الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرَّابِع
صفة صَلَاة التَّوْبَة
صَلَاة التَّوْبَة صَلَاة نَافِلَة1 يتَعَيَّن لَهَا جَمِيع الشُّرُوط اللَّازِمَة لصَلَاة النَّافِلَة، وَيجب فِيهَا من الْأَركان والواجبات مَا يجب فِي صَلَاة النَّافِلَة.
وَهِي رَكْعَتَانِ، كَمَا فِي حَدِيث أبي بكر الصّديق- رضي الله عنه 2.
ويشرع للتائب أَن يُصليهَا مُنْفَردا، لِأَنَّهَا من النَّوَافِل الَّتِي لَا تشرع لَهَا صَلَاة الْجَمَاعَة3، وَينْدب لَهَا بعْدهَا أَن يسْتَغْفر الله تَعَالَى، لحَدِيث أبي بكر- رضي الله عنه-4.
وَقَالَ الْغَزالِيّ عِنْد كَلَامه على الْأُمُور الَّتِي إِذا أتبع بهَا الذَّنب كَانَ الْعَفو عَنهُ مرجوا، قَالَ:" أَن تصلي عقيب الذَّنب رَكْعَتَيْنِ ثمَّ تستغفر الله تَعَالَى بعدهمَا سبعين مرّة، وَتقول: سُبْحَانَ الله الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ مائَة مرّة، ثمَّ تَتَصَدَّق بِصَدقَة، ثمَّ تَصُوم يَوْمًا"5.
1 ينظر مَجْمُوع فتاواي ابْن تَيْمِية 23/215، نِهَايَة الْمُحْتَاج 2/122، مُغنِي الْمُحْتَاج 1/225، رد الْمُحْتَار 1/462، الْإِقْنَاع للشربيني 1/101، حَاشِيَة قليوبي 1/216.
2 سبق تَخْرِيجه ص (5،6) .
3 الْمُغنِي 2/529، 553، تحفة الْمُحْتَاج (مطبوع مَعَ حاشيتيه للشربيني وَابْن قَاسم 2/238) ، نِهَايَة الْمُحْتَاج 2/122، الْإِقْنَاع للشربيني 1/101، حَاشِيَة قليوبي 1/216، الدُّرَر السّنيَّة 4/242.
4 وَقد سبق الْكَلَام على مَحل الاسْتِغْفَار بِشَيْء من التَّفْصِيل فِي المبحث الثَّالِث.
5 الْإِحْيَاء:4/49.
وَقَالَ الملا عَليّ الْقَارِي فِي مرقاة المفاتيح 2/188: " وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْمِنْهَاج: إِذا أردْت التَّوْبَة تغسل، واغسل ثِيَابك، وصل مَا كتب الله لَك، ثمَّ ضع وَجهك على الأَرْض فِي مَكَان خَال لَا يراك إِلَّا الله سبحانه وتعالى، ثمَّ اجْعَل التُّرَاب على رَأسك، ومرغ وَجهك الَّذِي هُوَ أعز أعضائك فِي التُّرَاب، بدمع حَار، وقلب حَزِين، وَصَوت عَال، وَاذْكُر ذنوبك وَاحِدًا وَاحِدًا مَا أمكنك، وَلم نَفسك العاصية عَلَيْهَا، ووبخها، وَقل: أما تستحين يَا نفس، أما أَن لَك أَن تتوبي وترجعي، أَلَك طَاقَة بِعَذَاب الله، أَلَك حاجز عَن سخط الله
…
" إِلَخ. وغالب مَا ذكره هُنَا لَا دَلِيل عَلَيْهِ، بل هُوَ من الْبدع الْمُحرمَة.
