المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل الرابع تمثل الشياطين أحياناً تأتي الشياطين لا بطريق الوسوسة؛ بل تتراءى - عالم الجن والشياطين

[عمر سليمان الأشقر]

الفصل: ‌ ‌الفصل الرابع تمثل الشياطين أحياناً تأتي الشياطين لا بطريق الوسوسة؛ بل تتراءى

‌الفصل الرابع

تمثل الشياطين

أحياناً تأتي الشياطين لا بطريق الوسوسة؛ بل تتراءى له في صورة إنسان، وقد يسمع الصوت، ولا يرى الجسم، وقد تتشكل بصور غريبة

وهي أحياناً تأتي الناس وتعرفهم بأنها من الجن، وفي بعض الأحيان تكذب في قولها، فتزعم أنها من الملائكة، وأحياناً تسمي نفسها برجال الغيب، أو تدعي أنها من عالم الأرواح....

وهي في كل ذلك تحدث بعض الناس، وتخبرهم بالكلام المباشر، أو بوساطة شخص منهم يسمى الوسيط، تتلبس وتتحدث على لسانه، وقد تكون الإجابة بوساطة الكتابة

وقد تقوم بأكثر من ذلك، فتحمل الإنسان، وتطير به في الهواء، وتنقله من مكان إلى مكان، وقد تأتي له بأشياء يطلبها، ولكنها لا تفعل هذا إلا بالضالين، الذين يكفرون بالله ربّ الأرض والسماوات، أو يفعلون المنكرات والموبقات....

وقد يتظاهر هؤلاء بالصلاح والتقوى، ولكنهم في حقيقة أمرهم من أضلّ الناس وأفسقهم، وقد ذكر القدامى والمحدثون من هذا شيئاً كثيراً، لا مجال لتكذيبه والطعن فيه؛ لبلوغه مبلغ التواتر.

فمن ذلك ما ذكره ابن تيمية عن الحلاج قال: " وكان صاحب سيمياء وشياطين تخدمه أحياناً، كانوا معه (بعض أتباعه) على جبل أبي قبيس، فطلبوا منه حلاوة، فذهب إلى مكان قريب، وجاء بصحن حلوى، فكشفوا الأمر فوجدوا ذلك قد سرق من دكان حلاوي باليمن، حمله شيطان تلك البقعة ".

ص: 93

قال: " ومثل هذا يحدث كثيراً لغير الحلاج ممن له حال شيطاني، ونح نعرف كثيراً من هؤلاء في زمننا وغير زمننا، مثل شخص هو الآن (في زمن ابن تيمية) بدمشق، كان الشيطان يحمله من جبل الصالحية إلى قرية حول دمشق، فيجيء من الهواء إلى طاقة البيت، فيدخل وهم يرونه، ويجيء بالليل على باب الصغير (باب من أبواب دمشق الستة التي كانت يومئذ) ، فيعبر منه هو ورفيقه، وهو من أفجر الناس.

وآخر كان بالشوبك (قلعة حصينة في أطراف الشام) من قرية يقال لها: الشاهدة، يطير في الهواء إلى رأس الجبل والناس يرونه، وكان شيطان يحمله، وكان يقطع الطريق.

وأكثرهم شيوخ الشرّ، يقال لأحدهم:(البوشي أبي المجيب) ينصبون له خركاه في ليلة مظلمة، ويصنعون خبزاً على سبيل القربات، فلا يذكرون الله، ولا كتاب فيه ذكر الله، ثم يصعد ذلك البوشي في الهواء وهم يرونه، ويسمعون خطابه للشيطان، وخطاب الشيطان له. ومن ضحك أو سرق من الخبز ضربه الدف، ولا يرون من يضرب به.

ثم إن الشيطان يخبرهم ببعض ما يسألونه عنه، ويأمرهم بأن يقربوا له بقراً وخيلاً وغير ذلك، وأن يخنقوها خنقاً، ولا يذكرون اسم الله عليها، فإذا فعلوا قضى حاجتهم ".

ويذكر ابن تيمية أيضاً عن " شيخ أخبر عن نفسه أنه كان يزني بالنساء ويتلوط الصبيان، وكان يقول: يأتيني كلب أسود بين عينيه نكتتان بيضاوان، فيقول لي: فلان ابن فلان نذر لك نذراً، وغداً نأتيك به، فيصبح ذلك الشخص يأتيه بذلك النذر، ويكاشفه هذا الشيخ الكافر ".

ويذكر عن هذا الشيخ أنه قال: " وكنت إذا طلب مني تغيير مثل (اللادن)

ص: 94

(صمغ يستعمل عطراً ودواء) أقول: حتى أغيب عن عقلي، وإذا باللادن في يدي أو في فمي، وأنا لا أدري من وضعه.

قال: وكنت أمشي وبين يدي عمود أسود عليه نور.

قال: فلما تاب هذا الشيخ، وصار يصلي ويصوم، ويجتنب المحارم، ذهب الكلب، وذهب التغيير، فلا يأتي باللادن ولا غيره.

ويحكى عن شيخ آخر كان له شياطين يرسلهم يصرعون بعض الناس، فيأتي أهل ذلك المصروع إلى الشيخ يطلبون إبراءَه، فيرسل إلى أتباعه، فيفارقون ذلك المصروع، ويعطون الشيخ دراهم كثيرة، وكان أحياناً تأتيه الجن بدراهم وطعام تسرقه من الناس، حتى إن بعض الناس كان له تين في كوارة، فيطلب الشيخ من شياطينه تيناً فيحضرونه له، فيطلب أصحاب الكوارة التين، فيجدونه قد ذهب.

ويذكر عن آخر أنه كان مشتغلاً بالعلم فجاءَته الشياطين وأغوته، وقالوا له: نحن نسقط عنك الصلاة، ونحضر لك ما تريد، فكانوا يأتونه بالحلوى، حتى حضر عند بعض الشيوخ العارفين بالسنة فاستتابه، وأعطى أهل الحلاوة ثمن حلاوتهم التي أكلها ذلك المفتون بالشيطان " (1) .

وبين شيخ الإسلام بعض طرق الشيطان في الإغواء، فقال (2) : " أنا أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع، وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها، وأعرف من يخاطبهم الشجر والحجر، وتقول: هنيئاً لك يا ولي الله، فيقرأ آية الكرسي فيذهب ذلك، وأعرف من يقصد صيد الطير، فتخاطبه العصافير وغيرها، وتقول: خذني حتى يأكلني الفقراء، ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنسان ويخاطبه بذلك.

ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق، فيرى نفسه خارجه، وهو لم يفتح، وبالعكس،

(1) جامع الرسائل لابن تيمية: ص190-194.

(2)

مجموع الفتاوى: 11/300.

ص: 95

وكذلك في أبواب المدينة، وتكون الجن قد أدخلته وأخرجته بسرعة يتصورون بصورة صاحبه، فإذا قرأ آية الكرسي مرة بعد مرة ذهب ذلك كله ".

ويقول رحمه الله: " وأعرف من يخاطبه مخاطب ويقول له: أنا من أمر الله، ويعده بأنه المهدي الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويظهر له الخوارق، مثل أن يخطر بقلبه تصرف في الطير والجراد في الهواء، فإذا خطر بقلبه ذهاب الطير أو الجراد يميناً أو شمالاً ذهب حيث أراد، وإذا خطر بقلبه قيام بعض المواشي، أو نومه، أو ذهابه، حصل له ما أراد من غير حركة منه في الظاهر، وتحمله إلى مكة وتأتي به، وتأتيه بأشخاص في صورة جميلة، وتقول له: هؤلاء الملائكة الكروبيون جاؤوا لزيارتك، فيقول في نفسه: كيف تصوروا بصورة المردان؟ ! فيرفع رأسه فيجدهم بلحى، ويقولون له: علامة أنك المهدي أنك تنبت في جسدك شامة، فتنبت ويراها، وغير ذلك، وكله من مكر الشيطان "(1) .

