المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرح حديث: شراء النبي صلى الله عليه وسلم جمل جابر: - شرح عمدة الأحكام - عبد الكريم الخضير - جـ ٣٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌شرح حديث: شراء النبي صلى الله عليه وسلم جمل جابر:

((وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق)((قضاء الله أحق)) هذا أفعل تفضيل، ومقتضى أفعل التفضيل إذا كانت على بابها أن يكون هناك شيئان اشتركا في أمر في وصف زاد أحدهما في هذا الوصف على الآخر، نعم، إذا قيل: قضاء الله أحق من قضاء البشر مثلاً، وشرع الله أوثق من قوانين البشر، هل معنى هذا أننا نقول: إن قوانين البشر فيها حق وفيها شيء من التوثيق؟ لا، نقول: أفعل التفضيل ليست على بابها، كما في قول الله -جل وعلا-:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] هل لدى أهل النار من حسن المقيل شيء؟ ليس عندهم شيء، وعلى هذا أفعل التفضيل ليست على بابها.

((وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق)) مثلما ذكرنا الحديث لو ذهبنا نسترسل في فوائده، وتتبعنا جمله في الصحيحين وغيرهما، وما تدل عليه هذه الجمل من أحكام لاحتاج إلى دورات ما هي بدورة، وعرفنا أن فيه مصنفات خاصة، واستنبط منه بعض أهل العلم أكثر من أربعمائة فائدة، حكم شرعي.

والذي يهمنا أن الولاء لمن أعتق، فإذا أعتق شخص بدون مقابل وآخر بمقابل فالولاء لمن أعتق بدون مقابل؛ لأنه هو الأصل في العتق، بدون مقابل هو الأصل في العتق، على الخلاف في المكاتب أن له ولاء أو لا ولاء له، إذا لم يوجد سبب أقوى منه والعتق بدون مقابل.

أظن نكتفي بهذا وإلا احتاج الحديث بسط طويل، نعم.

‌شرح حديث: شراء النبي صلى الله عليه وسلم جمل جابر:

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه كان يسير على جمل فأعيا، فأراد أن يسيبه، فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي، وضربه، فسار سيراً لم يسر مثله، قال:((بعنيه بوقية))، قلت: لا، ثم قال:((بعنيه)) فبعته بوقية، واستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم رجعت، فأرسل في أثري، فقال:((أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك فهو لك)).

حديث جابر، قصة الجمل، جمل جابر أيضاً من الأحاديث التي عني بها أهل العلم، فيها من الأحكام الشيء الكثير، ولهذا الحديث طرق كثيرة، وألفاظ خرجه البخاري -رحمه الله تعالى- في بضعة عشر موضعاً، في مواضع كثيرة جداً.

ص: 9

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه كان يسير على جمل فأعيا" النبي عليه الصلاة والسلام كان يسير في مؤخرة القوم، وكان جابر رضي الله عنه يسير على جمل ثفال، يعني بطيء السير، في الصحيح، فسأله النبي عليه الصلاة والسلام فقال: إن الجمل ثفال، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:((أمعك قضيب؟ )) قال: نعم، فأخذه النبي عليه الصلاة والسلام فضربه به فزجره فصار الجمل بعد ذلك في مقدمة الناس، في مقدمة الناس، "كان يسير على جمل فأعيا فأراد أن يسيبه"، مل جابر، في آخر الناس باستمرار، لو كان على قدميه كان أسرع، يعني مثل هذا الجمل الذي يجعلك دائماً في مؤخرة الناس، مثل هذا ما. . . . . . . . . من يعلفه ويعتني به يسيب، فأراد أن يسيبه يعني يتركه حراً طليقاً، "قال: فلحقني"، أنه كان على جمل فأراد أن يسيبه فلحقني، مجموعة من الالتفاتات الأصل عن جابر رضي الله عنهما قال: كنت أسير على جمل فأعيا، فأردت أن أسيبه، فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم، لكن التفات من الغيبة إلى التكلم إلى الغيبة مرة ثانية، "فلحقني النبي عليه الصلاة والسلام فدعا لي، وضربه"، يعني بالقضيب "فسار سيراً لم يسر مثله، فقال:((بعنيه بوقية)) " الآن لو كانت المساومة من النبي عليه الصلاة والسلام قبل الضرب، نعم يبيع ولا ما يبيع؟ أراد أن يسيبه، قال: بعني بأوقية، قال: هات نصف أوقية هو يريد أن يسيبه، لكن بعد الضرب صار يمشي قدام الناس، "((بعنيه بوقية؟ )) قلت: لا".

