المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: كتب عثمان بن عفان رضي الله عنه - عثمان بن عفان ذو النورين

[محمد رضا]

الفصل: ‌الفصل الثالث: كتب عثمان بن عفان رضي الله عنه

‌الفصل الثالث: كتب عثمان بن عفان رضي الله عنه

.

ص: 45

- كتب عثمان (1) :

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 590.

_________

-1- كتابه إلى عماله (1) :

كان أول كتاب كتبه عثمان إلى عماله:

"أما بعد، فإن اللَّه أمر الأئمة أن يكونوا رعاة، ولم يتقد إليهم أن يكونوا جباة، وإن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة ولم يخلقوا جباة، وليوشكن أئمتكم أن يصيروا جباة ولا يكونوا رعاة، فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء. ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين وفيما عليهم فتعطوهم مالهم وتأخذوهم بما عليهم، ثم تثنوا بالذمة فتعطوهم الذي لهم وتأخذوهم بالذي عليهم، ثم العدو الذي تنتابون فاستفتحوا عليهم بالوفاء".

_________

(1)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 590.

_________

-2- كتابه إلى أمراء الأجناد (1) :

وكان أول كتاب كتبه إلى أمراء الأجناد في الفروج:

"أما بعد، فإنكم حماة المسلمين وذادتهم، وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنا بل كان عن ملأ منا. ولا يبلغني عن أحد منكم تغيير ولا تبديل فيغير اللَّه ما بكم ويستبدل بكم غيركم. فانظروا كيف تكونون فيما ألزمني اللَّه النظر فيه والقيام عليه".

_________

(1)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 591.

_________

-3- كتابه إلى عمَّال الخراج (1) :

كان أول كتاب كتبه إلى عمَّال الخراج:

"أما بعد، فإن اللَّه خلق الخلق بالحق فلا يقبل إلا الحق. خذوا الحق وأعطوا الحق به.

⦗ص: 50⦘

والأمانة الأمانة ولا تكونوا أول من يسلبها فتكونوا شركاء من بعدكم إلى ما اكتسبتم. والوفاء الوفاء ولا تظلموا اليتيم ولا المعاهد فإن اللَّه خصم لمن ظلمهم".

_________

(1)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 591.

_________

-4- كتابه إلى العامة (1) :

وكان كتابه إلى العامة:

"أما بعد، فإنكم إنما بلغتم ما بلغتم بالإقتداء والإتباع فلا تلفتنكم الدنيا عن أمركم فإن أمر هذه صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم: تكامل النعم، وبلوغ أولادكم من السبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "الكفر في العجمة فإذا استعجم عليهم أمر تكلفوا وابتدعوا".

هذه أربعة كتب كتبها عثمان رضي الله عنه في أول خلافته، وقد أوصى عماله برعاية شؤون المسلمين والذميين، وأن لا يقصروا همهم على جباية الأموال لئلا يرهقوا العباد وينسوا أول واجب عليهم، وهو العدل بين الرعية، وأمر أمراء الأجناد في الفروج أي الثغور بأن يتبعوا أوامر عمر رضي الله عنه، وأن لا يحيدوا عنها. ثم أنه شدَّد على عمال الخوارج بأخذ الحق والتمسك بالأمانة والوفاء، وأوصى باليتيم والمعاهد خيراً، وهذه كلها من تعاليم الإسلام وفضائله.

وعثمان أول خليفة زاد الناس في أعطياتهم مائة وكان عمر يجعل لكل نفس منفوسة (2) من أهل الفيء في رمضان درهماً في كل يوم، وفرض لأزواج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم درهمين. فقيل له: لو صنعت طعاماً فجمعتهم عليه؟ فقال: أُشبع الناس في بيوتهم. فأقر عثمان الذي كان صنع عمر وزاد فوضع طعام رمضان، فقال: للمتعبد الذي يتخلف في المسجد وابن السبيل والمعترّين من الناس.

_________

(1)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 591.

(2)

منفوسة: أي مولودة. [القاموس المحيط، مادة: نفس] .

ص: 49

- عزل سعد بن أبى وقاص عن الكوفة وتولية الوليد بن عقبة (1) :

لم تطل ولاية سعد على الكوفة فعزله عثمان وولى بعده الوليد بن عقبة والسبب في عزل سعد هو أنه استقرض من عبد اللَّه بن مسعود (2) من بيت المال مالاً فأقرضه، فلما تقاضاه لم يتيسر

⦗ص: 51⦘

عليه فارتفع بينهما الكلام حتى استعان عبد اللَّه بأناس على استخراج المال، واستعان سعد بأناس على استنظاره فاقتربوا وبعضهم يلوم بعضاً. يلوم هؤلاء سعداً ويلوم هؤلاء عبد اللَّه.

عن قيس بن أبي حازم قال: كنت جالساً عند سعد وعنده ابن أخيه هاشم بن عتبة (3) فأتى ابن مسعود سعداً فقال له: أدِّ المال الذي قِبَلك. فقال له سعد: ما أراك إلا ستلقى شرَّاً. هل أنت إلا ابن مسعود عبد من هذيل؟! فقال: أجل واللَّه إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة. فقال هاشم: إنكما لصاحبا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينظر إليكما. فطرح سعد عوداً كان في يده وكان رجلاً فيه حدة ورفع يديه. وقال: اللَّهم رب السماوات والأرض. فقال عبد اللَّه: ويلك قل خيراً ولا تلعن. فقال سعد عند ذلك: أما واللَّه لولا اتقاء اللَّه لدعوت عليك دعوة لا تخطئك. فولى عبد اللَّه سريعاً حتى خرج، وكان سعد بن أبي وقاص مجاب الدعوة.

غضب عثمان رضي الله عنه على سعد وعلى ابن مسعود بسبب هذه المشادة فعزل سعداً ولم يعزل ابن مسعود، بل أقره واستعمل الوليد بن عقبة، وكان عاملاً لعمر على ربيعة بالجزيرة، فقدم الكوفة، فلم يتخذ لداره باباً حتى خرج من الكوفة.

ولعل القارئ يعجب لماذا أقر عثمان ابن مسعود ولم يعزله؟ فنقول إن عبد اللَّه بن

⦗ص: 52⦘

مسعود لما كان غلاماً كان يرعى أغنام عقبة بن أبي معيط (4) ، وكان إسلامه قديماً، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فهو راعٍ لعقبة بن أبي معيط - والد الوليد - أي أنه من أتباع بني أمية، وكان عمر رضي الله عنه بعثه إلى الكوفة معلماً ووزيراً، ثم إن ابن مسعود لم يكن والياً حتى يعزله عثمان رضي الله عنه، بل كان وزيراً للمالية.

أما الوليد الذي خلف سعداً فهو أموي، أخو عثمان لأمه، أسلم يوم الفتح، ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أن قوله عز وجل:{إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] نزلت في الوليد بن عقبة وذلك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعثه مصدقاً إلى بني المصطلق فعاد وأخبر عنهم أنهم ارتدوا ومنعوا الصدقة، وذلك أنهم خرجوا إليه يتلقونه فهابهم، فانصرف عنهم، فبعث إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد (5) فأخبروه أنهم متمسكون بالإسلام ونزلت:{يَا أَيُّهَا الَّذيِنَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]

⦗ص: 53⦘

.

لما قدم الوليد على سعد قال له: واللَّه ما أدري أَكِسْتَ (6) بعدنا أم حمقنا بعدك؟! فقال: "لا تجز عن أبي إسحاق فإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون". فقال سعد: "أراكم واللَّه ستجعلونه مُلكاً". وكان الوليد من رجال قريش ظرفاً وحلماً وشجاعة وأدباً، وكان من الشعراء المطبوعين.

قال الطبري (7) : فقدم الوليد في السنة الثانية من إمارة عثمان، وقد كان سعد عمل عليها سنة وبعض أخرى فقدم الكوفة، وكان أحب الناس في الناس وأرفقهم بهم، فكان كذلك خمس سنين وليس على داره باب.

وحدثنا أبو فرج الأصفهاني في الجزء الخامس من الأغاني عن سبب تولية الوليد الكوفة فقال:

لم يكن يجلس مع عثمان رضي الله عنه على سريره إلا العباس ابن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب والحكم بن العاص والوليد بن عقبة، فأقبل الوليد يوماً فجلس، ثم أقبل الحكم. فلما رآه عثمان زحل (8) له عن مجلسه فلما قام الحكم قال له الوليد: واللَّه يا أمير المؤمنين، لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتك آثرت عمك على ابن أمك. فقال له عثمان رضي اللَّه تعالى عنه: إنه شيخ قريش، فما البيتان اللذان قلتهما؟ قال: قلت:

رأيت لعم المرء زُلْفَى قرابة

دون أخيه حادثاً لم يكن قدماً

فأمَّلْتُ عَمْراً أن يَشِبّ وخالداً

لكي يدعواني يوم مزحمة عمّا

يعني عمراً وخالداً ابني عثمان. فرق له عثمان وقال له: قد وليتك العراق - يعني الكوفة - اهـ. ولا يصدق إنسان يعرف مكانة عثمان رضي الله عنه أنه ولى الوليد الكوفة بعد أن أنشده هذين البيتين إرضاء له.

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 590، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 476.

(2)

هو عبد اللَّه بن مسعود بن غافل بن حبيب شمخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس، الهُذَلي، أبو عبد الرحمن، صحابي، من أكابرهم فضلاً وعقلاً وقرباً من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو من أهل مكة، ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن بمكة، كان خادم رسول اللَّه الأمين، وصاحب سرّه ورفيقه في حلِّه وترحاله وغزواته، يدخل عليه كل وقت ويمشي معه. نظر إليه عمر يوماً وقال: وعاء مليء علماً، ولي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيت مال الكوفة، ثم قدم المدينة في خلافة عثمان، فتوفي فيها نحو ستين عاماً، كان قصيراً جداً، يكاد الجلوس يوارونه، كان يحب الإكثار من التطيّب، فإذا خرج من بيته عرف جيران الطريق أنه مرَّ، من طيب رائحته. للاستزادة راجع: الإصابة ج 4/ص 129، الاستيعاب ج 1/ص 359، أُسد الغابة ج 3/ص 256، تذكرة الحفاظ ج 1/ص 12، البداية والنهاية ج 7/ص 162، شذرات الذهب ج 1/ص 38، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/ص 100، سير أعلام النبلاء ج 1/ص 331، صفة الصفوة ج 1/ص 154، غاية النهاية ج 1/ص 458، البدء والتاريخ ج 5/ص 97، حلية الأولياء ج 1/ص 124، تاريخ الخميس ج 2/ص 257، البيان والتبيين ج 2/ص 56، المحبّر ص 161، تهذيب الكمال ج 2/ص 740، تهذيب التهذيب ج 6/ص 27، تقريب التهذيب ج 1/ص 450.

