الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذِكْرُ وَصْفِ دُعَاءِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ
.
3366 -
أَخبَرنا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُجَاشِعٍ، حَدثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخبَرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو أَثَرَ النَّاسِ، فَسَمِعْتُ وَئِيدَ الأَرْضِ مِنْ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ يَحْمِلُ مِجَنَّهُ، فَجَلَسْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا أَطْرَافُهُ، فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِ سَعْدٍ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمْ، قَالَتْ: فَمَرَّ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:
لَبِّثْ قَلِيلاً يُدْرِكِ الْهَيْجَا حَمَلْ
…
مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الأَجَلْ
قَالَتْ: فَقُمْتُ فَاقْتَحَمَتُ حَدِيقَةً، فَإِذَا فِيهَا نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَ عُمَرُ: وَيْحَكِ، مَا جَاءَ بِكِ، لَعَمْرِي وَاللهِ إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ، مَا يُؤْمِنُكِ أَنْ يَكُونَ كونا أَوْ بَلَاءً، قَالَتْ: فَمَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الأَرْضَ قَدِ انْشَقَّتْ فَدَخَلْتُ فِيهَا،
وَفِيهِمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ نَصِيفَةٌ لَهُ، فَرَفَعَ الرَّجُلُ النَّصِيفَ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا عُمَرُ، إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ، وَأَيْنَ الْفِرَارُ إِلَاّ إِلَى اللهِ؟.
قَالَتْ: وَرَمَى سَعْدًا رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْعَرِقَةِ بِسَهْمٍ، قَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ، فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَقَطَعَهَا، فَقَالَ: اللهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ قُرَيْظَةَ. وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَرَأَ كَلْمُهُ، وَبَعَثَ اللهُ الرِّيحَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ، وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا، فَلَحِقَ أَبُو سُفْيَانَ بِتِهَامَةَ، وَلَحِقَ عُيَيْنَةُ وَمَنْ مَعَهُ بِنَجْدٍ، وَرَجَعَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، فَتَحَصَّنُوا بِصَيَاصِيهِمْ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَضُرِبَتْ عَلَى سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ وَوَضَعَ السِّلَاحَ.
قَالَتْ: فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: أَوَ قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ، فَوَاللهِ مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ، اخْرُجْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَاتِلْهُمْ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّحِيلِ، وَلَبِسَ لأْمَتَهُ، فَخَرَجَ فَمَرَّ عَلَى بَنِي غَنْمٍ وَكَانُوا جِيرَانَ الْمَسْجِدِ،
فَقَالَ: "مَنْ مَرَّ بِكُمْ؟ " قَالُوا: مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَحَاصَرَهُمْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا اشْتَدَّ حَصْرُهُمْ، وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَيْهِمْ، قِيلَ لَهُمُ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَشَارُوا أَبَا لُبَابَةَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ الذَّبْحُ، فَقَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى سَعْدٍ، فَحُمِلَ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ وَحَفَّ بِهِ قَوْمُهُ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، حُلَفَاؤُكَ وَمَوَالِيكَ وَأَهْلُ النِّكَايَةِ وَمَنْ قَدْ عَلِمْتَ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ الْتَفَتَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا يُبَالِيَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزِلُوهُ"، قَالَ عُمَرُ: سَيِّدُنَا اللهُ، قَالَ:"أَنْزِلُوهُ"، فَأَنْزَلُوهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"احْكُمْ فِيهِمْ"، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيِّهِمْ، وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ،
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ وَرَسُولِهِ"، ثُمَّ دَعَا اللهَ سَعْدٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ عَلَى نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا، وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ، فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ، وَكَانَ قَدْ بَرَأَ مِنْهُ حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُ إِلَاّ مِثْلَ الْحِمَّصِ، قَالَتْ: فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَجَعَ سَعْدٌ إِلَى بَيْتِهِ الَّذِي ضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، قَالَتْ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لأَعْرِفُ بُكَاءَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ، وَأَنَا فِي حُجْرَتِي، وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللهُ:{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، قَالَ عَلْقَمَةُ: فَقُلْتُ: أَيْ أُمَّهْ، فَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ؟ قَالَتْ: كَانَ عَيْنَاهُ لَا تَدْمَعُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُ إِذَا وَجَبَ إِنَّمَا هُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ. [7028]