المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعريف البيع الذي يسمونه بيع المرابحة: - شرعية المعاملات التي تقوم بها البنوك الإسلامية المعاصرة

[عبد الرحمن بن عبد الخالق]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌أولاً: البنوك الإِسلامية غاية وهدف:

- ‌ثانياً: نظرة إلى الوراء:

- ‌ثالثاً: الغاية التي من أجلها تنشأ المصارف الإِسلامية:

- ‌رابعاً: ليس المهم أن نرفع شعاراً إِسلامياً بل المهم أن تطبق الإِسلام الحقيقي:

- ‌خامساً: انظروا عمن توقعون

- ‌متى يكون بيع المرابحة حلالاً ومتى يكون حراماً

- ‌القول الفصل في بيع المرابحة: أولا: بيع المرابحة المشروع

- ‌ثانياً- صفة (بيع المرابحة) المعمول بها في بعض البنوك الإسلامية:

- ‌أوجه تحريم هذه المعاملة: قصد الربا

- ‌ بيعتين في بيعة:

- ‌ القضية كلها تحايل لأخذ الربا:

- ‌الخلاصة:

- ‌كلمة أخيرة:

- ‌البنوك الإسلامية بين النظرية والتطبيق:

- ‌أولاً: الفارق الأساسي بين البنك الربوي والمصرف الإسلامي:

- ‌ثانياً- الواقع الفعلي للمصارف الإِسلامية:

- ‌ثالثاً- الدعاوى لا تغير الحقائق:

- ‌رابعاً- نناشدكم الله العودة إلى الحق والصواب

- ‌الفرق بين التاجر والمرابي

- ‌تعريف البيع وشروط صحة عقده:

- ‌حكمة مشروعية البيع:

- ‌تعريف الربا:

- ‌لماذا حرمت الشريعة الربا

- ‌تعريف البيع الذي يسمونه بيع المرابحة:

الفصل: ‌تعريف البيع الذي يسمونه بيع المرابحة:

ولكن هذه الخدمة نهى الشارع الحكيم عن أخذ أجرة عليها وذلك لما تؤدى إليه من فساد النفوس والمجتمعات ولذلك جعلها الشارع خدمة مجانية تماماً كالشهادة والكفالة، والشفاعة، والضيافة، وعيادة المريض، واتباع الجنازة، وكل هذه الخدمات ولاشك من المسلم للمسلم ولكن الشارع نهى وحرم أخذ الأجرة على شيء من ذلك، وجعل تسليف النقود خدمة مفروضة بلا أجر. وذلك أن أخذ الأجر على هذه الأعمال يؤدي إلى التقاطع والمقت والكراهية وفقدان المحبة والموالاة بين المسلم والمسلم.

(2)

المرابي غير مخاطر وهو في جانب الأمان دائماً:

السبب الثاني الذي من أجله حرم الربا أن المرابي لا يخاطر بماله ولا يضعه إلا حيث يضمن الربح ولا يهتم بمن أخذ منه المال هل خسر أم كسب وبذلك يظل المرابي في جانب الأمان دائماً فينمو ماله باستمرار ويظل غيره في جانب الخطر صعوداً وهبوطاً. واستمرار الحال على هذا النحو معناه في النهاية تحول المال إلى القلة وبالتالي تحول السيطرة والعلو والنفوذ.

(3)

الربا ضد الزكاة:

يستحيل أن تزكو نفس المرابي لأنه يأخذ المال ممن أسلفه دون نظر إلى فقره أو غناه ولذلك يستحيل أن يكون المرابي منفقاً مزكياً. بل لا تروج بضاعة المرابي وهي تأجير النقود إلا في الأزمات والمصائب وفي وجود احتياج الناس له.