وبين رحمه الله " أن أهل الضلال والبدع الذين فيهم زهد وعبادة على غير الوجه الشرعي، ولهم أحياناً مكاشفات وتأثيرات، يأوون كثيراً إلى مواضع الشياطين التي نُهي عن الصلاة فيها؛ لأن الشياطين تتنزل عليهم بها، وتخاطبهم الشياطين ببعض الأمور كما تخاطب الكهان، وكما كانت تدخل في الأصنام، وتكلم عابدي الأصنام، وتعينهم في بعض المطالب كما تعين السحرة، وكما تعين عباد الأصنام وعباد الشمس والقمر والكواكب، إذا عبدوها بالعبادات التي يظنون أنها تناسبها، من تسبيح لها ولباس وبخور وغير ذلك؛ فإنه قد تنزل عليهم شياطين يسمونها روحانية الكواكب، وقد تقضي بعض حوائجهم "(2) .

الذين تخدمهم الشياطين يتقربون إليها بالمعاصي:

هؤلاء الذين يزعمون الولاية - والحقيقة أن الشياطين تخدمهم - لا بدّ أن

(1) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام: 11/300.

(2)

مجموع الفتاوى: 19/41.

ص: 96

يتقربوا إلى الشياطين بما تحبه من الكفر والشرك؛ كي يقضوا بعض أغراضه، ويذكر ابن تيمية (1) : أن كثيراً من هؤلاء يكتبون كلام الله بالنجاسة، وقد يقلبون حروف كلام الله عز وجل، إمّا حروف الفاتحة، وإما حروف (قل هو الله أحد) ، وإما غيرهما - ويذكر أنهم قد يكتبون كلام الله بالدم أو بغيره من النجاسات، وقد يكتبون غير ذلك مما يرضاه الشيطان، أو يتكلمون بذلك.

فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين، أعانتهم على بعض أغراضهم: إما تغوير ماء من المياه، وإما أن يحمل في الهواء إلى بعض الأمكنة، وإما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس، كما تسرقه الشياطين من أموال الخائنين، ومن لم يذكر اسم الله عليه، وتأتي به، وإما غير ذلك.

رجال الغيب:

يذكر شارح الطحاوية: " أن من الشياطين ما يسميه الناس رجال الغيب، وأن بعض الناس يخاطبونهم، وتحصل لهؤلاء خوارق يزعمون بها أنهم أولياء الله، وأن بعض هؤلاء يعين المشركين على المسلمين، ويقول: إن الرسول أمره بقتال المسلمين مع المشركين، لكون المسلمين عَصَوْا ".

ويعقب شارح الطحاوية على ذلك قائلاً: " هؤلاء في الحقيقة إخوان المشركين، وذكر أنّ الناس من أهل العلم في رجال الغيب ثلاثة أحزاب:

1-

حزب يكذبون بوجود رجال الغيب، ولكن قد عاينهم الناس، وثبت عمن عاينهم، أو حدثه الثقات بما رأوه، وهؤلاء إذا رأوهم وتيقنوا وجودهم، خضعوا لهم.

2-

وحزب عرفوهم، ورجعوا إلى القدر، واعتقدوا أن ثَمّ في الباطن طريقاً إلى الله غير طريقة الأنبياء.

3-

وحزب ما أمكنهم أن يجعلوا ولياً خارجاً عن دائرة الرسول، فقالوا:

(1) مجموع الفتاوى: 19/35.

ص: 97

يكون الرسول هو محمداً للطائفتين. فهؤلاء معظمون للرسول جاهلون بدينه وشرعه ".

ثم قال مبيناً حقيقة هؤلاء وأتباعهم: " والحق أن هؤلاء من أتباع الشياطين، وأن رجال الغيب هم الجن، ويسمون رجالاً، كما قال تعالى: (وأنَّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقاً) [الجن: 6] ، وإلا فالإنس يؤنسون، أي يشهدون ويرون، وإنما يحتجب الإنس أحياناً، لا يكون دائم الاحتجاب عن أبصار الإنس، ومن ظنهم من الإنس فمن غلطه وجهله ".

ثم بين أن السبب في الاختلاف فيهم وفي افتراق هذه الأحزاب الثلاثة عدم الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن، وبيّن أنه يجب عرض أفعال الناس وأقوالهم وحالهم على الكتاب والسنة، فما وافقهما كان صالحاً، وما خالفهما كان غالطاً، ومهما فعل الإنسان وتبدى من حاله لا يكون مؤمناً ولا ولياً لله - وإن طار في الهواء، ومشى على الماء ما لم يكن ملتزماً بالكتاب والسنة (1) .

فلا بد أن يكون عند العبد الميزان الذي يفرق به بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، والصالحين والطالحين، وإلا ضّل وزاغ، وظن أعداء الله أولياءَه، هذا الميزان هو الكتاب والسنة، فإذا كان العبد ملتزماً بهما فنعم، وإلا فإنّه ليس على شيء، ولو رأيناه يحي الأموات، ويحول المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة.

يقول ابن تيمية: " ومن لم يميز بين الأحوال الرحمانية والنفسانية اشتبه عليه الحق بالباطل، ومن لم ينوّر الله قلبه بحقائق الإيمان واتباع القرآن، لم يعرف طريق المحق من المبطل، والتبس عليه الأمر والحال، كما التبس على الناس حال مسيلمة صاحب اليمامة وغيره من الكذابين في زعمهم أنهم أنبياء وإنما هم كذابون "(2) .

وقد ألف ابن تيمية كتاباً عظيماً، إذا عرفته، تبين لك الفارق الكبير بين

(1) شرح العقيدة الطحاوية: 571-572.

(2)

جامع الرسائل: ص197.

ص: 98

أولياء الرحمن وأولياء الشيطان بحيث لا يشتبه عليك بعد ذلك أمر أولياء الشيطان، وقد أسماه " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ".

لا تسخر الجن لأحد بعد نبي الله سليمان:

استجاب الله لنبيه سليمان، ووهب له ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فإذا حصل طاعة من الجن لأحد من الإنس، فلا يكون على سبيل التسخير، وإنما برضى الجني، وهل يجوز ذلك؟

يقول ابن تيمية (1) : " الجن مع الإنس على أحوال: فمن كان من الإنس يأمر الجن بما أمر الله به ورسله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه، ويأمر الإنس بذلك، فهذا من أفضل أولياء الله تعالى، وهو في ذلك من خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم ونوابه.

ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له، فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له، وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم، وينهاهم عما حرّم عليهم، ويستعملهم في مباحات له، فيكون بمنزلة الملوك، الذين يفعلون مثل ذلك، وهذا إذا قدّر أنه من أولياء الله، فغايته أن يكون في عموم أولياء الله مثل النبي الملك مع العبد الرسول، كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ومن كان يستعمل الجنّ فيما ينهى الله عنه ورسوله إما في الشرك، وإما في قتل معصوم الدم، أو في العدوان عليهم بغير القتل، كتمريضه وإنسائه العلم، وغير ذلك من الظلم، وإما في فاحشة، كجلب من يطلب منه الفاحشة، فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان، ثمّ إن استعان بهم على الكفر فهو كافر، وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص: إما فاسق، وإما مذنب غير فاسق.

(1) مجموع الفتاوى: 11/307.