وَهَذَا القَوْل فِيهِ نظر، فَأصل مَشْرُوعِيَّة الاسْتِغْفَار، وَذكر الله تَعَالَى وَالَّذِي يَشْمَل التَّسْبِيح والتحميد ثَابت فِي هَذَا الْموضع بقوله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} 1، وَإِن كَانَ قد اخْتلف فِي المُرَاد بقوله تَعَالَى فِي هَذِه الْآيَة {ذَكَرُوا اللَّهَ} ، فَقيل: المُرَاد ذكرُوا وَعِيد الله على مَا فعلوا من معصيتهم إِيَّاه، وتذكروا عِقَابه، وَقيل: المُرَاد ذكرُوا الله بِاللِّسَانِ2، وَقيل: المُرَاد: الصَّلَاة3.
وَقد يُقَال: إِن لفظ الْآيَة يعم هَذِه الْأُمُور كلهَا 4.
وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة يدل على مشروعيتها فِي هَذَا الْموضع عُمُوم قَول الله
1 سُورَة آل عمرَان: 135.
2 تَفْسِير ابْن أبىِ حَاتِم 2/552، 553، تَفْسِير الطَّبَرِيّ 7/217، 222، 223، زَاد الْمسير /463، 464، تَفْسِير الْبَغَوِيّ 1/353، تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ 4/210، فتح الْقَدِير للشوكاني1/381.
3 قَالَ الطَّيِّبِيّ فِي شرح الْمشكاة 3/180: أَقُول: {وذَكَرُوا اللَّهَ} يجب أَن يحمل على الصَّلَاة.كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه} ليطابق لفظ الحَدِيث، وَهُوَ قَوْله:" ثمَّ يُصَلِّي ثمَّ يسْتَغْفر الله".أ. هـ.
4 ذكر بعض الْعلمَاء أَن المُرَاد أَن النَّص القرآني إِذا جَاءَ بِلَفْظ عَام يحمل على جَمِيع مَا يَشْمَلهُ هَذَا اللَّفْظ من الْمعَانِي، وَقد سَمِعت شَيخنَا مُحَمَّد بن صَالح بن عثيمين يُقرر هَذِه الْقَاعِدَة فِي مَجْلِسه أَو أَكثر من مجالسه العلمية الْمُبَارَكَة. وَينظر مُقَدّمَة التَّفْسِير لِابْنِ تيميه ص 49، 50، أضواء الْبَيَان 3/124، التَّحْرِير والتنوير 1/93 – 100، الإكسير فِي قَوَاعِد علم التَّفْسِير للطوفي ص 13، مُقَدّمَة جَامع التفاسير للراغب ص 98، وَقَالَ الملا عَليّ الْقَارِي فِي الْمرقاة 2/187، 188: " أَي ذكرُوا عِقَابه. قَالَ الطَّيِّبِيّ: أَو وعيده. وَظَاهر الحَدِيث أَن مَعْنَاهُ: صلوا. لَكِن الْعبْرَة بِعُمُوم اللَّفْظ، لَا بِخُصُوص السَّبَب، فَالْمَعْنى ذكر الله بِنَوْع من أَنْوَاع الذّكر، من ذكر الْعقَاب
…
أَو تَعْظِيم رب الأرباب، أَو بالتسبيح، والتهليل أَو قِرَاءَة الْقُرْآن أَو بِالصَّلَاةِ الَّتِي تجمعها ".
وَثَبت عَن كَعْب بن مَالك رضي الله عنه أَنه قَالَ لما تَابَ الله عَلَيْهِ: "يَا رَسُول الله إنّ من تَوْبَتِي أَن أَنْخَلِع من مَالِي صَدَقَة إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله، قَالَ رَسُول الله: " أمسك عَلَيْك بعض مَالك فَهُوَ خير لَك "، قَالَ: فَإِنِّي أمسك سهمي الَّذِي بِخَيْبَر". مُتَّفق عَلَيْهِ2.
وَثَبت عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "من حلف، فَقَالَ فِي حلفه: "وَاللات والعزّى" فَلْيقل: "لَا إِلَه إِلَّا الله "، وَمن قَالَ لصَاحبه: "تعال أقامرك"3 فليتصدق " مُتَّفق عَلَيْهِ4. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: "فليتصدق بِشَيْء" 5.
1 سُورَة الْبَقَرَة: 271.
