يسيل على الحاذين والست حيضها * كما صب فوق الرجمة الدم ناسك وقال أوس بن مغراء: لا يمسك الست إلا ريث يرسلها * إذا ألح على سيسائه العصم يعنى: إذا ألح عليه بالحبل ضرط، قال ابن خالويه: فيها ثلاث لغات: سه، وست، واست، والسته: عظم الاست، والسته: مصدر الاسته، وهو الصخم

الاست، ورجل أسته، عظيم الاست بين السته إذا كان كبير العجز، والستاهى والستهم مثله، قال الجوهرى: والمرأة ستهاء، هذه عن اللحيانى، وامرأة ستهاء كذلك، ورجل ستهم، والانثى ستهمة كذلك، الميم زائدة

قال أبو منصور: رجل ستهم، إذا كان ضخم الاست، وستاهى مثله والميم زائدة، قال النحويون: أصل الاست سته، فاستثقلووا الهاء لسكون التاء، فلما حذفوا الهاء سكنت السين، فاحتيج إلى ألف الوصل كما فعل بالاسم والابن، فقيل: الاست، قال: ومن العرب من يقول السه - بالهاء عند الوقف، يجعل التاء هي الساقطة، ومنهم من يجعلها هاء عند الوقف وتاء عند الادغام، فإذا جمعوا أو صغروا ردوا الكلمة إلى أصلها فقالوا في الجمع: أستاه، وفى التصغير ستيهة، وفى الفعل سته يسته فهو أسته اه بتصرف (*)

ص: 253

وأما ايمن الله (1) فإن نونه لما كانت تحذف كثيراً نحو ايم الله، والقسم موضع التخفيف صار النون الثابت كالمعدوم.

(1) قال في اللسان: " قال الجوهرى: وايمن: اسم وضع للقسم هكذا بضم الميم والنون، وألفه وصل عند أكثر النحويين، ولم يجئ في الاسماء ألف وصل مفتوحة غيرها، قال: وقد تدخل عليه اللام لتأكيد الابتداء، تقول: لايمن الله، فتذهب الالف في الوصو، قال نصيب: فقال فريق القوم نشدتهم: * نعم، وفريق لايمن الله ما ندرى وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف، والتقدير لايمن الله قسمي، ولايمن الله ما أقسم به، وإذا خاطبت قلت: لايمنك، وفى حديث عروة بن الزبير أنه قال: لايمنك لئن كنت ابتليت لقد عافيت، ولئن كنت سلبت لقد أبقيت، وربما حذفوا منه النون، قالوا: أيم الله، إيم الله أيضا، بكسر الهمزة، وربما

حذفوا منه الياء، قالوا: أم الله، وربما أبقوا الميم وحدها مضمومة، قالوا: م الله ثم يكسر ونها، لانها صارت حرفا واحدا فيشبهونا بالباء، فيقلون: م الله، وربما قالوا: من الله - بضم الميم والنون، ومن الله - بفتحهما، ومن الله - بكسرهما، قال ابن الاثير: أهل الكوفة يقولون: أيمن جمع يمين القسم، والالف فيها ألف وصل تفتح وتكسر، قال ابن سيده: وقالوا: إيمن الله وأيم الله، إيمن الله، وإيم الله، وم الله (بضم الميم) فحفوا، وم الله (بفتح الميم) أجرى مجرى م الله (بكسر الميم) .

قال سيبويه: وقالوا: لايم الله، واستدل بذلك على أن ألفه ألفه وصل، قال ابن جنى: ما أيمن في القسم ففتحت الهمزة منها، وهي اسم، من قبل أن هذا اسم غير متمكن ولم يستعمل إلا في القسم وحده، فلما ضارع الحرف بقلة تمكنه فتح تشبيها بالهمزة الاحقة بحرف التعريف، وليس هذا فيه إلا دون بناء الاسم لمضارعة الحرف، وأيضا فقد حكى يونس: إيم الله - بالكسر، ويؤكد عندك أيضا حال هذا الاسم في مضارعة الحرف أنهم قد تلاعبوا به واضعفوه فقالوا مرة: م الله ومرة م الله ومرة م الله (بضم الميم وفتحها وكسرها) فلما حذفوا هذا الحذف المفرط واصاروه من كونه على حرف الى لفظ الحروف قوى شبه الحرف عليه ففتحوا همزته تشبيها بهمزة لام التعريف) اه كلام = (*)

ص: 254

وأصل ابن بَنَو - بفتح الفاء والعين (1) - لأن جمعه أبناء والأفعال قياس

= اللسان وقال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 313) ما نصه: (وايمن الله عند الكوفيين جمع يمين فهو مثل يمين الله جعلت همزة القطع فيه وصلا تخفيفا لكثرة الاستعمال كما قال الخليل في همزة ال المعرفة وعند سيبويه هو مفرد مشتق من اليمن وهو البركة: أي بركة الله يمينى وهمزته للوصل في الاصل والدليل عليه تجويز كسر همزته وانما كان الاغلب فتح الهمزة لكثرة استعماله

ويستبعد ان تكون الهمزة في الاصل مكسورة ثم فتحت تخفيفا لعدم افعل - بكسر الهمزة في الاسماء والافعال (يريد بكسر الهمزة مع سكون الفاء وضم العين) ولذا قالوا في الامر من نحو نصر: انصر - بضم الهمزة ويستبعد اصالة افعل في المفردات ايضا فيصدق ههنا قوله: فاصبحت انى تأتها تبتئس بها * كلا مر كبيها تحت رجليك شاجر) اه كلام المؤلف ويريد المؤلف بقوله (ويستبعد اصالة افعل في المفردات ايضا) انه لا يجوز ان يكون ايمن مكسور الهمزة في الاصل مع كونها فاء الكلمة لانه يؤدى الى ان يكون وزنه فعللا - بكسر الفاء وسكون العين وضم اللام الاولى - وهو غير موجود في كلامهم.

