المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَينْهَوْنَ عَنْهَا، ويستدلون على ذَلِك بالأحاديث1. فَلْينْظر الْمنصف، ولتأمل طَالب الْحق، - صحيح المقال في مسألة شد الرحال

[عبد العزيز بن عمر الربيعان]

الفصل: وَينْهَوْنَ عَنْهَا، ويستدلون على ذَلِك بالأحاديث1. فَلْينْظر الْمنصف، ولتأمل طَالب الْحق،

وَينْهَوْنَ عَنْهَا، ويستدلون على ذَلِك بالأحاديث1.

فَلْينْظر الْمنصف، ولتأمل طَالب الْحق، وليتراجع المندفع على غير هدى، وليعلم أَن الدّين لَيْسَ بالعواطف وَلَيْسَ بالتقليد الْأَعْمَى، وَأَن أَي عَالم مهما ارْتَفَعت دَرَجَته وعلت مَنْزِلَته لَا يَنْبَغِي أَن يعْتَبر قَوْله ومذهبه واختياره أموراً مسلمة غير قَابِلَة للمناقشة والتمحيص.

سُؤال موجه يُرْجَى الْجَواب عَلَيْهِ:

وَهَذَا سُؤال نوجهه إِلَى فَضِيلَة الشَّيْخ نرجوه الْجَواب عَلَيْهِ وَهُوَ:

إِذا كَانَ ابْن حجر قَالَ: يرى الْجُمْهُور بِالْإِجْمَاع جَوَاز شدّ الرّحال

الخ، فبصرف النّظر عَمَّا تقدم من مناقشتنا لهَذِهِ الدَّعْوَى أصلا وفروعاً أَقُول الْآتِي: مادام أَن الْقَضِيَّة قَضِيَّة جَوَاز - أَعنِي إِبَاحَة فَقَط - فَمَا فَائِدَة هَذِه الزِّيَارَة؟.. أتريدون من الْإِنْسَان أَن يُسَافر من أقْصَى الأَرْض إِلَى أدناها يجوب المسافات الشاسعة والفيافي الْبَعِيدَة والقفار الموحشة، وَينْفق الْأَمْوَال ويعرض نَفسه للمخاطر؛ ليتوصل إِلَى أَمر مُبَاح غَايَة مَا فِيهِ أَنه غير محرم وَلَا مَكْرُوه؟..

يَا للعجب العجاب - يَعْنِي مُجَرّد سياحة لَا أقل وَلَا أَكثر -، هَذَا إِذا ثَبت أَن الصَّحِيح هُوَ هَذَا الْمَذْهَب الْمَنْسُوب لِلْجُمْهُورِ _ كَمَا زَعَمُوا - فَمَعْنَى هَذَا أَن هُنَاكَ مذهبا آخر لغير الْجُمْهُور يرى عدم الْإِبَاحَة، وَهَذَا الْمَذْهَب الآخر قد يكون هُوَ الصَّوَاب2؛ إِذْ إِنَّه لَا يلْزم أَن يكون الْحق دَائِما مَعَ الْجُمْهُور.

1 بل الحَدِيث الصَّحِيح وَهُوَ " كنت نَهَيْتُكُمْ.. الخ"، يدل على عكس مَا يرَاهُ الْكَاتِب، وَمَا نقل عَنْهُم وَسَمَّاهُمْ أَئِمَّة، وَقد أثبت شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية الْحق الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الحَدِيث الْمَذْكُور، والعجيب من الْأَمر أَن الْكَاتِب نقل كَلَام شيخ الْإِسْلَام فِي هَذَا الْمَعْنى فِي نفس هَذِه الصفحة، ثمَّ تَركه دون تَعْلِيق، وَنقل كَلَام من تبنى فكرتهم من عدم مَشْرُوعِيَّة زِيَارَة الْقُبُور مُطلقًا، وَأَنه عمل غير صَالح وحبذه، ودعا إِلَيْهِ كَمَا ترى 00"الْمجلة".

2 بل الصَّوَاب هُوَ مَا ذكر فِي التَّعْلِيق رقم (1) .. "الْمجلة".

