الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: خلافة عثمان بن عفَّان (1) رضي الله عنه (24 هـ/ 644 م)
.
- عثمان قبل الخلافة (2) :
كان عثمان رضي الله عنه تاجراً غنياً، جميل الصورة. وقد بادر إلى الإسلام بناء على دعوة أبي بكر الصدَّيق فزوَّجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رقية وهاجر بها إلى الحبشة، ثم زوَّجه أم كلثوم بعد وفاتها. وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يثق به ويحبه ويكرمه لحيائه، ودماثة أخلاقه، وحسن عشرته، وما كان يبذله من المال لنصرة المسلمين، وبشره بالجنة كأبي بكر وعمر وعلي وبقية العشرة، وأخبره بأنه سيموت شهيداً.
وكان أحد كتاب الوحي، لكن لم يكن له في الغزوات حظ كغيره من الصحابة مثل أبي بكر، وعمر، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وجعفر، وطلحة، وخالد بن الوليد، وغيرهم، فلم يرق دماً، ولم يبارز أحداً، ولم يخرج أميراً على جيش في إحدى السرايا، ولم يثبت في غزوة أحد مع رسول اللَّه، واستخلفه رسول اللَّه على المدينة في غزوته إلى ذات الرقاع وإلى غطفان، وكان محبوباً من قريش، وكان حليماً، رقيق العواطف، كثير الإحسان. وقد توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض به، وروى عن رسول اللَّه مائة وستة وأربعين حديثاً، وكانت العلاقة بيننا وبين أبي يكر وعمر وعليّ على أحسن ما يرام، ولم يكن من الخطباء حتى إنه قد ارتج عليه في أول خطبة خطبها، وكان أعلم الصحابة بالمناسك، حافظاً للقرآن، ولم يكن متقشفاً مثل عمر بل كان يأكل اللين من الطعام.
هذه صفة عثمان رضي الله عنه قبل الخلافة (3) .
(1) المسعودي، مروج الذهب ج 2/ص 341.
(2)
الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 5/ص 43.
(3)
المسعودي، مروج الذهب ج 2/ص 341.
- خلافة عثمان رضي الله عنه (سنة 24 هـ/ 644 م) :
⦗ص: 42⦘
.
كانت مبايعة عثمان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة 23 هـ، واستقبل الخلافة في المحرم سنة 24 هـ، وقيل لهذه السنة عام الرُّعاف (1) ، لأنه كثر فيها الرُّعاف (2) في الناس، ولي عثمان الخلافة وعمره 68 عاماً ميلادياً، أو 70 عاماً هجرياً، أي أنه كان في سن الشيخوخة (3) ، وقد كان عمر رضي الله عنه يخشى أن يميل الخليفة بعده إلى أقاربه، ويحابيهم، ويحرم ذوي الكفايات فتسوء الحال، فقال لعليّ: إن وليت من أمر المؤمنين شيئاً فلا تحملن بني عبد المطلب على رقاب الناس. وقال لعثمان: يا عثمان إن وليت من أمر المسلمين شيئاً فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس. وكذلك قال لعبد الرحمن بن عوف: فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحمل ذوي قرابتك على رقاب الناس.
أما أبو بكر رضي الله عنه فإنه قال لما اختار عمر للخلافة: "أترضون بمن أستخلف عليكم فإني واللَّه ما ألوت من جهد الرأي ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوه"(4) .
ثم إن عمر احتاط فأوصى الخليفة بعده بأن يبقى عماله سنة وليس في وسعه أن يفعل أكثر من ذلك، ولندع ذلك الآن إلى فرصة أخرى.
لما بويع عثمان خرج إلى الناس وأراد أن يخطبهم فأُرْتِجَ عليه، ثم قال بعد أن حمد اللَّه وأثنى عليه:
"أيها الناس إن أول مركب صعب، وإن بعد اليوم أياماً، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، وما كنا خطباء وسُيعَلّمنا اللَّه" لكنه خطبهم خطبة أخرى ذكرها الطبري (5) فقال:
⦗ص: 43⦘
.
