الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الطهارة
باب المياه
بدأ بالطهارة كما فعله غيره من المصنفين في الأحكام الشرعية اهتماما بالأمور الدينية وتقديما لها على المصالح الدنيوية، ولِمَا في الصحيحَيْن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"بُنِيَ الإسلامُ على خَمسٍ (أ): شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج"(1)، فرتبوها على هذا الترتيب المتين، وقدموا الظهارة لأنها مِفتاح الصلاة التي هي عماد الدين، وهي بالماء أصل وبالتراب فرع فَقُامَتْ أحكام المياه، ولم يذكر أحاديث الشهادتين، لأن مبنى الإسلام عليهما (2)، والكتاب إنما هو في محض الأحكام بعد تقرر الإيمان.
"والكتاب" مصدَر كَتَبَ كتابًا وكتابة، ومادة "كتب" دالة على معنى الجَمع والضم، ومنه الكتيبة والكتابة، استعملوا ذلك فيما يجمع أشياء من الأبواب والفصول الجامعة للمسائل.
والضم فيه (ب) بالنسبة إلى المكتوب من الحروف حقيقة، وبالنسبة إلى المعاني مجاز (3).
"والطهارة": مصدر طهر يطهر، وهو لازم، فهي الوصف القائم بالفاعل شاملة للمعنى القائم بالذات المتجردة (جـ) عن الحَدَث والنجس أو عن أحدهما،
(أ) في هـ: خمسة.
(ب) ساقطة من ب.
(جـ) في ب: المجردة.
_________
(1)
صحيح البخاري 1/ 49 ح 8، صحيح مسلم 1/ 45 ح 19 - 16.
(2)
قال الإمام النووي: (وأما التوحيد فله كتب مستقلة وهو علم الكلام)، المجموع 1/ 128.
(3)
مختار الصحاح 1/ 42، القاموس المحيط 1/ 125، النهاية 4/ 147.
ويجوز أن يكون مصدر المفعول، وهو الأثر الحاصل عن الفاعل القائم بالمفعول، ويجوز أن يكون اسم مصدر طهر تطهيرًا وطهارة مثل: كَلَّم تَكْلِيما وكلاما.
ومعناها لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار (1)، وشرعا: على الأول -وهو مصدر اللازم-: صفة حُكْمية تثبِتُ لموصوفها جواز الصلاة به أو فيه أو له، فالأولان الطهارة من النجس والأخير الطهارة من الحدث.
وعلى الثاني -وهو كونها اسم مصدر المتعدي (أ) -: استعمال المطهرَيْن أو أحدهما على الصفة المشروعة في إزالة النجس والحدث.
وعليهما جميعًا: عدم حدث أو نجس يرفعه أو بالأصالة أو ما في حكمه.
فيشمل الأول: ما رفع منه الحدث بعد كونه كالوضوء من الحَدَث والغُسل من الجنابة وما كان طاهرا من الحَدَث بالأصالة كمن بلغ طاهرًا من الجنابة.
ويشمل الثاني: ما رفعت منه النجاسة بعد كونها، رما كان طاهرا قبل طُرُوء النجاسة.
وقوله: "أو ما في حكمه" أي: حكم الحَدَث، يدخل فيه تجديد الوضوء والغسل المسنون والمندوب.
والمعنى الثاني أنسب بالبحث إذ (ب) الفقيه إنما يبحث عن أحوال أعمال المكلفِيْن من الوجوب وغيره لا عن صفات الذوات القائمة بها (2).
"والباب" في اللغة: ما يُدخل منه إلى غيره، واستعماله هنا مَجَاز في عنوان
(أ) في ب: التعدي.
(ب) في ب، هـ: إذا، وفي جـ: فالفقيه.
_________
(1)
مختار الصحاح 173، القاموس المحيط 2/ 82.
(2)
المجموع 1/ 133، المغني 1/ 6.
الجملة من المسائل المتناسبة (أ) المعاني كما جرت به عادة العراقيين، ويعبَّر عنه أيضًا بالفصل كما في غالب كتب الخراسانيين.
"والمياه": جمع ماء، والماء جنسٌ يقع على القليل والكثير، وجَمَعَه هنا للدلالة على اختلاف أنواعه حتى إنَّ بعض أنواعه مُجْمَع على تطهيره -وهو ما عدا ماء البحر-، والخلاف في ماء البحر لابن عمرو وابن عمر، حجة الجمهور حديث الباب وهو:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البحر: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، والحِلُّ مَيْتَتُهُ"(1).
أخرجه الأربعة وابن أبي شيبة واللفظ له، وصححه ابن خزَيمة والترمذيّ.
أبو هريرة هو أول من كُنِّيَ بهذه الكنية، واختُلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولا، وأصحها: عبد الرحمن بن صخر. قال ابن عبد البر: وهو الذي تَسْكُنُ إليه النفس في اسمه في الإسلام (2). وبه قال محمد بن إسحاق والحاكم أبو أحمد (3)،
(أ) في ب: المتناسفة.
_________
(1)
في النسخ بلفظ "والحل ميتته"، وفي نسخ "البلوغ" المخطوطة والمطبوعة بدون واو، وهي مثبتة عند ابن أبي شيبة فأثبتناها. أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب الوضوء بماء البحر 1/ 64 ح 83. والترمذي باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور 1/ 101 ح 69، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي كتاب الطهارة باب الوضوء بماء البحر 1/ 143. وابن ماجه كتاب الطهارة وسننها باب الوضوء بماء البحر 1/ 136 ح 386، والحاكم 1/ 141، وابن حبان (الموارد) 60 ح 119، والمنتقى (بلفظ: الحلال) 1/ 25 ح 43، والدارقطني 1/ 36 ح 13، والبيهقي 9/ 252 - 256، وابن أبي شيبة 1/ 130، وأحمد 2/ 237، 3/ 373. والدارمي باب الوضوء من ماء البحر 1/ 186.
ومالك كتاب الطهارة باب الطهور للوضوء 40 ح 12.
وعند ابن خزيمة (بلفظ الحلال) باب الرخصة في الغسل والوضوء إلخ 1/ 59 ح 111.
ورجال الحديث ثقات، وصححه جمعٌ غفير منهم البخاري -فيما حكاه عنه الترمذي-، وابن منده، ابن المنذر، والبغوي.
الترمذي 1/ 101، عون المعبود 1/ 152، وقال ابن عبد البر: (وهذا إسناد وإن لم يخرجه أصحاب الصحاح فإن فقهاء الأمصار وجماعة من أهل الحديث متفقون على أن ماء البحر طهور، بل هو أصلٌ عندهم في طهارة المياه الغالبة على النجاسات المستهلكة لها، وهذا يدلك على أنه حديث صحيح المعنى يتلقى بالقبول والعمل الذي هو أقوى من الإسناد المنفرد. الاستذكار 1/ 202.
(2)
و (3) الاستيعاب 12/ 172 - 173.
وعلى هذا اعتمدَتْ طائفةٌ صنفت في الأسماء والكنى.
وكُنِّيَ بأبي هريرة لأنه كانت له في صغَرِه هِرَّة صغيرة يلعب بها.
وهو أكثر الصحابة رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم (1)، وذكر (2) الحافظ بَقِيّ بن مَخْلَد الأندلسيّ في "مسنده" لأبي هريرة خمسة آلاف حديث وثلاثمائة (1) وأربعة وسبعين (5) حديثًا، وليس لأحد من الصحابة هذا القَدْر ولا ما يقاربه.
قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ مَنْ روى الحديث في دهره (3).
وكان ينزل بالمدينة، وبذي الحُلَيْفَة، وله فيها دار.
مات بالمدينة سنة تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة (4)، ودُفِن بالبَقِيْع، وماتت [عائشة](جـ) قبله بقليل وهو الذي صلى عليها.
وقيل: إنه مات سنة سبع وخمسين، وقيل: ثمان، والصحيح الأول.
قال أبو نعيم: كان عَرِيْف أهل الصُّفَّة، وأشهر مَنْ سَكَنَها (5).
هذا الحديث [وقع في جواب سؤال، ولفظ أبي داود (6): أن المغيرة سمع أبا هريرة يقول: "سأل رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إنَّا نَركَبُ (د) البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإِنْ توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو الطهُورُ مَاؤهُ والحِلُّ مَيْتَتُه".
(أ) زاد في هـ: حديث.
(ب) في هـ: وسبعون وكذا ى.
(جـ) بالهامش في الأصل.
(د) في جـ: ركب.
_________
(1)
طبقات ابن سعد 2/ 362، حلية الأولياء 1/ 376.
(2)
مسند بقي بن مخلد 79.
(3)
الرسالة 281.
(4)
سير أعلام النبلاء 2/ 599.
(5)
الاستيعاب 12/ 167، الإصابة 13/ 63.
(6)
أبو داود 1/ 64 ح 83.
وكأنه شك في جواز الطهارة بماء البحر من أجل ملوحته فسأل عنه.
وهو] (أ) أصلٌ عظيم في الطهارة حتى قال الشافعيُّ -كما رواه الحميديّ-: إن فيه نِصف علم الطهارة (1).
* الحديثُ أيضًا أخرجه ابن حِبان في "صحيحه"، وابن الجارود في "المنتقى"، والحاكم في "المستدرك"، والدارقطني، والبيهقي في "سننهما"(2)، وصححه البخاريّ -كما حكاه عنه الترمذي (3) -، وحكم ابنُ عبد البر بأنَّ الأمةَ تلقته بالقَبُول (4)، ورجح ابن مَندَه صحته، وصححه ابن المنذر، وأبو محمد البَغَوِي (5).
وقال الشافعي: في إسناده مَنْ لا أعرِف (6)(ب)، ومدار إسناده على صفوان (جـ ابن سليم (7) عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بُردة عن أو هريرة، ورواه مالك وأبو أويس عن صفوان جـ) (8)
والجهالة محتملة إن أراد الشافعي أنه لا يعرف سعيد بن سلمة (9) أو المغيرة أو
(أ) بهامش الأصل.
(ب) زاد في ب: في.
(جـ - جـ) بهامش ب.
_________
(1)
المجموع 1/ 132.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
علل الترمذي الكبير: 35.
(4)
الاستذكار 1/ 202.
(5)
شرح السنة 2/ 55.
(6)
الأم 1/ 2.
(7)
صفوان بن سليم، المدني، أبو عبد الله، الزهري مولاهم: ثقة متقن. التهذيب 4/ 425، ثقات العجلي 228.
(8)
الموطأ 40 ح 12.
(9)
سعيد بن سلمة، المخزومي: وثقه النسائي، التقريب 122.
كلاهما، وقد تَعقب الشافعي بأن سعيد بن سلمة لم ينفرد به بل (أ) قد شاركه في الرواية يحيى بن سعيد الأنصاري، إلا أنه اختُلف عليه فيه، والمغيرة (1) قال أبو داود: إنه معروف، وقال ابن عبد البر (2): وجدتُ اسمه في مغازي موسى بن نصير (ب) موسى بن عقبة (جـ)، ووثقه (د) النسائي.
وتابع صفوان في الرواية عن سعيد بن سلمة الجلاح (3) أبو (هـ) كثير. رواه عنه الليث بن سعد وعمر بن الحارث (و) وغيرهما.
وأخرجه أحمد والحاكم والبيهقي (4) من طريق الليث عن أبي هريرة بسياقٍ أتمّ جواب عن سؤال صياد.
* وفي الباب عن جابر بن عبد الله رواه أحمد، وابن ماجه، وابن حبان، والدارقطني، والحاكم (5).
قال أبو علي بن السَّكَن (6): حديث جابر أصح ما رُوِيَ في هذا الباب.
(أ) زاد في ب: قال.
(ب) في مغازي موسى بن عقبة. قلت: وموسى بن عقبة أول من صنف في المغازي. سير أعلام النبلاء 6/ 114.
(ص) زاد في حـ: و.
(د) في هـ، ووثقه، ومصححه: ووقفه، وفي ب: ووثقه. وفي جـ: ووقفه.
(هـ) في النسخ: الجلاح بن كثير، والمثبت هو الصحيح، انظر ترجمته في تَهْذِيب التهْذِيبِ 2/ 126.
(و) في ب: عمرو.
_________
(1)
المغيرة بن أبي بردة، ويقال: ابن عبد الله بن أبي بردة، وثقه النسائي. التقريب 344، الكاشف 3/ 167.
(2)
الاستذكار لابن عبد البر 1/ 202.
(3)
الجلاح، أبو كثير، المصري، مولى الأمويين: صدوق. التقريب 58، الكاشف 1/ 190.
(4)
البيهقي 1/ 3، الحاكم 1/ 141.
(5)
أحمد 3/ 373، ابن ماجه 1/ 137 ح 388، ابن حبان 60 ح 120 (موارد)، الدارقطني 1/ 34 ح 3، الحاكم 1/ 141.
(6)
التلخيص 2/ 23، البدر 1/ 26.
وعن ابن عباس رواه الدارقطني والحاكم من حديث موسى بن سلمة عن ابن عباس (1) مرفوعًا بلفظ: "ماء البحر طهور "(أ)، ورواته ثقات (ب، لكن صحح الدارقطني وقفه (2).
وعن ابن الفراسي ب).
أخرجه ابن ماجه (3) من حديث يحيى بن بكير بلفظ حديث أبي هريرة.
قال الترمذي عن البخاري أن ابن الفراسي ليس له صُحبة، وأبوه صحابي فهو مرسَل (4)، وقد رواه البيهقي (5) من حديث يحيى بن بكير عن الفراسي نفسه، ولكنه مرسَل على رأي البخاري لأن راويه عنه ابن مخشي، وليس على شرط البخاري.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا بلفظ: "مَيْتَةُ البحر حلال، وماؤه طهور"، أخرجه الدارقطني (6) والحاكم، وفيه المُثَنَّى، وهو ضعيف (7).
ووقع في رواية الحاكم "الأوزاعي" وهو غير محفوظ.
وعن علي رضي الله عنه من طريق أهل البيت أخرجه الدارقطني والحاكم، وفي إسناده مَنْ لا يُعرف (8).
(أ) الواو ساقطة من ب.
(ب، ب) في هـ: صحح الدارقطني وقفه على ابن الفراسي.
_________
(1)
سنن الدارقطني 1/ 35، الحاكم 1/ 140.
(2)
الدارقطني 1/ 35.
(3)
ابن ماجه 1/ 136 - 137 ح 387.
(4)
لفظه: (سألت محمدا عن حديث ابن الفراسي في ماء البحر فقال: "هو مرسَل، ابن الفراس لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم والفراسي له صحبة) علل الترمذي الكبير 137.
(5)
البيهقي 9/ 252 - 256.
(6)
سنن الدارقطني باب في ماء البحر 1/ 37، الحاكم 1/ 143.
(7)
المثنى بن الصباح، أبو عبد الله: ضعيف، اختلط بأخرة فتُركت أحاديثه. ضعفاء العقيلي 4/ 249، الخلاصة 369.
(8)
الدارقطني 1/ 37، والحاكم 1/ 142.
وعن ابن عمر بلفظ: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إن ماءه طهور، وميتته (أ) حِلّ". أخرجه الدارقطني (1).
ومن حديث أبي بكر رضي الله عنه أخرجه الدارقطني (2)، وفي إسناده عبد العزيز بن أبي ثابت، وهو ضعيف (3)، وصحح الدارقطني وقفه، وكذا ابن حبان في "الضعفاء"(4).
وعن أنس رواه الدارقطني أيضًا (5)، وفي إسناده أبان بن أبي عياش (6)، وهو متروك (7).
* والطَّهُور: بفتح الطاء على فَعُول -صفةٌ، تُطْلَق على المطهر، وبالضم مصدر، وقال سيبويه: إنه بالفتح لهما.
* وظاهر الحديث يدل على أنَّ ماءَ البحر طاهرٌ مطهِّر، لا يخرج عن الطهورية بحال، ولكنه مخصَّص بما سيأتي.
(أ) في هـ: وميته حلال.
_________
(1، 2) سنن الدارقطني 1/ 35.
(3)
عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، الزهري، يعرَف بابن أبي ثابت، المدني، الأعرج: قال البخاري: منكر الحديث، احترقت كتبه فحدّث من حفظه فاشتد غلطه. الضعفاء للعقيلي 3/ 13، التقريب 215.
(4)
المجروحين 2/ 139.
(5)
الدّارقطني 1/ 35.
(6)
أبان بن أبي عياش فيروز، البصري، أبو إسماعيل، العبدي: متروك، التقريب 18، المغني في الضعفاء 1/ 7 - 14.
(7)
وقد تكلم على هذا الحديث ابن الملقن في البدر، وابن حجر في التلخيص، والزيلعي في نصب الراية، وقد أجاد ابن الملقن في تنظيمها وعرضها.
واحْتَجَّ مَنْ لم يَقُلْ بطَهوريته بما رُوي موقوفًا (أ) عن ابن عمر (ب: "ماءُ البحر لا يُجزيء من وضوء ولا جَنابة، إِنَّ تحت البحر نارا ثم ماءً ثم نارا .. حتى عَدَّ سبعة أبحُر وسبع أنيار".
ورواه أبو داود عن ابن عمر ب) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يركب (جـ) البحر إلا حاج أو معتمر، أو غاز في سبيل الله، فإنَّ تحت البحر نارا، وتحت النار بحرا"(1)(د).
ورواه سعيد بن منصور أيضًا في "سننه".
ولكن ذلك لا يعارض حديث الباب لقوته بكثرة طرقه حتى روى الترمذي عن البخاري أنه قال بصحته -وإن لم يخرجه في "الصحيح"-، وأيضًا فإنّ محل الاستشهاد غير مرفوع، والمرفوع آخِره.
* وقوله: "والحل مَيتته" فيه دلالة على حِل مَيتة (هـ) البحريّ على أيّ صِفة كانت ومن أي نوع (و)، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
[وتعريف الخبر باللام الجنسية في "الطَّهور" لا تُفيد حصر الطهورية (ز) عليه حتى يُفهم أنه لا يتطهر بغيره لأنه لم يقصد به الحَصْر، وإنما وقع جواب لمن شك في الطهور به، فأثبت له (ح) الطهورية، وأما "الحِل ميتته" فيمكن استفادة الحَصر منه لأنه لا يحل (ت) ميتة البريّ إلا الجراد، والله أعلم](ى).
(أ) في جـ: مرفوعًا، والصحيح الوقف.
(ب، ب) بهامش ب.
(جـ) في نسخة هـ، جـ: تركب.
(د) في هـ: بدون الواو.
(هـ) في نسخة ب، هـ: ميتته.
(و) الواو ساقطة من هـ.
(ز) في ب: الطهور.
(ح) في ب: به.
(ت) في هـ: لم.
(ى) بهامش الأصل.
_________
(1)
سنن أبي داود كتاب الجهاد باب في ركوب البحر 3/ 13 ح 2489، وفيه يشير بن مسلم وهو مجهول.
التقريب 46، الخلاصة 50.
2 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الماءَ طَهُورٌ، لا يُنجِّسُه شيءٌ".
أخرجه الثلاثة، وصححه أحمد (1).
* أبو سعيد الخُدْرِيّ: هو سعد بن مالك بن سِنَان، الخزرجي، الأنصاري، اشتهر بكنيته، كان من الحفاظ المكثِرين العلماء الفُضلاء العقلاء، أول مشاهده الخندق، وعُرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد وهو ابن ثلاث عشرة سنة فرده النبي صلى الله عليه وسلم، قال (أ):"فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم خرجنا نلتقيه، فنظر إليَّ فقال: سعد بن مالك؟ قلتُ: نعم بأبي وأمي (ب)، فدنوتُ فقبلتُ ركبتَه، فقال: "قد آجرك اللهُ في أبيك " وكان قُتل يومئذ شهيدا".
وغزا أبو سعيد مع النبي صلى الله عليه وسلم اثنتَي عشرة (جـ) غزوة، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، مات سنة أربع وسبعين، ودفن في البقيع، وله أربع وثمانون سنة (2).
(أ) ساقطة من هـ.
(ب) ب: بأبي أنت وأمي.
(جـ) في هـ: اثني عشر.
_________
(1)
أبو داود كتاب الطهارة باب ما جاء في بئر بضاعة 1/ 54 - 55 ح 67.
الترمذي في أبواب الطهارة باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء 1/ 95 - 96 ح 66.
النَّسائيُّ: باب ذكر بئر بضاعة 1/ 141.
أحمد 3/ 86.
والدارقطني باب الماء المتغير 1/ 31.
البيهقي: الطهارة باب الماء الكثير لا ينجس بنجاسة تحدث فيه ما لم يتغير 1/ 257.
(2)
الإصابة 4/ 165، الاستيعاب 4/ 162، أُسْد الغابة 2/ 289.
"الحديث مُخْتَصَرٌ من حديث بئر بُضَاعة، وهو قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الماء طَهُورٌ لا ينجسه شيء" هذا لفظ الترمذي (1)، وقال: حديث حسن غريب (2).
وقد أعله الدارقطني (3) بالاختلاف على ابن إسحاق وغيره، وقال في آخر الكلام عليه: وأحسنها إسنادا رواية الوليد بن كثير عن محمد بن كعب يعني عن (أ) عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع عن أبي سعيد.
