الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الْوَقْفُ:
قَطْعُ الْكَلِمَةِ عَمَّا بَعْدَهَا وَفِيهِ وُجُوهٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي الحسن (الوقف) والمحل فالاسكان المُجَرَّدُ فِي المُتَحَرِّكِ وَالرَّوْمُ فِي المُتَحَرِّكِ وَهُوَ أنْ تَأْتِي بِالْحَرَكَةِ خَفِيَّةً وَهُوَ فِي المَفْتُوحِ قَلِيلٌ وَالإشْمَامُ في الْمَضْمُومِ وَهُوَ أن تَضُمَّ الشفتين بعد الاسكان) أقول: قوله (قطع الكلمة عما بعدها) أي: ان تسكت على آخرها قاصداً لذلك مختارا لجعلها آخر الكلام سواء كان بعدها كلمة أو كانت آخر الكلام فيدخل فيه الرَّوْم والإشمام والتضعيف وغير ذلك من وجوه الوقف ولو وقفت عليها ولم تراع أحكام الوقف التي نذكرها كما تقف على آخر زيد مثلاً بالتنوين لكنت واقفاً لكنك مخطئ في ترك حكم الوقف فالوقف ليس مجرد إسكان الحرف الأخير وإلا لم يكن الرَّوْم وقفاً وكان لفظ مَنْ في مَنْ زَيد موقوفاً عليه مع وصلك إياه بزيد قوله (عما بعدها) يوهم أنه لا يكون الوقف على كلامة الا وبعدها شئ ولو قال: السكوت على آخر الكلمة اختياراً لجعلها آخر الكلام - لكان أعم قوله (وفيه وجوه مختلفة في الحسن) أي: في الوقف وجوه يعني بها أنواع أحكام الوقف وهي: الإسكان والرَّوْم والإشمام والتضعيف وقلب التنوين ألفاً أو واواً أو ياء وقلب الألف واواً أو ياء أو همزة وقلب التاء هاء وإلحاق هاء السكت وحذف الواو والياء وإبدال الهمزة حرف حركتها ونقل الحركة فإن هذه المذكورات أحكام الوقف: أي السكوت على آخر الكلمة مختاراً لتمام الكلام ونعني بالحكم ما يوجبه الشئ فإن الوقف في لغة العرب يوجب أحد هذه الأشياء قوله (وجوه مختلفة في الحسن) أي: هذه الوجوه متفاوتة في الحسن فبعضها أحسن
من بعض كما يجئ من أن قلب الألف واواً أو ياء أو همزة ضعيف وكذا نقل الحركة والتضعيف وقد يتفق وجهان أو أكثر في الحسن كالإسكان وقلب تاء التأنيث هاء
قوله (والمحل) يعني به محالَّ الوجوه المذكورة وهي ما يذكره المصنف بعد ذكر كل وجه مصدرا بفى كقوله: الإسكان المجردُ في المتحرك والرَّوْمُ في المتحرك فقوله (الإسكان المجرد والروم) وجهان للوقف وقوله (المتحرك) محل هذين الوجهين إذ يكونان فيه دون الساكن وكذا قوله (إبدال الألف في المنصوب المنون) إبدال الألف وجه والمنصوب المنون محله وهلم جَرًّا إلى آخر الباب فهذه الوجوه مختلفة في المحل: أي لكل وجه منها محل آخر ثبت فيه وقد يشترك الوجهان أو أكثر في محل: واحد كاشتراك الإسكان والرَّوْم في المتحرك قوله (فالإسكان المجرد) أي: الإسكان المحض بلا رَوْم ولا إشمام ولا تضعيف والإسكان في الوقف أكثر في كلامهم من الرَّوْم والإشمام والتضعيف والنقل ويجوز في كل متحرك إلا في المنصوب المنون فإن اللغة الفاشية فيه قلب التنوين ألفاً وربيعة يجيزون إجراءه مجرى المرفوع والمجرور قال 84 - وآخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍ عُصُمْ (2) وإن كان آخر الكلمة ساكناً فقد كفيت مؤونة الإسكان نحو كم
(1) هذا عجز بيت من قصيدة للأعشى ميمون مدح بها قيس بن معدي كرب وصدره: * إلَى الْمَرْءِ قَيْسٍ أُطِيلُ السُّرَى * والسرى: السير ليلا والحي: القبيلة والْعُصُم: مفعول آخذ وهو بضمتين جمع عصام والعصام يطلق في الاصل على وكاء القربة وعلى عروتها ايضا
والمراد به هنا العهد يعنى انه ياخذ من كل قبيلة يمر بها عهدا الا يؤدوه لأن له في كل قبيلة أعداء ممن هجاهم أو ممن يكره ممدوحه فيخشى الاذى منهم فيأخذ العهد ليصل سالما الى ممدوحه.
والاستشهاد بالبيت على ان (عصما) وقف عليه بالسكون في لغة ربيعة لانهم يجيزون تسكين المنصوب المنون في الوقف (*)
ومَنْ فلا يكون معه وجه من وجوه الوقف بل تقف بالسكون فقط بالسكون فقط ولو قيل إن سكون الوقف غير سكون الوصل لم يبعد كما قيل في نحو هِجَانٍ (1) وفُلْكِ (2) وإذا كان آخر الكلمة تنويناً لم يعتد بسكونه ولم يكتف به في
(1) قال ابن سيده: (والهجان من الابل البيضاء الخالصة اللون والعتق من نوق هجن وهجائن وهجان.
فمنهم من يجعله من باب جنب ورضا (يريد أنه مما يستوى فيه الواحد وغيره) ومنهم من يجعله تكسيرا وهو مذهب سيبويه وذلك ان الالف في هجان الواحد بمنزلة الف ناقة كناز وامرأة ضناك والالف في هجان الجمع بمنزلة الف ظراف وشراف وذلك لان العرب كسرت فعالا على فعال كما كسرت فعيلا على فعال وعذرها في ذلك ان فعيلا اخت فعال الا ترى ان كل واحد منهما ثلاثى الاصل وثالثه حرف لين؟ وقد اعتقبا ايضا على المعنى الواحد نحو كليب وكلاب وعبيد وعباد؟ فلما كانا كذلك وانما بينهما اختلاف في حرف اللين لاغير ومعلوم مع ذلك قرب الياء من الالف وانها الى الياء اقرب منها الى الواو - كسر احدهما على ما كسر عليه صاحبه فقيل: ناقة هجان وأنيق هجان كما قيل: ظريف وظراف وشريف وشراف) اه (2) قال في اللسان: (الفلك - بالضم -: السفينة تذكر وتؤنث وتقع
على الواحد والاثنين والجميع فأن شئت جعلته من باب جنب وان شئت من باب دلاص وهجان وهذا الوجه الاخير هو مذهب سيبويه اعني ان تكون ضمة الفاء من الواحد بمنزلة ضمة باء برد وخاء خرج وضمة الفاء في الجمع بمنزلة ضمة حاء حمر وصاد صفر جمع احمر واصفر قال الله تعالى في التوحيد والتذكير (في الفلك المشحون) فذكر الفلك وجاء به موحدا ويجوز ان يؤنث واحده كقول الله تعالى: (جاءتها ريح عاصف) فقال (جاءتها) فانث وقال (وترى الفلك فيه مواخر) فجمع وقال الله تعالى: (والفلك التى تجرى في البحر) فانث ويحتمل ان يكون واحدا وجمعا وقال تعالى: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) فجمع وانث فكأنه يذهب بها إذا كانت واحدة الى المركب فيذكر والى = (ج، 18) = (*)
الوقف بل يحذف في الرفع والجر حتى يصير الحرف الذي قبله آخر الكلمة فيحذف حركته وإنما حذف التنوين في الرفع والجر لانك قصدت كون لكلمة في الوقف أخف منها في الوصل لأن الوقف للاستراحة ومحل التخفيف الأواخر لأن الكلمة تتثاقل إذا وصلت إلى آخرها والتنوين كحرف الكلمة الاخير من حيث كونها على حرفٍ ساكن مفيد للمعنى في الكلمة المتلوة وإن كانت في الأصل كلمة برأسها فهي: أي التنوين: إما أن تخفف بالقلب كما هو لغة أزْد السَّراة وهو قلبهم المضمومَ ما قبلها واواً والمكسورَ ما قبلها ياء وهو مكروه لأن الواو ثقيل على الجملة ولا؟ ؟ ؟ المضموم ما قبلها في الآخر وكذا الياء وإما أن تحذف فاختير الحذف على القلب وسهله كون التنوين فضلة على جوهر الكلمة في الحقيقة وإذا كان يحذف الياء المكسور ما قبلها في نحو القاضي للوقف وهي من جوهر الكلمة فما ظنك بالتنوين؟ فلما
خففت الكلمة بحذف حرف كجزئها كان تخفيفها بحذف ما هو أشد اتصالاً بها منه - أعني الضم والكسر اللذين هما جزءا الحرفين أعني الواو والياء - أولى وأما في المنصوب المنون فتخفيف الكلمة غاية التخفيف يحصل من دون حذف التنوين وذلك بقلبها ألفاً إذ الألف اخف الحروف وكذلك في المثنى وجمع سلامة المذكر يحصل التخفيف فيهما بحذف حركة النون فقط
= السفينة فيؤنث.
قال الجوهرى.
وليس هو مثل الجنب الذى هو واحد وجمع والطفل وما اشبههما من الاسماء لان فعلا وفعلا يشتر كان في الشئ الواحد مثل العرب والعرب والعجم والعجم والرهب والرهب ثم جاز ان يجمع فعل على فعل - مثل اسد واسد - ولم يمتنع ان يجمع فعل على فعل (بضم فسكون فيهما) .
قال ابن برى: إذا جعلت الفلك واحدا فهو مذكر لا غير وان جعلته جمعا فهو مؤنث لاغير وقد قيل: ان الفلك يؤنث وان كان واحدا قال الله تعالى (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) اه (*)
واعلم أن علامة اِلإسكان في الخط الخاء فوق الحرف الموقوف عليه.
وهي حرفٌ أولُ لفظ الخفيف لأن الإسكان تخفيف قوله (والرَّوْم في المتحرك) الرَّوْم الإتيان بالحركة خفية حرصاً على بيان الحركة التي تحرك بها آخر الكلمة في الوصل وذلك: إما حركات الإعراب وهم بشأنها أعْنَى لدلالتها على المعاني في الأصل وإما حركات البناء كأين وأمْسِ وقبل وعلامةُ الرَّوْم خط بين يدي الحرف هكذا: زيد - وسمي روْماً لأنك تروم الحركة وتريدها حين لم تسقطها بالكلية ويدرك الروْم الأعمى الصحيح السمع إذا استمع لأن في آخر الكلمة صُوَيتاً خفيفاً وإن كان آخر الكلمة حرفاً ساكناً قد يحذف في الوصل ويبقى ما قبله على حركته نحو يسري والقاضي
فإذا وقفت على مثله جاز لك روْمُهُ تلكَ الحركة وإن كان لا يبقى ما قبله على حركته في الوصل بعد حذفه نحو عليكُمُو وعليهِمِي لم يجز الروم على ما يجئ قوله (وهو في المفتوح قليل) إذا كان المفتوح منوناً نحو زيداً ورجُلاً فلا خلاف أنه لا يجوز فيه الرَّوْم إلا على لغة ربيعة القليلة أعني حذف نوين نحو قوله: * وآخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍ عُصُمْ * (1) وإذا لم يكن منوناً نحو رأيت الرجل وأحمد فمذهب الفراء من النحاة أنه لا يجوز روم الفتح فيه لأن الفتح لا جزء له لخفته.
وجزؤه كله وعند سيبويه وغيره من النحاة يجوز فيه الروم كما في المرفوع والمجرور قوله (والاشمام) الاشمام: تصوير الفم عند حذف الحركة بالصورة التي تعرض عند التلفُّظ بتلك الحركة بلا حركة ظاهرة ولا خفية وعلامته نُقْطة بين يدي الحرف لأنه أضعف من الرَّوْم إذ لا ينطق فيه بشئ من الحركة بخلاف الروم والنقطة أقل من الخط وعزا بعضهم إلى الكوفيين تجويز الإشمام في
(1) تقدم شرح هذا الشاهد (انظر ص 272 من هذا الجزء)(*)
المجرور والمكسور أيضاً والظاهر أنه وَهَم لم يجوزه أحد من النحاة إلا في المرفوع والمضموم لأن آلة الضمة الشفة وقصدك بالإشمام تصوير مخرج الحركة للناظر بالصورة التي يتصور ذلك المخرج بها عند النطق بتلك الحركة ليَسْتَدل بذلك على أن تلك الحركة هي الساقطة دون غيرها والشفتان بارزتان لعينه فيدرك نظره ضمهما وأما الكسرة فهي جزء الياء التي مخرجها وسطُ اللسان والفتحة جزء الألف التي مخرجها الحلق وهما محجوبان بالشفتين والسِّنِّ فلا يمكن المخاطب إدراك تهيئة المخرجين للحركتين قال: والأَكْثَرُ عَلَى أنْ لَا رَوْمَ وَلَا إشْمَامَ فِي هَاء التَّأْنِيثِ ومِيمِ
الْجَمْعِ وَالْحَرَكَةِ العارضة) اقول: لم اراحدا: لا من القراء ولا من النحاة ذكر أنه يجوز الروْم والإشمام في أحد الثلاثة المذكورة بل كلهم منعوهما فيها مطلقاً وأرى أن الذي أوهم المصنف أنه يجوز الرَّوْم والاشمام فيها قول الشاطبي - رحمه الله تعالى - بعد قوله: 85 - وَفِي هَاءِ تَأْنِيثٍ وَميم الجميع قل وَعَارِض شَكَلٍ لَمْ يَكُونَا لِيَدْخُلَا وَفِي الْهَاءِ للإضمار قوم أبوهما * ومن قبله ضم أو الكسر مثلا أو اماهما واو وياء وبعضهم * يرى لهما في كل حال محللا (1)
(1) اورد المؤلف هذه الابيات الثلاثة من كلام الشاطبي في لاميته المشهورة (الشاطبية) ليبين منشا وهم ابن الحاجب في ان بعض النحاة أو القراء جوز الروم والاشمام فِي هَاء التَّأْنِيثِ ومِيمِ الْجَمْعِ وَالْحَرَكَةِ الْعَارِضَة وذلك انه فهم في قول الشاطبي (وبعضهم يرى لهما في كل حال محللا) ان بعض القراء يجيز الروم والاشمام في كل حال من أحوال الحرف الموقوف عليه من الحروف = (*)
فظن أنه أراد بقوله (في كل حال) في هاء التأنيث وميم الجمع وعارضِ الشكل وهاء المذكر كما وهم بعض شراح كلامه أيضاً وإنما عنى الشَاطبي في كل حال من أحوال هاء المذكر فقط كما يجئ فنقول: إنما لم يجز في هاء التأنيث الروم والإشمام لأنه لم يكن على الهاء حركة فيُنَبَّه عليها بالروْم أو بالإشمام وإنما كانت على التاء التي هي بدل منها فمن ثم جازا عند من يقف على التاء بلا قلب كقوله: 86 - * بَلْ جوز تيهاء كظهر الحجف (1) *
= المذكورة ثم ذكر ان الشاطبي انما عنى بقوله: (
…
وبعضهم يرى لهما في كل حال محللا) ان بعضهم جوز الروم والاشمام في هاء الاضمار للمذكر فقط في كل حال من احوالها المذكورة في قوله (ومن قبله ضم
…
الخ) لكن يؤيد ما ذهب إليه ابن الحاجب ما ذكره البغدادي في شرح شواهد الشافية نقلا عن السمين في شرحه للشاطبية حيث قال: (وممن ذهب الى جواز الروم والاشمام مطلقا أبو جعفر النحاس وليس هو مذهب القراء وقد تحصل مما تقدم ان امر الروم والاشمام دائر بين ثلاثة اشياء: استثناء هاء التأنيث وميم الجمع والحركة العارضة وهذا اشهر المذهب الثاني: استثناء هذه الثلاثة مع هاء الكناية عند بعض اهل الاراء الثالث: عدم استثناء شئ من ذلك وهو الذى عبر عنه بقوله ((وبعضهم يرى لهما في كل حال محللا)) اه كلام السمين.
