الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه السُّنّةِ: صَلاة الجَمَاعَة
للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف
الرخصة في إعادة الجماعة لمن صلاها منفردا:
1-
حديث أبى ذر الغفاري:
قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة، أو قال: يؤخرون الصلاة عن وقتها؟. قلت: ما تأمرني؟. قال: "صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة" 1.
وفي رواية مسلم: عن أبي العالية البراء قال: أخر زياد الصلاة، فأتاني عبد الله بن الصامت، فألقيت له كرسيا فجلس عليه، فذكرت له صنع زياد فعض على شفتيه، وضرب على فخذي، وقال: إني سألت أبا ذر كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك، وقال: إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصلاة لوقتها فما أدركت معهم فصل، ولا تقل إني قد صليت فلا أصلى".
قال النووي: وفيه دليل على أن الإمام إذا أخر الصلاة عن أول وقتها، يستحب للمأموم أن يصليها في أول الوقت منفرداً، ثم يصليها مع الإمام. فيجمع فضيلتي أول الوقت والجماعة.
2-
حديث ميمون الأودي:
قال: قدم علينا معاذ بن جبل اليمن رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلينا، قال: فسمعت تكبيره مع الفجر، رجل أجش الصوت قال: فألقيت عليه محبتي فما فارقته حتى دفنته بالشام ميتا. ثم نظرت إلى أفقه الناس بعده، فأتيت ابن مسعود فلزمته حتى مات. قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بكم "إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ " قلت: فما
1 رواه مسلم: (5/147مع النووي) وأبو داود (1/248مع المنذري) والترمذي (1/524مع التحفة) والنسائي (2/75) وابن ماجه (1/398) كلهم عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر رضي الله عنه.
تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله؟ قال: "صل الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سبحة 1.. سبحة: أي نافلة. أجش الصوت: أي غليظ الصوت بغنة0
وقد روى مثل هذا الأسود، وعلقمة، عن ابن مسعود في سياق أطول من هذا وهو الآتي.
وعمرو بن ميمون الأودي أبو عبد الله، ويقال أبو يحي، مخضرم مشهور وثقه ابن معين، والنسائي.
وهذا الحديث لم أجد من أخرجه غير أبي داود.
3-
حديث ابن مسعود:
قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلكم ستدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها، فان أدركتموه فصلوا الصلاة لوقتها وصلوا معهم، اجعلوها سبحة".
رواه النسائي وابن ماجه 2 من حديث أبي بكر بن عياش عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود. ورواه مسلم 3 من حديث إبراهيم عن الأسود، وعلقمة قالا: أتينا عبد الله بن مسعود في داره في سياق أطول من الحديث المذكور أعلاه.
وأما قول المنذري: أخرج البخاري ومسلم والترمذي من حديث أبي عمرو، سعد ابن إياس الشيباني عن ابن مسعود فهو في سياق آخر.
4-
حديث محجن:
قال: أنه كان في مجلس مع النبي صلي الله عليه وسلم فأذن بالصلاة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ورجع، ومحجن في مجلسه، فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم:"ما منعك أن تصلي مع الناس، ألست برجل مسلم؟ ". قال: بلى يا رسول الله، ولكني قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذ جئت المسجد وكنت قد صليت، فأقيمت الصلاة، فصل مع الناس وإن كنت قد صليت".
1 رواه أبو داود: (1/248) قال المنذري: حسن.
2 النسائي: (2/75) وابن ماجه: (1/398) .
3 مسلم: (5/15-16) .
رواه مالك في الموطأ، والنسائي، وأحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك1، بطرق عن زيد بن أسلم، عن بسر بن محجن، عن أبيه.
قوله: بسر: بضم الموحدة، وسكون المهملة، كذا قال مالك في روايته عن زيد بن أسلم. وقال الثوري عن زيد بن أسلم عن بشر- بكسر الموحدة، وبالشين المعجمة. والصواب ما قاله مالك. نص على ذلك أبو نعيم، وابن عبد البر، وابن حبان، وغيرهم. وهكذا رواه أحمد في مسنده عنه أيضا.