ومما نقلناه لك من عبارة المؤلف في شرح الكافية تعلم ان ابن الاثير اراد من العبارة التى حكاها صاحب اللسان عنه وهى قوله (والالف فيها الف وصل) ان همزة ايمن صيرت همزة وصل لكسرة الاستعمال وان كانت همزة قطع في اصل الوضع فيتفق ما حكاه ابن الاثير عن الكوفيين مع ما حكاه المؤلف عنهم لان همزة افعل صيغة للجمع لا تكون الا همزة قطع فغير معقول ان يزعم الكوفيون انها همزة وصل وضعا (1) قال في اللسان: (والابن: الولد ولامه في الاصل منقلبة عن واو عند بعضهم وقال (يريد ابن سيده) في معتل الياء: الابن الولد فعل (بفتح اوله وثانيه) محذوفة اللام مجتلب لها الف الوصل.

قال: وانما قضى انه من الياء لان بنى يبنى اكثر في كلامهم من يبنو والجمع ابناء قال ابن سيده: والانثي ابنة وبنت الاخيرة على بناء مذكرها ولام بنت واو = (*)

ص: 255

فَعَلٍ مفتوح العين كأجبال وقياس فَعْل ساكن العين إذا كان اجوف

= والتاء بدل منها قال أبو حنيفة: اصله بنوة (بكسر اوله وسكون ثانيه) ووزنها فعل فالحقتها التاء المبدلة من لامها بوزن حلس فقالوا: بنت وليست التاء فيها بعلامة تأنيث كما ظن من لاخبرة له بهذا اللسان.

وذلك لسكون ما قبلها.

هذا مذهب سيبويه وهو الصحيح وقد نص عليه في باب مالا ينصرف فقال: لو سميت بها رجلا لصرفتها معرفته ولو كانت للتانيث لما انصرف الاسم على ان سيبويه قد تسمح في بعض الفاظه في الكتاب فقال في بنت: هي علامة تأنيث وانما ذلك تجوز منه في اللفظ لانه ارسله غفلا وقد قيده وعلله في باب مالا ينصرف والاخذ بقوله المعلل اقوى من القول بقوله المغفل المرسل ووجه تجوزه انه لما كانت التاء لا تبدل من الواو فيها الا مع المؤنث صارت كأنها علامة تأنيث قال: واعنى بالصيغة فيها بناءها على فعل (بكسر اوله وسكون ثانيه) واصله فعل (بفتح الاول والثانى) بدلالة تكسيرهم اياها على افعال وابدال الواو فيها لازم لانه عمل اختص به المؤلف ويدل ايضا على ذلك اقامتهم اياه مقام العلامة الصريحة وتعاقبهما فيها على الكلمة الواحدة وذلك نحو ابنة وبنت فالصيغة في بنت قائمة مقام الهاء في ابنة فكما ان الهاء علامة تأنيث فكذلك صيغة بنت علامة تأنيثها وليست بنت من ابنة كصعب من صعبة انما نظير صعبة من صعب ابنة من ابن ولا دلالة في البنوة على ان الذاهب من بنت واو لكن ابدال التاء من حرف العلة يدل على انه من الواو لان ابدال التاء من الواو اكثر من ابدالها من الياء

قال الزجاج: ابن كان في الاصل بنو أو بنو (بكسر فسكون في الاول وبفتحتين في الثاني) والالف الف وصل في الابن يقال: ابن بين البنوة قال: ويحتمل ان يكون اصله بنيا قال: والذين قالوا (بنون) كأنهم جمعوا بنيا بنون وابناء جمع فعل أو فعل (بكسر فسكون في الاول وبفتحتين في الثاني) قال:

وبنت تدل على انه يستقيم ان يكون فعلا (بكسر فسكون) ويجوز ان يكون فعلا (بفتحتين) نقلت الى فعل (بكسر فسكون) كما نقلت اخت من فعل = (*)

ص: 256

كأثواب وأبيات ولا يجوز أن يكون أبناء كاقفال في جمع قُفْل ولا كأجذاع في جمع جِذْعٍ لدلالة بَنُونَ على فتح باء واحدة وابنة في الأصل بَنَوة لكونه مؤنث ابن ولام ابن واو لقولهم في المؤنث بنت وإبدال التاء من الواو أكثر منه من الياء وأيضاً البنوة يدل عليه وأما الفتوة في الفتى فعلى غير القيام (1) .

= (بفتحتين) الى فعل (بضم فسكون) فاما بنات فليس بجمع بنت على لفظها انما ردت الى اصلها فجمعت بنات على ان اصل بنت فعلة (بفتح الاول والثانى) مما حذفت لامه.