قال البغدادي: (فقوله: وهذا اشهر المذاهب) يؤيد ما حكاه ابن الحاجب من جوازهما (يريد الروم والاشمام) في الثلاثة ايضا وقول الشارح المحقق لم ار احدا من القراء ولا من النحاة ذكر انهما يجوزان في احد الثلاثة - وهم فان بعض القراء صرح بجوازهما في ميم الجمع) اه والبعض الذى عناه البغدادي هو (مكى) كما صرح به أبو شامة والسمين في شرحيهما على الشاطبية (1) هذا البيت من الرجز المشطور وقد نسبه ابن برى في اماليه على الصحاح لسؤر الذئب ضمن ابيات كثيرة وقبله: ما ضرها اما عليها لو شفت * متيما بنظرة واسعفت = (*)
وأما ميم الجمع فالأكثر على إسكانه في الوصل نحو عليكم وعليهمْ والروْم والإشمام لا يكونان في الساكن وأما من حركها في الوصل ووصلها بواو اوياء فإنما لم يرُمْ ولم يُشِمَّ أيضاً بعد حذف الواو والياء كما رام الكسرة في القاضي بعد
حذف يائه لأن تلك الكسرة قد تكون في آخر الكلمة في الوصل كقوله تعالى (يوم يدع الداع) ولم يأت عليكُمُ وإليهِمِ إذا وصلتهما بمتحرك بعدهما متحركي الميمين محذوفَيْ الصلة فكيف تُرام أو تُشَم حركةٌ لم تكن آخراً قط واما نحو (عليكم الكتاب) و (إليهم الملائكة) فإن آخر الكلمة فيها الواو والياء المحذوفتان للساكنين وما حذف للساكنين فهو في حكم الثابت هذا إن قلنا: إنهما كانا قبل اتصالهما بالساكنِ عليكُمُو وإليهِمي على ما هو قراءة ابن كثير وإن قلنا: إنهما كانا قبل ذلك عليكم واليهم - سكون الميم فيهما - فالكسر والضم إذن عارضان لأجل الساكنين والعارض لا يرام ولا يشم كما في قوله تعالى (مَن يَشَإِ الله يُضْلِلْهُ) ولقد استهزئ) لأن الروم والإشمام إنما يكونان
= وبعده: قَطعْتُها إذَا الْمَهَا تَجَوَّفَتْ * مَآزِقاً إلَى ذَرَاهَا اهدفت والجوز - بفتح الجيم وآخره زاي معجمة: الوسط والتيهاء - بتاء مثناة مفتوحة: المفازة التى يتيه فيها السالك والحجفة - بفتح الحاء المهملة والجيم والفاء: الترس وقوله (قطعتها) جواب رُبَّ المقدرة بعد بل والمها: اسم جنس جمعى واحده مهاة وهى البقرة الوحشية وتجوفت: دخلت والمأزق: جمع مَأْزِق وهو المضيق وذَرَاها - بفتح الذال المعجمة: ناحيتها واهدفت: من الاهداف وهو الدنو من الشئ والاستقبال له - يصف نفسه بالقوة والجلادة فيقول: رب مفازة يضل فيها السالك ملساء كظهر المجن قطعتها في الوقت الذى تهرب فيه ابقار الوحش الى مخابئها (*)
للحركة المقدرة في الوقف والحركة العارضة للمساكنين لا تكون إلا في
الوصل فإذا لم تقدر في الوقف فكيف ينبه عليها؟ قال: (وَإِبْدَالُ الأَلِفِ في الْمَنْصُوبِ الْمُنَوَّنِ وَفي إذَنْ وَفِي نَحْوِ اضْرِبَنْ بِخِلَاف الْمَرْفُوع وَالْمَجْرُور فِي الْوَاوِ وَالْيَاءِ عَلَى الأَفْصَحِ) أقول: المنصوب المنون تقلب نونه ألفاً لأنه لا يستثقل الألف بل تخف به الكلمة بخلاف الواو والياء لو قلبت النون إليهما في الرفع والجر والخفة مطلوبة في الوقف كما تقدم وقد ذكرنا أن ربيعة يحذفون التنوين في النصب مع الفتحة فيقفون على المنصوب كما يقفون على المرفوع والمجرور قال شاعرهم: * وآخذُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ عُصُمْ * وذلك لأن حذفها مع حذف الفتحة قبلها أخف من بقائها مقلوبةٌ ألفاً معها وأما (إذن) فالأكثر قلب نونها الفا في الوقف لأنها تنوين في الأصل كما ذكرنا في بابه (1) ومنع المازني ذلك وقال: لا يوقف عليه الا بالنون لكونه كلن
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 219) : (الذى يلوح لى في اذن ويغلب في ظنى ان اصله إذ حذفت الجملة المضاف إليها وعوض منها التنوين لما قصد جعله صالحا لجميع الازمنة الثلاثة بعد ماكان مختصا بالماضي وذلك انهم ارادوا الاشارة الى زمان فعل مذكور فقصدوا الى لفظ إذ الذى هو بمعنى مطلق الوقت لخفة لفظه وجردوه عن معنى الماضي وجعلوه صالحا للازمنة الثلاثة وحذفوا منه الجملة المضاف هو إليها لانهم لما قصدوا ان يشيروا به الى زمان الفعل المذكور دل ذلك الفعل السابق على الجملة المضاف إليها كما يقول لك شخص مثلا: انا ازورك فتقول: اذن اكرمك: أي إذ تزورني اكرمك: أي وقت زيارتك لى اكرمك: وعوض التنوين من المضاف إليه لانه وضع في الاصل لازم الاضافة فهو ككل وبعض الا انهما معربان واذ مبنى فاذن على ما تقرر صالح للماضي.
كقوله:
(اذن لقام بنصري
…
) = (*)
وأن من نفس الكلمة وأجاز المبرد الوجهين فمن قلبها ألفاً كتبها به وإلا فبالنون وذلك لأن مبنى الخط على الابتداء والوقف كما يجئ قوله (وفي نحو اضربن) يعني به نون التأكيد المخففة ما قبلها وعلة قلبها ألفاً إذا انفتح ما قبلها وحذفها إذا انضم أو انكسر ما قلنا في التنوين سواء قوله (بخلاف المرفوع والمجرور في الواو والياء) عبارة ركيكة ولو قال بخلاف الواو والياء في المرفوع والمجرور لكان أوضح يعني لا يقلب تنوين المرفوع واواً وتنوين المجرور ياء كما قلبت تنوين المنصوب ألفاً لأداء ذلك إلى الثقل في موضع الاستخفاف وإذا كانوا لا يجيزون مثل الأَدْلُو مطلقاً ويجيزون حذف ياء مثل القاضي في الوصل والواو والياء فيهما أصلان فكيف يفعلون في الوقف الذي هو موضع التخفيف شيئاً يؤدي إلى حدوث واو وياء قبلهما ضمة وكسرة؟ وزعم أبو الخطاب أن أزد السراة يقولون: هذا زيدُو ومررت بزيدي كما يقال: رأيت زيدَا حرصًا على بيان الاعراب قال: (ويُوقَفُ على الألف في بَابِ عَصاً ورَحًى باتِّفَاقٍ) أقول: اختلف النحاة في هذا الألف في الوقف فنُسب إلى سيبويه أنها في حال الرفع والجر لام الكلمة وفي حال النصب ألف التنوين قياساً على الصحيح وليس ما عزى إليه مفهوماً من كلامه لأنه قال (1) : (وأما الألِفات التى
= وللمستقبل نحو جئتني اذن اكرمك وللحال نحو اذن اظنك كاذبا واذن ههنا هي إذ في نحو قولك حينئذ ويومئذ.
الا انه كسر ذلك في نحو حينئذ ليكون في صورة ما اضيف إليه الظرف المقدم وإذا لم يكن قبله ظرف في صورة المضاف فكسره نادر كقوله:
نهيتك عن طلا بك ام عمرو * بعاقبة وانت إذ صحيح والوجه فتحه ليكون في صورة ظرف منصوب لان معناه الظرف) اه (1) لم يذكر المولف عبارة سيبويه بنصها وانما ذكر مفادها واليك = (*)
تذهب في الوصل فانها لا تحذف في الوقف لأن الفتحة والألف أخف ألا ترى أنهم يفرون من الواو والياء المفتوح ما قبلهما إلى الألف؟ وقد يفر إليه في الياء المكسور ما قبلها نحو دُعَا وَرُضَا) .
وقال أيضاً: (إنهم يخففون عَضُداً وَفَخِذاً بحذف حركتي عينيهما ولا يحذفون حركة عين جَمَلٍ) قال السيرافي - وهو الحق -: (هذا الموضع يدل على أن مذهب سيبويه أن الألف التي تثبت في الوقف هي التي كانت في الوصل محذوفة) أقول: معنى كلام سيبويه أنك إذا قلت (هذا قَاضْ) و (مررت بقَاضْ) فإنك تحذف في الوقف الياء التي حذفتها في الوصل للساكنين وإن زال أحد الساكنين وهو التنوين وذلك لعروض زواله إذ لو لم يحذف الياء والكسرة في الوقف
= العبارة قال (ج 2 ص 290) : (وأما الألِفات التي تذهب في الوصل فإنها لا تحذف في الوقف لأن الفتحة والألف أخف عليهم الا تراهم يفرون من الياء والواو إذا كانت العين قبل واحد منهما مفتوحة وفروا إليها في قولهم: قد رضا (ماض مبنى للمجهول) ونها (مثله) وقال الشاعر وهو زيد الخيل أفى كل عام مأتم تبعثونه * على محمر ثويتموه وما رضا وقال طفيل الغنوى: * ان الغوى إذانها لم يعتب * ويقولون في فخذ: فخذ وفى عضد: عضد ولا يقولون في جمل: جمل ولا يخففون لان الفتح اخف عليهم والالف (انظر: ج 1 ص 43 وما بعدها
من كتابنا هذا) فمن ثم لم تحذف الالف إلا ان يضطر شاعر فيشبهها بالياء لأنها أختها وهي قد تذهب مع التنوين قال الشاعر - حيث اضطر - وهو لبيد: وقبيل من لكيز شاهد رهط مرجوم ورهط ابن المعل يريد المعلى) اه = (*)
لبقيت الكلمة في حال الوقف على وجه مستثقل عندهم مع كونها اخف مما كانت في الوصل لأن الياء على كل حال أخف من التنوين
= وقد ذكر أبو حيان في الارتشاف هذه المذاهب ونسبها لاصحابها فقال: (والمقصور المنون يوقف عليه بالألف وفيه مذاهب: احدها: ان الالف بدل من التنوين واستصحب حذف الالف المنقلبة وصلا ووقفا وهو مذهب ابى الحسن والفراء والمازني وابى على في التذكرة.
والثانى: انها الالف المنقلبة لما حذف التنوين عادت مطلقا وهو مروى عن ابى عمرو والكسائي والكوفيين وسيبويه فيما قال أبو جعفر الباذش.
والثالث: اعتباره بالصحيح فالالف في النصب بدل من التنوين وفى الرفع والجر هي بدل من لام الفعل وذهب إليه أبو على في احد قوليه ونسبه اكثر الناس الى سيبويه ومعظم النحويين) اه وقال ابن يعيش في شرح المفصل: (وقد اختلفوا في هذه الالف (يريد الف المقصور المنون) فذهب سيبويه الى انه في حال الرفع والجر لام الكلمة وفى حال النصب بدل من التنوين وقد انحذفت الف الوصل واحتج لذلك بان المعتل مقيس على الصحيح وانما تبدل من التنوين في حال النصب دون الرفع والجر وبعضهم يزعم ان مذهب سيبويه انها لام الكلمة في الاحوال كلها قال السيرافى: وهو المفهوم من كلامه وهو قوله (اما الالفات التى تحذف
في الوصل فانها لا تحذف في الوقف) .
ويؤيد هذا المذهب انها وقعت رويا في الشعر في حال النصب نحو قوله: ورب ضيف طرق الحى سرى * صادف زادا وحديثا ما اشتهى فالف (سرى) هنا روى ولا خلاف بين اهل القوافى في ان الالف المبدلة من التنوين لا تكون رويا.
وقال قوم - وهو مذهب المازنى -: انها في الاحوال كلها بدل من التنوين وقد انحذفت الف الوصل واحتجوا بان التنوين انما ابدل منه الالف في حال النصب من الصحيح لسكونه وانفتاح ما قبله وهذه العلة موجودة في المقصور في الاحوال كلها وهو قول لا ينفك عن ضعف لانه قد جاء عنهم (هذا فتى) بالامالة ولو كانت بدلا من التنوين لما ساغت فيها الامالة إذا لا سبب لها) اه (*)
وأما الألف المحذوفة في المقصور في الأحوال الثلاث للساكنين فإنك تردها في حال الوقف في الأحوال الثلاث لزوال الساكن الأخير: أي التنوين لأن الألف أخف من كل خفيف فاعتبرت زوال التنوين في المقصور مع عروضه لأن اعتباره كان يؤدي إلى كون حال الوقف على وجه مستثقل وقد رأيت كيف عَمَّم سيبويه علة رد الألف التي هي اللام حالات الرفع والنصب والجر لأنها كانت محذوفة في الحالات الثلاث للساكنين ولا يعطى كلام سيبويه ما نُسب إليه لا تصريحاً ولا تلويحاً وما نسب إليه مذهب أبي علي في التكملة وأقصى ما يقال في تمشيته أن يقال: إن فتى في قولك في الوقف (جاءني فتى) و (مررت بفتى) و (رأيت فتى) كان في الأصل فَتَيٌ وفَتَي وَفَتياً حذف التنوين في الرفع والجر كما يحذف في الصحيح وسكن اللام للوقف ثم قلبت ألفاً لعروض السكون فكأنها متحركة مفتوح ما قبلها وأما
في حالة النصب فقد قلبت التنوين ألفاً للوقف ثم قلبت اللام ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت الألف الأولى للساكنين كما هو حق الساكنين إذا التقيا وأولهما مد وهذا كله خبط لأنك وقفت على الكلمة ثم أعللتها ونحن نعرف أن الوقف عارض للوصل والكلمة في حال الوصل مُعَلَّة بقلب لامها ألفاً وحذفها للساكنين فلم يبق في المقصور إذن في الوقف إلا مذهبان: أحدهما أنك إذا حذفت التنوين رددت اللام الذي حذفته لأجله مع عروض حذف التنوين وذلك لاستخفاف الألف والفتحة كما ذكر سيبويه واستدل السيرافي على كون الألف لام الكلمة في الأحوال بمجيئها رويا في النصب قال: 87 - وَرُبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الْحَيِّ سرى صادف زادا وحديثا ما اشتهى
* إنَّ الْحَدِيثَ جَانِبٌ مِنَ الْقِرَى (1) * ولايجوز (زَيْداً) مع (مَحْيَى) لما ثبت في علم القوافي وأيضاً فإنها تمال في حال النصب كقوله تعالى (واتحذوا من مقام ابراهيم مصلى) وامالة الف التنوين فليلة كما يجئ في بابها وأيضاً تكتب ياء وألف التنوين تكتب ألفاً والمذهب الثاني انك لاترد الالف المحذوفة لانك التنوين الموجب لحذفها بل تقلبها في الأحوال الثلاث الفاً لوقوعها في الأحوال بعد الفتحة كما قلبتها ألفاً في (زيداً) المنصوب لأن موقعها في الأحوال الثلاث مثل موقع تنوين زيداً المنصوب بل هنا القلب أولى لأن فتحة (زيداً) عارضة إعرابية والفتحة في المقصور لازمة.
وهذا المذهب لابن بُرْهَان ويُنْسَب إلى أبي عمرو بن
الْعَلَاء والكسائي أيضاً.
والأول أولى لما استدل به السيرافي.
