الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
…
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أوضح الحق بدليله.
ونور بصيرة من أراد سبيله وبعد:
فإن رسالة البراهين الإسلامية في رد الشبهة الفارسية بقلم مشعل الهداية ورائد التدليل لأقوم سبيل العلامة الشيخ/عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ/قد أعرب مؤلفها بفصيح اللسان وساطع التبيان أن العبودية لله وحده حبا وتعظيما وذلا وانكسارا وأن الوثنية المحبوكة باسم حب الأولياء وقداسة الصالحين ما هي إلا نافذة على ما كان عليه أبو جهل وأضرابه الذين قال الله عنهم إنهم قالوا {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (1) .
والشيخ عبد اللطيف في ردوده بقرن الدليل بالتعليل والأسلوب الدعوي بالمنطق الجدلي وزيادة في التحقيق قام أخونا الفاضل الشيخ محمد عارف بن عثمان الهرري الأرومي بنسخ الرسالة من أصلها وتخريج الآيات والأحاديث والآثار الواردة فيها مع إضافة ما استحسنه مما هو شاهد للباب.
وقد أعنته على ذلك بالدعاء وبذل الوسع في إخراج الرسالة ضمن ما تنشره مكتبة دار الهداية وغايتنا في ذلك نيل المراد بعفو رب العباد والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون وحسبنا الله وكفى نعم المولى ونعم النصير.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه إسماعيل بن سعد بن عتيق
15/5/1409
(1) سورة الزمر: من الآية رقم 3.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الرسالة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن ترسم خطاهم إلى يوم الدين وبعد.
فإن هذه الرسالة القيمة النافعة التي ألفها العالم الجليل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد قطعت أصول الشرك واجتثت جذوره حيث كاد الباطل يجول ويصول
ليغرس شجرة خبيثة ترسخ عروقها في قعر الأرض وتمتد فروعها في السماء لتثمر ثمارا مسمومة هالكة، ولكن الله سبحانه وتعالى كفى عباده المؤمنين شرورها وأضرارها حيث وفق هذا العالم النحرير بقلعها وقوي عزمه وشد أزره ليستأصلها من جذورها إنجازا لوعده بقوله:{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (1) وذلك أن رجلا ينسب إلى فارس- كما ذكره المؤلف-أراد أن يهدم الأسس المتينة التي أحكمها الباري وأتقن بناءها وأرسى قواعدها في أغوار أراضي الفطرة وأعماق قلوب البرية بالحب والذل له والطاعة في السر والعلانية، وأنزل الكتب وأرسل
(1) سورة إبراهيم: الآية رقم 26.
الرسل لهذا الغرض العظيم وهو تجريد العبادة لله وإخلاص الدين له والتبري عن عبادة غيره وتخصيص المعبود الواحد خالق الخلق رب العالمين بالدعاء والطلب والقصد والرجاء والرغبة والرهبة والمحبة والتوكل في نيل المرغوب وحصول المطلوب ودفع المرهوب وإنقاذ الملهوف المكروب دون غيره من الآلهة الباطلة التي يعبدها المشركون من دونه.
وأجاز هذا الضال المضل أن يصرف جميع ذلك لغيره تعالى في جلب الخير وسلب الضير، ولذلك لا يشك المؤمن الذي أنار الله بصيرته أن ما قام به هذا الشخص المذكور معول هدام استعمله لهدم هذا الركن الوثيق لولا عنايته لدينه الحنيف وحفظه له من أن يناله التبديل والتحريف والتغيير تصديقا لوعده حيث قال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) إنكاره لما دعا إليه القرآن والسنة المطهرة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة وأجمعت عليه الأئمة الأعلام ومصادم للعقل الصريح والنقل الصحيح إذ عدل المخلوق بالخالق الرازق وسوى العاجز الفاتر بالقادر القاهر سبحانه وتعالى عما يشركون فكفر بذلك برب العالمين، قال تعالى منزها نفسه المقدسة عن النقائص ومثنيا عليها بصفات الجلال والجمال ونعوت المدح والكمال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (2) .
