المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: فروع التاريخ عند ابن أبي شيبة - التاريخ عند ابن أبي شيبة

[سليمان بن سليم الله الرحيلي]

الفصل: ‌باب: فروع التاريخ عند ابن أبي شيبة

وقد روى ابن أبي شيبة التاريخ عن عدد من المحدثين من أمثال حماد بن سلمة، وعبد الله بن إدريس، مما يعد أحد علامات الثقة في موارده التي اعتمد عليها، أما ترتيب مادتها وفق فروع التاريخ فهو من جهده ومن سمات منهج كتابة التاريخ عنده.

وبتتبع تواريخ وفيات من روى عنهم مثل عبد الله بن إدريس سنة 192 هـ وعفان الصغار سنة 220 هـ نجد أنه استغرق وقتاً طويلاً في جميع مروياته ومنها التاريخية امتد أكثر من ثلاثين عاماً، وهو مؤشر واضح على أن ابن أبي شيبة ظل يتعهد مؤلفاته بالجمع والإضافة سواد عمره.

ص: 575

ويعد ابن أبي شيبة من أوائل أصحاب المصنفات الذين عنوا بالسيرة وتدوين مرويات أحداثها في مصنفه فيما يزيد على سبع وستين صفحة، ضمنها عدة روايات حول عمر النبي عليه السلام حين بُعِثَ ونزل عليه الوحي، وكيفية بدايات نزول الوحي عليه، وشق صدره واستبشار خديجة وأبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وبشرى ورقة بن نوفل له بالنبوة، ووعده بالانضمام له عندما يؤمر بالقتال في سبيل نشر دعوته فيما بعد، ووصف الرسول عليه السلام له بالقس1.

وكذلك ذكر ما لاقاه من أذى قريش له، وما جاء به من حديث الإِسراء والمعراج، وهو من المصادر المبكرة التي أوردت هذه الأحداث واعتمد عليها الكثير من أصحاب الدلائل والأسانيد والتاريخ. بيد أنه ينبغي معرفة قوة السند الذي تروىَ به تلك الأخبار عند نقدها وكذلك الخلاف في التفاصيل بينه وبين غيره كابن إسحاق مثالا في حادثة شق الصدر2.

ثم عقد المصنف عنواناً عن حديث الإسراء والمعراج بالرسول عليه السلام، ذكر فيه عشر روايات مطولة منها إخباره عليه السلام عن وصف البراق ثم مجيئه بيت المقدس، ثم العروج به إلى السماء ورؤيته لعدد من الأنبياء مثل إبراهيم وموسى عليهما السلام ثم مشاهدته سدرة المنتهى وفرض الصلاة على أمته3. ثم عد خبره على أهل مكة.

تاريخ الغزوات:

ذكر ابن أبي شيبة كثيراً من أحداث المعارك والغزوات الإسلامية ابتداء من غزوة بدر الأولى ثم الكبرى حتى معركتي الجمل وصفين في خلافة علي بن أبي طالب.

1 ابن أبي شيبة ج14 ص292-294.

2 ابن هشام: سيرة النبي ج1 ص136.

3 ابن أبي شيبة ج14 ص302-303.

ص: 576

وقد توسع ابن أبي شيبه في المادة العلمية عن كل غزوه، فقد كتب عن غزوة بدر 36 صفحة، وكتب عن غزوة الخندق 25 صفحة، وعن غزوة مؤتة تسع صفحات، في حين كتب الإمام الصنعاني قبله في مصنفه عن الغزوات كلها خمسين صفحة، وكتب الإمام البخاري في صحيحه عنها من بعده مثله أو أقل بيسير.

وفي غزوة بدر يبدأ الحديث عنها بالروايات حول تاريخ حدوثها، ثم ذكر بعض الآيات التي نزلت فيها وربطها بأحداثها كآية {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} 1 وآية {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} 2 ثم ذكر رواية عن اتخاذ المسلمين لهم سيما وعلامات تميزهم أثناء القتال عن المشركين وكانت من الصوف الأبيض3. وهي إشارة لطيفة وما زالت الجيوش في العصر الحديث تتخذ لها علامات للغرض نفسه.

ثم جاء بعدد من الروايات حول عيون الرسول عليه السلام واستخباره عن قوة جيش قريش وعدده وأين نزل، والشورى بين المسلمين في القتال، واختياره ميدانه، وبناء مركز قيادة لهم4. وما دار بين المشركين، من جدل حول الرجوع واختلافهم وتنابزهم بالألقاب، ثم بداية المعركة بالمبارزة، والتحام الفريقين وسقوط القتلى، وكان عددهم كبيراً من المشركين ثم وضعهم بالقليب، ووقوع عدد منهم في الأسر، وما ناله المسلمون من نصر وأنفال بالإضافة إلى عدد من الروايات الأخرى حول مواقف عديدة حدثت في بداية المسير للمعركة أو أثناءها أو في طريق العودة منها- لا تخلو من دروس وعبر عظيمة.5

1 سورة القمر آية 45.

2 سورة الأنفال آية 11.

3 ابن أبي شيبة ج14 ص358.

4 المصدر السابق ج14 ص353 – 387.

5 ابن أبي شيبة ج14 ص353-381.

