المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مذاهب العلماء في الصلوات التي تجوز إعادتها: - صلاة الجماعة - جـ ٦١

[محمد ضياء الرحمن الأعظمي]

الفصل: ‌مذاهب العلماء في الصلوات التي تجوز إعادتها:

قال البيهقي: فهذا يدل على أن ما رواه عنه سليمان محمول على ما إذا صليت في جماعة1، وقال السيوطي: وإلى هذا التأويل أشار المصنف (أي النسائي) في الترجمة (وهي سقوط الصلاة عمن صلى مع الإمام في المسجد جماعة) وبوب أبو داود بلفظ: إذا صلى جماعة، ثم أدرك جماعة هل يعيد الصلاة؟

فكأن ابن عمر خص النهي الوارد في حديثه لمن صلى الأولى بالجماعة فلا يعيد، وأما من صلى الأولى منفردا فلا حرج في إعادتها بالجماعة.

1 انظر التلخيص للحافظ (2/29) ، وزهر الربى للسيوطي (2/144مع سنن النسائي) .

ص: 53

‌مذاهب العلماء في الصلوات التي تجوز إعادتها:

الأول: تجوز إعادة الصلوات الخمس:

وبه قال الشافعي وأحمد، واستدلوا في ذلك بعموم الأحاديث الواردة في الباب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صلى أحدكم في رحله، ثم أدرك الإمام فليصل معه". فلم يستثن صلاة دون صلاة. وكذلك الصلوات التي لها سبب لا يدخل فيها الكراهة.

قال النووي في شرح مسلم2 معلقا على حديث أبي ذر:"وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإعادة الصبح والعصر والمغرب كباقي الصلوات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الأمر بإعادة الصلاة، ولم يفرق بين صلاة، وصلاة. وهذا هو الصحيح في مذهبنا. ثم قال: ولنا وجه أنه لا يعيد الصبح والعصر لأن الثانية نفل، ولا تنفل بعدهما، ووجه أنه لا يعيد المغرب لئلا تصير شفعا وهو ضعيف".

وقال في شرح المهذب:3 وفي وجه شاذ يعيد الظهر والعشاء فقط "ثم قال:" لما والمذهب استحباب الإعادة مطلقا. ومن صرح بتصحيحه الشيخ أبو حامد، ونقل أنه ظاهر نصه في الجديد، والقديم، وصححه أيضا القاضي أبو الطيب، والبندنيجي، والماوردي، والمحاملي، وابن الصباغ، والبغوي، وخلائق كثيرون لا يحصون، ونقله الرافعي عن الجمهور: هذا هو المذهب الصحيح عند الشافعي وينبغي ذكر هذا الرأي عند الإطلاق. وأما أحمد فقد قال ابن قدامة عنه في المغني4: إن من صلى فرضه ثم أدرك تلك الصلاة في

2 شرح النووي: (5/148) .

3 شرح المهذب: (4/121) .

4 المغني (2/92) .

ص: 53

جماعة استحب له إعادتها، أي صلاة كانت بشرط أن تقام وهو في المسجد، أو يدخل المسجد وهم يصلون وهذا قول الحسن والشافعي وأبي ثور.

وسئل الإمام أحمد عن إعادة المغرب: فقال: نعم إلا أنه يشفع. ونقل ابن قدامة عن الشافعي مثله ودليله في ذلك ما رواه صلة، عن حذيفة أنه لما أعاد المغرب قال: ذهبت أقوم في الثالثة فأجلسني. (وهذا يحتمل أنه أمره بالاقتصار على ركعتين لتكون شفعا، ويحتمل أنه أمره بالصلاة مثل صلاة الإمام) .

ثم قال ابن قدامة:"إن هذه الصلاة نافلة، ولا يشرع التنفل بوتر، فكان زيادة ركعة أولى من نقصانها لئلا يفارق إمامه قبل إتمام صلاته " انتهى.

أقول: هذا الأثر أخرجه عبد الرزاق في المصنف1 وابن أبي شيبة2 عن الثوري عن جابر، عن سعيد بن عبيد، عن صلة بن زفر العبسي.