وقال تعالى حاكيا عن شجار وخصام أهل النار فيها حيث يتبرأ العابدون عن المعبودين الذين عبدوهم في الدنيا من دون الله: {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} (3) .
وقد تجرأ هذا الجاحد المعاند على ترويج الزيغ والزيف والضلال وغارفي عمق الإلحاد وبالغ في ترويج الخرافات والشرك والعناد حيث حاول أن
(1) سورة الحجر: آية رقم 9.
(2)
سورة الأنعام: آية رقم 1.
(3)
سورة الشعراء: من الآية رقم 92 إلى 99.
يمنح العباد ما هو خالص لرب العباد وقرر أن غيره تعالى يعلم الغيب ويتصرف في الكون وينجد الملهوف وينقذ المكروب من الكرب الذي نزل به، وبذلك صرف لغيره تعالى حقه الخاص به، وساق أدلة من الكتاب والسنة على ذلك التي تدل على فراغ جعبته من فهم الشريعة وعلى جهله المركب حيث ظن أن هذه الأدلة التي استدل بها حجة له لا عليه ولم يدر هذا المسكين أنها شاهدة على بعده عن الحق والصواب وعمقه في الغي والضلال حيث يعتبر هذا التبجح منه جحودا لما نطق به القرآن وقام عليه البرهان من تفرده تعالى بعلم الغيب قال تعالى:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (1) ونحو هذه الآية الكريمة كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تخص الباري بعلمه الغيب وتنفي ذلك عن غيره نفيا قاطعا إلا ما يعلمه أنبياءه بطريق الوحي مما استثناه الخالق من هذا العلم الخاص به مثل قوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} (2) وقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (3) الآية.
ولا شك أن هذا الكلام الذي كتبه هذا الشخص حول هذه الشبهة التي غرق فيها يدل على مرض قلبه إذ علامة مرض القلب عدوله عن الأغذية النافعة الموافقة إلى الأغذية الضارة، وعدوله عن دوائه النافع إلى دوائه الضار.
فهنا أربعة أشياء:
غذاء نافع، ودواء شاف، وغذاء ضار، ودواء مهلك.
والقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي، والقلب المريض بضد ذلك، وأنفع الأغذية غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية دواء القرآن، وكل منهما فيه الغذاء والدواء، فمن طلب الشفاء في غير الكتاب والسنة فهو من أجهل الجاهلين وأضل الضالين، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ
(1) سورة النمل: رقم السورة 65.
(2)
سورة البقرة: من الآية 255.
(3)
سورة الجن: الآية 26-27.
شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} (1) .
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة وما كل أحد يؤهل للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبدا وكيف تقاوم الأدواء كلام رب العالمين الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها؟
فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا في القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه.
ولكن هذا المردود عليه لم يهتد بهديه ولم يستضيء بنوره بل أراد أن يحمله ما لم يحتمله وضل سواء السبيل حيث ادعى أن غيره تعالى يعلم الغيب مما نفاه القرآن عمن سواه وزعم أن دليل ذلك من القرآن والحديث ولا شك أن ما ذكره حجه عليه لا له.
وانطبق عليه المثل "حفرت الشاة بظفلها السكين بحثها حتفها" وهو مثل يضرب لمن يؤديه اجتهاده في الأمر إلى هلاك نفسه والقضاء عليها من حيث لا يشعر ذلك وهذا جزاء من كابر صريح العقل وصحيح النقل وعادى الحق ووالى الباطل ونصر البدعة وحارب السنة حتى أدى به الأمر إلى دعواه علم الغيب لغيره جل وعلا وجحد بذلك ما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (2) .
3-
وزعم أيضا أن الأولياء والصالحين لهم تصرفات في الكون في الحياة وبعد الممات ينفعون ويضرون ويعطون ويمنعون ويقصدون من دون الله في جلب الخير ودفع الضير وقضاء الحاجات وكشف الملمات ويسمعون نداء المنادي بهم ويجيبون صيحتهم وقد أبعد بذلك في الضلال وأعمق في بحور الشرك وجاوز الحد وجعل لله الشريك والند في تصريف الأحوال وتدبير الأمور وإعطاء المطالب وكشف المثالب مما هو حق خالص لله، وقد أشرك
(1) سورة الإسراء: رقم الآية 82.