وأعله ابن القطان بجهالة راويه عن أبي سعيد واختلاف الرواة في اسمه واسم أبيه. قال: وله طريق (ب) أحسن من هذه ذكرها قاسم بن أصبغ في "مصنفه"(4) بلفظ الترمذي إلا أنه قال: "الماء لا ينجسه شيء".
وقال ابن مَنده في حديث أبي سعيد: هذا إسنادٌ مشهور، وهو في سنن النَّسائيِّ (5) بلفظ:"مررتُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ من بئر بُضاعة فقلتُ: أنتوضأ منها، وهي (جـ) يطرح فيها ما يكره من النتن؟ فقال: "الماء لا ينجسه شيء" (6).
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: طرق.
(ب) في هـ: وهو.
_________
(1)
الترمذي 1/ 95 ح 66.
(2)
في نسخة الترمذي بتحقيق أحمد شاكر: (قال أبو عيسى: هذا حديث حسن)، وكذا في التلخيص 1/ 24، وقال النووي في المجموع (قال الترمذي حديث حسن صحيح) 1/ 131.
(3)
التلخيص 1/ 24.
(4)
التلخيص 1/ 24.
(5)
سنن النَّسائيِّ 1/ 141.
(6)
قلت: وقد صحح الحديث الإمام أحمد، وابن مَعِين، وابن حزم، وقال النووي: وقولهم مقدم على الدارقطني إن هذا الحديث ليس بثابت البدر 1/ 31 - 32، التلخيص 1/ 24 - 25.
* ظاهر الحديث يدل على أنَّ الماء لا يتنجس مهما كان يطلَق عليه اسم الماء المطلق، ولو (أ) تغير أوصافه بالنجاسة وإن قَلَّ، إلا أنه قام الاجماع (1) على نجاسة ما تغير أوصافه بالنجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم:"إلا إن تغير ريحه أو لونه أو طعمه"(ب) بنجاسة تحدث فيه؛ سيأتي في حديث أبي أُمَامَة (2)، والخلاف فيما عدا ذلك، فذهب القاسم والإمام يحيى وجماعة (3) -وهو مذهب مالك والغزالي (4) - إلى أنه لا ينجس بما لاقاه من النجاسة وإن كان الماء قليلًا إذا لم يتغير عملا بهذا الحديث (5).
وذهب (6) الهادي (7) والمؤيد (8) وأبو طالب (9) والناصر (10) وجماعة إلى أنه ينجس القليل بملاقاة النجاسة وإن لم تتغير أوصافه إذ القليل حده ما يظن (جـ)
(أ) في ب: ولم.
(ب) في هـ: أو طعمه أو لونه.
(جـ) في هـ: ما لم يظن.
_________
(1)
بداية المجتهد 1/ 23، المجموع 1/ 159.
(2)
سيأتي في ح 3.
(3)
انظر: الإحكام الجامع لأصول ما يحتاج إليه من الحلال والحرام ل 21.
(4)
بداية المجتهد 1/ 24، المجموع 1/ 161، الاستذكار 1/ 203، الوسيط 1/ 322، وقول آخر أن النجاسة تفسده: البداية 1/ 24.
(5)
وينسب إلى ابن عباس وأبي هريرة وابن المسيب وغيره. المجموع 1/ 161.
(6)
البحر الزخار 1/ 32.
(7)
سبق تعريفه.
(8)
أحمد بن الحسن بن هارون الحَسَني الآملي، كان له اطلاع في علم النحو والحديث، تغلب على طبرستان. توفي سنة 411. تراجم رجال شرح الأزهار 3/ 5.
(9)
أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون صنو للمؤيد. توفي سنة 424. تراجم رجال شرح الأزهار 3/ 41.
(10)
سبق تعريفه.
المستعمل للماء استعمال النجاسة باستعماله، والمستعمِل له قد استعمل جزءًا من النجاسة، وقد قال الله تعالى:{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} [المدثر: 5](1)، ولخبر الاستيقاظ (2)، لقوله:"لَا يَبُولَنَّ أحدُكُم في الماء الدائم"(3) كما سيأتي، ولأنه تعارض فيه جهة حظر وجهة إباحة فترجح جاتب الحَظْر، ولحديث القُلَّتيْن (4) كما سيأتي.
فالحديث وإن كان عاما فهو مُخَصَّص يخرج عنه الماء القليل بما ذكرنا من الأدلة.
وفَرَّعَ على هذا القول السادة، وهم (أ) المؤيد، وأبو طالب، وأبو العباس (5): أن النجاسة إذا كان جرمها مرجودا في ماء كثير فهو محكوم بنجاسة ملاصقها وملاصق الملاصق، وذلك لأن الملاصق ينحل إليه جزء من النجاسة وملاصقه كذلك فمستعمله غير هاجر للرُّجْز (ب)، وهو تخريجٌ قويّ ارتضاه الإِمام المهديّ على مقتضى أصل الهادوية (6)، وقياسا منهم على الغسلات الثلاث، وسيأتي الكلام في اعتبارها، ولكن يلزم في ملاصق ملاصق ملاصق النجاسة المعبّر عنه عندهم بالمجاور الثالث أن يكون طاهرا غير مطهر على أصل مَن يقول في ماء الغسلة الثالثة
(أ) في هـ: وهو.
(ب) في جـ: الرجز.
_________
(1)
من سورة المدثر الآية (5).
(2)
سيأتي في ح 34.
(3)
سيأتي في ح 5.
(4)
سيأتي في ح 4.
(5)
أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن الحسن، الهاشمي، الحسني، إمام من أئمة الزيدية توفي سنة 353. تراجم رجال شرح. الأزهار 3/ 3.
(6)
الهادوية: من انتسب إلى الهادي كأبي العباس وأحمد بن يحيى من خدمة مذهبه. والهادي هو يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طابي، الهاشمي، الحسني، أبو محمد، الإمام الهادي، ولد بالمدينة سنة 245، وتوفي بصعدة لعشر بقين من ذي الحجة منة 298. لها كتب منها الإحكام، سبقت ترجمته.
كذلك، إلا أنه يمكن الفرق بين المجاور الثالث والغسلة الثالثة بأنها لما رفعت حكمًا زال عنها حكم الطهورية بخلاف المجاور الثالث فإنه لم يرفع حكما فبقى على أصل الطهورية، والقائلون بعدم نجاسة الكثير إذا لم يتغير اختلفوا في تحديده، فذهب أبو طالب والمؤيد إلى أنَّ الكثير ما لم يظن استعمال النجاسة باستعمال الماء تحقيقا أو تقديرا والقليل ما عداه، والوجه في ذلك أنه لا يتحقق هجران النجس (أ) المأمور به في الآية والمستنبط من حديث الاستيقاظ وحديث البَول في الماء الراكد إلا بذلك.
واختلفت الحكاية عن الهادي، فحكى في "شرح الإبانة" عن الهادي، وأطلقه القاضي زيد للمذهب أن الكثير ما لا تستوعبه القوافل الكبار شربا (ب) وطهورا، والقليل عكس ذلك، ونظَّرَه الإمام المهدي (1) بأنَّ في ذلك جهالة، فإنه لا يدري كم يغترفون (جـ) يعني لشربهم في الطريق، وهل شربهم قبل الاغتراف أو بعده.
وعن الأمير الحسين الهادي أن حده ستة أذرع عرضا ومثلها عمقا، ولعل مستند ذلك ما ورد في بئر بُضَاعة أنَّ عرضها ستة أذرع. قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قَيِّمَ بئر بُضَاعة عن عُمقها، فقلت: أكثر ما يكون فيها الماء؟ قال: إلى العانة، قلتُ: فإذا نقص؟ قال: دون العَورة. قال أبو داود: "قَدَّرْتُ بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذَرَعْتُه فإذا عرضها ستة أذرع،
(أ) في هـ: لنجس.
(ب) في ب: مشربا.
(جـ) في ب: يغرفون.
_________
(1)
البحر 1/ 33.
وسألتُ الذي فتح لي باب البستان فأدخلني (أ) هل غُيِّر بناؤها عما كانت عليه؟ فقال: لا، ورأيت فيها ماءً متغير اللون" (1).
ولكن هذا أثبت الذرع من جهة العرض فقط (1).
وقال المنصور بالله والناصر والشافعي (2): إن الكثير قلتان من قِلَال "هَجَر"، القلتان: خمسمائة رِطْل (3) بالعراقي.
قال الغزالي: أو ذراع وربع طولا ومثله عرضا ومثله عمقا بالذراع الهاشمي (4).
وعن النووي (ب): بذراع اليد، وهو شِبران باليد، وفي المستدير ذراع عرضا والعُمق ذراعان.
و (جـ) قال ابن أبي شريف: وروى ابن جُرَيج عن الشافعي أنه قال: رأيتُ
(أ) في هـ: فأدخلني إليه.
(ب) في هـ: النواوي.
(جـ) الواو ساقطة من هـ.
_________
(1)
سنن أبي داود 1/ 55.
(2)
المجموع 1/ 161، والبحر الزخار 3311.
(3)
الرطل: -بكسر الراء وفتحها- الذي يوزَن ويُكال، ورطله يرطله إزا رازه ليعرف كم وزنه. لسان العرب 13/ 304.
وقد أكثرت كتب الفقه الكلام على الرطل العراقي أو البغدادي، ويبدو أن السبب في ذلك كون بغداد هي عاصمة الدولة الإسلامية في عصر انتشار العلوم واستمر الأمر على ذلك، وهي تعادل 408 غرام. الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان 56.
(4)
وقال الإمام النووي: وهذا حسن تمس الحاجة إلى معرفته، ولكنه نسب القول إلى القاضي حسين في تعليقه. المجموع 1/ 172.
والذراع: مسافة ما بين طرفي المرفق إلى نهاية طرف الإصبع الوسطى من اليد. النهاية 2/ 44. =
قِلَالَ "هَجَر"، والقلة منها تَسَع قربتين، أو قربتين وشيئا، فاحتاط الشافعي وحسب الشيء نصفا إذ لو كان فوقه لقال ثلاث قِرب إلا شيئًا، فإنه عادة أهل اللسان فيكون خمس قرب والقربة من قرب مكة وهي التي عناها ابن جُريج لا تزيد غالبا على مائة رِطْل بغدادي.
قال: وسيأتي في الزكاة أن رطل بغداد على ما رجح الرافعي مائة وثلاثون درهما، وعلى ما رجح النووي (أ) مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع دِرهم.
ومستندهم ما أخرجه الشافعي، وأحمد، والأربعة، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي من حديث عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه -واللفظ لأبي داود-: سُئلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السِّبَاع والدواب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان الماء. قُلَّتَيْن لم يحمل الخَبَث"(1).
ولفظ الحاكم: "فقال: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء".
وفي رواية لأبي داود وابن ماجه: "فإنه لا ينجس".
قال الحاكم: صحيحٌ على شرطهما، وقد احتجا بجميع رواته.
(أ) في هـ: النواوي.
_________
= والقلتين: تقدر بحوالي 307 لتر.
قلت: وقد أفاض العلماء في معرفة القلتين وتقديرها، فكتب عبد الله الشنشوري رسالة "قرة العينين في مساحة ظرف القلتين" مخطوط في دار الكتب المصرية، وكتب ابن الرفعة. "الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان".
(1)
أبو داود 1/ 51 ح 63، الترمذي 1/ 97 ح 67، النسائي 1/ 142، ابن ماجه 1/ 172 ح 517، أحمد 2/ 27، الشافعي 7، الدارقطني 1/ 14 - 15 ح 2، الحاكم 1/ 133، البيهقي 1/ 260، ابن أبي شيبة 1/ 142.
وقال ابن منده: إسناده (أ) على شرط مسلم، ومداره على الوليد بن كثير (1)، فقيل: عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير (2)، وقيل: عنه عن محمد بن عباد (ب) بن جعفر (3)، وتارة: عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر (4)، وتارة: عن عبد الله بن عبد الله بن عمر (5) فهذا الحديث ظاهر في المدعي واعترض بأن سنده مضطرب لاختلافهم في راويه (جـ) واضطراب متنه، إذ قد روي "قلة" و "قلتين" و "ثلاث قلال" و "أربعين قلة"، ومعارَض بحديث أبي سعيد المار، وبحديث (د) ابن عباس:"إن الماء لا يجنب".
وأجيب عنه بأن الاضطراب في الراوي ليس اضطرابا قادحا، فإنه على تقدير أنْ يكون الجميع محفوظا انتقال مِن ثقة إلى ثقة، والتحقيق أنه عند الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر بن الزبير عن عُبَيْدُ الله بن عبد الله بن عمر المُصَغَّر (6)،
(أ) ساقطة من هـ.
(ب) في هـ: عبادة.
(جـ) في هـ: رواته، وليس بصحيح.
(د) في ب: ولحديث.
_________
(1)
الوليد بن كثير، المخزومي، أبو محمد، المدني: صدوق، روى له الجماعة. التقريب 371.
(2)
محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام، الأسدي، المدني: ثقة. التقريب 292.
(3)
محمد بن عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية، المخزومي، المكي: ثقة. الخلاصة 343.
(4)
عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، العدوي، المدني، أبو بكر: ثقة، التهذيب 7/ 25.
(5)
عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن، المدني، كان وصي أبيه: ثقة. ثقات العجليّ 266.
(6)
قال أحمد شاكر: وما قاله الحافظ من التحقيق غير جيد. والذي يظهر من تتبع الروايات أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير وعن محمد بن عباد بن جعفر وأنهما كلاهما روياه عن عبد الله وعبيد الله ابنَي عبد الله بن عمر عن أبيهما.
وقد سبقه ابن القيم إلى هذا، وابن الملقن في "البدر".
وللحديث إسناد آخر صحيح رواه أبو داود من طريق حماد بن سلمة قال: أخبرنا عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر 1/ 51. =
قال الحافظ المصنِّف: "ومَنْ رواه على غير هذا الوجه فقد وَهِم"(1).
وأما اضطراب المتن فكذلك إذا ثبت التخيير بين قُلة أو قلتين،؛ حكاه الإمام المهدي في "البحر"(2)، أو كما رواه أحمد والدارقطني إذا كان الماء قدر قلتين أو ثلاث (3).
وفي رواية للدارقطني وابن عدي والعقيلي: "إذا بلغ الماء قلة فإنه لا يحمل الخَبَث"(4) فإن ذلك لا يضر إذ التخيير (أ) بين قلتين أو ثلاث أثبت أن ما دون القلتين فهو قليل، والقلتين أو الثلاث كثير، وأما حديث:"قلة واحدة" فلم يصح، وقيل: موضوع.
وأما المعارضة بحديث أبي سعيد، وحديث ابن عباس فالجمع ممكن بأنهما عَامَّان بالنظر إلى القَدر، وهذا خاص، والعمل بالخاص فيما تناوله، وبالعام فيما بقى، فمفهوم العدد يقضي بأن ما دون القلتيْن (ب) يحمل الخَبَث أو ينجس،
(أ) في هـ: إذا المتخيير.
(ب) في هـ: (مخصوص هنا) زائد بعد قوله "القلتين"، وكأن المصحح أو الناسخ أشار إلى أنها زائدة.
_________
= وله إسنادٌ آخر رواه الترمذي من طريق محمد بن إسحاق وقد عنعنه 1/ 97.
وقال الحاكم عن رواية الوليد بن كثير: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بجميع رواته"، ووافقه الذهبي.
سنن الترمذي 1/ 99، ومستدرك الحاكم 1/ 33.
قال ابن الملقن: "وقد جمع البيهقي طرقه وبَيَّن رواية المحمدين عنه عبد الله وعبيد الله"، قال:"وكذا كان شيخنا أبو عبد الله الحافظ الحاكم يقول: الحديث محفوظ عنهما وكلاهما رواه عن أبيه"، قال:"وإلى هذا ذهب كثير من أهل الرواية". البدر 1/ 37، السنن الكبرى 1/ 260 - 262.
(1)
التحقيق أنه عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله المصغر، وعن الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله المكبر أهـ. ما ذكره الحافظ في التلخيص، وكأن الشارح اقتصر على رواية منهما.
(2)
البحر 1/ 33.
(3)
مسند أحمد 2/ 23، والدارقطني 1/ 22 ح 20.
(4)
لم أقف عليه في "الكامل" بلفظ "قلة"، وإنما بلفظ "قلتين" 6/ 2357 - 2358.
فيخصِّص عموم قوله: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء"، بأنه إذا لم يكن دون قلتين (أ)، وحديث القلتين أيضًا بحديث الاستثناء، فأمكن الجمع بين الأخبار من دون تعارض، فكان العمل به أرجح.
وقالت الحنفية (1): الكثير ما إذا حرك جانبه لم يتحرك الآخر .. قال بعضهم: باليدَيْن، وبعضهم: بالاغتسال (2).
وفي "مجمع البحرين ": ويقدر (ب) بعشرة أذرع طولًا ومثلها عرضًا وعُمقًا بما لا ينجس (جـ) بالعرف (3)[واستدلوا على ذلك بقوله (د): "لا يبولن أحدُكُم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه" (هـ)، وفي رواية: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم، وهو جنب" متفقٌ عليه (4) فإن الصيغة صيغة عموم، فظاهر الحديث أنَّ الماء إذا وقعت فيه النجاسة صار نجسا، إلا أنهم خصصوا هذا الحديث بالماء المستبحر لقيام الإِجماع أنَّ النجاسة لا تؤثر فيه، وما ذكر لاحق بالمستبحر فكان (و) حدًّا للكثير الذي لا تغيره النجاسة](ز).
(أ) في هـ: القلتين.
(ب) في ب: فيقدر.
(جـ) في هـ: مما لا ينحسر.
(د) زاد في ب: صلى الله عليه وسلم.
(هـ) في هـ: فيه، وزاد بعدها في ب: وفي رواية منه.
(و) في هـ: وكان.
(ز) بهامش الأصل.
_________
(1)
البناية في شرح الهدابة 1/ 330.
(2)
المجموع 1/ 161، بداية المجتهد 1/ 24.
(3)
المغني 1/ 25، البناية في شرح الهداية 1/ 330.
(4)
انظر 60 ح 5.
واعتذر الطحاويّ لم مِنْ الحنفية عن العمل بحديث القلتين -مع اعترافه بصحته (1) - بأنَّ القلة في العُرْف تطلق على الكبيرة والصغيرة كالجرة، ولم يثبت في الحديث تقديرهما (2)، فيكون مُجْمَلا.
وقواه ابن دقيق العيد، [واعتذر عن (أ) حديث بئر بضاعة (3) بما رواه (ب) عن (أ) الواقِدِي (4): أنها كانت سبخًا تجرى ثم أطال في ذلك، وقد خالفه البَلَاذُرِيّ في "تاريخه" فقال: عن إبراهيم بن عباد عن الواقدي قال: "تكون بئر بضاعة سبعا في سبع، وعيونها كثيرة، وهي لا تنزح".
ورد عليه بأنَّا لا نسلم الإجْمَال بل الظاهر أنه أراد القُلَّة] (جـ)[الكبيرة](د) إذ لو أراد الصغيرة لم يذكر العدد واكتفى عنه بجَرَّة كبيرة بمقدار صغيرتَيْن، ويرجع إلى العُرف في معرفة الكبيرة عند أهل الحجاز إذ الظاهر أنَّ الشارع إنما خاطب الصحابة بما يفهمون وترك التحديد تَوْسِعةً.
(أ) في هـ (عن) ساقطة.
(ب) في هـ: لما.
(جـ) بهامش الأصل.
(د) ساقطة من الأصل، ومثبتة في النسخ الأخرى، والمعنى يتطلبها.
_________
(1)
المجموع 1/ 163.
(2)
شرح معاني الآثار 1/ 16.
(3)
أي أنها طريق للماء إلى البساتين فكان الماء لا يستقر فيها فكان حكم مائها حكم ماء الأنهار. شرح معاني الآثار 1/ 12.
قال النووي: "قال أصحابُنَا هذا غلط، ولم تكن بئر بضاعة جارية بل كانت واقفة لأن العلماء ضبطوا بئر بضاعة وعرفوها في كتب مكة والمدينة". المجموع 1/ 162. ثم إن الواقدي ضعيف.
(4)
محمَّد بن عمر بن واقد، الأسلمي، الواقدي، المدني، القاضي: متروك. التقريب 312 - 313، الميزان 2/ 662.
وقد ورد أيضًا من حديث ابن عمر: "إذا بلغ الماءُ قلتين من قلال هجر"(1)، وفي إسناده المغيرة بن صقلاب (2) وهو منكر الحديث.
ويؤيده من جهة النظر صحة التقدير بقِلَال "هَجَر"(3) أنه أكثر استعمال العرب لها في أسفارهم وورد أيضًا في حديث المعراج (4) التشبيه بها فدل على أنها مشهورة متبادرة عند الإطلاق.
وورد الاعتذار الثاني بالمعارضة بما رواه أبو داود أنها (أ) غير جارية، وأن قدرها عرضا ستة أذرع، وماؤها متغير، وبما ذكره البَلَاذُرِيّ، وهذا الذي مر من الخلاف في الماء الراكد.