2 صَحِيح البُخَارِيّ مَعَ الْفَتْح كتاب الْوَصَايَا بَاب إِذا تصدق أَو وقف بعض رَقِيقه أَو دوابه فَهُوَ جَائِز 5/386، حَدِيث (2757) ، وَكتاب الْمَغَازِي بَاب حَدِيث كَعْب ابْن مَالك 8/11-116، حَدِيث (4418) ، وَكتاب التَّفْسِير بَاب {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} 8/341، 342، حَدِيث (4676)، وصحيح مُسلم مَعَ شَرحه للنووي كتاب التَّوْبَة:17/96، 97.
3 قَالَ شمس الدّين البعلي فِي المطلع على أَبْوَاب الْمقنع ص 256، 257 "الْقمَار مصدر قامر إِذا لعب مَعَه على مَال يَأْخُذهُ الْغَالِب من المغلوب، كَائِنا مَا كَانَ، إِلَّا مَا اسْتثْنِي فِي بَاب السَّبق، يُقَال: قمره يقمره ويقمره، بِضَم الْمِيم وَكسرهَا، عَن صَاحب الْمُحِيط وأقمره، عَن ابْن القطاع وَغَيره".
4 فتح الْبَارِي كتاب التَّفْسِير بَاب: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزَّى} 8/611، حَدِيث (4860) وَكتاب الاسْتِئْذَان بَاب كل لَهو بَاطِل إِذا شغل عَن طَاعَة الله 11/91، حَدِيث (6301) ، وَكتاب الْأَدَب بَاب من لم ير إكفار من قَالَ ذَلِك متأولاً أَو جَاهِلا 10/516، وَكتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور بَاب لَا يحلف بِاللات والعزى وَلَا بالطواغييت 11/536، حَدِيث (6650) .
وصحيح مُسلم كتاب الْأَيْمَان بَاب من حلف بِاللات والعزى فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله 2/1267، حَدِيث (1647) .
5 صَحِيح مُسلم الْموضع السَّابِق 2/1268. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم 11/107: "قَالَ الْعلمَاء: "أَمر بِالصَّدَقَةِ تكفيراً لخطيئته فِي كَلَامه بِهَذِهِ الْمعْصِيَة". قَالَ الْخطابِيّ: "مَعْنَاهُ فليتصدق بِقدر مَا أَمر أَن يقامر بِهِ". وَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث أَنه لَا يخْتَص بذلك الْمِقْدَار، بل يتَصَدَّق بِمَا تيَسّر، مِمَّا ينطبق عَلَيْهِ اسْم الصَّدَقَة، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة معمر الَّتِي ذكرهَا مُسلم:"فليتصدق بِشَيْء" أ. هـ.
وَثَبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: " الصَّدَقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة، كَمَا يُطْفِئ المَاء النَّار"1.