ص: 577

ثم أتبعها بالحديث عن غزوة أحد وبدأه بروايات بما يشبه التوطئة كمكر الرسول عليه السلام بالمشركين، ثم ذكر بعض مواقف الصحابة أثناء القتال كحذيفة بن اليمان وسعد بن أبي وقاص، ودعم الرسول عليه السلام ومساعدته له أثناء الرمي بالسهام حتى ذكر أنه فداه بأبيه وأمه حتى قال علي بن أبي طالب ما سمعته فدى أحداً بأبويه إلا سعداً. وكان سعد يذكر ذلك1.

كما ذكر عدداً من الروايات حول كيفية استشهاد حمزة بن عبد المطلب وغدر العبد الحبشي به. والموقف من كثرة القتلى والمعيار في تقديمهم داخل اللحود 2.

وكذلك كيف قابل الرسول عليه السلام انكشاف المسلمين يوم أحد وكيف كان عليه السلام يعتذر منه لربه3. وهي روايات تشبه إلى حد كبير ما أورده ابن سعد في غزوة أحد مع اختلاف سند ابن أبي شيبة عنه إلا فيما قل 4.

ثم يورد المصنف رحمه الله تعالى عدداً آخر من الروايات حول مواقف مختلفة في تاريخ الغزوات منها ما يتعلق بالتخطيط الحربي، ومنها ما يتعلق بمقارعة العدو بالحجج والحقائق، مثل مقارعته بآلات الحرب فكل له تأثيره في الجانبين، وقد كان الرسول عليه السلام يرد على هتافات المشركين، ويخبر عن مصائر قتلى الطرفين ونحو ذلك5. فضلاً عن عدد من الروايات عن آلات الحرب وقتذاك.

وبعد ذلك تحدث عن غزوة الخندق وجاء بعدد من الروايات حولها دار

1 المصدر السابق ج14 ص389- 390.

2 المصدر السابق ج14 ص392.

3 المصدر السابق ج14 ص395.

4 ابن سعد: الطبقات الكبرى ج2 ص42- 48.

5 ابن أبي شيبة ج14 ص401-403.

ص: 578

معظمها حول استشهاد الصحابي الجليل سعد بن معاذ 1. مما قد يضيف جديداً لمن يدرس أحداثها أو سيرته بعناية.

ثم ذكر عددا كبيراً من الغزوات مثل غزوة الخندق وبني قريظة والفتح وحنين وذي قرد وتبوك ومؤتة في تفصيل مناسب من الروايات المتعددة عن كل غزوة إلا أن بعضها مثل الفتح وحنين وتبوك كانت رواياتها أكثر.

وفي الغالب لا تختلف مروياتها عما ذكر من قبل وربما ندرك من خلالها أن المصنف يميل إلى الوضوح في ذكر الأحداث، والبعد عن التداخل ففي غزوة مؤتة مثلاً بدأت روايتها عنده بتحديد ترتيب قوادها الثلاثة ثم ذكر ما حدث فيها، ثم إعلان نتيجتها، ووصف مواساة الرسول عليه السلام لأهل الشهداء وذكرهم بالخير والدعاء لهم، وبروايات مختلفة سنداً ومتناً عما أورد ابن سعد عنها 2.

ولم يذكر شيئاً عن غزوة يهود بني النضير بالمدينة على الرغم من أن الإمام الصنعاني قبله توسع في أخبارها3 فذكر أصلهم، وموطن سكنهم، والمفاوضة معهم، والعلاقة بينهم وبين مشركي قريش، وتحريض الأخيرين لهم ثم إجلاءهم إلى بلاد الشام، وكذلك ذكرها الإِمام البخاري فيما بعد4.

وقد يعود ذلك إلى أن المصنف لم يحفظ فيها شيئاً فهو في الغالب يعتمد على حفظ ذاكرته في الأحداث وقد نص على ذلك كثيراً، أو يعود إلى ضياع أو خرم في النسخة التي وصلتنا ويستبعد أن يعود ذلك إلى أنه لم يثبت فيها شيء عنده بعد ما ثبت عند غيره من قبل ومن بعد كما أشير إليه آنفاً.

1 المصدر السابق ج14 ص408- 416.

2 ابن سعد: الطبقات الكبرى ج2 ص128-130.

3 الصنعاني ج5 ص357 - 360.

4 صحيح البخاري ج5 ص22.

ص: 579

كما لم يذكر شيئاً عن السرايا في عهد الرسول عليه السلام على الرغم من وثوق صلتها بالمغازي، فهل تابع في ذلك شيخه الصنعاني الذي لم يذكرها أيضاً، بينما أسهب فيها كل من ابن إسحاق وابن سعد من قبل والبخاري من بعد.

الخلفاء الراشدون:

في عهود الخلفاء الراشدين ذكر حدث وفاة كل منهم، وذكر بعض الأخبار في ذلك بطرق مختلفة، ثم يأتي أحياناً بشي من سيرته، إلا أبا بكر الصديق فقد بدأ الحديث عنه بذكر كيفية مبايعته، وقد ضمن مروياته عن سيرة عمر أموراً في غاية الأهمية عند ذكر دراسة سياسته مثل قول عائشة فيه بأنه "كان غناء للإِسلام، كان والله أحوذياً نسيج وحده قد أعد للأمور أقرانها "1. وقوله: "إني قد تركت فيكم اثنين لن تبرحوا بخير ما لزمتموهما: العدل في الحكم، والعدل في القسم"2.