وأما الجاري فالإِمام يحيى (5) وغيره: هو كالراكد في التنجيس، إذ لم تفصل أدلة تنجيس القليل، وقال المنصور بالله وأحد قولَي الشافعي (6): الجري كالكثرة لنفوذه عن النجاسة وعدم استقراره، فلا يتلوث بها بخلاف الراكد، ولاستنجاء السلف في الأنهار القليلة، والراكد الفائض كالجاري على الأصح، ويحتج على طهارته بروايةٍ في صحيح مسلم:"لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه"(7)، فإن مفهوم الصفة يقضي بأن الراكد الجاري غير داخل في النهي، وما ذاك إلا لعدم تنجيسه.
(أ) في هـ: وأنها.
_________
(1)
الكامل لابن عدي 6/ 2357.
(2)
المغيرة بن صقلاب الجزري.
قال ابن حجر: هو منكر الحديث، وقال العقيلي: لم يكن مؤتمنًا على الحديث، وقال ابن عدي: لا يتابع على عامة حديثه. التلخيص 1/ 29، الكامل 6/ 2357، الضعفاء للعقيلي 4/ 182.
(3)
هَجَر: -بفتح أوله وثانيه- مدينة، وهي قاعدة البحرين، وقيل: ناحية البحرين كلها هجر، وقيل: هجر قُرب المدينة، وقيل: إنَّ القلال عُملت بالمدينة على مِثل قلال هجر. معجم البلدان 5/ 393.
(4)
أُخرج البخاري عن حديث مالك بن صعصعة أن نبي الله حدثه
…
وفيه: "فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفِيَلَة .. " البخاري 7/ 201 - 202 ح 3887.
(5)
البحر 1/ 33.
(6)
البحر 1/ 33، شرح مسلم 1/ 557.
(7)
صحيح مسلم 1/ 235 ح 95 - 282.
• فائدة ذكرها بعض الأفاضل (1) في قوله في حديث بئر بضاعة: "وهي بئر يطرح فيها (أ) الحيض ولحوم الكلاب والنتن" وهي قد يظنُّ بعض الناس إذا سمع هذا الحديث أن هذا كان منهم عادة وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصدًا وتعمدًا، وهذا ما لا يجوز أن يظن بذمي بل وَثَنِيّ فضلًا عن مسلم، فكيف يُظَن بأهل ذلك الزمان الذين هم في أعلى طبقات التحرز من (ب) المآثم والبعد عن الشبه والمظالم، والماء ببلادهم أعز، والحاجة إليه أمس، وقد لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ تَغَوَّطَ في موارد الماء ومشارعه (2) فكيف بمن اتخذ عيون الماء ومنابعه رصدًا للأنجاس ومطرحا للأقذار، وإنما كان ذلك من أجل أن هذه البئر موضعها في حدود من الأرض، وكان السيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية وتحملها وتلقيها فيها وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوع هذه الأشياء ولا يغيّره فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شأنها ليعلموا حكمها في الطهارة والنجاسة فكان (جـ) من جوابه لهم أن الماء
…
الحديث. انتهى.
(أ) ساقطة من هـ.
(ب) في هـ: عن.
(جـ) في هـ، جـ: وكان.
_________
(1)
الخطابي في معالم السنن 1/ 73.
(2)
وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتقوا المَلَاعِين الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل".
سنن أبي داود كتاب الطهارة باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التخلي فيها 1/ 28 - 29 ح 26.
قلتُ: وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حديث القلتين اختلافا كبيرا، ومنشأ خلافهم في طهارة الماء، وهل يتأثر بالنجاسة وما هو القَدْر الذي يتأثر في ذلك وكل يريد الدلالة له. راجع المغني 1/ 25، المجموع 1/ 131، الاستذكار 1/ 202.
3 -
وعن أبي أمَامَةَ البَاهِلِيّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ المَاءَ لَا يُنجِّسُه شيءٌ، إلا ما غَلَبَ على رِيحه وطَعمِهِ ولَوْنه".
أخرجه ابن ماجه (1)، وضعفه أبو حاتم (2).
وللبيهقي: "الماء طَهُورٌ، إلا إنْ تَغيَّر رِيحُه أو طعمُه أو لونه بنجاسة تحْدُث فيه"(3).
أبو أمَامَة: هو صُدَيّ -بضم الصاد المهملة وفتح الدال وتشديد الياء، وقد جاء في رواية: الصديّ بالتعريف- ابن عَجْلَان، البَاهِلِيّ.
واختلف في نَسَبِهِ وآبائه مع الاتفاق على كنيته واسمه واسم أبيه وأنه باهِلِيّ، سكن مصر، ثم انتقل إلى حِمص، ومات بها.
وهو من المكثرين في الرواية، وأكثر حديثه في الشاميين (أ). روى عنه سُلَيم بن عامر (ب) -بضم السين- ومحمد بن زياد، وخالد بن مَعْدَان، وسليمان بن حبيب المحاربيّ.
مات سنة ست وثمانين، وقيل سنة إحدى وثمانين، وله إحدى وتسعون سنة.
وهو آخر من مات من الصحابة بالشام (4)، وقيل: إن آخر من مات منهم بالشام عبد الله بن بُسْر (5)(6).
(أ) زاد في هـ، جـ: و.
(ب) في النسخ: عمير، وفي جـ: عميرة، والمثبت هو الصحيح. انظر: الخلاصة 150، الاستيعاب 5/ 170.
_________
(1)
كتاب الطهارة باب الحياض 1/ 174 ح 521 الدارقطني باب الماء المتغير 1/ 28، الطبراني الكبير 8/ 123 ح 7503.
(2)
علل ابن أبي حاتم 1/ 44 ح 97 وقال: (رشدين: ليس بقوي والصحيح مرسل).
(3)
كتاب الطهارة باب نجاسة الماء الكثير إذا غيرته النجاسة 1/ 259.
(4)
ينسب هذا القول إلى سفيان بن عيينة، انظر: الاستيعاب 5/ 170.
(5)
المرجع السابق.
(6)
انظر: الاستيعاب 11/ 131، الإصابة 5/ 133.
* الحديث أخرجه ابِن ماجه والطبراني من حديث أبي أمَامَة، وأخرجه الدارقطني (1) من حديث ثوبان، وهؤ مُضَعَّف برشدين بن سعد المصرى، وهو متروك. قال ابن يونس:"كان رجلا صالحا أدركته غفلة الصالحين، فخلط قوله الحديث". وقال أبو زُرعة (2): "كان رجلا صالحا سيئ الحفظ". قال الدارقطني: "ولا يَثْبُت هذا الحديث".
وقال الشافعي: "ما قلتُ من أنه إذا تغير طعم الماء أو ريحه أو لونه كان نجسا يُرْوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهٍ لا يُثْبِتُ أهلُ الحديث مثله، وهو قول العامة لا أعلم بينهم خلافًا"(3).
و (أ) قال النوويّ: اتفق المحدثون على تضعيفه (4).
وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما أو لونا أو ريحا فهو نجس (5).
فالشافعي رجع إلى العمل بالإِجماع دون الحديث (6)، ولكنه رواه البيهقي (7) موصولا من طريق عطية بن بقية عن أبيه عن ثور عن راشد بن سعد عن أبي أمامة.
ورواه الطحاويّ والدارقطني (8) من طريق راشد بن سعد مرسلًا بلفظ: "إن الماءَ لا يُنجسه شيءٌ إلا ما غلب على ريحه أو طعمه"، وزاد الطحاوي:"أو لونه".
(أ) في هـ، جـ:"الواو" ساقطة، وفي هـ: النواوي.
_________
(1)
الدارقطني باب الماء المتغير 1/ 28.
(2)
أبو زرعة، جهوده في السنة 2/ 617.
(3)
و (4) و (6) المجموع 1/ 159، والتلخيص 1/ 27.
(5)
الأوسط 1/ 260.
(7)
البيهقي 1/ 259.
(8)
شرح معاني الآثار 1/ 16، الدارقطني 1/ 28 ح 2.
وصحح أبو حاتم (1) إرساله.
وليس هذا الاستثناء الذي هو موضع الحُجَّة في حديث "بئر بُضاعةكما تَوَهمه الرافعي (2) والغزالي، وليس هو أيضًا في سنن أبي داود كما توهمه ابن الرفعة فنسبه إليها.
* الحديث يَدُلُّ على أنه لا ينجس من الماء إلا المتغير، وهو عامٌّ لما عدا المتغير سواء كان قليلا أو كثيرا، راكدا أو جاريا، ولكن ذلك مخصَّص بحديث القلتين، وحديث الاستيقاظ الآتي. فيخص من ذلك العموم القليل، وكل من العلماء على أصله في تحديد القليل، ويبقى الكثير على ظاهر الحديث.
والكلام قد مضى لما تحقيق (أ) القليل والكثير اختلاف العلماء في الماء فلا نعيده.
4 -
وعن ابن عمر (ب) رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا كَانَ الماءُ قُلتَيْن لم يحمل الخبَث".
وفي لفظٍ آخر: "لم ينجس".
أخرجه الأربعة، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم (جـ)(3).
* عبد الله بن عمر: هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب، القرشيّ، العدوي، أسلم مع أبيه بمكة وهو صغير، وقيل: إنه أسلم قبل أبيه
(أ) في جـ: تحديد. وكذا في هـ وصربت تحقيق.
(ب) في هـ: عبد الله بن عمر.
(جـ) في جـ، ب ساقطة.
_________
(1)
علل ابن أبي حاتم 1/ 44 ح 97.
(2)
فتح العزيز 1/ 100، المستصفى 2/ 58، ولفظه:"خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء".
(3)
تقدم تخريجه في ح 2.
ولم يصح، ولم يشهد بدرا، واختلفوا في شهوده أحدا، والصحيح أنَّ أول مشاهده الخندق، وقيل: إنه استُصغر يوم بدر، وأجازه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.
ورُويَ عن نافع أنه رده يوم أُحُد لأنه كان له أربع عشرة سنة، وشَهِد ما بعد الخندق من المشاهد.
ولُد قبل الوحي بسنة، ومات بمكة سنة ثلاث وسبعين بعد قَتْل ابن الزبير بثلاثة أشهر، وقيل: بستة أشهر، ودُفِن بذي طُوى (1) بمقبرة المهاجرين -وقيل: دفن بفَخّ (2) - وله أربع وثمانون سنة، وقيل: ست وثمانون سنة.
روى عنه خلقٌ كثير منهم ابناه سالم وحمزة، ونافع مولاه، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وخلقٌ سواهم (3).
* والكلام على الحديث بالنظر إلى طريقه وإلى متنه قد مر ما فيه كفاية.
ولفظ الحاكم: "إذا كان الماء قلتَيْن لم يُنجسه شيء (4) أصرح في المقصود من حديث أبي داود (5) "لم يَحْمِل الخبث" لاحتمال قوله: لا يحمل الخَبَث" أنه لا يحتمل وقوع الخبث فينجسه وإن كان يفيد أنه لا يتنجس (أ) ما زاد على القلتين وإن قَلَّ لمفهوم (ب) العَدَد، ولكن رواية الحاكم مُفَسِّرة للمراد، صريحة في موضع الاحتجاج.
(أ) في جـ: ينجس.
(ب) في ب، جـ: بمفهوم.
_________
(1)
بذي طُوَى: -بالضم- موضع عند مكة، وقيل: هو طَوَى بالفتح 4/ 45.
(2)
فَخ: -بفتح أوله وتشديد ثانيه- واد بمكة. ويقال الفخ: وادي الزاهر، وعنه قول بلال:
ألا ليتَ شِعري هل أبيتَن ليلة
…
بفخ وعندي إذْخِرٌ وجليلُ
معجم البلدان 4/ 237.
(3)
الاستيعاب 6/ 308، الإصابة 6/ 167، سير أعلام النبلاء 3/ 203.
(4)
الحاكم 1/ 132.
(5)
1/ 51 ح 63.
و " الخبث" -بفتحتين- النَّجَس، ومنه الحديث:"نهى عن كل دواء خبيث كالخمر"(1).
وخَبَثُه من جهتين أحدهما النجاسة والأخرى الحرام، والخبيثُ قد يُطلق على الحرام كقوله:"مَهْر البَغِيّ خبيث "(2)، وقد يُطلق على المكروه كقوله:"كَسْب الحَجَّام خبيث"(3)، وعلى كريه الطعم (4) والرائحة كقوله: "مَنْ أكلَ من الشجرة الخبيثة
…
"، وعلى الثقيل كقوله: "فأصبح يوما وهو خبيث النفس" (5) أي ثقيلها، ومنه الحديث: "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي" (6) أي: ثقلت، وقد يُطلق على غير ذلك- ذكره في النهاية (7).
5 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَغتَسِلْ أحدُكم في الماء الدائم وهو جُنُب". أخرجه مسلم (8).
وللبخاري: "لا يبولَن أحدُكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه"(9). ولمسلم: "
…
منه " (10).
ولأبي داود: "ولا يغتسل فيه من الجنابة"(11).
* [وفي رواية الأصيلي (12) عن الأعرج: "لا يَبُولن في الماء الدائم"، و (أ) كذا
(أ) في ب: بدون واو.
_________
(1)
أبو داود 4/ 203 ح 3870، الترمذي 4/ 387 ح 2045 ولفظه:"نهى رسول الله عن الدواء الخبيث".
(2)
و (3) مسلم 3/ 199 ح 41/ 1568، أبو داود 3/ 706 - 707 ح 3421.
(4)
مسلم 1/ 395 ح 76 - 565.
(5)
مسلم 1/ 538 ح 207 - 776
(6)
البخاري 10/ 563 ح 6179.
(7)
النهاية 2/ 4 - 5.
(8)
أخرجه مسلم كتاب الطهارة باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد 1/ 236 ح 97 - 283.
(9)
البخاري كتاب الوضوء باب البول في الماء الراكد 1/ 346 ح 239.
(10)
مسلم 1/ 235 ح 95 - 282.
(11)
أبو داود كتاب الطهارة باب البول في الماء الراكد 1/ 56 ح 70، وأخرجه برواية البخاري بدون (الذي لا يجري) 1/ 56 ح 69. والترمذي بلفظ:"لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه" 1/ 100 ح 68. والنسائي بلفظ: "لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ثم يغتسل منه" 1/ 104.
(12)
الفتح وقال: باب لا تبولوا في الماء الدائم، وهي رواية الأصيلي 1/ 346. قلت: والمؤلف هنا نقل=
رواه شعيب، ووافقه ابن عيينة فيما رواه الشافعي [عنه](أ) عن أبي الزناد، وكذا أخرجه الإِسماعيلي، ورواه أكثر أصحاب ابن عيينة عنه عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة.
ومن هذا الوجه أخرجه النَّسائيُّ، وكذا (ب) أخرجه أحمد (1) من طريق الثوْرِيّ عن أبي الزِّنَاد، والطَّحَاوِيّ (2) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزِّنَاد عن أبيه (جـ)، والطريقان معا صحيحان، ولأبي الزناد فيه شيخان، ولفظهما في سياق البخاري مختلف] (د).
* "الماء الدائم": هو الراكد، [أي: الساكن، يُقال: دوم الطائر تدويما (3) إذا صف جناحه في الهواء فلم يحركهما] (5).
وقوله: "الذي لا يجري" تفسير للدائم وإيضاح لمعناه، ويحتمل أنه احترز به عن راكدٍ لا يجري بعضُه كالبِرَك ونحوها، وأما الذي يجرى بعضُه فإنَّ حكمه حكم الجارى على الصحيح، وقد تقدم.
(أ) ليست في النسخ، وأثبتناها من مسند الشافعي.
(ب) في ب: وكذلك.
(جـ) في هـ: عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبي الزناد عن أبيه.
(د، هـ) بهامش الأصل، وفي هـ: جناحه، فصوبت:(جناحيه).
_________
= ما في الفتح ولم يجود النقل فإن الحافظ قال: (باب في البول الدائم، وفي رواية الأصيلي: باب لا تبولوا في الماء الدائم، قوله:"الأعرج" كذا رواه شعيب، ووافقه ابن عيينة فيما رواه الشافعي عنه عن أبي الزناد وكذا أخرجه الإسماعيلي.
ورواه أكثر أصحاب ابن عيينة عنه عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة، ومن هذا الوجه أخرجه النَّسائيُّ، وكذا أخرجه أحمد من طريق الثوري عن أبي الزناد، والطحاوي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، والطريقان معا صحيحان، ولأبي الزناد فيه شيخان). الفتح 1/ 346.
(1)
النَّسائيُّ 1/ 104، وأحمد 2/ 259، 265، 346، 362.
(2)
شرح معاني الآثار 1/ 14.
(3)
الصحاح 5/ 1922.
وفي إعراب قوله: "ثم يغتسل" مرفوعًا، كما رُوي الحديث على أنه خبر مبتدأ محذوف (أ) أي: ثم أنت تغتسل، وكذلك على رواية "ويغتسل" إلا أنه جملة حالية على الأخير.
قال في "البدر"(1): وهي الرواية الصحيحة.
وروى النووي عن شيخه ابن مالك أنه يجوز أيضًا جزمه عطفا على موضع: "يبولن"، ونصبه بإضمار "أن" وإعطاء "ثم" حكم الواو، إلا أن وجه النصب يقضي بأنَّ المنهي عنه إنما هو الجَمع بينهما دون إفراد أحدهما، ولم يَقُلْ به أحد، بل البول منهيّ عنه سواء أراد الاغتسال منه (ب) فيه ومنه (2) والله أعلم.
[وفيه: نظر إذ يجوز (جـ) أنْ يُسْتَفَادَ (د) النهي عن الجمع من هذا اللفظ (3)، والنهي عن الإفراد من حديث آخر كرواية مسلم أنه نهى عن البَوْل في (هـ) الماء الراكد ونهى عن الاغتسال في الماء الدائم وهو (4) جُنُب (هـ)](و).
(أ) في هـ: محذوف تقديره.
(ب) ساقطة من هـ، جـ.
(جـ) في جـ: (و).
(د) في ب: يستفاد من.
(هـ) في جـ: ساقطة.
(و) بهامش الأصل.
_________
(1)
البدر 1/ 172.
(2)
شرح مسلم 1/ 577.
(3)
بشرط رواية النصب كما ذكر ابن دقيق وابن حجر ، وأما رواية أبي داود فإنه نهي عنهما:"لا يبلون أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة" أبو داود 1/ 56، فتح الباري 1/ 457.
(4)
جمع المصنف روايتين فإن الأولى من رواية أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أنْ يبالَ في الماء الراكد" 1/ 235 ح 94 - 281، والرواية الثانية من رواية أبي السائب أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جُنُب". 1/ 236 ح 97 - 283.
وهذا النهي في الماء الكثير للكراهة، وفي الماء القليل للتحريم، وأما حكم الماء الراكد وتنجيسه بالبَوْل أو منعه من التطهير بالاغتسال فيه (أ) للجنابة ففيه التفصيل، وهو أنه إن (ب) كان كثيرا ولم تتغير أوصافه بالبول وكل على أصله في الكثرة فهو طاهر، وهو مخصص لهذا العموم، وإنْ كان قليلا كذلك فهو باقٍ على حكم النهي ومزال عنه الطهارة والتطهير، وللعلماء تفصيلٌ في البول في الماء وهو: إِنْ كان الماء كثيرًا جاريا لم يحرم البول لمفهوم الحديث، ولكن الأوْلى اجتنابه، وإن كان قليلا جاريا فقد قال جماعةٌ من الشافعية يكره، والأوْلى التحريم إذا كان ينجسه أو يقذره -وهو الأظهر من مذهب الشافعي (1) - لأن فيه إفسادا للانتفاع (جـ) به وتغريرًا للغير باستعماله.
وإنْ كان كثيرا راكدا فقال جماعةٌ من الشافعية، وبه صَرّح الإِمام المهدي في "الغيث" أنه يكره، إلا أنّ الإِمام قال بالكراهة إذا كان قاصِدا لا إذا عرض، وهو فيها فلا كراهة، ولو قيل بالتحريم لكان أظهر وأوفق لِظَاهر النهي إذ فيه تقْدير للماء وإفساد له على غيره ومضاره للمسلمين، وقد شاع لَعْن من فعل ذلك و (د) ما ذلك (د) إلا لتحريم الفعل. وأما الراكد القليل فقال جماعة من الشافعية بالكراهة للبول فيه والصحيح التحريم للحديث، ولأنه ينجسه ويتلفه على غيره ويقذره.
ويلحق بالبول ما في معناه كالتغوط وسائر المستقذرات، إذ المعنى معقول وهو الاستقذار فيحمل على البول ما شاركه فيه جزما (2)، وأحمد بن حنبل خص
(أ) في جـ، هـ: منه.
(ب) في ب: إذا.
(جـ) في ب: إفساد الانتفاع.
(د) الواو مثبتة من هـ فقط، و (ذلك) في جـ فقط.
_________
(1)
شرح مسلم 1/ 577.