(3)

هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، صحابي، خطيب من الفرسان، يلقب بالمِرْقال، وهو ابن أخي سعد بن أبي وقاص، أسلم يوم فتح مكة، ونزل الشام بعد فتحها، أرسله عمر مع ستة عشر رجلاً من جند الشام مدداً لسعد بن أبي وقاص في العراق، شهد القادسية، أصيبت عينه يوم اليرموك فقيل له الأعور، وفتح جلولاء، وكان مع علي بن أبي طالب في حروبه، تولى قيادة الرَّجَّالة في صفّين، قتل في آخر أيامها سنة 37 هـ. للاستزادة راجع: ذيل المذيل، الأخبار الطوال، رغبة الآمل ج 3/ص 115، معجم ما استعجم، نسب قريش، وقعة صفّين، مرآة الجنان ج 1/ص 10.

(4)

هو عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس، من مقدمي قريش في الجاهلية، كنيته أبو الوليد، كان شديد الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة، فأسروه يوم بدر وقتلوه، ثم صلبوه، وهو أول مصلوب في الإسلام، قتل سنة 2 هـ. للاستزادة راجع: الروض الآنف ج 2/ص 76، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 27.

(5)

هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، المخزومي، القرشي، سيف اللَّه الفاتح الكبير، الصحابي، كان من أشراف قريش في الجاهلية، يلي أعنة الخيل، شهد مع مشركيهم حروب الإسلام إلى عمرة الحديبية، أسلم قبل فتح مكة هو وعمرو بن العاص سنة 7 هـ، فسرَّ به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وولاه الخيل، ولمَّا ولي أبو بكر وجَّهه لقتال مسيلمة ومن ارتد من أعراب نجد، ثم سيَّره إلى العراق سنة 12 هـ، ففتح الحيرة وجانباً عظيماً منه، وحوَّله إلى الشام وجعله أمير من فيها من الأمراء. ولمَّا ولي عمر عزله عن قيادة الجيوش بالشام وولى أبا عبيدة بن الجرَّاح، فلم يثن ذلك من عزمه، واستمر يقاتل بين يدي أبي عبيدة إلى أن تمَّ لهما الفتح سنة 14 هـ، فرحل إلى المدينة، فدعاه عمر ليوليه، ومات في حمص في سوريا، وقيل: بالمدينة سنة 21 هـ. كان مظفراً خطيباً فصيحاً، يشبه عمر بن الخطاب في خَلْقه وصفته، قال أبو بكر: عجزت النساء أن يلدن مثل خالد. روى له المحدثون ثمانية عشر حديثاً، وأخباره كثيرة. للاستزادة راجع: الإصابة ج 1/ص 413، الاستيعاب ج 2/ص 427، تهذيب الكمال ج 1/ص 366، تقريب التهذيب ج 1/ص 219، خلاصة تهذيب الكمال ج 1/ص 285، الكاشف ج 1/ص 275، تاريخ البخاري الكبير ج 3/ص 136، الجرح والتعديل ج 3/ص 1607، لسان الميزان ج 2/ص 389، أُسد الغابة ج 2/ص 109، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 124، طبقات ابن سعد ج 7/ص 479، سير الأعلام ج 1/ص 366، البداية والنهاية ج 7/ص 113، شذرات الذهب ج 1/ص 15، الثقات ج 3/ص 101، صفة الصفوة ج 1/ص 268، تاريخ الخميس ج 2/ص 247، ذيل المذيّل ص 43.

(6)

أَكِسْتَ: يقال رجل أَوْكَس أي خسيس أو قليل الحظ. [القاموس المحيط، مادة: وَكَسَ] .

(7)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 595.

(8)

زَحَل: أيّ تَنحَّى.

ص: 50

- نقض أهل الإسكندرية الصلح (1)(سنة 25 هـ/ أواخر سنة 645 م) :

جاء في دائرة المعارف البريطانية أنه بعد استيلاء العرب على الإسكندرية بقليل، انتهز

⦗ص: 54⦘

الروم فرصة تغيب عمرو بن العاص (2) وارتحال جزء كبير من جيشه. فاستولوا على الإسكندرية. فلما بلغ عمرو بن العاص ذلك عاد سريعاً واستولى على المدينة، وهذا يوافق ما جاء في ابن الأثير.

كان استيلاء الرومان على الإسكندرية في أوائل سنة 25 هـ وأواخر سنة 645 م وكان عمرو بن العاص استخلف على الإسكندرية عبد اللَّه ابن حذافة (3) . قال الأستاذ بتلر: "وعلى كل حال فمن المؤكد أنه قد عزل قبل نزول الجيش الروماني إلى البر، وأن خلفه لم يكن كفأً فترك وسائل الدفاع في حالة ضعف شديد".

أما رواية الطبري (4) فتفيد أن عمرو بن العاص كان قد استدعي إلى مكة، فلما ذاعت أخبار الثورة في الإسكندرية صدرت الأوامر إليه بتولي القيادة.

وجاء في تاريخ كامبردج للقرون الوسطى (5) ما يؤيد استدعاء عمرو بن العاص بعد عزله وتولية عبد اللَّه.

كاتب الروم قسطنطين بن هرقل (6) - وكان الملك يومئذ - يخبرونه بقلة من عندهم من

⦗ص: 55⦘

المسلمين - وكانوا ألف جندي - وبما هم فيه من الذلة وأداء الجزية، فبعث رجلاً من أصحابه يقال له:"أمنويل Emanuel The Eunuch" في ثلاثمائة مركب مشحونة بالمقاتلة - ولم يكن للمسلمين أسطول كالأسطول الروماني. وقد رست هذه المراكب في ميناء الإسكندرية بلا إنذار، فقتل حرس الإسكندرية من المسلمين - ويبلغون ألفاً - ولم ينج منهم إلا القليل. ولم يقتصر الجيش الروماني على الاستيلاء عليها، بل توغلوا في البلاد والقرى المجاورة في أرض الدلتا واستولوا على الغلال والأموال بلا حساب، وعاملوا الأهالي معاملة الأعداء المحاربين.

كان العنصر الروماني في الإسكندرية هو السائد، ويرى الأستاذ بتلر أن الجيش الروماني لو استمر في زحفه إلى الفسطاط بدلاً من ضياع الوقت في بلاد الدلتا، لكان في وسعه التغلب على عبد اللَّه بن أبي سرح (7) وإعادة حصن بابليون، ولكنهم لم يقدموا على ذلك وبذا مكنوا عمرو بن العاص من إعادة مركزه وتنظيم جيشه اهـ.

سار عمرو في خمسة عشر ألفاً، والتقى بالجيش الروماني الذي يفوقه عدداً بـ "نقيوس"، فالتحمت بينهم الحرب، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وأصيب جواد عمرو بن العاص بسهم فنزل واضطر أن يحارب على قدميه، وانتهى الأمر بانهزام جيش "أمنويل" وفراره نحو الإسكندرية في حالة ارتباك عظيم، فتحصنوا بها، فقاتلهم عمرو أشد قتال، ونصب المجانيق فأخذت جُدُرَها، وألح بالحرب حتى دخلها بالسيف عنوة، وقتل أمنويل وهدم المسلمون جدار الإسكندرية، وكان عمرو نذر لئن فتحها ليفعلن ذلك. ووضع عمرو على أرض الإسكندرية الخراج، وعلى أهلها الجزية، وبذلك استولى العرب للمرة الثانية. ويقول الأستاذ بتلر:"إن ذلك كان صيف سنة 646 م"

⦗ص: 56⦘

.

روى البلاذري عن يزيد بن أبي حبيب (8) قال: "كان عثمان عزل عمرو بن العاص عن مصر وجعل عليها عبد اللَّه بن سعد، فلما نزلت الروم الإسكندرية سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمراً حتى يفرغ من قتال الروم، لأن له معرفة بالحرب رهيبة في أنفس العدو حتى هزم الخ".

وقد أخطأ مؤرخو العرب فقالوا: إن المقوقس كان حيَّاً في هذه الغزوة والحقيقة أنه كان قد مات منذ زمن طويل، كما قرر الأستاذ بتلر، وقد أدرك البلاذري خطأ وجود المقوقس في ذلك الوقت فقال ما نصه:

"وروي أن المقوقس اعتزل أهل الإسكندرية حين نقضوا فأقره عمرو ومن معه على أمرهم الأول، وروي أيضاً أنه كان قد مات قبل الغزاة".

والحقيقة أن بنيامين كان بطريركاً وزعيماً للوطنيين المصريين فظن المؤرخون أنه المقوقس، وهذا خلط في الحوادث والتواريخ، وقد كانت وفاة المقوقس في 21 مارس سنة 642 م (9) على ما جاء في تاريخ كامبردج للقرون الوسطى. أما الأستاذ بتلر فيؤرخ وفاته 14 يوليه سنة 642 م. ولم يكن البطريرك بنيامين موجوداً في الإسكندرية عند دخول الروم، ويظن أنه هرب، لكنه على كل حال بقي موالياً للعرب، ولم ينقض صلحهم، بل الذي نقضه الروم.

كانت نتيجة نقض الإسكندرية الصلح أن استولى عليها العرب مرة ثانية، وقتلوا الروم، ولم يكن هناك سبب واضح لنقض معاهدة الصلح، فما فعله الإمبراطور كان مخالفاً للقوانين الحربية، كما قال الأستاذ بتلر، ولا يوجد ما يبرره فلا غرو إذا عامل العرب الثائرين بالشدة، ثم إن عمراً بعد أن أخضع الثوار في الإسكندرية ذهب لإخضاع المدن التي ثارت في الدلتا. ولما تمَّ له ذلك أرسل الأسرى إلى المدينة فأعادهم عثمان رضي الله عنه.

وكان الروم لما خرجوا من الإسكندرية قد أخذوا أموال أهل تلك القرى من وافقهم ومن خالفهم، فلما ظفر بهم المسلمون جاء أهل القرى الذين خالفوهم فقالوا لعمرو بن العاص: إن الروم أخذوا دوابنا وأموالنا، ولم نخالف نحن عليكم، وكنا على الطاعة. فرد عليهم ما عرفوا من أموالهم بعد إقامة البينة هذا ما ذكره ابن الأثير وأشار إليه الأستاذ بتلر معترفاً بفضل المبادئ التي

⦗ص: 57⦘

سار عليها عمرو في إدارة حكومته وبشرف طبيعته، وكان أهل هذه القرى المذكورة الذين تظلموا لعمرو من الروم أقباطاً.

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 594، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 476.

(2)

هو عمرو بن العاص بن وائل بن أشم بن سعيد بن سهم، أبو عبد اللَّه، السهمي، القرشي، المتوفى سنة 43 هـ، أسلم في عام الحديبية، وهو واحد من عظماء العرب ودُهَاتهم وأولي الرأي والحزم والدهاء. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج 8/ص 66، تقريب التهذيب ج 2/ص 86، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 90، الكاشف ج 8/ص 10، تاريخ البخاري الكبير ج 3/ص 165، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 330، الجرح والتعديل ج 6/ص 200، الثقات ج 3/ص 120، الاستيعاب ج 3/201، أُسد الغابة ج 4/ص 330، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 314، الإصابة ج 4/ص 515، سير الأعلام ج 3/ص 6، طبقات ابن سعد ج 9/ص 77، البداية والنهاية ج 8/ص 96، أسماء الصحابة الرواة ص 110، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/ص 123، جمهرة الأنساب 215.