وجابر هذا هو ابن يزيد بن الحارث الجعفي. وقال الحافظ: ضعيف، وصلة بن زفر من الثقات.

وروى ابن أبي شيبة أيضا عن علي أنه قال: يشفع بركعة يعني إذا أعاد المغرب3. وفيه: الحارث الأعور وهو كذاب.

وذكر بعض الآثار الأخرى من التابعين وأتباعهم.

الثاني: يكره المغرب فقط وهو قول الإمام مالك:

واستدل في ذلك بأثر ابن عمر، رواه عن نافع عنه قال: من صلى المغرب، أو الصبح، ثم أدركها مع الإمام فلا يعد لهما4 ورواه5 عن ابن جريح عن نافع. ثم قال مالك في الموطأ أيضا:"ولا أري بأسا أن يصلى مع الإمام من كان يصلي في بيته إلا صلاة المغرب فإنه إذا أعادها كانت شفعا" انتهى.

1 مصنف عبد الرزاق: (2/ 422) .

2 ابن أبي شيبة: (2/276) .

3 المصدر السابق.

4 الموطأ: (1/408) .

5 مصنف عبد الرزاق: (2/422) .

ص: 54

وقد علل محمد بن الحسن عدم إعادة المغرب بأن الإعادة نافلة، ولا تكون النافلة وترا.

قال ابن عبد البر: هذه العلة أحسن من تعليل مالك.

وكان أبو قلابة أيضا يكره إعادة المغرب. ذكره عبد الرزاق في المصنف. وأما ابن قدامة فنقل عن مالك إعادة المغرب إن صلى وحده، وعدم الإعادة إذا صلاها بالجماعة.

وهذا يخالف ما رواه الأئمة المالكية. ففي المدونة1 " إذا دخل الرجل المسجد، وقد صلى وحده في بيته فليصل مع الناس إلا المغرب فإنه إن كان قد صلاها ثم دخل المسجد فأقام المؤذن صلاة المغرب فليخرج " ومثله في حاشية الدسوقي 2 وفي شرح الزرقاني على الموطأ 3.

الثالث: لا يعيد من الصلوات إلا الظهر والعشاء:

وهو رأي الإمام أبي حنيفة وصاحبيه. والضابط في ذلك ما ذكره الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار 4 " كل صلاة يجوز التطوع بعدها فلا بأس من إعادَتها على أنها نافلة له، غير المغرب، لأنها إن أعيدت كانت تطوعا، والتطوع لا يكون وترا، إنما يكون شفعا". ثم قال: واحتجوا في ذلك بما تواترت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. ثم قال: وهذه ناسخة (لأحاديث الباب) .

واستدل الشيخ ابن الهمام في شرح فتح القدير 5 بحديث رواه الدارقطني عن ابن عمر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صليت في أهلك، ثم أدركت الصلاة فصلها إلا الفجر والمغرب ".

قال عبد الحق: تفرد برفعه سهل بن صالح الأنطاكي وكان ثقة. وإذا كان كذلك فلا يضر وقف من وقفه لأن زيادة الثقة مقبولة. وإذا ثبت هذا فلا يخفى وجه تعليل إخراجه الفجر، بما يلحق به العصر. انتهى كلامه.

1 المدونة: (1/ 87) .

2 حاشية الدسوقي: (1/ 296) .

3 شرخ الزرقاني: (1/408)

4 شرح معاني الآثار: (1/ 364) .

5 شرح فتح القدير: (1/337) .

ص: 55

ولم أجد هذا الحديث في سنن الدارقطني في مظانه، وكذلك لم أقف على من رفعه في الكتب، وقد سبق ذكره موقوفا على ابن عمر عند مالك.

ثم ظفرت بكلام الشيخ عبيد الله المباركفوري في المرعاة 1 أنه نسب الوهم إلى الملا علي القاري في المرقاة لأنه أيضا ممن نسب هذا الحديث إلى الدارقطني مرفوعا ونص المباركفوري: " لم أجد هذا الحديث في سنن الدارقطني لا مرفوعا، ولا موقوفا، والظاهر أنه من وهم القاري ".

وأما سهل بن صالح الأنطاكي هذا فهو أبو سعيد البزار قال فيه أبو حاتم: ثقة، وقال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما أخطأ.