قال: والاخفش يختار ان يكون المحذوف من ابن الواو قال: لانه اكثر ما يحذف لثقله والياء تحذف ايضا لانها تثقل قال: والدليل على ذلك ان يدا قد اجمعوا على ان المحذوف منه الياء ولهم دليل قاطع مع الاجماع يقال: يديت إليه يدا ودم محذوف منه الياء والبنوة ليس بشاهد قاطع للواو لانهم يقولون: الفتوة والتثنية فتيان فابن يجوز ان يكون المحذوف منه الواو أو الياء وهما عندنا متساويان قال الجواهري: والابن اصله بنو والذاهب منه واو كما ذهب من اب واخ لانك تقول في مؤنثه: بنت واخت ولم نر هذه الهاء تلحق مؤنثا الا ومذكره محذوف الواو يدلك على ذلك اخوات وهنوات فيمن رد وتقديره من الفعل فعل - بالتحريك لان جمعه ابناء مثل جمل واجمال ولا يجوز ان يكون فعلا (بكسر فسكون) أو فعلا (بضم فسكون) اللذين جمعهما ايضا افعال مثل جذع وقفل لانك تقول في جمعه: بنون - بفتح الباء ولا يجوز ايضا ان يكون فعلا - ساكنة العين لان الباب في جمعه انما هو افعل مثل كلب واكلب

أو فعول مثل فلس وفلوس) اه (1) قد بان لك مما نقلناه عن اللسان ان البنوة لا تصلح دليلا على ان لام ابن واو لانها مثل الفتوة وهي لا تصلح دليلا على ان لام الفتي واو لانهم قالوا في تثنيته: فتيان ولم يقولوا: فتوان ولو انهم قالوا فتوان لكانت تصلح دليلا ولكن صريح كلام القاموس يقضى بان الفتى مما جاءت لامه عن العرب بوجهين = (*)

ص: 257

واسم في الأصل سِمْوٌ أو سُمْوٌ كحِبْرٍ وقفل بدليل قولهم سُِمٌ أيضاً من غير همزة وصل قال: 78 - * بِاسْم الَّذِي فِي كُلِّ سُورَةٍ سِمُهْ * وروى غير سيبويه اسم - بضم همزة الوصل - وهو مشتق من سَما لأنه يسمو بمسماه ويَشْهَرُه ولولا الاسم لكان خاملاً وقال الكوفيون: أصله وسْمٌ لكون الاسم كالعلامة على المسمى فخذف الفاء وبقى العين ساكنا

= بالواو وبالياء إذ يقول: (والفتى: الشاب والسخى الكريم وهما فتيان وفتوان الجمع فتيان وفتوة وفتووفتى (كدلى)) اه وبهذا تعلم ان قول من قال: ان البنوة لا تصلح دليلا على ان لام ابن واو محتجا بالفتوة ليس بشئ كما ان قول الرضى (وأما الفتوة في الفتى فعلى غير القياس) غير سديد ايضا ولعل منشأه ظنهم ان العرب لم تقل في تثنية الفتى الا فتيان.

(1)

هذا البيت من الرجز المشطور وقد نسبه أبو زيد في نوادره الى رجل من كلب واورد قبله بيتين هما: * ارسل فيها بازلا يقرمه * فهو بها ينحو طريقا يعلمه * والضمير في (ارسل) يعود الى الراعى والضمير من (فيها) يعود الى

الابل والبازل: البعير الذي انشق نابه وذلك إذا كان في السنة التاسعة.

ومعنى يقرمه: يمنعه عن الاستعمال ليتقوى للفحلة: أي الضراب والضمير في (فهو) يعود الى البازل وفى (بها) يعود الى الابل ومعنى ينحو: يقصد والجار في قوله (باسم) من بيت الشاهد يتعلق بأرسل والمعنى ارسل هذا الراعى باسم الله الذي يذكر اسمه في كل سورة هذا الفحل في هذه الابل للضراب فهو يقصد في ضرابها الطريق التي تعودها.

والاستشهاد بالبيت على أنه قد جاء في اسم سم من غير همزة وصل وقد رويت كلمة (سمه) في هذا البيت بضم السين وكسرها كما ذكره ابن الانباري في كتابه (الانصاف في مسائل الخلاف) = (*)

ص: 258

فجئ بهمزة الوصل ولا نظير له على ما قالوا إذ لا يحذف الفاء ويؤتى بهمزة الوصل والذي قالوا وإن كان أقرب من قول البصريين من حيث المعنى لأن الاسم بالعلامة أشبه لكن تصرفاته - من التصغير والتكسير كسُمَيّ وأسماء وغير ذلك كالسَّميِّ على وزن الحليف ونحو قولهم تسَمَّيت وسميت - تدفع ذلك إلا أن يقولوا: إنه قلب الاسم بأن جعل الفاء في موضع اللام لما قصدوا تخفيفه بالحذف إذ موضع الحذف اللام ثم حذف نسياً ورد في تصرفاته في موضع اللام إذ حُذِفَ في ذلك المكان وأصل است سَتَه - كجبل - بدليل أستاه ولا يجوز أن يكون كأقفال وأجذاع لقولهم في النسب إلى است: سَتَهيّ وفيه ثلاث لغات: است وسَتٌ وسَهٌ كما ذكرنا في النسبة وأصل اثنان ثَنَيان (1) - كفتيان - لقولهم في النسب إليه: ثَنوِي وكذا اثنتان كما مر في باب النسب وقد ذكرنا ايمن الله والخلاف فيه في شرح الكافية (2) .

