الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ أُتِيَ بِدَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا: الْبُرَاقُ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَطِيمِ أَوِ الْحِجْرِ، وَهُمَا جَمِيعًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَانْطَلَقَ بِهِ جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى بِهِ عَلَى قَبْرِ مُوسَى عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَاهُ، ثُمَّ دَخَلَ مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَخَرَقَ جِبْرِيلُ الصَّخْرَةَ بِإِصْبَعِهِ، وَشَدَّ بِهَا الْبُرَاقَ، ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ.
ذِكْرُ شَدِّ الْبُرَاقِ بِالصَّخْرَةِ فِي خَبَرِ بُرَيْدَةَ، وَرُؤْيَتِهِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ لَيْسَا جَمِيعًا فِي خَبَرِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ
.
"فَلَمَّا صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، اسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ " يُرِيدُ بِهِ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ لِيُسْرَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، لَا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِرِسَالَتِهِ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، لأَنَّ الإِسْرَاءَ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ بِسَبْعِ سِنِينَ، فَلَمَّا فُتِحَ لَهُ فَرَأَى آدَمَ عَلَى حَسَبِ مَا وَصَفْنَا قَبْلُ.
وَكَذَلِكَ رُؤْيَتُهُ فِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، وَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَفِي السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ يُوسُفَ بْنَ يَعْقُوبَ، ثم فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ إِدْرِيسَ، ثُمَّ فِي السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ هَارُونَ، ثُمَّ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ مُوسَى، ثُمَّ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ جَائِزٌ أَنَّ اللهَ تعالى أَحْيَاهُمْ لأَنْ يَرَاهُمُ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ آيَةً مُعْجِزَةً يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى نُبُوَّتِهِ عَلَى حَسَبِ مَا أَصَّلْنَا قَبْلُ.
ثُمَّ رُفِعَ لَهُ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَرَآهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي وَصَفَ. ثُمَّ فَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَهَذَا أَمْرُ ابْتِلَاءٍ أَرَادَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا ابْتِلَاءَ صَفِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ فَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً، إِذْ كَانَ فِي عِلْمِ اللهِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَا يَفْرِضُ عَلَى أُمَّتِهِ إِلَاّ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فَقَطْ، فَأَمَرَهُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً أَمْرَ ابْتِلَاءٍ، وَهَذَا كَمَا نَقُولُ: إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا قَدْ يَأْمُرُ بِالأَمْرِ يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَ الْمَأْمُورُ بِهِ إِلَى أَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرِيدَ وُجُودَ كَوْنِهِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ، أَمَرَهُ بِهَذَا الأَمْرِ أَرَادَ بِهِ الاِنْتِهَاءَ إِلَى أَمْرِهِ دُونَ وُجُودِ كَوْنِهِ، فَلَمَّا أَسْلَمَا، وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، فَدَاهُ بِالذِّبْحِ الْعَظِيمِ، إِذْ لَوْ أَرَادَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا كَوْنَ مَا أَمَرَ، لَوَجَدَ ابْنَهُ مَذْبُوحًا. فَكَذَلِكَ فَرْضُ الصَّلَاةَ خَمْسِينَ أَرَادَ بِهِ الاِنْتِهَاءَ إِلَى أَمْرِهِ دُونَ وُجُودِ كَوْنِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُوسَى، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ أُمِرَ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، أَلْهَمَ اللهُ مُوسَى أَنْ يَسْأَلَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ بِسُؤَالِ رَبِّهِ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِهِ، فَجَعَلَ جَلَّ وَعَلَا قَوْلَ مُوسَى عليه السلام لَهُ سَبَبًا لِبَيَانِ الْوُجُودِ لِصِحَّةِ مَا قُلْنَا: إِنَّ الْفَرْضَ مِنَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَرَادَ إِتْيَانَهُ خَمْسًا لَا خَمْسِينَ. فَرَجَعَ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا فَسَأَلَهُ، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا، وَهَذَا أَيْضًا أَمْرُ ابْتِلَاءٍ أُرِيدَ بِهِ الاِنْتِهَاءُ إِلَيْهِ دُونَ وُجُودِ كَوْنِهِ، ثُمَّ جَعَلَ سُؤَالَ مُوسَى عليه السلام إِيَّاهُ سَبَبًا لِنَفَاذِ قَضَاءِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تُفْرَضُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ خَمْسًا لَا خَمْسِينَ، حَتَّى رَجَعَ فِي التَّخْفِيفِ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ.
ثُمَّ أَلْهَمَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا صَفِيَّهُ صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ، حَتَّى قَالَ لِمُوسَى:"قَدْ سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، لَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ". فَلَمَّا جَاوَزَ نَادَاهُ مُنَادٍ: "أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي"، أَرَادَ بِهِ الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ، "وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي"، يُرِيدُ: عَنْ عِبَادِي مِنْ أَمْرِ الاِبْتِلَاءِ الَّذِي أَمَرْتُهُمْ بِهِ مِنْ خَمْسِينَ صَلَاةً الَّتِي ذَكَرْنَاهَا.
وَجُمْلَةُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ فِي الإِسْرَاءِ رَآهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِجِسْمِهِ عِيَانًا دُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رُؤْيَا، أَوْ تَصْوِيرًا صُوِّرَ لَهُ، إِذْ لَوْ كَانَ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ وَمَا رَأَى فِيهَا نَوْمًا دُونَ الْيَقَظَةِ، لَاسْتَحَالَ ذَلِكَ، لأَنَّ الْبَشَرَ قَدْ يَرَوْنَ فِي الْمَنَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْمَلَائِكَةَ وَالأَنْبِيَاءَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ، فَلَوْ كَانَ رُؤْيَةُ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم مَا وَصَفَ فِي لَيْلَةِ الإِسْرَاءِ فِي النَّوْمِ دُونَ الْيَقَظَةِ، لَكَانَتْ هَذِهِ حَالَةً يَسْتَوِي فِيهَا مَعَهُ الْبَشَرُ، إِذْ هُمْ يَرَوْنَ فِي مَنَامَاتِهِمْ مِثْلَهَا، وَاسْتَحَالَ فَضْلُهُ، وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ حَالَةً مُعْجِزَةً يُفَضَّلُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ، ضِدَّ قَوْلِ مَنْ أَبْطَلَ هَذِهِ الأَخْبَارَ، وَأَنْكَرَ قُدْرَةَ اللهِ جَلَّ وَعَلَا وَإِمْضَاءَ حُكْمِهِ لِمَا يُحِبُّ كَمَا يُحِبُّ، جَلَّ رَبُّنَا وَتَعَالَى عَنْ مِثْلِ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ. [50]