وأما صلاة المغرب: ففي الهداية " في ظاهر الرواية التنفل بالثلاث مكروه، وفي جعلها أربعا مخالفا لإمامه (قال الشيخ ابن همام) احتراز عما روي عن أبي يوسف أنه يدخل معه ويتمها أربعا ".

وحديث يزيد بن الأسود متأخر عن أحاديث النهي عن الصلوات في الأوقات المكروهة بالتأكيد، لوقوعه في حجة الوداع، ثم فيه نص صريح بصلاة الصبح.

قال الخطابي: " وظاهر الحديث حجة على جماعة من منع عن شيء من الصلوات كلها، ألا تراه يقول: " إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام فليصل معه" ". ولم يستثن صلاة دون صلاة. ثم قال: فأما نهيه صلى الله عليه وسلم بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب، فقد تأولوه على وجهين:

أحدهما: أن ذلك على معني إنشاء الصلاة ابتداء من غير مناسب، فأما إذا كان لها سبب مثل أن يصادف قوما يصلون جماعة، فإنه يعيدها معهم ليحرز الفضيلة.

والوجه الآخر: أنه منسوخ، وذلك أن حديث يزيد بن الأسود متأخر لأن في قصته أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع. وفي قوله صلى الله عليه وسلم "أنها نافلة" دليل على صلاة التطوع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس إذا كان لها سبب. انتهى2.

1 المرعاة: (2/120) .

2معالم السنن مع مختصر المنذري: (1/300) من الطبعة الباكستانية.

ص: 56

وقال السندي معلقا على حديث جابر بن يزيد بن الأسود في حاشية النسائي 1 " هذا تصريح في عموم الحكم في أوقات الكراهة أيضا، ومانع عن تخصيص الحكم بغير أوقات الكراهة لاتفاقهم علي أنه لا يصح استثناء المورد من العموم، والمورد صلاة الفجر ". وقال: " ولا يمكن أن يتوهم نسخ هذا الحكم لكون ذلك في حجة الوداع ".

وقد زعم بعض العلماء أن في حديث يزيد بن الأسود اضطرابا لا يصلح أن يكون حجة في الباب وملخص قوله: أنه ورد في كتابي الآثار لمحمد وأبي يوسف، وفي كتابي البدائع والمبسوط وغيرهما أن تلك الحادثة كانت في صلاة الظهر.

ولكن الذي يبدو من دراسة هذه الأحاديث أن القصة التي وقعت في صلاة الظهر هي قصة بسر بن محجن الدئلي كما في بعض الروايات. فقد روى الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار 2 بطريق ابن أبي داود قال: ثنا يحيى بن صالح الوُحَاظِي قال: ثنا سليمان بن بلال قال ثنا زيد بن أسلم، عن بسر بن محجن الدئلي عن أبيه قال: صليت في بيتي الظهر والعصر. الخ.

وروي أحمد في مسنده 3 بسياق آخر قال ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال حدثني عمران بن أبي أنس، عن حنظلة بن علي الأسلمي، عن رجل من بني الديل قال: صليت الظهر في بيتي، ثم خرجت بأباعر لي لأصدرها، إلي الراعي، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس الظهر، فمضيت فلم أصل معه، فلما أصدرت أباعري، ورجعت ذكر ذلك لرسول الله (صلي الله عليه وسلم) فقال لي: ما منعك يا فلان أن تصلي معنا حين مررت بنا. قال: فقلت يارسول الله إني كنت قد صليت في بيتي. قال: وإن.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد، رواه أحمد ورجاله موثقون 4.

وأما من اعتذر عن إعادة صلاة المغرب بحجة أنها تطوع، والتطوع لا يكون وترا. فيجاب أن صلاة الوتر من باب التطوع وهو نظير في الموضوع. والشارع لم يخصص شيئا من عموم قوله فتخصيص شيء بالقياس بدون حاجة لا يجوز والله تعالى أعلم بالصواب.

1 النسائي: (2/113) .

2 شرح معاني الآثار: (1/363) .

3 أحمد: (4/215) .

4 مجمع الزوائد: (2/44) .

ص: 57