(3)

هو عبد اللَّه بن حذافة بن قيس السهمي القرشي، أبو حذافة، صحابي، أسلم قديماً، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، هاجر إلى الحبشة، وقيل: شهد بدراً، أسره الروم أيام عمر، ثم أطلقوه، شهد فتح مصر، توفي بها أيام عثمان سنة 33 هـ، كانت فيه دعابة وله حديث. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج 5/ص 185، إمتاع الأسماع ج 1/ص 308، حسن الصحابة ص 305، المحبّر ص 77، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/ص 87، الجمحي ص 196.

(4)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 594.

(5)

تاريخ كامبردج للقرون الوسطى ج 2/ص 35.

(6)

هو ابن هرقل الثاني ملك الروم.

(7)

هو عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح القرشي، العامري، من بني عامر بن لؤي، من قريش، فاتح أفريقية، فارس بني عامر، من أبطال الصحابة، أسلم قبل فتح مكة، وهو من أهلها، وكان من كتَّاب الوحي، كان على ميمنة عمرو بن العاص حين افتتح مصر، ولي مصر سنة 25 هـ، بعد عمرو بن العاص، فاستمر نحو 12 عاماً، اعتزل الحرب بين علي ومعاوية في صفَّين، توفي بعسقلان فجأة وهو قائم يصلي سنة 37 هـ، وهو أخو عثمان بن عفان من الرضاع. للاستزادة راجع: أُسد الغابة ج 3/ص 173، ابن إياس ج 1/ص 26، الاستقصاء ج 1/ص 35، معالم الإيمان ج 1/ص 110، ذيل المذيّل ص 31، تاريخ الجزائر ج 1/ص 317، الروض الآنف ج 2/ص 274، ابن عساكر ج 7/ص 432، البداية والنهاية ج 7/ص 250، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 114، النجوم الزاخرة ج 1/ص 7.

(8)

هو يزيد بن أبي حبيب واسمه سويد، أبو رجاء، الأزدي، ثقة، فقيه، للاستزادة راجع: تهذيب الكمال ج 3/ص 1531، تهذيب التهذيب ج 11/ص 318، الكاشف ج 3/ص 275، الجرح والتعديل ج 9/ص 1122، تاريخ الإسلام ج 5/ص 184، الثقات ج 5/ص 546.

(9)

كامبردج القرون الوسطى ج 2/ص 351.

ص: 53

- غزو أرمينية وآذربيجان (1)(سنة 25 هـ/ 646 م) :

قلنا إن الوليد بن عقبة تولى مكان سعد بن أبي وقاص في الكوفة فعزل عتبة بن فرقد عن آذربيجان، وكان أميراً عليها لعمر بن الخطاب. وروى الطبري أنه كان بالرَّيِّ وآذربيجان 10،000 مقاتل من أهل الكوفة 6000 بآذربيجان، و 4000 بالري، وكان بالكوفة 40. 000. فنقض أهل أرمينية وآذربيجان الصلح بعد أن عزل الوليد عتبة ابن فرقد فغزاهم الوليد.

فدعا سلمان بن ربيعة الباهلي (2) ، فبعثه أمامه مقدمة له، وخرج الوليد في جيش وهو يريد التوغل في أرض أرمينية فمضى حتى دخل آذربيجان.

وبعث عبد اللَّه بن شُبْيل بن عوف الأحمسي في 4000 فأغار على أهل موقان والببر والطيلسان ورجع إلى الوليد.

ثم صالح الوليد أهل آذربيجان على 800. 000 درهم، وذلك هو الصلح الذي كانوا صالحوا

⦗ص: 58⦘

عليه حذيفة بن اليمان (3) سنة 22 هـ بعد موقعة نهاوند بسنة، ثم إنهم حبسوها عند وفاة عمر. فلما هزمهم الوليد وصالحهم قبض منها المال وبث فيمن حولهم من الأعداء الغارات.

ولما عاد عبد اللَّه بن شبيل من غارته بعث سلمان بن ربيعة الباهلي إلى أرمينية في 12000، فهزمهم (4) .

(1) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 477، حدثت تغييرات في حدود أرمينية لما طرأ عليها من التقلبات، فحدودها القديمة من جهة الشرق: بحر الخزر، وبلاد العجم، والجنوب: أشورية، وما بين النهرين، وأرض السريان، وكيليكية، والغرب: آسيا الصغرى، والشمال: البحر الأسود، وكرجستان، وأفغانستان، وكانت سابقاً تمتد نحو جبال القوقاز، وتتصل بها من الجهة الشمالية وإلى بحر قزوين.

(2)

هو سلمان بن ربيعة بن يزيد بن عمرو بن سهم بن ثعلبة، أبو عبد اللَّه، الباهلي، صحابي، متوفى سنة 30 هـ، من القادة القضاة شهد فتوح الشام، والقادسية، سكن العراق، استقضاه عمر على الكوفة، قال ابن قتيبة في المعارف:"هو أوَّل قاضٍ قضى لعمر بن الخطاب بالعراق" وقال أيضاً: "قُتل في بلنجر، من أرض الترك أو من أرمينية، ويقال: إن عظامه عند أهل بلنجر، في تابوت، إذا احتبس عليهم المطر أخرجوه فاستسقوا به، فسقوا". ثم وَلِيَ غزو أرمينية في زمن عثمان، واستشهد فيها. للاستزادة راجع: الإصابة ج 2/ص 185، تهذيب التهذيب ج 4/ص 220، تهذيب الكمال ج 1/ص 338، تقريب التهذيب ج 1/ص 285، خلاصة تهذيب الكمال ج 1/ص 111، المعارف 185، الكاشف ج 1/ص 285، تاريخ البخاري الكبير ج 4/ص 117، الجرح والتعديل ج 4/ص 266، طبقات ابن سعد ج 6/ص 308، البداية والنهاية ج 7/ص 205، الثقات ج 4/ص 228.

(3)

هو حذيفة بن حُسَيْل، ويقال حِسْل بن جابر العبسي، أبو عبد اللَّه، واليمان لقب حسل، صحابي، من الولاة الشجعان الفاتحين، كان صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين، لم يعلمهم أحد غيره، ولما ولي عمر سأله: أفي عمَّالي أحد من المنافقين؟ فقال: نعم، واحد. فقال: من هو؟ قال: لا أذكره، وحدث حذيفة بهذا الحديث بعد حين فقال: وقد عزله عمر كأنَّما دَل عليه. كان عمر إذا مات ميت يسأل عن حذيفة، فإذا حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإلا لم يصلِّ عليه، ولاه عمر المدائن بفارس، له مشاهد، توفي سنة 36 هـ. للاستزادة راجع: تهذيب الكمال ج 1/ص 238، تهذيب التهذيب ج 2/ص 156، خلاصة تهذيب الكمال ج 1/ص 201، الكاشف ج 1/ص 210، أُسد الغابة ج 1/ص 463، الإصابة ج 2/ص 45، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 125، الاستيعاب ج 1/ص 334، حلية الأولياء ج 1/ص 270، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/ص 152، صفة الصفوة ج 1/ص 249.

(4)

ابن كثير، البداية والنهاية ج 7/ص 150.

ص: 57

- معاوية بن أبي سفيان (1) يطلب المدد (2) :

بعد أن عاد الوليد بن عقبة من الغزو أتاه كتاب عثمان رضي الله عنه هذا نصه

⦗ص: 59⦘

:

"أما بعد فإن معاوية بن أبي سفيان كتب إليَّ يخبرني أن الروم قد أجلبت على المسلمين بجموع عظيمة، وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث رجلاً ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه في ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إليهم من المكان الذي يأتيك فيه رسولي والسلام".

يرى القارئ من ذلك أن أهالي البلاد التي دخلت في حوزة الإسلام انتهزوا فرصة وفاة عمر رضي الله عنه لمحاربة المسلمين فنقض أهل الإسكندرية الصلح، لكن عمرو بن العاص هزمهم، ونقض كذلك أهل أرمينية وآذربيجان صلحهم فهزمهم الوليد، والآن نجد معاوية بالشام يطلب المدد، لأن الروم جمعوا جيوشهم وأجلبوا على المسلمين.

وبعد أن وصل إلى الوليد كتاب الخليفة قام في الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال:

"أما بعد، أيها الناس فإن اللَّه قد أبلى المسلمين في هذا الوجه بلاءً حسناً، رد عليهم بلادهم التي كفرت، وفتح بلاداً لم تكن افتتحت، وردهم سالمين غانمين مأجورين، فالحمد للَّه رب العالمين. وقد كتب أمير المؤمنين يأمرني أن أندب منكم ما بين العشرة الآلاف إلى الثمانية الآلاف. تمدون إخوانكم من أهل الشام فإنهم قد جاشت عليهم الروم وفي ذلك الأجر العظيم، والفضل المبين فانتدبوا رحمكم اللَّه مع سلمان بن ربيعة الباهلي".

فانتدب الناس وخرج ثمانية آلاف رجل من أهل الكوفة فمضوا حتى دخلوا مع أهل الشام أرض الروم وعلى جند أهل الشام حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري (3) وعلى جند أهل الكوفة سلمان بن ربيعة فصد المسلمون هجوم الروم، فأصاب الناس ما شاءوا من سبي وغنائم، وافتتحوا حصوناً كثيرة، وساروا منتصرين حتى بلغوا آسيا الصغرى مجتازين أرمينية فوصلوا طبرستان

⦗ص: 60⦘

واتصلوا بزملائهم على الشاطئ الشرقي لبحر قزوين، واتجهوا نحو الشمال إلى أن وصلوا تفليس والبحر الأسود. فهذا نصر عظيم وتوسع في الفتح سريع لا نظير له في تاريخ العالم.

(1) هو معاوية بن "أبي سفيان" صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي، الأموي، مؤسس الدولة الأموية في الشام، وأحد دهاة العرب المتميّزين الكبار، أسلم سنة 8 هـ، وتعلم الكتابة والحساب واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم لكتابة الوحي، هو أوَّل مسلم ركب بحر الروم للغزو، وكان عمر بن الخطاب يقول إذا نظر إليه:"هذا كسرى العرب". للاستزادة راجع: البدء والتاريخ ج 6/ص 10، شذور العقود للمقريزي ج 6/ص 266، منهاج السنة ج 2/ص 300، تاريخ اليعقوبي ج 2/ص 140، تطهير الجنان ص 128، الكامل في التاريخ ج 4/ص 260، تهذيب الكمال ج 3/ص 10، تهذيب التهذيب ج 10/ص 35، خلاصة تهذيب الكمال ج 3/ص 66، الكاشف ج 3/ص 71، تاريخ البخاري الكبير ج 7/ص 18، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 97، الثقات ج 3/ص 199، أُسد الغابة ج 5/ص 251، البداية والنهاية ج 8/ص 300، الاستيعاب ج 3/ص 401، سير الأعلام ج 3/ص 265، طبقات ابن سعد ج 9/ص 203، نقعة الصديان ترجمة ص 317.

(2)

ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 480.