ص: 99

وإن لم يكن تام العلم بالشريعة، فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات، مثل أن يستعين بهم على الحج، أو يطيروا به عند السماع البدعي، أو أن يحملوه إلى عرفات، ولا يحج الحج الشرعي الذي أمره الله به ورسوله، وأن يحملوه من مدينة إلى مدينة، ونحو ذلك، فهذا مغرور قد مكروا به ".

المطلب الثالث

تحضير الأرواح

انتشر في عصرنا القول بتحضير الأرواح، وصدّق بهذه الفِرية كثير من الذين يعدّهم الناس عقلاء وعلماء.

وتحضير الأرواح المزعوم سبيله ليس واحداً، فمنه ما هو كذب صراح، يستعمل فيه الإيحاء النفسي، والمؤثرات المختلفة، والحيل العلمية، ومنه ما هو استخدام للجنّ والشياطين.

وقد كشف الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين في كتابه (الروحية الحديثة) كثيراً من خداع هؤلاء وتزويرهم للحقيقة، فهم لا يجرون تجاربهم كلها إلا في ضوء أحمر خافت، هو أقرب إلى الظلام، وظواهر التجسيد، والصوت المباشر، ونقل الأجسام، وتحريكها تجرى في الظلام الدامس، ولا يستطيع المراقب أن يتبين مواضع الجالسين، ولا مصدر الصوت، ولا يستطيع كذلك أن يميز شيئاً من تفاصيل المكان، كجدرانه أو أبوابه أو نوافذه.

وتكلم الدكتور محمد عن (الخباء) وهو حجرة جانبية معزولة عن الحاضرين أو جزء من الحجرة التي يجلسون فيها تفصل بحجاب كثيف، وهذا المكان المنفصل معدّ لجلوس الوسيط الذي تجرى على يديه ظواهر التجسد المزعوم. ومن هذا المكان المحجوب بستار يضاف إلى حجاب الظلام السابق تخرج الأرواح المزعومة متجسدة، وإليه تعود بعد قليل، ولا يسمح للحاضرين بلمس الأشباح.

ص: 100

ويرى الدكتور أن الروحيين لا يعْدِمون في مثل هذا الجو المظلم قوالب علمية يصبون فيها حيلهم.

والتدليس على الناس بالحيل طريقة قديمة معروفة، يضلّ بها شياطين الإنس عباد الله، يطلبون الوجاهة عند الناس، كما يطلبون مالهم، فقد ذكر ابن تيمية (1) عن فرقة في عصره كانت تسمى (البطائحية) : أنهم كانوا يدّعون علم الغيب والمكاشفة، كما يدعون أنهم يرون الناس رجال الغيب، ثم كشف شيئاً من دجلهم، فقد كانوا يرسلون بعض النساء إلى بعض البيوت يستخبرون عن أحوال أهلها الباطنة، ثم يكاشفون صاحب البيت بما علموه، زاعمين أن هذا من الأمور التي اختصوا بالاطلاع عليها.

ووعدوا رجلاً - كانوا يمنونه بالملك - أن يروه رجال الغيب، فصنعوا خشباً طوالاً، وجعلوا عليها من يمشي كهيئة الذي يلعب بأكر الزجاج، فجعلوا يمشون على جبل المزة، وذلك المخدوع ينظر من بعيد، فيرى قوماً يطوفون على جبل، وهم يرتفعون عن الأرض، وأخذوا منه مالاً كثيراً، ثم انكشف له أمرهم.

ودلسوا على آخر كان يدعى (قفجق) ، إذ أدخلوا رجلاً في القبر يتكلم، وأوهموه أن الموتى تتكلم؛ وأتوا به إلى مقابر باب الصغير إلى رجل زعموا أنه الشعراني الذي بجبل لبنان، ولم يقربوه منه، بل من بعيد، لتعود عليه بركته، وقالوا: إنه طلب منه جملة من المال، فقال (قفجق) : الشيخ يكاشف وهو يعلم أن خزائني ليس فيها هذا كله، وتقرب قفجق، وجذب الشعر، فانقلع الجلد الذي ألصقوه على جلده من جلد الماعز.

وقد بين الدكتور محمد محمد حسين أن الوسيط - وهو شخص يزعم أهل هذا المذهب الروحيون أن فيه استعداداً فطرياً يؤهله لأن يكون أداة يجري عن طريقها التواصل - غالباً ما يكون دجالاً كبيراً، وغشاشاً مدلساً، وبين كيف أن كثيراً من هؤلاء الوسطاء لا يكون على خلق ولا دين، بل إن الروحانيين لا

(1) مجموع الفتاوى: 11/458.

ص: 101

يشترطون في الوسيط شيئاً من ذلك، وقد ذكر حادثة جرت معه شخصياً تبين له بعد تحقيق منه في الموضوع أن الوسيط كان دجالاً كاذباً.

وبين كيف أن بعض الحضور يكونون متواطئين مع المحضرين، وكيف يحترس في انتقاء الذين يسمح لهم بحضور مثل هذه الجلسات، وكيف يعللون إخفاقهم إذا وجد في الحضور بعض الأذكياء النبهاء.

وقد أفاض الدكتور محمد محمد حسين في الكشف عن الطريق الأولى التي يزعم الروحانيون أنهم يحضرون بها الأرواح، وهي طريق الدجل والكذب، واستعمال المؤثرات النفسية والحيل العلمية.

وأشار مجرد إشارة إلى الطريق الثانية وهي استخدام الجن، وأرى أن غالب الدعوات التي يزعم أصحابها تحضير الأرواح هي من هذا القبيل.

تحضير الأرواح دعوة قديمة:

دعوى تحضير الأرواح ليست جديدة، بل هي قديمة، وقديمة جداً، وقد نقلنا فيما سبق كيف كان بعض الناس يتصلون بالجن، بل حفظت لنا كتب الثقات أن بعض الناس كانوا يزعمون أن أرواح الموتى تعود إلى الحياة بعد الموت، يقول ابن تيمية:" ومن هؤلاء (أي أهل الحال الشيطاني من الكفرة والمشركين والسحرة ونحوهم) من إذا مات لهم ميت يعتقدون أنه يجيء بعد الموت يكلمهم، ويقضي ديونه، ويرد ودائعه، ويوصيهم بوصايا، فإنهم يأتيهم تلك الصورة التي كانت في الحياة، وهو شيطان تمثل في صورته، فيظنونه إياه "(1) .

تجربة معاصرة:

هذه تجربة حصلت مع الكاتب أحمد عز الدين البيانوني، ذكرها في كتاب

(1) جامع الرسائل: ص194-195.

ص: 102

الإيمان بالملائكة، حرصت على نقلها بنصها في هذا الموضوع يقول الكاتب:

" لقد شغل (استحضار الأرواح) المزعوم أفكار الناس في الشرق والغرب، فكُتبت فيه مقالات، بلغات مختلفات، نُشرت في مجلات عربية وغير عربية، وألفت فيه مؤلفات، وبحث فيه باحثون، وجربه مجربون، اهتدى بعد ذلك العقلاء منهم إلى أنه كذب وبهتان، ودعوة إلى كفر وطغيان.

إن استحضار الأرواح، الذي يزعمه الزاعمون، كذبٌ ودجل وخداع، وما الأرواح المزعومة إلا شياطين تتلاعب بالإنسان، وتخادعه.

وليس في استطاعة أحد أن يستحضر روح أحد؛ فالأرواح بعد أن تفارق الأجساد، تصير إلى عالم البرزخ.

ثم هي إما في نعيم وإما في عذاب، وهي في شغل شاغل عما يدعيه مستحضرو الأرواح.