(2)
سورة يونس: رقم الآية 32.
عباده معه في تصريف الكون وجحد بذلك توحيد الربوبية الذي أقره المشركون والكفار والخليقة جمعاء والذي لم يحصل النزاع فيه بين جميع الطوائف قط، ولاشك أن ذلك يعتبر جحودا للصانع المدبر الحكيم الخالق الرازق المحيي المميت رب العالمين الذي لم يجحد به العقلاء حتى الفلاسفة إلا طائفة شذت ونهجت نهجه وإلا فرعون الطاغية الذي ادعى الربوبية مما حكى عنه القرآن حيث قال:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (1) وادعى كذلك الألوهية حيث تبجح وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (2) الآية وقال أيضا: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} (3) ولكن الله انتقم منه وعاقبه على هذا الادعاء حيث أخبر ذلك بقوله: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (4){فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} (5) ، {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (6) .
وهكذا كل من سلك هذا المسلك الإلحادي الذي سلكه فرعون ومن كان على شاكلته سيلقى جزاءه ويذوق وبال أمره إن عاجلا أو آجلا وله عذاب أليم في الدنيا والآخرة.
وقد بين الله سبحانه وتعالى إقرار الجميع بهذا النوع من التوحيد حيث أنزل الآيات التي قررت ذلك بوضوح لا يخالطه أي لبس قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} (7) .
ومن هنا نعرف تماما أن الذين عبدوا غير الله من المشركين الأولين لم يعبدوهم إلا ليكون هؤلاء المعبودون وسطاء بينهم وبين الله في رفع طلبهم إلى الله كما حكى الله عنهم ذلك بقوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِن َّ
(1) سورة النازعات: من الآية 24.
(2)
سورة القصص: من الآية 38.
(3)
سورة الشعراء: من الآية 29.
(4)
سورة النازعات: الآية 25-26.
(5)
سورة القصص: رقم الآية 40.
(6)
سورة الأعراف: رقم الآية 136.
(7)
سورة يونس: الآية 31-32.
اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (1) .
ولم يوجد من بينهم من صرف خالص الحب والذل والخضوع والعبادة والطلب والقصد والخوف والرجاء لغيره ولم يشركوا مع الله أحدا في الربوبية والخالقية والرازقية بل كان شركهم في العبادة والقصد والطلب والخوف والرجاء حتى أنهم لم يخلصوا ذلك لآلهتهم بل أشركوا الله معهم في ذلك كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} (2) الآية.
ولقد كرر الحق سبحانه وتعالى ذكر توحيد الربوبية في مواضع كثيرة من كتابه إقامة للبراهين الساطعة والدلائل الواضحة والحجج المقنعة على وحدانيته ووجوب عبادته وطاعته وحبه والذل والخضوع له ووجوب الكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه عما سواه.
ومعنى هذا الكلام: أنتم أيها العقلاء من الإنس والجن إذا اعترفتم وأقررتم أن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت والمعطي المانع يعطي ويمنع ويعز ويذل ويقدر على كل شيء ويعلم كل شيء لا يعزب عن علمه مثقال حبة من خردل، إذا اعترفتم أن جميع ما في الكون علويه وسفليه ملكه وخلقه يدير كيف يشاء لا معقب لحكمه فهذا الإقرار والاعتراف يوجب عليكم أن تخصوه بالعبادة والحب والذل والخوف والرجاء والرغبة والرهبة فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا تسعدوا في الدنيا والآخرة فإن أبيتم تخصيصه بذلك فلا نجاة لكم في الدنيا والآخرة لأنكم معاندون ومكابرون وكاذبون فيما أقررتم به من توحيد الربوبية الذي يستلزم توحيد الألوهية لأن توحيد الربوبية دليل على توحيد الإلهية والعبادة والقصد ووسيلة له.