قوله (في كل مصدر بعد الف الماضي أربعة) احتراز من نحو أكرم

فإن بعد ألف فعله الماضي ثلاثة فالهمزة في ماضية وأمره ومصدره همزة قطع وإنما جاز تسكين أوائل الأفعال لما ذكرنا من قوة تصرفاتها فجوزوا تصريفها على الوجه المستبعد أيضاً أعني سكون الأوائل وخصوا ذلك بما ماضيه على أربعة أو أكثر دون الثلاثي لأن الخفة بالثقيل أولى وأما في فاء الأمر من الثلاثي نحو اخرج فلكونه مأخوذاً من المضارع الواجب تسكين فائه لئلا يجتمع أربع متحركات في كلمة وإنما لم يسكن عينه لأنها لمعرفة الأوزان وأما اللام فللإعراب ولم يسكن حرف المضارعة لانه

= (1) انظر (ح 1 ص 221)(2) قد سبق ان نقلنا لك عبارته من شرح الكافية (انظر ص 254 من هذا الجزء)(*)

ص: 259

زاد على الماضي بحرف المضارعة فلو سكنت اوله لا حتجت الى همزة الوصل فيزداد الثقل فلما حذف حرف المضارعة في أمر المخاطب للتخفيف - لكونه أكثر استعمالاً من أمر الغائب - احتيج في الابتداء إلى همزة الوصل وألحقوا بالأفعال التي في أوائلها همزة وصل مصادرَها وإن كانت المصادر أصول الأفعال في الاشتقاق على الصحيح لأنها في التصرف والاعتلال فروع الأفعال كما يبين في باب الإعلال نحو لاذلياذا ولا وذلو إذا وأما أسماء الفاعل والمفعول فإنما سقطت من أوائلهما همزة الوصل وإن كانا أيضاً من الأسماء التابعة للفعل في الإعلال للميم المتقدمة على الساكن كما سقطت في المضارع لتقدم حرف المضارعة قوله (وفي أفعال تلك المصادر من ماض وأمر) وإنما لم يكن في المضارع لما ذكرناه وهذه الأفعال أحد عشر مشهورة: تسعة من الثلاثي المزيد فيه كانطَلَقَ واحْمَرَّ واحْمَارَّ واقْتَدَر واستخرج واقعنسس واسلنقى

واجلوذ واعشوشب واثنان من الرباعي المزيد فيه نحو احر نجم واقشعر وقد يجئ في تفعَّل وتفاعل إذا أدغم تاؤهما في الفاء نحو اطّيَّر واثاقل قوله (وفي صيغة أمر الثلاثي) أي: إذا لم يتحرك الفاء في المضارع احترازاً عن نحو قُلْ وبعْ وخَفْ وشِدَّ وعُدَّ من تقول وتبيع وتشد وتخاف وتعد قوله (وفي لام التعريف وميمه) قد مر ذلك في باب المعرفة والنكرة (1)

(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 122) عند شرح قول ابن الحاجب في تعداد انواع المعرفة (وما عرفت باللام) ما نصه: (هذا مذهب سيبويه اعني ان حرف التعريف هي اللام وحدها والهمزة للوصل فتحت مع ان اصل همزات الوصل الكسر لكثرة استعمال لام التعريف والدليل على ان اللام هي المعرفة فقط تخطى العامل الضعيف اياها نحو بالرجل وذلك علامة امتزاجها بالكلمة وصيرورتها كجزء منها ولو كانت على حرفين لكان لها نوع استقلال فلم يتخطها العامل الضعيف واما نحو الا تفعل والا تفعل = (*)

ص: 260

قوله (في الابتداء خاصة) لأن مجيئها لتعذر الابتداء بالساكن فإذا لم يبتدأ به لوقوع شئ قبله لم يحتج إلى الهمزة بل إن كان آخر الشئ - إن كان أكثر من حرف كغلام الرجل أو ذلك الشئ إن كان على حرف واحد - متحركاً نحو والله اكتفى به وإن كان ساكناً حرك نحو قُلِ الله والاستغفار قوله (مكسورةٌ) الكوفيون على ان أصل الهمزة السكون لأن زيادتها ساكنة أقرب إلى الأصل لما فيها من تقليل الزيادة ثم حركت بالكسر كما هو حكم أول الساكنين إذا لم يكن مدا المحتاج إلى حركته وظاهر كلام سيبويه

= وبلا مال فلجعلهم (لا) خاصة من جميع ما هو على حرفين كجزء الكلمة فلذا يقولون: اللافرس واللانسان واما نحو (بهذا) و (فما رحمة) فأن

الفاصل بين العامل والمعمول ما لم يغير معنى ما قبله ولا معنى ما بعده عد الفصل به كلا فصل وللامتزاج التام بين اللام وما دخلته كان نحو الرجل مغايرا لرجل حتى جاز تواليهما في قافيتين ولم يكن إيطاء وإنما وضعت اللام ساكنة ليستحكم الامتزاج وأيضا دليل التنكير: أي التنوين على حرف فالاولى كون دليل التعريف مثله وقال الخليل: أل بكمالها آلة التعريف نحو هل وقد استدل بفتح الهمزة وقد سبق العذر عنه وبانه يوقف عليها في التذكر نحو قولك ال إذا تذكرت ما فيه اللام كالكتاب وغيره وبفصلها عن الكلمة والوقف عليها عند الاضطرار كالوقف على قد في نحو قوله: ازف الترحل غير ان ركابنا * لما تزل؟ ؟ حالنا وكأن قد وذلك قوله: يا خليلي اربعا واستخبرا المنزل الدارس من اهل الحلال وإنما حذف عنده همزة القطع في الدرج لكثرة الاستعمال وذكر المبرد في كتاب الشافي ان حرف التعريف الهمزة المفتوحة وحدها وانما ضم اللام إليها لئلا يشتبه التعريف بالاستفهام وفى لغة حمير ونفر من طئ إبدال الميم من لام التعريف كما روى النمر بن تولب عنه صلى الله عليه وسلم (ليس من امبر امصيام في امسفر) اه = (*)