وقد دُعيتُ أنا إلى ذلك، من قبل هذه الأرواح، وجربته بنفسي تجربة طويلة، وظهر لي أنه كذب ودجل وخداع، علي أيدي شياطين تتلاعب، غرضهم من ذلك تضليل الناس وخداعهم، وموالاة من يواليهم.... ".

بدء التجربة:

ويتابع أحمد عزّ الدين كلامه قائلاً:

" عرفت منذ أكثر من عشر سنوات تقريباً رجلاً، يزعم أنه يستخدم الجن في أمور صالحة في خدمة الإنسان، وذلك بوساطة وسيط من البشر.

ويزعم أنه توصّل إلى ذلك بتلاوات وأذكار طويلة، قضى فيها زمناً طويلاً، دلّه عليها بعض من يزعم أنه على معرفة بهذا العلم!

جاءني الوسيط ذات يوم يبلغني دعوة فلانٍ وفلانة من الجن، لحديث هامّ، لي فيه شأن عظيم.

فذهبت في الموعد المحدد، متوكلاً على الله، فرحاً بذلك، لأطلع

ص: 103

في هذه التجربة على جديد ".

كيف بدأت المخادعة؟

" من أول أساليب الخداع التي سُلكت معي، أن طريقة الاستحضار، استغفار وتهليل وأذكار، مما يجعل الإنسان لأول وهلة، يظن أنه يتحدث مع أرواح علوية صادقة طاهرة.

دخلت بيت الوسيط، وخلونا معاً في غرفة، وجلس هو على فراش، وبدأنا - بدلالته طبعاً نستغفر ونهلل - حتى أخذته إغفاءة، فَأضجعته أنا على فراشه، وسجيته بغطاء، كما علمني أن أفعل، وإذا بصوت خافت، يسلم صاحبه عليّ، ويظهر حفاوته بي وحبه، ويعرفني بنفسه، إنه مخلوق، يزعم أنه ليس من الملائكة، ولا من الجنّ، ولكنه خلق آخر، من نوع آخر، وُجد بقوله تعالى " كن " فكان.

وهذا على زعمه أنّ الجن لا يصدرون إلا عن أمره، وأن بينه وبين الله تعالى في تلقي الأوامر خمس وسائط فقط، خامسهم جبريل عليه السلام.

وأخذ يثني عليّ، ويقول: إنهم سيقطعون كل علاقة لهم بالبشر، وسيكتفون بلقائي، لأني على زعمهم صاحب الخصوصية في هذا العصر، وموضع العناية من الله تعالى، وأن الله تعالى هو الذي اختارني لذلك.

ووعدني بوعود رائعة، فيها العجب العجاب.

واستسلمت لهذه التجربة الجديدة، والدعوة الخادعة، متوكلاً على الله عز وجل، سائلاً الله تعالى أن يعصمني من الزلل، وأن يهديني إلى الحقّ المبين، مستضيئاً بنور العلم، سالكاً سبيل الاستقامة، والحمد لله تعالى.

ولما انقضى اللقاء الأول، دعاني إلى لقاء آخر، في موعد آخر، ثم دلني هو نفسه على تلاوة خاصة؛ لإيقاظ الوسيط من غيبوبته.

وكان ذلك، وجلس الوسيط، وعرك عينيه، كأنه انتبه من نوم عميق،

ص: 104

ولا علم له بشيء مما جرى.

ورجعت في الموعد المحدد أيضاً، وتم بيننا بعد لقاءات مدة طويلة، وفي كل لقاء، تتجدد الوعود الحسنة، ويوصف لي المستقبل الرائع الذي ينتظرني، والنفع العظيم الذي تلقاه الأمة على يديّ.

تطور الموضوع:

وتطور الأمر، فأخذ كثير من الأرواح يزورونني في كل لقاء، بمقدمات من الأذكار، وبغير مقدمات، فقد أكون مع الوسيط على طعام، أو على تناول كأس من الشاي، فتأخذه الإغفاءة المعهودة، فيميل رأسه إلى الأمام، وتلتصق ذقنه بصدره، ويحدثني الزائر الذي يزعم أنه من الملائكة، أو من الجن، أو من الصحابة، أو من الأولياء، حديثاً يغلب عليه طابع الاحترام والإجلال، والتبرك بزيارتي، وتبشيري بالمستقبل الزاهر المبارك، ثم ينصرف، ويجيء غيره وغيره

".

من الزائرون؟

" زارني فيما زعموا أفراد من الملائكة، وأفراد من الجن، وأبو هريرة رضي الله عنه من الصحابة، وطائفة من الأولياء، أمثال أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، وطائفة من أهل العلم والفضل، المشهود لهم بالعلم والولاية، أمثال الشيخ أحمد الترمانيني رحمه الله تعالى، وبعض من أدركتهم من أهل العلم والفضل، ثم أدركتهم الوفاة، ومنهم والدي رحمه الله تعالى.

وبشروني بزيارة والدي إياي، في وقت عينوه، وانتظرت الموعد بلهف، ولما كان الموعد المنتظر، كلفوني أن أقرأ سورة ((الواقعة)) جهراً، فقرأتها، ولما فرغت من قراءَتها، قالوا:

سيحضر والدك بعد لحظات، فاسمع ما يقول، ولا تسأله عن شيء!!! ".

ص: 105

بدء انتباهي:

" وبعد دقائق جاءني، جاء من يزعم أنه أبي، فسلم علي، وأظهر سروره بلقائي، وفرحه بي على صلتي بهذه الأرواح، وأوصاني أن أعتني بالوسيط وأهله! وأن أرعاه رعاية عطف وإحسان، إذ لا مورد له من المال إلا من هذا الطريق.

وختم حديثه بالصلاة الإبراهيمية، وأنا أعلم أنه رحمه الله تعالى، كان شديد الولع بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سيما الإبراهيمية.

وكان من العجب أن لهجة المتحدث شبيهة إلى حدّ ما بلهجة الوالد. ثم سلم وانصرف.

وأخذت أتسائل في نفسي: لم أوصوني أن لا أسأله عن شيء؟ !

في الأمر سر ولا شك!

السر الخفي الذي انكشف لي آنذاك، أنه ليس بوالدي، ولكنه قرينه من الجن، الذي صحبه مدة حياته، فجاءني يمثل لي صوته، ويتشبه بخصوصية من خصوصياته.

أوصوني أن لا أسأله عن شيء؛ لأن القرين من الجن، مهما عرف من شأن والدي وحفظ من أحواله، فلن يستطيع أن يحفظ كل جزئية يعرفها الولد من أبيه، فحذروا أن أسأله عن شيء من ذلك، فلا يجيبني، فيفتضح الأمر.

ثم سلكوا معي في لقائي مع الآخرين، أن لا يعرفوني بأسمائهم إلا عند انصرافهم، فيقول أحدهم: أنا فلان، ويسلم، وينصرف على الفور.

وفي ذلك من السر ما ذكرت: فلو أخبرني واحد منهم عن نفسه، وهو مشهود له بالعلم، فبحثت معه في إشكال علمي، لعجز عن الجواب،

ص: 106

وانكشف الأمر.

وقد أتاني آتٍ مرة يناقشني في إباحة كشف وجه المرأة، وأنه ليس بعورة، فرددت عليه، ورد عليّ رداً ليس فيه رائحة العلم، واحتدم الجدال بيننا.

فقلت له: وماذا تجيب عن أقوال الفقهاء الذي قالوا:

إن وجه المرأة عورة، أو يجب ستره خشية الفتنة؟

وانتهى الجدال إلى غير جدوى، ثم أخبرني أنه الشيخ أحمد الترمانيني، وانصرف.