(3)

هو حبيب بن مسلمة بن مالك الفهري، القرشي، أبو عبد الرحمن، قائد من كبار الفاتحين، يقرنه بعضهم بخالد بن الوليد وأبي عبيدة بن الجراح ولد بمكة سنة 2 ق. هـ ورأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الشام مجاهداً في أيام أبي بكر، فشهد اليرموك، ودخل دمشق مع أبي عبيدة فولاه إنطاكية، ثم أمره عمر بن الخطاب بإمداد سراقة بن عمر وكان قد ولي غزو الباب، فسار حبيب وتوغل في أرمينية، واشتهرت أعماله وشجاعته فيها، ثم قصد المدينة حاجاً فأكرمه عمر، كان معاوية يستشيره في كثير من شؤونه وكان يسمى "حبيب الروم" لكثرة دخوله بلادهم ونيله منهم، وهو فاتح كثير من بلاد أرمينية، كان عثمان يريد توليته أرمينية كلها، إلا أنه خاف أن تشغله السياسة عن القيادة، لما صفا الملك لمعاوية ولاه أرمينية فتوفي فيها سنة 42 هـ. للاستزادة راجع: تهذيب ابن عساكر ج 4/ص 35، أشهر مشاهير الإسلام 872.

ص: 58

- عزل عمرو بن العاص عن مصر (1) وفتح أفريقية (سنة 26 هـ/ 647 م) :

لما ولي عثمان أقر عمرو بن العاص على عمله، وكان لا يعزل أحداً إلا عن شكاة، أو استعفاء من غير شكاة، ثم عزل عمرو بن العاص عن خراج مصر، واستعمل عليه عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح أمير الصعيد في زمن عمر بن الخطاب.

كان عمرو بن العاص صاحب السلطة في مصر زمن عمر رضي الله عنه، فكان قائد الجيش، وصاحب الخراج، لكن عمر كان يستبطئ عمراً في جمع الخراج، ويستقل ما يجبيه من مصر. ومما كتبه له في هذا الشأن:"وأعجب ما عجبت أنها - أي مصر - لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحط ولا جدب". لكن يلاحظ أن عمرو بن العاص ألغى كثيراً من الضرائب التي كانت تجبى في عهد الدولة الرومانية، وكانت سبب شكوى المصريين وتألمهم من الحكم الروماني.

وعلى كل حال لم يفكر عمر بن الخطاب في نزع الخراج من عمرو وقصره على الحرب مع تشدده عليه في جباية الخراج. فلما ولي عثمان رأى إسناد الخراج إلى عبد اللَّه بن سعد أبي سرح (2) وكان أخا عثمان من الرضاعة (أرضعت أمه عثمان)، فكتب عبد اللَّه إلى عثمان يقول: إن عمراً كسر عليَّ الخراج، وكتب عمرو يقول: إن عبد الله قد كسر عليَّ مكيدة الحرب، فعزل عثمان عمراً واستقدمه واستعمل بدله عبد اللَّه على حرب مصر وخراجها، أي أنه أعطاه السلطة التي كانت مخولة لعمرو من قبل، فقدم عمرو مغضباً، فدخل على عثمان وعليه جبة محشوة فقال: ما حشو جبتك؟ قال: عمرو، فقال عثمان: قد علمت أن حشوها عمرو ولم أرد هذا، إنما سألتك أقطن هو أم غيره؟ ثم بعث عبد اللَّه بن سعد إلى عثمان بمال من مصر قد حشد فيه، فدخل عمرو على عثمان فقال عثمان: يا عمرو هل تعلم أن تلك اللقاح (3) درَّت بعدك؟ فقال عمرو: إن فصالها هلكت. يريد عثمان أن مصر قد كثر خراجها على يد عبد اللَّه بن سعد، فقال له عمرو: إن فصالها هلكت أي أن أولاد اللقاح قد هلكت بحرمانها من اللبن، يريد أن في ذلك إرهاقاً لأهالي مصر وتحميلهم ما لا يطاق

⦗ص: 61⦘

.

وهذه الزيادة التي أخذها عبد اللَّه، إنما هي على الجماجم فإنه أخذ عن كل رأس ديناراً خراجاً عن الخراج فحصل لأهل مصر بسبب ذلك الضرر الشامل. وكانت هذه أول شدة وقعت لأهل مصر في مبتدأ الإسلام، ويقال: إن عبد اللَّه جبى خراج مصر في تلك السنة 14. 000. 000 ديناراً بعد أن كان 12. 000. 000 زمن عمرو بن العاص، وهذا ما دعا عثمان رضي الله عنه إلى توجيه اللوم إلى عمرو، فكان جوابه ما ذكر.

كان عبد اللَّه من جند مصر، وكان قد أمره عثمان بغزو أفريقية سنة خمس وعشرين وقال له عثمان: إن فتح اللَّه عليك فلك من الفيء خمس الخمس نفلاً. وأمر عبد اللَّه بن نافع بن عبد القيس وعبد اللَّه بن نافع بن الحارث (4) على جند وسرّحهما، وأمرهما بالاجتماع مع عبد اللَّه بن سعد صاحب أفريقية، ثم يقيم عبد اللَّه في عمله، فخرجوا حتى قطعوا أرض مصر، وكان من بين الجيش الذي أرسله عثمان جماعة من أعيان الصحابة منهم: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص، وابن جعفر، والحسن، والحسين، فسار بهم عبد اللَّه بن سعد إلى أن وصلوا برقة فلقيهم عقبة بن نافع (5) فيمن معه من المسلمين، وساروا إلى طرابلس الغرب في جيش عدده

⦗ص: 62⦘

40. 000 فنهبوا من عندَها من الروم، وسار نحو شمال أفريقية وبث السرايا في كل ناحية، وكان ملكهم اسمه جرجير (Greaorius) وملكه من طرابلس إلى طنجة (6) فلما بلغه خبر المسلمين، تجهَّز وجمع العساكر وأهالي البلاد من قبائل البربر غير المدربين على القتال فبلغ عسكره 120. 000، والتقى هو والمسلمون في مكان بينه وبين سُبَيطلة يوم وليلة، وهذه المدينة كانت في ذلك الوقت دار الملك (Sujetula) ، بينها وبين القيروان سبعون ميلاً، وكان بها حصن قوي، فأقاموا هناك يقتتلون كل يوم. وراسله عبد اللَّه بن سعد يدعوه إلى الإسلام، أو الجزية فامتنع منهما وتكبَّر عن قبول أحدهما. وقيل: كان عدد جيش المسلمين 20. 000 وانقطع خبر المسلمين عن عثمان فسيَّر عبد اللَّه بن الزبير (7) في جماعة إليهم ليأتيه بأخبارهم. فسار مجدّاً ووصل إليهم، وأقام، ولما وصل كثر الصياح والتكبير في المسلمين، فسأل جرجير عن الخبر! فقيل: قد أتاهم عسكر ففت ذلك في عضده. ورأى عبد اللَّه بن الزبير قتال المسلمين كل يوم من الصباح إلى الظهر فإذا أذن بالظهر عاد كل فريق إلى خيامه وشهد القتال من الغد فلم يرَ ابن أبي سرح معهم، فسأل عنه، فقيل: إنه

⦗ص: 63⦘

سمع منادي جرجير يقول: من قتل عبد اللَّه بن سعد، فله مائة ألف دينار وأزوَّجه ابنتي، وهو يخاف. فحضر عنده (في خيمته) وقال له: تأمر منادياً ينادي من أتاني برأس جرجير نفلته مائة ألف، وزوَّجته ابنتك، واستعملته على بلاده، ففعل ذلك، فصار جرجير يخاف أشد من عبد اللَّه.

ثم إن عبد اللَّه بن الزبير قال لعبد اللَّه بن سعد: إن أمرنا يطول مع هؤلاء وهم في أمداد متصلة وبلادهم لهم، ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم، وقد رأيت أن نترك غداً جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين ونقاتل نحن الروم في باقي العسكر إلى أن يضجروا أو يملوا، فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون، ونقصدهم على غرة، فلعل اللَّه ينصرنا عليهم. فأحضر جماعة من أعيان الصحابة واستشارهم، فوافقوه على ذلك، فلما كان الغد فعل عبد اللَّه ما اتفقوا عليه، وأقام جميع شجعان المسلمين في خيامهم وخيولهم عندهم مسرجة، ومضى الباقون فقاتلوا الروم إلى الظهر قتالاً شديداً. فلما أذن بالظهر همَّ الروم بالانصراف على العادة فلم يمكنهم ابن الزبير وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم، ثم عاد عنهم هو والمسلمون فكل من الطرفين ألقى سلاحه ووقع تعباً فعند ذلك أخذ عبد اللَّه بن الزبير من كان مستريحاً من شجعان المسلمين وقصد الروم، فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم وحملوا عليهم حملة رجل واحد وكبَّروا فلم يتمكن الروم من لبس السلاح حتى غشيهم المسلمون.

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 5/ص 48، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 480.

(2)

أسلم عبد اللَّه بن سعد قبل الفتح وهاجر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتد مشركاً، وسار إلى قريش بمكة فقال لهم: إني كنت أصرف محمداً حيث أريد، كان يملي عليَّ {عزيز حكيم} فأقول: أو عليم حكيم فيقول: نعم كل صواب. فلما كان يوم الفتح أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقتله ولو وجد تحت أستار الكعبة، ففر عبد اللَّه بن سعد إلى عثمان بن عفان فتبعه عثمان حتى أتى به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول اللَّه طويلاً ثم قال: نعم، فلما انصرف عثمان قال رسول اللَّه لمن حوله: ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه، فقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلي يا رسول اللَّه؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين، وأسلم ذلك اليوم فحسن إسلامه ولم يظهر منه بعد ذلك ما ينكر عليه.

(3)

اللقاح: جمع اللقحة وهي الناقة الحلوب الغزيرة اللبن، وقد شبَّه مصر بها، ودرَّت أي أخرجت لبنها. [القاموس المحيط، مادة: لقح] .

(4)

هو نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي الطائفي، أول من ابتنى داراً، واقتنى الخيل بالبصرة، كان من رقيق أهل الطائف أمه مولاة للحارث، واعترف الحارث أنه ولده فنسب إليه، ولما ظهر الإسلام، نزل من الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم، شهد الحروب ثم كان مع عتبة بن غزوان حين وجهه عمر إلى الأهواز والأبله، نزل عتبة بأرض البصرة قبل أن تُبنى، فتح الأبله فوجد فيها غنائم كثيرة، فكتب بخبرها إلى عمر، وأرسل الكتاب مع نافع فسر عمر والمسلمون. للاستزادة راجع: الأخبار الطوال ص 123، الإصابة ترجمة 8654، الاستيعاب ج 3/ص 512، فتوح البلدان للبلاذري ص 359، معجم البلدان ج 2/ص 192

(5)

هو عقبة بن نافع بن عبد القيس الأموي، القرشي، الفهري، فاتح من كبار القادة في صدر الإسلام، هو باني مدينة القيروان، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة 1 ق. هـ، ولا صحبة له، شهد فتح مصر وهو ابن خالة عمرو بن العاص، فوجهه عمرو إلى أفريقية سنة 42 هـ والياً، فافتتح كثيراً من تخوم السودان وكُوَرها في طريقه، وعلا ذكره، فولاه معاوية أفريقية سنة 50 هـ، فأوغل في بلاد أفريقية حتى أتى وادي القيروان، فأعجبه، فبنى فيه مسجداً لا يزال إلى اليوم يُعرف بجامع عقبة، وأمر من معه فبنوا فيه مساكنهم، عزله معاوية سنة 55 هـ، فعاد إلى المشرق، ولما توفي معاوية ولاه يزيد على المغرب سنة 62 هـ، فقصد القيروان وخرج منها بجيش كثيف، ففتح حصوناً ومدناً، تقدم إلى المغرب الأقصى، فبلغ البحر المحيط، وعاد فلما كان في تهودة وهي من أرض الزاب تقدمته العساكر إلى القيروان وبقي في عدد قليل، فطمع به الفرنج، فأطبقوا عليه فقتلوه ومن معه ودفن بالزاب سنة 63 هـ. للاستزادة راجع: الاستقصا ج 1/ص 36، البيان المغرب ج 1/ص 19، فتح العرب للمغرب ص 130، بغية الرواد ج 1/ص 76.