"إنكم في دار قلعة وفي بقية أعمار فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه فلقد أتيتم صُبّحتهم أو مُسيّتم. ألا وإن الدنيا طويت على الغرور فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم باللَّه الغرور. اعتبروا بمن مضى. ثم جدوا ولا تغفلوا، فإنه لا يغفل عنكم. أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين أثاروها وعمروها ومتعوا بها طويلاً؟ ألم تلفظهم؟ ارموا بالدنيا حيث رمى اللَّه بها، واطلبوا الآخرة فإن اللَّه قد ضرب لها مثلاً والذي هو خير فقال:{وَاضْرِبْ لَهمُ مَثَلَ اَلحْيَاةِ الدُنْيَا كَمَاء أنْزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ تَذْرُوْهُ الرَّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} إلى قوله أملاً [الكهف: 45] وهذه خطبة كما يراها القارئ في الزهد واحتقار الدنيا وعدم الركون إليها.
وأول ما فعل عثمان رضي الله عنه بعد البيعة، أنه جلس في جانب المسجد ودعا عبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب (6)، وكان قد قتل جماعة من الذين تسببوا في قتل أبيه وشاور الأنصار في أمره وأشار عليّ بقتله. فقال عمرو بن العاص: لا يقتل عمر بالأمس، ويقتل ابنه اليوم. فجعلها عثمان دية واحتملها وقال: أنا وليه.
وكان زياد بن لبيد البياضي الأنصاري إذا رأى عبيد اللَّه يقول:
ألا يا عبيد اللَّه ما لك مهرب
…
ولا ملجأ من ابن أروى ولا خفر
أصبت دماً واللَّه في غير حله
…
حراماً وقتل الهرمزان له خطر
على غير شيء غير أن قال قائل
…
أتتهمون الهرمزان على عمر
فقال سفيه والحوادث جمة
…
نعم أتهمه قد أشار وقد أمر
وكان سلاح العبد في جوف بيته
…
يقلبها والأمر بالأمر يعتبر
كان الهرمزان (7) من قواد الفرس، وقد أسره المسلمون بتستر وأرسلوه إلى المدينة في خلافة عمر بن الخطاب، فلما رأى عمر سأل: أين حرسه وحجابه؟ قالوا: ليس له حارس ولا حاجب، ولا كاتب، ولا ديوان فقال:"ينبغي له أن يكون نبياً"، ثم أسلم وفرض له عمر ألفين وأنزله بالمدينة. وقيل: إن السكين التي قتل بها عمر رؤيت قبل قتله عند الهرمزان فلما بلغ عبيد
⦗ص: 44⦘
اللَّه بن عمر ذلك ذهب إليه وقتله، فهذا هو الهرمزان المذكور في شعر زياد بن لبيد. فشكا عبيد اللَّه إلى عثمان زياد بن لبيد فنهى عثمان زياداً فقال في عثمان:
أبا عمرو عبيد اللَّه رهن
…
فلا تشكك بقتل الهْرْمزان
أتعفو إذ عفوت بغير حق
…
فما لك بالذي تحكي يدان
فدعا عثمان زياداً فنهاه وشذ به.
(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 589، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 475، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص 123، الذهبي، تاريخ الإسلام ج 3/ص 311.
(2)
الرُّعاف: الدم يخرج من الأنف. [القاموس المحيط، مادة: رَعَفَ] .
(3)
جاء في تاريخ القرون الوسطى لجامعة كمبردج: "إن اختيار عثمان للخلافة تمَّ بعد تردد طويل، وذلك لأنه أضعف الستة وألينهم عريكة، وكان كلّ فيهم يؤمل أن يحكم بواسطته، ثم يخلفه، وهذا الاختيار كان كردّ فعل لخلافة عمر القوية الشديدة".
(4)
الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 352، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 273.
(5)
الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 589.
(6)
هو عبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي، صحابي، من أنجاد قريش وفرسانهم، ولد في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أسلم بعد إسلام أبيه، ثم سكن المدينة، غزا إفريقية مع عبد اللَّه بن سعد، ورحل إلى الشام في أيام علي، فشهد صفِّين مع معاوية، وقُتل فيها. للاستزادة راجع: طبقات ابن سعد ج 5/ص 314، الإصابة ج 2/ص 423، مقاتل الطالبين ص 12، الأخبار الطوال ص 180.
(7)
الهُرمُزان: هو من أمراء الجيش الفارسي في معركة القادسية سنة 14 هـ. انهزم إلى خوزستان حيث قاوم العرب مقاومة عنيفة.