(2)
راجع: شرح مسلم للنووي، باب النهي عن البول في الماء الراكد 1/ 577.
الحكم بالبول عملا بظاهر اللفظ فينجس الماء بالبول وإن كان كثيرًا (1)، بخلاف ما عداه من النجاسات، والقياس دليلٌ عليه، وداود الظاهريّ (2) خص الحكم بالبول بشرط أنْ يكون فيه لا إذا كان في إناء ثم صبه فيه أو بال بِقُرْب الماء حتى وصل إليه، وهو جمودٌ منه على ظاهر العبارة، ووقوفٌ على صريح الدلالة، وهو (أ) مخالف لإجماع العلماء.
وأما الاغتسال وهو جنب في الماء الدائم فقال جماعة من العلماء: إنه يكره الاغتسال في الماء الراكد قليلا كان أو كثيرًا، وكذا يُكره الاغتسال في العَيْن الجارية: قال الشافعي رحمه الله في البُويطي: "أكره للرجل أن يغتسل في البئر مَعِيْنَة كانت أو دائمة، وفي الماء الراكد الذي لا يجري، قال الشافعي: وسواء قليل الراكد وكثيره (ب) أكره الاغتسال فيه". هذا نصه، وهو محمولٌ على كراهة التنزيه لا التحريم.
وأما حكم الماء وإزالته للجنابة فإنْ كل الماء كثيرا (3)(ب) فهو باقٍ على التطهير، وهذا الحديث مخصوص (جـ) بالكثير مخرج عنه حكمه، وإن كان قليلا وانغمس (د) فيه فإنه يجزئه الاغتسال لأن البَدَن كالعضو الواحد في الغُسل (4)،
(أ) في هـ: وهذا.
(ب) بالهامش في هـ.
(جـ) في جـ: هو مخصص.
(د) في ب: فانغمس.
_________
(1)
للإمام أحمد روايتان:
أ) أنه ينجس، وروى ذلك عن علي والحسن البصري.
ب) أنه لا ينجس ما لم يتغير كسائر النجاسات.
قال ابن قدامة: (وأكثر أهل العلم لا يفرقون بين البول وغيره من النجاسات). المغني 1/ 39 - 40.
(2)
الفتح 1/ 347.
(3)
أي: أكثر في قلتين.
(4)
ووجة آخر أن الماءَ يصيرُ مستعملًا ولم يرتفع حدث المحدث للحديث: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جُنُب" فالنهي يقتضي فساد المنهي عنه، المغني 1/ 22.
ويدل عليه فِعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعصره لشعره، وغسله بما انفصل عنه اللمعة التي نسي غسلها (1)، ولا يجزئ غيره لأنه قد صار مستعمَلًا طاهرًا غير (أ) مطهر، فعلى هذا لو انغمس فيه اثنان دفعة واحدة من دون تخلل زمان بين استعمالَيْهما (ب) أجزأهما جميعا (2).
وحكم الوضوء في الماء الراكد حكم الغُسل، وقد ورد مصرحا به في رواية:"لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ فيه"(3)(جـ)، والغُسل والوضوء مستويان في العلة -وهو قصد التقرب إلى الله سبحانه- فلا يكون بالمستقذَرَات.
واستدَلَّ بعضُ الحنفية (4) على تنجيس الماء المستعمل لأن البول ينجس الماء، فكذلك الاغتسال، وقد نُهي عنهما معا، وهو للتحريم فيدل على النجاسة فيهما، ورد بأنها (د) دلالة اقتران (هـ)(5)، وعلى تقدير تسليمها فلا يلزم التسوية، فيكون النهي (و) عن البول لئلا ينجسه، وعن الاغتسال فيه لئلا يسلبه الطهورية.
(أ) ساقطة من جـ.
(ب) في ب، جـ: استعمالهما.
(جـ) ساقطة في جـ.
(د)، في هـ: بأنهما.
(هـ) في هـ: وهي ضعيفة وكذا، ى.
(و) في هـ: للنهي.
_________
(1)
أخرجه أحمد (الفتح الرباني) 2/ 138، وابن ماجه 1/ 2127 ح 663، وفيه أبو علي الرحبي، أجمعوا على ضعفه. وروي مرسلًا عند - ابن أبي شيبة 1/ 40.
(2)
هذا على مذهب الشافعية كما قرره النووي في شرحه، أما الحنابلة فكما مر قبل قليل. المغني 1/ 22، شرح مسلم 1/ 578.
(3)
الترمذي 1/ 100 ح 68.
(4)
عمدة القاري 3/ 169.
(5)
عرفه العيني بأنه: التسوية في الحكم بين شيئين لاقترانهما في اللفظ. عمدة القاري 3/ 169.
وعرفه الإسنوي بأن يرد لفظ لمعنى ويقترن به لفظ آخر يحتمل ذلك المعنى وغيره فيكون ذلك الاقتران حاملا لهذا اللفظ على صاحبه. التمهيد 273.
ويزيد ذلك وضوحا قوله -في رواية مسلم-: "كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولا"(1)، فدل على أنَّ المَنْعَ من الانغماس فيه لئلا يصير مستعملا فيمتنع على الغير الانتفاع به والصحابي أعلم بورود الخِطَاب من غيره، وهذا من أقوى الأدلة على أنَّ المستعمَل غير طهور.
6 -
وعن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأةُ بفَضل الرجل، أو الرجل بفضل المرأة، وليعترفا جميعا".
أخرجه أبو داود والنسائي، وإسناده صحيح (2).
* الحديث من رواية داود بن عبد الله عن حُمَيد الحِمْيَرِي، قال: لقيتُ رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين، كما صحب أبو هريرة قال:"نهى .. " الحديث، هذا لفظ أبي داود.
قال (ب) الحافظ في "الفتح"(3): رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية (جـ) ودعوى البيهقي (4) أنه في معنى المرسل مردودة لأن إيهام الصحابي لا يضر، وقد صرح التابعي بأنه لقيه، ودعوى ابن حزم أن داود راويه عن حميد
(أ) في هـ، ب: وقال.
(ب) سقطت من جـ.
_________
(1)
مسلم 1/ 236 ح 97 - 283.
(2)
أبو داود كتاب الطهارة باب النهي عن ذلك 1/ 63.
والنسائي (بلفظه وفيه زيادة) كتاب الطهارة باب إلى عن الاغتسال بفضل الجنب 1/ 108.
(3)
الفتح 1/ 300.
(4)
معرفة السنن والآثار وقال: (منقطع) 1/ 449، وقال في السنن 1/ 190:(هو في معنى المرسل إلا أنه مرسل جيد).
ابن عبد الرحمن هو ابن يزيد الأودي (أ) -وهو ضعيف- مردودة، فإنه ابن عبد الله الأودي (1)، وهو ثقة، وقد صرح باسم أبيه أبو داود وغيره، ولعل ما ذكره ابن حزم هو الذي أوهم الإمام المهدي عليه السلام حيث قال في "البحر" بعد ذِكْر الحديث:"إذ راويه ضعيف، وأسنده إلى مجهول"(2).
والحديث له شاهد من حديث الحكم بن عمرو الغفاري -وهو الأقرع- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى أَنْ يتوضأ الرجلُ بِفَضْلِ طهور (ب) المرأة. أخرجه أبو داود (3).
قال أبو داود: الذي تفرد به البصريون من هذا الحديث قوله: "نهى أن يغتسلَ الرجلُ بِفَضْل المرأة"، وحديث الحكم أخرجه أصحاب السنن وحَسَّنه الترمذي، وصححه ابن حبان (4)، وأغرب النووي فقال: اتفق الحفاظ على تضعيفه (5).
والحديث يدل على أنه لا يُتطهر بفَضْل طَهُور المرأة، وهو معارَض بما سيأتي، ووجه الجمع يُذْكَر إنْ شاء الله تعالى (6).
(أ) في ب: الأزدي.
(ب) سقطت من جـ، وفي هـ: وطهور.
_________
(1)
داود بن عبد الله الأودي: وثقه أحمد وابن معين. التقريب 96، الخلاصة 110.
(2)
الحديث الذي أورده في البحر: "لا يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة"، وقال بعده:(راوية ضعيف وأسنده إلى مجهول). البحر 1/ 34.
(3)
أبو داود 1/ 63 ح 82، ابن ماجه 1/ 132 ح 373، الترمذي 1/ 93 ح 64، أحمد 5/ 66.
(4)
ابن حبان (الموارد): 8 ح 224.
(5)
شرح مسلم 1/ 617.
(6)
سيأتي الكلام عليه في ح 7.
7 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفَضلِ مَيْمُون". أخرجه مسلم (1).
ولأصحاب السنن: "اغتسل بعضُ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جَفْنَة، فجاء ليغتسل مها فقالت له: إني كنتُ جُنبا، فقال: "إنَّ الماءَ لَا يُجْنِب". وصححه الترمذي وابن خزيمة (2).
* [عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه لُبَابَة -بضم اللام وتخفيف الباء- بنت الحارت أخت ميمونة زوج النبيِّ- صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وتوفي النبيُّ صلى الله عليه وسلم وله ثلاث عشرة سنة -وقيل: خمس عشرة، وقيل: عشر- وذلك قبل خروج بنى هاشم من الشِّعْب، وقيل ولد قبل الهجرة بسنتين.
كان حَبر هذه الأمة وعالمها، دعا له النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحِكْمة والفقه والتأويل (3)، ورأى جبريل مرتَيْن، وكُفَّ بَصَرُه في آخر عمره، وغزا إفريقية مع عبد الله بن أبي سَرْح (4) في سنة سبع وعشرين. مات في الطائف سنة ثمان وستين في آخر أيام ابن الزبير وهو ابن سبعين سنة -أو إحدى وسبعين-، وصلى عليه محمد بن الحنفية، وكان أبيض، طويلًا، مشربا صُفرة، جسيما،
(1) صحيح مسلم (بلفظ: أن رسول الله
…
) كتاب الحيض، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة أحد 1/ 257 ح 48 - 323.
(2)
الترمذي (بمعناه) أبواب الطهارة، كتاب ما جاء في الرخصة في ذلك 1/ 94 ح 65، وقال أبو عيسى: حديث حسن صحيح.
وابن خزيمة (بمعناه) كتاب الوضوء، باب إباحة الوضوء بفضل غسل المرأة من الجنابة 1/ 57.
وأبو داود (بمعناه) كتاب الطهارة، ياب الماء لايجنب 1/ 55 ح 68.
وابن ماجه كتاب الطهارة وسننها، باب الرخصة بفضل وضوء المرأة 1/ 132 ح 370.
والدارقطني، كتاب الطهارة، باب استعمال الرجل فضل وضوء المرأة 1/ 52، وقال:(اختلف في هذا الحديث على سِمَاك ولم يقل فيه عن ميمونة غير شريك):
(3)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم علمه الكتاب".
البخاري مع الفتح 1/ 169 ح 75.
(4)
سير أعلام النبلاء 3/ 331.
وسيما، صبيح الوجه، له وَفْرة، يخضب بالحِنَّاء، قَدِم مصر] (أ)(1).
* حديث مسلم أعلَّهُ قومٌ لترددٍ وقع من رواية عَمرو بن دينار حيث قال (2):
" عِلمي والذي يخطر على بَالِي أنَّ أبا الشعثاء أخبرني
…
" فذكر الحديث.
وقد وَرَدَ من طريق أخرى بلا تردد، لكن راويها غير ضابط، وقد خُولِف، والمحفوظ ما أخرجه الشيخان بلفظ:"أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد"(3).
وأخرج أصحابُ السنن، والدارقطني (ب، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وغيرهما من حديث ابن عباس عن ميمونة قالت: "أجنبتُ (جـ) ب) فاغتسلتُ من جفنة، ففضلت فيها فَضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه، فقلت له، فقال:"الماء ليس عليه جنابة"، واغتسل منه". لفظ الدارقطني (4).
ولفظ أبي داود: "بعض أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم"، وقال:"إن الماء لا يجنب"(5)، وقد أعله قومٌ بسِمَاك بن حَرب (6) راويه عن عكرمة، لأنه كان يقبل التلقين، لكن رواه (عنه)(د) شعبة (7)، وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم (8).
(أ) بهامش الأصل.
(ب) بهامش هـ.
(جـ) في ب، جـ: اجتنبت.
(د) هكذا في هـ، وباقي النسخ "عن".
_________
(1)
الاستيعاب 6/ 258، الإصابة 6/ 130.
(2)
وكذا في النسخ، وفي صحيح مسلم "أكبر علمي" 1/ 621.
(3)
البخاري كتاب الغسل، باب الغسل بالصاع 1/ 366 ح 253. ومسلم 1/ 257 ح 48 - 323.
(4)
سن الدارقطني بلفظ: فقلت: إني قد اغتسلت منه، فقال
…
) 1/ 52 ح 3.
(5)
أبو داود 1/ 55 ح 68.
(6)
سماك بن حرب بن أوس، الذهلي، أبو المغيرة: صدوق، اختلط بأخرَة. التقريب 137، المغني 1/ 285، الكواكب 237.
(7)
الحاكم 1/ 159.
(8)
فتح الباري 1/ 300، وقال في التهذيب:(ومن سمع منه قديما مثل شعبة فحديثهم عنه صحيح مستقيم). التهذيب 4/ 234.
وأخرج أبو داود من حديث عائشة قالت: "كنتُ أغتسلُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ إناءٍ واحد ونحن جُنُبان "(1). ومن حديث أم صبَيَّة (2) الجهنية (أ) قالت: "اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناءٍ واحد"، ومن حديث مالك عن نافع عن ابن عمر قال:"كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) - قال مُسَدَّد: من الإِناء الواحد جميعا"، ومن حديث نافع عن عبد الله بن عمر قال:"كنا نتوضأ نحن والنساء ونغتسل من إناء واحد على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم"(4).
فحديث ميمونة وحديث بعض الأزواج معارِضَان لحديث (ب) النهي المتقدم (5) إذ دلالتهما صحيحة صريحة على جواز التطهر (جـ) بفَضْل المرأة.
* وفي قوله: "إن الماء لا يجنب"[هو من أجنب ويقال (د): أجنب الرجل يجنب، ولا يقال: أجنبت](هـ).
(أ) هـ: الجهينية.
(ب) في هـ، جـ: متعارضان بحديث.
(جـ) في هـ، جـ: التطهير.
(د) الواو: ساقطة من ب، وجـ، وهـ.
(هـ) بهامش الأصل، وهـ.
_________
(1)
سنن أبي داود كتاب الطهارة، باب الوضوء بفضل المرأة 1/ 61 ح 77.
والبخاري (بلفظ: "وكلانا جُنب") كتاب الحَيض، باب مباشرة الحائض 1/ 403 ح 299.
ومسلم (بلفظ: "من الجنابة ") 1/ 256 ح 43 - 321. والنسائي (بنحوه) كتاب الوضوء، باب فضل الجنب 1/ 50.
(2)
أبو داود 1/ 61 - 62 ح 78، ابن ماجه 1/ 135 ح 382.
(3)
سنن أبي داود 6211 ح 79، النسائي 1/ 50، ابن ماجه 1/ 134 ح 381 البخاري 1/ 298 ح 193 (وليس فيه:"مِن الإناء الواحد ")، ورواه الإمام أحمد (بنحوه) 2/ 103.
(4)
أبو داود 1/ 62 ح 80.
(5)
تقدم في ح 6.
فيه إيماءٌ إلى جواز العَكس وهو تطهر المرأة بفضل الرجل، وفي ذلك خلاف، فنقل الطحاوي والقرطبي (1) والنووي (2)(الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الإِناءِ الواحد، وفيه نظر لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة (أ) رضي الله عنه أنه كان ينهى عنه، وكذا حكاه ابن عبد البر (3) عن قوم، وهذا الحديث حجة عليهم، ونقل النووي (4) أيضًا الاتفاق على جَوَاز وُضُوء المرأة بفَضل الرجل دون العكس، وفيه نظر أيضًا (5)، ثبت الخلاف فيه الطحاوي؛ وثبت عن ابن عمر والشَّعْبي والأوزاعي المنع، لكن مقيدا بما إذا كانت حائضا (6).
وأما عكسه فصحَّ عن عبد الله بن سرجس (ب) الصحابي وسعيد بن المسيب والحَسَن البصري (7) أنهم منعوا التطهر بفضل المرأة، وبه قال أحمد وإسحاق (8)، لكن قيداه بما دخلت فيه لأن أحاديث الباب ظاهرة في الجواز.
ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث واردة في منع التطهر بفَضْل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة، قال: لكن صح عن (جـ) عِدة من الصحابة المنع فيما إذا دخلت فيه، وعُورض بصحة الجواز عن عِدة من الصحابة منهم ابن عباس، والله أعلم.
(أ) بهامش هـ.
(ب) في النسخ حصن عدا هـ ففيها: حصين، وفي الفتح 1/ 300، والمغني 1/ 214، 215، وشرح مسلم 1/ 617 سرجس.
(جـ) في هـ: "عند".
_________
(1)
المفهم، ولفظه:(اتفقَ العلماء على جواز اغتسال الرجل وحليلته ووضوئهما من إناء واحد إلا شيئًا رُوِى في كراهية ذلك عن أبي هريرة، وحديث ابن عمر وعائشة يرده) المفهم ل 103.
(2)
شرح مسلم 1/ 617.
(3)
الاستذكار 1/ 372 - 373.
(4)
شرح مسلم وعبارته: "وأما تطهر المرأة بفضل الرجل فجائز بالإجماع" 1/ 617.
(5)
قلت: "وهذا منتَقَض بالخلاف". انظر: المغني 1/ 214، المجموع 2/ 195.
(6)
المغني 1/ 214.
(7)
شرح مسلم 1/ 617.
(8)
المغني 1/ 214، ورواية أخرى:"يجوز الوضوء به للرجال والنساء جميعا"، واستدل بحديث ميمونة 1/ 214 - 215.
وطريق الجمع بين الأحاديث هو أن تُحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء لكونه قد صار مستعملا، والجواز على ما بقي من الماء، وبذلك جَمَعَ الخَطَّابي (1)، وأحسن منه أن يُحْمَل النهي على التنزيه بقرينة أحاديث الجواز جَمْعًا بين الأدلة (2)، والله سبحانه أعلم.
* فائدة: في حديث توضئ الرجال والنساء من إناءٍ واحد ظاهره أنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة، فقيل: معناه أنَّ الرجال والنساء كانوا يتوضأون جميعا في موضع واحد (أ) هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة. وحديث: "من إناءٍ واحد" يدفعه.
وحكي عن سحنون (3) -من المالكية- أن معناه كان الرجال (ب) يتوضأون ويذهبون ثم يأتي النساء فيتوضأن، وهو خلاف الظاهر من حديث البخاري (4) عن ابن عمر أنه قال:"كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا"، ومن حديث السنن في زيادة مسدد فإن "جميعا" يقتضي الاجتماع.
قال أهل اللغة: الجمع ضد التفرق (5)، ووحدة الإناء أيضًا مصرَّحا به (جـ) في صحيح ابن خزيمة عن ابن عمر أنه أبصر النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناءٍ واحدٍ كلهم يتطهر (د) منه (6).
(أ) في هـ: واحدة.
(ب) في هـ: أن الرجال كانوا.
(جـ) في هـ: مصرحة، وجـ: مصرح.
(د) في هـ: يتطهرن.
_________
(1)
معالم السنن 1/ 80.
(2)
انظر: الفتح 1/ 300، وانظر: شرح مسلم للنووي 1/ 617.
(3)
الفتح 1/ 300.
(4)
البخاري 1/ 218 ح 193.
(5)
القاموس 3/ 15.
(6)
صحيح ابن خزيمة، ولفظه: عن ابن عمر أنه قال: "رأيتُ الرجال والنساء يتوضأون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد 1/ 102 - 103 ح 205.
والأوْلى أن يُقَالَ: إن الاجتماع كان قبل نزول الحِجَاب، وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارِم (1)، والله أعلم.
8 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طَهُور إناء أحدكم إذا وَلَغَ فيه الكلبُ أنْ يغسله سبْعَ مرْات أولاهُنَّ بالتراب".
أخرجه مسلم، وفي لفظٍ له:"فَلْيُرِقه". وللترمذي: "أُخراهن، أو أولاهُن بالتراب"(2).
* الأمر بالإِراقة رواها مسلم من طريق الأعمش. قال النسائي (3): لم يَذْكُر "فليرقه" غير علي بن مسهر، وكذا قال ابن منده:[قال الحافظ (4) رحمه الله: قلتُ: (أ) قد ورد بالإراقة -أيضًا- من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا، أخرجه ابن عَدِي (5) لكن في رَفعهِ نَظرَ، والصحيح أنه موقوف](ب)، والدارقطني [أخرجه من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفًا، وإسناده صحيح](جـ) وقال: "رواته كلهم ثقات"(6)،
(أ) في جـ: ثلاث.
(ب) بهامش الأصل.
(جـ) بهامش الأصل.
_________
(1)
فتح الباري 1/ 299 - 300.
(2)
صحيح مسلم الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب 1/ 234 ح 91 - 279 م.
البخاري الوضوء 1/ 274 ح 172، بلفظ: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا".