فانكشف لي أنه الكذب لا شك فيه، لأن الشيخ المذكور من كبار فقهاء الشافعية، والسادة الشافعية يقولون: المرأة كلها عورة، ولو عجوزاً شمطاء.

فلو أنه كان هو الشيخ المذكور، وانكشف له من العلم جديد، وهو في عالم البرزخ، لأخبرني بذلك، وأرشدني إلى دليله.

ولكنه الكذب والخداع، وإرادة التضليل. وأبى الله تعالى - والحمد لله - إلا هداي، وثباتي على الحق والهدى.

فكشفُ المرأة وجهها، ولا سيما في هذا الزمان الفاسد والمجتمع المريض، أمر لا يُقره ذو عقل ودين ".

انكشاف الحقيقة!

" ولم تزل تنكشف لي الحقيقة على وجهها مرة بعد مرة، وفي تجربة بعد تجربة، حتى تحقق عندي أن الأمر كله كذب وبهتان، ودجل وطغيان، لا أساس له من تقوى، ولا قائمة له على دين.

فالوسيط الذي يعتنون بشأنه، ويوصون بحسن رعايته وإكرامه، تارك صلاة، ولا يأمرونه بها.

ص: 107

وهو يحلق لحيته، ولا يأمرونه بإِطلاقها.

ثم هو يأكل أموال الناس بالباطل، وبالوعود الخادعة، ولا مورد له إلا من هذا الطريق الخبيث.

جاءني رجل بعدما عرف صلتي بهذا الوسيط، يشكو إليّ أنه خدعه، فأخذ منه ثلاثمائة ليرة سورية، وهو فقير، وفي أشد الحاجة إليها.

فألزمت الوسيط بردّها إليه، فاستجاب لذلك حرصاً منه ومن شياطينه على بقاء صلتي بهم.

والوسيط وأسرته تقوم حياتهم على الكذب في أكثر شؤونهم) .

الخاتمة:

وختم الشيخ أحمد عز الدين كلامه على هذه التجربة بقوله:

" حاولت هذه الأرواح بعدما انكشف لي أمرها أن تسلك معي مسلك التهديد، فلم يزلزل ذلك من قلبي شيئاً، والحمد لله.

وقد كنت كتبت في هذه المدة الطويلة مما حدثوني به ما ملأ دفترين كبيرين، جمعت فيهما أكثر ما حدثوني به.

ولما ظهر الباطل ظهوراً لا يحتمل التأويل، قطعت الصلة بهم، وحكمت عليهم بما حكمت، وأحرقت الدفترين اللذين امتلأا بالكذب والخداع.

فهذه الأرواح التي تدّعي أنها أرواح رجال من الصحابة والأولياء والصالحين، كلها شياطين، لا ينبغي لمؤمن عاقل أن ينخدع بها.

وجميع الصور التي اعتادها مستحضرو الأرواح كذب وباطل.

سواء في ذلك طريقة الوسيط التي ذكرتها وجربتها، وطريقة المنضدة والفناجين التي ذكرها لي بعض من جربها، ووصل إلى النتيجة التي وصلت إليها.

ومن عجيب الأمر أني قرأت بعد ذلك كتباً مؤلفةً في هذا الموضوع،

ص: 108

فإذا بالمجربين العاقلين وصولوا إلى مثل ما وصلت إليه، وحكموا على تلك الأرواح، أنها قرناء بني آدم من الجن، كما هداني الله تعالى إلى ذلك من قبل، والحمد لله.

وقد أديت بكلمتي هذه النصح الواجب، والله الهادي والموفق ".

خطر هذه الدعوات:

هذه الدعوات التي تزعم أن بإمكانها تحضير الأرواح اتخذها شياطين الجن والإنس سبيلاً لإفساد الدين، فهذه الأرواح التي تُحضّر، وهي في الحقيقة شياطين تتكلم بكلام يحطم الدين وينسفه، وتقر مبادئ ومثلاً جديدة تعارض الحق كل المعارضة، ففي واحدة من هذه الجلسات زعمت الروح (الشيطان) على لسان الوسيط أن جبريل قد حضر هذه الجلسة، ولما كان الحضور لا يعرفون جبريل قالت:" ألا تعرفون جبريل الذي كان ينزل بالقرآن على محمد؟ ! إنه يبارك هذا الاجتماع ".

وينقل الدكتور محمد محمد حسين عن مجلة (عالم الروح) من مقال لها بعنوان (حديث الروح الكبير هوايت هوك) ما يأتي: (يجب أن نتحد في هذه الحركة، في هذا الدين الجديد، يجب أن تسودنا المحبة، ويجب أن تكون لنا قدرة على الاحتمال والتفاهم

رسالتي (المتحدث هنا الروح أي الشيطان) أي أواسي المحروم، وأساعد الإنسان على تحرره في نفسه من الله تعالى، (وصدق وهو كذوب فهذه رسالته، أي يجعله يكفر بالله) الإنسان إله مكسو بعناصر الأرض (هكذا ينفخ في الإنسان، ويكذب عليه ليضله) ، وهو لن يدرك ما في مقدوره ما لم يحس بجزئه الملائكي الإلهي

، الروحية ستكون أقدر من غيرها على تأسيس دين جديد واسع للعالم كله ".

وينقل عن هذه المجلة أيضاً تعريفاً بالمنظمة التي أسست لهذه الغاية " إن هذه المنظمة ستكون لكل البشرية، وعن طريقها سوف يوضح لنا سكان العالم الروحي طريقة جديدة للحياة، ويعطوننا فكرة جديدة عن الله ومشيئته،

ص: 109

إنهم سوف يأتون لنا بالسلام والطمأنينة الروحية وبسعادة النفس والقلب، سوف يحطمون الحواجز بين الشعوب والأفراد، وبين العقائد والأديان (هكذا)

إنّ العضوية في هذه المنظمة بدون نظر للوطن أو اللون أو الدين أو المذهب السياسي ".

وقد تزعم الأرواح أنها مرسلة من عند الله، فالدكتور محمد محمد حسين يذكر أن محمد فريد وجدي نقل عن هذه الأرواح (الشياطين) قولها: " نحن مرسلون من عند الله كما أرسل المرسلون قبلنا، غير أن تعاليمنا أرقى من تعاليمهم، فإلهنا هو إلههم، إلا أن إلهنا أظهر من إلههم، وأقل صفات بشرية وأكثر صفات إلهية

، لا تخضع لأي عقيدة مذهبية، ولا تقبل بلا بصر ولا روية تعاليم لا تستند إلى العقل ".

وهم يزعمون أنّ الرسل والأنبياء ما هم إلا وسطاء على درجة عالية من الوساطة، وأن المعجزات التي جرت على أيديهم ليست إلا ظواهر روحية، كالظواهر التي تحدث في حجرة تحضير الأرواح، ويزعمون أنهم يستطيعون أن يعيدوا أحداث ما نسب للمسيح عن طريق الأرواح.

وقد قامت بعض الصحف بحملة دعائية كبيرة، زعمت أن أحد محضري الأرواح في أمريكا يستطيع أن يقوم بمثل معجزات المسيح، فهو يعيد البصر إلى الأعمى، والنطق إلى الأبكم، والحركة للمشلول، بقي أن تعلم أن الطبيب المزعوم طفل في العاشرة من عمره يدعى (ميشيل) . وعندما يأتيه المريض يضع أنامله عليه، ويتمتم ببعض الأدعية والكلمات فتحدث المعجزة. ويقولون: إن هذا الطفل ورث الموهبة الروحانية عن والده، وهو لا يتقاضى شيئاً من المال عما يقوم به من أعمال (1) .