(6)

قال مستر ج. ب. بري الذي علَّق على كتاب جيبون في سقوط الإمبراطورية الرومانية - طبعة سنة 1911 م، ج 5/ص 490، بالهامش -:"ولا شك في أن جريجوري ثار على كوتستانس وأعلن نفسه إمبراطوراً".

(7)

هو عبد اللَّه بن الزبير بن العوام، القرشي، الأسدي، أبو بكر، فارس قريش في زمنه، أول مولود في المدينة بعد الهجرة ولد سنة 1 هـ، شهد فتح أفريقية زمن عثمان، بويع له بالخلافة سنة 64 هـ، عقيب موت يزيد بن معاوية، فحكم مصر، والحجاز، واليمن، وخراسان، والعراق، وأكثر الشام، وجعل قاعدة ملكه المدينة، كانت له مع الأمويين مواقع هائلة حتى سيَّروا إليه الحجاج بن يوسف الثقفي في أيام عبد الملك بن مروان، فانتقل إلى مكة، نشبت بينهما حروب انتهت بمقتل ابن الزبير بعد ما خذله أصحابه، وهو في عشر الثمانين سنة 73 هـ، كان من الخطباء المعدودين في قريش، يشبه بذلك بأبي بكر، كانت مدة خلافته تسع سنين، نقش في أيامه الدراهم وكتب على وجه "محمد رسول اللَّه" وعلى الآخر "أمر اللَّه بالوفاء والعدل"، وهو أول من ضرب الدراهم المستديرة. للاستزادة راجع: ج 4/ص 135، فوات الوفيات ج 1/ص 210، تاريخ الخميس ج 2/ص 301، حلية الأولياء ج 1/ص 329، اليعقوبي ج 3/ص 2، صفة الصفوة ج 1/ص 322، الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 7/ص 202، تهذيب ابن عساكر ج 7/ص 396، شذور العقود للمقريزي ص 6، جمهرة الأنساب ص 113.

ص: 60

- قتل جرجير وانهزام الروم (1)

انتصر المسلمون بفضل الخطة التي دبرها عبد اللَّه بن الزبير، لأن الجيشين اعتادا القتال إلى الظهر وطرح السلاح والركون إلى الراحة بعد العناء من القتال، ثم استئناف الحرب في اليوم التالي وهكذا. ولو بقي الحال على هذا المنوال لطال أمد القتال بلا جدوى لكن عبد اللَّه رأى أن يحارب بنصف الجيش في الصباح والنصف الآخر بعد الظهر حتى لا يتمكن العدو من الراحة كما ألف.

وعبد اللَّه بن الزبير بن العوام أمه أسماء بنت أبي بكر الصدَّيق ذات النطاقين - وهو أول

⦗ص: 64⦘

مولود في الإسلام بعد الهجرة - فحنكه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتمرة لاكها في فيه، ثم حنكه بها، فكان ريق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أول شيء دخل جوفه، وسماه عبد اللَّه، وكان صوّاماً قوّاماً، طويل الصلاة، عظيم الشجاعة. وقد أخطأ جيبون في كتابه:"سقوط الدولة الرومانية" فتوَّهم أن الذي انتصر في هذه الموقعة هو الزبير نفسه الذي تسلق حصن بابليون، والصواب أنه عبد اللَّه بن الزبير، كما ذكره ابن الأثير وابن خلدون.

انهزم الروم وقتل منهم خلق كثير وقتل جرجير. قتله ابن الزبير وأخذت ابنته سبية وكانت تحارب مع أبيها وهي موصوفة بالجمال وتحسن ركوب الخيل وتجيد الرمي. وحاصر المدينة عبد اللَّه بن سعد حتى فتحها ووجد فيها من الأموال شيئاً كثيراً، وكان سهم الفارس 3000 دينار وسهم الراجل ألفاً، وقد دام القتال خمسة عشر شهراً.

ولما فتح عبد اللَّه مدينة سبيطلة بثَّ جيوشه في البلاد، فبلغت قَفْصَة (2) فسبوا وغنموا، وسير عسكره إلى حصن الأجم، وقد احتمى به أهل تلك البلاد فحاصره، وفتحه بالأمان، فصالحه أهل أفريقية على 2. 500. 000 دينار (3) . ونفل عبد اللَّه بن الزبير ابنة الملك، وأرسل إلى عثمان البشارة، وكان مقام عبد اللَّه بن سعد سنة وثلاثة أشهر وذلك سنة 27 هـ، وحمل الخمس إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بمبلغ 500. 000 دينار فوضعها عنه عثمان، وكان هذا مما أُخذ عليه (4) .

ومروان بن الحكم هو ابن عم عثمان، وكان مع أبيه بالطائف حتى استخلف عثمان فردهما، واستكتب عثمان مروان وضمَّه إليه.

وفي ذلك بقول عبد الرحمن الكندي:

سأحلف باللَّه جهد اليميـ

ـن (اليمين) ما ترك اللَّه أمراً سدى

ولكن خلقت لنا فتنة

لكي نبتلي بك أو تبتلي

دعوت اللعين فأدنيته

خلافاً لسنة من قد مضى

وأعطيت مروان خمس العبا

د (العباد) ظلماً لهم وحميت الحمى

كان بيع خمس الغنائم لمروان (5) مما أخذ على عثمان رضي الله عنه:

⦗ص: 65⦘

.

أولاً: لأن مروان ابن عمه.

ثانياً: لأنه لا يُعلم على أي أساس قدر الخمس بهذا المبلغ فقد يساوي أضعاف ذلك.

ثالثاً: لأن عثمان هو الذي دفع المبلغ.

رابعاً: لأنه لم تجر سنة رسول اللَّه وأبي بكر وعمر ببيع الغنائم لا إلى غريب، ولا إلى قريب، بل كانت توزع على المسلمين في الحال. أما ابن الزبير فإنه رجع إلى عثمان بالبشارة بفتح أفريقية ومعه ابنة جرجير. وقيل: بل وقعت لرجل آخر من الأنصار.

(1) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 484.

(2)

قَفْصَة: هي بلدة صغيرة بينها وبين القيروان ثلاثة أيام.

(3)

وقيل بذلوا له 300 قنطار من الذهب.

(4)

ابن كثير، البداية والنهاية ج 7/ص 152.

(5)

ذكر ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 484:"وحمل خُمس أفريقية إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار، فوضعها عنه عثمان، وكان هذا مما أُخذ عليه".

ص: 63

- فتح قبرص (1)(سنة 28 هـ/ 649 م) :

قبرص (2) من أكبر جزائر البحر الأبيض المتوسط في أقصى شرقيه، وهي جزيرة جبلية بها سلسلتان من الجبال. يشتغل أهلها بالزراعة وأرضها خصبة جداً، وكانت تابعة للإمبراطورية الرومانية. كان فتح قبرص على يد معاوية سنة 28 هـ غزاها في هذه السنة، وغزاها معه جماعة من الصحابة، فيهم أبو ذر (3) ،

⦗ص: 66⦘

وعبادة بن الصامت (4) ، ومعه زوجته أم حرام (5) ، وأبو الدرداء (6) ، وشداد بن أوس (7) . واستعمل عليهم عبد اللَّه بن قيس الحارثي (8) . وكان معاوية قد ألحَّ على عمر بن الخطاب في غزو

⦗ص: 67⦘

البحر لقرب الروم من حمص. وقال: إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نُباح كلابهم وصياح دجاجهم. فكتب عمر إلى عمرو بن العاص: صف لي البحر وراكبه. فكتب إليه عمرو بن العاص:

"إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء. إن ركد خرق القلوب وإن تحرك أزاغ العقول. يزاد فيه اليقين قلة. والشك كثرة. وهم فيه كدود على عود إن مال غرق وإن اعتدل برق"(9) .

فلما قرأ الكتاب عمر كتب إلى معاوية:

"والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لا أحمل فيه مسلماً أبداً، وقد بلغني أن بحر الشام يشرف على أطول شيء من الأرض فيستأذن اللَّه في كل يوم وليلة أن يغرق الأرض!! فكيف أحمل الجنود على هذا الكافر باللَّه، لمسلم أحب إليَّ مما حوت الروم وإياك أن تعرض إليَّ فقد علمت ما لقي العلاء مني"(10) .

إن هذا الكتاب غريب فإنه يدل على أن العرب كانوا يخشون البحر، وقد حسبه عمر خطراً يهدد الأرض بالغرق كل يوم وليلة واعتبره كافراً. وعلى كل حال كان عمر رضي الله عنه يكره أن يجازف بالمسلمين في البحر.

فلما كان زمن عثمان رضي الله عنه كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر وألحَّ عليه في ذلك. وأخيراً أجابه عثمان. ولكنه احتاط فلم يجعل التجنيد إجبارياً بل جعله اختيارياً حيث قال:

"لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم. خيِّرهم، فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه". وبهذه نراه أجاب معاوية من جهة، ومن جهة أخرى لم يجازف بإرسال المسلمين، فجعل التجنيد

⦗ص: 68⦘

اختيارياً حتى إذا ما هزموا لم يكن ملوماً، والظاهر أنه كان لا يزال متأثراً برأي عمر من حيث تخوفه من البحر. فأول أسطول جهزه المسلمون كان لغزو قبرص سنة 28 هـ تحت قيادة عبد اللَّه بن قيس، وسار إليها عبد اللَّه بن سعد من مصر بسفن أقلعت من الإسكندرية فاجتمعوا غليها فصالحهم أهلها على جزية 7000 دينار كل سنة (11) يؤدون إلى الروم مثلها ولا منعة لهم على المسلمين ممن أرادهم من سواهم، وعلى أن يكونوا عوناً للمسلمين على عدوهم ويكون طريق الغزو للمسلمين عليهم. وعلى ذلك أخذت قبرص بسهولة فقد كانت الحامية المسيحية فيها ضعيفة. وقيل: إن عبد اللَّه بن قيس غزا في البحر خمسين غزوة بين شاتية وصائفة، ولم يغرق فيه أحد، ثم إنه قتل عندما كان مشتغلاً بكشف مرفأ في الروم، إذ خرج في قارب طليعة، فانتهى إلى المرفأ من أرض الروم، فعرفوه وقتلوه، ذلك في آخر زمان عبد اللَّه بن قيس الحارثي.

