المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثمحل صلاة التوبة - صلاة التوبة والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلامي

[عبد الله بن عبد العزيز الجبرين]

الفصل: ‌المبحث الثالثمحل صلاة التوبة

‌المبحث الثَّالِث

مَحل صَلَاة التَّوْبَة

اخْتلف أهل الْعلم فِي صَلَاة التَّوْبَة هَل تُؤَدّى قبل التَّوْبَة أَو بعْدهَا، على ثَلَاثَة أَقْوَال:

القَوْل الأول:

أَن الْمَشْرُوع أَن يُصَلِّي قبل التَّوْبَة، لَا بعْدهَا، لحَدِيث أبي بكر الصّديق رضي الله عنه 1.

القَوْل الثَّانِي:

أَنَّهَا تصلى بعد التَّوْبَة 2.

القَوْل الثَّالِث:

أَنَّهَا تصلى قبل التَّوْبَة أَو بعْدهَا 3، فَإِن شَاءَ صلاهَا قبل التَّوْبَة وَإِن شَاءَ صلاهَا بعْدهَا 4.

1عارضة الأحوذي 2/197، كشاف القناع 1/443، الرَّوْض الندي ص 59، غَايَة الْمُنْتَهى 1/171، الإحكام شرح أصُول الْأَحْكَام 1/321. وَينظر كَلَام شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية الَّذِي سبق نَقله قَرِيبا. وَقد سبق تَخْرِيج حَدِيث أبي بكر ص (5،6) .

2 الْإِحْسَان بترتيب صَحِيح ابْن حبَان 2/10.

3 نِهَايَة الْمُحْتَاج 2/122، حَاشِيَة قليوبي 1/216، حَاشِيَة الشرواني 2/238.

4 ينظر هوامش الْإِقْنَاع للشربيني 1/101.

ص: 168

التَّرْجِيح:

وَالرَّاجِح من هَذِه الْأَقْوَال هُوَ القَوْل الأول، لقُوَّة دَلِيله، وَلِأَن الْقَوْلَيْنِ الآخرين لَا يعضدهما دَلِيل من كتاب وَلَا سنة، فَحَدِيث أبي بكر الصّديق رضي الله عنه صَرِيح فِي أَن هَذِه الصَّلَاة تُؤَدّى قبل التَّوْبَة، لَا بعْدهَا، حَيْثُ ذكرت فِيهِ الصَّلَاة ثمَّ عطف عَلَيْهَا الاسْتِغْفَار، الَّذِي هُوَ تَوْبَة1، أَو جُزْء من التَّوْبَة2 بِحرف "ثمَّ " الَّذِي يدل على التَّرْتِيب 3.

1مدارج السالكين 1/334،335، وَقَالَ الملا عَليّ الْقَارِي فِي الرقاة 2/187 عِنْد شَرحه لحَدِيث أبي بكر "وَالْمرَاد بالاستغفار التَّوْبَة بالندامة والإقلاع والعزم على أَن لَا يعود إِلَيْهِ أبدا، وأَن يتدارك الْحُقُوق، إِن كَانَت هُنَاكَ"

2 ذكر الشَّوْكَانِيّ فِي فتح الْقَدِير 1/381 أَنه يمْتَنع لُغَة إِطْلَاق التَّوْبَة على الاسْتِغْفَار.

وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية: " الاسْتِغْفَار هُوَ طلب الْمَغْفِرَة، وَهُوَ من جنس الدُّعَاء وَالسُّؤَال، وَهُوَ مقرون بِالتَّوْبَةِ فِي الْغَالِب، ومأمور بِهِ، لَكِن قد يَتُوب الْإِنْسَان وَلَا يَدْعُو، وَقد يَدْعُو وَلَا يَتُوب". ينظر كتاب " ذُو النورين" لشيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية ص 76 جمع وَتَعْلِيق مُحَمَّد مَال الله.

فَيمكن أَن يُقَال: إِن التَّوْبَة تطلق على الاسْتِغْفَار وَمَا يَصْحَبهُ من النَّدَم على فعل الْمعْصِيَة والعزم على عدم الرُّجُوع إِلَى فعلهَا، لما روى الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده 6/264: ثَنَا مُحَمَّد بن يزِيد – يَعْنِي الوَاسِطِيّ – عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة – رضي الله عنها – قَالَت: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَة إِن كنت أَلممْت بذنب فاستغفري الله، فَإِن التَّوْبَة من الذَّنب النَّدَم وَالِاسْتِغْفَار". وَإِسْنَاده صَحِيح، وَرِجَاله رجال الصَّحِيحَيْنِ، عدا مُحَمَّد بن يزِيد، وَهُوَ ثِقَة ثَبت كَمَا فِي التَّقْرِيب. وَصَححهُ الأرنؤوط فِي تَعْلِيقه على الْإِحْسَان 2/378.