ووراثة هذا الطفل الأعمال من أبيه تذكرنا بقصة تروى في بعض نواحي فلسطين، يقول الرواة: إن أحد الرجال الذين كانوا يظهرون الصلاح والتقى، كان يفعل عجباً، فقد كان - في ذلك الوقت الذي لم تظهر فيه الطائرة والسيارة -

(1) ملحق جريدة القبس الكويتية: 17/10/1977م.

ص: 110

ينطلق إلى الحج في ليلة عرفة، فيشهد ذلك اليوم مع الحجيج، ويسلمهم رسائل من أقاربهم وذويهم، ويأخذ منهم رسائل إلى أقاربهم وذويهم، ويعود في الليلة الأخرى، وكان كثير من الناس يعتقد فيه الصلاح والخير، على الرغم من أنه ما كان يقوم بمناسك الحج، ولا يمكث في منى المدة المقررة، ولا يرمي الجمرات.

ثم شاء الله أن يكشف باطله، ويظهر أمره للناس، فعندما جاءَه الموت استدعى ابنه الأكبر، وأخبره أن جملاً سيأتيه ليلة عرفة، ويحمله إلى عرفات في كل عام، ولما جاء الجمل وركبه الابن، وسار مسافة وقف، وتحدث إلى الابن وأخبره أنه شيطان، وأن أباه كان يعبده، ويسجد له، وفي مقابل ذلك يخدمه مثل هذه الخدمات، ولما رفض الابن السجود له، واستعاذ بالله منه، تركه في الصحراء، وقدر الله له الرجوع، وكشف حقيقة أبيه الكافر.

وقد أشار إلى هذه القصة البيانوني في كتابه (الملائكة) بأخصر مما أثبتناه هنا.

هل يمكن استحضار الأرواح؟

لقد وضعت مجلة (سينتفيك أمريكان) جائزة مالية ضخمة لمن يقيم الحجة على صدق الظواهر الروحية، ولا تزال الجائزة قائمة لم يظفر بها أحد على الرغم من انتشار الروحيين ونفوذهم وبراعتهم في أمريكا، وقد ضم إلى هذه الجائزة جائزة أخرى تبرع بها الساحر الأمريكي دننجر للغرض نفسه، ولم يظفر بها أحد أيضاً.

حكم الشريعة في تحضير الأرواح:

ما موقف الإسلام من إمكان إحضار روح المتوفى؟ إن التأمل في النصوص التي وردت في هذا تجعل الباحث يعطي حكماً جازماً أن ذلك مستحيل، فقد أخبرنا الله أن الروح من عالم الغيب الذي لا سبيل إلى إدراكه:(ويسألونك عن الرُّوح قل الرُّوح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلَاّ قليلاً)[الإسراء: 85] .

وأخبر الحقّ تبارك وتعالى أنه يتوفى الأنفس، وأنه يمسك النفوس عند موتها: (الله يتوفَّى

ص: 111

الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك الَّتي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمّىً) [الزمر: 42] .

وقد وكّل الله بالأنفس ملائكة يعذبونها إن كانت شقية كافرة، وينعمونها إن كانت صالحة تقية.

وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يقبض ملك الموت الأرواح وما يفعل بها بعد ذلك.

والأرواح إذا كانت مُمْسكة عند ربها وكل الله بها حفظة أقوياء مهرة، فلا يمكن أن تتفلت منهم، وتهرب لتأتي إلى هؤلاء الذين يتلاعبون بعقول العباد.

وبعض هؤلاء يزعم أنه حضّر روح عبد من عبيد الله الصالحين من الأنبياء والشهداء، فكيف يتركون جنان الخلد إلى حجرة التحضير المظلمة، فقد أخبرنا الله أن الشهداء أحياء عند ربهم:(ولا تحسبنَّ الَّذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)[آل عمران: 169] .

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم (أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءَت، ثمّ تأوي إلى تلك القناديل) . رواه مسلم في صحيحه (1)، فكيف يزعم دجالو العصر أنهم يحضرون أرواح هؤلاء؟ كيف؟ (كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلَاّ كذباً) [الكهف: 5] .

شبهة وجوابها:

يقولون: فكيف تعللون معرفة الأرواح بأخلاق وأعمال الرجل الذي تزعم أنها كانت تسكنه؟

قلنا: هذا الذي يزعم أنه روح إنما هو شيطان، ولعل هذا الشيطان هو القرين الذي كان يلازم الإنسان، وقد ذكرنا النصوص التي تدلّ على أن لكل إنسان شيطاناً، فهذا القرين الملازم للإنسان يعلم عنه الكثير من أخلاقه وعاداته وصفاته، ويعرف أقاربه وأصدقاءه.

(1) مشكاة المصابيح: 2/351. ورقمه: 3804.

ص: 112

فعندما يُخْتَبَرُ ما أسهل أن يجيب؛ لأنه على علم ودراية، فإن قيل: كيف تفسرون الإجابات العلمية التي قد نحصل عليها من الأرواح؟ نقول: سبق أن بينا أن الشياطين والجن لديهم القدرات العلمية التي تمكنهم من الإجابة والإفادة.

ولكنها إفادة تحمل في طياتها الإضلال العظيم، فهم لا يفيدوننا إلا بمقدار، كي نثق بهم، ثم يوجهوننا الوجهة الضالة السيئة، التي توبقنا في دنيانا وأخرانا.

تخلي الشياطين عن أتباعها:

هؤلاء الذين يُدعون بالروحانيين، ويزعمون أنهم يحضرون الأرواح ويعالجون بها كاذبون، وما هذه الأرواح إلا شياطين، وقد تتخلى الشياطين عن هؤلاء فتذلهم وتخذلهم، نشرت جريدة القبس الكويتية (1) مقالاً جاء فيه: " بريطانيا بأسرها تتحدث هذه الأيام عن العالم الروحاني (بيتر غودوين) الذي كان يتمتع بمواهب (روحانية) خارقة، يستطيع بوساطتها أن يشفي المرضى من الأمراض المستعصية، ويكشف الأشياء المفقودة، ويسخر الأرواح لخدمة الإنسان.

وكان (بيتر غودوين) يتمتع بقدرة فريدة يستطيع بوساطتها أن يوجد في أكثر من مكان في وقت واحد، فقد كان يشاهده أصدقاؤه في لندن مثلاً، ويشاهده آخرون في اللحظة نفسها في ليفربول، وآخرون في مانشستر، بينما يؤكد فريق رابع أنه لم يكن في هذا المكان ولا ذلك، وإنما كان يجلس في منزله بين زوجته وأولاده.

وأحياناً كانت أجساده الأثيرية المختلفة تتجمع في مكان واحد، فيكون جالساً بين أصدقائه مثلاً، وفجأة

تدخل عليهم جميع شخصياته الأخرى

وتشاركهم الجلسة

فتأتي شخصيته الثانية والثالثة، والرابعة والخامسة،

(1) ملحق جريدة القبس، تاريخ 12/6/1978م.

ص: 113

ويصبح (بيتر غودوين) عبارة عن خمس شخصيات تجالس الحضور، وتتحدث إليهم، أو تتحدث بعضها مع بعض

، بينما يكون الجميع مبهورين

، وفجأة خسر (بيتر غودوين) كلّ شيء وتحول إلى إنسان عادي، ولم يعد قادراً على شفاء المرضى، ولا اكتشاف الأشياء المفقودة، ولاكشف المستقبل، ولا تسخير الأرواح لخدمة الناس.