أبو داود الطهارة، باب الوضوء بسؤر الكلب 1/ 57 ح 71.
ابن ماجه الطهارة، بابُ غسل الإناء من ولوغ الكلب 1/ 130 ح 364 ولم يذكر أولاهُنَّ بالتراب. النسائي سؤر الكلب 1/ 46، ولم يذكر أولاهن بالتراب.
الترمذي، الطهارة، باب ما جاء في سؤر الكلب 1/ 151 ح 91، بلفظ "أولاهن أو أخراهن بالتراب".
ولفظ: "فليرقه" في مسلم 1/ 234 ح 89 - 279 م، والنسائي 1/ 47.
(3)
سنن النسائي 1/ 47.
(4)
الفتح 1/ 275.
(5)
الكامل 2/ 776.
(6)
الدارقطني كتاب الطهارة، باب ولوغ الكلب في الإناء 1/ 64 ح 3، وقال: صحيح موقوف.
قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا أفتى بأن غسلة التراب غير الغسلات السبع بالماء غير الحسن البصري، وقد أفتى بذلك أحمد بن حنبل (1)، ورُوي عن مالك.
* ولفظ "طهور": الأشهر فيه ضم الطاء، ويقال: بفتحها لغتان.
وقوله: "وَلَغَ": قال أهل اللغة: يُقال: وَلَغَ الكلبُ في الاناء يَلَغُ -بفتح اللام فيهما- وُلوغا -بضم [الواو](أ) واللام- وَلْغًا -بفتحها وسكون اللام-، وقد حُكى في المضارع كسر اللام (ب) إذا شرب بأطراف لسانه قال أبو زيد: يُقال ولغ الكلب شرابنا وفي شرابنا ومن شرابنا (2). قال أبو مثنى المدني: وأكثر ما يكون الولوغ في السِّباع، وقال القاضي أبو بكر بن العربي (3): الولوغ للسباع والكلاب كالشرب لبني آدم. [وقال ثعلب: هو أنَّ يُدخِل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه، زاد ابن درستويه: شرب أو لم يشرب،. وقال مكي: فإن كان غير مائع يقال: لعقه](جـ).
* والحديث فيه دلالة ظاهرة على نجاسة الكلب من حيث الأمر بالغسل والإراقة، فإنه لو كان طاهرا لما أمر بغسل الإناء ولم يؤمر بالإِراقة إذ في ذلك إتلاف مال و (د) إضاعة، وقد ثبت النهي عن ذلك فدَلَّ على النجاسة، وأصْرَح كان ذلك رواية:"طهور إناء أحمدكم" فإن الطهارة تكون مِن حَدَثٍ أو نَجس، وليس هنا حدث فتعيَّن النجس.
(أ) بهامش الأصل.
(ب) العبارة في هـ، جـ: "وإذا شرب بأطراف لسانه، وقد حكى في المضارع بكسر اللام، قال أبو زيد
…
".
(جـ) بهامش الأصل.
(د) في هـ: أو.
_________
(1)
المغني 1/ 50، وقال: روى في الحسن، وقال الصنعاني:"لا يخفى أن إهمال المصنف لذكرها محاماة عن المذهب". السبل 1/ 40.
(2)
القاموس 3/ 119، النهاية 5/ 226.
(3)
عارضة الأحوذي 1/ 134.
وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(1) ولفظه في "الصحيحَيْن"(2) من رواية مالك "إذا شرب"، ورُوي عنه:"إذا ولغ"، وهو لفظ أصحاب أبي الزِّنَاد -أو أكثرهم- لأنه وقع في رواية الجَوْزَقِيّ (3) من رواية ورقاء بن عمرو عن أبي الزناد بلفظ:"إذا شَرِبَ"، وكذا في عوالي أبي الشَّيْخ.
قال البيهقي (4): ذِكْر التراب لم يروه ثقة عن أبي هريرة غير ابن سِيرِين، وتعقبه (5) الحافظ المصنف بأنَّ الدارقطني أخرجه عن أبي رافع عنه (6)، والبيهقي (7) أيضًا أخرجه عن قتادة عنه، لكن قال:"إن كان معاذ حفظه فهو حسن" فأشار إلى تعليله.
ورواه الدارقطنيّ (8) من طريق الحسن عن أبي هريرة، لكنه لم يسمع منه على الأصح.
وروى مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث مطرف بن عبد الله [عن عبد الله بن مُغَفَّل](أ) قال في آخره: "فاغسلوه سبعا، وعفروه الثامنة بالتراب" لفظ مسلم، ولم يخرجه البخاري (9).
(أ) بهامش الأصل.
_________
(1)
ابن خزيمة 1/ 51 ح 98.
(2)
البخاري 1/ 274 ح 172، مسلم 1/ 234 ح 90 - 279 م.
(3)
الفتح 1/ 274 - 275.
(4)
سنن البيهقي 1/ 241.
(5)
الحافظ في الفتح 1/ 274 - 275.
(6)
الدارقطني كتاب الطهارة، باب ولوغ الكلب في الإناء 1/ 64 ح 10.
(7)
سنن البيقهي 1/ 241.
(8)
الدارقطني 1/ 64 ح 4.
(9)
مسلم 1/ 235 ح 93 - 280، وأبو داود 1/ 59 ح 74، والنسائي بابًا تعفير الإناء بالتراب من ولوغ الكلب فيه 1/ 144، وابن ماجه 1/ 131 ح 364.
فإِنْ قِيل: المراد الطهارة اللغوية، فالجواب: إِنَّ حمل اللفظ على حقيقته الشرعية مُقَدَّم على اللغوية، ويدل أيضًا على نجاسة ما ولغ فيه سواء كان شرابا أو غيره إذ قد ورد الأمر بالإِراقة في رواية صحيحة على وجه العموم، [وخص مالك في قيل له ذلك بالماء، وأن الطعام إذا ولغ فيه لا يُجتنب ولا يُراق (1)](أ)، وهو ظاهر في نجاسة فيه، ومقيس عليه سائر بدنه، وذلك أنه إذا ثبت نجاسة لعابه، ولعابه جزء من فيه، إذ هو عَرَق فيه ففمه نجس، إذ العرق جزء مُتَحَلِّب من البَدَن فكذلك بقية بدنه، إذ فيه أشرف ما فيه، إلا أنه يرد عليه بأن ذلك يحتمل (ب) أن النجاسة في لعابه وفيه إنما هو (جـ) بسبب استعماله للنجاسة بحسب الأغلب، وعلق الحكم بالنظر إلى أغلب أحواله من أكله للنجاسات ومباشرته لها فلا يدل على نجاسة العَيْن، والقول بنجاسة الكلب مذهب الهادي والمؤيد بالله (د) وأبي طالب وأبي حنيفة (2)، والخلاف في ذلك لمالك (3) وداود والزهري لما رُوي عن مالك أنَّ جميع الحيوانات طاهرة مأكولة إلا أربعة معروفة، ولم يصرح بجواز أكله، [وعن مالك رواية أنه نجس، لكن الماء لا ينجس إلا بالتغير فلا (هـ) يجب التسبيع للنجاسة بل للتعبد (4)](و).
وخَرَّج المؤيد بالله طهارته أيضًا للقاسم، لأنه (ذكر في النيروسي (5) طهارة
(أ) بهامش الأصل.
(ب) في ب: محتمل.
(جـ) في هـ: هي.
(د) سقطت من هـ.
(هـ) في ب: ولا.
(و) بهامش الأصل.
_________
(1)
الشرح الصغير 1/ 33.
(2)
والشافعي وأحمد. انظر: المغني 1/ 52، وشرح مسلم 1/ 575، والبحر الزخار 1/ 12.
(3)
الكافي 1/ 158.
(4)
شرح مسلم للنووي 1/ 575، إحكام الأحكام 1/ 144. الكافي 1/ 158 - 159.
(5)
النيروسي هو جعفر بن محمد بن شعبة النيروسي، كان من العلماء الفضلاء، له كتاب مسائل النيروسي. تراجم رجال شرح الأزهار 3/ 10.
سؤره، وهو على أحد قولَي القاسم أ)، وأما أبو طالب فحمل طهارة سؤره على أحدِ قولَي القاسم أنَّ الماءَ لا ينجس ما لم يتغير أحد أوصافه، وفي سؤره عند مالك (1) ثلاثة أقوال: طهارته، ونجاسته، وطهارة سؤر (ب) المأذون في اتخاذه دون غيره، والرابع عن عبد الملك ابن الماجشون المالكي أنه يفرق بين الحَضَرِي والبدوي فيقول بطهارة البدوي، وحمل مالك (2) هذا الأمر على التعبد، ورجحه بعض أصحابه بذِكْر السبع لأنه لو كان للنجاسة لاكتفى بما دون السبع إذ نجاسته لا تزيد على العذرة.
ويجاب عنه بأن أصل الحكم -و (جـ) هو الأمر بالغسل- معقول المعنى ممكن التعليل، والأصل في الأحكام التعليل فيُحمل على الأعمّ الأغلب، والتعبد إنما هو في العدد فقط (3).
والحديث دليلٌ على وجوبِ السبع الغسلات، وهو قول الشافعي، ومالك، وابن حنبل (4)، (د (وقال به ابن عباس، وعروة بن الزبير، ومحمد بن سيرين، وطاووس، وعمرو بن دينار، والأوزاعيّ، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، وداود، والطبري) د)، والخلاف في ذلك لغيرهم من أئمة (هـ) أهل البيت عليهم السلام، والحنفية (5) فقالوا: لا فَرْق بين الكلب وغيره من سائر النجاسات،
(أ) ما بين القوسين مثبت بهامش هـ.
(ب) في ب: سؤره.
(جـ) الواو ساقطة من ب.
(د) بهامش الأصل.
(هـ) في هـ: من الأئمة، وجـ: وأئمة.
_________
(1)
ذكر الأقوال والقول الرابع شرح مسلم 1/ 575.
(2)
الكافي 1/ 58.
(3)
وقد ناقش ابن دقيق العيد والصنعاني كلام المالكية بما فيه الكفاية. انظر: إحكام الأحكام 1/ 145 والحاشية.
(4)
ورواية عن أحمد أن يجب غسلها ثمانيًا إحداهن بالتراب، وعند مالك تعبدا. المغني 1/ 52 - 53، وشرح مسلم 1/ 575، الكافي 1/ 158.
(5)
عمدة القاري 3/ 39.
وحملوا حديث السَّبْع على الندب، [ورواية عن مالك (1) أيضًا أنَّ السبع (أ) للندب](ب) واحتجوا على ذلك بما رواه الطحاوي والدارقطني موقوفًا على أبي هريرة أنه يغسل من ولوغه ثلاث مرات (2)، وهو الراوي للغسل سبعا (جـ)، وهو مناسب لأصل بعض الحنفية من وجوب العمل بتأويل الراوي وتخصيصه ونسخه، قالوا: لأنك إما أنَّ تُحسن الظن بالراوي أو لا، وعلى الأول يجب الحَمْل على ما حمله، وعلى الثاني يمتنع العمل بروايته.
ولا يناسب أصول الأئمة عليهم السلام[مع أن الرواية عنه معارضة برواية أنه أفتى بالغسل سبعا وهي أرجح من الأولى، فإنها من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه (3)، وهذا أصح الأسانيد (4)، والأولى من رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه، وهو دون الأول في القوة بكثير](د) إلا أنه قد ورد في حديث أبي هريرة مرفوعًا: أنه قال صلى الله عليه وسلم في الكلب يلغ في الإناء: "يُغْسَل ثلاثا، أو خمسا أو سبعا "(5) فالحديث يدل على عدم تعين
(أ) في هـ: التسبيع.
(ب) بهامش الأصل.
(ب) في هـ: سبع مرات.
(د) بهامش الأصل.
_________
(1)
قال ابن عبد البر: ويغسل منه الإناء سبعًا على كل حال تعبدًا، هذا ما استقر عليه مذهبه عند المناظرين عليه من أصحابه. الكافي 1/ 158.
(2)
الدارقطني 1/ 66 ح 16 وقال: هذا موقوف، ولم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء، وقال البيهقي في "المعرفة": عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف الثقات، التغليق المغني 1/ 66.
قلت: عبد الملك بن أبي سليمان العزرمي أحد الأئمة كان شعبة يَعْجَب من حفظه، وذكره البخاري وابن معين في تاريخهما ولم يذكرا جرحا. قال ابن حجر: صدوق له أوهام.
التقريب 219، ضعفاء العقيلي 3/ 31، تاريخ ابن معين 2/ 371، التاريخ الكبير 3/ 1 / 417.
(3)
الدارقطني 1/ 64 ح 3.
(4)
الفتح 1/ 277.
(5)
الدارقطني 1/ 65 ح 13، وقال الدارقطني، تفرد به عبد الوهاب عن إسماعيل وهو متروك الحديث، وغيره يرويه عن إسماعيل بهذا الإسناد "فاغسلوه سبعا" وهو الصواب.
السبع إذ لو (أ) كانت متعينة لما خير إلا أنه ضعف الحديث بأنه من رواية عبد الوهاب بن الضحاكَ (1) -أحد الضعفاء- عن إسماعيل بن عياش عن (2) هشام بن عروة ورواية إسماعيل عن الحجازِيين ضعيفة (3).
* وفيه دلالة على وجوب التتريب، و (ب) المقصود عند الشافعي وأصحابه حصول التتريب في مرة من المرات، ولا فَرْق بين أنَّ يخلط الماءَ بالتراب حتى يتكدر، أو يطرح الماء على التراب، أو التراب على الماء، أو يأخذ الماء المتكدر من موضع فيغسل به.
وأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزئ إلا أن يمسح بالتراب ويتبعه الماء والتراب باق.
ولم يوجب مالك (4) التراب لأنه لم يثبت في روايته وإنما هو في رواية ابن سيرين.
وقد أُورد على الرواية التي فيها ذِكر التراب الاضطراب من كونها أولاهن أو
(أ) في النسخة ب: "له" ولعله تصحيف.
(ب) الواو ساقطة من هـ.
_________
(1)
عبد الوهاب بن الضحاك، العرضي، الحمصي: متروك، قال ابن حبان: كان يسرق الحديث، المجروحين 2/ 147، المغني في الضعفاء 2/ 412.
(2)
إسماعيل بن عياش بن سليم، العنسي، أبو عتبة، الحمصي: صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم.
قال البخاري: إذا حدّث عن أهل بلده فصحيح وإذا حدّث عن غيرهم ففيه نظر. الميزان 1/ 240، التقريب 34. الكوا كب 98.
(3)
قال الحازمي: (إنما وُثق إسماعيل بن عياش في الشاميين دون غيرهم لأنه كان شاميا ولكل أهل بلد اصطلاح في كيفية الأخذ من التشدد والتساهل وغير ذلك. والشخص أعرف باصطلاح أهل بلده فلذلك يوجد في أحاديثه عن الغرباء من النكارة، فما وجدوه من الشاميين احتجوا به وما كان من الحجازيين والكوفيين وغيرهم تركوه). الناسخ والمنسوخ 14.
(4)
بلغة السالك 1/ 34.
أُخراهن أو إِحداهن أو السابعة أو الثامنة والاضطراب قادح فيجب الاطراح لها، وأجيب عنه بأن الاضطراب إنما يكون قادحا مع استواء الروايات، وأما إذا رجح بعضها عُمل به واطرح ما سواه، ورواية "أولاهن" أرجح، فإنه رواها عن محمد بن سيرين ثلاثة: هشام بن حسان (1)، وحبيب بن الشهيد، وأيوب السَّخْتياني، وأخرجها مسلم في صحيحه من رواية هشام فيترجح بأمرين: كثرة الرواة (أ) وتخرج أحد الشيخَيْن (ب) لها، وهما من وجوه الترجيح عند التعارض (2).
وأما رواية: "أُخراهن" -بالخاء والراء- فلا توجد منفردة مسنَدَة في شيءٍ من كتب الحديث، إِلا أن ابن عبد البر ذكر في "التمهيد" أنه رواها خِلَاس عن أبي هريرة، إِلا أنها رُويت (جـ) مضمومة مع "أولاهن"(3) ، وأما رواية "السابعة بالتراب" فهي وإنْ كانت بمعناها فإنه تفرد بها عن محمد بن سيرين قتادةُ، وانفرد بها أبو داود (4)، وقد اختُلف فيها على قتادة فقال أبان عنه هكذا، وفي رواية أبي داود (5): وقال سعيد بن بشير عند: "الأولى بالتراب" فوافق (د) الجماعة، رواه كذلك الدارقطني في "سننه"(6) والبيهقي من طريقه، وهذا يقتضى
(أ) في هـ: الرواية.
(ب) جاء في هامش جـ، وب ما نصه: أما تخريج أحد الشيخين لهما فقد شاركهما فيه رواية وعفروه الثامنة بالتراب كما تقدم. اهـ.
(جـ) في هـ: رواية.
(د) في ب، جـ: يوافق.
_________
(1)
أما رواية هشام بن حسان فرواها أحمد 2/ 427، 2/ 489، وأبو داود 1/ 57 ح 71، ومسلم 1/ 234 ح 91 - 279، وذكر أبو داود رواية حبيب وأيوب تعليقا 1/ 58، وكذلك رواها قتادة عن ابن سيرين النسائي 1/ 145.
(2)
وخرجها النسائي من رواية أبي رافع عن أبي هريرة، ومن طريق قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة 1/ 145.
(3)
توجد في سنن الترمذي ولكنها مضمومة مع "أولهن" ح 91 - 1/ 151.
(4)
أبو داود 1/ 59 ح 73، والدارقطني باب ولوغ الكلب في الإناء ح 1/ 64 ح 7.
(5)
لم أقف على هذا في أبي داود. انظر: تحفة الأشراف 10/ 347.
(6)
الدارقطني 1/ 64، والبيهقي 1/ 241.
ترجيح رواية "أولاهن" لموافقة الجماعة ، وأما رواية "إحداهن" بالحاء المهملة والدال فليست في شيء من الكتب الستة، وإنما رواها البزار (1)، وهي لا تعارض إذ هو يجب حمل المُطْلَق على المقيَّد.
وأما رواية: "أولاهُنَّ أو أخراهُن" فقد رواها الشافعي والبيهقي (2) من طريقه بإسنادٍ صحيح، وفيه بحث وذلك أن (أ) قوله:"أولاهن أو أخراهن"(ب) لا يخلو من أن يكون مجموعة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو هو شك من بعض الرواة، فإنْ كانت (جـ) مجموعة من كلام النبيِّ صلى الله عليه وسلم وآله -فهو دال على التخيير بينهما، وترجح (د) حينئذ ما نص عليه الشافعي من التقييد بها وذلك لأن مَن جَمَعَ بينهما معه زيادة عِلم على من اقتصر على الأولى أو السابعة لأن كلا منهم حفظ مرة فاقتصر عليها وحفظ هذا الجمع بين الأولى والأخرى، فكان أولى، وإن كان ذلك شَكًّا من بعض الرواة فالتعارض قائم ويرجع إِلى الترجيح، فترجح (هـ)"الأولى"كما تقدم.
ومما يدل على أنَّ ذلك شك من بعض الرواة لا من كلام الشارع قول الترمذي في روايتين: "أولاهن، أو قال: أخراهن بالتراب" فهذا يدل على أن بعض الرواة شك فيه، فيترجح حينئذ (و) تعيين "الأولى".
ولها شاهد أيضًا من رواية خلاس (3) عن أبي هريرة.
(أ) في هـ، جـ: لأن.
(ب) ساقطة من ب.
(جـ) في هـ: كان.
(د) في ب: ويرجح.
(هـ) في ب: فيرجح.
(و) في ب: ح، وفي الأصل هكذا: ح. وهي بمعنى حينئذ.
_________
(1)
كشف الأستار 1/ 145 ح 277.
(2)
الأم للشافعي 1/ 6، البيهقي 1/ 241.
(3)
البيهقي 1/ 241، النسائي 1/ 145.
وقوله في رواية مسلم (1): "وعفروه الثامنة بالتراب" وارد على الشافعي، ومن اقتصر على السبع فإنه يدل دلالة صريحة على وجوب الثامنة. قيل: ولم يقل به إلا الحسن البصري (2)، وقد تقصى عنه النووي بأن المراد اغسلوه سبعا واحدة منهن بتراب مع الماء فكأن (أ) التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة (3)، وفيه تكلف لا يخفى.
[وأُجيب أيضًا بأن أبا هريرة لم يَرْوِ الثامنة وهو أحفظ مَن روح الحديث في دهره فروايته أولى: وفيه بأن حديث عبد الله بن مُغَفَّل صحيح (4) قال ابن منده: "مُجْمع على صحته، وهي (ب) زيادة ثقة (جـ) مقبولة"، وقد ألزم الطحاوي الشافعية بذلك (5)، وأيضًا فقال (د) الشافعي في حديث التتريب لم أقف على صحته (6)، وهذا لا ينفع أصحابه الذين وقفوا على صحته، وأيضًا يجوزُ أنْ يكون محمولا على مَنْ نسي استعمال التراب حتى فعل السبع فإنه يجب عليه الثامنة.
