الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: أي الصلاتين تكون مكتوبة
؟.
القول الأول: أن الأولى هي المكتوبة. وبه قال الجمهور من الفقهاء وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، وأظهر القولين عند الشافعي كما نص على ذلك الإمام النووي في روضة الطالبين 1 وشرح المهذب 2 وشرح مسلم 3 وذكر أقوال العلماء الشَافعية في هذه المسألة عند شرحه لحديث أبي ذر في صحيح مسلم 4 فبلغت أربعة وهي: أن الفرض هي الأولى للحديث ولأن الخطاب سقط بها، والثاني: أن الفرض أكملها، والثالث كلاهما فرض، والرابع الفرض أحدهما علي الإيهام، يحتسب الله تعالى بأيهما شاء وأما الحنفية فلا خلاف عندهم في فرضية الأولى ولذا وقع الخلاف في إعادة صلاتي العصر والفجر لأجل النهي عن التطوع بعدهما.
واستدل هؤلاء بالأحاديث التي مر ذكرها وهي حديث أبي ذر، وأبي مسعود، ويزيد ابن الأسود، ومحجن الدئلي وغيرها. لأنه وقع التصريح في هذه الأحاديث بأن الثانية تكون نافلة.
قال ابن قدامة: ولأن الأولى وقعت فريضة، وأسقطت الفرض، بدليل أنها لا تجب ثانيا، وإذا برئت الذمة بالأولى، استحال كون الثانية فريضة، وجعل الأولى نافلة. قال حماد، وقال إبراهيم: إذا نوى الرجل صلاة، وكتبتها الملائكة فمن يستطيع أن يحولها فما صلى بعدها فهو تطوع 5.
القول الثاني: الثانية هي مكتوبة، إذا صلى الأولي فرادي. وهو قول الشافعي في القديم. واستدل له بحديث يزيد بن عامر الذي وقع فيه التصريح بأن الثانية مكتوبة.
يجاب عن هذا بان حديث يزيد بن عامر ضعيف وسبق بيان ذلك والشيخ الألباني صحح هذا الحديث في حاشية المشكاة 6 مع وجود رجل مستور فيه، وهو نوح بن صعصعة. وحديث يزيد بن الأسود أولى منه وأثبت.
1 روضة الطالبين: (1/344) .
2 شرح المهذب: (4/123) .
3 شرح مسلم: (4/16) .
4 شرح مسلم: (5/148) .
5 انظر المغني: (2/94) .
6 المشكاة: (1/364) .
وحاول الشيخ الشوكاني الجمع بين الحديثين فقال في نيل الأوطار 1: " وعلي فرض صلاحية حديث يزيد بن عامر للاحتجاج به، فالجمع بينه وبين حديث الباب ممكن، بحمل حديث الباب على من صلى الصلاة الأولى في جماعة، وحمل هذا على من صلى منفردا كما هو الظاهر من سياق الحديثين".
إلا أنه جمع بعيد فإن من صلى الأولى منفردا بنية الفرض كيف تنقلب إلي النافلة وقد انتهى منها.
ثم يجب أن ينتهي هذا الخلاف فإن الحديث ضعيف والقول الراجح عند الشافعي هو أن الأولى هي المكتوبة.
الثالث: التفويض إلى الله سبحانه وتعالى في قبول ما شاء من الصلاتين. وهو المشهور من مذهب المالكية. واستدل هؤلاء بأثر ابن عمر- رضي الله عنه رواه مالك في الموطأ 2 عن نافع، أن رجلا سأل عبد الله بن عمر: فقال: إني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلي معه؟. فقال عبد الله بن عمر: نعم، فقال الرجل: أيهما أجعل صلاتي؟. فقَال له ابن عمر: أو ذاك إليك؟. إنما ذلك إلى الله يجعل أيهما شاء.
وذكر الزرقاني: روى ابن أبي ذئب، عن نافع، أن ابن عمر قال: إن صلاته هي الأولى. وقوله هذا مخالف لرواية مالك. فكأن ابن عمر شك في أول الأمر، ثم بان له أن الأولى هي الفرض فرجع من شكه إلي اليقين، ولا يقال عكس هذا. فمن المحال أن يرجع إنسان من اليقين إلى الشك. إلا أن المذهب المختار عندهم هو هذا. قال ابن عبد البر: حسب النظر الفقهي الدنيوي الفريضة هي الصلاة الأولى، وأما باعتبار الأخرى فالأمر مفوض إلى الله تعالى- ولهذا لا يجوز لمن صلى في بيته ثم أتى المسجد، فأقيمت الصلاة أن يتقدمهم لأنه لا يدري أيتهما صلاته.
وهذا هو مذهب المدونة وعليه العلماء المالكية راجع التفاصيل في حاشية الدسوقي 3
1 نيل الأوطار: (3/ 114) .
2 الموطأ: (1/406) .
3 حاشية الدسوقي: (2/297-298) .