وأما المقصور المجرد من التنوين فالألف الذي في الوقف هو الذى هو الذي كان فيه في الوصل بلا خلاف كأعلى والفتى وقد يحذف ألف المقصور اضطراراً قال:
(1) هذه ابيات من الرجز المشطور يقولها الشماخ بن ضرار الغطفاني في عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وقد اختارها أبو تمام في باب الأضياف والمديح من ديوان الحماسة وقبلها قوله: إنَّكَ يَابْنَ جَعْفَرٍ خَيْرُ فَتَى * وَنِعْمَ مَأْوَى طَارِقٍ إذَا أتَى والاستشهاد بما ذكره المؤلف على ان الالف من المقصور لام الكلمة في الاحوال كلها لانها وقعت رويا وليست مبدلة من التنوين في الوقف لانها المنصوب في الروى ايضا وكان يقع مثل رايت زيدا مع مثل رايت الفتى في قصيدة واحدة وهو مما لا يقول به احد فثبت ان الالف في (سرى) وفى (اشتهى) وفى (القرى) هي لام الكلمة كما قدمنا (*)
88 -
وقبيل من لكثير شاهد * رهط مرجوم ورهط ابن الْمُعَلْ (1) قال: (وَقَلْبُهَا وَقَلْبُ كُلِّ ألِفٍ هَمْزَةً ضَعِيفٌ) أقول: يعني قلب ألف المقصور وقلبَ غيرها من الألفات سواء كانت للتأنيث كحبلى أو للإلحاق كمِعْزَى أو لغيرهما نحو يضربها فإن بعض العرب يقلبها همزة وذلك لأن مخرج الألف متسع وفيه المد البالغ فإذا وقفت عليه خليت سبيله ولم تضمه بشفة ولا لسان ولا حلق كضم غيره فيهوي الصوت إذا وجد متسعاً حتى ينقطع آخره في موضع الهمزة وإذا تفطنت وجدت ذلك كذلك فإذا وصلوا لم يمتد الألف إلى مخرج الهمزة لأنك تأخذ بعد الالف في حرف آخر وفي الواو والياء أيضاً مد ينتهي آخره إلى مخرج الهمزة قال الخليل:
ولذلك كتبوا نحو (ضربوا) بهمزة بعد الواو لكن مدهما أقل من مد الألف وقال الأخفش: زادوا الألف خطاً في نحو (كفروا) للفصل بين واو العطف وواو الجمع وقال غيرهما: بل ليفصلوا بين ضمير المفعول نحو (ضربوهم) وبين ضمير التأكيد نحو (ضربواهم) ثم طردوا في الجميع وإن لم يكن هناك ضمير قال: (وكَذَلِكَ قَلْبُ ألِفٍ نَحْوُ حُبْلَى هَمْزَةً أوْ وَاواً أوْ يَاءً) أقول: قوله (همزة) لم يكن محتاجاً إليه مع قوله قبل (قلب كل ألف همزة)
(1) ينسب هذا البيت إلى لبيد بن ربيعة الصحابي المعروف يصف فيه مقاما فاخرت فيه قبائل ربيعة قبيلة من مضر وقوله (قبيل) مبتدأ و (من لكيز) صفته و (شاهد) خبره و (رهط مرجوم) وما عطف عليه بدل عنه ومرجوم وابن المعل سيدان من سادات لكيز.
والاستشهاد بالبيت في قوله (وابن المعل) حيث اراد ابن المعلى فحذف الالف المقصورة في الوقف ضرورة تشبيها للالف بما يحذف من الياءات في الأسماء المنقوصة قال الاعلم: (وهذا من أقبح الضرورة لأن الألف لا تستثقل كما تستثقل الياء والواو وكذلك الفتحة لأنها من الالف)(*)
قوله (أو واواً أو ياء) اعلم أن فَزَارة وناساً من قَيْس يقلبون كل ألف في الآخر ياء سواء كان للتأنيث كحُبْلى اولا كمُثَنَّى كذا قال النحاة وخص المصنف ذلك بألف نحو حُبْلَى اولا كمُثَنَّى كذا قال النحاة وخص المصنف ذلك بألف نحو حُبْلَى وليس بوجه وإنما قلبوها ياء لأن الألف خفية وإنما تبين إذا جئت بعدها بحرف آخر وذلك في حالة الوصل لأن أخذك في جَرْس حرف آخر يُبين جرس الأول وإن كان خفياً وأما إذا وقفت عليها فتخفى غاية الخفاء حتى تُظَن معدومة ومن ثم يقال: هؤلاه ويارباه
بهاء السكت بعدها فيبدلونها إذن في الوقف حرفاً من جنسها أظهر منها وهي الياء وإنما احتملوا ثقل الياء التي هي أثقل من الألف في حالة الوقف التي حقها أن تكون أخف من حالة الوصل للغرض المذكور من البيان مع فتح ما قبلها فإنه يخفف شيئاً من ثقلها وهذا عذر من قلبها همزة أيضاً وإن كانت أثقل من الألف وطيئ يَدَعُونها في الوصل على حالها في الوقف فيقولون: أفْعَى بالياء في الحالين وبعض طيئ يقلبونها واواً لأن الواو أبين من الياء والقصد البيان وذلك لأن الألف أدخل في الفم لكونه من الحلق وبعده الياء لكونه من وسط اللسان وبعده الواو لكونه من الشفتين والياء أكثر من الواو في لغة طيئ في مثله لأنه ينبغي أن يراعى الخفة اللائقة بالوقف مع مراعاة البيان والذين يقلبونها واواً يَدَعُون الواو في الوصل بحالها في الوقف وكل ذلك لإجراء الوصل مجرى الوقف وإنما قلبت واواً أو ياء لتشابه الثلاثة في المد وَسَعة المخرج وقريب من ذلك ابدال بنى تميم ياء (هذى) في الوقف هاء فيقولون: هذه بسكون الهاء وإنما أبدلت هاء لخفاء الياء بعد الكسرة في الوقف التي هي أخت الياء في المد فإذا وصل هؤلاء ردوها ياء فقالوا: هذى هند لأن ما بعد الياء يبينها وقيس وأهل الحجاز يجعلون الوقف والوصل سواء بالهاء كما جعلت طيئ الوقف والوصل
سواء في أفْعَىْ إلا أن قلب الهاء من الياء لا يطرد في كل ياء كما اطرد قلب الياء من كل ألف عند طيئ في الوقف والأغلب بعد قلب ياء هذى هاء تشبيه الهاء بهاء المذكر المكسور ما قبلها نحو بِهِي وَغُلَامِهِي فتُوصَل بياء في الوصل ويحذف الياء في الوقف كما يجئ بعد ويجوز هذه بسكون الهاء وصلاً ووقفاً لكنه قليل ويبدل ناس من بنى تميم الجيم مكان الياء في الوقف شديدةً كانت الياء أو خفيفة لخفاء الياء كما ذكرنا وقرب الجيم منها في المخرج مع ونه
أظهر من الياء فيقول: تميمجّ وعلج [في تميمي وعلي] وقوله: 89 - خَالِي عُوَيْفٌ وَأبُو عَلِجِّ * المطعمان اللحم بالعشج (1) وبالغداة فلق البرنج * يُقْلَعُ بِالْوَدِّ وَبِالصِّيصِجِّ من باب إجراء الوصل مجرى الوقف عند النحاة ويجئ الكلام عليه وأنشد أبو زيد في الياء الخفيفة: 90 - يَا رَبِّ إنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حَجَّتِجْ فلا يزال شاحج يأتيك بج * أقمر نهات ينزى وفرتج (2) *
(1) نسبوا هذه الابيات لبدوي راجز ولم يعينوه وقوله (أبو علج) يريد أبو على و (بالعشج) يريد: بالعشى.
وفلق: جمع فلقة وهى القطعة ويروى في مكانه (كتل) بضم الكاف وفتح التاء وهى جمع كتلة و (البرنج) يريد به البرنى وهو نوع من اجود التمر والود: الوتد قلبت تاؤه دالا ثم اذغمت و (الصحيصج) يريديه الصيصي وهو واحد الصياصى وهى قرون البقر.
والاستشهاد بالبيت على أن بعض بني سعد يبدلون الياء المشددة جيما (2) هذه ابيات ثلاثة من الرجز المشطور انشدها أبو زيد في نوادره وقوله (حجتج) اراد به حجتى فابدل من ياء المتكلم الساكنة جيما والشاحج: المراد به البغل أو الحمار والشحيج الصوت تقول: شحج البغل والحمار والغراب = (*)
قال: (وَإبْدَالُ تَاءِ التَّأْنِيثِ الاسْمِيَّةِ هَاءً فِي نَحْوِ رَحْمَةٍ عَلَى الأَكْثَرِ وَتَشْبِيهُ تَاءِ هَيْهَاتَ بِهِ قليل وفى الضار بات ضَعِيفٌ وَعِرْقَاتٌ إنْ فُتِحَتْ تَاؤُهُ فِي النَّصْبِ فبِالهَاءِ وَإلَاّ فَبِالتَّاءِ وَأَمَّا ثَلَاثَةَ ارْبَعَةَ فِيمَنْ حَرَّكَ فَلأَنَّهُ نَقَلَ حَرَكَةَ هَمْزَةِ الْقَطْعِ لَمَّا وصل بخلاف الم الله فَإِنَّهُ لَمَّا وُصِلَ
الْتَقَى سَاكِنَانِ) .
أقول: لا خلاف في تاء التأنيث الفعلية أنها في الوقف تاء وفي أن أصلها تاء أيضاً وأما الاسمية فاختلف في أصلها فمذهب سيبويه والفراء وابن كَيْسَان وأكثر النحاة أنها أصل كما في الفعل لكنها تقلب في الوقف هاء ليكون فرقاً بين التاءين: الاسمية والفعلية أو بين الاسمية التي للتأنيث كعِفْرِيَة (1) والتي لغيره كما في عِفْرِيت وَعَنْكَبُوت وإنما قلبت هاء لان في الهاء همسا
= يشحج شحيجا وشحاجا: أي صوت ويروى في مكانه شامخ والاقمر: الابيض والنهات: النهاق والنهيت والنهيق واحد و (بج) يريد: بى وينزى: يحرك و (وفرتج) يريد به وفرتى فابدل الياء جيما والوفرة - بفتح فسكون -: الشعر الى شحمة الاذن.
والاستشهاد بالبيت على انه قلب الياء الخفيفة جيما كما يظهر مما ذكرناه قال سيبويه (ح 2 ص 288) ما نصه: (وأما ناس من بني سعد فانهم يبدلول الجيم مكان الياء في الوقف لانها خفيفة فأبدلوا من موضعها أبين الحروف وذلك قولهم: هذا تميمجُّ يريدون تميميّ وهذا علج يريدون عليّ وسمعت بعضهم يقول: عربانج يريد عربانيّ وحدثني من سمعهم يقولون: خَالِي عُوَيْفٌ وأبو علج * المطعمان الشحم بالعشج بالغداة قلق البرنج يريد بالعشى والبرني فزعم انهم انشدوه هكذا) اه (1) انظر في كلمة عفريت (ح 1 ص 15، 256) وانظر في كلمة عفرية (ح 1 ص 255 هـ 2) .
(*)
وليناً أكثر مما في التاء فهو بحال الوقف الذي هو موضع الاستراحة أولى
ولذلك تزاد الهاء في الوقف فيما ليس فيه - أعني هاء السكت - نحو: أنَهْ وهؤلاه وإنما تصرف في الاسمية بالقلب دون الفعلية لأصالة الاسمية لأنها لاحقة بما هي علامة تأنيثه بخلاف الفعلية فإنها لحقت الفعل دلالة على تأنيث فاعله والتغيير بما هو الأصل أولى لتمكنه.
وقال ثعلب: إن الهاء في تأنيث الاسم هو الأصل وإنما قلبت تاء في الوصل إذ لو خليت بحالها هاء لقيل: رأيت شَجَرَهاً بالتنوين وكان التنوين يُقلب في الوقف ألفاً كما في (زَيْداً) فيلتبس في الوقف بهاء المؤنث فقلبت في الوصل تاء لذلك ثم لما جئ إلى الوقف رجعت إلى أصلها وهو الهاء وإنما لم يقلب التنوين عند سيبويه ألفاً بعد قلب التاء هاء خوفاً من اللبس أيضاً كما قلنا وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقفون على الاسمية أيضاً [بالتاء] قال: 91 - الله نَجَّاكَ بِكَفَّيْ مَسْلَمَتْ * مِنْ بَعْدِ مَا وَبَعْدِ ما وبعدمت (1)
(1) هذه الابيات من الرجز المشطور ولم نقف لها على قائل ومسلمت - بفتح الميم واللام -: اسم شخص واصله مسلمة و (ما) في قوله (من بعد ما) يجوز ان تكون مصدرية وان تكون كافة مسوغة لبعد ان يليها الفعل لان من حق بعد ان تضاف الى المفرد لا الى الجمل والفعل على الوجهين هو قوله (صارت) وما عطف عليه.
وقد كرر (بعدما) ثلاث مرات لقصد التهويل وتفخيم الحال وحينئذ يجوز ان تكون الثانية والثالثة توكيدا للاولى من توكيد المفرد بالمفرد ويجوز ان تكون كل واحدة منها مضافة الى فعل مثل المذكور وعلى هذا الوجه الثاني يجوز ان يكون الفعل المذكور مضافا إليه الاول أو الثاني أو الثالث كقوله: يا من راى عارضا اسر به * بين ذراعي وجبهة الاسد = (*)
صارت نفوس القوم عند الغلصمت * وكادت الحرة أنْ تُدْعَى أَمَتْ والظاهر أن هؤلاء لا يقولون في النصب (رأيت امتا) كزيد بألف بل (رأيت أمَتْ) كما في قوله (وكادت الحرة أن تدعى أمت) وذلك لحمله على (أمَهْ) بالهاء فإنه هو الأَصل في الوقف قوله (وتشبيهُ تاء هيهات به قليل) قد ذكرنا حكمه في اسماء الافعال (1)
= وكقولهم: قطع الله يد ورجل من قالها ومثل ما قالوه في نحو: ياتيم تيم عدى.
والغلصمة: راس الحلقوم.
يريد نجاك الله من الاعداء بكف هذا الرجل المسمى مسلمة بعد ما كاد يتعسر عليك الا فلات وكادت النساء الحرائر يسبين فيصرن اماء.
والاستشهاد بالبيت على ان الالف قلبت تاء في قوله (وبعدمت) .