وفي هذه الغزوة ماتت أم حرم بيت ملحان الأنصارية زوجة عبادة بن الصامت. ألقتها بغلتها بجزيرة قبرص فاندقت عنقها فماتت تصديقاً للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكرمها ويزورها في بيتها ويقيل عندها، وأخبرها أنها شهيدة. ففي ذات يوم نام في بيتها فاستيقظ وهو يضحك وقال:"عُرض عليَّ ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة". فقالت: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يجعلني منهم. قال: "إنك منهم". ثم نام فاستيقظ وهو يضحك فقالت: يا رسول اللَّه ما يضحكك؟! قال: "عُرض عليَّ ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة". قالت: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يجعلني منهم. قال: أنت من الأولين" (12) . فتزوجها عبادة بن الصامت فأخرجها معه، فلما جاز البحر ركبت دابة فصرعتها فقتلتها وقد دفنت رحمها اللَّه في قبرص.

وفي هذه السنة 28 هـ تزوج عثمان نائلة ابنة الفرافصة، وكانت نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها (13) . وسيأتي لها ذكر عند مقتل عثمان رضي الله عنه. وفيها بنى عثمان داره بالمدينة المسماة بالزوراء وفرغ منها.

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 600، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 488، السيوطي، تاريخ الخلفاء ص 123:"وفي سنة سبع وعشرين هجرية غزا معاوية قُبْرُس"، الذهبي، تاريخ الإسلام ج 3/ص 325.

(2)

وهي عند الطبري في تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 600، وابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 488، والسيوطي، تاريخ الخلفاء ص 123، والذهبي في تاريخ الإسلام ج 3/ص 325:"قُبْرُس" بالسين، والمؤلف هنا أوردها بالصاد.

(3)

أبو ذر الغفاري هو جندب بن جُنادة بن سفيان بن عبيد، من بني غفار، من كنانة بن خزيمة، أبو ذر، صحابي من كبارهم، قديم الإسلام، يقال: أسلم بعد أربعة وكان خامساً، يضرب به المثل في الصدق، هو أوَّل من حيَّا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، هاجر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى بادية الشام، فأقام إلى أن توفي أبو بكر وعمر وولي عثمان، فسكن دمشق وجعل ديدنه تحريض الفقراء على مشاركة الأغنياء في أموالهم، فاضطرب هؤلاء، فشكاه معاوية - وكان والي الشام - إلى عثمان الخليفة، فاستقدمه الأخير إلى المدينة، فاستأنف على نشر رأيه، فأمره عثمان بالرحيل إلى الربذة وهي قرية من قرى المدينة، فسكنها إلى أن مات سنة 32 هـ، ولمَّا مات لم يكن في داره ما يكفَّن به وذلك لأنه كان كريماً لا يخزن من المال قليلاً ولا كثيراً، ولعل أول اشتراكي طاردته الحكومات. في اسمه واسم أبيه خلاف. للاستزادة راجع: طبقات ابن سعد ج 4/ص 161، الإصابة ج 7/ص 60، صفة الصفوة ج 1/ص 238، حلية الأولياء ج 1/ص 156، ذيل المذيّل ص 27، الذريعة ج 1/ص 316، الكنى والأسماء ج 1/ص 28.

(4)

عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي، شهد العقبة الأولى والثانية، وكان نقيباً على قوافل بني عوف بن الخزرج، وآخى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي مرئد الغنوي، وشهد بدراً، وأحداً، والمشاهد كلها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، واستعمله على بعض الصدقات، وكان يُعلِّم أهل الصفة القرآن، ولما فتح المسلمون الشام، أرسله عمر بن الخطاب، وأرسل معه معاذ بن جبل، وأبا الدرداء ليعلموا الناس القرآن ويفقِّهوهم في الدين، وأقام عبادة بحمص وكان طويلاً جسيماً جميلاً.

(5)

هي أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام الأنصارية، الخزرجية، وهي خالة أنس بن مالك رضي الله عنه وزوجة عبادة بن الصامت رضي الله عنه، توفيت بقبرس سنة 27 هـ ودفنت بها. ابن الأثير، الكامل في التاريخ ص 489 الهامش رقم (1) .

(6)

هو عويمر بن مالك بن قيس بن أمية، الأنصاري، الخزرجي، أبو الدرداء، وهو مشهور بهذا الاسم، المتوفى سنة 32 هـ، صحابي، من الحكماء والفرسان القضاة، كان قبل البعثة تاجراً، ثم انقطع للعبادة، اشتهر بالشجاعة والنسك، هو أوَّل قاضٍ في الشام، ولاه معاوية بأمر من عمر، قال ابن الجزري: "كان من العلماء الحكماء، وهو أحد الذين جمعوا القرآن، حفظاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف. للاستزادة راجع: الإصابة ج 1/ص 11، حلية الأولياء ج 1/ص 167، الاستيعاب ج 3/ص 250، التاج ج 2/ص 300، غاية النهاية ج 1/ص 260، صفة الصفوة ج 1/ص 57، حُسن الصحابة 110، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/ص 123، الكوكب الدرية ج 1/ص 260، تهذيب التهذيب ج 8/ص 160، تاريخ البخاري الكبير ج 7/ص 177، الثقات ج 3/ص 168، أُسد الغابة ج 4/ص 200، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 300، طبقات ابن سعد ج 2/107.

(7)

هو شداد بن أوس بن ثابت الخزرجي، الأنصاري، أبو يعلى، صحابي من الأمراء، ولاه عمر ولاية حمص، لما قُتل عثمان اعتزل، وعكف على العبادة، كان فصيحاً، حليماً، حكيماً، قال أبو الدرداء:"لكل أمة فقيه، وفقيه هذه الأمة شداد بن أوس". توفي في القدس سنة 58 هـ، عن 75 سنة. له في كتب الحديث روايات. للاستزادة راجع: تهذيب الكمال ج 1/ص 573، تهذيب التهذيب ج 1/ص 347، خلاصة تهذيب الكمال ج 1/ص 444، الكاشف ج 2/ص 5، الثقات ج 2/ص 185، أُسد الغابة ج 2/ص 547، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 253، الاستيعاب ج 2/ص 694، الإصابة ج 3/ص 319، طبقات ابن سعد ج 2/ص 374، صفة الصفوة ج 1/ص 296، حلية الأولياء ج 1/ص 264.

(8)

هو عبد اللَّه بن قيس الحارثي، حليف بني فزارة، أمير البحر في صدر الإسلام، كان مقيماً في الشام، أراد معاوية غزو قبرس فولاه قيادة الغزاة سنة 27 هـ فتقدم يريدها فالتقى بعبد اللَّه بن سعد قادماً في غزو مصر، فصالحهما أهل قبرس على سبعة آلاف دينار يؤدونها كل سنة، غزا خمسين غزاة، صيفاً وشتاءً، ولم يغرق من جيشه أحد، ولم ينكب، قتله الروم وهو يطوف في أحد المرافئ متخفَّياً، دلَّتهم عليه امرأة كانت تتسوَّل فأعطاها، فعرفته فراسة. للاستزادة راجع: الكامل لابن الأثير ج 3/ص 37، الإصابة ترجمة 6335.

(9)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 600، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 488.

(10)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 600، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 488.

(11)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 601، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 489.

(12)

رواه أحمد في (م 6/ص 361) .

(13)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 603.

ص: 65

- عزل أبي موسى الأشعري عن البصرة وتولية عبد اللَّه بن عامر (1)(سنة 29 هـ/ 650 م)

⦗ص: 70⦘

.

عزل عثمان رضي الله عنه في سنة 29 هـ أبا موسى الأشعري عن البصرة لثلاث سنين مضت من خلافته. وولى عبد اللَّه بن عامر بن كريز (2) وهو ابن خاله (3) .

وكان سبب عزل أبي موسى أن أهل ايْذَج (4) ، والأكراد كفروا، فنادى أبو موسى في الناس وحضَّهم وندبهم، وذكر من فضل الجهاد في الرُّجلة (5) حتى حمل نفر على دوابهم وأجمعوا على أن يخرجوا رجالاً (6) . وقال آخرون: لا واللَّه لا نعجل بشيء حتى ننظر ما يصنع، فإن أشبه قوله فعله فعلنا كما يقول، فلما خرج أخرج ثقله (7) من قصره على أربعين بغلاً، فتعلقوا بعنانه وقالوا: احملنا على بعض هذه الفضول وارغب في المشي كما رغَّبتنا، فضرب القوم بسوطه، فتركوا دابته فمضى، وأتوا عثمان فاستعفوه منه، وقالوا: ما كل ما نعلم نحب أن نقوله فأبدلنا نه. فقال: من تحبون؟ فقالوا: غيلان بن خرشة، في كل أحد عوض من هذا العبد الذي قد أكل أرضاً وأحيا أمر الجاهلية فينا. أما منكم خسيس فترفعوه! أما منكم فقير فتجبروه! يا معشر قريش حتى

⦗ص: 71⦘

يأكل هذا الشيخ الأشعري هذه البلاد؟ فانتبه لها عثمان فعزل أبا موسى وولَّى عبد اللَّه بن عامر، فلما سمع أبو موسى قال: يأتيكم غلام عمر، خراج، ولَاّج، كريم الجدات، والخالات، والعمات، يجمع له الجندان، وكان عمر عبد اللَّه خمساً وعشرين سنة، وجمع له جند أبي موسى، وجند عثمان بن أبي العاص الثقفي (8) من عمان والبحرين، واستعمل على خراسان عمير بن عثمان بن سعد (9) ، وعلى سجستان عبد اللَّه بن عمير الليثي وهو من ثعلبة، فأثخن فيها إلى كابل، وأثخن عمير في خراسان حتى بلغ فرغانة لم يدع دونها كورة إلا أصلحها، وبعث إلى مكران عبيد اللَّه بن معمر (10) ، فأثخن فيها حتى بلغ النهر، وبعث إلى كرمان عبد الرحمن بن

⦗ص: 72⦘

عبيس، وبعث إلى الأهواز وفارس نفراً، ثم عزل عبد اللَّه بن عمير، واستعمل عبد اللَّه بن عامر فأقره عليها سنة، ثم عزله واستعمل عاصم بن عمرو (11) وعزل عبد الرحمن بن عبيس وأعاد عدي بن سهيل بن عدي (12) ، وصرف عبيد اللَّه بن معمر إلى فارس، واستعمل مكانه عمير بن عثمان، واستعمل على خراسان أمير (13) بن أحمر اليشكري، واستعمل على سجستان سنة أربع عمران بن الفضيل البرجمي، ومات عاصم بن عمرو بكرمان (14) .

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 604، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 491.

(2)

هو عبد اللَّه بن عامر بن كُريز بن ربيعة، الأموي، أبو عبد الرحمن، أمير فاتح، ولد بمكة سنة 4 هـ، ولي البصرة أيام عثمان سنة 29 هـ، فوجَّه جيشاً إلى سجستان فافتتحها صلحاً، وافتتح الدوار وغيرها، قُتل عثمان وهو على البصرة، شهد وقعة الجمل ولم يحضر صفِّين، ولاه معاوية البصرة ثلاث سنين بعد اجتماع الناس على خلافته، ثم صرفه منها، فأقام في المدينة ومات بمكة سنة 59 هـ، دفن بعرفات، كان شجاعاً، سخياً، وصولاً لقومه، رحيماً، محباً للعمران، هو أول من اتخذ الحياض بعرفة، وأجرى إليها العين، وسقى الناس الماء، قال الإمام عليّ:"ابن عامر سيد فتيان قريش"، ولما بلغ معاوية نبأ وفاته قال:"يرحم اللَّه أبا عبد الرحمن، بمن نفاخر ونباهي". للاستزادة راجع: تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/ص 266، طبقات ابن سعد ج 5/ص 30، البدء والتاريخ ج 5/ص 109، أشهر مشاهير الإسلام ص 854، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 206.