ص: 261

يدل على تحركها في الأصل لقوله: فَقَدَّمْتَ الزيادة متحركة لتصل إلى التكلم بها وهو الأولى لانك انما تجلبها لا حتياجك إلى متحرك فالأولى أن تجلبها متصفة بما يحتاج إليه: أي الحركة وأيضاً فقد تقدم أن التوصل إلى الابتداء بالساكن بهمزة خفية مكسورة من طبيعة النفس قوله: (ضمة أصلية) ليدخل نحو اغْزِي ويخرج نحو ارْمُوا وامْرُؤ وابْنُمٌ

وإنما ضموا ذلك لكراهية الانتقال من الكسرة إلى الضمة وبينهما حرف ساكن وليس في الكلام مثله كما ليس فيه فِعُلٌ فإذا كرهوا مثله والضمة عارضة للإعراب كما قالوا في اجيئك: اجوءك فما ظنك بالكسر والضم اللازمين؟ وكذا قالوا في أنْبِئُك وهو مُنْحَدِر من الجبل: أُنْبُؤُكَ ومُنْحَدُرٌ على ما حكى الخليل قال: 79 - وَقَدْ أَضْرِبُ السَّاقَيْنِ إمُّكَ هَابِلٌ (1) *

= (1) هذا شطر بيت من الطويل وهكذا وجدناه في جميع النسخ المطبوعة والمخطوطة ولم نقف له على قائل ولا تتمة وقد رواه البغدادي من غير ان ينسبه ايضا الى قائله ولم يذكر له تتمة الا انه رواه هكذا: * وقال اضرب الساقين إمك هابل * فجعل (قال) بدل قد وجعل (اضرب) فعل امر مع انها في رواية المؤلف فعل مضارع.

وقد استشهد المؤلف بالبيت على انهم اتبعوا الثاني للاول فكسروا همزة (امك) اتباعا للكسرة قبلها كما اتبعوا الاول للثاني في الامثلة التى ذكرها وهو على رواية المؤلف يكون من قبيل اتباع البناء للبناء ولكن ابن جنى قد استشهد بالبيت على انهم قد يتبعون حركة الاعراب لحركة البناء حيث قال في المحتسب عند الكلام على قراءة من قرأ (الحمْدِ لله) بكسر الدال إتباعاً لكسرة اللام: (ومثل هذا في اتباع الاعراب البناء ما حكاه صاحب الكتاب في قول بعضهم * وقال: اضرب الساقين امك هابل *

ص: 262

بكسر ضم الهمزة إتباعاً لكسر نون الساقين كما انبعوا الأول الثاني في أُنْبُؤُكَ ومثله قوله تعالى (في امها)(1) بكسر الهمزة في بعض القراءات

وقولهم: وَيْلِمِّها (2) بكسر اللام أصله: وَيْ لأُمِّها حذفت الهمزة شاذاً:

= كسر الميم لكسرة الهمزة) اه كلام ابن جنى وقد رجعنا الى كتاب سيبويه فوجدنا فيه (ح 2 ص 272) ما نصه: (واعلم ان الالف الموصولة فيما ذكر في الابتداء مكسورة ابدا الا ان يكون الحرف الثالث مضموما فتضمها وذلك قولك: اقتل استضعف احتقر احر نجم وذلك انك قربت الالف من المضموم إذ لم يكن بينهما الا ساكن فكر هوا كسرة بعدها ضمة وارادوا ان يكون العمل من وجه واحد كما فعلوا ذلك في مذ اليوم يافتي وهو في هذا اجدر لانه ليس في الكلام حرف اوله مكسور والثانى مضموم وفعل هذا به كما فعل بالمدغم إذا اردت ان ترفع لسانك من موضع واحد وكذلك ارادوا ان يكون العمل من وجه واحد ودعاهم ذلك الى ان قالوا: انا اجوءك وانبؤك وهو منحدر من الجبل انبأ نا بذلك الخليل وقالوا ايضا: لامك وقالوا: اضرب الساقين امك هابل فكسرهما جميعا كما ضم في ذلك) اه ومن هذا تعلم امرين: الاول، انه لم يجعل قوله: وقالوا اضرب

الخ بيتا من الشعر بخلاف ما صنع المؤلف وابن جنى والثانى: انه قد جعل الميم من (امك) مكسورة كما فعل ابن جنى بخلاف ما يظهر من كلام المؤلف حيث جعل الاستشهاد بالبيت على كسر الهمزة اتباعا لكسر نون الساقين ولم يتعرض لحركة الميم وذلك الصنيع منه يدل على ان حركة الميم باقية على اصلها وهو الضم (1) هذا بعض آية من سورة القصص وهي (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في امها رسولا بتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى الا واهلها ظالمون)(2) قال في اللسان: (ورجل ويلمه وويلمه (بكسر اللام في الاولى وضمها

في الثانية) كقولهم في المستجاد: ويلمه يريدون ويل امه كما يقولون: لاب لك يريدون لا اب لك فركبوه وجعلوه كالشئ الواحد

ثم قال: وفى الحديث = (*)