(1)
قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 69) : (ومن اسماء الافعال التى بمعنى الخبر (هيهات) وفى تائها الحركات الثلاث وقد تبدل هاؤها الاولى همزة مع تثليث التاء ايضا وقد تنون في هذه اللغات الست وقد تسكن التاء في الوصل ايضا لاجرائه فيه مجراه في الوقف وقد تحذف التاء نحو هيها وايها وقد تلحق هذه الرابعة عشر كاف الخطاب نحو ايهاك وقد تنون ايضا نحو ايها وقد يقال ايهان - بهمزة ونون مفتوحتين وقال صاحب المغنى (وليس هو ابن هشام) : بنون مكسورة وقال بعض النحاة: ان مفتوحة التاء مفردة واصلها هيهية - كزلزلة نحو قوقاة قلبت الياء الاخيرة الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها والتاء للتانيث فالوقف عليها اذن بالهاء واما مكسورة التاء فجمع مفتوحة التاء كمسلمات فالوقف عليها بالتاء وكان القياس هيهيات كما تقول: قوقيات في جمع قوقاة الا انهم حذفوا الالف لكونها
غير متمكنة كما حذفوا الف هذا وياء الذى في المثنى والمضمومة التاء تحتمل الافراد والجمع فيجوز الوقف عليها بالهاء والتاء وهذا كله توهم وتخمين بل لا منه ان نقول: التاء والالف فيها زائدتان فهى مثل كوكب ولا منع ايضا من كونها في جميع الاحوال مفردة مع زيادة التاء فقط واصلها هيهية = (*)
وأن بعض النحاة قال: إنك إذا كسرت تاءه فهو في التقدير جمع هَيْهيَة وأصله هَيْهَيَاتٌ فحذف الياء شاذاً لكونه غير متمكن كما حذفت في اللَّذَان والقياس اللذَيَان وإذا ضممت تاءه أو فتحتها جاز أن يكون مفرداً وأصله هَيْهَية فيوقف عليه بالهاء وأن يكون مجموعاً فيوقف عليه بالتاء وقد ذكرنا هناك أنه يجوز أن يكون أصله هَيْهيَة سواء كان مضموم التاء أو مفتوحها أو مكسورها لكنه انما قل الوقف عليها بالهاء لالتحاقه بالأفعال لكونه اسم فعل فكان تاؤه كتاء قامَتْ وَقَعدَتْ وذكرنا أيضاً أنه يجوز ان يجوز أن يكون الألف والتاء زائدتين وتركيبه من هَيْهَي ككوكب وأما تجويز قلب تائه هاء على هذا فلتشبيهه لفظاً بنحو قَوْقَاة (1) ودَوْدَاة (2) قوله (وفي الضاربات ضعيف) يعني أن بعضهم يقلب تاء الجمع أيضاً في الوقف
= ونقول: فتح التاء على الاكثر نظرا الى اصله حين كان مفعولا مطلقا وكسرت للساكنين لان اصل البناء السكون واما الضم فللتنبيه بقوة الحركة على قوة معنى البعد فيه إذ معناه ما ابعده كما ذكرنا وكان القياس بناء على هذا الوجه الاخير - اعني ان اصله هيهية في الاحوال - ان لا يوقف عليه الا بالهاء وانما يوقف عليه بالتاء في الاكثر تنبيها على التحاقها بقسم الافعال من حيث المعنى فكان تاؤها مثل تاء قامت وهذا الوجه اولى من الوجه الاول وايضا من جعل الالف والتاء زائدتين لان باب قلقال اكثر من باب
سلس وببر) اه (1) قوقاة: مصدر قولك: قوقت الدجاجة: إذا صوتت عند البيض واصلها قوقية - كد حرجة فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها وتقول: قاقت الدجاجة ايضا (2) الدوداة: الجلبة والارجوحة وعلى الاول هي مصدر لقولك دوديت: اي صوت وعلى الثاني هي من اسماء الاجناس غير المصادر ويجوز ان تكون منقولة من المصدر (*)
هاء لكونها مفيدة معنى التأنيث كإفادتها معنى الجمع فيشبه بتاء المفرد حكى قُطْرُب (كيف الْبَنُون والبناه) والأكثر أن لا تقلب هاء لأنها لم تتخلص للتأنيث بل فيها معنى الجمعية فلا تقلب هاء وأما تاء نحو (أخت) فلا خلاف في أنها يوقف عليها تاء لأنها وإن كان فيها رائحة التأنيث لاختصاص هذا البدل بالمؤنث إلا أنها من حيث اللفظ مخالفة لتاء التأنيث لسكون ما قبلها وبكونها كلام الكلمة بسبب كونها بدلاً منها بخلاف تاء الجمع فإن ما قبلها ألف فكأن ما قبلها مفتوح كتاء المفرد وليست بدلاً من اللام بل هي زائدة محضة كتاء المفرد فلهذا جوز بعضهم إجراءها مُجْرَاها قوله (وعِرْقَات (1) إن فتحت تاؤه في النصب فبالهاء) لأنه يكون مفرداً كما ذكرنا في شرح الكافية ويكون ملحقاً بِدِرْهَم كمِعْزَى وإن كسرت تاؤه في النصب دل على أنه جمع عِرْق إذ قد يؤنث جمع المذكر بالألف والتاء مع مجئ التكسير فيه: أي العروق كما قيل البُوَِانَات مع الْبُون في الْبُوَان على ما مر في شرح الكافية في باب الجمع فالأولى الوقف عليه بالتاء كما في مسلمات
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 175) : (وجاء في بعض
اللغات فيما لم يرد المحذوف فيه فتح التاء حالة النصب قالوا: سمعت لغاتهم وجاء في الشاذ (انفروا ثباتا) ولعل ذلك لاجل توهمهم تاء الجمع عوضا من اللام كالتاء في الواحد وكالواو والنون في (كرون) و (ثبون) وقال أبو على: بل هو تاء الواحد والالف قبلها اللام المردودة فمعنى سمعت لغاتهم: أي لغتهم قال: وذلك لان سيبويه قال: ان تاء الجمع لا تفتح في موضع وفيما قال نظر إذ المعنى في سمعت لغاتهم وقوله (انفروا ثباتا) الجمع وحكى الكوفيون في غير محذوف اللام: استاصل الله عرقاتهم - بفتح التاء وكسرها اشهر فاما ان يقال: انه مفرد والالف للالحاق بدرهم أو يقال: انه جمع فتح تاؤه شاذا فالعرق اذن كالبوان مذكر له جمع مكسر وهو العروق جمع بالالف والتاء مثله) اه (*)
قوله (وأما ثلاثة أربعة) هذا اعتراض على قوله (وإبدال تاء التأنيث الاسمية هاء) يعني أنك قلت: إن التاء تبدل هاء في الوقف و (ثلاثة) في قولك (ثَلْثَهَرْبَعَة) ليس موقوفاً عليه لكونه موصولاً بأربعة وإلا لم ينقل حركة الهمزة إلى الهاء فأجاب بأن الوصل أجري مجرى الوقف وذلك أنه وصل ثلاثة بأربعة ومع ذلك قُلب تاؤه هاء قال: وأما (ألم الله) فلا يجوز أن يكون فتحة الميم فيه منقولة إليها من همزة أل كما في ثَلَثَهَرْبَعَة لأن هذه الكلمات - أعني أسماء حروف التهجي - عند المصنف ليس موقوفاً عليها بخلاف ثلثهربعة فإن ثلاثة موصولة مُجْرَاة مجرى الموقوف عليها بسبب قلب التاء هاء فإذا لم يكن ألم موقوفاً عليه ولا موصولاً مجرى مجراه بل كان موصولاً بالله فلا بد من سقوط ألف الله في الدرج والهمزة إذا سقطت في الدرج سقطت مع حركتها ولا ينقل حركتها إلى ما قبلها إلا على الشذوذ كما روى الكسائي في (بسم الله الرحمن
الرحيمَ الحمد لله) بفتح ميم الرحيمَ فإذا سقطت همزة الوصل مع حركتها التقى ساكنان: ميم الم ولام الله فحرك الميم بالفتح للساكنين وإنما فتحت إبقاء على تفخيم الله تعالى وفراراً من الكسرة بعد الياء والكسرة كما مر في بابه وهذا من المصنف عجيب وذلك لان ألم كلمات معدودة كواحد اثنان ثلاثة لا فرق بينهما وقد ثبت رعاية حكم الوقف في كل واحدة من كلمات ألفاظ العدد بدليل قلب تائها هاء وإثبات همزة الوصل في اثنان وذلك لعدم الاتصال المعنوي بين الكلمات وإن اتصلت لفظاً فهلا كان نحو ألم أيضاً هكذا؟ ولو كان في أسماء حروف التهجي همزات الوصل في الأوائل وتاءات التأنيث في الأواخر لثبتت تلك وانقلبت هذه وجوباً كما في ألفاظ العدد وكذلك إذا عَدَّدْتَ نحو رجل امرأة ناقة بغلة فإنك تثبت همزة الوصل وتقلب التاء هاء وهما من دلائل كون كل كلمة كالموقوف عليه لكن قلب التاء هاء لازم وحذف همزة الوصل مع نقل حركتها إلى ما قبلها مختار كما مر في التقاء الساكنين قلما ثبت أن كل كلمة
من أسماء حروف الهجاء في حكم الموقوف عليه قلنا: ثبت همزة الوصل في الله إذ هو في حكم المبتدأ به ثم لما وصلها لفظاً بميم نقل حركتها إلى الساكن كما نقل حركة همزة القطع في ثلاثة أربعة (قوله ثلاثةَ أربعة فيمن حرك) يعني من لم يحرك الهاء وقال ثلاثةْ أربعة فإن ثلاثةْ موقوف عليه غير موصول باربعة فلا اعتراض عليه بأنه كيف قلب التاء هاء في الوصل وهو أيضاً وهم لأن من لم ينقل حركة الهمزة إلى الهاء أيضاً لا يسكت على الهاء بل يصله بأربعة مع إسكان الهاء وليس كل إسكان وقفاً لأنه لابد للوقف من سكتة بعد الاسكان ولو كانت خفيفة وإلا لم يعد المسكن واقفاً لأنك إذا قلت (من انت) ووصلت من بأنت لا تسمى واقفاً
مع إسكانك نون من فعلى هذا يجب في الأسماء المعدودة - سواء كانت من أسماء العدد أو أسماء حروف التهجي أو غيرهما - ان يراعمى فيها أحكام الأسماء الموقوف عليها مع أنك لا تقف على كل منها.
قال: (وَزِيَادَةُ الأَلِفِ فِي أَنَا وَمِنْ ثَمَّ وقف على لكناهو اللهُ بِالأَلِفِ وَمَهْ وَأَنَهْ قَليلٌ) أقول: قال سيبويه: إنهم كما يبينون حركة البناء بهاء السكت ببينونها في حرفين فقط بالألف وهما أنَا وَحَيَّهَلَا.
قلت: أما (حَيَّهلا) فيجوز أن يكون الألف فيه بدلاً من التنوين في حَيَّهَلاً لأن كل نون ساكنة زائدة متطرفة قبلها فتحة وإن لم يكن تنوين تمكن فإنها تقلب في الوقف ألفاً كما في اضْرِبَنْ وقد بينا في باب المضمرات أن الألف في (أَنَا) عند الكوفيين من نفس الكلمة وبعض طيئ يقف عليه بالهاء مكان الألف فيقول: أنَهْ وهو قليل قال حاتم: هكَذَا فَزْدِي انه (1) وبعض
(1) الذى في مجمع الامثال للميداني (ح 2 ص 293) : (هكذا فصدى) قيل: إن اول من تكلم به كعب بن مامة وذلك أنه كان اسيرا في عنزة فأمرته ام منزله ان يفصد لها ناقة فنحرها فلامته على نحره اياها فقال: هكذا فصدى = (*)
العرب يصل أنا بالألف في الوصل أيضاً في السعة والأكثر أنهم لا يصلونه بها في الوصل إلا ضرورة قال: 92 - أنَا سَيْفُ الْعَشِيْرَةِ فاعْرِفَونِي * حَمِيداً قَدْ تَذَرَّيْتُ السَّنَامَا (1) وقرأ نافع بإثباتها قبل الهمزة المضمومة والمفتوحة دون المكسورة ودون غير الهمزة من الحروف وقال أبو علي: لا أعرف الوجه في تخصيص ذلك بما ذكر قوله (ومن ثم وقف) أي: من جهة زيادة الألف في آخر (أنا) وقفاً وُقف
على (لكنا) بالألف لأنه (أنا) في الأصل جاءت بعد (لكن) ثم نقلت حركة همزة أنا إلى النون وحذفت كما في نحو (قَدَ افلح) ثم أدغمت النون في النون وابن عامر يثبت الألف في (لكنا هو الله) وصلاً أيضاً ليؤذن من أول الأمر بأنه ليس لكن المشددة بل أصله لكنْ أنا قوله (مَهْ وأنهْ قليل) أما أنا فقد مر ان بعض طيئ يقفون عليها بالهاء مكان الألف وأما (مَهْ) فيريد أن الوقف عليها بالهاء إذا لم تكن مجرورة
= يريد انه لا يصنع الا ما تصنع الكرام) اه ولم نجد في هذا الكتاب ولا في غيره من كتب اللغة والامثال نسبة هذا المثل الى حاتم ولا روايته بهذا اللفظ.
وانظر في معنى الفصد (ح 1 ص 43)(1) هذا البيت لحيمد بن حريث بن بحدل الكلبى وقوله (حميدا) منصوب على انه بدل من الياء في (فاعرفوني) أو بفعل محذوف يدل على الاختصاص أو المدح هذا كله ان رويته (حميدا) بالتصغير على انه علم فان رويته (حميدا) - بفتح الحاء - على انه صفة بمعنى محمود فهو حال وان كان اسما غير صفة جاز فيه ما جاز في المصغر وقد اختلف في اسم الشاعر على وجهين فقيل: هو مصغر وقيل: مكبر.
و (تذريت) : علوت واصله من بلوغ الذروة وهى اعلى الشئ والسنام للبعير معروف واراد هنا عالى المجد والرفعة.
والاستشهاد بالبيت في قوله (انا) حيث جاء بالالف مع الوصل وهو من ضرائر الشعر (*)
قليل وأما إذا كان مجرورة فيجئ حكمها بعيد فنقول: إنه أجاز بعضهم حذف ألف ما والوقف عليه بالهاء وإن لم يكن مجروراً كما في حديث أبي ذؤيب: قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج أهلوا بالإحرام فقلت: مَهْ
فقيل: هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لأنك إذا حذفت الألف منها شابهت الفعل المحذوف آخره جزماً أو وقفاً نحو رَهُ واغزه ولْيَرْمِهْ فيلحق بها هاء السكت بعد حذف الألف والأولى أن يوقف عليها بالألف التي كانت لها أعني على ما الاستفهامية غير المجرورة ومذهب الزمخشري أن الهاء بدل من الألف وحملها على المجرورة في نحو: مثلُ مه ومجئ مَهْ أولى أعني جعله هاء السكت جئ بها بعد حذف الألف كالعوض منه قال: (وَإلْحَاقُ هَاءِ السَّكْتِ لَازِمٌ فِي نَحْوِ رَهْ وقه ومجئ مه ومثل مه [في مجئ مَ جِئْتَ وَمِثْلُ مَ أنْتَ] (1) وَجَائِزٌ فِي مِثْلِ لَمْ يَخْشَهْ وَلَمْ يَغْزُهْ وَلَمْ يَرْمِهْ وَغُلَامِيَةْ [وَعَلَى مَهْ](1) وَحَتَّامَهْ وإلَامَهْ مِمَّا حَرَكَتُهُ غَيْرُ إعْرَابِيَّةٍ وَلَا مُشَبَّهَةٌ بِهَا كالْمَاضِي وَبَاب يَا زَيْدُ ولا رجل وفى نحو ههناه وهؤلاه) أقول: قد ذكرنا أحكام هاء السكت في آخر شرح الكافية ونذكر ههنا ما ينحل به لفظه قوله (في نحو ره وقه) أي: فيما بقي بالحذف على حرف واحد ولم يكن كجزء مما قبله لا يلزم الهاء إلا ههنا وإنما لزم فيه لأن الوقف لا يكون إلا على ساكن أو شبهه والابتداء لا يكون إلا بمتحرك فلا بدّ من حرف بعد الابتداء يوقف عليه فجئ بالهاء لسهولة السكوت عليه و (مه) في قولك (مثل مه)[و (مجئ مَهْ) مثلُ](1) رَهْ وقِهْ من وجه لأن الكلمة
(1) هذه العبارة ساقطة من جميع النسخ المطبوعة (*)
التي قبل ما مستقلة لكونها اسماً بخلاف الجار في حَتَّام وليس مثلهما من وجه آخر وذلك لأن المضاف إليه كالجزء من المضاف لكن سقوط الألف بلا علة
ظاهرة ألزمه التعويض بهاء السكت ألا ترى أنه لم يلزم مع الكاف والياء في تحو غُلَامي وغُلَامَك وإن كانا أيضاً على حرف لما لم يحذف منهما شئ وأما عَلَامَهْ وإلامه وحَتَّامه فما فيها أشد اتصالاً بما قبلها منها بالمضاف في نحو مِثْلُ مه لان ما قبلها حروف فلا تستقل بوجه فيجوز لك الوقف عليها بالهاء كما ذكر وبسكون الميم أيضاً لكون عَلَامْ مثلاً كغلام قال: 93 - يا أبا الأسود لم خليتني * لهموم طارقات وَذِكَرْ (1) فأجري الوصل مجرى الوقف وبعض العرب لا يحذف الألف من (ما) الاستفهامية المجرورة كقوله 94 - على ما قام يشتمني لئيم * كخنزير تمرغ في رماد (2)
(1) هذا بيت من بحر الرمل لا نعرف له قائلا ولا وقفنا له على سابق ولا لا حق والطارقات: جمع طارقة وهي مؤنث طارق وهو الذي يأتي ليلا والذكر - بكسر الذال وفتح الكاف -: جمع ذكرة والمعروف ذكرى بالف التأنيث تقول: ذكرته بلساني وبقلبي ذكرا وذكرى - بكسر فسكون فيهما والاستشهاد بالبيت على انه قال (لم) بالسكون في حال الوصل اجراء له مجرى له مجرى الوقف (2) هذا البيت لحسان بن ثابت الانصاري رضى الله عنه يقوله في رفيع بن صيفي بن عابد وكان قد قتل يوم بدر كافرا وبعد البيت قوله فلم انفك اهجو عابديا * طوال الدهر ما نادى المنادى وقد سارت قواف باقيات * تناشدها الرواة بكل وادى فقبح عابد وبنى ابيه * فان معادهم شر المعاد وبيت الشاهد يروي على غير الوجه الذي انشده المؤلف وغيره من النحاة ففى الديوان (ص 55 طبع ليدن) = (*)
فهذا لا يقول (عَلَامَهْ) وقفاً بل يقف بالألف التي كانت في الوصل والأولى حذف ألف (ما) الاستفهامية المجرورة لما ذكرنا في الموصولات وكل ما لحقه هاء السكت على سبيل الجواز فان كان محذوفا منه شئ نحو لم يَخْشَ ولم يَغْزُ ولم يَرْمِ وَعَلَامَ وإلَامَ وحَتَّامَ فالهاء به أولى منها بما لحقته ولم يحذف منه شئ نحو غُلَامِيه وضَرَبْتُكهْ وإنَّهْ وهي بما حذف منه حرفان نحو إن تَعِ أعِهْ أولى منها بما حذف منه حرف نحو اخْشَهْ واغْزُهْ وأما ما صار بالحذف إلى حرف واحد فالهاء له لازم إن لم يتصل بما قبله اتصالاً تاماً كما اتصل في عَلَام وإلام وفيم وذلك نحو رَهْ وقِهْ ومثل مه ومجئ مه على ما مر وإن لم يحذف منه شئ فإنه بما قبل آخره ساكن نحو إنَّهْ ولَيْتَهْ وكيفهْ أولى منه بما قبل آخره متحرك نحو هُوَهْ وَهِيَهْ وَغُلَامِيَهْ وَضَرَبْتُكَهْ لأنك ان لم تلحقه في القسم الأول سكنت المتحرك الأخير فيلتقي ساكنان وعدم التقائهما أولى وإن كان ذلك مغتفراً في الوقف.