3 قَالَ الملا عَليّ قاري فِي مرقاة المفاتيح 2/187 عِنْد شَرحه لحَدِيث أبي بكر: " ثمَّ" فِي الْمَوْضِعَيْنِ لمُجَرّد الْعَطف التعقيبي. أ. هـ.

وَقَالَ ابْن مَالك فِي ألفيته:

وَالْفَاء للتَّرْتِيب باتصال وَثمّ للتَّرْتِيب بانفصال

تنظر الألفية مَعَ شرحها لِابْنِ النَّاظِم ص 205، وَشرح شذور الذَّهَب ص 576، وأوضح المسالك ص 318.

ص: 169

هَذَا كُله فِيمَا يتَعَلَّق بِالتَّوْبَةِ بِاللِّسَانِ، وَهِي المرادة هُنَا عِنْد الْإِطْلَاق، وَالَّتِي هِيَ مُنَاجَاة العَبْد ربه بإعلان النَّدَم على فعل الْمعْصِيَة، والعزم على عدم العودة إِلَيْهَا، وَطلب مغْفرَة الذَّنب الَّذِي ارْتَكَبهُ. أما النَّدَم بِالْقَلْبِ وَالَّذِي هُوَ فِي حد ذَاته تَوْبَة1، أَو ركنها الْأَعْظَم 2، لحَدِيث:"النَّدَم تَوْبَة" 3، فَإِنَّهُ يكون قبل

1 مدارج السالكين 1/311، طرح التثريب 8/238.

2 فتح الْبَارِي 11/103، 104.

3 رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده 5/194، 195، رقم (3568) ، و6/46، رقم (4014، 4016) ، و6/83، رقم (4124) ، وَابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد ص 368، حَدِيث (1044) ، والْحميدِي فِي مُسْنده 1/58، 59، حَدِيث (105)، وَابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه فِي كتاب الدِّيات: من قَالَ: الْقَاتِل تَوْبَة 9/361، 362، وَابْن مَاجَه فِي سنَنه فِي كتاب الزّهْد بَاب ذكر التَّوْبَة 2/1420، حَدِيث (4252) ، والشاشي فِي مُسْنده 1/309، رقم (269) ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير 1/33، وَأَبُو يعلي فِي مُسْند 85/380، حَدِيث (4969) ، وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي كتاب التَّوْبَة والإنابة 4/243 وَصَححهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ، والقضاعي فِي مُسْند الشهَاب 1/42، 43، رقم (13، 14) ، وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية 8/312، وَابْن عدي فِي الْكَامِل 4/1464، وَالْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه: الْآدَاب بَاب من عَاجل كل ذَنْب بِالتَّوْبَةِ مِنْهُ وَسَأَلَ الله الْمَغْفِرَة ص 443. رقم (1190) من طرق عَن عبد الْكَرِيم بن مَالك الْجَزرِي عَن زِيَاد بن أبي مَرْيَم عَن عبد الله بن معقل عَن عبد الله بن مَسْعُود مَرْفُوعا، وَإِسْنَاده جيد، وَقد اخْتلف فِي زِيَاد بن أبي مَرْيَم فَقيل: هُوَ زِيَاد بن الْجراح، وَقيل: هما اثْنَان، وَكِلَاهُمَا ثِقَة. ينظر التَّارِيخ الْكَبِير للْبُخَارِيّ 1/347، الْعِلَل للدارقطني 3 /190 -193، تَهْذِيب التَّهْذِيب 3/384، 385.

وَرَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده 6/45، حَدِيث (4012 تَحْقِيق شَاكر) ، والشاشي فِي مُسْنده 1/311، 312، حَدِيث (272) وَابْن حَاتِم فِي الْعِلَل 2/101، 102، حَدِيث (1797) ، وَالْبَغوِيّ فِي شرح السّنة كتاب الدَّعْوَات بَاب التَّوْبَة 5/91، حَدِيث (1307) وَأَبُو يعلي فِي مُسْنده 9/13، حَدِيث (5080) ، 9/64، حَدِيث (5129) من طرق عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن زِيَاد بن الْجراح عَن عبد الله بن معقل بِهِ.

وَرَوَاهُ ابْن حبَان (كَمَا فِي الْإِحْسَان كتاب الرَّقَائِق بَاب التَّوْبَة 2/379، حَدِيث 614)، وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية 8/251 عَن الْمسيب بن وَاضح حَدثنَا يُوسُف بِهِ أَسْبَاط عَن مَالك بن مغول عَن مَنْصُور عَن خَيْثَمَة عَن ابْن مَسْعُود بِهِ. وَقَالَ أَبُو نعيم:"رَوَاهُ عَن مَالك جمَاعَة". وَإِسْنَاده ضَعِيف، الْمسيب بن وَاضح صَدُوق يُخطئ كثيرا كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِم، ويوسف بن أَسْبَاط ضَعِيف، وخيثمة لم يسمع من ابْن مَسْعُود. ينظر لِسَان الْمِيزَان 6/40، 317، تَهْذِيب التَّهْذِيب 3/179.

وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي تَارِيخ بَغْدَاد 9/405 من طَرِيق حسام بن مصك عَن مَنْصُور بِهِ، وحسام ضَعِيف يكَاد أَن يتْرك كَمَا فِي التَّقْرِيب.

وَرَوَاهُ أَبُو يعلي فِي مُسْنده 9/171 من طَرِيق خَالِد بن الْحَارِث حَدثنَا مَالك بن مغول عَن مَنْصُور عَن خَيْثَمَة عَن رجل عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَإِسْنَاده ضَعِيف لجَهَالَة الرَّاوِي عَن ابْن مَسْعُود.

وَرَوَاهُ ابْن حبَان كَمَا فِي الْإِحْسَان الْموضع السَّابِق، حَدِيث (613) ، وَالْحَاكِم فِي الْموضع السَّابِق من طَرِيق يحي بن أَيُّوب عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك مَرْفُوعا. وَصَححهُ الْحَاكِم، وَتعقبه الذَّهَبِيّ فِي التخليص بقوله:"هَذَا من مَنَاكِير يحي". وَقَالَ ابْن حجر فِي التَّقْرِيب فِي تَرْجَمَة يحي بن أَيُّوب - وَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس الغافقي-: "صَدُوق رُبمَا أَخطَأ ".

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير 22/306، حَدِيث (775) ، وَأَبُو نعيمِ فِي الْحِلْية 10/398 من طَرِيق يحيى ابْن أبي خَالِد عَن ابْن أبي سعيد الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه مَرْفُوعا. ويحي بن أبي خَالِد وَشَيْخه مَجْهُولَانِ. ينظر اللِّسَان 6/252، وَقَالَ السخاوي فِي الْمَقَاصِد الْحَسَنَة ص 152. "سَنَده ضَعِيف " وَينظر السلسلة الضعيفة 2/83.

رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير 1/69، والعقيلي فِي الضُّعَفَاء 4/259 عَن طَرِيق مُورق بن سخيت حَدثنَا أَبُو هِلَال عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَقَالَ الْعقيلِيّ:"مُورق بن سخيت عَن أبي هِلَال الرَّاسِبِي وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ بِهَذَا الْإِسْنَاد"، و"مُورق " لم يوثقه سوى ابْن حبَان، وَقَالَ الذَّهَبِيّ:"فِيهِ جَهَالَة" شَيْخه أَبُو هِلَال صَدُوق فِيهِ لين كَمَا فِي التَّقْرِيب. ينظر الثِّقَات 9/198، وَالْمِيزَان 4/198، والتقريب ص481، وَاللِّسَان 1/111.

وَفِي الْجُمْلَة فَإِن هَذَا الحَدِيث صَحِيح، لاشك فِي صِحَّته، وَقد صَححهُ الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء 4/259، والبوصيري فِي مِصْبَاح الزجاجة 4/248، 2/464، وَالشَّيْخ أَحْمد شَاكر فِي تَعْلِيقه على الْمسند، وَالشَّيْخ مُحَمَّد نَاصِر الدّين فِي صَحِيح سنَن ابْن مَاجَه 2/418، والأرنؤوط فِي تَعْلِيقه على شرح السّنة، وحسين أَسد فِي تَعْلِيقه على مُسْند أبي يعلي.

ص: 170

الصَّلَاة وَبعدهَا، لِأَن الْمُسلم لن يعزم على صَلَاة التَّوْبَة إِلَّا وَقد نَدم قلبه على فعل الْمعْصِيَة، وعزم على الإقلاع عَنْهَا، وَلَا يعْتَبر استغفاره بعد هَذِه الصَّلَاة تَوْبَة إِلَّا إِذا صَحبه نَدم الْقلب، وَإِلَّا كَانَت تَوْبَته غير صَادِقَة 1.

1وَذَلِكَ أَن للتَّوْبَة ثَلَاثَة شُرُوط عَامَّة هِيَ:

1 – الإقلاع عَن الذَّنب.

2 – النَّدَم على مَا فَاتَ.

3 – الْعَزْم على أَلا يعود إِلَى الذَّنب الَّذِي تَابَ مِنْهُ، فَمن لم ينْدَم على فعل الْمعْصِيَة فَذَلِك دَلِيل على رِضَاهُ بِهِ، وإصراره عَلَيْهِ.

ينظر تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ 4/40، 210، 211، و5/90، 280، شرح صَحِيح مُسلم 17/59، مَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِية 7/488، و10/318، 319، و11/319، الْآدَاب الشَّرْعِيَّة 1/84، طرح التثريب 8/238، مدارج السالكين 1/202.

وَينظر فتح الْبَارِي 11/103، 104 فَفِيهِ تَفْصِيل فِي شُرُوط التَّوْبَة.

ص: 171