وقد بدأت مأساة (غودوين) في السنة الماضية عندما حاول استغلال المواهب التي منحت له لتحقيق مكاسب مادية

، وهو ينظر الآن إلى الماضي القريب ويقول: إن ما حدث لي لم يكن في الحسبان، فقد غضبت الأرواح مني، وسلبتني بركتها.

ص: 114

المطلب الرابع

الجن وعلم الغيب

شاع لدى كثير من الناس أن الجنّ يعلمون الغيب، ومردة الجن يحاولون أن يؤكدوا هذا الفهم الخاطئ عند البشر، وقد أبان الله للناس كذب هذه الدعوى، عندما قبض روح نبيه سليمان، وكان قد سخر له الجن يعملون بين يديه بأمره، وأبقى جسده منتصباً، واستمر الجنّ يعملون، وهم لا يدرون بأمر وفاته، حتى أكلت دابة الأرض عصاه المتكئ عليها، فسقط، فتبين للناس كذبهم في دعواهم، أنهم يعلمون الغيب:(فلمَّا قضينا عليه الموت ما دَلَّهُمْ على موته إلَاّ دابَّة الأرض تأكل منسأته فلمَّا خرَّ تبيَّنت الجنُّ أن لَّو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين)[سبأ: 14] .

وقد سبق القول كيف أنهم كانوا يسترقون خبر السماء، وكيف زيد في حراسة السماء بعد البعثة، فقلما يستطيع الجن استراق السمع بعد ذلك.

العرّافون والكهان:

وبذلك يعلم عظم الخطأ الذي يقع فيه عوام الناس باعتقادهم أن بعض البشر كالعرافين والكهان يعلمون الغيب، فتراهم يذهبون إليه يسألونهم عن أمور حدثت من سرقات وجنايات، وأمور لم تحدث مما سيكون لهم ولأبنائهم، ولق خاب السائل والمسؤول، فالغيب علمه عند الله، لا يظهر الله عليه إلا من شاء من رسله:(عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً - إلَاّ من ارتضى من رَّسولٍ فإنَّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً - ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيءٍ عددا)[الجن: 28] .

ص: 118

والاعتقاد بأن فلاناً يعلم الغيب اعتقد آثم ضال، يخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة التي تجعل علم الغيب لله وحده.

إما إذا تعدى الأمر إلى استفتاء أدعياء الغيب، فإن الجريمة تصبح من العظم بمكان، ففي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أتى عرافاً فسأله عن شيءٍ، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)(1) .

وتصديق هؤلاء كفر، ففي السنن ومسند أحمد عن أبي هريرة مرفوعاً:(من أتى كاهناً، فصدقه بما يقول، فقد برئ مما أنزل على محمد)(2) .

قال شارح العقيدة الطحاوية: " والمنجم يدخل في اسم (العراف) عند بعض العلماء، وعند بعضهم هو في معناه "، ثم قال: فإذا كانت هذه حال السائل، فكيف بالمسؤول؟ " ومراده إذا كان السائل لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، وإذا كان الذي يصدق الكاهن والعراف يكفر بالمنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون حكم الكاهن والعراف؟

سؤال العرافين والكهنة على وجه الامتحان:

يرى ابن تيمية أن سؤال الكهنة، بقصد امتحان حالهم، واختبار باطنهم، ليميز صدقهم من كذبهم، جائز، واستدل بحديث الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ابن صياد، فقال:(ما ترى؟) فقال: يأتيني صادق وكاذب، قال: خلط الأمر عليك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني قد خبأت لك خبيئاً)، قال: هو الدخ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(اخسأ، فلن تعدو قدرك)(3) . فأنت ترى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل هذا المدّعي، ليكشف أمره، ويبين للناس حاله.

(1) رواه مسلم: 4/1751. ورقمه: 2230.

(2)

مشكاة المصابيح: 2/525. ورقمه: 4599.

(3)

رواه البخاري: 6/172. ورقمه: 3055. ورواه مسلم: 4/2244. ورقمه: 2930.

ص: 119

المنجمون:

وصناعة التنجيم التي مضمونها: الأحكام والتأثير، وهو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، أو التمزيج بين القوى الفلكية والقوابل الأرضية: صناعة محرمة بالكتاب والسنة؛ بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين، قال تعالى:(ولا يفلح السَّاحر حيث أتى)[طه: 69] . وقال تعالى: (ألم تر إلى الَّذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطَّاغوت)[النساء: 51] . قال عمر بن الخطاب: الجبت السحر (1) .

تعليل صدق المنجمين والعرافين في بعض الأحيان:

قد يزعم قائل أن العرافين والكهنة والمنجمين يصدقون أحياناً، والجواب: أن صدقهم في كثير من الأحيان يكون من باب التلبيس على الناس، فإنهم يقولون للناس كلاماً عاماً يحتمل وجوهاً من التفسير، فإذا حدث الأمر، فإنه يفسره لهم تفسيراً يوافق ما قال.

وصدقهم في الأمور الجزئية إما أنه يرجع إلى الفراسة والتنبؤ، وإما أن تكون هذه الكلمة الصادقة مما خطفه الجن من خبر السماء. ففي الصحيحين عن عائشة، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال: (ليسوا بشيء) . قالوا: يا رسول الله، إنهم يحدثوننا بالشيء فيكون حقاً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فيقذفها في أذن وليه، فيخلطون معها مائة كذبة)(2) .

وإذا كانت القضية التي صدق فيها من الأمور التي حدثت كمعرفته بالسارق، أو معرفته باسم الشخص الذي يقدم عليه لأول مرة وأسماء أبنائه وأسرته، فهذا قد يكون بحيلة ما، كالذي يضع شخصاً ليسأل الناس، وتكون عنده وسيلة لاستماع أقوالهم قبل أن يمثلوا بين يديه، أو يكون هذا من فعل الشياطين، وعلم

(1) شرح العقيدة الطحاوية: 568. وراجع في علم النجوم، أبجد العلوم لصديق حسن القنوجي: ص 542.

(2)

جامع الأصول لابن الأثير: 5/63.

ص: 120

الشياطين بالأمور التي حدثت ووقعت ليس بالأمر المستغرب.

الكهنة رسل الشياطين:

يقول ابن القيم (1) : " الكهنة رسل الشيطان؛ لأن المشركين يهرعون إليهم، ويفزعون إليهم في أمورهم العظام، ويصدقونهم، ويتحاكمون إليهم، ويرضون بحكمهم، كما يفعل أتباع الرسل بالرسل، فإنهم يعتقدون أنهم يعلمون الغيب، ويخبرون عن المغيبات التي لا يعرفها غيرهم، فهم عند المشركين بهم بمنزلة الرسل، فالكهنة رسل الشيطان حقيقة، أرسلهم إلى حزبه من المشركين، وشبههم بالرسل الصادقين، حتى استجاب لهم حزبه، ومثل رسل الله بهم لينفر عنهم، ويجعل رسله هم الصادقين العالمين بالغيب، ولما كان بين النوعين أعظم التضاد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من أتى عرافاً أو كاهناً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد)(2) .

فإن الناس قسمان: أتباع الكهنة، وأتباع الرسل، فلا يجتمع في العبد أن يكون من هؤلاء وهؤلاء، بل يبعد عن الرسول صلى الله عليه وسلم بقدر قربه من الكاهن، ويُكَذّبُ الرسول بقدر تصديقه للكاهن.

أقول: ومن يدرس تواريخ الأمم يعلم أن الكهان والسحرة كانوا يقومون مقام الرسل، ولكنهم رسل الشياطين، فالسحرة والكهنة كانت لهم الكلمة المسموعة في أقوامهم، يحلون ويحرّمون، ويأخذون المال، ويأمرون بأنواع من العبادة والطقوس ترضي الشياطين، ويأمرون بقطيعة الأرحام، وانتهاك الأعراض، وقد بين العقاد شيئاً من ذلك في كتابه المسمى بـ (إبليس) .