قوله (لم يخشه ولم يرمه ولم يغزه) أمثلة المحذوف اللام وحكى أبو الخطاب عن ناس من العرب: ادعِهْ واغزِه من دَعَوْت وغَزَوْت كأنهم سكنوا العين المتحركة بعد حذف اللام للوقف توهماً منهم أنهم لم يحذفوا شيئاً للوقف كما قلنا في (لَمْ أُبَلِهْ) في الجزم قال: 95 - قَالَتْ سُلَيْمَى اشتر لنا دقيقا (1)
= ففيم تقول: يشتمني لئيم * كخنزير تمرغ في رماد؟ وعلى هذه الرواية لا شاهد في البيت.
والاستشهاد بما رواه المؤلف على أن من العرب من يثبت الف (ما) الاستفهامية المجرورة غير مبال بالالباس وقد قرئ قوله تعالى (عم يتساءلون) بالالف.
قال ابن جنى: واثبات الالف اضعف اللغتتين (1) وهذا بيت من الرجز المشطور ينسب للعذافر الكندى وبعده قوله:
* وهَاتِ خُبْزَ الْبُرِّ أوْ سَوِيقَا * = (*)
وقال الآخر في الجزم: 96 - وَمَنْ يَتَّقْ فإنَّ الله مَعْهُ * وَرِزْقُ الله مُؤْتَابٌ وَغَادِ (1) ثم ألحقوا هاء السكت لكون العين في تقدير الحركة ثم كسروا أول الساكنين (2) كما هو حقه على ما ذكرنا في (لم أُبَلِهْ) قوله (حَتَّامَهْ وإلَامه) مثال للمحذوف الآخر لا للجزم
= والاستشهاد بالبيت في قوله (اشتر) حيث سكن الراء وهي عين الفعل وكان حقها الكسر وكان الراجز توهم انها لام الفعل فسكنها كما يسكن باء اضرب ومفردات البيت ومعناه لا تحتاج الى شرح (1) لم نقف لهذا البيت على نسبة الى قائل وقد انشده صاحب الصحاح (اوب) و (وق ي) وقد ذكرناه فيما مضى (انظر ص 240 من هذا الجزء) .
والمؤتاب: اسم فاعل من ائتاب افتعل من الاوب وتقول: آب يؤوب اوبا إذا رجع والغادي: اسم فاعل من غدا يغدو إذا جاء في الغداة يريد ان تقوى الله تسهل للانسان رزقه وتيسر عليه اسبابه والاستشهاد بالبيت في قوله (ومن يتق) حيث سكن القاف وهي عين الفعل وسلط الجازم عليها وقياسها الكسر على ما مر في البيت السابق (2) وهذا مخالف لما ذكره سيبويه في الكتاب إذ قال (ج 2 ص 278) : (وزعم أبو الخطاب ان ناسا من العرب يقولون: ادعه من دعوت فيكسرون العين كأنها لما كانت في موضع الجزم توهموا انها ساكنه إذ كانت آخر شئ في الكلمة في موضع الجزم فكسروا حيث كانت الدال ساكنة لانه لا يلتقى ساكنان كما قالوا: رد يافتي وهذه لغة رديئة وانما هو غلط كما قال زهير:
بدا الى انى لست مدرك ما مضى * ولا سابق شيئا إذا كان جائيا) اه فكلام سيبويه يقتضى ان كسر العين من (ادعه) لا لتقائها ساكنة مع الدال وكلام الرضى يقتضى ان كسر العين لا لتقائها ساكنة مع هاء السكت فعلى كلام سيبويه لا يحتاج عند الحاق هاء السكت الى ملاحظة ان العين في تقدير الحركة وعلى كلام الرضي يحتاج الى ذلك لان هاء السكت لا تلحق الا المتحرك (*)
قوله (غُلَامِيَهْ) مثال لغير المحذوف الآخر قوله (كالماضي) مثال لما حركته مشابهة للإعرابية لأنه إنما بني الماضي على الحركة وحق البناء السكون لمشابهته المعرب إذ معنى (زيد ضرب) زيد ضارب ومعنى (إن ضربتَ ضربتُ) إن تضرب أضرب قوله (وباب يا زيد) لأن الضمة تحدث بحدوث حرف النداء وتزول بزواله كحدوث الإعراب بحدوث العامل وزواله بزواله وكذا باب (لا رجل) قوله (وفى نحو ههناه وهؤلاه) يعني كل حرف أو اسم عريق في البناء آخره ألف مثل ذا وما يجوز إلحاق هاء السكت به وقفاً ولا يجب وذلك ليتبين الألف في الوقف إذ هو خاف إذا لم يتلفظ بعده بشئ كما مر وامانحو فَتًى وحُبْلَى فإنك لا تبين ألفاتها في الوقف بالهاء كما مر في آخر شرح الكافية قال: (وَحَذْفُ الْيَاءِ في نحو الْقَاضِي وَغُلَامِي حُرِّكَتْ أوْ سُكِّنَتْ وإِثْبَاتُهَا أكْثَرُ عَكْسَ قَاضٍ وإثْبَاتُهَا في نحو يَامُرِي اتِّفَاقٌ) أقول: اعلم أن المنقوص المنصوب غير المنون كرأيت القاضيَ وَجَوَارِيَ لا كلام في أنه لا يجوز حذف يائه بل يجب إسكانه وكذا في غُلَامِيَ وغلامَايَ وغلامَيِّ وإِنِّيَ بفتح الياء فيها بل إنما تسكن ياؤها أو تلحقها هاء السكت كما مر قال سيبويه: إنما لم تحذف الياءات لأنها إذا تحركت قويت
كالحروف الصحيحة وأما المنقوص ذو اللام رفعاً وجراً فالأكثر بقاء يائه في الوقف إذ المطلوب وجود الحرف الساكن ليوقف عليه وهو حاصل وبعض العرب يحذف الياء في الوقف لكونه موضع استراحة والياء المكسور ما قبلها ثقيل ومن حذف الياء في الوصل نحو (الكبير المتعال سواء منكم) أوجب حذفها وقفاً بإسكان ما قبلها وأما ياء المتكلم الساكنة فإن كانت في الفعل فالحذف حسن لأن قبلها نون عماد مشعراً بها كقوله تعالى (ربي اكرمن)(ربى اهانن) وإن كانت
في اسم فبعض النحاة لم يجوز حذفها والوقف على الحرف الذي قبلها بالإسكان نحو (غلامْ) كما جاز في المنقوص حذراً من الالتباس وأجازه سيبويه اعتماداً في إزالة اللبس على حال الوصل فعلى هذا قول المصنف (حُرِّكَتْ أو سكنتْ) وَهَمٌ لأنها إذا تحركت لم يوقف عليها بالحذف بل بالإسكان كما نص عليه سيبويه وغيره وإذا كان المنقوص منادى مفرداً نحو (يا قاضي) فاختار الخليل والمبرد إثباتَ الياء كما في (جاءني القاضي) سواء لانه لامدخل للتنوين فيها حتى يحذف الياء لتقديره كما حذف في (جاءني قَاضْ) وقفاً واختار يونس وقَوَّاه سيبويه حذف الياء لأن المنادى موضع التخفيف ألا ترى إلى الترخيم وقلبهم الياء ألفاً في نحو (يا غُلَامَا) وحذفهم الياء في نحو (يا غُلَام) أكثر من حذفهم إياها في غير النداء وأجمعوا كلهم على امتناع حذفها في نحو (يامرى) لأنهم حذفوا الهمزة فلو حذفوا الياء أيضاً لأجحفوا بالكلمة بحذف بعد حذف بلا علة موجبة وإذا كان المنقوص محذوف الياء للتنوين - أعني في حالتي الرفع والجر - فالأكثر حذف الياء لأن حذف التنوين عارض فكأنه ثابت وتقديره ههنا
أولى لئلا يعود الياء فيكون حال الوقف ظاهر الثقل وحكى أبو الخطاب ويونس عن الموثوق بعربيتهم رد الياء اعتداداً بزوال التنوين وأما حال النصب نحو (رأيت قاضياً) فالواجب قلب تنوينه للوقف ألفاً إلا على لغة ربيعة كما مرّ قال: (وإثْبَاتُ الْوَاوِ وَالْيَاءِ وَحَذْفُهُمَا فِي الْفَوَاصِلِ وَالْقَوَافِي فَصِيحٌ وَحَذْفُهُمَا فِيهِمَا فِي نَحْوِ لَمْ يَغْزُوا وَلَمْ تَرْمِي وَصَنَعُوا قَلِيلٌ) .
أقول: قال سيبويه: جميع مالا يحذف في الكلام وما يختار فيه ترك الحذف يجوز حذفه في الفواصل والقوافي يعني بالكلام مالا وقف فيه وبالفواصل
رءوس الآي ومقاطع الكلام يعني أن الواو والياء الساكنين في الفعل الناقص نحو يَغْزُو وَيَرْمِي لا يحذفان وقفاً لأنه لم يثبت حذفهما في الوصل لئلا يلتبس بالمجزوم إلا للضرورة أو شاذًّا كقولهم (لا ادْرِ) وقوله تعالى (ما كنا نبغ) و (يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ) ولا يقولون (لاارم) وهذا كما قالوا (لم يك زيد) ولم يقولوا (لم يه) بمعنى يَهُنْ فإذا وقع الواو والياء المذكوران في الفواصل وصلاجاز حذفهما والاجتزاء بحركة ما قبلهما كقوله تعالى (والليل إذا يسر) وذلك لمراعاة التجانس والازدواج فيجب إذن بناء على ذلك حذفهما إذا وقفت على تلك الفواصل المحذوفة اللامات في الوصل وكذا القوافي يحذف فيها كثيراً مثل ذلك للازدواج لا للوقف وإلا حذف للوقف في غير القوافي أيضاً فثبت انه يحذف فيهما مالا يحذف في غيرهما قال: 97 - وَلأَنْتَ تَفْرِي مَا خلقت وَبَعْ * ضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لايفر (1)
(1) هذا البيت من قصيدة طويلة لزهير بن ابي سلمى المزني يمدح فيها هرم بن سنان وقد ذكروا ان اولها:
لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الْحَجْرِ * أقْوَيْنَ مذ حجج ومذ دهر ويقال: بل مطلعها قوله: دع ذا وعد القول في هرم * خير البداة وسيد الحضر والقنة: اعلى الشئ والحجر: اسم مكان بعينه واقوين: خلون واصبحن ولا انيس بهن وقوله (مذحجج) يروى في مكانه (من حجج) والحجج: السنون.
و (تفرى ما خلقت) ضربه مثلا لعزمه وتقول: فرى فلان الاديم يفريه إذا قطعه على وجه الاصلاح ويقال: افراه إذا قطعه على وجه الافساد وكان الهمزة فيه للسلب و (تخلق) بمعنى تقدر.
والمراد انك إذا تهيات لامر وقدرت له اسبابه امضيته وبعض الناس يقدر ثم تقعد به همته عن انفاذه.
والاستشهاد بالبيت في قوله (يَفرْ) على أن أصله يفري فحذفت الياء وسكنت الراء للوقف وهم لا يبالون عند الوقف بتغيير الوزن وانكساره (*)
هكذا أنشد بإسكان الراء وتقييد القافية قوله (وما يختار فيه ترك الحذف) يعني الاسم المنقوص نحو (القاضي) فإنه قد يحذف ياؤه غير الفواصل والقوافي في الوصل قليلا كقوله تعالى (يَوْمَ التناد يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) وقوله تعالى (وَجِفَانٍ كالجواب وَقُدُورٍ راسيات) وذلك لعدم التباسه بالمجزوم وأما في الفواصل في الوصل فحذف لامه أحسن من حذف ياء [نحو](يرمي) فيها لأن لام نحو (الرامي) يحذف في الوصل في غير الفواصل من غير شذوذ كقوله تعالى (يوم التلاقي يوم هم بارزون) ولا يحذف ياء نحو (يرمي) في مثله إلا شاذًّا كما ذكرنا فإذا وقف على الاسم المنقوص [المحذوف اللام وجب حذف اللام في الوقف فإذا وقفت على الفعل الناقص والاسم المنقوص] الثابت لامهما في الوصل فحذف لامهما جائز لا واجب قال
سيبويه: إثبات الواوات والياءات في مثله أقيس الكلامين هذا وأما الألف فلا يحذف: لا في الفواصل ولا في القوافي إلا للضرورة كما قال: * رَهْطُ مَرْجُومٍ ورهط ابن المعل * وذلك لخفد الألف وثقل الواو والياء قال سيبويه ما معناه: إنك تحذف في القوافي الواو والياء الأصليتين تبعاً للواو والياء الزائدتين التابعتين للضمة والكسرة المشابهتين للواو والياء في وقف أزْدِ السَّراة يعني إنك تحذف الياء من (يَفْرِي) تبعاً لحذف الياء في البيت الذي قبله وهو 98 - وَلأنْتَ أَشْجَعُ مِنْ أُسَامَةَ إِذْ دُعِيَتْ نزال ولج في الذعر (1)
(1) هكذا وقع هذا البيت في كل النسخ وهو كذلك في كثير من كتب النحاة وفى صحاح الجوهرى والحقيقة ان البيت ملفق من بيتين: احدهما = (*)
فلما جُوِّز حذف ياء (الذعر) لأنه مثل وقف أزد السراة نحو (مررت بعَمْرِي) تبعه في حذف الياء الأصلي إذ القوافي يجب جريها على نمط واحد وكذا في الواو نحو قوله: 99 - وَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَلْمَى سِنِينَ ثمانيا * على صير أمر ما يُمرُّ وَمَا يَحْلْ (1) وإنما جوزت ههنا حذف الواو - وإن كان أصلاً - لأنك حذفت الواو الزائد الناشئ للاطلاق في (الثقل) قبل هذا البيت لما قصدت التقييد في قوله: 100 - صَحَا الْقَلْبُ عَنْ سَلْمَى وَقَدْ كَادَ لَا يَسْلُو وَأَقْفَرَ مِنْ سَلْمَى التَّعَانِيقُ والثِّقْلْ (2)
= وَلَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أنْتَ إذَا * دُعِيَتْ نَزَالِ وَلُجَّ فِي الذُّعْرْ
وهو لزهير بن ابى سلمى من قصيدة الشاهد السابق والبيت الثاني هو: وَلأَنْتَ أشْجَعُ مِنْ أُسَامَةَ إذْ يَقَعُ الصُّرَاخُ ولُجَّ فِي الذُّعْرْ وهو للمسيب بن علس.