النبي عليه الصلاة والسلام لما قضى على هذا العيب ساوم، وعلى هذا لو جاء لك شخص بسلعة بسيارة قال: أنا تعبت من هذه السيارة تقف في كل شارع فنظرت إليها فإذا هي تحتاج إلى شيء يسير جداً، سلك يربط بعضه ببعض وتمشي، هل من الأولى والأفضل أن تربط السلك وتخليها تمشي قدام الناس وتزيد ثم تسومها منه، وإلا تسومها قبل؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 10

تصلحها، إذا كنت تحسن ثم تشتريها، النبي عليه الصلاة والسلام ضرب الجمل فصار يمشي أمام الناس فقال:((بعنيه)) وإلا تستغل جهل الناس وضعفهم تقول: هذه يمكن والله تحتاج مكينة يا أخي، أنا لا أريدها، وأنت تعرف إيش تبي، نعم، الأولى أن تصلحها إذا كنت عارف، أو تخبره بأن هذا شيء يسير ما يكلف وفلان يصلحها لك بمبلغ زهيد.

ولذا لما قال له: ((بعنيه بوقية)) قلت: لا، الرسول يقول: بع، أمر، وجابر يقول: لا، هل يعصي جابر وإلا ما يعصي؟ لا يعصي؛ لأنه فهم من المقام أن المسألة بيع وشراء، المسألة معاوضة، ما هي بأمر ونهي، فلا يأثم، ولذا لو قال لك أبوك: بعني هذا الكتاب أو هذه النظارة، أو هذا القلم أو ما أشبه، بعنيه؟ نعم، تقول له: والله أنا محتاج، أو بعنيه بعشرة، تقول: لا بعشرين، هذا بيع وشراء ما فيه شيء، لكن لو كان أمره أمر إلزام، لا يسوغ لك بحال أن تخالف هذا الأمر، إذا كنت لا تضرر بفقده.

ومثله في حديث بريرة السابق لما خيرت فاختارت نفسها، عتقت وزوجها مغيث عبد، فجاء مغيث المسكين يتشفع بالنبي عليه الصلاة والسلام يكلم بريرة تستمر في الزوجية ويلاحقها في سكك المدينة، يبكي وهي لا تريده، شفع النبي عليه الصلاة والسلام فقالت له: تأمرني؟ قال: ((لا، إنما أنا شافع)) فقالت: لا أريده.

يميزون بين الألفاظ، يعرفون المقاصد، وإلا كانوا أحرص الناس على الخير، وأطوع الناس لله ولرسوله، وأشدهم امتثالاً لأوامر الله وأوامر رسوله عليه الصلاة والسلام، فجابر حينما قال: لا، لا نقول: عصى؛ لأن المسألة بيع وشراء.

تأذن؟

مسألة الإنكار.

يقول: ذكرت طريقة للإنكار، وأنه يكون بالتعريض ثم ينتقل منه إلى التعيين بالإنكار على صاحبه، فيما إذا لم يجدِ التعريض، ثم إذا لم يجدِ ولم يرتدع يشهر علانية، يقول: هل هذا عام مع كل أحد أم يخص في ذلك الإنكار على ولاة الأمر إذا ظهرت منكراتهم، وكذلك بعض طلبة العلم ينكر بعضهم على بعض علانية بحجة عدم الانتفاع بالمناصحة، فيشهرون ليحذر الناس خطأهم؟