هذا باختصار أهم الفروق بين المرابي والتاجر أو بين البيع والشراء. والآن تعالوا لنطبق هذه القواعد على البيع المزور الذي تمارسه البنوك الإِسلامية لننظر هل هو من البيع أو من الربا؟

ص: 110

‌تعريف البيع الذي يسمونه بيع المرابحة:

تاجر كويتي يبيع الأحذية مثلاً وله محلاته وزبائنه ويريد أن يستورد صفقة كبيرة من إيطاليا مثلاً ليس عنده نقود لشرائها. فيذهب إلى البنك الإسلامي ويقول هذه صفقة أريد شرائها من إيطاليا وهذه مواصفاتها وكميتها وعنوان مصنعها. والآن ماذا يصنع البنك الإسلامي. يقول لهذا العميل (تاجر الأحذية) نحن نشتريها لك بزيادة (بربح) 20% مثلاً عن ثمن الشراء ويقول التاجر: قبلت على أن يسدد هذا المبلغ في غضون عام أو عامين مثلاً أو أقل من ذلك أو أكثر. ويحصل الإتفاق شفوياً أو كتابياً على ذلك.

ثم يقوم البنك بشراء السلعة من مصادرها وبمجرد شحنها يستدعى تاجر الأحذية ليوقع عقداً بالشراء مع البنك وتصبح البضاعة التي مازالت في البحر ولم يتسلمها أحد بعد في ذمة تاجر الأحذية.. والآن لنناقش هذا العقد بصراحة.

ص: 110

والسؤال الأول: هل البنك هنا مارس التجارة؟

والجواب

لا حتماً. لأسباب كثيرة منها: أن البنك لا يتاجر في الأحذية فليس له خبرة بها ولا يعرف ما يروج في الكويت مما لا يروج فيها وليس عنده أيما معرض أو مخزن لاستقبالها ويوم طلب البنك هذه السلعة من مصدرها لم يكن يعلم أي شيء عن محتوياتها؟ فكيف يكون هذا تاجراً

؟

وثائياً: التاجر يؤدي خدمة للمشتري كما ذكرنا آنفاً وهي أنه يجلب البضاعة ويتعهدها ويعرضها والبنك هنا لم يفعل شيئاً من هذا قط فالمشتري وهو تاجر الأحذية هو الذي له علم بمصانع الأحذية وأنواع هذه الأحذية ومعرفة ما يروج مما لا يروج وهو الذي يتحمل الخسارة إن بارت هذه السلعة. وأما البنك فقد قام بعملين فقط أحدهما حقيقة وآخر زائف.

أما العمل الحقيقي فهو أنه دفع ثمن السلعة لمصدرها في إيطاليا والثاني هو عقد شراء من المصنع لهذه الأحذية وعقد الشراء هذا زائف وباطل لأنه لم يشتر لنفسه وليحوز السلعة إليه وإنما اشتراها ضامناً بيعها على تاجرها الحقيقي. وبهذا يتبين أن البنك الإِسلامي هنا يقوم بمهمة المرابي تماماً الذي يسلف النقود ويضمن الربح.

وثالثاً: لاشك أن البنك الإسلامي بهذه الصورة يكون بنكاً طفيلياً ربوياً، فهو بهذه الصورة ليس بتاجر قطعاً. لأن التاجر يلتزم بتسليم السلعة للمشتري والبنك الإسلامي لا يسلم السلعة وإنما يبيعها وهي ما زالت في البحار وأمامها كثير من المخاطر والآفات وقد تكون موافقة للمطلوب وقد تكون مغشوشة من مصدرها وكل هذه الأخطار تقع على المشتري ولا يلتزم

البنك بشيء منها لأنه يفض يده من السلعة قبل وصولها.

