الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ عليه السلام مِنْ قَوْلِهِ: " إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ثَوْرَانِ مُكَوَّرَانِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
"
183 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ الْعَمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الدَّانَاجِ، قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ فِي زَمَنِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدَ قَالَ: فَجَاءَ الْحَسَنُ فَجَلَسَ إلَيْهِ فَتَحَدَّثَا فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ: " الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ثَوْرَانِ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " فَقَالَ الْحَسَنُ: مَا ذَنْبُهُمَا؟ فَقَالَ: إنَّمَا أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَكَتَ الْحَسَنُ فَكَانَ مَا كَانَ مِنَ الْحَسَنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنْكَارًا عَلَى أَبِي سَلَمَةَ إنَّمَا
⦗ص: 171⦘
كَانَ وَاللهُ أَعْلَمُ لِمَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُمَا يُلْقَيَانِ فِي النَّارِ لِيُعَذَّبَا بِذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ جَوَابٌ ، وَجَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ إنَّمَا يُكَوَّرَانِ فِي النَّارِ لِيُعَذِّبَا أَهْلَ النَّارِ لَا أَنْ يَكُونَا مُعَذَّبَيْنِ فِي النَّارِ وَأَنْ يَكُونَا فِي تَعْذِيبِ مَنْ فِي النَّارِ كَسَائِرِ مَلَائِكَةِ اللهِ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ أَهْلَهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: 6] . أَيْ: مِنْ تَعْذِيبِ أَهْلِ النَّارِ {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] ، وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ هُمَا فِيهَا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مُعَذِّبَانِ لِأَهْلِ النَّارِ بِذُنُوبِهِمْ لَا مُعَذَّبَانِ فِيهَا إذْ لَا ذُنُوبَ لَهُمَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ عليه السلام فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا وَفِيهِ زِيَادَةُ أَنَّهُمَا عَقِيرَانِ
184 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: ابْنُ النَّطَّاحِ
⦗ص: 172⦘
وَيُضَافُ وَلَاؤُهُ إلَى جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْهَاشِمِيِّ حَدَّثَنَا دُرُسْتُ بْنُ زِيَادٍ الْقُشَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنَا أَنَسٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ عليه السلام: " الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فِي النَّارِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَعْنَى الْعُقْرِ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ لَهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْعُقْرَ لَهُمَا عُقُوبَةً لَهُمَا إذْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا إذْ كَانَا فِي الدُّنْيَا مِنْ عِبَادَةِ اللهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُمَا بِهِ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} وَذَكَرَ مَعَهُمَا مَنْ ذَكَرَ مَعَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى أَتَى عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: 18] فَأَخْبَرَ أَنَّ عَذَابَهُ إنَّمَا يَحِقُّ عَلَى غَيْرِ مَنْ يَسْجُدُ لَهُ فِي الدُّنْيَا ، وَلَكِنَّهُمَا كَانَا فِي الدُّنْيَا يَسْبَحَانِ فِي الْفَلَكِ الَّذِي كَانَا يَسْبَحَانِ فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس: 40] . الْآيَةَ ، ثُمَّ أَعَادَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُوَكَّلَيْنِ بِالنَّارِ كَغَيْرِهِمَا مِنْ مَلَائِكَتِهِ الْمُوَكَّلِينَ بِهَا فَقَطَعَهُمَا بِذَلِكَ عَمَّا كَانَا فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا مِنَ السِّبَاحَةِ فَعَادَا بِانْقِطَاعِهِمَا عَنْ ذَلِكَ كَالزَّمِنَيْنِ بِالْعُقْرِ فَقِيلَ لَهُمَا: عَقِيرَانِ عَلَى اسْتِعَارَةِ هَذَا الِاسْمِ لَهُمَا لَا عَلَى حَقِيقَةِ حُلُولِ عَقْرٍ بِهِمَا وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