ص: 263

إما بعد إتباع حركتها حركة اللام أو قبله وأما قولهم: ويلمها - بضم اللام

= في قوله لابي بصير (ويلمه مسعر حرب) تعجبا من شجاعته وجرأته واقدامه ومنه حديث على (ويلمه كيلا بغير ثمن لو ان له وعى) أي يكيل العلوم الجمة بلا عوض الا انه لا يصادف واعيا وقيل: وى كلمة مفردة ولامه مفردة وهى كلمة تفجع وتعجب وحذفت الهمزة من امه تخفيفا والقيت حركتها على اللام وينصب ما بعدها على التمييز والله اعلم) اه وقال الشهاب الخفاجى في شفاء الغليل (ص 238 الطبعة الوهبية) : (ويلمه: اصله للدعاء عليه ثم استعمل في التعجب مثل قاتله الله وكذا وقع في الحديث كما في الكرماني وفى المقتضب لابن السيد (يريد الاقتضاب شرح ادب الكتاب: انظره (ص 365)) يروى بكسر اللام وضمها فمن كسر اللام ففيه ثلاثة اوجه: احدها ان يكون ويل امه بنصب ويل واضافته الى الام ثم حذف الهمزة لكثرة الاستعمال وكسرت لامه اتباعا لكسرة ميمه والثانى ان يكونوا ارادوا ويل لامه برفع ويل على الابتداء ولامه خبر وحذفت لام ويل وهمزة ام كما قالوا: ايش لك يريدون أي شئ لك واللام المكسورة لام الجر والثالث ان يريدوا (وى) التى في قول عنترة: ولقد شفى نفسي وابرأ مقمها * قول الفوارس ويك عنتر اقدم فيكون على هذا قد حذفت همزة ام لا غير واللام جارة وهذا احسن الوجوه لانه اقل للحذف همزة ام لاغير واللام جارة وهذا احسن الوجوه لانه اقل للحذف والتغيير واجاز ابن جنى ان تكون اللام المسموعة

لام ويل على ان تكون حذفت همزة ام ولام الجر وكسر لام ويل اتباعا لكسرة الميم وهو بعيد جدا واما من رواه بضم اللام فان ابن جنى اجاز فيه وجهين احدهما انه حذفت الهمزة واللام والقيت ضمة الهمزة على لام الجر كما حكى عنهم (الحمد لله) بضم لام الجر وهي قراءة ابراهيم بن ابى عبلة الشامي والثانى: ان يكون حذف الهمزة ولام الجر وتكون اللام المسموعة هي لام ويل لا لام الجر وقال الامام المرزوقى: الاختيار في ويل إذا اضيف باللام الرفع وإذا اضيف بغير اللام النصب يقولون.

ويل لزيد وويل زيد فاما قولهم: ويلمه فقد حذفت الهمزة من امه فيه حذفا لكثرته على السنتهم ولا = (*)

ص: 264

فيجوز أن يكون أصله وَيْ لامها فخذفت الهمزة بعد نقل ضمتها على لام الجر وهو شاذ عَلَى شاذ ويجوز أن يكون الأصل ويل امها فخذفت الهمزة شاذاً.

ويدخل في قوله (إلَاّ فِيمَا بَعْدَ سَاكِنِهِ ضَمَّةٌ أصلية) كل ماض لم يسم فاعله من الأفعال المذكورة نحو اقْتُدِر عليه وانطُلِق به قيل: وقد تكسر همزة الوصل قبل الضمة نحو اِنْصُر واِقْتُدِر عليه وليس بمشهور وإذا جاءت همزة مضمومة قبل ضمة مشمة كما في اخْتِير وانقِيد أُشِمَّت ضمتُها أيضاً كسرة وإنما فتحت مع لام التعريف وميمه لكثرة استعمالها فطلب التخفيف بفتحها وفُتِحَتْ في ايْمُن لمناسبة التخفيف لأن الجملة القَسَمِيَّة يناسبها التخفيف إذ هي مع جوابها في حكم جملة واحدة ألا ترى إلى حذف الخبر في (ايمن) و (لَعَمْرك) وجوباً وحذف النون من ايْمُنُ؟ وحكى يونس عن بعض العرب كسر همزة ايْمُنُ وَايْم قال: (وَإثْبَاتُهَا وَصْلاً لَحْنٌ وَشَذ فِي الضَّرُورَةِ وَالْتَزَمُوا جَعْلَهَا ألِفاً لَا بَيْنَ بَيْنَ عَلَى الأَفْصَحِ في نحو الحسن وآيْمُنُ الله يَمِينُك؟ لِلَّبْسِ)

أقول: قوله (شذ في الضرورة) كقوله: 80 - إِذَا جَاوزَ الإِثْنَيْنِ سِرٌّ فإنه بنث وتكثير الوشاة قمين (1)

= يجوز ان تكون الضمة في اللام منقولة إليها من الهمزة لان ذلك يفعل إذا كان ما قبلها ساكنا كقولك من بوه (بحذف همزة ابوه بعد نقل حركتها الى نون من) وإذا كان كذلك فقد ثبت انها غيرها والشئ إذا خفف على غير القياس يجرى على المألوف فيه) اه (1) البيت من قصيدة لقيس بن الخطيم وقبل البيت المستشهد به: أجُودُ بِمَضْنُونِ التِّلَادِ وَإنَّنِي * بِسِرِّكِ عَمَّنْ سَالَنِي لضنين = (*)

ص: 265

فإذا كان قبلها مالا يحسن الوقف عليه وجب في السعة حذفها إلا أن تقطع كلامك الأول وإن لم تقف مراعياً حكم الوقف بل لعذر من انقطاع النفَس وشبهه وقد فعل الشعراء ذلك في أنصاف الابيات لانها مواضع الفصل وانما يبتدؤن بعد قطع نحو قوله: 81 - وَلَا تُبَادِرُ في الشتاء وليدنا القدر تنزلها بغير جعال (1)

= وبعده: وَإنْ ضَيَّعَ الإخْوَانُ سِرّاً فَإنَّنِي * كَتُومٌ لأَسْرَارِ العشير امين والتلاد: المال القديم والنث - بنون فمثلثة -: مصدر نث الحديث ينثه إذا افشاه ويروى بدله (ببث) بباء موحدة فمثلثة وهو مصدر بث الخبر يبثه إذا نشره والوشاة: جمع واش وهو النمام الذي يزين الكلام ويحسنه عند نقله للافساد بين المتحابين وقمين: معناه؟ ؟ وخليق وحرى والباء في بنث