وعلى الرغم من أن ابن أبي شيبة عَنْوَن ذلك بقوله ما جاء في خلافة كل منهم إلا أن ما ذكره هو ما يتعلق بوفاة أو مقتل كل منهم مع اختلاف في التفصيل والسند، فهو لا يشمل أخبار وحوادث عهودهم التاريخية لكن المؤرخ لا يعدم ذلك مما جاء متفرقاً في أبواب أخرى ومن المصنَّف مثل إسلام كل واحد منهم أو في كتاب فضائل الأعلام عنده.

حروب الردة والفتوح الإسلامية:

أما في حروب الردة قد جاء بأخبار متفرقة عن معركة اليمامة بين خالد بن الوليد ومسيلمة الكذاب، وذكر ما عاناه المسلمون في البداية من الهزائم وكثرة قتلاهم وجرحاهم وأن بعضهم كان صائماً 3. ثم ذكر رواية أحد شهود العيان

1 ابن أبي شيبة ج14 ص572.

2 المصدر السابق ج14 ص582.

3 ابن أبي شيبة ج12 ص548.

ص: 580

وهو الصحابي الجليل أنس بن مالك كيف كان موقف خالد عصيباً ثم كيف كر على أهل اليمامة حتى بلغ حصنهم وتمكن البراء من قتل صاحبهم وفُرجت الشدة 1.

وعلى الرغم من إسهاب الطبري في ذكر أخبار معركة اليمامة، وتعدد رواياتها عنده2، إلا أن ابن أبي شيبة ذكر روايات أخرى منها أن شعار المسلمين فيها كان (يا أصحاب سورة البقرة) .

ثم انتقل بعد ذلك إلى تاريخ الفتح في العراق على يد خالد بن الوليد، وذكر عدة روايات في مكاتبته مرازبة فارس، وبعض أحداث المعارك هناك مثل معركة الجسر ومقتل قائدها أبي عبيد الثقفي، وحديث عمر بن الحطاب عنه بأنه سيكون فئة له لو انحاز إليه3.

وأسهب في وصف أحداث معركة القادسية بالنسبة للمعارك الأخرى، وتعدُّدُ الروايات والتفصيل في وصف الحدث عند أبي شيبة يتبع في كثير من الأحيان حجم الحدث نفسه. وهذا رواياته الكثيرة عن أحداث هذه المعركة لابد من الاعتماد والرجوع إليها لمن يدرسها.

وفي معركة تُستر جاء بمعلومات لا تختلف كثيراً عما جاء به أهل الاختصاص في تاريخ الفتوح مثل البلاذري بل إن نسق ترتيب الأحداث في تلك المنطقة وقتذاك هو النسق الذي سار عليه البلاذري فيما بعد4.

كما اعتمد كل منهما على مرويات من شهدوا المعركة أو نقلوا عنهم، وهو منهج متقدم في الكتابة التاريخية.

ولما انتهى من كتاب التاريخ ومرويات أحداث الفتح الإِسلامي في العراق

1 المصدر السابق ج12 ص549.

2 الطبري: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص281- 300.

3 ابن أبي شيبة ج12 ص556-557.

4 فتوح البلدان ص534-538.

ص: 581

وبلاد فارس، انتقل إلى الحديث عن الفتوح في بلاد الشام وابتدأه بذكر ما حفظه ووصلته أخباره في غزوة اليرموك وأنه كان للمسلمين فيها خمسة ألوية، ثم ما آل إليه أمر المسلمين من قوة وحسن حال حتى حسنت معيشتهم ولبسوا الديباج والحرير حتى نهاهم عمر عن ذلك 1.

ثم ذكر طرفاً من أخبار زيارة الخليفة عمر إلى بلاد الشام وهيئة مركبه واستقبال الناس له، وإقراره لبعض مظاهر الخير وسعة الرزق التي ظهر بها بعض قواد المسلمين هناك، في الوقت الذي أبقى فيه هو على تواضع هيئته ومركبه على الرغم من نصح بعض الجند له بإظهار حال أحسن منها عند استقبال القواد وبطارقة الشام له، فأجابهم عمر بأن العزة ليست بالمظاهر وإنما بالإسلام "إنا قوم أعزّنا الله بالإسلام"2 وهي الحقيقة التي ما فتئ عمر يؤكدها في كل موقف.

كما ذكر اعتذار عمر عن دعوة أحد الدهاقين النصارى لحضور وليمة أعدها له3.

أما في كتاب التاريخ بمعنى التوقيت فقد خصه المؤلف بالحديث عن أعمار بعض الأنبياء كآدم ونوح ويوسف ومحمد عليهم السلام وبعض مشاهير الصحابة كابن عباس والخلفاء الأربعة، ثم سنوات وفيات بعض الأعلام، حتى سنة 177 هـ 4. ثم أورد مدد عهود الخلفاء الراشدين وخلفاء الدولة الأموية حتى الخليفة المأمون على طريقة ذكر اسم كل خليفة ومدة حكمه5. وكان دقيقاً في ذكر عدد السنوات وكسورها التي مكثها كل منهم ووافقه في ذلك عدد من المؤرخين ممن جاء بعده وعلى رأسهم الإمام الطبري.

1 ابن أبي شيبة ج13 ص34-37.