واسامة: علم للاسد ونزال: اسم فعل أمر بمعنى أنزل وقد قصد هنا لفظها ولذلك وقعت نائب فاعل والذعر: الفزع ولجاج الناس فيه معناه تتابعهم فيه أو اشتداده بهم والاستشهاد بالبيت في قوله (الذعر) حيث حذف الياء التى تنشأ من كسرة الراء إذا كانت القافية مطلقة والفرق بين هذا والذي قبله ان الياء المحذوفة من السابق لام الكلمة وهي هنا حرف زائد للروى (1) هذا البيت لزهير بن ابى سلمى المزني من قصيدة له مطلعها الشاهد الاتي بعد هذا وقوله (على صير امر) اي: على مشارفة امر ويمر ويحلو: أي يصير مرا وحلوا يريد انه من محبوبته على حال لا تعد وصالا ولا هجرانا ولو انها هجرته ليئس ولو واصلته لنعم فهو غير يائس منها ولا ناعم في هواها.
والاستشهاد بالبيت في قوله (يحل) حيث حذف الواو التى هي لام الكلمة ثم سكن ما قبلها (2) هذا البيت مطلع قصيدة زهير بن ابي سلمى المزني التى منها الشاهد = (*)
وإنما حذف هذا الواو الزائد تشبيهاً له بالواو الزائد في لغة أزد السراة في (جاءني زيدُ) وأما الألف فلا تحذف في القوافي نحو قوله: 101 - دَايَنْتُ أرْوَى وَالدُّيُونُ تُقْضَى فمطلت بعضا وادت بعضا (1) لان الالف الموقف عليه لا يحذف في الأشهر في نحو (زيداً) كما يحذف
جمهور العرب الواو والياء الحادثتين في الوقف في لغة أزد السراة قال سيبويه: وقد دعاهم حذف ياء نحو (يقضي) وواو نحو (يدعو) في القوافي إلى أن حذف ناس كثير من قيس وأسد الواو والياء اللتين هما ضميران ولم يكثر حذفهما كثرة حذف نحو ياء (يرمي) وواو (يدعو) لأنهما كلمتان وليستا حرفين وينشد:
= السابق واقفر: خلا والتعانيق والثقل: موضعان ومعنى البيت قد افاق قلبى عن اللجاج في هوى سلمى وما كاد يفيق.
والاستشهاد بالبيت في قوله (والثقل) حيث حذف الواو التى تكون للاشباع إذا كانت القصيدة مطلقة ثم سكن ما قبلها ليجرى على سنن واحد مع الشاهد السابق وقد علمت انهم لا يبالون إذا وقفوا بان يختل وزن البيت والفرق بين هذا والبيت السابق ان الواو المحذوفة من هذا الشاهد واو الاشباع والواو المحذوفة من الشاهد السابق لام الكلمة (1) هذا الشاهد من الرجز المشطور لرؤبة بن العجاج واروى: اصم امرأة وقوله (والديون تقضى) جملة حالية يريد انه اسلف هذه المرأة محبة وودادا وانتظر ان تجزيه بهما محبة وودادا مثلهما لان الديون يقضيها المدينون ولكنها ادت إليه بعض هذا الدين ولوته في بعضه الاخر.
والاستشهاد بالبيت في قوله (تقضى) و (بعضا) حيث اثبت الالف في الموضعين ولم يحذفها كما تحذف الواو والياء من قبل ان الالف ليس حكمها كحكمهما والف تقضى لام الكلمة والف بعضا هي لف الاطلاق التى من اشباع الفتحة (ج 2 - 20)(*)
102 -
لا يبعد الله إخوانا تركتهم لَمْ أدْرِ بَعْدَ غَدَاةِ الْبَيْنِ مَا صَنَعْ (1) بحذف الواو وإسكان العين وانشد أيضا:
103 -
ياد ار عبلة بالجواء تكلم * وعمي صباحا دَارَ عَبَلَةَ واسْلَمْ (2) بإسكان الميم ولا يحذف ألف الضمير في نحو قوله 104 - خَلِيْلَيَّ طِيرَا بِالتَّفَرُّقِ أوْقَعَا (3) لما ذكرنا قبيل قوله (وحذفهما فيهما قليل) أي حذف الواو والياء في الفواصل والقوافي
(1) هذا البيت من قصيدة لتميم بن أُبَيِّ بن مُقْبِل وقبله قوله: نَاطَ الْفُؤَادُ مَنَاطاً لَا يُلَائِمُهُ * حَيَّانِ: دَاعٍ لاصعاد ومندفع وناط: علق والمناط: مصدر سمى منه ويلائمه: يوافقه والاصعاد: الارتقاء تقول اصعد فلان إذا ارتقى شرفا أو نحوه والاندفاع: الهبوط والانحدار والبين: الفراق والاستشهاد بالبيت في قوله (صنع) واصلها صنعوا فحذف واو الضمير كما يحذفون واو يسمو ويحلو وياء يقضى ويرمى غير مبالين باختلال الوزن (2) هذا مطلع قصيدة طويلة لعنترة بن شداد العبسى وتعتبر عند بعضهم من المعلقات وعبلة: اسم امرأة وهى محبوبته والجواء - بكسر الجيم ممدودا -: اسم موضع وعمى: مقتطع من انعمى أو أمر من وعم يعم - كوعد يعد.
والاستشهاد بالبيت في قوله (تكلم) و (اسلم) حيث حذف ياء الضمير منهما واصلهما تكلمي واسلمى فحذف الياء كما حذف الشاعر الذى قبله الواو في قوله (صنع)(3) هذا نصف بيت من الطويل لم نعثر له على تتمة ولا على نسبة إلى قائل معين والاستشهاد به في قوله (قعا) حيث لم يحذف الالف التى هي ضمير الاثنين كما حذفت الياء التى هي ضمير الواحدة المخاطبة في بيت عنترة وكما حذف واو جماعة المذكرين في بيت تميم السابق (*)
وأنا لا أعرف حذف واو الضمير في شئ من الفواصل كما كان في القوافي وحذف ياء الضمير في الفواصل نحو: (فَإِيَّايَ فاعبدون) قال: (وَحَذْفُ الْوَاوِ في ضَرَبَهُ وَضَرَبَهُمْ فيمَنْ ألحَقَ) أقول: قد بَيَّنَّا في باب المضمرات أن غائب الضمير المتصل منصوبِهِ أو مجرورهِ مختصرٌ من غائب المرفوع المنفصل بحذف حركة واو هو لكنهم لما قصدوا التخفيف في المتصل لكونه كجزء الكلمة المتقدمة نظروا فإن كان قبل الهاء ساكن نحو مِنْهُ وَعَلَيْهِ لم يأتوا في الوصل بالواو والياء الساكنين فلا يقولون على الأكثر: منهو وعليهي لثقل الواو والياء ولكون الهاء لخفائها كلاعدم فكأنه يلتقى ساكنان إن قالوا ذلك ولم يحذفوا من عَلَيْهَا وَمِنْهَا - وإن كان كاجتماع ساكنين أيضاً - لخفة الألف فهذا نظير تركهم في الأكثر قلب التنوين في المرفوع والمجرور حرف لين في الوقف وقلبهم له ألفاً في المنصوب وقد اختار سيبويه إثبات الصِّلة بعد الهاء إذا كان الساكن الذي قبلها حرفاً صحيحاً نحو مِنْهُو وأصَابَتْهُو وحذْفَها إذا كان الساكن حرف علة نحو ذُوقُوه وعَصَاه وَلَدَيْه وفيه ولم يفرق المبرد بين الصحيح وحرف العلة الساكنين قبل الهاء وهو الحق إذ شبه التقاء الساكنين في الكل حاصل وعليه جمهور القراء نحو (منه آيات) و (فيه آيات) ولو عكس سيبويه لكان أنسب لأن التقاء الساكنين إذا كان أولهما ليناً أهون منه إذا كان أولهما صحيحاً وإن كان قبل الهاء متحرك نحوبه وغلامه فلا بد من الصلة إلا أن يضطر شاعر فيحذفها كقوله: 105 - وَأَيْقَنَ أنَّ الْخَيْلَ إنْ تَلْتَبِسْ بِهِ يَكُنْ لِفَسِيلِ النَّخْلِ بَعْدَهُ آبر (1)
(1) هذا البيت من الطويل وقائله حنظلة بن فاتك ولم يتعرض له البغدادي = (*)
وقال المتنيي: 106 - تعثرت به في الأفواه ألسنها والبرد في الطُّرْقِ وَالأَقْلَامُ فِي الْكُتُبِ (1) فحذف الصلة في مثله كحذف الألف في قوله * رَهْطُ مَرْجُومٍ وَرَهْطُ ابْنِ الْمُعَلْ * وذهب الزجاج إلى أن الصلة بعد الهاء ليست من أصل الكلمة وهو ظاهر
= في شرح شواهد شرح الشافية وهو من شواهد سيبويه اورده في باب (ما يجوز في الشعر ولا يجوز في الكلام)(ح 1 ص 11) وقد قال الاعلم في شرح هذا الشاهد من كتابه شرح شواهد سيبويه: (اراد بعد هو فحذف الواو ضرورة والبيت يتأول على معنيين: احدهما - وهو الاصح - ان يكون وصف جبانا فيقول: ايقن انه ان التبست به الخيل قتل فصار ماله إلى غيره فكع (أي: جبن) وانهزم والمعنى الاخر ان يكون وصف شجاعا فيقول: قد علم انه ان ثبت وقتل لم تتغير الدنيا بعده وبقى من اهله من يخلفه في حرمه وماله فثبت ولم يبال بالموت وفسيل النخل: صغاره واحدته فسيلة والابر: المصلح له القائم عليه والابار: تلقح النخل) اه (1) هذا البيت من قصيدة للمتنبي كما قال المؤلف يرثى فيها خولة اخت سيف الدولة بعد عودته من مصر والمتنبي ليس ممن يحتج بشعره ولكن المؤلف قد جرى في هذا الكتاب وفى شرح الكافية على ان يذكر بعض الشواهد من شعر المتنبي وشعر ابى تمام والبحتري ولعله متأثر في ذلك بجار الله الزمخشري فأنه كان يستشهد على اللغة والقواعد بشعر هؤلاء وكأنه كما قال عن ابى تمام - وقد استشهد ببيت له في الكشاف -: اجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه.
والشاهد في بيت المتنبي قوله (به)
حيث حذف صلة الضمير المجرور المكسور ما قبله وهى الياء واصله (بهى) والضمير في به يعود الى الخبر الذى ذكره في بيت قبله وهو قوله: طوى الجزيرة حتى جاءني خبر * فزعت فيه بآمالى الى الكذب يقول: لقد كان من هول هذا الخبر وفداحته ان عثرت الالسن في الافواه فلم تستطع الكلام وعثرت البرد في الطرق وعثرت الاقلام في الكتب.
والبرد: جمع بريد واصله برد - بضمتين - فخفف كما يخفف عنق (*)
مذهب سيبويه واستدل الزجاج عليه بحذفها في الوقف ولبس بقوي لأن ما هو من نفس الكلمة من حروف اللين قد يحذف كما في الْقَاضِي.
وأما وجوب حذف الصلة في الوقف دون ياء القاضي فلكونها مما له حظ في السقوط في حال الوصل نحو منه وفيه هذا الذي ذكرنا كله حال الضمير الغائب المفرد المذكر في الوصل فإذا وقفت عليه فلا بد من ترك الصلة سواء كانت ثابتة في الوصل نحو بهي ولهو اتفاقاً ومنهو وعليهي عند بعضهم اولا نحو منه وعليه عند الأكثرين وذلك لأن من كلامهم أن يحذفوا في الوقف مالا يذهب في الوصل نحو ضربني وغلامي فالتزموا حذف هذا الحرف الذى ثبت حذفه في الوصل كثيراً نحو عليه ومنه ولا بد من إسكان الهاء في الوقف سكن ما قبله أو تحرك قوله (وضربهم فيمن ألحق) أي: فيمن ألحق الواو في ميم الجمع أو الياء في الوصل كما بينا في المضمرات من أن بعضهم يقول: عليكمو أنفسكم وعليهمي مال فمن لم يلحق الصلة في ميم الجمع وصلاً فلا كلام في الوقف عليها بالإسكان ومَنْ ألحقها وصلاً أوجب حذفها في الوقف أيضاً لأن ما كثر حذفه في الوصل من الواو والياء وجب حذفه في الوقف نحو منه وعليه
قال: (وَحَذْفُ الْيَاءِ فِي تِهِ وهذه) أقول: اعلم أن الهاء في (هذه) و (ته) بدل من الياء في هذي وتي كما تقدم والياء بعد الهاء بعد الهاء في الأغلب لأجل تشبيه الهاء المذكر المكسور ما قبلها نحو بهي وغلامهي كما تبين قبل إلا أن هاء الضمير قد يوصل - عند أهل الحجاز مع كون ما قبلها مكسوراً أو ياء - بالواو نحو بُهو وعَلَيْهُو وذلك لكون الضمير المجرور في الأصل هو المرفوع المنفصل كما مر في بابه ولا يوصل هاء (ذهي) و (تهي) بواو أصلاً وبعض العرب يبقيها على سكونها كميم الجمع فلا يأتي بالصلة وهو الأصل ولكنه قليل الاستعمال يقول: هذه
وصلاً ووقفاً وبعضهم يحذف الياء منها في الوصل ويبقي كسرتها فإذا وقفت عليها فلا خلاف في إسكان الهاء وترك الصلة كما ذكرنا في منه ولديه واعلم أن بعض الناس مَنَعَ من الرَّوْم والإشمام في هاء الضمير إذا كان قبله ضم أو كسر نحو يَعْلَمُه وبغُلَامِهِ وكذا إذا كان قبله واو أو ياء نحو عَقَلُوه وبأبِيهِ وذلك لأن الهاء الساكنة في غاية الخفة حتى صارت كالعدم فإذا كانت في الوقف بعد الضمة والواو فكأنك ضممت الحرف الأخير الموقوف عليه أو جئت في الآخر بواو إذ الهاء كالعدم للخفاء فلو رمت عقيبها بلا فصل: أي أتيت ببعض الضمة أو أشممت: أي ضممت الشفتين لم يتبينا إذ يحسب السامع والناظر أن ذلك البعض من تمام الضم الأول وضَمَّ شفتيك للإشمام من تمام الضم الاول إذ الشئ لا يتبين عقيب مثله كما يتبين عقيب مخالفه وكذلك الكلام في الرَّوْم بعد الهاء المكسور ما قبلها أو الهاء التي قبلها ياء وأيضاً فإن الرَّوْم والإشمام لبيان حركة الهاء وعلى التقديرات المذكورة لا يحتاج إلى ذلك البيان لأن الهاء التي قبلها ضمة أو واو لا تكون إلا مضمومة والتي قبلها كسرة أو ياء
لا تكون إلا مكسورة في الأغلب وأما إذا كانت الهاء المضمومه بعد الفتحة نحو إن غُلَامَه أو بعد الساكن الصحيح نحو مِنْهُ فإنه يجوز الرَّوْم والإشمام بلا خلاف وبعضهم أجازهما بعد هاء الضمير مطلقاً سواء كان بعد واو أو ياء أو غيرهما من الحروف وسواء كان بعد فتح أو ضم أو كسر وإن لم يتبينا حق التبين كما مر.
قال: (وَإِبْدَالُ الهمزة حرفا من حبس حَرَكَتِهَا عِنْدَ قَوْمٍ مِثْل هَذَا الْكَلُوْ وَالْخَبُو والْبُطُوْ وَالرِّدُوْ ورأيت الْكَلَا والْخَبَا والْبُطَا والرِّدَا ومرَرْتُ بالكَلَيْ والخَبِي وَالْبُطِي وَالرِّدِي ومنهم من يقول: هَذَا الرِّدِي ومِنَ الْبُطُوْ فَيُتْبعُ) .
