الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد هذه الدراسة المستفيضة لا يشك أحد في أن الفرض هو الأولى وتقع الثانية نافلة. والله تعالى أعلم بالصواب.
الخامس:
حضور النساء في الجماعة:
لا خلاف بين العلماء بأن حضور النساء وشهودهن الجماعة ليس فرضا لما صح من الآثار بأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن في حجرهن ولا يخرجن إلى المسجد.
واختلفوا في أي الأمرين يكون أفضل لهن أصلاتهن في بيوتهن، أم في المساجد في الجماعات؟.
القول الأول: أن الأفضل حضورهن في الجماعات في المساجد بناء على عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة". وهو مذهب أهل الظاهر. قال الإمام ابن حزم: وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه النساء من غيرهن 1.
وقد قال قبل هذا: فإن استأذن الحرائر، أو الإماء، بعولتهن أو ساداتهن في حضور الصلاة في المسجد ففرض عليهم الإذن لهن، ولا يخرجن إلا تفلات غير متطيبات ولا متزينات فإن تطيبن أو تزين لذلك، فلا صلاة لهن، ومنعهن حينئذ فرض 2.
القول الثاني: إن صلاتهن في البيت أفضل وهو مذهب الجمهور من الفقهاء. وقد وردت في ذلك عدة أحاديث منها:
(1)
"إذا استأذن نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن". (رواه الجماعة إلا ابن ماجة عن ابن عمر)، وفي لفظ عند أحمد وأبي داود:" لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلي المسجد وبيوتهن خير لهن " هذه الزيادة أخرجها أيضا ابن خزيمة في صحيحه.
(2)
عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خير مساجد النساء قعر بيوتهن". رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني في الكبير وفيه: ابن لهيعه وفيه كلام 3.
(3)
عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله إني أحب الصلاة معك". قال: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير
1 المحلى: (4/277) .
2 المحلى: (4/265) .
3 انظر مجمع الزوائد: (2/32) .
من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي". قالت:" فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل". رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سويد الأنصاري وثقه ابن حبان.
(4)
حديث ابن مسعود: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها". رواه أبو داود، وسكت عليه المنذري، قال النووي إسناده علي شرط مسلم 1. المخدع: البيت الصغير داخل البيت الكبير.
هذه هي بعض الأحاديث التي رويت في هذا الموضوع وقد ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد الأحاديث الأخرى والآثار من الصحابة.
استدل جمهور الفقهاء بهذه الأحاديث بأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد إلا أنه لم يكره أحد العلماء حضورهن الصلوات بالجماعات لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن للنساء في الحضور في صلاة الجماعة. وكانت النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يحضرن الجماعة.
وقد استدل الإمام البخاري بحديث عائشة: اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشاء حتى ناداه عمر: قد نام النساء والصبيان
…
كانوا حضورا في المسجد وبوب على هذا الحديث بقوله: باب خروج النساء إلي المسجد بالليل والغلس.
وقال العلماء إنهن إذا طلبن الإذن من أزواجهن للخروج إلى المسجد فعلى الأزواج أن لا يمنعوهن، وقد شدد البعض فقال يجب عليهن إذنهن للخروج وهو مخالف للنص وإلا لا معنى للإذن إذا. إلا أنههم شرطوا أن لا يخرجن متطيبات فعلى الرجال أن يمنعوا النساء إذا خرجن متطيبات.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة". رواه مسلم وأبو داود والنسائي وأحمد 2.
1 انظر شرح المهذب: (4/83) .
2 مسلم: طبعة فؤاد (1/328) وأبو داود (4/402) والنسائي (8/154) وأحمد (2/304) .
وقد أحدثت النساء في زمن عائشة- رضي الله عنها ما أزعجته، فقالت:" لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثت النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل". رواه الشيخان. قال الحافظ ابن حجر: وتمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقا وفيه نظر. إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم إنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته فقالت:" لو رأى لمنع"، فيقال عليه: لم ير، ولم يمنع، وإن كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع. وقال: وأيضا فالأحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فان تعين المنع فليكن لمن أحدثت 1.
قال الشوكاني: وقد حصل من الأحاديث المذكورة في هذا الباب أن الإذن للنساء من الرجال إلي المساجد إذا لم يكن في خروجهن ما يدعو إلي الفتنة من طيب أو حلى أو أي زينة واجب علي الرجال، وأنه لا يجب مع ما يدعو إلي ذلك ولا يجوز، ويحرم عليهن الخروج لقوله:"فلا تشهدن " وصلاتهن على كل حال في بيوتهن أفضل من صلاتهن في المساجد.2
وقوله: واجب علي كل الرجال فيه نظر لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ". نهي تنزيه لأن حق الزوج في ملازمة المسكن واجب فلا تتركه للأفضلية. قال به النووي 3. والحمد لله رب العالمين.
1 انظر فتح الباري: (2/350) .
2 انظر نيل الأوطار: (3/162) .
3 انظر شرح المهذب: (4/83) .