أو ببث متعلقة بقمين والاستشهاد بالبيت على ان اثبات همزة الوصل في الدرج شاذ في الضرورة ونظير البيت المستشهد به قول جميل: الا لا ارى اثنين احسن شيمة * على حدثان الدهر منى ومن جمل وقول حسان رضى الله تعالى عنه: لتسمعن وشيكا في دياركم * الله اكبر يا ثارات عثمانا وقول الاخر لا نسب اليوم ولا خلة * اتسع الخرق على الراقع وقد روى بيت الشاهد (إذا جاوز الخلين

الخ) وكذلك روى بيت جميل (الا لا ارى خلين

الخ) وعلى هذه الرواية لا شاهد فيهما (2) قد نسب ابن عصفور هذا البيت للبيد العامري الصحابي رضى الله عنه وقبله: ياكنة ما كنت غير لئيمة * للضيف مثل الروضة المحلال = (*)

ص: 266

قوله (وقد التزموا جعلها ألفاً لا بين بين) قد مر في باب التقاء الساكنين

= ما ان تبيتنا بصوت صلب * فيبيت منه القوم في بلبال والكنة - بفتح الكاف وتشديد النون -: زوج الابن و (ما) يحتمل ان تكون زائدة ابهامية تفيد الفخامة أو الحقارة ويكون ما بعدها خبر مبتدأ محذوف ويحتمل ان تكون استفهامية مبتدأ ويكون كنة التى بعدها خبرا وغير لئيمة صفته والروضة: البستان الحسن والمحلال: التى تحمل المار بها على الحلول حولها للنظر الى حسنها والصلب - بصم الصادو تشديد اللام مفتوحة -: الشديد والبلبال: الحزن والمراد بالشتاء زمن الشدة والقحط والوليد: يطلق على الصبي وعلى الخادم ايضا والجعال - بكسر الجيم -: الخرقة التى تنزل بها القدر والضمير في تبادر يعود الى الكنة ووليدنا مفعول لتبادر ويجوز في القدر

الرفع على الابتداء وما بعده خبر والنصب على الاشتغال والمراد من البيت مدح الكنة بعدم الشره للطعام فهى لا تسبق الوليد الى الطعام ولا تسرع في انزال القدر حتى تنزلها بغير خرقة.

والاستشهاد بالبيت في قوله (القدر) حيث قطع الشاعر همزة الوصل لضرورة الشعر وقد انشد سيبويه البيت على غير الوجه الذي انشده عليه المؤلف قال في الكتاب (ح 2 ص 274) : (واعلم ان هذه الالفات الفات الوصل تحذف جميعا إذا كان قبلها كلام الا ما ذكرنا من الالف واللام في الاستفهام وفى ايمن في باب القسم لعلة قد ذكرناها فعل ذلك بها في باب القسم حيث كانت مفتوحة قبل الاستفهام فخافوا ان تلتبس الالف بالف الاستفهام وتذهب في غير ذلك إذا كان قبلها كلام الا ان تقطع كلامك وتستأنف كما قالت الشعراء في الانصاف لانها مواضع فصول فأنما ابتداؤها بعد قطع قال الشاعر: ولا يبادر في الشتاء وليدنا * القدر ينزلها بغير جعال) اه وقال الاعلم الشنتمرى في شرحه للبيت: (الشاهد فيه قطع الف الوصل من قوله (القدر) ضرورة وسوغ ذلك ان الشطر الاول من البيت يوقف عليه ثم يبتدأ ما بعده فقطع على هذه النية وهذا من اقرب الضرورة يقول: إذا اشتد الزمان فوليدنا لا يبادر القدر حسن ادب والجعال: خرفة تنزل بها القدر) اه (*)

ص: 267

أن للعرب في مثله مذهبين: الأفصح جعل همزة الوصل ألفاً والثاني جعلها بين بين كقوله: 82 - أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أنَا أبْتَغِيهِ * أمِ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي (1) قوله (للبس) يعني التزموا احد الشئيئن ولم يحذفوا للبس إذ لو حذفوا

التبس الاستخبار بالخبر إذ همزة الوصل في الموضعين مفتوحة كهمزة الاستفهام بخلاف نحو (أَصْطَفَى البنات) ؟ وقوله: 83 - أسْتَحْدَثَ الرَّكْبُ مِنْ أشْيَاعِهِمْ خبرا (2)

(1) هذا البيت من قصيدة طويلة للمثقب العبدى اوردها المفضل في المفضليات وقبله: وَمَا أدْرِي إذَا يَمَّمْتُ امرا * اريد الخير ايهما يلينى ويممت: قصدت وجملة (اريد الخير) حال من فاعل يممت وجملة (ايهما يلينى) سدت مسد مفعولي ادرى وقوله (االخبر) بدل من (أي) في قوله (ايهما يلينى) ولذلك قرن بهمزة الاستفهام لان البدل من اسم الاستفهام يقترن بالهمزة.