أقول: اعلم أن الهمزة هي أبعد الحروف وأخفاها لأنها من أقصى الحلق فإذا وقفوا عليها - وبالوقف يصير الجرف الموقوف عليه أخفى مما كان في الوصل وذلك لأن الحرف أو الحركة التي تلي الحرف تبين جَرْسَه ولذلك يقلب بعضهم الألف في الوقف واواً أو ياء لأنهما أبين منها - احتاجوا إلى بيانها فنقول: الهمزة الموقوف عليها إما أن تخففها بالقلب أو الحذف كما هو مذهب أهل الحجاز على ما يجئ أو تحققها كما هو غيرهم والمحققة تحتاج إلى ما يبيِّنها لأنها تبقى فتخفى بخلاف المخففة فالمحققة لا تخلو من أن يكون قبلها ساكن أو متحرك فإن سكن ما قبلها سكن ما قبلها وقفت عليها بحذف حركتها في الرفع والجر كما تقف على نحو عَمْرو وبكر فيجرى فيها مع الإسكان الروم والإشمام لا التضعيف كما يجئ وناس كثير من العرب يلقون حركتها على الساكن الذي قبلها أكثر مما يلقون الحركة في غير الهمزة وذلك لأنها إذا كانت بعد الساكن كانت
أخفى لأن الساكن خاف فيكون خاف بعد خاف فإذا حركت ما قبلها كان أبين لها فلما كانت أحوج إلى تحريك ما قبلها من سائر الحروف لفرط خفائها ألقوا حركاتها على ما قبلها فتحة كانت أو ضمة أو كسرة ولم ينقلوا في غير الهمزة الفتحة إلى ما قبل الحرف كما يجئ وأيضاً ألقوا ضم الهمزة إلى ما قبلها في الثلاثي المكسور الفاء نحو هذا الرِّدُءْ وكسرها إلى ما قبلها في الثلاثي المضموم القاء نحو من البطئ وإن انتقل اللفظان بهذا النقل إلى وزن مرفوض ولم يبالوا بذلك لعروض ذلك الوزن في الوقف وكونه غير موضوع عليه الكلمة ولم يفعلوا ذلك في غير الهمزة فلم يقولوا: هذا عِدُل ولا من البُسِرْ كل ذلك لكراههم كونَ الهمزة ساكنة ساكناً ما قبلها ولا يجئ في المنقول إعرابها إلى ما قبلها الرومُ والإشمام لأنهما لبيان الحركة وقد حصل ذلك بالنقل
وبعض بنى يتفادى من الوزنين المرفرضين في الهمزة أيضاً مع عروضهما فيترك نقل الحركة فيما يؤدي إليهما: أي الثلاثي المكسور القاء والمضموفها بل يتبع العين فيهما الفاء في الأحوال الثلاث فيقول: هذا الْبُطُؤ ومررت بالْبُطُؤ وهذا الرِّدِئْ ومَرَرْتُ بالرِّدِئْ ورأيت الرِّدِئْ وذلك أنهم لما رأوا أنه يؤدي النقل في البطء في حال الجر وفى الردء في حال الرفع إلى الوزنين المرفوضين أتبعوا العين الفاء في حال الجر في البطؤ وفي حال الرفع في الردء فتساوى الرفع والجر فيهما فكرهوا مخالفة النصب إياهما فأتبعوا العين الفاء في الأحوال الثلاث فيجري في هذين المتبع عينُهما فاءَهُما في الإسكان الروم والإشمام لأنهما لبيان حركة الآخر وهي نقلت إلى ما قبله لكنها أزيلت بإتباع العين للفاء فاحتيج إلى بيانها
وبعض العرب لا يقنع من بيان الهمزة بما ذكرناه بل يطلب أكثر من الى حرف علية يجانس حركة الهمزة فيقول: هذا الوثو (1) ولابطو وَالرِّدْوْ ومررت بالْوَثْيْ (1) وَالْبَطْيْ والرِّدْيْ بسكون العين في الجميع وأما في حالة النصب فلا يمكنه تسكين ما قبل الألف إذ الالف لا يجئ إلا بعد فتحة فيقول: رأيتُ الْوَثَا (1) والبُطَا والرِّدَا بالنقل والقلب فههنا بين الهمزة بقلبها ألفاً كما بين بعضهم الألف في نحو حبلى بقلها همزة لأن الألف المفتوح ما قبلها ههنا أبْيَن من الهمزة الساكن ما قبلها كما أن الهمزة المتحرك ما قبلها كانت أبين من الألف هناك وبعضهم ينقل الحركات إلى العين في الجميع ثم يدبر الهمزة في القلب بحركة ما قبلها فيقول: هذا الْبُطُوْ: والوثو والرد وومررت بالبطى والوثى والردى.
(1) الوثء: توجع في العظم بغير كسر وبابه فرح (*)
ورأيت الْبُطَا والْوَثَا والرِّدَا وليس هذا القلب تخفيفاً للهمزة كما في بيرٍ ورَاسٍ ومُومِن لأنهم ليسوا من أهل التخفيف بل هذا القلب للحرص على بيان الحرف الموقوف عليه ثم إن الذين تفادوا مع الهمزة من الوزن المرفوص مع عروضه من الناقلين للحركة يتفادَوْن من ذلك مع قلب الهمزة أيضاً فيقولون: هذا الْبُطو ومررت بالْبُطُو ورأيت الْبُطُو وهذا الرِّدِي ومررت بالرِّدِي ورأيت الرِّدِي فألزموا الواو في الأول والياء في الثاني وفي هذا المقلوب لامُه حرفَ لين لا يكون رَوْم ولا إشمام لأن الحركة كانت على الهمزة لا على حرف اللين كما مر في تاء التأنيث.
هذا لكه إذا كان ما قبل الهمزة ساكناً فإن كان متحركاً نحو الرشأ واكمؤ واهنئ فإنك تقف عليه كما تقف عليه كما تقف على الْجَمَل والرَّجُل والْكَبِد من
غير قلب الهمزة لأن حركة ما قبلها تبينها فيجرى فيه جميع وجوه الوقف الا التضعيف كما يجئ وإلا النقل لتحرك ما قبلها وبعض العرب - أعني من أهل التحقيق - يدبرون المفتوح ما قبلها بحركة نفسها حرصاً على البيان لعدهم الفتحة لخفتها كالعدم فلا تقوم بالبيان حق القيام فيقولون: هذا الْكَلَوْ ورأيت الْكَلَا.
ومررت بالْكَلَيْ يقلبون المضمومة واواً والمفتوحة ألفاً والمكسورة ياء لأن الفتحة لا يستثقل بعدها حروف العلة ساكنة وأما المضموم ما قبلها والمكسورةُ نحو اكمؤ واهنئ فلا يمكن تدبيرهما بحركة أنفسهما لأن الألف لا تجئ بعد الضمة والكسرة والياء الساكنة لا تجئ بعد الضم ولا الواو الساكنة بعد الكسر وأيضاً فالضمة والكسرة تقومان بالبيان حق القيام فَبَقَّوْا الهمزتين على؟ ؟ ؟ ولم يقلبوهما كما قلبوا المفتوح ما قبلها هذا كله على مذهب الذين مذهبهم تحقيق الهمزة فاما؟ ؟ ؟ التخفيف فإنهم
يخففونها كما هو حق التخفيف فإن كان ما قبلها ساكناً نقلوا حركتها إلى ما قبلها وحذفوها ثم حذفوا الحركة للوقف نحو الخب والرد والبط فيجئ فيه الإسكان والروم والإشمام والتضعيف وفي المنصوب المنون يقلب التنوين الفا لاغير نحو رأيت بُطَا ورِدَا وخَبَا وإن كان ما قبلها متحركاً دبرت بحركة ما قبلها فالْخَطَا ألف في الأحوال الثلاث وأكمؤ واو واهنئ ياء فلا يكون فيها إلا الإسكان دون الروم والإشمام كما قلنا في تاء التأنيث ولا يمكن فيها التضعيف لأنه لا يكون إلا في الصحيح كما يجئ ويجئ تمام البحث على مذهب أهل التخفيف في باب تخفيف الهمزة فنقول: قول المصنف (إبدال الهمزة حرفا من جنس حركتها نحو هذا
الْكَلَوْ) هذه هي المفتوح ما قبلها وكذا في بالْكَلَيْ ورأيت الْكَلَا قوله: (الخبو والبطو والردو والخبا والبطا والردا والخبي والبطي والردي) هذه أمثلة الهمزة المدبرة بحركة ما قبلها المنقولة من الهمزة إليه قوله (ومنهم من يقول هذا الردي ومن البطو فيتبع) الإتباع في الأحوال الثلاث كما ذكرنا لا في الرفع والجر فقط وكلُّ ما ذكر في هذا الفصل فهو وقف غير أهل التخفيف قال: (وَالتَّضْعِيفُ فِي الْمُتَحَرِّكِ الصَّحِيح غَيْرِ الْهَمْزَةِ الْمُتَحَرِّكِ مَا قَبْلَهُ نَحْوُ جَعْفَر وَهُوَ قَلِيلٌ ونحو القصبا شاد ضَرُورَة) أقول اعلم أن المقصود بالرَّوْم والإشمام والتضعيف ثلاثتها شئ واحد وهو بيان أن الحرف الموقوف عليه كان متحركاً في الوصل بحركة إعرابية أو بنائية.
فالذي اشم نبه عليه بهيتة الحركة والذي رام نبه عليه بصُوَيت ضعيف فهو أقوى في التنبيه على تحرك الحرف من الإشمام والذي ضعف فهو أقوى تبييناً لتحرك الحرف في الوصل ممن رام لأنه عليه بالحرف وذاك ببعض الحركة وإنما قلنا إنه نبه بتضعيف الحرف على كونه متحركاً في الوصل
لأن الحرف المضعف في الوصل لا يكون الا متحركا إذ لا يجمع بين ساكنين هذا ما قيل والذي أرى أن الرَّوْم أشد تبييناً لأن التضعيف يستدل به على مطلق الحركة وبالروم على الحركة وخصوصها وأيضاً فإن الروم الذي هو بعض الحركة أدل على الحركة من التضعيف الذي يلازم الحركة في حال دون حال: أي في حال الوصل دون حال الوقف والتضعيف أقل استعمالا من الروم والإشمام لأنه إتيان بالحرف في موضع يحذف فيه الحركة فهو الحركة فهو تثقيل في موضع التخفيف وعلامة التضعيف الشين على الحرف وهو أول [حرف](شديد)
وشرط التضعيف أن يكون الحرف المضعف متحركاً في الوصل لأن التضعيف كما تقدم لبيان ذلك وأن يكون صحيحاً إذ يستثقل تضعيف حرف العلة وأن لا يكون همزة إذ هي وحدها مستثقلة حتى إن أهل الحجاز يوجبون تخفيفها مفردة إذا كانت غير اول كما يجئ في باب تخفيف الهمزة وإذا ضعفتها صار النطق بها كالتهوع وإنما اشترط أن يتحرك ما قبل الآخر لأن المقصود بالتضعيف بيان كون الحرف الأخير متحركاً في الوصل وإذا كان ما قبله ساكناً لم يكن هو إلا متحركاً في الوصل لئلا يلتقى ساكنان فلا يحتاج إلى التنبيه على ذلك فإن قيل: أليس الأسماء المعدودة التي قبل آخرها حرف لين كلام ميم زيد اثنان يجوز فيها التقاء الساكنين في الوصل لجريه مجرى الوقف؟ فهلا نبه في نحو (جاءني زيد) و (أتاني اثنان) بالتضعيف على أنه ليس من تلك الأسماء الساكن أواخرها في الوصل بل هي متحركة الأواخر فيه قلت: تلك الأسماء لا تكون مركبة مع عاملها وزيد في قوله (جاءني زيد) مركب مع عامله فلا يلتبس بها وأجاز عبد القاهر تضعيف الحرف إذا كان قبله مدة كسعيد ونمود نظراً إلى إمكان الجمع بين اللين والمضعف الساكن بعده ويدفعه السماع والقياس والتضعيف يكون في المرفوع والمجرور مطلقاً وأما المنصوب فإن كان منوناً
فليس فيه إلا قلب التنوين ألفاً إلا على لغة ربيعة فإنهم يجوزون حذف التنوين فلا منع إذن عندهم من التضعيف وإن لم يكن منوناً نحو رايت الرجل ولن نجعل ورأيت أحمد فلا كلام في جواز تضعيفه كما في الرفع والجر قوله (ونحو القَصَبَّا شاذ ضرورة) اعلم ان حق التضعيف أن يلحق المرفوع والمضموم والمجرور والمكسور والمنصوب غير المنون كما ذكرنا والمفتوح وأما
المنصوب المنون فيكتفى فيه كما قلنا بقلب التنوين الفا وينبغى أن يكون الحرف المضعف ساكناً لأنك إنما تضعفه لبيان حركة الوصل فإذا صار متحركاً فأنت مستغن عن الدلالة على الحركة إذ هي محسوسة لكنهم جوزوا في القوافي خاصة بعد تضعيف الحرف الساكن أن يحركوا المضعف لقصد الإتيان بحرف الإطلاق لأن الشعر موضع الترنم والغناء وترجيع الصوت ولا سيما في أواخر الأبيات وحروفُ الإطلاق: أي الألف والواو والياء هي المتعينة من بين الحروف للترديد والترجيع الصالحة لها فمن ثم تلحق في الشعر لقصد الإطلاق كلماتٍ لا تلحقها في غير الشعر نحو قوله: 107 - * قفانبك من ذكرى حبيب ومنزلي (1) *
(1) هذا صدر بيت هو مطلع معلقة امرئ القيس وعجزه قوله: * بسقط اللوى بين الدخول فحومل * وقفا: امر بالوقوف مؤكد بالنون الخفيفة أو مسند إلى الف الاثنين والسقط: مثلث السين والقاف فيه ساكنة وهو منقطع الرمل واللوى: ما تراكم منه والمراد هنا مكان بعينه والدخول وحومل: موضعان وقد كان الاصمعي يعيب امرأ القيس في قوله (بين الدخول فحومل) وذلك لان من شروط (بين) أن تضاف إلى متعدد نحو جلست بين العلماء أو متعاطفين بالواو نحو جلست بين زيد وعمرو والعلماء يقولون في الاعتذار عن ذلك: إن المراد بالدخول اما كن متعددة كل واحد منها يسمى بذلك وكأنه قال: بين اماكن الدخول فهو كالمثال الاول والاستشهاد بالبيت هنا على أنه الحق حرف الاطلاق في الوقف وذلك مما يختص بالشعر ولا يجوز في الكلام لانهم قد يتغنون بالشعر فهم في حاجة الى مد الصوت به (*)
ولا تقول (مررت بعمري) إلا على لغة أزد السراة ونحو قوله 108 - * آذنتنا ببينها اسماء و (1) *
ولا تقول (جاءتني اسماء و) وتقول في الشعر: الرجُلُو والرَّجُلِي والرجُلَا ولا يجوز ذلك في غير الشعر في شئ من اللغات وكذا قوله: 109 - وَمُسْتَلْئِمٍ كِشَّفْتُ بِالرُّمْحِ ذَيْلَهُ أقَمْتُ بَعَضْبٍ ذِي شَقَاشِقَ مَيْلَهُ (2) فجاء بالصلة بعد هاء الضمير ولا يجوز ذلك إذا وقفت عليه في الشعر نحو (جاءني غلامه) فلما جاز لهم في الشعر أن يحركوا لاجل المجئ بحرف الإطلاق ما حقُّه في غير الشعر السكونُ جوزوا تحريك اللام المضعف في نحو قوله
(1) هذا صدر بيت هو مطلع معلقة الحارث بن حلزة اليشكرى وعجزه قوله: * رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ * وبعده قوله: آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا ثُمَّ وَلَّتْ * لَيْتَ شِعْرِي مَتَى يكون اللقاء آذنتنا: اعلمتنا والبين: الفراق والثاوى: المقيم والثواء: مصدره وولت: اعرضت وخبر ليت في قوله (ليث شعرى) محذوف ناب الاستفهام منابه يقول: إن هذه الفتاة قد اعلمتنا بأنها على وشك الرحيل ثم اعرضت عنا واعترض بين الكلام بقوله (رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثَّوَاءُ) يريد رب مقيم مملول غير مرغوب في إقامته والاستشهاد بالبيت في قوله (أسماء) حيث زادوا الواو في الوقف كما زادوا في بيت امرئ القيس الياء وهذا مما يختص بالشعر على ما قدمنا (2) المستلئم: الذى يلبس اللامة وهى الدرع تقول: استلام الرجل إذا لبسها وكشفت طعنت والتشديد فيه للمبالغة والعضب السيف الفاطع والشقاشق: جمع شقشقة وهى ما يخرجه البعير من فيه إذا هاج والاستشهاد بالبيت في قوله (ذيله) وقو (ميله) حيث زاد الواو في الوقف والوجه فيه ما ذكرناه من قبل في الشاهدين السابقين.