(3)

ابن كثير، البداية والنهاية ص 154.

(4)

أيذج: كورة وبلد بين خوزستان وأصبهان، وهي في وسط الجبال، يقع بها ثلج كثير، زرعهم على الأمطار، لهم بطيخ كثير، وهي كثيرة الزلازل، وبها معادن كثيرة، وبها بيت نار قديم كان يوقد إلى أيام الرشيد.

(5)

الرُّجْلة: القوة على المشي. [القاموس المحيط، مادة: رَجَلَ] .

(6)

رجالاً: أي ماشين. [القاموس المحيط، مادة: رَجَلَ] .

(7)

ثقله: أمتعته وأثقاله كلها.

(8)

هو عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد بن دهمان أبو عبد اللَّه، الثقفي، من أهل الطائف، أسلم في وفد ثقيف، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الطائف، فبقي في عمله لأيام عمر، المتوفى سنة 51 هـ، وهو الذي منع ثقيفاً عن الردَّة، خطبهم فقال:"كنتم آخر الناس إسلاماً فلا تكونوا أولهم ارتداداً". للاستزادة راجع: طبقات ابن سعد ج 5/ص 66، جمهرة الأنساب ص 118، تهذيب التهذيب ج 7/ص 67، تقريب التهذيب ج 2/ص 90، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 13، الكاشف ج 2/ص 55، تاريخ البخاري الكبير ج 6/ص 80، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 112، الجرح والتعديل ج 6/ص 200، البداية والنهاية ج 8/ص 155، الثقات ج 3/ص 301، أُسد الغابة ج 3/ص 267، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 310، الإصابة ج 4/ص 225، الاستيعاب ج 3/ص 112، سير الأعلام ج 2/ص 11، أسماء الصحابة الرواة ترجمة ص 95.

(9)

هو عمير بن سعد بن عبيد الأوسي، الأنصاري، صحابي من الولاة الزُّهَّاد، وكان عمر يقول:"وددت أن لي رجالاً مثل عمير بن سعد أستعين بهم على أعمال المسلمين". وفي تقريب التهذيب: "كان عمر بن الخطاب يسميه "نسيج وحده" وهي كلمة تطلق على الفائق". للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة 6038، صفة الصفوة ج 1/ص 280، حلية الأولياء ج 1/ص 85، تهذيب الكمال ج 2/ص 76، تهذيب التهذيب ج 8/ص 165، تقريب التهذيب ج 2/ص 260، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 300، تعجيل المنفعة ج/ص 400، تاريخ البخاري الكبير ج 6/ص 110، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 200، الجرح والتعديل ج 6/ص 371، الثقات ج 3/ص 153، أُسد الغابة ج 2/ص 250، الاستيعاب ج 3/ص 201.

(10)

هو عبد اللَّه بن معمر بن عثمان التيمي القرشي، أمير من القادة الشجعان الأشداد، ومن أجواد قريش، ولاه عثمان بن عفان قيادة جيش الفتح في أطراف اصطخر، ونشبت معارك استشهد في إحداها، وبلغ من قوته أنه كان يأخذ عظم البقر الشديد الذي لا يكسر إلا بالفؤوس فيكسره بيده ويأخذ مخَّه. للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة 5319، ابن الأثير، الكامل في التاريخ أحداث سنة 23.

(11)

هو عاصم بن عمرو التميمي، أحد الشعراء الفرسان، من الصحابة، له أخبار وأشعار في فتوح العراق، أبلى في القادسية البلاء الحسن. للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة 4349.

(12)

هو عدِّي بن حاتم بن عبد اللَّه بن سهيل بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أحزم بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ، أبو طريف، الطائي، المتوفى سنة 68 هـ وله من العمر 120 سنة، صحابي شهير ممن ثبت على الإسلام وحضر فتوح العراق وحروب علي. للاستزادة راجع: تهذيب الكمال ج 2/ص 120، تهذيب التهذيب ج 7/ص 282، تقريب التهذيب ج 2/ص 10، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 311، الكاشف ج 2/ص 111، تعجيل المنفعة ج 1/ص 16، تاريخ البخاري الكبير ج 7/ص 220، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 301، الجرح والتعديل ج 7/ص 265، الثقات ج 3/ص 110، أُسد الغابة ج 4/ص 225، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 312، الإصابة ج 4/ص 65، الاستيعاب ج 3/ص 200، أسماء الصحابة الرواة ترجمة 49، طبقات ابن سعد ج 1/ص 209.

(13)

ورد في الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 605:"أمين"، وفي ابن الأثير، الكامل في التاريخ:"أُمَيْر".

(14)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 605، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 492.

ص: 68

- عثمان رضي الله عنه يصلي بمِنَى صلاة المقيم (1)(سنة 29 هـ/ 650 م) :

صلى عثمان بالناس بمنى أربعاً، فأتى آتٍ عبد الرحمن بن عوف فقال: هل لك في أخيك؟ قد صلى بالناس أربعاً. فصلى عبد الرحمن بأصحابه ركعتين، ثم خرج حتى دخل على عثمان فقال له: ألم تصلِّ في هذا المكان مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ركعتين؟ قال: بلى. قال: أفلم تصلِّ مع أبي بكر ركعتين؟ قال: بلى. قال: أفلم تصلِّ مع عمر ركعتين؟ قال: بلى. قال: ألم تصلِّ صدراً من خلافتك ركعتين؟ قال: بلى. ثم قال: فاسمع مني يا أبا محمد، إني أخبرت أن بعض من حج

⦗ص: 73⦘

من أهل اليمن وجفاة الناس قد قالوا في عامنا الماضي: إن الصلاة للمقيم ركعتان، هذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين وقد اتخذت بمكة أهلاً فرأيت أن أصلي أربعاً لخوف ما أخاف على الناس، وأخرى قد اتخذت بها زوجة ولي بالطائف مال، فربما أطلعته فأقمت بعد الصدر. فقال عبد الرحمن بن عوف: ما من هذا شيء لك فيه عذر. أما قولك: اتخذت أهلاً فزوجتك في المدينة تخرج بها إن شئت، وتقدم بها إذا شئت إنما تسكن بسكناك. وأما قولك: ولي مال بالطائف، فإن بينك وبين الطائف مسيرة ثلاث ليال، وأنت لست من أهل الطائف. وأما قولك: يرجع من حج من أهل اليمن وغيرهم فيقولون هذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين وهو مقيم، فقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي والناس يومئذٍ الإسلام فيهم قليل، ثم أبو بكر مثل ذلك، ثم عمر. فضرب الإسلام بجرانه فصلى بهم عمر حتى مات ركعتين. فقال عثمان: هذا رأي رأيته.

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 606، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 494.

ص: 72

- موقعة الصواري (1)(سنة 31 هـ/ 652 م) :

بعد ثلاث سنين من سقوط قبرص في يد المسلمين خرج الروم في جمع لم يجتمع مثله لهم قط منذ كان الإسلام فخرجوا في أسطول مؤلف من 500 سفينة، وقيل أكثر. وتحدُّوا المسلمين وعليهم عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح الذي جهز كل سفينة في مصر، وكانت مراكب المسلمين مائتي مركب ونيفاً، واختار جيشاً من الشجعان، فأمن الفريقان بعضهم بعضاً حتى قرنوا بين سفن المسلمين والروم بين صواريها، وكانت الريح هبَّت فرست السفن على الشاطئ، وربط المسلمون السفن بعضها إلى ببعض بالقرب من الإسكندرية، واشتبك القتال بين الفريقين ووثب الرجال على الرجال يتضاربان بالسيوف على السفن حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج وطرحت الأمواج جثث الرجال فقتل من المسلمين بشر كثير وقتل من الروم عدد كثير أيضاً، وصبروا يومئذ صبراً لم يصبروا مثله في موطن قط. وفي النهاية عجز الروم عن مقاومة المسلمين لشجاعتهم وحسن بلائهم، وانهزموا، وفرَّ قائدهم إلى سرقوسة (Syracause) وهي أكبر مدينة بجزيرة صقلية (2)(Scile) .

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 618، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 13، ابن كثير، البداية والنهاية ج 7/ص 157.

(2)

صِقِلِّية: بثلاث كسرات وتشديد اللام والياء أيضاً مشدَّدة، وبعضهم يقول: بالسين، وأكثر أهل صقلّية يفتحون الصاد واللام، وهي من جزائر البحر الأبيض المتوسط، مثلثة الشكل، خصيبة وبها مدينة بلرم. ذكر ابن حمديس صقلية في شعره فقال:

ذكرت صقلية والهوى

بهيج للنفس تذكارها

فإن كنت أخرجت من جنة

فإني أحدث أخبارها

ولمَّا فتحها المسلمون عمروها، وأحسنوا عمارتها بعد أن كانت خاملة، وفيها كثير من الفواكه.

ص: 73

- من هو قائد الروم في موقعة الصواري (1) ؟

⦗ص: 74⦘

.

جاء في تاريخ الطبري وصف معركة الصواري وذكر قائد الروم كما يلي (2) :

"فلقوا جموع الروم في خمسمائة أو ستمائة فيها القسطنطين بن هرقل فقال: أشيروا عليَّ. قالوا: ننظر الليلة، فباتوا يضربون بالنواقيس، وبات المسلمون يصلون ويدعون اللَّه، ثم أصبحوا وقد أجمع القسطنطين أن يقاتل، فقربوا سفنهم، وقرب المسلمون، فربطوا بعضها إلى بعض، وصف عبد اللَّه بن سعد المسلمين على نواحي السفن، وجعل يأمرهم بقراءة القرآن، ويأمرهم بالصبر، ووثب الروم في سفن المسلمين على صفوفهم حتى نقضوها فكانوا يقاتلون على غير صفوف. فاقتتلوا قتالاً شديداً. ثم إن اللَّه نصر المؤمنين فقتلوا منهم مقتلة عظيمة لم ينج من الروم إلا الشريد".

فأنت ترى أن اسم القائد الروماني في موقعة الصواري كما ذكره الطبري (3)"القسطنطين بن هرقل"، وذكره ابن الأثير (4) في تاريخه بدون أداة تعريف "قسطنطين". واكتفى الأستاذ موير (5) في كتابه (الخلافة ص 206 طبعة سنة 1924) بقوله:

"إن قائد الروم أبحر إلى سرقوسة، وهنالك غضب عليه أهلها لانهزامه وعجلوا بقتله في حمامه" وكتب في الهامش: إن كنستانس الثاني - بناء على رأي تيوفان - هو الذي قتل بهذه الكيفية. وقال الأستاذ واشنجتون [واشنطون] ايرفنج (6) : "إن الإمبراطور فرَّ بالمراكب". والحقيقة أن قائد الروم في

⦗ص: 75⦘

موقعة الصواري هو كنستانس الثاني الذي ذكره مؤرخو العرب باسم قسطنطين، وكان هذا الإمبراطور يلقب بـ:"هرقل" وسمي عند تتويجه بـ: "قسطنطين"، إلا أن تيوفان يسميه "كنستانس" وهو معروف بكنستانس الثاني واسمه الرسمي "قسطنطين" فهو بالضبط كنستانس الثاني ابن قسطنطين الثالث ابن هرقل، وكان موله سنة 630 م. وذكرت دائرة المعارف البريطانية في الطبعة الأخيرة:"أنه قتل في الحمام من غير أن تذكر أسباب قتله".