ومن أكبر الأدلة على طفيلية البنوك الإِسلامية الحالية بهذه المعاملات المحرمة إنها لا تلتزم لأي اتفاق قانوني أو أخلاقي أو إنساني نحو السلع التي تستوردها لعملائها.. فالتاجر الحقيقي الذي يستورد غسالات مثلاً أو سيارات أو ثلاجات ملتزم قانونياً وأخلاقياً أمام زبائنه بقطع الغيار والتصليح والصيانة، والبنك الإسلامي يستورد ويبيع كل هذه الأشياء دون أي التزام قانوني أو أخلاقي بصيانتها أو تصليحها

وإنما يقع هذا على كتف التجار الحقيقيين الذين يشتري لهم البنك

وبهذا يظهر لكل ذي عينين أن البنك الإسلامي فيما يسمونه ببيع المرابحة لا يمارس

ص: 111

تجارة وإنما يمارس التمويل الربوي الذي لا شبهة فيه، فحقيقة عمله في التجارة هو أن يسلف التجار لشراء بضائعهم بزيادة (ربح) ربوية في مقابل أجل السداد.

ومرة ثانية نقول شتان بين النظرية والواقع لقد قامت البنوك الإسلامية لتمارس الإقتصاد الإسلامي ولو فعلت هذه حقيقة في مجال هام كالتجارة لقلبت أوضاع السوق رأساً على عقب، ومن ذلك أنها كان يمكن أن تكسر احتكار المحتكرين، وأن تكتفي بالربح القليل تيسيراً على عامة الناس وأن تشجع صغار التجار، وأن تقلل من السماسرة، وأن ترخص الأسعار حتماً لأنها ستقضي على أرباح البنوك الربوية التي تأخذها من التجار في مقابل التمويل ولكنها للأسف لم تفعل شيئاً من ذلك، وإنما جعلت من نفسها بنوكاً ربوية جديدة حيث تأخذ فائدة من التاجر الذي يشتري منها وبذلك تزيد ثمن السلعة على المستهلك ولو مارست هي التجارة رأساً وتحملت مخاطرها لحذفت من تكاليف السلعة هذه الزيادة الربوية ولكانت كلفة السلعة هي: ثمن الشراء + مصاريف النقل والتخزين والعرض + الربح، وأما تكلفة السلعة الآن فهي: ثمن الشراء من المصدر + تكاليف النقل والتخزين والعرض + فائدة البنك الإسلامي + ربح التاجر.

وهكذا وضعت البنوك الإسلامية نفسها موضع الوسيط الطفيلي الذي يضمن الربح عن طريق تمويل التجار بدلاًَ من أن تكون هي التاجر المسلم الحقيقي الذي يبتغى من فضل التاجر ويخاطر بماله في البر والبحر وينفع عباد الله.

وبعد فلقد حاولت جهدي أن أشرح هذا الموضوع بلغة سهلة واضحة لتقوم الحجة على عموم الناس. وذلك لخطورة هذا الأمر فقد أهلك الله طائفة من بنى إسرائيل ومسخهم قردة وخنازير لتحايلهم على أكل الحرام. وهذا البيع الذي يسمون بيع المرابحة هو من المحرم قطعاً لما أسلفنا وأرجو أن أبرئ ساحتي أمام الله وأكون قد بلغت. وأقول اللهم أشهد.

ومرة ثانية نحن لا نتهم نية أحد، وحساب الجميع على الله وحده، وعلى الذين يتهموننا أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يقرأوا هذا الكلام بنزاهة المسلم. والدنيا لا تغني من الآخرة شيئاً. وحرام أن نسكت ونحن نرى البنوك الإسلامية تقع في حماة الربا الخبيث الملتوي، ولتسأل البنوك الإِسلامية. كم متجراًَ فتحت؟ وكم مصنعاًَ شيدت؟ وكم يداً عاملة استخدمت؟ وأين الزراعة والرعي، والتعدين الذي أنشئت من أجله؟ هذا هو ميدان البنوك الإسلامية، وليس ميدانها أن تكون وسيطاً ربوياً جباناًَ يخشى المشاركة والقراض، والمخاطرة المشروعة في سبيل الرزق والكسب.

ص: 112