(أ) في ب: وكأن، وفي شرح مسلم: كأن 1/ 575.
(ب) في ب: وهو.
(جـ) في جـ، في: منه.
(د) في هـ: قد قال.
_________
(1)
مسلم من حديث عبد الله بن مغفل 1/ 235 ح 93 - 280.
(2)
رواية في مذهب الإمام أحمد ومالك، المغني 1/ 52، التلخيص 1/ 36.
(3)
شرح مسلم 1/ 575، فإن الحديث نص على الثامنة بالتراب وهو ظاهر في كونه غسلة مستقلة. ذكره ابن دقيق العيد وابن حجر.
(4)
أخرجه مسلم في "صحيحه" عن ابن المغفل قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب، ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وقال: "إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب".
صحيح مسلم 1/ 235 ح 93 - 280، وأبو داود 1/ 59 ح 74، والنسائي 1/ 144، وأحمد 5/ 56، والدارمي 1/ 188.
(5)
التلخيص 1/ 36.
(6)
الفتح 1/ 277.
ويُؤيّد هذا الجواب بما في رواية أبي هريرة: "فإن لم تعفروه في إحداهن فعفروه الثامنة" وهذا جوابٌ قويٌّ، والله أعلم] (أ).
وظاهر الحديث يدل على تَعَيُّن (ب) التراب ولا يقوم مقامه الإشنان والصابون، وفي قول للشافعي أنه يقوم مقامه غيره (1) إذ الغرض إنما هو المبالغة في الإزالة، واعترض بأن التنصيص على ذلك معنى يعقل لا يوجد في غيره، وهو الجمع بين مطهرَيْن فلا يقاس عليه غيره.
* ولو ولغ كلبان أو أكثر في إناء واحد [أو كلب مرات](جـ) فللشافعية ثلاثة أوجه (2) الأول: أنه (د) يكفي للجميع سبع مرات، وهو الصحيح.
الثاني: يجب لكل ولغة سبع.
الثالث: يكفي لولغات الكلب الواحد سبع، ويجب لكل كلب سبع.
* ولو كانت نجاسة الكلب مرئية ولم تزل إلا بعد ست غسلات مثلًا فهل تجب زيادة سبع بعد ذلك؟
لأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه: الأصح أنه يُحسَب ما زالت به العَين واحدة، وإذا أصاب الماء الذي ولغ فيه الكلب شيئًا وجب تسبيع ذلك الذي أصابه وتتريبه (3)، وإذا ولغ في إناءٍ فيه طعام جامد أُلقي ما أصابه وما حوله وانتفع
(أ) بهامش الأصل.
(ب) في هـ: تعيين.
(جـ) ساقطة من الأصل.
(د) سقطت من ب.
_________
(1)
ولكن الأصح في مذهب الشافعي أنه لا يقوم غيره مقامه لأن النص ورد في ذلك، وفي مذهب الإمام أحمد وجهان كالشافعي.
الأم 1/ 5، شرح مسلم 1/ 575، المغني 1/ 53.
(2)
شرح مسلم 1/ 576.
(3)
شرح مسلم 1/ 576.
بالباقي كما في الفأرة تموت في السمن الجامد، (أوفي قول للشافعي (1)(ب) أن الخنزير كالكلب في ذلك وقول له إنه (جـ) كسائر النجسة، وهو القوي (أ)، [والمشهور عن المالكية (2) التفرقة بين الماء والطعام، فيُرَاق الماء ويُغسل الإِناء والطعام يؤكل ثم يغسل الإِناء تعبدا لأن في إراقة الطعام إضاعة مال، وهو محرم إجماعا](د) فيخص حديث الإراقة (3).
* فائدة: في حديث عبد الله بن مغفل الذي رواه مسلم قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال:"ما بالهم وبال الكلاب"؟ ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم، وقال:"و (هـ) إذا ولغ الكلب في الإِناء فاغسلوه سبعا، وعفروه الثامنة بالتراب"(4) فهذا نهيٌ عن اقتنائها، وقد اتفق على أنه يحرم اقتناء الكلب لغير حاجة مثل أنَّ يقتنى كلبا إعجابا بصورته وللمفاخرة، فهذا حرام بلا خلاف.
وأما الحاجة التي يجوز الاقتناء لها فقد ورد في الحديث الترخيص في كلب
(أ) قدم ما بينهما في الأصل على قوله: "وإذا أصاب الماء .. " إلخ ونبه إلى ذلك.
(ب) في ب: الشافعي.
(جـ) في هـ: وفي قوله إنه.
(د) بهامش الأصل.
(هـ) سقطت الواو من ب.
_________
(1)
قال صاحب المغني: وحكم الخنزير حكم الكلب لأن النص وقع في الكلب، والخنزير شر منه وأغلظ لأن الله تعالى نص على تحريمه وأجمع المسلمون على ذلك. المغني 1/ 57.
وقال النووي: وذهب أكثر العلماء إلى أن الخنزير لا يفتقد إلى غسله سبعا، وهو قول الشافعي وهو قوي في الدليل. شرح مسلم 1/ 576، الوسيط 1/ 339.
(2)
بلغة السالك 1/ 34.
(3)
قلت: إن رواية مسلم "فليرقه"، وهي نص بالإراقة سواء كان طعاما أو شرابا، لأنه لو كان هناك مائع أثمن من الطعام: كالعسل والسمن فإنه يراق فتعميمه أولى، فثبت أن عموم النهي عن الإضاعة مخصوص بخلاف الأمر بالإراقة. والله أعلم اهـ.
(4)
مسلم 1/ 235 ح 93 - 280.
الصيد، وكلب الغنم (1)، وفي الرواية الأخرى:"وكلب الزرع"، وهذا جائز بلا خلاف، واختلف في الاقتناء لحراسة الدور، واقتناء الجرو ليعلم، فمنهم (أ) مَن حرمه لأنَّ الرخصة إنما وردت في الثلاثة المتقدمة، ومنهم مَن أباحه وهو الأصح لأنه في معناها.
واختلف أيضًا فيمن اقتنى كلب صيد (ب) وهو لا يصيد.
وأما قتل غير العقور غير المستثنى فقال إمام الحرمين أبو المعالي: إن الأمر بقتلها منسوخ. قال: وقد صح أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب (جـ) مرة ثم صح أنه نهى عن قتلها، قال: واستقر الشرع عليه (د) على التفصيل الذي ذكرنا. قال: وأمر بقتل الأسود البهيم وكان هذا في الابتداء، وهو الآن منسوخ (2)، هذا كلامه (هـ).
9 -
وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هرة:
"إنها ليستْ بنجِس، إنما هي من الطَّوافِينَ عليكم".
أخرجه الأربعة، وصححه الترمذي وابن خزيمة (3).
(أ) في ب: منهم.
(ب) في هـ: كلب الصيد.
(جـ) في ب: بقتلها.
(د) ساقطة من هـ.
(هـ) في هـ كلامهم، وجملة "هذا كلامه" ساقطة من جـ.
_________
(1)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم أو ماشية. فقيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول "أو كلب زَرْع". فقال ابن عمر: إن لأبي هريرة زرعا.
صحيح مسلم 3/ 1200 ح 46 - 1571.
(2)
شرح مسلم 1/ 576.
(3)
أبو داود ولفظه: "إنها" الطهارة، باب في سؤر الهرة 1/ 60 ح 75.
والترمذي بلفظه، وزاد "أو الطوافات" الطهارة: باب ما جاء في سؤر الهرة 1/ 153 - 154 ح 92.
والنسائي باب في سؤر الهرة 1/ 145، وزاد "والطوافات". =
*أبو قتادة: هو الحارث بن رِبْعي الأنصاري، وقد اختلف في اسمه، فأكثر ما ذكر، وقيل: النعمان بن عمر بن بَلْذَمَة، وقيل: عمر بن ربعي بن بلذمة، الأنصاري، السلمي.
فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، غلبت عليه الكُنية.
"ورِبْعِيّ" بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء.
"ويلْذَمة": بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الذال المهملة، ويقال: بضم الباء والذال، ويقال: بضمها (أ)، وبالذال المعجمة.
اختلف في شهوده (ب) بدرًا، وشهد أحدا، وما بعدها من المشاهد.
روى عنه ابنه عبد الله، وأبو سعيد الخُدْرِيّ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
مات بالدينة سنة أربع وخمسين -وقيل: بل مات في خلافة علي بن أبي طالب بالكوفة، وكان شهد معه مشاهده كلها- وهو ابن سبعين سنة، وصلى عليه عليّ فكبر عليه (جـ) سبعا (1).
* والحديث أخرجه مالك، والشافعي، وأحمد، وابن حبان، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي (2).
(أ) هكذا في ب، وفي باقي النسخ "بضمهما".
(ب) في هـ: مشهوده.
(جـ) في هـ: كرم الله وجهه في الجنة وكبر.
_________
= ابن ماجه بلفظ: "هي من الطوافين أو الطوافات" الطهارة، باب الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك 1/ 131 ح 367.
وابن خزيمة وزاد "أو الطوافات" باب الرخصة في الوضوء بسؤر الهرة 1/ 55 ح 104.
مسند الشافعي بلفظ: "إنها من الطوافين"9.
أحمد بلفظ: "إنها وزاد الطوافات" 5/ 296.
الحاكم بلفظ: "إنها من الطوافين عليكم والطوافات" الطهارة 1/ 160.
الدارقطني بلفظ الحاكم باب سؤر الهرة 1/ 70 ح 22.
البيهقي الطهارة، باب في سؤر الهرة 1/ 245 - 246.
مالك بلفظ: "إنما هي
…
" باب الطهور للوضوء 40 - 41 ح 13.
(1)
الاستيعاب 2/ 336، الإصابة 11/ 302.
(2)
البيهقي 1/ 245.
قال مالك: عن إسحاق بن أبي طلحة عن حميدة بنت أبي عبيدة عن خالتها كبشة بنت كعب بن مالك -وكانت تحت ابن أبي قتادة-: أنها أخبرتها أنَّ أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وَضُوءًا، فجاءَتْ هِرة تشرب منه فأصغى لها الإِناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجيين يا ابنة أخي؟ قالت: قلتُ: نعم!
فقال (أ) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات"(ب).
ورواه الباقون من حديث مالك، ورواه الشافعي عن الثقة عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه.
ورواه أبو يعلى من طريق حسين المعلم عن إسحاق بن أبي طلحة عن أم يحيى امرأته عن خالتها -ابنة كعب بن مالك- فذكره.
تابعه همام عن إسحاق بن أبي طلحة. أخرجه البيهقي. قال ابن أبي حاتم: "سألتُ أبي وأبا زرعة عنها فقالا: هي حميدة تكنى أم يحيى"(1).
وصححه البخاري، والترمذي، والعقيلي، والدارقطني (2)، وساق له في "الأفراد" طريقا غير طريق إسحاق فروى من طريق الدراوردي عن أسيد (جـ)
(أ) في هـ: وقال.
(ب) في هـ: أو الطوافات.
(جـ) في ب، جـ: أسد.
_________
(1)
علل الحديث 1/ 52.
(2)
قال محمد بن إسماعيل: "جود مالك بن أنس هذا الحديث". الدارقطني 1/ 71. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح، وهذا أحسن شيء روي في هذا الباب. وقد جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ولم يأت به أحد أتم من مالك". سنن الترمذي 1/ 155.
وقد صححه الحاكم، ووافق الذهبي 1/ 160.
ابن أبي أسيد عن أبيه (أ) أن أبا قتادة -وساق الحديث.
وأعَلَّه ابن منده بأن حميدة (1) وخالتها كبشة مجهولتان، ولم يُعْرَف لهما إلا هذا الحديث، وتعقب بأن لحميدة حديثًا آخر في تشميت، العاطس رواه أبو داود (2)، ولها ثالث رواه أبو نعيم في "المعرفة".
وأما كبشة (3) فقيل إنها صحابية، فلا تضر الجهالة، والله أعلم.
وقال ابنُ دقيق العيد (4): لعل مَن صَحَّحه (ب) اعتمد على تخرج مالك فإنه قد صح عنه أنه لا يخرج إلا عن ثقة، فإن اكتفى بهذا وإلا فالقول (جـ) ما قاله ابن منده، وروى ابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" من حديث جابر قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصغى الإِناء للسنور فيلغ فيه ثم يتوضأ من فضله"(د).
و (هـ) رواه الدارقطني من طريق أبي يوسف القاضي عن عبد ربه بن سعيد المَقْبُرِيّ من حديث عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تَمُرُّ به الهرة فيصغي لها الإِناء فتشرب ثم يتوضأ بفضلها"(5).
وعبد ربه (6) هو عبد الله متفق على ضعفه، واختلف عليه فيه، وقد خرج حديث عائشة من ست طرق غير المذكورة، وفي الكل مقال.
(أ) في هـ: أخيه.
(ب) في هـ: صحبه.
(جـ) في جـ: زاد: وقال.
(د) في الأصل: بفضلها والتصحيح من الدارقطني.
(هـ) الواو ساقطة من هـ.
_________
(1)
حميدة بنت عبيد بن رفاعة زوج إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، تكنى أم يحيى، مقبولة. الخلاصة 490، التقريب 467.
(2)
سنن أبي داود 5/ 29، ح 5035.
(3)
كبشة بنت كعب الأنصارية زوج عبد الله بن أبي قتادة، قال ابن حبان: صحابية، وذكرها ابن حجر في القسم الأول، الكاشف 3/ 480، والإصابة 13/ 106.
(4)
في كتاب الإمام. انظر: نصب الراية 1/ 137.
(5)
الدارقطني، باب سؤر الهرة 1/ 66.
(6)
عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري: قال البخاري: تركوه. الخلاصة 199، التقريب 175.
* والحديث (أ) دليلٌ على طهارة الهِرَّة وطهارة سُؤْرها، وهو مذهب الهادي عليه السلام والشافعي (1).
وقال أبو حنيفة (2): بل نجس كالسَّبُع، لكن خَفَّفَ فيه فَكَرِه سؤْره، ولعل مستنده ما تقدم في حديث القلتَيْن من أنه سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء" فأفهم الحديث أَنَّ دون القلتين تنجسه السباع، وإن كان أبو حنيفة لا يعتبر التحديد بالقلتين فهو إنما تركه للنظر فيهما وما يرجعان إليه من الجهالة.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ الهرة سَبُع في حديث أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي (3). من حديث عيسى بن المسيب (4) عن أبي زُرْعَة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي دارَ قومٍ من الأنصار ودونهم دار لا يأتيها، فشق عليهم ذلك، فقالوا: يا رسول الله تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في داركم كلبًا".
قالوا: فإن في دارهم سنورا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "السنور سَبُع".
(أ) في هـ: فالحديث.
_________
(1)
المجموع 1/ 215، والبحر 1/ 26.
قلت: وهو مذهب الإمام أحمد، المغني 1/ 50.
(2)
بدائع الصنائع 1/ 224.
(3)
مسند أحمد 2/ 442، وسنن الدارقطي 1/ 63، وقال وكيع:"الهر سبع"، قال الدارقطني: تفرد به عيسى بن المسيب عن أبي زرعة وهو صالح الحديث، البيهقي 1/ 249، وأخرجه الحاكم بلفظ:"السنور سبع"، وقال عيسى بن المسيب: تفرد به أبو زرعة إلا أنه صدوق ولم يُجْرَح. 1/ 183.
(4)
عيسى بن المسيب، البجلي، قاضي الكوفة: ضعفه ابن معين والنسائي والدارقطني، وذكره ابن حبان في المجروحين، قال العقيلي: لا يتابعه إلا من هو مثله أو دونه.
تاريخ ابن معين 2/ 464، المجروحين 2/ 119، تعجيل المنفعة 328، الميزان 3/ 323، ضعفاء العقيلي 3/ 386.
وفيه مقال. فأطلق على الهرة اسم السبع.
والجواب عنه أولًا بأنه معارَض بحديث الباب في الهرة، فهي مخرجة من عموم نجاسة السبع على تسليم صحة الاحتجاج به مع أن نجاسة السبع معارض (أ) بما أخرجه الشافعي وعبد الرزاق عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود ابن لحصين عن أبيه عن جابر قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحُمُر؟
فقال: "نعم، وبما أفضلت السباع"(1).
فهو صريح في طهارتها جميعا الهرة وغيرها، مع أن حديث القلتين المتقدم يحتمل أنَّ تنجيس السباع لما دونها ليس لأجل سؤرهما (ب) وإنما هو لما هو مظنة أَنْ (جـ) يلقيان فيه من الأزبال والأبوال، والكلام إنما هو في طهارة السؤر والفم.
والحديث يدل على طهارة سؤرها وإن باشرت نجسا، ولا يعتبر البقاء ليلة أو يوما على الخلاف في ذلك، وهو -أحد قولَي (د) الشافعي (2)، ومذهب الهادي- عليه السلام -وأبي حنيفة لا بد من (هـ) جرى الريق في فيها (و)، فيطهر بذلك لجدته وتعذر غيره إذ هو الممكن في حقها (3).
(أ) في هـ: تتعارض.
(ب) في هـ: سؤرها.
(جـ) في ب: لما.
(د) في هـ: قول.
(هـ) ساقط من هـ: لا بد من.
(و) في هـ، جـ: فمها.
_________
(1)
مسند الشافعي ص 8، والحديث فيه إبراهيم بن إسماعيل أبي حبيبة، الأنصاري، الأشهلي مولاهم، أبو إسماعيل، المدني: ضعيف، قال البخاري: ليس بشيء، وقال ابن معين: منكر الحديث. الخلاصة 15، التقريب 18.
(2)
والإِمام أحمد، انظر: المغني 1/ 51، والمجموع 1/ 214.
(3)
البحر 1/ 27، وعند أبي حنيفة ومحمد طاهر مكروه، وعند أبي يوسف غير مكروه.
البناية في شرح الهداية 1/ 444.
قال المؤيد بالله (1): وتُعلم جِدته بمضي ليلة، لاستدعاء السكون جري الريق، وقال أبو مضر (2) تخريجا: ويوم مع الليلة، إذ لا يخلو من الريق حينئذ، [وقال المهدي أحمد بن الحسين ورواية عن القاسم: بمضيّ ساعة حكاه الفقيه عليّ.
وقال المنصور: يطهر فمها بزوال عَين النجاسة من دَم] أو غيره، وحكاه أيضًا عن القاسم. قال الإِمام يحيى: التحديد بالمدة إنما هو تقريب، والاعتبار بغَلَبَة الظنّ بجري الريق ثلاثا] (أ):
والوجه في اعتبار ذلك هو أَنَّ الفم إذا باشر النجاسة فلا بد من بقاء أجزاء النجاسة في الفم، وقد قام الدليل على أنَّ عين (ب) النجاسة تنجس ما لاقاها فلا بد من مزيل لها من فم الهرة والمزيل إنما هو الريق -إذ غيره لا يحيط بجوانب الفم- فكان اعتباره لازمًا، وهو مقيد لإِطلاق طهارة سؤرها، فقياس النجاسة التي في فمها على سائر النجاسات من باب قياس المساواة، واعتبار الريق في حقها دون سائر النجاسات لأنه الممكن دون ما عداه، وجَرْي الريق في فمها هو المعتبر، وإنما اليوم والليلة مظنة جري الريق فقط. وقال الشافعي (3) -في أحد قولَيْه- لا يطهر إلا بأن يراها تشرب من ماءٍ كثير، أو تغيب مدة يغلب في الظن حصول ذلك (4)، ورده المؤيد بالله عليه السلام بأنَّ الماء لا يبلغ حيث بلغَت (جـ) النجاسة لأنها دارت في غلاصمها (5) بخلاف الماء فإنها تأخذه بطرف لسانها، وترمي به إلى حلقها.
(أ) بهامش الأصل.
(ب) في الأصل: غير.
(جـ) في جـ: تبلغ.
_________
(1)
و (2) البحر الزخار 1/ 27.
(3)
المجموع 1/ 214 - 215.
(4)
وقيل: إنها تطهر وإن لم تغب أو تشرب ماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم عفى عنها مطقا، وعلل بعدم إمكان الاحتراز عنها، ولأننا حكمنا بطهارة سؤرها مع الغيبة في مكان لا يحتمل ورودها على ماء كثير يطهر فاها. المغني 1/ 51.
(5)
الغلصمة: اللحم بين الرأس والعنق، أو العجرة على ملتقى اللهاة والمريء، أو رأس الحلقوم بشواربه وحرقوته، أو أصل اللسان القاموس 4/ 158.
واختلف العلماء هل يقاس سائر الأفواه على فِي الهرة (أ) فنفاه نُفَاة القياس، ومثبتوه اختلفوا فقال (ب) الحقيني (1): يقاس عليها ما شاركها في الطواف ومشقة غسل الفم كالسخال والأطفال لا الكبار من الآدميين والبهائم والسباع؛ لأن الآدميّ الكبير لا مشقة عليه في الغسل وما عداه من المذكور لعدم الطواف (2).