واجب الأمة نحو هؤلاء:

ما يدعيه المنجمون، والعرافون، والسحرة، ضلال كبير ومنكر لا يستهان به، وعلى الذين أعطاهم الله دينه، وعلمهم كتابه وسنة نبيه أن ينكروا هذا الضلال بالقول، ويوضحوا هذا الباطل بالحجة والبرهان، وعلى الذين

(1) إغاثة اللهفان: 1/271.

(2)

رواه بهذا اللفظ أحمد: 2/429 والطبراني في الأوسط: (1453) ورواه أبو داود: 4/225 رقم: (3904)، والترمذي: 1/164 رقم: (135)، وابن ماجة: 1/209 رقم: (639)، والدارمي: 1/207 رقم (1136) بلفظ: (من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد) .

ص: 121

في أيديهم السلطة أن يأخذوا على أيدي هؤلاء الذين يدّعون الغيب من العرافين والكهنة وضاربي الرمل والحصى، والناظرين في اليد (والفنجان) ، وعليهم أن يمنعوا نشر خزعبلاتهم في الصحف والمجلات، ويعاقبوا من يتظاهر ببضاعته وضلالاته في الطرقات، وقد ذمّ الله بني إسرائيل لتركهم التناهي عن المنكر:(كانوا لا يتناهون عن مُّنكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)[المائدة: 79] .

وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية الصديق رضي الله عنه أنه قال: (إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه) . رواه ابن ماجة والترمذي وصححه (1) .

المطلب الخامس

الجن والأطباق الطائرة

كثر الحديث في هذه الأيام عن الأطباق الطائرة، فلا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع أن شخصاً أو عدة أشخاص رأوا طبقاً طائراً، رأوه في الجوّ محلقاً، أو على الأرض جاثماً، أو رأوا مخلوقات مخالفة لشكل الإنسان تخرج منه، ووصل الأمر إلى الادعاء بأن بعض هذه المخلوقات طلبت إلى بعض الناس مصاحبتها إلى الطبق، وأجرت فحوصاً عليه.

ولا يدعي هذه الدعوى أناس مغمورون فحسب، بل يزعم ذلك رجال بارزون أمثال رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه يعتقد أنّه لمح شيئاً طائراً لم يتعرف على ماهيته في سماء ولاية جورجيا عام 1973.

وهو يبدي اهتماماً خاصاً بالمخلوقات الأخرى التي بدأت تغزو الأرض، فقد أمضى الرئيس الأمريكي (كما نشرت الصحف) أمسية يناقش أحد العلماء المقتنعين بأن الإنسان ليس المخلوق الوحيد في الكون، وكان يرافق الرئيس كارتر (فرانك برس) مستشاره للشؤون العلمية، وبعد ذلك شاهد كارتر داخل المرصد القومي أفلاماً توجز آخر ما توصلت إليه الأبحاث حول المخلوقات التي تعيش خارج نطاق الأرض، وقام بعرض هذه الأفلام

(1) مشكاة المصابيح: 2/643. ورقمه: 5412.

ص: 122

(كارل ساجان) ، مدير معمل الدراسات الكونية بجامعة (كورنل) ، الذي ترجع إليه دائماً وكالة الفضاء الأمريكية في الأمور المتعلقة بالمخلوقات التي تعيش خارج نطاق كوكب الأرض (1) .

وينسب ملحق صحيفة الهدف الكويتية الصادر بتاريخ 23/3/78 إلى الرئيس الصيني الأسبق (ماوتسي تنغ) أنه كان يؤمن بوجود مخلوقات غيرنا في الكواكب الأخرى.

ويذكر كاتب المقال أن حوالي 61% من الشعب الأمريكي مقتنعون بذلك، وتزعم الصحف الأمريكية أن قرابة نصف مليون أمريكي شاهدوا هذه الأطباق، وبعض هؤلاء استطاعوا أن يتصلوا بهم اتصالاً مباشراً.

وقد أخرج السينمائي الأمريكي (ستيفن سبيلبرغ)(فيلماً) سينمائياً بعنوان (مواجهة من النوع الثالث) بلغت تكاليفه اثنين وعشرين مليوناً من الدولارات الأمريكية.

وقد وضع الفيلم بعد تجميع المعلومات من الذين شاهدوا الأطباق الطائرة، أو اتصلوا بها.

وقد عرض الفيلم لأول مرة في البيت الأبيض، وكان الرئيس الأمريكي أول مشاهديه.

وبعد خروج هذا الفيلم اقتنعت وكالة الفضاء الأمريكية بضرورة البحث في هذا المجال، وخصصت مليون دولار لأبحاث عام 1979، وقد أطلقت على المشروع السري اسم (سيتي) . ويتلخص في إطلاق أجهزة خاصة للفضاء الخارجي؛ للبحث عن رسائل لاسلكية قادمة من كواكب أخرى.

ويمكننا بعد هذا العرض أن نقرر ما يأتي:

1-

لا مجال للتكذيب بوجود مخلوقات غريبة غير الإنسان، إذ تواترت

(1) راجع جريدة السياسة الكويتية العدد (33999) : 5/12/77.

ص: 123

الرؤية من عشرات الألوف بل مئات الألوف، وقد تابعتُ ما قيل في هذا الموضوع فترة طويلة، فكنت أجد مقالاً كل أسبوع تقريباً أو أكثر أو أقل حول رؤية جماعة أو شخص لشيء من هذا (1) .

2-

احتار الناس في تفسير حقيقة هذه الأطباق، وحقيقة المخلوقات التي تستخدمها، خاصة أن سرعة هذه الأطباق خيالية تفوق سرعة أي مركبة اخترعها الإنسان.

3-

أكاد أجزم بأن هذه المخلوقات هي من عالم الجن الذي يسكن أرضنا هذه، والذين تحدثنا عنهم فيما سبق، وبينا ما لديهم من قدرات وإمكانات تفوق قدرة البشر، ولقد أعطوا سرعة تفوق سرعة الصوت والضوء، كما أعطوا القدرة على التشكل، وهم يستطيعون أن يتمثلوا للإنسان في صور وأشكال مختلفة.

وبذلك يتبين لنا فضل الله علينا إذ عرفنا بهذه الحقائق، خاصة ونحن نشعر بالحيرة والقلق لدى الذين لا يعلمون ما علمناه، وبذلك نوفر طاقاتنا العقلية وقدراتنا العلمية وأموالنا؛ كي نوجهها وجهة نافعة.

وقد يتساءل بعضنا عن السرّ في ظهور هذه الأطباق في أيامنا هذه، وعدم ظهورها في العصور الخالية، فالجواب أن الجن يلبسون لكل عصر لبوسه، وهذا العصر عصر التقدم العلمي، ولذلك فإنهم يضللون البشر بالطريقة التي تثير انتباههم، وتشد نفوسهم، والناس اليوم يتطلعون إلى معرفة شيء عن الفضاء الواسع، وعن إمكانية وجود مخلوقات غيرهم فيه.

وقد تحدثنا في كتابنا ((عالم الملائكة)) عن تنزل الملائكة لقراءة القرآن، وأن بعض الصحابة رأى ظلة فيها مثل المصابيح، وتنزل الملائكة على هذا النحو ليس قصراً على عهد النبوة.

(1) وآخر ذلك ما حدث في الكويت، فقد قرر أكثر من شخص أنه رأى طبقاً طائراً، وقد نشرت الصحف الكويتية النبأ في حينه.

ص: 124