2 المصدر السابق ج13 ص40- 41.

3 ابن أبي شيبة ج13 ص69، 70، 73.

4 نفسه.

5 المصدر السابق ج13 ص70-72.

ص: 582

ثم ألحقه بباب نفيس عن أسماء من اشتهروا بكنيتهم، أو ذكر كنى من اشتهروا بأسمائهم، لعدد كبير من الصحابة والخلفاء والقواد والأعلام المشهورين ذكر فيه سرداً للكنى المشهورة واسم صاحبها أو اسم الخليفة أو العلم، وكان ابن أبي شيبة مصدراً لعدد ممن ألفوا في هذا الباب من القدامى، وقد ألف في هذا الباب فيما بعد كل من الإمام مسلم (ت 261 هـ) والدولابي (ت 310 هـ) ، كتباً منفردة.

الفتن:

عقد ابن أبي شيبة باباً للفتن وسماه كتاب الفتن جاء فيه في البداية بعدة مرويات في مفهوم الفتنة العام، وكيف تكون وعلاماتها والموقف منها1، وذكر عدة روايات تجعل بعض الأحداث التاريخية منها مثل قتل عثمان ومقتل الحسين وحركة عبد الله بن الزبير.

وعلى أية حال فإن هذا الباب عند المحدثين لا يخلو من مادة تاريخية تفيد في موضوعاتها، ومنها مرويات ابن أبي شيبة حول مقتل الحسين وابن الزبير فهي مهمة عند دراسة تلك الأحداث وتعين في معرفة مواقف بعض الصحابة والتابعين منها، وتوضح جوانب من موقف الدولة الأموية إزاءها إلا أنه ينبغي عدم التسليم ببعضها لما يظهر عليه من الوضع والصنعة مثل سرد بعض الروايات في صفات تنطبق على أحد الرجلين والموقف منه، والنص في بعضها على أن الذي يخرب البيت العتيق هو رجل من آل الزبير2 ونحو ذلك مما يوحي بأنها وضعت بعد أحداث الحركتين بأسلوب يوهم بأنها روايات سابقة جاءت الأحداث تؤكدها، وهو أمر لم تخل منه المصادر التاريخية أيضاً، وكان المصنفون الأوائل قد دونوا كل رواية وصلتهم، وتركوا نقدها وتمحيصها،

1 ابن أبي شيبة ج15 ص5-15، 70-87 وغيرها.

2 المصدر السابق ج15 ص84.

ص: 583

والأخذ بها أو ردّها لمن يأتي بعدهم، وقد وضح ذلك الطبري في مقدمته ولا يعني أنها مما صح عندهم.

وقد توسع ابن أبي شيبه في باب مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه أكثر من الأبواب أو الموضوعات الأخرى في الفتنة، فقد جاء بأكثر من 120 رواية في أحداث مقتله1. وتبين في مجموعها تفاصيل ما دار بينه وبين الخارجين عليه ورجوعهم ثم عودتهم من الطريق ومطالبتهم له بخلع نفسه أو القصاص منه، وعزل بعض الولاة ورده ذلك ومحاجتهم فيه، وكيف اقتحموا عليه الدار، وأسماء من باشر أو أشار بقتله منهم، وروايات أخرى فيما يترتب على تلك الفتنة من هلاك العرب وعدم اجتماعهم يداً واحدة بعدها، وقد انفرد ابن أبي شيبة بها بين أصحاب المصنفات مثل الصنعاني، كما أنها تشبه تفاصيل ما أورده وزاد عليه كثيراً عمر بن شبة فيما بعد في الموضوع ذاته2. وهناك روايات متفقة في السند والمتن عند الاثنين مع تفصيل أو إيجاز فيه عند أحدهما أحياناً فهل أخذ عمر بن شبة عن ابن أبي شيبة ولم يشر إليه؟ 3 والمعروف أن الإمام الطبري رجع لابن شبة في موضوع مقتل عثمان رضي الله عنه إلا أن هناك روايات كثيرة عندهما لم ينقلها ولهذا فإن الرجوع إليهما مباشرة سوف يسهم في دراسة أحداثه ونقد مروياته من جديد.

وعلى الرغم من أن المصنف أخر مرويات مقتل عثمان عن الحديث عن فتنة مقتل الحسين وابن الزبير إلا أن حديثه في كتاب الجمل وترتيبه بعده ظهر كأنه نتيجة واقعة لتلك الأحداث كما هي حقيقة بالفعل ودلالة على افتراق الأمة بعد تلك الفتنة.

1 ابن أبي شيبة ج15 ص218-221.

2 عمر ابن شبة: تاريخ المدينة ج4 ص1149.

3 ابن أبي شيبه المصنف ج15 ص215-219، عمر بن شبة: تاريخ المدينة ج4 ص1149، 1152.

ص: 584

حتى رد ابن سيرين في أحدها بقوله: "ما علمت أن علياً اتهم في قتل عثمان حتى بويع، اتهمه الناس". وقال علي نفسه فيما بعد في البصرة: "والله ما قتلته وما مالأت على قتله"1.

وكان عمار بن ياسر لا يجيز تكفير أهل الشام في صفين ويقول عنهم: بأنهم مفتونون جاروا عن الحق، ويصفهم في رواية أخرى بأنهم فسقوا ظلموا.