(*)
110 -
* بِبَازِلٍ وَجْنَاءَ أوْ عَيْهَلْ (1) * مع أن حقه السكون لأجل حرف الإطلاق وكذا الباء المضعف في قوله 111 - * أو الْحَرِيقُ وَافَقَ الْقَصَبَّا (2) * أصله السكون فحرك لأجل حرف الإطلاق كما أن حق نون الأندريْن في قوله: 112 - * وَلَا تُبْقي خمور الاندرينا (3) *
(1) هذا بيت من الرجز المشطور وهو لمنظور بن مرثد الاسدي وهو من شواهد سيبويه.
والاستشهاد به في قوله (عيهل) حيث ضعف لامه وحركه وحقه السكون في غير الشعر وقد اخطأ المؤلف في قوله (وليس في كلام سيبويه ما يدل على كون مثله شاذا أو ضرورة) فأن عبارة سيبويه فيها ما يدل على انه ضرورة قال (ح 2 ص 282) : (واما التضعيف فقولك: هذا خالد وهو يجعل وهذا فرج.
حدثنا بذلك الخليل عن العرب ومن ثم قالت العرب في الشعر في القوافى: سبسبا يريد السبسب وعيهل يريد العيهل لان التضعيف لما كان في كلامهم في الوقف اتبعوه الياء في الوصل والواو على ذلك كما يلحقون الواو والياء في القوافى فيما لا يدخله ياء ولا واو في الكلام واجروا الالف مجراهما لانها شريكتهما في القوافى ويمد بها في غير موضع التنوين ويلحقونها في غير التنوين فألحقوها بهما فيما ينون في الكلام وجعلت سبسب كأنه مما لا تلحقه الالف في النصب إذا وقفت) اه فقوله في الشعر في القوافى دليل على انه لا يجئ مثله في الكلام وهذا معنى الضرورة وقد صرح الاعلم بذلك حيث قال: (الشاهد فيه تشديد عيهل في الوصل ضرورة وانما يشدد في الوقف ليعلم انه متحرك في الوصل) اه والعيهل: السريع والوجناء: الغليظة الشديدة والبازل: المسنة الغليظة
(2)
هذا بيت من الرجز المشطور لرؤبة بن العجاج وسيأتى قريبا في أثناء ابيات رواها المؤلف وسنشرحه هناك (3) هذا عجز بيت لعمرو بن كلثوم التغلبي وهو مطلع معلقته وصدره قوله: * الا هبى بصحنك فاصبحينا * = (*)
السكون كما في قولك (مررت بالمسلمين) والقوافي كلها موقوف عليها وإن لم يتم الكلام دون ما يليها من الأبيات ولهذا قلما تجد في الشعر القديم نحو الشجرتي بالتاء وبعدها الصلة بل لا يجئ إلا بالهاء الساكنة وإنما كثر ذلك في أشعار المولدين فعلى هذا التقرير ليس قوله (الْقَصَبَّا) بشاذ ضرورة كما ليس تحريك نون (الا ندرينا) وتحريك الراء في قوله: 113 - لَعِبَ الرِّيَاحُ بِهَا وغيرها * بعدى سوا في المُورِ وَالْقَطْرِ (1) لأجل حرف الإطلاق بشاذين أتفاقاً مع أن حق الحرفين السكون لو لم يكونا في الشعر ولعدم كونه شاذاً ترى تحريك المضعف للإطلاق في كلامهم كثيراً قال رؤبة: لَقَد خشيت ان ارى جديا * في عَامِنَا ذَا بَعْدَ أنْ اخصبا (2)
= والا: حرف يفتتح به الكلام ويقصد به تنبيه المخاطب لما يأتي بعده وهبى: فعل امر من الهبوب وهو الانتباه من النوم واصبحينا: فعل امر من صبح القوم يصبحهم - من باب نفع - أي: سفاهم الصبوج وهو شرب الغداة ويقابله الغبوق والاندرين: قرية بالشام مشهورة بالخمر ويقال: ان اسم القربة اندر وانما جمعها يريدها وما حولها.
والاستشهاد بالبيت في قوله (الاندرينا) حيث الحق بها الف الاطلاق وحقها السكون لولا الاضطرار (1) هذا البيت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى المزني وقد مضى قريبا ذكر
شاهدين منها وذكرنا هناك مطلعها مشروحا والضمير في قوله (بها) يعود الى الديار والسوافي: جمع سافية اسم فاعل من قولك: سفت الريح التراب تسفيه إذا ذرته والمور - بضم الميم -: الغبار والقطر: المطر وكان أبو عبيد يقول: ليس للقطر سوافى ولكنه اشركه في الجر.
يريد تغيرت هذه الديار بما اثارته الرياح عليها من الغبار وبما تتابع عليها من المطر.
والاستشهاد بالبيت في قوله (والقطر) حيث حرك الراء بالكسر لاجل حرف الاطلاق وهو الياء (2) هذه ابيات من الرجز المشطور لرؤبة بن العجاج و (جدبا) يريد الجدب = (*)
إنَّ الدَّبَا فَوْقَ الْمُتُونِ دَبَّا * وهبت الريح بمور هبا تترك مَا أبْقَى الدَّبَا سَبْسَبَّا * كَأَنَّهُ السيل إذا اسلحبا أو الحريق وافق القصبا * والتبن وَالْحَلْفَاء فَالتَهَبَّا وليس في كلام سيبويه ما يدل على كون مثله شاذا أو ضرورة بلى إنما لم يكثر مثله غاية الكثرة لقلة تضعيفهم في الوقف لما ذكرنا أن الوقف حقه التخفيف لا التثقيل فقلة مثل القصبَّا وَعَيْهَلِّ مثل قلة نحو جاءني جعفر ويجعلّ وكان الواجب أن لا يلحق التضعيف المنصوب المنون في نحو قوله: * تَتْرُكُ مَا أَبْقَى الدَّبَا سَبْسَبَّا * لأن حقه أن يتحرك حرف إعرابه في الوقف ويقلب تنوينه ألفاً لا غير ومع تحرك حرف الإعراب في الوقف لا لأجل الإتيان بحرف الإطلاق لا يضعف لكن الشاعر حمل النصب على الرفع والجر وقاسه عليهما كما في لغة ربيعة واعلم أن النحاة قالوا: إن الشاعر في نحو قوله عيهلِّ والقصبَّا أجرى الوصل مجرى الوقف يعنون أن حرف الإطلاق هو الموقوف عليه إذ لا يؤتى به إلا للوقف عليه فإذا كان هو الموقوف عليه لم يكن ما قبله موقوفاً عليه بل في
درج الكلام وهذا إجراء الوصل مجرى الوقف هذا وقال سيبويه: حدثني من أثق به أنه سمع أعرابيًّا يقول: أعطني أبيضَّهْ يريد أبْيَضٌ والهاء للسكت وهو
= فنقل حركة الباء الى الدال الساكنة ثم ضعف الباء والدبا: الجراد والمور: الغبار والسبسب - بزنة جعفر -: القفر والمفازة وتشديد الباء فيه ضرورة كما سيقول المؤلف واسلحب: امتد والقصبا: يريد القصب فشدد الباء والتهبا كذلك والاستشهاد بهذه الابيات في قوله (جدبا والقصبا والتهبا واخصبا وسبسبا) حيث ضعف اواخر ها للوقف ثم حركها ضرورة (*)
أقبح الشذوذ لأن هاء السكت لا يلحق إلا ما حركته غير إعرابية وأيضاً حرك المضعف لا لأجل حرف الإطلاق كما ذكرنا قال: (وَنَقْلُ الْحَرَكَةِ فِيمَا قَبْلَهُ سَاكِنٌ صَحِيحٌ إلا الْفَتْحَةَ إلَاّ فِي الْهَمْزَةِ وَهُوَ أيْضاً قَلِيلٌ مِثْلُ هذا بَكُرْ وخَبُؤْ ومَرَرْتُ بِبَكْر وَخَبِئْ وَرَأَيْتُ الْخَبَأْ وَلَا يُقَالُ رَأَيْتُ الْبَكَرْ ولَا هذا حبر ولا من قفل وَيُقَالُ: هّذَا الرِّدُؤْ وَمِنَ الْبُطِئُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَفِرُّ فَيُتْبِعُ) أقول: قوله (ونقل الحركة) هذا وجه آخر من وجوه الوقف وهو قليل كقلة التضعيف إلا في الهمزة كما ذكرنا وذلك لغرض لهم ذكرناه في نقل حركة الهمزة وإنما قلَّ هذا لتغير بناء الكلمة في الظاهر بتحرك العين الساكن مرة بالضم ومرة بالفتح ومرة بالكسر وإن كانت الحركات عارضة وأيضاً لاستكراه انتقال الإعراب الذي حقه أن يكون على الأخير إلى الوسط وإنما سهل لهم ذلك الفرار من الساكنين والضن بالحركة الإعرابية الدالة على المعنى ولو ثبت ذلك في نحو مُنْذُ من المبنيات فالمسهل الفرار من الساكنين فقط وهذا النقل ثابت في الرفع والجر اتفاقاً وأما في النصب: فإن كان الاسم منوناً
فلا يثبت إلا في لغة ربيعة لحذفهم الفتحة أيضاً وإن لم يكن منونا فقد منعه سيبويه وقال: لا يقال رأيت الْبَكَرْ بناء على ان اللام عارضة والاصل التنوين فالمعرف باللام في حكم المنون وغير سيبويه جوزه لكونه مثل مهموز الآخر فقد ثبت النقل فيه اتفاقاً لما ذكرنا قبل من خفاء الهمزة ساكنة بعد الساكن ولكراهتهم ذلك في الهمزة جوزوا فيها النقل مع الأداء الى الوزن المرفوض نحو هذا الرِّدُؤُ ومن الْبُطِئْ ولم يجوزوا ذلك في غيرها فلم يقولوا: هذا عِدُلْ ولا من قُفِلْ بل من كان ينقل في نحو بكر إذا اتفق له مثل عدل وقفل (ج 2 - 21)
اتبع العين الفاء في الرفع والنصب والجر فيقول: هذا العِدلِ والقُفُل ورأيت العِدلِ والقُفُل ومررت بالعِدِل وَالقُفُل لأنه لما لزمة تسوية الرفع والجر فيهما لئلا يؤدي إلى الوزن المرفوض أتبعهما المنصوب وجعل الأحوال الثلاث متساوية قوله (ومنهم من يفر فيتبع) يعني في المهموز في الأحوال الثلاث وكذا غير المهموز وإن لم يذكره المصنف والفرق بين المهموز وغيره أن المهموز يغتفر فيه الأداء إلى الوزن المرفوض فيجور ذلك كما يجوز الإتباع وأما غير المهموز فلا يجوز فيه إلا الإتباع ولم يذكر المصنف في هذا الفصل أيضاً وقف أهل الحجاز هذا وقد ذكرنا قبل أن هاء الضمير كالهمز في الخفاء فإذا سكن ما قبلها وهو صحيح جاز نقل ضمتها لبيانها إلى ذلك الساكن نحو مِنُهْ وعَنُهْ قال: 114 - عَجِبْتُ والدهر كثير عجبه * من عنزي سَبَّنِي لَمْ أضْرِبُهْ (1) وبعض بني عدي من بني تميم يحركون ما قبل الهاء للساكنين بالكسر
(1) هذا بيت من الرجز لزياد الاعجم - وهو من شواهد سيبويه (ح 2 ص
287) .
العنزي: نسبة الى عنزة وهى قبيلة من ربيعة بن نزار وهى عنزة بن اسد ابن ربيعة وزياد الاعجم قائل هذا البيت احد بنى عبد القين.
والاستشهاد بالبيت في قوله (لم اضربه) حيث نقل حركة الهاء إلى الباء ليكون أبين لها في الوقف وذلك من قبيل ان الهاء الساكنة خفية فإذا وقف عليها بالسكون وقبلها ساكن كان ذلك اخفى لها قال أبو سعيد السيرافى: (انما اختاروا تحريك ما قبل الهاء في الوقف إذا كان ساكنا لانهم إذا وقفوا اسكنوا الهاء وما قبلها ساكن فيجتمع ساكنان والهاء خفية ولا تبين إذا كانت ساكنة وقبلها حرف ساكن فحركوا ما قبلها بالقاء حركتها على ما قبلها وبعضهم - وهم بنو عدى - لما اجتمع الساكنان في الوقف وارادوا ان يحركوا ما قبل الهاء لبيان الهاء حركه بالكسر كما يكسر الحرف الاول لاجتماع الساكنين في نحو قولنا: لم يقم الرجل وذهبت الهندات) اه (*)
فيقولون: ضَرَبَتِهْ وقَالَتِهْ والأول هو الأكثر ولا ينقل الحركة إلى الساكن إذا كان مدغماً لئلا يلزم انفكاك الإدغام نحو الرَّدِّ والشَّدِّ قوله (صحيح) وإنما اشترط ذلك لأن حرف العلة لا تنقل الحركة إليه لثقلها عليه وذلك نحو زَيْد وَحَوْض واعلم أنه يجوز أن يوقف على حرف واحد كحرف المضارعة فيوصل بهمزة بعدها ألف وقد يقتصر على الألف قال: 115 - بالْخَيْرِ خَيْرَاتٍ وَإِنْ شَرًّافَا * وَلَا أُرِيدُ الشَّرَّ إلَاّ أنْ تَا (1) أي: إن شرا فشر ولا أريد الشر إلا أن تشاء ويروى (فأا) و (تأا) كأنه زيد على الألف ألف آخر كإشباع الفتحة ثم حركت الأولى للساكنين فقلبت همزة كما ذكرنا في دأبَّة
(1) هذا بيت من الرجز لم نعثر له على قائل وقد استشهد به سيبويه (ح 2 ص 62) والشاهد فيه قوله (فا) وقوله (تا) يريد فشر وتشاء فاقتصر على الفاء وهى اول الكلمة الاولى وعلى التاء وهى اول الثانية ولما لفظ بهما وفصلهما مما بعدهما ألحقهما الألف للسكت عوضاً من الهاء التى يوقف عليها وذلك كما وقفوا على (انا) و (حيهلا) بالالف قال أبو سعيد السيرافى: (إذا سميت رجلا بالباء من ضرب فمذهب الاخفش ان يزيد عليه ما يصيره بمنزلة اسم من الاسماء المعربة وفيها ما يكون على حرفين كيد ودم واولى ما ترده إليه ما كان في الكلمة فترد الضاد فتقول: ضب وقال المازنى: ارد اقرب الحروف إليه وهو الراء فأقول: رب وقال أبو العباس: ارد الحروف كلها فأقول: ضرب) اه.
قال سيبويه: (وسمعت من العرب من يقول: الا تا بلى فا فانما ارادوا (الا تفعل) و (بلى فافعل) ولكنه قطع كما كان قاطعا بالالف في انا وشركت الالف الهاء كشركتها في قوله: انا بينوها بالالف كبيانهم بالهاء في (هي) و (هن) و (بغلتيه) قال الراجز: * بالخير خيرات
…
البيت * يريد ان شرا فشر ولا يريد الشر الا ان تشاء) اه (*)