وبسر هذا تابعي مشهور، جزم بذلك البخاري والجمهور، وذكره البغوي وغيره في الصحابة. وأخرجوا من طريق ابن إسحاق، عن عمران بن أبي أنس، عن حنظلة بن علي، عن بسر بن محجن، قال: صليت الظهر في منزلي ثم خرجت بإبل لي لأضربها فمررت برسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يصلي في مسجده
…
الخ. ذكره الحافظ في الإصابة 2، في القسم الرابع وهو خاص بمن ذكر في الصحابة علي سبيل الوهم والغلط. ولذا عقب بعد ذكر الإسناد بقوله: وقد سقط من الإسناد قوله عن أبيه.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح. وقال الذهبي: تفرد عن محجن ابنه. ولكن عرفت أن ابن محجن وهو بسر من التابعين الثقات. فلا يضر تفرده.
5-
حديث يزيد بن الأسود:
قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته انحرف، فإذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟. فقالا: يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا. قال: "فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة".
رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وأبو داود الطيالسي، وأحمد، وابن أبي شيبة، والحاكم 3 بطرق عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه. قال الترمذي حسن صحيح.
1 مالك: (1/405مع الزرقاني) والنسائي (2/112) وأحمد (4/34) والحاكم (1/244)
2 الإصابة (1/181) .
3 أبو داود (1/299) والترمذي (2/3) وأبو داود الطيالسي (1247) وأحمد (4/160) وابن أبي شيبة (2/274) والحاكم (1/244-245) .
ونسب الحافظ في التلخيص1، لابن حبان والدارقطني أيضا، ونقل تصحيحه عن ابن السكن ثم قال: قال الشافعي في القديم: إسناده مجهول. قال البيهقي: لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه، وهو جابر، ولا لابنه جابر راو غير يعلى. إلا أن الحافظ استبعد هذا الطعن. فقال: يعلى بن عطاء من رجال مسلم، وجابر وثقه النسائي وغيره، وقد وجدنا لجابر بن يزيد راويا غير يعلى، أخرجه ابن مندة في المعرفة من طريق بقية، عن إبراهيم بن ذي حماية، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر. انتهى.
أقول: بقية وهو ابن الوليد والمعروف أنه مدلس، إلا أنه صرح بالسماع في رواية الدارقطني 2 عن إبراهيم.
ثم تواتر هذا الحديث عن يعلى بن عطاء. قال الحاكم 3 روي عنه شعبة، وهشام بن حسان، وغيلان بن جامع، وأبو خالد الدالاني، وأبو عوانة، وعبد الملك بن عمير، ومبارك ابن فضالة، وشريك بن عبد الله، وغيرهم، وقد احتج مسلم بيعلى بن عطاء، انتهى. ووافق علي ذلك الذهبي. ويبدو من هذا أن عبد الملك بن عمير روى مرة عن جابر مباشرة، ومرة عن يعلى بن عطاء عن جابر.
وعبد الملك هذا رمى بالاختلاط لكبر سنه لأنه عاش مائة وثلاث سنين. وأخرج له الشيخان من رواية القدماء عنه في الاحتجاج، ومن رواية بعض المتأخرين عنه في المتابعات.
6-
حديث يزيد بن عامر:
قال: جئت والنبي صلي الله عليه وسلم في الصلاة فجلست، ولم أدخل معهم في الصلاة، فانصرف علينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فرأى يزيداً جالساً فقال:"ألم تسلم يا يزيد؟ ". قالت: بلى يا رسول الله قد أسلمت. قال: "فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ ". قال: إني كنت قد صليت في منزلي، وأنا أحسب أن قد صليتم. فقال:" إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة، وهذه مكتوبة"، رواه أبو داود 4.
1 التلخيص: (2/29) .
2 الدارقطني: (1/412) .
3 المستدرك: (1/245) .
(1/300-301) .
قال النووي في الخلاصة: إسناده ضعيف، نقل عنه الحافظ الزيلعي في نصب الراية1، ولم يبين موضع الضعف. وبيّن ذلك الحافظ في التهذيب، فقال: فيه نوح بن صعصعة حجازي جعله الدارقطني مجهولا، لأنه لم يرو عنه سوى سعيد بن السائب الطائفي ولم يوثق. وقال في التقريب: هو مستور.
وقد ذهب البعض إلى أن يزيد بن الأسود، ويزيد بن عامر رجل واحد.
ومنهم من قال: قصة محجن شبيهة بقصة يزيد بن عامر ليتسنى له تضعيف قصة محجن، لأن في قصة يزيد: نوح بن صعصعة ضعيف.