كما جاء ابن أبي شيبة بروايات في نشأة الخوارج المبكرة وصفتهم وموقفهم من الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية ثم قتال علي لهم عند النهروان، وأشهر فرقهم وهي الحرورية2.

معركة الجمل:

أفرد ابن أبي شيبة كتاباً لأحداث معركة الجمل، وبدأه بمسير عائشة وعلي وطلحة والزبير إلى الكوفة وبدأه برواية طويلة حول وفود بعض أهل البصرة على علي من بني راسب3، ثم كيف أنشب عُبدان الفريقين القتال وعقر جمل عائشة، وأن قلة قليلة من الصحابة شهدوا الجمل4.

ثم ذكر عدة صور من تقدير الفريقين بعضهما بعضاً وأن الأمر لا يصل إلى التكفير "لم يكفر أهل الجمل" وكل منهم يلهج بالثناء على صاحبه ويعطي جائزة لمن يبشره أنه حيّ،. ووصف الفريق الآخر بأن:"إخواننا بغوا علينا"5. وربما جلس علي وأصحابه يوماً يبكون على طلحة والزبير 6.

1 ابن أبي شيبة ج15 ص210.

2 ابن أبي شيبة ج15 ص 303، 320، 326.

3 ابن أبي شيبة ج15 ص251.

4 المصدر السابق ج15 ص264.

5 المصدر السابق ج15ص257-258.

6 المصدر السابق ج15 ص261.

ص: 585

كما أورد عدداً من الروايات تشير أن طلحة والزبير بايعا علياً مكرهين فساغ لهما نقض بيعته، ومرة أخرى يريان أنه بدل 1.

وأخرى تذكر أن عائشة وعلياً كان يتمنيان أنهما لم يدركا معركة الجمل2. وبحكم موضوع هذا الكتاب فرواياته تدور حولها حتى جاء فيه بالروايات المتعارضة والمواقف المختلفة لمن شاركوا في أحداثه.

وبعد انتهاء المصنف من ذكر مرويات معركة الجمل عقد باباً لموقعة صفين بين علي ومعاوية- رضي الله عنهما جاء فيه بأربع وأربعين رواية فيها، دارت بوضوح أكثر حول مواقف عمار بن ياسر- رضي الله عنه وثباته مع علي وترديده القول:"لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا علي الحق وأنهم على الباطل"؛ ومع هذا كان ينهى أصحابه عن تكفير أهل الشام، ويأمرهم بقول:"فسقوا وظلموا"3، فما أمر التكفير بهين. وقريب منه موقف علي رضي الله عنه عندما يروي المصنف أنه كان يحسن معاملة أسرى الشام ولم يقتل أحداً منهم ويكتفي بأخذ سلاحه ثم يخلي سبيله وربما أعطى الواحد منهم بعض الدراهم في سبيل الإحسان إليه4.

ثم جاء بعد ذلك بروايات كثيرة حول ظهور الخوارج وموقفهم من علي وموقفه الحازم منهم بصور مختلفة معقولة بالسند وكثير منها بعبارة شهدنا، وكنا مع، وخطبنا، وأمثالها من عبارات شهود العيان، والقرب من الأحداث5. فضلاً عن أن ابن أبي شيبة يذكر مروياته حول أحداث الجمل وصفين والخوارج بطرق إسناد مختلفة في الغالب عما ورد عند الآخرين كأبي مخنف ونصر بن مزاحم والطبري.

1 المصدر السابق ج15 ص261، 272.

2 المصدر السابق ج15 ص282، 286.

3 ابن أبي شيبة ج15 ص293-294.

4 المصدر السابق ج15 ص295.

5 المصدر السابق ج15 ص303-319، 320، 326، 327، 332.

ص: 586

تراجم الأعلام:

تضمنت أحداث السيرة النبوية معلومات قيمة حول عدد من الصحابة كإسلامهم وبعض صفاتهم وما تحلّوا به من فضائل، وأدوارهم في المعارك والغزوات ومواقفهم في الحياة الإسلامية وقتذاك. مثل مرويات إسلام الخلفاء الراشدين الأربعة وكيفية ذلك، وإسلام كبار الصحابة الآخرين كالزبير وأبي ذر الغفاري وزيد بن حارثة وسلمان الفارسي وعدي بن حاتم وجرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنهم. والمصنف تحدث عن هؤلاء وغيرهم سواء عند مناسبة ذكر إسلامهم في كتاب المغازي1، أو عند مناسبة كلامهم في باب الزهد2، أو عند ذكر صفاتهم في باب طويل عقده للفضائل3، تحدث فيه بإسهاب عن أخبار كثير من الصحابة ومواقفهم وثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على بعضهم وأقوال بعضهم أو الآخرين فيهم، فعلى سبيل المثال ذكر عن عثمان خمسة عشر صفحة وعن الزبير أربع وعن عبد الله بن مسعود ست صفحات وغيرهم كثيرا عدا ما جاء عنهم في مواضعه عند ذكر الأحداث التي شاركوا فيها أو ذكر فضائل قبائلهم أو أقاليمهم.

وذكر في إسلام سلمان الفارسي رواية مطولة 4 لم يذكرها ابن إسحاق وهي مما تفرد به عنه.