ص: 11

تسمية الأشخاص إنما يلجأ إليها في آخر المطاف إذا لم تجدِ ولم تنفع السبل، وإذا كان في ذكرها مصلحة، ولم يترتب على ذكرها مفسدة أعظم، فالشرع جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا كان ذكر الشخص يترتب عليه التحذير منه؛ لأنه متلبس ببدعة، ويخشى على الناس من أن يقتدوا به يحذر الناس منه، لا مانع من ذكر اسمه، والسلف ذكروا المبتدعة بأسمائهم وأعيانهم، وحذروا الناس من بدعهم، لكن إذا كان الناس إذا حذروا من البدع ارتدعوا، لا، لا يلزم من ذكر الأسماء، بعض العصاة العتاة إذا بينت منكراتهم ومعاصيهم وعرف الناس أن هذه منكرات تضر بهم وأن هؤلاء. . . . . . . . .، لا يلزم ذكر أسمائهم، لكن إذا كان الناس بحيث لا يفهمون أن هذا الشخص متلبس بهذا المنكر، وهو يلبس على الناس ويروغ في طريقته وأساليبه، ويغتر به كثير من الناس لا بد من شهره، ما المانع؟ بالشرط المتقدم على ألا يترتب على ذلك مفسدة.

وأبو سعيد الخدري أنكر على مروان، وهو على المنبر، بين الصحابة في خطبة جمعة، لكن المفسدة مأمونة، أما إذا توقع مفسدة خاصة أو عامة، إذا كانت خاصة تختص بالشخص، وأراد أن يتحمل ويرتكب العزيمة هذا أمر، لكن إذا كان هناك ضرر متعدي، يتعدى إلى غيره فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والله المستعان.

ص: 12

مسألة ما يتعلق ببعض أهل العلم، وأن من يفتي بمسائل قد يكون فيها سبب لتساهل بعض الناس وفهمهم على غير مقصودها، أو هو نفسه ترخص في بعض الأمور، أو ترجح عنده بعض الأشياء إذا كان أهل للاجتهاد فالأمر فيه سعة على أن يبين القول الصواب، أما إذا كان ليس من أهل الاجتهاد فينبغي أن يبين ويذكر اسمه لئلا يغتر به الناس على ألا ينال شخصه بشيء، يعني الشخص لا ينبغي أن ينال بشيء، فكونك تحذر من القول، وإن لزم منه ذكر القائل لا يعني أنك تنتقص هذا الرجل، نعم، تساهل في كثير من الأمور التي تجر إلى أمور لا تحمد عقباها، هو ما ينظر إلى درء المفاسد وإلى مسائل سد الذرائع وغيرها ينظر إلى المسألة بعينها بغير نظر إلى ما تجر إليه هذه المسألة، لا بد أن تبين، وما زال أهل العلم يرد بعضهم على بعض، ما زال أهل العلم قديماً وحديثاً يرد بعضهم على بعض، ويبين بعضهم خطأ بعض، لكن لا يمنع، أو بل الأصل أن تذكر المحاسن، لئلا يجرد الإنسان من كل خير من كل فضل؛ لأنه وقع في خطأ واحد، هو ليس بالمعصوم يبين ما عنده من فضل وخير وعلم وعمل، ثم بعد ذلك يقال: أخطأ، وقد رد على عمر رضي الله عنه قال: أخطأ عمر، إيش المانع؟ لأنه ليس بمعصوم، فما دونه من باب أولى، لكن ينبغي، الأمور بمقاصدها قد يرد بعض الناس ويشهر بعض الناس؛ لأنه يرى في نفسه وهذه أمور لا يحكم بها على كل أحد، يرى في نفسه أنه لا يمكن أن يرتفع هو إلا إذا هضم غيره، مو بصحيح هذا، بل عكس، فإذا سئل عن فلان وفلان، قيل: إيش فلان ما فلان، وقصده بذلك أن يرتفع، هذا خطأ، ليس في هذا طريق، ليس هذا بطريق للشهرة ولا للرفعة لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل العكس الناس يزدرون مثل هذا النوع إذا كان الحامل له هذا المقصد، والله المستعان، والله سبحانه وتعالى هو المطلع على السرائر، فيحذر الإنسان من مغبة صنيعه متى؟ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [(9) سورة الطارق] يعني قد يروج على بعض الناس الآن، لكن غداً، يروج؟ ما يروج شيء، والله المستعان.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 13

لا يسأل علناً يعني، إذا كان الشخص التبس عليه أمر فلان أو علان من الناس، وأراد أن يسأل من يثق به من أهل العلم إيش رأيك بمنهج فلان طريقة فلان؟ علم فلان؟ عمل فلان؟ نعم، بينه وبينه من باب النصح، وهذا.

طالب:. . . . . . . . .