7-
حديث أبي أيوب الأنصاري:
سأل رجل من بني أسد بن خزيمة أبا أيوب الأنصاري، فقال: يصلى أحدنا في منزله الصلاة، ثم يأتي المسجد، وتقام الصلاة، فأصلي معهم، فأجد في نفسي من ذلك شيئا. فقال أبو أيوب: سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "فذلك له سهم جمع". رواه أبو داود مرفوعا، ومالك موقوفا، والبيهقي بوجهين2، قال المنذري: فيه رجل مجهول.
وهو الصواب فإني لم أجد من سمى هذا الرجل من بني أسد بن خزيمة. قوله: سهم جمع: أي يضعف له الأجر فيكون له سهمان منه قاله ابن وهب وقال غيره: جمع هنا أي الجيش كقوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} . قال بن عبد البر: أي له أجر الغازي في سبيل الله. والأول أشبه بالصواب. وقد أوصى المنذر بن الزبير لفلان كذا، ولفلان كذا، ولفلان سهم جمع، فسئل عن ذلك فقال: نصيب رجلين.
هذه الأحاديث تدل علي جواز إعادة الصلاة بالجماعة لمن صلاها في منزله منفردا. وهو أمر متفق لدى جمهور العلماء على سبيل الاختيار والإيثار لإدراك فضيلة الجماعة.
وقد خالفه في ذلك بعض من لا يعتد بقولهم. وكانت حجتهم حديث ابن عمر مرفوعا "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ".
رواه أبو داود، والنسائي، وأحمد، والدارقطني، وابن حبان، وبن أبي شيبة3. كلهم بطرق عن عمرو بن شعيب، عن سليمان بن يسار مولى ميمونة. وسياق الحديث:
(2/150) .
2 أبو داود مع المنذري، الطبعة الباكستانية. (1/ 301) ومالك (1/408) والبيهقي (2/ 300) .
3 أبو داود (1/301) والنسائي (2/114) ، وأحمد (2/ 19، 41) والدا رقطني (1/ 415) ، وابن حبان (موارد الظمآن 121) وابن أبى شيبة (2/276) .
يقول سليمان، أتيت علي ابن عمر وهو بالبلاط، والقوم يصلون في المسجد، قلت ما يمنعك أن تصلي مع الناس، أو القوم؟. قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ".
قال المنذري: وفي إسناده عمرو بن شعيب، وقد تقدم الكلام عليه، وهو محمول على صلاة الاختيار، دون ماله سبب، كالرجل يصلي ثم يدرك جماعة فيصلي معهم. وقد كان صلى ليدرك فضيلة الجماعة، جمعا بين الأحاديث.
أقول: إن النقاد اتفقوا على أن عمرو بن شعيب إذا حدث عن سعيد بن المسيب، أو سليمان بن يسار مولى ميمونة، أو عروة، فهو ثقة عن هؤلاء. نص على ذلك إسحاق بن منصور، ويحي بن معين وغيرهما.
وقال ابن حبان: عمرو بن شعيب في نفسه ثقة يحتج بخبره إذا روى عن غير أبيه1. وقد صحح النووي إسناد هذا الحديث وذكروا عدة تأويلات، منها:
(1)
المنع من أداء الصلاة مرتين اختيارا من غير سبب.
(2)
المنع لمن صلى الفرض مرتين بنية الفرض. وهو تأويل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، فإنهما قالا: أن يصلى الرجل صلاة مكتوبة عليه، ثم يقوم بعد الفراغ منها فيعيدها علي جهة الفرض، وأما من صلى الثانية مع الجماعة علي أنها نافلة اقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم في أمره بذلك فليس ذلك من إعادة الصلاة في يوم مرتين، لأن الأولى فريضة، والثانية نافلة فلا إعادة حينئذ. كذا نقل الشيخ عبيد الله المباركفوري2.
(3)
يحمل حديث ابن عمر على من صلى بالجماعة في المرة الأولى، والأحاديث الأخرى على من صلى منفردا. والحمل على هذا واجب لما روى مالك في الموطأ3 عن نافع عن ابن عمر أن رجلا سأله فقال: إني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة مع الإمام فأصلي معه؟. قال: نعم. قال: فأيهما أجعل صلاتي؟. قال ابن عمر: ليس ذلك إليك إنما ذلك إلى الله.
1 انظر تهذيب التهذيب (8/ 49) ونصب الراية (2/148) .
2 انظر المرعاة: (2/ 140) .
3 الموطأ: (1/406) .