وبجمع الروايات الكلية عن كل علم عند ابن أبي شيبة يصبح لدينا حوله كمٌّ كبيرٌ من المادة العلمية في التراجم والسير لا غنى عنها لمن يبحث في هذا الباب، كما تساعد في دراسة بعض مواقف الصحابة مثل أبي ذر والزبير رضي الله عنهما من الأحداث التاريخية في أواخر عصر الخلفاء الراشدين وبداية الدولة الأموية.

1 ابن أبي شيبة ج12 ص284.

2 ابن أبي شيبة ج13 ص192.

3 ابن أبي شيبة ج12 ص5.

4 ابن أبي شيبة ج14 ص321-324.

ص: 587

الدولة العباسية:

أشاعت الدولة العباسية بأنها دولة عدل ومحاربة جور، وأنه سيكون من خلفائها مهدي يملأ الأرض عدلاً، وعزوا ذلك إلى أحاديث مروية عن الرسول عليه السلام وقد جمع ابن أبي شيبة عدداً منها في مصنفه منها أنه "لن تنتهي الدنيا حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي"1 والمقصود الإشارة إلى الخليفة المهدي محمد بن عبد الله إلى درجة أن المهدي الذي يخرج في الناس قيدت الروايات وقتذاك خروجه بأنه بعد قتل محمد النفس الزكية 2، أي وفق ترتيب الأحداث التاريخية المعروفة فالخليفة المهدي جاء بعد انتهاء ثورة النفس الزكية.

ولم يأت المصنف بمرويات في أخبار الدولة الأموية والدولة العباسية عدا ما أشير إليه سواء في أبواب المصنف أو في كتبه التاريخية المضافة إليه وقد يعود ذلك إلى طبيعة مؤلفه الأساس وهو في الحديث ثم أن تاريخ الدول وعهود الحكام لم يشع التأليف فيه كثيراً وقتذاك مثلما اشتهر التأليف في موضوعات كتبه التاريخية.

القبائل والأنساب:

لم يفت المصنف ذكر أخبار بعض الأحلاف والقبائل العربية مثل قريش وقيس وبني عامر وبني عبس وثقيف وبجيلة والمهاجرين والأنصار والعرب عامة3. وتوضح هذه جانباً ثم أنسابهم ومكانتهم في الدولة الإسلامية ومواقف بعضهم من أحداثها ومشاركتهم في الفتوح والإدارة ونحوهما. وقد أثنى الرسول عليه السلام على كثير من صفاتهم أو مواقفهم أو دعا لهم مثل ثنائه على جهينة

1 ابن أبي شيبه ج15 ص198.

2 ابن أبي شيبه ج15 ص199.

3 ابن أبي شيبه ج12 ص155-167، 197-206.

ص: 588

وأسلم وغفار وغيرها وقد توسع الإمام مسلم في ذلك1، فهو يذكر عن بني أسد أنه شهد ألفان منهم معركة القادسية وكانت لهم راية خاصة بهم.

كما كانت قيس مقدم جيش مسلمة بن عبد الملك في قتال الترك في بعض ثغور أرمينية 2.

وقد اهتم مؤرخو الأنساب بهذه المرويات عند التاريخ لأنساب هذه القبائل ولهذا فإن مصنف ابن أبي شيبة من المصادر المبكرة لكتب الأنساب، وقد رجع البلاذري إليه فيما يتعلق بنسب بعض بيوت قريش 3.

أحكام الحرب:

تَحدث المصنف طويلاً عن أحكام الحروب وقواعدها، وعقد لذلك باباً باسم باب الجهاد بين فيه حكم الحرب ومبرراتها وشرعية الأسباب المؤدية إليها، ومقدماتها من بيات ومبارزة4، ثم ما يحدث خلالها من قتل وغزو في البر والبحر، والموقف من الأملاك في أرض العدو من زرع ودواب وعمارة، والموقف من كيفية معاملة الأسرى وتوزيع الغنائم ونصيب كل فرقة من الجيش منها، وهو في هذا يتابع المحدثين حيث دأبوا في مؤلفاتهم على عقد باب في بيان الجهاد وأقسامه وقواعده وأهدافه ووسائله. وكان الميدان لذلك على أرض الواقع هو التاريخ - بطبيعة الحال- من نشر للدعوة وقتال المشركين وحروب اليهود والنصارى، وكل ذلك أخذ من أرض الواقع التاريخي واستشهد عليه بما فعله الرسول عليه السلام في غزواته أو أمر به قواده أو قاله في مناسبته أو عند حدوثه، أو سار عليه من جاء بعده أو خلفائه الراشدين أو أحد أمرائهم وقواد جيوشهم. فوردت في مجاله معارك وأحداث وأدوات وغنائم وإدارة للمعارك

1 صحيح مسلم ج2 ص404-407.

2 ابن أبي شيبة ج2 ص198.

3 البلاذري: أنساب الأشراف ج3 ص28- 29، 54.

4 ابن أبي شيبة ج15 ص369.

ص: 589

وإسناد وتموين وتوزيع غنائم في البر والبحر، وهي موضوعات مهمة لم يعن بها بما فيه الكفاية في الدراسات التاريخية. كما يأتي المصنف بعدة روايات بشأن عدم هدم الكنائس والبيع النصرانية في البلاد التي فتحها المسلمون ويذكر كتاباً مهماً لعمر بن عبد العزيز وجّهه لولاته بشأن عدم هدم أماكن العبادة للشعوب الأخرى والرهبان والعبَّاد العاكفين فيها 1.