وَكَذَلِكَ عدد الاسْتِغْفَار ورد فِيهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ
1روى عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه بَاب الْأُمَرَاء 11/345، رقم (20719) ، وَأحمد فِي مُسْنده 3/321، 399، (طبع الْمكتب الإسلامي) ، وَالْبَزَّار (كثف الأستار كتاب الْإِمَارَة بَاب الدُّخُول على أهل الظُّلم 2/241، رقم 1609) ، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه (تَرْتِيب ابْن بلبان كتاب الصَّلَاة بَاب فضل الصَّلَوَات الْخمس 5/9، رقم 1723) ، وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي معرفَة الصَّحَابَة 3/379، 380، وَفِي الْفِتَن والملاحم 4/422 من طَرِيق عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لكعب بن عجْرَة:" أَعَاذَك الله يَا كَعْب بن عجْرَة من إِمَارَة السُّفَهَاء"، قَالَ: وَمَا إِمَارَة السُّفَهَاء؟ قَالَ: " أُمَرَاء يكونُونَ بعدِي لَا يهْدُونَ بِهَدي، وَلَا يستثنون بِسنتي، فَمن صدقهم بكذبهم، أَو أعانهم على ظلمهم، فَأُولَئِك لَيْسُوا مني وَلست مِنْهُم، وَلَا يردون عليّ حَوْضِي، وَمن لم يُصدقهُمْ على كذبهمْ، وَلم يُعِنْهُمْ على ظلمهم، فَأُولَئِك مني وَأَنا مِنْهُم، وسيردون عَليّ حَوْضِي، يَا كَعْب بن عجْرَة الصَّوْم جنَّة، وَالصَّدَََقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة، وَالصَّلَاة قرْبَان- أَو قَالَ: برهَان- يَا كَعْب بن عجْرَة إِنَّه لَا يدْخل الْجنَّة لحم نبت من سحت أبدا، النَّار أولى بِهِ، يَا كَعْب بن عجْرَة النَّاس غاديان، فمبتاع نَفسه فمعتقها، أَو بَائِعهَا فموبقها ". وَإِسْنَاده حسن، عبد الله بن عُثْمَان صَدُوق، من رجال مُسلم، وَعبد الرَّحْمَن بن سابط ثِقَة من رجال مُسلم أَيْضا، وَصَححهُ الْحَاكِم، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيّ، وَصَححهُ أَحْمد شَاكر فِي تَعْلِيقه على سنَن التِّرْمِذِيّ 2/514، 515، وَقَالَ الأرنؤوط فِي تَعْلِيقه على صَحِيح ابْن حبَان:"صَحِيح على شَرط مُسلم ".
وَله شَاهد بِنَحْوِهِ من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة بَاب مَا ذكر فِي فضل الصَّلَاة 2/512، 513، حَدِيث (614) ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير 19/105، 106، حَدِيث (212) من طَرِيقين عَن عبيد الله بن مُوسَى حَدثنَا غَالب أَبُو بشر عَن أَيُّوب بن عَائِذ الطَّائِي عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب عَن كَعْب بِهِ. وَإِسْنَاده ضَعِيف. رِجَاله ثِقَات رجال الصَّحِيحَيْنِ، عدا أبي بشر فَهُوَ مَقْبُول، كَمَا فِي التَّقْرِيب، وَقد صَححهُ أَحْمد شَاكر فِي تَعْلِيقه على سنَن التِّرْمِذِيّ وَذكره الشَّيْخ مُحَمَّد نَاصِر الدّين فِي صَحِيح سنَن التِّرْمِذِيّ 1/189.
وروى عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه فِي بَاب الْمَفْرُوض من الْأَعْمَال والنوافل 11/194، رقم (20303) ، والإِمام أَحْمد 5/231 (طبع الْمكتب الإسلامي) ، وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْإِيمَان بَاب مَا جَاءَ فِي حُرْمَة الصَّلَاة 5/11، 12، حَدِيث (2616) ، وَابْن مَاجَه فِي الْفِتَن بَاب كف اللِّسَان فِي الْفِتْنَة 2/1314، 1315، حَدِيث (3973) ، وَالنَّسَائِيّ فِي الْكُبْرَى كَمَا فِي تحفة الْأَشْرَاف 8/399، حَدِيث (11311) وَعبد بن حميد فِي الْمُنْتَخب من الْمسند ص 68، 69، رقم (112) من طَرِيق عَاصِم بن أبي النجُود عَن أبي وَائِل عَن معَاذ قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي سفر- ذكر الحَدِيث بِطُولِهِ – وَفِيه: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: " أَلا أدلك على أَبْوَاب الْخَيْر؟ الصَّوْم جنَّة وَالصَّدَََقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة كَمَا يُطْفِئ المَاء النَّار
…
". وَقد أعل الْحَافِظ ابْن رَجَب هَذَا الْإِسْنَاد بالانقطاع بَين أبي وَائِل ومعاذ، وَأعله بعلة أُخْرَى. ينظر جَامع الْعُلُوم وَالْحكم 2/135.