(1) سورة الزمر: رقم الآية 3.
(2)
سورة البقرة: رقم الآية 165.
(3)
سورة الأعراف: الآية 172-173.
والمشار إليه في اسم الإشارة في قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (1) هو توحيد الألوهية المدلول عليه بتوحيد الربوبية الذي هو غاية له، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به. قال فيقول نعم فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي" رواه البخاري ومسلم وأحمد.
فإذا صرف هذا الفارسي توحيد الربوبية الذي وحد الله به جميع الخلائق ولم يقع الخصام فيه فإذا صرف هذا للمشايخ والأولياء والصالحين فما باله في توحيد الألوهية الذي أبى أن يقره المشركون ورفضوه والذي أوجب الله الجهاد لتقريره وأرسل الرسل وأنزل الكتب له وهو أشد عنادا وجحودا في هذا النوع من التوحيد حيث أنه صرح أن الأولياء والمشايخ والصالحين يقصدون لقضاء الحاجات وكشف البليات سبحان الله ما أعظم هذا الشرك وأقبحه وما أجهل من اعتقد هذا الاعتقاد وأغفله ولا حول ولا قوة
إلا بالله.
4-
وكذلك رمى من أخلص الدعاء والتوجه والقصد والرجاء والخوف لله وحده لا شريك له وتبرأ عما سواه في جميع ذلك بالاعتزال جهلا منه بأصول المعتزلة ومذاهبهم وعقائدهم وقد انقلب رأسا على عقب حيث لم يفرق بين الغث والسمين.
5-
كما قرر أيضا بجواز الاستمداد من أهل القبور وقطع بسماعهم في القبور من يناديهم في طلب قضاء الحوائج وإسعاف الفواجع وجزم كذلك أنهم يتصرفون ويدبرون الكون في قبورهم وأن تدبيرهم وتصريفهم وإغاثتهم لقاصديهم أتم وأقوى من حال حياتهم، ومن هنا نعرف أن هذا المبتدع لم يترك شيئا مما هو خالص حق الله إلا صرف لهؤلاء الأموات الذين هم في أمس الحاجة على الترحم عليهم والاستغفار لهم والدعاء لهم بالعفو والرحمة.
كما أرشد الله عباده المؤمنين إلى ذلك بقوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن ْ
(1) سورة الأعراف: من الآية 172.
بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (1) ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
هذا موجز تلك الشبه التي أثارها هذا الجاحد المبتدع وأراد أن يغزو بها قلوب الغافلين ويروجها بين البسطاء وبذل أقصى جهده في نصر الباطل وإبطال الحق وقد أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن ما عدى الله ورسوله فأولئك في الأذلين حيث قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (2) .
فأنى له ذلك وقد وعد الله سبحانه وتعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويخزي أهل الزيغ والفساد والشرك والإلحاد ويحق الحق ويبطل الباطل ولو كره الملحدون أمثاله والحمد لله رب العالمين قال تعالى: {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (3) .
وقال جلا وعلا أيضا: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (4) .
وقال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (5){وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (6) .
هذا ولما وقف الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله على الأوراق التي كتب فيها هذا الشخص المذكور هذه الآراء الفاسدة والأفكار المسمومة والعقائد الزائفة بادر إلى نقضها وإبطالها وبيان زيفها ورفع الستار عنها بالدلائل المقنعة والحجج المدمرة التي تبدد تلك العقبات التي تعترض طريق الحق وتعوق السالك عن السير فيه وتعرقله، ولقد وفقه الله في نفض الغبار الذي ذره هذا الجاحد الملحد على صفحات عقائد السلف البيضاء
(1) سورة الحشر: رقم الآية 10.
(2)
سورة العنكبوت: من الآية 52.
(3)
سورة الأنفال: الآية 7-8.
(4)
سورة يونس: رقم الآية 82.
(5)
سورة الأنبياء: رقم الآية 18.
(6)
سورة الإسراء: رقم الآية 81.