وكذلك عدم التعرض لغير المقاتلة ومن ثم ذكر أن المسلمين الأوائل لم يكونوا يقتلون النساء والأطفال والشيوخ من الأعداء من مختلف الأجناس، بل كان لدى القواد المسلمين تعليمات بالرفق بالطبقات العامة كالفلاحين ونحوهم2.

وقد أوصى أبو بكر الصديق قواده في بلاد الشام بعدة وصايا تعد دستوراً في الخلق الحربي خالداً سبق أي آداب أو قوانين حديثة حولها، منها عدم قتل الشيوخ والنساء والصبية أو قطع الشجر أو إغراق المزروعات أو عقر الحيوانات أو إشعال الحرائق وتخريب الدور والأسواق العامرة 3.

إن الخلق الحربي وآداب القتال في الإسلام كانت أحد عوامل انتصاره وانتشاره السريع في البلدان المفتوحة وأدرك أهلها أن الحرب الجديدة لها أهداف ووسائل تختلف عن الحروب التي عانوا منها من قبل ولهذا فإن مرويات ابن أبي شيبة في هذا المجال تقدم مادة مهمة لمن يبحث انتشار الإسلام.

أما الأمان الذي ذكره ابن أبي شيبة فهو بمعنى الإِجارة وكيف أن المسلمين الأوائل كان يجير عليهم الرجل منهم حتى إن المرأة كانت تجير فيقبلون من أجارت4.

1 ابن أبي شيبة ج12 ص343، 387.

2 ابن أبي شيبة ج12 ص383.

3 نفسه.

4 ابن أبي شيبة ج12 ص452-453.

ص: 590

أما الأمان بمفهومه الواسع فيما يعرف بنظام المستأمنين في الحضارة الإسلامية لأهل الذمة والسفراء والتجار فلم يتطرق له على الرغم من توسع الإمام أبي يوسف فيه من قبل1.

تاريخ المدن:

أما في تاريخ المدن فقد أورد ابن أبي شيبة مجموعة أحاديث عن فضائل المدن والأقاليم الإسلامية مثل المدينة والكوفة والبصرة واليمن والشام2. ففي فضائل المدينة ذكر أن من أسمائها طابة وأن الدجال لا يدخلها في آخر الزمان، وكذلك حديث أن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها، وقد أورده الإمام مسلم في صحيحه فيما بعد3. كما أورد عدداً من الروايات عن مركزي الكوفية والبصرة في الإسلام4. وكذلك الحال بالنسبة لإقليمي اليمن والشام، ولهذا كانت هذه المعلومات مادة مناسبة للذين أرخوا لتلك المدن والأقاليم في القرون التالية مثل عمر بن شبة في تاريخ المدينة، وابن عساكر في تاريخ دمشق وبلاد الشام.

ولم يذكر ابن أبي شيبة شيئاً عن مدن وأقاليم مهمة مثل مكة وبغداد ومصر على الرغم أن سياق رواياته تطلب ذلك، فهل لم يجد ما يذكره عنها أم أن أقساماً حوتها من مصنفه ضاعت.

الفداء:

لازم الفداء وتبادل الأسرى العلاقات الحربية بين المسلمين وأعدائهم خلاله عصور التاريخ وذكر ابن أبي شيبة صوراً من كيفية إجرائه ووقائعه في عهد

1 أبو يوسف: كتاب الخراج ص203-204.

2 ابن أبي شيبة ج12 ص179 - 191.

3 صحيح مسلم ج2 ص405.

4 ابن أبي شيبة ج12 ص188-189.

ص: 591

الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وعهد الدولة الأموية ومن ذلك أن الرسول عليه السلام فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل1، وأنه لم يكن يقبل فدية أو أن يبقى أحد من قتلى المشركين إذا ما طلبوا ذلك2. وأشار إلى فداء جرى بالسوس في أقصى المغرب في العهد الأموي بين موسى بن نصير وأحد قواد الأعداء هناك 3.

ولم تذكره كتب التاريخ العامة كالطبري والمسعودي وابن الأثير على الرغم من أن المسعودي توسع أكثر من غيره في ذكر الأفدية بين المسلمين والروم4. ومن ثم تفرد به ابن أبي شيبة. بالنسبة لما ذكر من مصادر.

الإمامة والسياسة:

احتلت الإمامة والسياسة حيزاً مناسباً عند ابن أبي شيبة فقد جاء بعدد من الأحاديث والأقوال في طاعة الإمام ونص على أن الإمام الذي تجب طاعته هو من يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة الملقات على عنقه نحو محكوميه، وأن يكون من أولي العقل والفقه يقود الناس بكتاب الله عز وجل5.

وحذّر من تولي الإمارة في أي مجال حتى ولو في السفر إلا بشروطها من الحق والعدل "فإنه ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكه من غله ذلك إلا العدل". والضابط فيها أن من يسألها يوكل إليها، وحسب الإنسان ضعفاً، ومن أوتيها من غير مسألة يعان عليها، وكفى بعون الله وتوفيقه لعبده6.

والمؤلف افتتح باب الجهاد بذكر ما ورد في الإمارة والسياسة وربما أسهم

1 ابن أبي شيبة ج2 ص416.