لا، لا، لا، هذا أمر إذا تعلق الإنسان بهذه الأمور وصارت وظيفته الجرح والتعديل لذات الجرح والتعديل، فإنه غالباً وهذا الذي يشهد به الواقع أنه يحرم العلم والعمل، فيكون نصيبه من العلم والعمل القيل والقال، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، كما يقول ابن دقيق العيد:"أعراض المسلمين حفرة من حفر النار"، يقول:"وقف على شفيرها العلماء والحكام"، والله المستعان.

طالب:. . . . . . . . .

يا أخي بيان المنهج العام للشخص نعم منهج فلان أنه متساهل مثلاً، عموماً يعني، فلان متشدد، يعني المذاهب بجملتها، مشتهر في العالم الإسلامي كله أن الحنابلة كلهم متشددون، الحنفية متساهلون، مع أنهم في بعض الأبواب الحنفية أشد من الحنابلة، نعم، في باب الأطعمة الحنفية أشد من المالكية، في باب الأشربة المالكية أشد من الحنفية، وهكذا، ما تجد عالم، عالم يعني يستحق هذه الكلمة تجده متساهل في كل شيء أو متشدد في كل شيء، يسيره الدليل، إذا ترجح عنده في هذه المسألة أو في هذا الباب من أبواب العلم والدين أن نصوص التيسير والتسهيل أو التشديد. . . . . . . . .، والمسألة مفترضة في شخص من أهل الاجتهاد، من أهل العلم، وفي الجملة يعني لا يقبل قول المفتي ما لم يضم للدين والعلم الورع:

وليس في فتواه مفت متبع

ما لم يضف للدين والعلم الورع

أما إذا كان ما عنده ورع، ما يتورع في أن يقول ما شاء متى شاء؟ وكيف شاء؟، ومتى طلب منه، هذا ما هو عالم هذا، هذا ليس بقدوة هذا.

ص: 14

يقول جابر لما قال له النبي عليه الصلاة والسلام: ((بعنيه بوقية)) قلت: لا، ثم قال:((بعنيه)) فبعته بوقية، هل في هذا ما قد يفهم منه أن لولي الأمر أن يضغط على صاحب السلعة أن يبيعه بأقل من قيمتها أو يبيعه قهراً منه؟ أو نقول هنا في الحديث ليس هناك بيع، بل أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن ينفعه ويبحث عن وسيلة مناسبة لينفعه فيها؟ بدليل أنه في الآخر، في النهاية نعم، قال:((أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك)) مثل هذا له وجه أن ينقص بالقيمة، ما قصده الشراء أصلاً، قصده أن ينفع جابر، جابر توفي أبوه شهيد مع النبي عليه الصلاة والسلام وترك ثمان بنات، أراد أن ينفعه بالقيمة فيبحث عن مبرر سبباً ظاهر، نعم فقال:((خذ جملك ودراهمك)) وليس في هذا مستمسك لأحد يضغط بسلطانه أو بولايته أو بوظيفته على من تحت يده، ولا يجوز له بحال، مدير دائرة يقول: بعني سيارتك، السيارة تساوي ثمانين ألف، قال: لا، خليها بستين، مسكين خائف على وظيفته ومن التقارير اللي .. ، التقارير الكفاية، يقول: امسك والله نصيبك، نقول: لا يجوز بحال، وقد يتعدى الأمر أن يكون بولاية هذا يقول: زوجني بنتك مثلاً، فيخاف على وظيفته وإلا عن شيء .. ، هذا مكره، ملجأ، أما النبي عليه الصلاة والسلام لما قال:((بعنيه بوقية؟ )) قلت: لا، ثم قال:((بعنيه)) فبعته بوقية، لا يتصور منه أنه يشتري بثمن بخس يريد أن يتاجر به، لا، يقول:"استثنيت حملانه إلى أهلي" هذا الشاهد من الحديث أنه اشترط أن يحمله إلى المدينة يركب، هذا شرط في البيع، "استثنيت حملانه إلى أهلي فلما بلغت –يعني بلغت المدينة- أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه"، في رواية:((أعطه يا بلال)) فأعطاه وزاده قيراط، المقصود "فنقدني ثمنه ثم رجعت، فأرسل في أثري"، رجعت قال: تعال، ردوه، هاتوه، فقال:((أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك)) الجمل والدراهم، القيمة والثمن، الثمن والمثمن فهو لك.

ص: 15