ص: 200

‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة:

وَقَالَ فَضِيلَة الشَّيْخ صَحَّ578 نقلا عَن ابْن حجر: وَمِمَّا اسْتدلَّ بِهِ على عدم شدّ الرّحال لمُجَرّد الزِّيَارَة، وَمَا روى عَن مَالك من كَرَاهِيَة أَن يُقَال:"زرت قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم"، وَأجِيب على ذَلِك بِأَن كَرَاهِيَة مَالك للفظ فَقَط تأدبا، لَا أقل وَلَا أَكثر، لَا أَنه كره الزِّيَارَة؛ فَإِنَّهَا من أفضل الْأَعْمَال وَأجل القربات الموصلة إِلَى ذِي الْجلَال، وان مشروعيتها مَحل إِجْمَاع.

سطر الشَّيْخ هَذَا الْكَلَام وَلم يتعقبه بِحرف وَاحِد، بل إِن صَنِيعه فِيمَا كتبه بعد ذَلِك يدل على تَنْبِيه لهَذَا الْكَلَام وَرضَاهُ؛ فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم!!.

ص: 200

فتعال معي أَيهَا الْأَخ الْمُحب للسّنة وَالتَّحْقِيق، والكاره للبدعة والتلفيق.. تعال لترى الْعَجَائِب:

أَولا: الْمَنْقُول عَن مَالك هُوَ كَرَاهِيَة الزِّيَارَة بِدُونِ شدّ رحال، بَيْنَمَا الْكَلَام هُنَا عَن مَسْأَلَة شدّ الرّحال؛ فبماذا نفسر صَنِيع الْحَافِظ ابْن حجر هَذَا؟.. إِن ابْن حجر كَغَيْرِهِ من النَّاس يُخطئ ويصيب.

ثَانِيًا: من الَّذِي أخبر ابْن حجر أَن كَرَاهِيَة مَالك للفظ فَقَط؟.. وَإِذا كَانَت الزِّيَارَة مَشْرُوعَة ومجمعا على مشروعيتها كَمَا زَعَمُوا كَيفَ يكره الإِمَام مَالك التَّلَفُّظ بذكرها؟

1 هَل يكره مَالك للرجل أَن يَقُول: صليت أَو صمت أَو تَصَدَّقت أَو حججْت؟

وَقَوله: كره مَالك اللَّفْظ تأدبا، نقُول: يَا للعجب العجاب.. تأدب مَعَ من؟.. وَعَن مَاذَا؟.. أتأدبا مَعَ الشَّرْع بِأَن لَا يذكر مَا شَرعه؟.. أم تأدبا عَن ذكر الْمَشْرُوع فَلَا يتَلَفَّظ بِهِ اللِّسَان؟

وَهل هَذِه الْقَاعِدَة تسري على جَمِيع الْعِبَادَات؛ فيتأدب الْمُسلم عَن ذكرهَا؟.. أم هِيَ خَاصَّة بِهَذِهِ الْعِبَادَة الْمجمع عَلَيْهَا؟ 2. ثمَّ مَا الَّذِي سوغ هَذَا الِانْتِقَال المفاجئ؟.. الحَدِيث عَن شدّ الرّحال.. وَذكر أَدِلَّة الْمُخَالف تعلق بِمُطلق الزِّيَارَة؟.. يَا لِلْإِسْلَامِ من أَهله.

ثمَّ هَذَا الْإِجْمَاع المزعوم هَل انْعَقَد على أساس دَلِيل من الْوَحْي؟.. أم بِدُونِ ذَلِك؟.. إِن كَانَ على أساس دَلِيل فَأَيْنَ ذهب ذَلِك الدَّلِيل؟.. ابْن حجر مُحدث كَبِير وإحاطته بالأحاديث لَا تكَاد تُوجد عِنْد غَيره بعد الْقُرُون الثَّلَاثَة - هَذَا مبلغ علمي وَقد أكون على خطأ- فلِمَ لم يطلع على الدَّلِيل الَّذِي اسْتندَ إِلَيْهِ هَذَا الْإِجْمَاع؟.. وَإِن كَانَ قد اطلع فلِمَ لم يذكرهُ.؟

أم أَنه انْعَقَد على غير أساس من الْوَحْي؟.. إِن كَانَ كَذَلِك فلدينا أسئلة كَثِيرَة مِنْهَا:

أَولا: هَل يُوجد إِجْمَاع بِدُونِ مُسْتَند شَرْعِي؟..