وَلِهَذَا الحَدِيث – حَدِيث معَاذ رضي الله عنه – طرق أُخْرَى يطول الْكَلَام بذكرها. وَقد صَححهُ بِمَجْمُوع طرقه الشَّيْخ مُحَمَّد نَاصِر الدّين فِي السلسلة الصَّحِيحَة 3/114، 115، حَدِيث (1122) ، وَشُعَيْب الأرنؤوط فِي تَعْلِيقه على جَامع الْعُلُوم وَالْحكم 2/134، وَينظر الزّهْد لوكيع، رقم (30، 286، 109) ، وصحيح سنَن ابْن مَاجَه 2/359.
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالله إِنِّي لأستغفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم أَكثر من سبعين مرّة"1.
وَثَبت عَن الْأَغَر الْمُزنِيّ رضي الله عنه أَنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله:"إِنَّه ليغان 2 على قلبِي، وَإِنِّي لأستغفر الله فِي الْيَوْم مائَة مرّة" رَوَاهُ مُسلم 3.
وَأَيْضًا فعموم قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ
1 صَحِيح البُخَارِيّ مَعَ الْفَتْح كتاب الدَّعْوَات بَاب اسْتِغْفَار النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاللَّيْلَة11/101،حَدِيث (6307) .
وروى أَبُو نعيم فِي حلية الْأَوْلِيَاء فِي تَرْجَمَة الْحجَّاج بن فرافصه 3/109: حَدثنَا أَبُو عَمْرو بن حمدَان، قَالَ: ثَنَا الْحسن بن سُفْيَان، قَالَ: ثَنَا سعيد بن أَشْعَث السمان، قَالَ: ثَنَا الْحَارِث بن عبيد، قَالَ: ثَنَا الْحجَّاج بن فرافصه، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "اسْتَغْفرُوا" قَالَ: "فاستغفرنا". قَالَ: " أكملوا سبعين مرّة " قَالَ: "فأكملنا". قَالَ: "إِنَّه من اسْتغْفر سبعين مرّة غفر لَهُ سَبْعمِائة ذَنْب، وَقد خَابَ وخسر من عمل فِي يَوْم وَلَيْلَة أَكثر من سَبْعمِائة ذَنْب" وَإِسْنَاده ضَعِيف، الْحَارِث بن عبيد مَجْهُول كَمَا فِي التَّقْرِيب، وَالْحجاج صَدُوق يهم كَمَا فِي التَّقْرِيب أَيْضا، وَسَعِيد السمان قَالَ الإِمَام أَحْمد كَمَا فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل 4/5:" مَا أرَاهُ إِلَّا صَدُوقًا "، وَبَاقِي رِجَاله ثِقَات. وَذكر هَذَا الحَدِيث السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِع الصَّغِير ص 151 ورمز لضَعْفه، وَتَبعهُ فِي ذَلِك الْمَنَاوِيّ فِي التَّيْسِير 2/364، وَذكره الشَّيْخ مُحَمَّد نَاصِر الدّين فِي ضَعِيف الْجَامِع 5/121.
2 قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح 11/101: "قَالَ عِيَاض المُرَاد بـ (الْغَيْن) فترات عَن الذّكر الَّذِي شَأْنه أَن يداوم عَلَيْهِ، فَإِذا فتر عَنهُ لأمر مَا عدّ ذَلِك ذَنبا، فَاسْتَغْفر عَنهُ. وَقيل هُوَ شَيْء يعتري الْقلب مِمَّا يَقع من حَدِيث النَّفس، وَقيل: هُوَ السكينَة الَّتِي تغشى قلبه، وَالِاسْتِغْفَار لإِظْهَار الْعُبُودِيَّة لله وَالشُّكْر لما أولاه. وَقيل: هِيَ حَالَة خشيَة وإعظام، وَالِاسْتِغْفَار شكرها " أ. هـ.
3 صَحِيح مُسلم كتاب الذّكر والدُّعَاء وَالتَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار بَاب اسْتِحْبَاب الاسْتِغْفَار والاستكثار مِنْهُ 4/2075، 2076، حَدِيث (2702) .