والاستشهاد بالبيت على انهم إذا ادخلوا همزة الاستفهام على همزة الوصل المفتوحة فقد يجعلونها بين بين: أي بين الهمزة وبين حرف حركتها وحركتها هنا فتحة فتجعل بين الهمزة والالف والمثقب: اسم فاعل من ثقب - بالثاء المثلثة وتشديد القاف: لقب الشاعر واسمه محصن (كمنبر) بن ثعلبة ولقب بالمثقب لقوله في هذه القصيدة: رددن تحية وكنن اخرى * وثقبن الوصاو ص للعيون والوصاوص: البراقع الصغار يريد انهن حديثات الاسنان فبراقعهن صغار وقد قال في هذه القصيدة أبو عمرو بن العلاء: (لو كان الشعر كله على هذه القصيدة لوجب على الناس ان يتعلموه)(4) هذا الشاهد صدر بيت من قصيدة طويلة لذي الرمة وعجزه: * أو راجع القلب من اطرابه طرب * = (*)

ص: 268

فإن اختلاف حركتي الهمزتين رافع للبس بعد حذف همزة الوصل

قال: (وَأَمَّا سُكُونُ هَاءٍ وَهْوَ ووهى وَفَهْوَ وَفَهْيَ [ولَهْوَ وَلَهْيَ] فَعَارِضٌ فَصِيحٌ وَكَذَلِكَ لَامُ الأَمْرِ نَحْوُ وَلْيُوفُوا وشبِّهَ بِهِ أهْوَ وأهْيَ وثُمَّ لْيَقْضُوا.

وَنَحْوُ أن يُمِلَّ هْوَ قَلِيلٌ) .

أقول: قد ذكرنا جميع هذا الفصل في فصل رد الأبنية بعضها إلى بعض في أول الكتاب (1) يعني المصنف أن أوائل هُوَ وهِيَ مع واو العطف وفائه وهمزةِ الاستفهام وكذا لام الأمر التي قبلها واو أو فاء تسكن فكان القياس أن يجتلب لها همزة الوصل لكنها انما لم تحتلب لعروض السكون وليس هذا بجواب مَرْضيّ لأن هذا الإسكان بناء على تشبيه أوائل هذه الكلم بالأوساط فنحو وهُوَ وَفَهْوَ مشبه بعَضُد ونحو وَهْيَ وَفَهْيَ مشبه بكَتِف وكذا القول في (وَلْيُوفُواْ) فلم يسكنوها الا لجعلهم اياها كوسط الكلمة فكيف تجتلب لما هو كوسط الكلمة همزة وصل؟ وهب أنه ليس كالوسط أليس غير مبتدأ به؟ وأليس السكون العارض أيضاً في أول الكلمة يجتلب له همزة الوصل إذ ابتدئ بها؟ ألا ترى أنك تقول: اسم مع أنه جاء سُمٌ وكذا است وسَت؟ فكان عليه أن يقول: لم تجتلب الهمزة لأنها انما تجتلب إذا ابتدئ بتلك الكلمة كما ذكرنا وهذا السكون في هذه الكلمات إنما يكون إذا تقدمها شئ ووجه تشبيههم

= وقبل البيت المذكور مطلع القصدة وهو: مَا بَالُ عَيْنِكَ مِنْهَا الْمَاءَ يَنْسَكِبُ * كأنَّهُ مِنْ كُلىً مَفْرِيَّةٍ سرب والركب: اصحاب الابل الاشياع: الاصحاب والطرب: استخفاف القلب في فَرَح أو في حزن يريد أبكاؤك وحزنك لخبر حدث أم راجع قلبك طربٌ؟ والاستشهاد بالبيت على ان همزة الاستفهام إذا دخلت على همزة وصل غبر مفتوحة فأن همزة الوصل تحذف حينئذ.

لعدم اللبس لان اختلاف حركتي الهمزتين رافع للبس بعد حذف الوصل

(1)

انظر (ج 1 ص 45)(*)

ص: 269

لا وائلها بالوسط عدم استقلال ما قبلها واستحالة الوقف عليه وقولك أهُوَ وأهِيَ؟ أقل استعمالاً من وَهُوَ وفَهُوَ ووَهِيَ وفَهِيَ فلهذا كان التخفيف فيه أقل وقولك: لَهُوَ وَلَهِيَ مثل فَهُوَ وَفَهِيَ يجوز تخفيف الهاء فيه على ما قرئ به في الكتاب العزيز وأما نحو لِيَفْعَلَ - بلام كي - فلم يجز فيه التخفيف لقلة استعمالها وتحريك هاء وهي بعد اللام وبعد الواو والفاء وكذا تحريك لام الأمر بعدهما هو الأصل قال سيبويه: وهو جيد بالغ وقرأ الكسائي وغيره (ثم ليقضوا تفثهم) بإسكان لام الأمر على تشبيه ثم بالواو والفاء لكونها حرف عطف مثلهما واستقبح ذلك البصريون لأن ثم مستقلة يوقف عليها وقرئ في الشواذ (أنْ يُمِلَّ هْوَ) بإسكان الهاء يُجعل (لهو) كعَضُد وهو قبيح لأن يمل كلمة مستقلة ولا يمكن تشبيهها بحرف العطف كما شبه به ثم وقوله: * فَبَات مُنْتَصْبًا وَمَا تَكَرْدَسَا (1) * أولى من مثله لكونه في كلمة واحدة.

قوله (فصيح) أي: يستعمله الفصحاء بخلاف (أن يُمِلِّ هْوَ) ونحو قوله (باتَ مُنْتَصْبًا) وذلك لكثرة الاستعمال في الأول قوله (وشبه به أهو) لكون الهمزة على حرف وإن لم يكثر استعمالها مع هو وهي كاستعمال الواو والفاء معهما فلهذا كان التخفيف في أهُوَ وأهِيَ اقل

(1) قد تقدم الكلام في شرح هذا البيت (ح 1 ص 45) .

وقد استشهد به هنا على ان التخفيف بالاسكان في (منتصبا) اولى من التخفيف بالاسكان في (ان يمل هو) لان الاول في كلمة واحدة والثانى في كلمتين مع ان الكل شاذ (*)

ص: 270