ثَانِيًا: قدمنَا من القَوْل مَا يثبت أَن من أَئِمَّة الْإِسْلَام من ينْهَى عَن زِيَارَة الْقَبْر الشريف، فَأَيْنَ هم من الْإِجْمَاع وَأَيْنَ الْإِجْمَاع مِنْهُم؟

ثَالِثا: على مدعي الْإِجْمَاع أَن يُثبتهُ، وَإِلَّا فَهِيَ دَعْوَى بِلَا بَيِّنَة..

رَابِعا: إِذا كَانَت هَذِه الْمَسْأَلَة - ونعنى الزِّيَارَة فَقَط- مَحل إِجْمَاع، أَي مَشْرُوعِيَّة الزِّيَارَة؛ فَأَيْنَ الصَّحَابَة من هَذِه المشروعية وَمن هَذِه الْعِبَادَة؟.. هَل علمُوا بهَا؟ هاتوا برهانكم وأثبتوا دعواكم إِن كُنْتُم صَادِقين.

1 الصَّحِيح مَا تقدم أَن مَالك يكره مُطلق الزِّيَارَة لَا التَّلَفُّظ بهَا، أما شدّ الرّحال لَهَا فقد صرح بِتَحْرِيمِهِ كَمَا تقدم فِي أَكثر من مَوضِع من بحثنا هَذَا. الْمجلة.. (بل الصَّحِيح أَن الزِّيَارَة مَشْرُوعَة بِدُونِ شدّ الرّحال وَلَا معنى لكراهتها لفظا وَلَا معنى، وَلَا تفهم كَرَاهَة مُطلق الزِّيَارَة من قَول مَالك الْمشَار إِلَيْهِ، كَيفَ وَقد قَالَ النَّبِي عليه الصلاة والسلام:"أَلا فزوروها" فِي الحَدِيث الَّذِي تقدم ذكره فِي التَّعْلِيق السَّابِق.

2 على حد زعمهم.

ص: 201

ثَالِثا: قَوْله: فَإِنَّهَا من أفضل الْأَعْمَال وَأجل القربات الموصلة إِلَى ذِي الْجلَال.

نقُول: هَذَا الْكَلَام لَا يَلِيق بِمثل الْحَافِظ ابْن حجر، وَلَا بِمثل فَضِيلَة أخينا فِي الله الشَّيْخ عَطِيَّة.

إِن الْحَافِظ ابْن حجر، وَكَذَلِكَ الشَّيْخ عَطِيَّة يعلمَانِ أَن التشريع من حق الله وَرَسُوله، وَلَا مدْخل فِيهِ لأحد من النَّاس سوى الرَّسُول عليه السلام الَّذِي أخبرنَا الله جلّ وَعلا عَنهُ أَنه لَا يَأْتِي بِشَيْء من التشريع من تِلْقَاء نَفسه {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} ؛ فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَكيف يسوغ للْعُلَمَاء أَن يَقُولُوا عَن مَسْأَلَة لَا دَلِيل إطلاقا على مشروعيتها لَا من الْكتاب وَلَا من السّنة وَلَا من الْإِجْمَاع.. كَيفَ يسوغ لَهُم أَن يدعوا أَنَّهَا من أفضل الْأَعْمَال وَأجل القربات الموصلة إِلَى ذِي الْجلَال..؟.