2 المصدر السابق ج12 ص419.

3 المصدر السابق ج15 ص418.

4 المسعودي: التنبيه والإشراف ص160.

5 ابن أبي شيبة ج12 ص212 -214.

6 المصدر السابق ج12 ص215- 218.

ص: 592

هذا في صرف الباحثين المتأخرين فيها عن الرجوع إليه لاستقلالها عن الجهاد والحرب في المؤلفات المتأخرة كالماوردي والغزالي حيث عقدا لها أبواباً مستقلة. كما ذكر المصنف رحمه الله كثيراً من الروايات التي تعبر عن السياسة والحكم بالأمر1. وهو فيما يبدو المصطلح السياسي الذي يطلق عليهما في الماضي، كما وردت عنده كلمة عالم بالسياسة في مناسبة ما ينبغي أن يتحلى به الأمير2.

آلات الحرب وراياتها:

اشتملت الروايات التاريخية التي أوردها ابن أبي شيبة في مصنفه على بعض آلات الحرب وخططها مثل السيوف ومسمياتها الرماح والمنجنيق والتروس والدروع.

وكذلك لا تخلو من الإشارة إلى بعض الخطط الحربية كالكمين والالتفاف والخندق والبيات أو الهجوم الليلي سواء في أحداث معركة اليمامة أو الجسر أو القادسية وغيرها. وبالإضافة إلى ما ورد عنها عنده في كتب الأحداث التاريخية فإن كتاب الجهاد حوى على الكثير من وصفها.

كما جاء المصنف بعدد من الرِوايات في مناسبات عدة بأن رايات المسلمين في العهد النبوي كانت سوداً وعلى رأسها راية الرسول عليه السلام المسماة بالعقاب وتابعه المسلمون في ذلك فكانت راية خالد بن الوليد في فتح دمشق سوداء وكانت راية علي في موقعة الجمل سوداء أيضاً 3. وعلى الرغم من أن نصر بن مزاحم معاصره ذكر الرايات الإسلامية الأولى بعدة ألوان ومنها راية بيضاء وأخرى حمراء4،

1 المصدر السابق ج12ص170، 172-173.

2 ابن أبي شيبة ج12 ص560.

3 ابن أبي شيبة ج12 ص512-513.

4 نصر بن مزاحم المنقري: وقعة صفين ص289.

ص: 593

فإننا لا نعرف تعليلاً لاقتصار ابن أبي شيبة على مرويات الرايات السوداء إلا أن يكون ذلك بتأثير روح العصر العباسي الذي عاش فيه حيث كان السواد شعاره.

ويلحق بهذا ما ورد عنده عن الشعارات في الحرب وهى ما يشبه كلمة السر أو الهتاف1.

وأخيراً فإن من يبحث في ألبسة العرب وأنواعها ومواضع استخدامها ومناسباتها ومواد نسجها أو صبغها وما هو مخصص للرجال أو النساء يجد في المصنف مادة مناسبة في هذا الموضوع2.

أهل الذمة:

أشار ابن أبي شيبة باختصار إلى معاملة أهل الذمة وذكر أن عمر بن الخطاب كان يرفع الجزية عمن أسلم منهم ويفرض الخراج على أرضه، ومن كان له أرض أخذت منه ردت إليه، أما الذين بقوا على دينهم فقد كانت ترقم رقابهم3؛ ربما للتفريق بينهم وبين من أسلم من بني ملتهم، وقد اتبع هذا الإجراء نحوهم في العصر العباسي.

وهي نصوص تصلح لمن يدرس أحوال أهل الذمة في العصرين الأموي والعباسي حيث حاول بعض الولاة إبقاء الجزية على من أسلم، وألزموا أهل الذمة بلباس أو لون معين.

1 ابن أبي شيبة ص12 ص503-506.

2 ابن أبي شيبة ج8 ص411، 430.

3 ابن أبي شيبة ج12 ص233-234، 346.

ص: 594

‌باب: فروع التاريخ عند ابن أبي شيبة

فروع التاريخ عند ابن أبي شيبة:

تاريخ الأنبياء:

وفي تاريخ الأنبياء ذكر عدداً من الأنبياء مثل إبراهيم وموسى وعيسى ويوسف وداود عليهم الصلاة والسلام، وغلب على أخبارهم عنده الإيجاز، فهو يذكر بعض صفات كل واحد منهم ومعجزاته والعلاقة بينه وبين قومه، وتفاوت ذلك من نبيّ لآخر1. وقد اعتمد الطبري عليه كثيراً في أخبارهم في تفسيره لأن ابن أبي شيبة ضمّنها بعض أقوال الرسول عليه السلام أو السلف الصالح بشأن تفسير ما جاء فيهم في القرآن الكريم.

السيرة النبوية:

حظيت أحداث السيرة المباركة بالتدوين التاريخي المبكر وعنى المحدثون والمؤرخون بها كثيراً، فقد ضمنها الأوائل مؤلفاتهم من مصنفات وصحاح وغيرها وأفرد لها بعضهم كتباً بعينها كعروة بن الزبير (ت94 هـ) وابن إسحاق (ت151 هـ) ، أو ضمنوها تواريخهم العامة مثل الطبري.

1 ابن أبي شيبة: المصنف ج11 ص517.

ص: 575