- ولاية سعد بن أبي وقاص (1) الكوفة (2)(سنة 25 هـ/ 646 م) :
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة، وولى مكانه المغيرة بن شعبة (3) ، وقد اتهم سعد بأنه لا يحسن الصلاة، وأن الصيد يلهيه ولا يقسم بالسوية،
⦗ص: 45⦘
ولا يعدل في القضية. لكنها تُهم لم تثبت، قد أذاعها بعض حساده، فأوصى عمر رضي الله عنه الخليفة من بعده أن يستعمل سعداً وقال:"إني لم أعزله عن سوء ولا خيانة". فكان أول عامل بعث به عثمان على الكوفة سعد، وعزل المغيرة الذي كان يومئذ بالمدينة. وروى الواقدي أن عمر أوصى أن يقر عماله سنة، فلما ولي عثمان أقرَّ المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة، ثم عزله واستعمل سعد بن أبي وقاص، ثم عزله واستعمل الوليد بن عقبة (4) . قال الطبري (5) : فإن كان ما رواه الواقدي من ذلك فولاية سعد الكوفة من قبل عثمان كانت سنة 25 هـ.
(1) هو سعد بن أبي وقّاص مالك بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهري من أخوال النبي صلى الله عليه وسلم فهو من بني زهرة أهل آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يعتَزْ بهذه الخُوُّولَة، أبو إسحاق، هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأول من رمى بسهم في سبيل اللَّه، وأحد الستة الذين عينهم عمر بن الخطاب للخلافة، ويقال له: فارس الإسلام، للاستزادة راجع: الاستيعاب ج 2/ص 870، الإصابة ج 2/ص 30، المِلل والنِحَل ج 1/ص 20، أشهر مشاهير الإسلام ج 3/ص 535، الطبقات الكبرى ج 1/ص 21، تحفة الأحوذي ج 10/ص 253، سير أعلام النبلاء ج 1/ص 62، زعماء الإسلام ص 114، رجال حول الرسول ص 141، سعد بن أبي وقاص وأبطال القادسية للسحّار، الرياض النضرة ج 2/ص 292، صفة الصفوة ج 1/ص 138، تهذيب ابن عساكر ج 6/ص 93، المعارف ص 106، أُسْد الغابة ج 2/ص 290، جمهرة أنساب العرب 71، تاريخ الإسلام ج 1/ص 79، فتوح مصر وأخبارها ص 318، البداية والنهاية ج 8/ص 72، صور من حياة الصحابة ص 285، الأعلام ج 3/ص 87.
(2)
الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 590، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 475، تاريخ الخلفاء ص 123، الذهبي تاريخ الإسلام ج 3/ص 315.
(3)
هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس، أبو عيسى، الثقفي، المتوفى سنة 50 هـ أحد دهاة العرب وقادتهم وولاتهم، يقال له:"مغيرة الرأي"، أسلم قبل الحديبية وكانت سنة 5 هـ. للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة 8181، أُسْد الغابة ج 4/ص 160، طبقات ابن سعد ج 4/ص 200، الطبري ج 6/ص 100، ذيل المذيل ج 15/ص 18، ابن الأثير ج 3/ص 111، تهذيب الكمال ج 3/ص 68، تهذيب التهذيب ج 10/ص 86، الأعلام ج 7/ص 57.
(4)
هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط، أبو وهب الأموي، القرشي، والٍ من فتيان قريش وشعرائهم وأجوادهم، فيه ظُرف ومجون ولهو، وهو أخو عثمان بن عفان لأمه، أسلم يوم فتح مكة، بعثه رسول اللَّه على صدقات بني المصطلق، ثم ولاه عمر صدقات بني تغلب، ولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص سنة 25 هـ فانصرف إليها، وأقام إلى سنة 29 هـ، فشهد عليه جماعة عند عثمان بشرب الخمر فعزله، ودعا به إلى المدينة، فجاء، فحدّه وحبسه، ولمَّا قُتل عثمان تحوَّل إلى الجزيرة الفراتية، فسكنها، واعتزل الفتنة بين معاوية وعلي، لكنه حرَّض معاوية، ورثى عثمان، مات سنة 61 هـ، بالرقة. للاستزادة راجع: الأغاني ج 5/ص 122، معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري ص 193.
(5)
الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 590.