ومذهب الهادي (3) عليه السلام والمؤيد بالله، وادعى في "الكافي" الإِجماع عليه أنه يُلحَق بالهِرة كل حيوان طاهر لأنه عليه السلام علّل ذلك بعدم النجاسة، وعلل عدم النجاسة بالطواف، فيلحق به ما شارك (جـ) في ذلك، والقياس على ما خالف القياس إذا عُقِل المعنى صحيح (د) عند أبي طالب والجمهور، والمؤيد بالله وإن كان لا يقول به فإنه يوافق في الحكم هنا؛ لأنه من باب النص لما نص على العلة، وليس من باب القياس عنده، فتطهر الأفواه جميعها (هـ) بالريق والتجديد على الخلاف (4).
(أ) زادت هـ: أولًا.
(ب) في ب: وقال.
(جـ) في ب: ما شاركه.
(د) في هـ: صحح.
(هـ) ساقطة في جـ.
_________
(1)
علي بن جعفر بن الحسين الحسيني الهاشمي أبو الحسن، سكن قرية يقال لها حقينة قرب المدينة، وهو المعروف بالحقيني الصغير والكبير والده، وإذا أطلق الحقيني فالمراد المترجم، توفي سنة 490، تراجم رجال شرح الأزهار 3/ 24.
(2)
و (3) البحر 1/ 27.
(4)
سؤر الحيوان: ما بقي في الإناء بعد الأكل أو الشرب، وهو قسمان: طاهر ونجس والنجس نوعان:
أ) نجس رواية واحدة: وهو الكلب والخنزير.
ب) مختلف فيه: وهو سائر سباع البهائم إلا السنور وما دونها فقيل سؤرها طاهر وقيل نجس.
الطاهر في نفسه وسؤره وعرقه وهو ثلاثة أضرب:
أ) الآدمي.
ب) ما أكل لحمه.
جـ) السنور وما دونه في الخلق.
راجع المغني 1/ 46، المجموع 1/ 216.
* فائدة: في قوله: "إنها (أ) من الطَّوافين"، ذلك (أ) من باب الاستعارة شبهها بخَدَم البيت ومَنْ يطوف على أهله للخدمة ومعالجة المهنة كقوله تعالى:{طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (1) يعني الخَدَم والمماليك.
* فائدة أخرى: في قوله: "تنوبه" هو بالنون أي ترد عليه نوبة بعد أخرى، وحكى الدارقطني (2) أن ابن المبارك صحفه وقال: تثوبه بالثاء المثلثة.
10 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
"جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزَجَره الناسُ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا قضَى بَوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذَنُوبٍ من ماءٍ فأُهْرِيق عليه".
متفقٌ عليه (3).
* أنس بن مالك: هو أبو حمزة -بالحاء المهملة والزاي- ابن النَّضْر -بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، الأنصاري، النجاري، الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمه أم سُلَيم بنت ملحان، قدم النبي صلى الله عليه وسلم[المدينة] (ب) وهو ابن عشر سنين -وقيل: ابن تسع، وقيل: ثمان-، وخدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين -وقيل: خدمه لما خرج إلى خَيبر-، وانتقل إلى "البصرة" في خلافة عمر ليفقّه الناس بها، وهو آخر مَن مات بالبصرة من الصحابة سنة إحدى وتسعين -وقيل: اثنتين، وقيل: ثلاث- وله من العمر مائة وثلاث سنين، أو (جـ) سنة أو (د) سنتان، وقيل: تسع وتسعون سنة.
(أ) بهامش هـ.
(ب) ساقطة من الأصل، جـ.
(جـ، د) الواو ساقطة من هـ.
_________
(1)
سورة النور: الآية 58.
(2)
التلخيص 1/ 31.
(3)
البخاري -كتاب الوضوء- باب يهريق الماء على البول 1/ 324 ح 221، ومسلم بمعناه =
قال ابن عبد البر (1): وهو أصح ما قيل، فقال (أ) إنه وُلدِ له مائة ولد، وقيل: ثمانون منهم ثمانية وسبعون ذَكَرًا وابنتان (ب): حفصة، وأم عمرو، روى عنه الزُّهْرِيّ وابن سِيْرِيْن وقتادة وثابت وحُميد وجماعة من أولاده وأولاد أولاده وخلق كثير من التابعين (2).
* الحديث متفق عليه من حديث أنس، ورواه البخاري من حديث أبي هريرة، وعند الترمذي من حديث ابن عُيينة، في أوله أنه صلى (جـ) ثم قال:"اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد تحجرت واسعا (3)، فلم يلبث أن بال في المسجد".
وقد روى ابنُ ماجه (4) (د وابن حبان الحديث تامًّا من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
وكذا رواه ابن ماجه (د) أيضًا مبن حديث وَاثِلة بن الأسقع (5)، وأخرجه أبو موسى المَدِينيّ (6) في "الصحابة" من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن
(أ) في ب: ويقال، وجـ: يقال.
(ب) في ب: وبنتان.
(جـ) في هـ: صلى الله عليه وسلم. ولعلها زيادة من الناسخ.
(د) بهامش ب.
_________
= 1/ 236 - 237 ح 98 - 284 الترمذي بمعناه الطهارة باب ما جاء في البول يصيب الثوب 1/ 276 ح 148، والنسائي باب ترك التوقيت في الماء 1/ 43، وابن ماجه بمعناه عاب الطهارة وسننها باب الأرض يصيبها البول كيف تغسل 1/ 175 - 176 ح 528، أحمد 2/ 239.
(1)
الاستيعاب 1/ 205.
(2)
الإصابة 1/ 112، سير أعلام النبلاء 3/ 395.
(3)
البخاري كتاب الأدب -باب رحمة الناس والبهائم 10/ 438 ح 6010، الترمذي كتاب الطهارة باب ما جاء في البول يصيب الأرض 1/ 276 ح 147، ولفظ البخاري (لقد حجرت اسعا).
(4)
ابن ماجه 1/ 176 ح 529 بلفظ: "لقد احتظرت واسعا".
(5)
سنن ابن ماجه 1/ 176 ح 530.
(6)
ذكره الحافظ في الفتح 1/ 323.
سليمان بن يسار قال (أ): "اطلع ذو الخويصرة اليماني -وكان رجلا (ب جافيا." فذكره تاما بمعناه وزيادة، وهو مرسَل، وفي إسناده أيضًا مبهم، واستفيد منه ب) تسمية الأعرابي، و (جـ) قال التاريخي إنه الأقرع، ونُقل عن أبي الحسين بن فارس أنه عُيينة بن حصن، والعلم عند الله سبحانه (1).
* والأعرابي: واحد الأعراب، وهو مَن سَكَن (د) البادية كانوا عَرَبًا (هـ) أو عَجَما (2).
وطائفة المسجد: ناحيته، والطائفة: القطعة من الشيء.
والذَّنُوب: قال الخليل: الدلو ملأى ماء، وقال ابن فارس: الدلو العظيمة، وقال ابن السكيت: فيها ماء قريب من المليء (3)، ولا يُقال لها (و) وهي فارغة ذنوب.
وزيادة "من ماء": للبيان؛ لأن الذنوب مشترك بينه وبين الفرس الطويل.
وفي رواية "سَجلا" بفتح (ز) المهملة وسكون الجيم (4). قال أبو حاتم السجستاني: هو الدلو ملأى، ولا يُقال لها ذلك وهي فارغة، وقال ابن دريد:
(أ) في ب: وقال.
(ب) بهامش هـ.
(جـ) الواو ساقطة من ب، جـ.
(د) في ب: يسكن.
(هـ) في هـ: أعرابا.
(و) ساقطة من هـ، ب.
(ز) في ب: مشتركة.
(ح) في هـ: بفتح السين المهملة.
(ط) زاد في هـ السين.
_________
(1)
انظر الفتح 1/ 323.
(2)
القاموس المحيط 1/ 106، النهاية 2/ 171 - 172.
(3)
القاموس 1/ 71.
(4)
النهاية 2/ 343 - 344.
السجل: دلو واسعة. و (أ) في الصحاح: الدلو (ب) الضخمة (1).
وقوله: "فأهريق"(جـ)، وفي رواية "فهريق"(جـ) والهاء بدل من الهمزة، ويجوز اجتلاب (د) همزة أخرى بعد الإبدال أو يحكم بزيادة الهاء ويجوز في "أهريق"(هـ) فتح الهاء لكونها عوضا عن همزة مفتوحة، ونقل عن سيبويه أنه قال: أهراق يهريق، مثل اسطاع يسطيع (و) بسكون الهاء.
قال الجوهري: ويجوز أن يكون أصله "أأراق" -بهمزتين- فأبدلت الهمزة الثانية هاء للخفة، وجزم ثعلب بأن "أهريق" بفتح الهاء (2).
* وفي الحديث دلالة على أَنَّ الأرض يجب في تطهيرها الماء كغيرها من المُتنجِّسات، وهو مذهب العترة والشافعي (3) ومالك.
وقيل: تطهر بالشمس والريح للصلاة والتيمم.
وقال أبو حنيفة (4): بل هما مطهران، فإنهما يحيلان الشيء عن طِبَاعِهِ، فتأثيرهما في إزالة النجاسة أعظم من تأثير الماء، فإذا كان الماء مطهرا فهما مثله في التطهير.
وقال الخراسانيون (5) من أصحاب الشافعي: بل الظل مطهر.
(أ) الواو ساقطة من جـ.
(ب) في جـ: والدلو، بزيادة الواو.
(جـ) في جـ: فاهريقوا.
(د) في هـ: اختلاف.
(هـ) في ب: هريق.
(و) في ب: استطاع يستطيع.
_________
(1)
الصحاح 5/ 1725.
(2)
انظر كلام ابن حجر في باب الغسل والوضوء في المخضب، الفتح 1/ 303.
(3)
البحر 1/ 24 - 25، المجموع 2/ 548، بداية المجتهد 1/ 83.
(4)
بدائع الصنائع 1/ 275 - 276.
(5)
البحر 1/ 25، والمجموع 2/ 548.
والجواب أن الحديث لم يذكر فيه إلا الماء وبالقياس على سائر المتنجسات إلا ما خصه دليل.
قالت الحنفية: قوله صلى الله عليه وسلم: "ذَكَاة الأرض يبسها"(1)، وأجيب بأن هذا لا أصل له في الحديث المرفوع، وقد ذكرة ابن أبي شيبة (2) موقوفًا على محمد بن على الباقر رضي الله عنهما، ورواه عبد الرزاق عن أبي قلابة من قوله: بلفظ: "جفوف الأرض طَهُورها"(3) وصب الماء مطهر للأرض الرخوة إجماعا، وأما الصلبة فعند المؤيد بالله والشافعي هي كذلك (4)، ومذهب الهادوية أنه لا بد من غسلها، وظاهر الحديث مع المؤيد بالله والشافعي، إلا أنه يُجَاب عنه (أ) بأن أرض المدينة رخوة فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، ولا يُقاس عليه الصلبة لعدم تخلل الماء لأجزاء الأرض فالحكم فيها كغيرها من المتنجسات.
ويستدل به أيضًا بأنه لا يتوقف طهارتها على النضوب، واختار هذا الإمام المهدي في "البحر"(5)، قال الإمام: وذكر (ب) أصحابُنا للمذهب أنه لا بد من النضوب، وعن بعضهم أنه لا بد من الجفاف. قال الموفَّق في "المغني" (6): الأَولى (جـ) الحكم بالطهارة مطلقا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط في الصبّ على بول الأعرابي شيئًا.
واشترطت الحنفية إلقاء التراب وحفرها، كذا رواه الإمام المهدي في
(أ) في ب: عليه.
(ب) في الأصل، ب: وذكره.
(جـ) في هـ: الأولى في.
_________
(1)
قال ابن حجر: لا أصل له في المرفوع. التلخيص 1/ 49.
(2)
ابن أبي شيبة 1/ 57.
(3)
ابن أبي شيبة 1/ 57.
(4)
المجموع 2/ 544، البحر 1/ 26.
(5)
البحر 1/ 26.
(6)
المغني 1/ 58.
"البحر"، والنووى في "شرح مسلم"(1)، قال الحافظ المصنف (2) رحمه الله: والمذكور في كتب الحنفية (3) التفصيل بَيْنَ إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها، فهذه لا تحتاج إلى حَفر، وبين إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب لأن الماء لم يغمر أعلاها وأسفلها، واحتجوا على ذلك بحديثٍ جاء من ثلاث طرق أحدها موصول عن ابن مسعود أخرجه الطحاوي (4)، لكن إسناده ضعيف، قاله أحمد وغيره، والآخران مرسَلَان أخرج أحدهما أبو داود من طريق عبد الله بن معقل بن مقرن التابعي (5)، والآخر (6) سعيد ابن منصور من طريق طاوس ورواتهما ثقات.
وأخرجه الدارقطني أيضًا من حديث عبد الله بن معقل قال: قام أعرابي إلى زاوية من زوايا المسجد فبال فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه، وأهريقوا على مكانه ماء"(7).
قال أبو داود: رُوي (أ) مرفوعًا -يعني موصولا-، ولا يصح.
(أ) في هـ: وروي.
_________
(1)
البحر 1/ 26، وشرح مسلم 1/ 580.
(2)
الفتح 1/ 325.
(3)
بدائع الصنائع 1/ 277.
(4)
أخرجه الدارقطني 1/ 132، والطحاوي 1/ 16، ولفظه:(فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكانه فاحتفر، فصب عليه دلو من ماء) والحديث فيه سمعان بن مالك، قال أبو زرعة: هذا حديث ليس بقوي، قال ابن خراش: مجهول، وكذا الدارقطني، وقال أبو حاتم: لا أصل له. الميزان 2/ 234، علل الحديث 1/ 24 ح 36، التلخيص 1/ 49 - 50.
(5)
الحديث عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال: صلى أعرابي. . وفيه قال -يعني النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء" قال أبو داود: وهو مرسل ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم 1/ 265 ح 381.
(6)
الفتح 1/ 325.
(7)
سنن الدارقطني باب في طهارة الأرض من البول 1/ 132 وقال: عبد الله بن معقل تابعي وهو مرسل.
قال المصنِّف في "التلخيص"(1): وله إسنادان موصولان، أحدهما عن ابن مسعود وثانيهما عن واثلة بن الأسقع (2)، وفيهما مقال، فليرجع إليه، وبالجملة فهو لازم لمن قبل المرسل العمل به كالمؤيد، وأما الشافعي فلا يلزمه (أ) لأنه لا يقبل إلا مراسيل كبار التابعين بشرط أن يكون ممن إذا سَمَّى لا يسمى إلا ثقة، وذلك مفقود في المُرْسلين المذكورين.
قال النووي (3) -رحمه اللهُ تعالى-: وفي الحديث أحكام: فمنها:
إثبات نجاسة بول الآدمي -وهو مجمعٌ عليه- كبيرًا كان أو صغيرًا، إلا أن الصغير يكفي فيه النضح على تفصيل.
واحترام المسجد وتنزيهه عن الأقذار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قرر الصحابة على الإنكار، وإنما أمرهم بالرِّفْق.
وأن الأرض تطهر بصبّ الماء عليها.
وأن غسالة النجاسة طاهرة (ب) وفيها خلاف بين العلماء.
والرفق بالجاهل، وعدم التعنيف والإِيذاء.
ودَفع أعظم المضرتَين بأخفهما؛ لأنه لو قطع عليه بوله لأضر به، وكان يحصل (جـ) من إقامته مع ما قد [حصل](د) من تنجيس المسجد تنجيس بدنه وثيابه ومواضع من المسجد.
(أ) في ب: فلا يلزم.
(ب) في ب، جـ، هـ: طاهر.
(ب) في جـ: في.
(د) بهامش الأصل.
_________
(1)
التلخيص 1/ 49 - 50.
(2)
ابن ماجه 1/ 176، ح 530، وفيه عبد الله بن أبي حميد الهذلي، أبو الخطاب البصري، متروك، التقريب 224، المغني في الضعفاء 2/ 415.
(3)
شرح مسلم 1/ 580.
وقوله صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث: "إن هذه المساجد لا تصلح، لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى وقراءة القرآن"(1) أو كما قال.
وفيه: صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار، والقذى، والبصاق، ورفع الأصوات، والخصومات، والبيع، والشراء، وسائر العقود، وما في معنى ذلك.
وفي هذا مسائل، وهي (2):
أجمع المسلمون على جواز الجلوس في المسجد للتحدث، فإن كان جلوسه لعبادة من اعتكاف أو قراءة عِلْم أو سماع موعظة أو انتظار صلاة أو نحو ذلك كان مستحبا، ولو لم يكن شيء من ذلك كان مباحًا، وقال بعض أصحابنا: إنه مكروه، وهو ضعيف (2).
ويجوز النوم في المسجد، نَصَّ عليه الشافعي في "الأم"، قال ابن المنذر في (3) "الأشراف": رخص في النوم في المسجد: ابنُ المسيب والحسن وعطاء والشافعي.
وقال ابن عباس: "لا تتخذوه مرقَدًا"، ورُوي (أ) عنه:"لا بأس في النوم (ب) إذا كان لصلاة"(جـ).
وقال الأوزاعي: يُكره، وقال مالك: لا بأس به للغرباء، ولا أرى ذلك للحاضر.
(أ) في هـ: روي، بدون الواو.
(ب) في ب: في النوم فيه.
(جـ) في هـ: إذا كان منتظر الصلاة.
_________
(1)
صحيح مسلم 1/ 236 - 237 ح 100 - 285، ولفظه:"إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
انظر شرح مسلم 1/ 580.
(3)
المجموع 2/ 177.
وقال أحمد: إن كان مسافرا أو شبهه فلا بأس، وإن اتخذه مقيلا أو مبيتا فلا، وهذا قول إسحاق (1).
واحتج مَن جَوَّزه (2) بنومِ عليّ رضي الله عنه، وابن عمر، وأهل الصُّفَّة، والمرأة صاحبة الوِشَاح، والعُرَنِيين، وثمامة بن أثال، وصفوان بن أمية، وغيرهم وأحاديثهم مشهورة في الصحيح.
ويجوز أَنْ يُمَكَّن الكافر مِن دخوله (أ)[المسجد](ب) بإذن المسلمين لا من غير إذنهم.
وقال ابن المنذر: أباح كل مَنْ يُحْفَظ عنه العلم الوضوء في المسجد (3) إلا أن يبل المكان ويتأذى منه الناس، فإنه مكروه.
ونقل الإِمام أبو الحسن (4) ابن بطال هذا عن ابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس والنخعي وابن القاسم المالكي وأكثر أهل العلم، وعن ابن سيرين ومالك وسَحْنون أنهم كرهوه تنزيهًا للمسجد (5).
وقال جماعة من أصحابنا (6): يُكره إدخال البهائم والصبيان والمجانين الذين لا
(أ) في ب: دخول.
(ب) بهامش الأصل.
_________
(1)
المجموع 2/ 177، شرح مسلم 1/ 581.
(2)
أخرج مسلم والبخاري من حديث سهل بن سعد في نوم علي في المسجد 4/ 1874، 1875 ح 38 - 2409، 1/ 535 ح 441، وابن عمر عند البخاري 1/ 535، 440، وأصحاب الصفة عند البخاري 6/ 587 ح 3581، وأخرج البخاري من حديث عائشة قصة صاحبة الوشاح 1/ 533 ح 439، والعرنيين البخاري 12/ 111 ح 684، وثمامة بن أثال عند البخاري 1/ 555 ح 462، وصفوان بن أمية عند مالك وابن ماجه الموطأ 521 ح 28، وابن ماجه 2/ 865 ح 2595.
(3)
المجموع 2/ 177.
(4)
ابن بطال في باب يهريق الماء على البول.
(5)
المرجع السابق.
(6)
شرح مسلم 1/ 581.
يميزون المسجد لغير حاجة مقصودة لأنه لا يؤمَن تنجيسهم المسجد، ولا يحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير (1) وفعل ذلك بيانا للجواز فلا يعارِض الكراهة.
ويحرم إدخال النجاسة السجد، ومَن في بدنه (أ) نجاسة وخاف تنجيس المسجد حرم عليه الدخول، فإِنْ فصد في المسجد في غير إناء فحرام، وإن قطر دمه في إناء فمكروه، والبَول كذلك.
ويجوز الاستلقاء في المسجد، ومد الرِّجْل، وتشبيك الأصابع للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك من فِعل الرسول صلى الله عليه وسلم (2).
ويستَحَب استحبابا مؤكدا كنس المسجد وتنظيفه للأحاديث الواردة (3) فيه (ب). انتهى (4).
11 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُحِلَّتْ لنا مَيْتَتَان ودَمَان، فأَمَّا المَيْتَتَان فالجَرَاد والحُوت، وأما الدَّمان فالطِّحال والكبد".
أخرجه أحمد وابن ماجه، وفيه ضَعْف (5).
(أ) في ب: يديه.
(ب) في ب: فيها.
_________
(1)
البخاري 3/ 476 ح 1612 مسلم 2/ 926 ح 254 - 1273.
(2)
أخرج البخاري من طريق عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى 1/ 563 ح 475.
وأخرج أيضًا من حديث أبي هريرة وفيه: (ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه. . .) البخاري 1/ 565، 566 ح 482.