النقية النظيفة ليغطيها بهذه الشركيات والخرافات والجحود والإلحاد حيث وقف رحمه الله عند كل رأي باطل رآه وشبهة ذكرها وقفات طويلة ودقيقة وقف من ذلك موقف ناقد بصير ومدرك ونظر فيها نظرة عميقة ثاقبة وأرسل سهامه إلى تلك الوحوش الضارية وسدد إليها وأرداها قتلى وبدد تلك الحجج الواهية
التي احتج بها من الكتاب والسنة على زعمه بالدلائل التي لا تدع مجالا للشك ولا ريبا للمرتابين والشاكين وتزداد يقينا وثباتا لأهل الإيمان والبصيرة والمعرفة كما ستقف أيها القارئ إن شاء الله تعالى على تلك الردود الحسان التي تناولها الشيخ في نقض هذه الشبه الواهية وتفكيكها وتمزيقها إربا إربا كل رأي على حدة وكل شبهة بانفرادها بحيث لا رواج لها بعد ذلك أبدا ولا غرابة في ذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل العلماء العاملين الذين يعلمون الناس الخير ويمنعونهم عن الشر مفاتيح الخير ومغاليق الشر ولله الحمد والمنة على ذلك.
هذا ولقد شرفني الله سبحانه وتعالى بهذه الخدمة البسيطة حيث جعلني أحظى بتحقيق هذه الرسالة النافعة وأسهم في قراءتها ونسخها والتعليق عليها بما من الله على مع الاستفادة منها بما حوته من بيان مناهج السلف وعقائدهم ودحض آراء الملحدين والمارقين وأفكار المبطلين بالأساليب التي تقنع أهل الحق وتفحم أهل الباطل مما يزيد القارئ المتأمل والسامع المتدبر قوة في الإيمان وثباتا في العقيدة ورسوخا في الشريعة وبصيرة في الدين وتمرينا على مواجهة الشبه الباطلة وجلدا في المناظرة التي يقارع بها المحق أهل الجدل والكلام، ومن هنا يتبن القارئ أنها فريدة في نوعها قل أن تجد القرائح بمثلها أسأل الله سبحانه وتعالى أن يسبل على مؤلفها وابل الرحمة والرضوان والعفو والغفران وأن يسكنه وجميع المسلمين فسيح الجنان يا حنان يا منان يا ذا الفضل والإحسان وأنت المستعان.
هذا وقد كان قيامي بهذا العمل المتواضع -تحقيق هذه الرسالة التي هي مفخرة لأهل التوحيد ومنار لطلاب الحق ورواد الإيمان وحماة هذا الدين الحنيف وحملة الشريعة– تلبية لرغبة أخي في الله الشيخ إسماعيل بن سعد
بن عتيق في إحياء هذا التراث العظيم الذي خلفه جهابذة العلماء ونشر مذهب السلف في بقاع المعمورة التي ابتلي أكثر أهلها بأمثال هذا المردود عليه الذين يروجون الخرافات والأباطيل ويحاربون عقائد أهل السنة والجماعة من إفراد الله بالعبادة والحب والذل والخوف والرجاء وإثبات ما أثبته لنفسه وأثبته له رسله من الأسماء والصفات ونفي ما نفى عن نفسه المقدسة ونفى عنه رسله من النقائص حيث طلب مني ذلك سائلا العلي القدير التوفيق والسداد، تقديرا لحرصه الشديد ورغبته العميقة في هذا الخير العميم وتعاونا على البر والتقوى وإدراكا مني بحسن ظنه في. أسأل الله العلي العظيم أن يحقق رغبته ويتم نواياه الحسنة وينفذ عزمه بجعل هذه الجهود المتواضعة موفقة فيما يحبه ويرضاه وخالصة لوجهه الكريم، كما أسأله سبحانه - وهو ولي ذلك- أن يبارك فيه وفي عقبه كما بارك في أصوله حيث كانوا بيوت العلم والمعرفة والدين والعبادة والتواضع كما أرخ لهم ذلك في تاريخ علماء نجد ويغفر لي ولوالدي ووالديه وجميع المسلمين وهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقلم
محمد العارف بن عثمان بن موسى الهرري الأرومي