وَالْخُلَاصَة نقُول: يَا من زعمت مَشْرُوعِيَّة الزِّيَارَة بشد الرحل أَو بِدُونِ شدّ الرحل! تفضل علينا بِبَيَان دليلك؛ فإننا وَمن قبلنَا أَئِمَّتنَا أهل السّنة والتوحيد مُنْذُ ألف وَأَرْبَعمِائَة سنة والبحث جَار عَن دَلِيل هَذِه الْمَسْأَلَة وَلم يعثر عَلَيْهِ، فيا حبذا وَيَا عظم فَضلكُمْ لَو تقدمتم إِلَى أمة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بالكشف عَن هَذَا الدَّلِيل، وَإِلَّا فَارْجِعُوا إِلَى الْحق تؤجروا عِنْد الله، وتسلموا من تبعة القَوْل على الله وَرَسُوله بِلَا دَلِيل، وَلَكِن اعلموا مقدما أننا لَا نقبل حَدِيثا مَا لم تثبت صِحَّته عَن الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم، أما أَحَادِيث الوضاعين والدجالين الَّتِي كفانا مُؤنَة إِبْطَالهَا أهل الْعلم والدراية فَنحْن وَأَنْتُم متفقون على عدم الِالْتِفَات إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تقوم بهَا الْحجَّة وَلَا يجوز الِاسْتِدْلَال برهَا، وَنحن نُرِيد دَلِيلا من وَحي الرَّحْمَن1.

ثمَّ التَّعْبِير بقَوْلهمْ: "وَمِمَّا اسْتدلَّ بِهِ على عدم مَشْرُوعِيَّة شدّ الرّحال" تَعْبِير رَكِيك نَاقص؛ إِذْ أَنه لَا يُوجد وَلم يُوجد من يَقُول إِن شدّ الرّحال- بِمُجَرَّدِهِ - مَشْرُوع أَو مَمْنُوع؛ فالتعبير الصَّحِيح أَن يُقَال: "وَمِمَّا اسْتدلَّ بِهِ على عدم جَوَاز شدّ الرّحال لزيارة الْقُبُور.. الخ"، وَكَذَلِكَ قَوْلهم عَن المانعين إِنَّهُم استدلوا بِمَا روى عَن مَالك.. الخ. الصَّحِيح أَن قَول مَالك وَغَيره من الْعلمَاء لَا يسْتَدلّ بِهِ فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، وَإِنَّمَا يسْتَدلّ بنصوص الشَّرْع إِن وجد شَيْء مِنْهَا فِي الْمَوْضُوع، وَإِلَّا نظر هَل حصل إِجْمَاع من الْأمة فِي حكم الْمَسْأَلَة المبحوثة، وَإِن لم يُوجد رَجَعَ إِلَى الْقيَاس إِن كَانَت الْمَسْأَلَة فِي غير العقيدة وَفِي غير الْعِبَادَات.

أما قَول الْعلمَاء كل وَاحِد على انْفِرَاد فَلَا يَنْبَغِي أَن يُسمى أَو يعْتَبر دَلِيلا تثبت بِهِ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، وَإِنَّمَا يسْتَأْنس بِهِ فَقَط، كَمَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فهم هَذَا الإِمَام أَو الْعَالم لنَصّ من النُّصُوص أَو مذْهبه فِي مَسْأَلَة من الْمسَائِل، وَكَذَلِكَ يحْتَج بِهِ على من نسب إِلَى هَذَا الْعَالم خلاف مَا ثَبت عَنهُ، أما اعْتِبَار قَول مَالك أَو غَيره

1 أما مَشْرُوعِيَّة زِيَارَة الْقُبُور بِمَا فِي ذَلِك قبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِدُونِ شدّ الرّحال - فقد سبق أَن ذكرنَا فِي تعليقاتنا السَّابِقَة دليلها بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح: " كنت نَهَيْتُكُمْ

الحَدِيث"، كَمَا نوهنا على أَن شدّ الرّحال غير جَائِز لغير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة؛ عملا بِحَدِيث: "لَا تشد الرّحال

الحَدِيث" وَالَّذِي يُلَاحظ أَن الْكَاتِب يَقع أَحْيَانًا فِي الْخَلْط بَين الْأَمريْنِ. "الْمجلة".

ص: 202