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} 1 يدل على أَن فعل الْأَعْمَال الصَّالِحَة بعد السَّيئَة يكفرهَا 2.
لَكِن تَقْيِيد التَّسْبِيح والتحميد وَالصِّيَام بِهَذِهِ الْأَعْدَاد لَا دَلِيل عَلَيْهِ، وَهُوَ من الْبدع الْمُحرمَة، لما ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث فِي أمرنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رد"3. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: "من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ رد " 4، وَلما ثَبت فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا خطب احْمَرَّتْ عَيناهُ وَعلا صَوته وَاشْتَدَّ غَضَبه حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذر جَيش يَقُول: صبّحكم ومسّاكم، وَيَقُول: "بعثت أَنا والساعة كهاتين" ويقرن بَين إصبعيه السبابَة وَالْوُسْطَى، وَيَقُول:" أما بعد فَإِن خير الحَدِيث كتاب الله، وَخير الْهَدْي
1 سُورَة هود 114.
2 وَيدل على ذَلِك أَيْضا مَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه 1/209، حَدِيث (233) عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا:"الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة ورمضان إِلَى رَمَضَان مكفّرات مَا بَينهُنَّ إِذا اجْتنبت الْكَبَائِر".
وَفِي الْبَاب أَحَادِيث أُخْرَى يطول الْكَلَام بذكرها، تنظر فِي تَفْسِير الطَّبَرِيّ 15/511 – 526، جَامع الْأُصُول 9/388 – 395، تَفْسِير ابْن كثير 4/285، 289، تَخْرِيج الْأَحَادِيث الْوَاقِعَة فِي تَفْسِير الْكَشَّاف 2/152 – 154، الْكَافِي الشافي ص 87، 88.
وَقَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح 12/134 بعد ذكره القَوْل بِأَن الَّذِي تكفره الصَّلَاة من الذُّنُوب الصَّغَائِر لَا الْكَبَائِر، قَالَ:" هَذَا هُوَ الْأَكْثَر الْأَغْلَب، وَقد تكفر الصَّلَاة بعض الْكَبَائِر، كمن كثر تطوعه مثلا، بِحَيْثُ صلح لِأَن يكفر عددا كثيرا من الصَّغَائِر، وَلم يكن عَلَيْهِ من الصَّغَائِر شَيْء أصلا أَو شَيْء يسير، وَعَلِيهِ كَبِيرَة وَاحِدَة، فَإِنَّهَا تكفر عَنهُ، لِأَن الله لَا يضيع أجر من أحسن عملا ".
3 صَحِيح البُخَارِيّ مَعَ الْفَتْح كتاب الصُّلْح بَاب إِذا اصْطَلحُوا على صلح جور فَالصُّلْح مَرْدُود 5/301، حَدِيث (2697) .
وصحيح مُسلم مَعَ شَرحه للنووي كتاب الْأَقْضِيَة بَاب نقض الْأَحْكَام الْبَاطِلَة 12/16.
4 صَحِيح مُسلم الْموضع السَّابِق.
هدي مُحَمَّد، وَشر الْأُمُور محدثاتها، وكل بِدعَة ضَلَالَة " 1.
وَذكر الملا عَليّ الْقَارِي2 رحمه الله أَنه يقْرَأ فِي هَذِه الصَّلَاة سورتي الْإِخْلَاص، {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، أَو يقْرَأ قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 3، وَقَوله تَعَالَى:{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} 4.
وَالصَّحِيح أَنه لَا يشرع تَخْصِيص هَذِه الصَّلَاة بسور أَو آيَات بِعَينهَا، لِأَنَّهُ لم يرد فِي ذَلِك شَيْء عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
1 صَحِيح مُسلم كتاب الْجُمُعَة بَاب تَخْفيف الصَّلَاة وَالْخطْبَة 2/592، حَدِيث (867) .
2 مرقاة المفاتيح 2/187.
3 سُورَة آل عمرَان: 135.
4 سُورَة النِّسَاء: 110.