(3)
أخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن امرأة أو رجلا كانت تَقُمُّ المسجد، وفيه وصلى النبي على قبره.
البخاري 1/ 554 ح 460.
(4)
شرح مسلم 1/ 580، 581.
(5)
أحمد 2/ 97 وفيه تقديم الحوت على الجراد والكبد على الطحال، ابن ماجه كتاب الأطعمة باب الكبد =
* ضُعِّف (أ) بعبد الرحمن بن زيد بن أَسلم (1) عن أبيه عن ابن عمر، قال أحمد: حديثه هذا مُنكَر، وقال البيهقي (2): رفع هذا الحديث أولاد زيد بن أسلم: عبد الله وعبد الرحمن وأسامة، وقد ضعفَّهم ابن مَعِين وابن المديني، وكان أحمد يوثق عبد الله (3).
قال المصنف رحمه الله: وقد رواه الدارقطني وابن عدي من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم، قال ابن عدي: الحديث يدور على هؤلاء الثلاثة، وقد تابعهم شخصٌ أضعف منهم، وهو أبو هاشم كثير بن عبد الله الأُبُلّيّ (4).
أخرجه (ب) ابن مردويه في تفسير سورة الأنعام من طريقه عن زيد بن أسلم بلفظٍ قريب من حديث الكتاب.
ورواه المسور بن الصلت (5) -أيضًا- عن زيد بن أسلم لكنه خالف في إسناده قال: عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد مرفوعًا أخرجه الخطيب، ذكره الدارقطي في "العلل"، والمسور كذاب.
(أ) ساقط من هـ.
(ب) بهامش هـ.
_________
= والطحال 2/ 1101 ح 3314 ولفظه كأحمد، والشافعي بلفظ أحمد 340، البيهقي بلفظ "البلوغ" الطهارة باب الحوت يموت في الماء والجراد 1/ 254، الدارقطني باب الصيد والذبائح 4/ 271، الكامل في ترجمة عبد الله بن زيد بن أسلم 4/ 1503.
(1)
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي مولاهم: ضعيف. التقريب 202، الخلاصة 227، المغني في الضعفاء 2/ 380.
(2)
البيهقي 1/ 254.
(3)
عبد الله بن زيد بن أسلم العدوي، ضعفه يحيى وأبو زرعة ووثقه أحمد وقال النسائي ليس بالقوي، التهذيب 5/ 222، الميزان 2/ 245.
(4)
كثير بن عبد الله الأبلي، أبو هاشم، متروك، قال الدارقطني: ضعيف، وقال النسائي: متروك، وقال البخاري: منكر الحديث، الميزان 3/ 406، الضعفاء للعقيلي 4/ 8.
(5)
المسور بن الصلت، أبو الحسن المديني: ضعيف، ضعفاء العقيلي 4/ 244.
وقد رُوي موقوفًا رواه الدارقطني من رواية سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم قال: وهو أصح، وكذا صحح الوقفَ أبو زُرعة وأبو حاتم (1)، ولكن الوقف في مثل هذا في حكم الرفع؛ لأن قول الصحابي:"أحل لنا كذا"، وحرم علينا كذا"، مثل قوله: "أمرنا" و "نهينا" (2)، فقام الاحتجاج بالحديث بإحدى المرفوعتَيْن والموقوفة (3).
والحديث يدل على حِلِّ ما ذُكِر فيه من الجَرَاد وغيره على أي حالٍ وُجِدَ، فلا يُعتبر في الجراد شيء سواء مات حتف أنفه أو بسبب، وهذا قول الجمهور من أهل البيت عليهم السلام والشافعيّ وأبي حنيفة (4)، وقال الناصر والإمام أحمد بن الحسين ومالك وأحمد بن حنبل (5): لا يحل منها إلا ما كان موته بسبب آدميّ بأن (أ) يقطع بعضه (ب) أو يسلق أو يلقي في النار حيًّا أو يُشوى، فإن مات حتف أنفه أو في وعاءٍ حرم.
وروى في "البحر" عن مالك: أنه لا بد من قطف (جـ)(6) رؤسِها وإلا حرمت، والحديث حجة عليهم.
(أ) في جـ، هـ: فإن.
(ب) في ب: بعضها.
(جـ) في جـ: قطع.
_________
(1)
علل الحديث 2/ 17.
(2)
أورد التمثيل بأمرنا ونهينا لأن ابن الصلاح نص عليهما في مقدمته وأنه من المرفوع والمسند عند أكثر أهل العلم. وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر بن الإسماعيلي، والأول هو الصحيح لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهرة إلى من إليه الأمر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. علوم الحديث لابن الصلاح 45، وتدريب الراوي 110 - 111.
(3)
انظر: التلخيص 1/ 39.
(4)
البحر 4/ 291، وعن أحمد رواية مثلهم. الروض وحاشيته 3/ 354، الهداية 4/ 70، شرح مسلم 4/ 619 - 620.
(5)
الروض المربع وحاشيته 3/ 354، بداية المجتهد 1/ 443، البحر 4/ 291.
(6)
البحر 4/ 302.
وأما السمك فيحل منه ما كان موتُه بسبب آدمي، أو جزر الماء، أو قذفه، أو نضوبه لا ما كان طافيًا، وهذا مذهب الهادي والجمهور من أهل البيت (1) عليهم السلام.
وقال (أ) الشافعي: يحل الطافي، وهو مرويّ عن أبي بكر، والحُجة له على ذلك عموم قوله:"والحِلّ مِيتته"، "وميتتان" قُلنا: مخصوص بحديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكُلوا (ب)، وما مات فيه فطَفَا فلا تأكلوه" أخرجه أبو داود (2) وأحمد، ورُوي مثل ذلك عن علي عليه السلام.
قال النووي (3): حديث جابر ضعيف باتفاق أئمة الحديث، لا يجوز الاحتجاج به ولو لم يعارضه شيء، كيف وهو معارَض، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قررهم على أكل العنبرة (4) وطلب أن يأكل منها، وأكل ولم يعلم بأي سبب ماتت، فدل على جواز أكله إذا (جـ) وُجد ميتا، ولا يُقال: أنهم أكلوه لأجل الاضطرار إذ لا ضرورة في أكل النبي صلى الله عليه وسلم.
وما مات مِن حَرِّ الماء أو برده أو يقتل بعضه بعضا فإنه يحرم أكله على قول الهادي والقاسم وأحد قولَي المؤيد بالله (5)، إذ هو كالطافي لعدم تصيده.
(أ) في هـ: قال.
(ب) في ب: فكلوه.
(جـ) في جـ: وإذا.
_________
(1)
البحر 4/ 302.
(2)
كتاب الأطعمة باب في أكل الطافي من السمك 4/ 166 ح 3815. قال أبو داود: روى هذا الحديث سفيان الثوري وأيوب وحماد عن أبي الزبير وأوقفوه على جابر، وقد أسند هذا الحديث من وجه ضعيف. وابن ماجه 2/ 1082، ح 3247.
والحديث فيه يحيى بن سليم الطائفي صدوق سيء الحفظ، قال النسائي: ليس بالقوي. قال أحمد: رأيته بخلط في الأحاديث فتركته، وثقه ابن معين، المغني في الضعفاء 2/ 737، التقريب 376.
(3)
شرح مسلم 4/ 630.
(4)
صحيح مسلم 3/ 1535 ح 17 - 1935، عن جابر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال: هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ قال فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله.
(5)
البحر 4/ 304.
وعن الناصر، وأحد قولي المؤيد بالله (1)، وأبي حنيفة، والشافعي، وقال به جماهير من الصحابة كأبي بكر الصديق، ومن التابعين كأبي ثور، وعطاء، ومكحول، والنَّخَعِيّ ومالك، وأحمد، وداود أنه يحل لعموم:"الحل ميتته"، "وميتتان"، وأُجيب بأنه مخصص بالقياس على الطافي، وقد عرفت ما فيه.
وأما الطِّحَال -بوزن كِتَاب- فإنه حلال إجماعا للحديث، مكروهٌ أكله عند الهادي (2) والناصر لما روي عن علي (3) عليه السلام أنه لقمة الشيطان، وهو توقيف، ومعنى لقمة الشيطان: أنه يُسَرّ بأكله. ذكره في "الغيث"، وقال (4) القاسم: لا يُكره للحديث. قال (5) في "البحر": لا يُنافي الكراهة.
وأما الكَبد فلا خِلاف أنها تَحِل وأنها غير مكروهة.
12 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقع الذبابُ في شراب أحدكم فلْيَغمِسْهُ ثم ليَنْزَعْهُ فإنَّ في أحدِ جناحيه داء، وفي الآخر شفاء". أخرجه البخاري وأبو داود وزاد: "وإنه يتَّقِي بجناحِه الذي فيه الداء".
لفظ البخاري (6) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقع الذباب في إناء أحدم فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن في (أ) أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء". ولفظ أبي داود (7) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أ) ساقطة من هـ.
_________
(1)
البحر 4/ 304، الهداية 4/ 70، بداية المجتهد 1/ 443. شرح مسلم 4/ 619.
(2)
البحر 4/ 336.
(3)
عزاه ابن مهران في تخريجه إلى الشفا 4/ 336.
(4)
و (5) البحر 4/ 336.
(6)
كتاب بدء الخلق باب إذا وقع الذباب 9/ 356 ح 3320، وقد أورد البخاري روايتين الرواية الأولى وهي التي أوردها المصنف بالمتن، والثانية في كتاب الطب وهي التي أوردها الشارع وفيه (داء) بدل (شفاء)، و (شفاء) بدل (داء) 10/ 250 ح 5782.
(7)
أبو داود كتاب الأطعمة باب في الذباب يقع في الطعام 4/ 182 ح 3844، وفي النسخ المطبوعة (وفي =
"إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء، وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء، فليغمسه كله.
و (أ) رواه ابن خزيمة وابن حبان بزيادة في (ب) آخره: "ثم لينزعه".
ورواه ابن ماجه والدارمي أيضًا، ورواه ابن السكن بلفظ:"إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله، فإن في أحد جناحيه دواء، وفي الآخر داء"، أو قال "سمًّا".
ورواه ابن ماجه وأحمد (1) من حديث سعيد بن خالد عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري بلفظ: "في أحد جناحي الذباب سم، وفي الآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء"(جـ). ورواه النسائي والبيهقي وابن حبان أيضًا بنحوه (2).
وروى عن ثمامة عن أنس، والصحيح عن أبي ثمامة عن أبي هريرة، قالة ابن أبي حاتم (3) عن أبيه وأبي زُرعة، وقال الدارقطني: رواه عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس، ورواه حماد بن سلمة عن ثمامة عن أبي هريرة، والقولان محتملان.
قال المصنف (4) -رحمه الله تعالى- وروى عن قتادة عن أنس عن كعب
(أ)(الواو) ساقطة من هـ.
(ب) ساقطة من ب.
(جـ) ففي ب: أشفا.
_________
= الآخر شفاء) بدل (دواء). ابن ماجه نحوه الطب باب ما يقع الذباب في الإناء 2/ 1159 ح 3505. أحمد 2/ 229.
الدارمي بلفظه بدون "ثم لينزعه" باب الذباب يقع في الطعام 2/ 99. ابن خزيمة نحوه باب ذكر الدليل على أن سقوط الذباب في الماء لا ينجسه 1/ 56 ح 105.
(1)
المسند 3/ 67، ابن ماجه 2/ 1159 ح 3504.
(2)
النسائي 7/ 158، البيهقي 1/ 253، ابن حبان (موارد) 330 ح 1355.
(3)
علل ابن أبي حاتم 1/ 27 - 28 ح 46.
(4)
التلخيص 1/ 38 - 39.
الأحبار، أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه الكبير في باب من حدث من الصحابة عن التابعين، وإسناده صحيح.
ورواه الدارمي من طريق ثمامة عن أبي هريرة وقال: الصواب طريق عبيد (أ) بن حنين عن أبي هريرة (1).
قال: وحديث عبد الله بن (2) المثنى رواه البزار والطبراني في الأوسط.
والحديث يدل على أن ميتة "ما لا دم له طاهرة"، إذ لم يفصل بين أن يموت أو يعيش وقد ورد مصرحا به في حديث الطعام الذي وجد فيه صلى الله عليه وسلم خنفسا وذبابا ميتين فأمر بإلقائهما والتسمية عليه (3) والأكل منه.
ويدل على أنه يغمس الذباب وإن هلك بالغمس، والمعنى المناسب أنه صار عقورا ضارا، فيحل قتله لا سيما لدفع الضرر الذي هو واقع بسببه.
وأنه يحرم أكل الحيوان المستخبث عند النفوس، إذ (ب) أمر بطرحه وكذلك يقاس عليه دود (جـ) الفاكهة والطعام المسوس، وإن هلكت باستعمال ذلك.
ورواية: "إناء أحدكم" أعم وأشمل من رواية "شراب" و "طعام".
وقوله: "امقلوه"، أي اغمسوه. قاله أبو عبيدة.
وحديث سلمان أشمل، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا سلمانُ كلُّ طعامٍ
(أ) في ب: عبيدة.
(ب) في جـ: إذا.
(جـ) في هـ: دودة.
_________
(1)
الدارمي 2/ 99.
(2)
مجمع الزوائد 5/ 38، وعزاه إلى البزار والطبراني في الأوسط، كشف الأستار 3/ 329 - 330 ح 2866.
(3)
لم أقف عليه.
وشرابٍ وقعتْ فيه دابَّةٌ ليس لها دم، فماتَتْ فهو حلالٌ، أكلُه وشربُه ووضوءه"، وفيه مقال (1).
13 -
وعن أبي واقد الليثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا قُطِعَ من البهيمةِ، وهيَ حَيَّةٌ، فهو مَيْتَةٌ". أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه واللفظ له (2).
أبو واقد: اسمه الحارث بن عوف الليثي، وقد اختلف في اسمه ونسبه، فقيل: الحارث بن مالك، وقيل: عوف بن الحارث بن أسيد من بنى عامر بن ليث، قديم الإِسلام. قيل: إنه شهد بدرا، وكان معه لواء بني ليث وضمرة وسعد بني بكر يوم الفتح، وقيل: مِنْ مسلمة الفتح، والأول أصح. عداده من أهل المدينة، وجاور مكة سنة، ومات بها سنة ثمان وستين، وقيل: سنة خمس وستين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقيل: ابن خمس وثمانين، ودفن بفخ.
روي عنه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو مرة مولي عقيل بن أبي طالب (3).
(1) الدارقطني 1/ 37، البيهقي 1/ 253، قلت والمقال الذي ذكره موجود في حاشية الأصل وب حيث قال: أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان وفيه بقية بن الوليد وقد تفرد به وحاله معروف وشيخه سعيد بن سعيد الزبيدي مجهول وقد ضعف أيضًا واتفق الحفاظ على أن رواية بقية عن المجهولين واهية، وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف أيضًا وقال الحاكم أبو أحمد: هذا الحديث غير محفوظ. اهـ من التلخيص.
أما بقية بن الوليد بن صائب بن كعب الكلاعي الحمصي أبو محمد أحد الأعلام صدوق كثير التدليس عن الضعفاء وإذا حدث عن الثقات فلا بأس. التقريب 46، الميزان 1/ 333، 339، الجرح 434/ 2، 435.
وعلي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن جدعان التميمي البصري يعرف بعلي بن زيد بن جدعان ينسب أبوه إلى جد جده ضعيف، التقريب 246، ضعفاء العقيلي 3/ 229.
(2)
أبو داود كتاب الصيد في صيد ما قطع منه قطعة 3/ 277 ح 2858 بلفظ (فهي ميتة) والترمذي كتاب الأطعمة ما قطع من الحي فهو ميت 4/ 74 ح 1480، بلفظ (فهي ميتة). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
الدارمي كتاب الصيد باب في الصيد يبين منه عضو 2/ 93، أحمد 5/ 218. الحاكم 4/ 123 - 124.
(3)
الإصابة 12/ 88، الاستيعاب 12/ 180.
واقد: بكسر القاف والدال المهملة.
الحديث قال في البدر المنير (1): إنه قاعدة عطمة من قواعد الأحكام. وهو مروي من أربع طرق عن أبي سعيد، وعن أبي واقد، وعن ابن عمر، وعن تميم الداري فأخرجه (أ) الحاكم من حديث أبي سعيد الخدري (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن جباب أسنمة الإبل وأليات الغنم، فقال: ما قُطع من حي فهو مَيِّتٌ. وذكر الدارقطني (3) علته، وقال: المرسل أصح، ورواه الدارمي وأحمد والترمذي وأبو داود والحاكم من حديث أبي واقد.
قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم المدينة، وبها ناس (ب) يعمدون إلى أليات الغنم وأسنمة الإِبل (فيجبونها)(جـ)، فقال: ما قطع من البهيمة، وهي حية، فهو ميتة. لفظ أحمد (4) ولفظ أبي داود، ولم يذكر القصة.
ورواه ابن ماجه والبزار والطبراني في "الأوسط" من حديث ابن عمر (5) واختلف في هذا الإِسناد على زيد بن أسلم، فقال البزار (6) بعد أن أخرجه من طريق المسور بن الصلت عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري: تفرد به ابن الصلت، وخالفه سليمان بن بلال فقال: عن زيد عن عطاء مرسلًا، كذا قال، وكذا قال الدارقطني (7)، وقد وصله الحاكم تقدم، ورواه معمر عن زيد بن
(أ) في ب: وأخرجه.
(ب) في ب: أناس.
(جـ) الزيادة من مسند أحمد 5/ 218.
_________
(1)
البدر: 1/ 47.
(2)
الحاكم 4/ 124.
(3)
التلخيص 1/ 40.
(4)
أحمد 5/ 218.
(5)
ابن ماجه 2/ 1072 ح 3216، كشف الأستار 2/ 67 ح 1220.
(6)
كشف الأستار 2/ 67، ولفظه هكذا رواه المسور وخالفه سليم بن بلال فلم يوصله.
(7)
التلخيص 1/ 40.
أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وتابع المسور وغره عليه: خارجة بن مصعب، أخرجه ابن عدي في الكامل (1)، وأبو نعيم في الحلية (2)، وقال الدارقطني: المرسل أشبه بالصواب (3)، وله طريق أخرى عن ابن عمر أخرجها الطبراني (4) في "الأوسط"، وفيه عاصم بن عمر (5)، وهو ضعيف ولفظه قيل: يا رسول الله إن ناسا يَجُبُّونَ ألياتِ الغَنَم، وهي أحياءٌ، فقال: مَا أُخِذَ من البهمةِ، وهي حَيَّةٌ، فهو مَيْتَةٌ.
وهو يدل على أن ما قطع من الحي فهو نجس، إذ الميتة كذلك، وهو عام مخصوص بما أبين من ما ميتته (أ) طاهرة كالجراد والسمك وما لا دم له، إذ ذلك المبان ملحق بالميت منه و (ب) مشبه به فلا يخالفه في الحكم. قال الإمام يحيى: ومن باين الحي المشيمة، وفي شرح الإرشاد: والمشيمة لها حكم ميتة ما انفصلت عنه، قياسا على الجزء المقطوع فهي طاهرة من الآدمي نجسة من غيره. انتهى.
وفي قوله قياسا على الجزء المقطوع دلالة على أنها ليست باين حي، ويفهم منه (جـ) أن الحياة لا تحلها، ويدل على ذلك قوله في متن الإرشاد: ومبان حي ومشيمته، والعطف يدل ظاهرا على المغايرة، واختار هذا في شرح الأثمار (6)
(أ) في هـ: ما ميته.
(ب) الواو ساقطة من ب.
(جـ) في جـ: وفهم منه.
_________
(1)
الكامل أخرجه في ثلاثة مواضع وليس فيه خارجه 4/ 1608، 5/ 1870، 1871.
(2)
الحلية 8/ 251.
(3)
التلخيص 1/ 40.
(4)
نصب الراية 4/ 317، 318 قال: حدثنا محمود بن علي المروزى ثنا يحيى بن المغيرة ثنا ابن نافع عن عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر.
وبهذا الإسناد من ابن نافع إلى ابن عمر أخرجه ابن عدي 5/ 1870.
(5)
عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عمر المدني، ضعيف، الكامل 5/ 1869، التقريب 159.
(6)
كتاب في فقه الزيدية ألفه القاضي محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن بهران الصعدي اليمني المتوفى بصعدة سنة 957.
لابن بهران وقال في موضع: فرع: والمشيمة والمضغة والعلقة جميعها نجس مطلقا على المختار للمذهب، وحكى في "الزهور" عن "الانتصار": في العلقة والمضغة وجهين: الطهارة كالكبد، قال: وهذا (أ) هو المختار، لخروجهما عن صفة الدم، ولا كدم الحيض، ومخصوص أيضًا بما أبين من الصيد بضربة قاتلة، ولحقه موته، (وما أبين من السمك، وما أبين من المذكى قبل موته)(ب)، فإنه طاهر (اشتمل باب المياه على ثلاثة عشر حديثًا)(جـ).
(أ)"هذا" ساقطة من ب.
(ب، جـ) بهامش الأصل.