وجاء في المقريزي:

"فبعث اللَّه عليهم ريحاً فغرقتهم إلا قسطنطين، فإنه نجا بمركبه، فألقته الريح بصقلية. فسألوه عن أمره، فأخبرهم. فقالوا: شتتت النصرانية، وأفنيت رجالها. ولو دخلت العرب علينا لم نجد من يردهم. فقال: خرجنا مقتدرين فأصابنا هذا. فصنعوا له الحمام ودخلوا عليه. فقال: ويلكم يذهب رجالكم وتقتلون ملككم! قالوا: كأنه غرق معهم، ثم قتلوه، وخلوا من كان معه في المركب.

وفي هذه السنة - 31 هـ - غزا عبد اللَّه غزوة الأساود حتى بلغ دنقلة.

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 618، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 14.

(2)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 619.

(3)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 618.

(4)

ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 13.

(5)

هو وِلْيَم مُوِير (1234 هـ - 1323 هـ، 1819 م - 1905 م) مستشرق بريطاني من أصل اسكتلندي، أمضى حياته في خدمة الحكومة البريطانية، بالهند، دخل البنغال وعمل في الاستخبارات، تعلم الحقوق في جامعتي (جلاسجو وايدنبرج) وكان سكرتيراً لحكومة الهند سنة 1865- 1868 م، ثم عُيِّن مديراً لجامعة ايدنبرج سنة 1885- 1902 م، له: شهادة القرآن لكتب أنبياء الرحمن، السيرة النبوية، تاريخ الخلافة الإسلامية، تاريخ دولة المماليك في مصر، وله مقالات في شعراء العرب.

(6)

إيرفينغ واشنطن (1783 م - 1859 م) أديب أميركي، من رواد الأدب في أميركا الشمالية. للاستزادة راجع: المنجد في اللغة والأعلام.

ص: 73

- بدء الطعن على عثمان رضي الله عنه (1) :

أقام عبد اللَّه بن سعد بذات الصَّوَاري بعد الهزيمة أياماً، ورجع فكان أول ما تكلم به "محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن (2) أبي بكر (3) " في أمر عثمان في هذه الغزوة، وأظهروا عيبه،

⦗ص: 76⦘

وما غيَّر وما خالف به أبا بكر وعمر، ويقولان: إنه استعمل عبد اللَّه بن سعد رجلاً كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد أباح دمه، ونزل القرآن بكفره، وأخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قوماً وأدخلهم. ونزع أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. واستعمل سعيد بن العاص (4) وابن عامر. فبلغ ذلك عبد اللَّه بن سعد فقال: ألا تركبا معنا؟ فركبا في مركب ما معهما إلا القبط، فلقوا العدو، فكانا أقل المسلمين نكاية وقتالاً، فقيل لهما في ذلك، فقالا: كيف نقاتل مع عبد اللَّه بن سعد، استعمله عثمان وعثمان فعل كذا وكذا؟ فأرسل إليهما عبد اللَّه ينهاهما، ويتهددهما، ففسد الناس بقولهما، وتكلموا ما لم يكونوا ينطقون به.

وروي أن محمد بن أبي حذيفة جعل يقول للرجل: أما واللَّه لقد تركنا خلفنا الجهاد حقاً، فيقول الرجل: وأيّ جهاد، فيقول: عثمان بن عفان فعل كذا وكذا. واستحل كلاهما دم عثمان.

ولد محمد بن أبي حذيفة بأرض الحبشة على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ابن خال معاوية بن أبي سفيان أخذه عثمان بن عفان عنده بعد أن قتل أبوه حذيفة فكفله إلى أن كبر، ثم سار إلى مصر فصار من أشد الناس تأليباً على عثمان

⦗ص: 77⦘

.

وأما محمد بن أبي بكر فقد ولد في حجة الوداع بذي الحليفة لخمس بقين من ذي العقدة، والذي دعا محمد بن أبي حذيفة إلى الخروج على عثمان أنه كان يتيماً في حجر عثمان، فسأله عثمان العمل حين ولي، فقال: يا بني لو كنت رضًى، ثم سألتني العمل لاستعملتك، ولكن لست هناك. قال: فأذن لي فلأخرج فلأطلب ما يقوتني. قال: اذهب حيث شئت، وجهَّزه من عنده، وحمله وأعطاه، فلما وقع إلى مصر كان فيمن تغير عليه أن منعه الولاية.

ثم إن الذي دعا محمد بن أبي بكر إلى الطعن في عثمان أن محمداً كانت عليه دالة، فلزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره ولم يُدْهِن فاجتمع هذا إلى هذا فصار مذمماً بعد أن كان محمداً.

(1) المسعودي، مروج الذهب ج 2/ص 347.

(2)

هو محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن مناف، صحابي من الأمراء، ولد بأرض الحبشة في عهد النبوة، استشهد أبوه يوم اليمامة، فربَّاه عثمان بن عفان، فلما شَبَّ رغب في غزو البحر فجهزه عثمان وبعثه إلى مصر، فغزا غزوة الصواري مع عبد اللَّه بن سعد، ولما عاد منها جعل يتألف الناس، وأظهر خلاف عثمان، فرأسوه عليهم، فوثب على والي مصر عقبة بن عامر سنة 35 هـ. وأخرجه من الفسطاط، دعا إلى خلع عثمان، فكتب إليه يذَّكره بتربيته له ويعاتبه، فلم يرتجع، سيَّر جيشاً إلى المدينة فيه ستمائة رجل كانت لهم يد في مقتل عثمان، أقره عليٌّ على إمارة مصر، ولما أراد معاوية الخروج إلى صفِّين بدأ بمصر، فقاتله محمد في العريش، ثم تصالحا، فاطمأن محمد، فلم يلبث معاوية أن قبض عليه وسجنه في دمشق، ثم أرسل إليه من قتله في السجن سنة 36 هـ. للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة 7769.

(3)

هو محمد بن عبد اللَّه (أبو بكر الصديق) بن عثمان بن عامر التميمي القرشي، أمير مصر، وهو ابن الخليفة الأول أبو الصديق كان يدعى:"عابد قريش" ولد بين المدينة ومكة في حجة الوداع، نشأ في المدينة في حجر علي بن أبي طالب - وكان قد تزوج أمه أسماء بنت عميس بعد وفاة أبيه - وشهد مع علي وقعتي الجمل وصفِّين، وولاه على إمارة مصر، بعد موت الأشتر، فدخلها سنة 37 هـ. ولما اتفق علي ومعاوية على التحكيم فات علياً أن يشترط على معاوية أن لا يقاتل أهل مصر، انصرف علي يريد العراق، فبعث معاوية عمرو بن العاص بجيش من أهل الشام إلى مصر، فدخلها حرباً، بعد معارك شديدة، واختفى ابن أبي بكر، فعرف معاوية بن خديج مكانه، فقبض عليه وقتله وأحرقه لمشاركته في مقتل عثمان بن عفان، وقيل: لم يحرق. دفنت جثته مع رأسه في مسجد يعرف بمسجد زمام خارج مدينة الفسطاط. للاستزادة راجع: الولاة والقضاة ص 26، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 140، الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 6/ص 53، ابن إياس ج 1/ص 26.

(4)

هو سعيد بن العاص بن أمية، الأموي، القرشي، ولد سنة 3 هـ، صحابي من الأمراء، الولاة، الفاتحين، ربيَّ في حجر عمر بن الخطاب، ولاه عثمان الكوفة وهو شاب، فلما بلغها خطب في أهلها ونسبهم إلى الشقاق والخلاف، فشكوه إلى عثمان، فاستدعاه إلى المدينة فأقام فيها إلى أن كانت الثورة عليه، فدافع سعيد عنه وقاتل دونه إلى أن قتل عثمان، فخرج إلى مكة، فأقام إلى أن ولي معاوية، فعهد إليه بولاية المدينة، فتولَاّها إلى أن مات، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، توفي سنة 59 هـ، حسب قول الذهبي في تاريخ الإسلام، حوادث سنة 59 هـ. للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة 3261، طبقات ابن سعد ج 5/ص 19، تهذيب ابن عساكر ج 6/ص 131، تاريخ الإسلام ج 2/ص 266، آثار المدينة المنورة للأنصاري ص 37.

ص: 75

- عزل الوليد بن عقبة عن الكوفة (1) :

كان للكوفة شأن عظيم، وتأثير في مجرى الحوادث في ذلك الوقت، وقد أخذ أهلها يتذمرون ويتحزبون، ويثيرون الفتن على الولاة، فلم تطل ولاية المغيرة على الكوفة (2) ، فعزله عثمان، وولى مكانه سعد بن أبي وقاص، عملاً بوصية عمر، إلى أن حدث الخلاف بينه وبين ابن مسعود، الذي كان على بيت المال (3) ، فغضب عثمان على سعد، فعزله، وولى مكانه الوليد بن عقبة، وهو أخو عثمان لأمه. وكان شجاعاً، لكنه كان متهماً بشرب الخمر، ثم إن أبا عقبة بن أبي معيط كان من أشد الناس عداوة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومن المستهزئين به، ولما أسر في غزوة بدر وقدم للقتل نادى: يا معشر قريش ما لي أقتل بينكم صبراً؟! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بكفرك واجترائك على اللَّه ورسوله"(4)، وعقبة (5) هو الذي وضع سلا الجزور على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. فهناك مجال واسع للطعن على ولاية الوليد بن عقبة:

أولاً: لأنه ابن عقبة بن أبي معيط المعروف بعدائه لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: لأنه هو الذي ذكر في القرآن بقوله تعالى: {إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] .

ثالثاً: لأنه كان متهماً بشرب الخمر

⦗ص: 78⦘

.

رابعاً: لأن المسلمين يعلمون قرابته لعثمان، وقد كان من الصحابة من هو أحق منه بهذا المركز، ولا سيما سعد الذي كانت له مواقف مشهورة في حرب الفرس، ومع ذلك كان الوليد محبوباً، وقام بغزوات عدة ظهرت فيها شجاعته، لكن أهل الكوفة حملوا عليه حملة شديدة. وقد بقي خمس سنين وليس لداره باب. ثم إن شُباناً من أهل الكوفة نقبوا على ابن الحَيْسُمَان الخزاعي وكاثروه فنذر بهم (6) . وخرج عليهم بالسيف وصرخ، فأشرف عليهم أبو شريح الخزاعي وكان قد انتقل من المدينة إلى الكوفة للقرب من الجهاد. فصاح بهم أبو شريح فلم يلتفتوا إليه وقتلوا ابن الحيْسمان وأخذهم الناس وفيهم زهير بن جُنْدَب الأزدي ومورَّع بن أبي مورع الأسدي وشبيل ابن أبيّ الأزدي وغيرهم فشهد عليهم أبو شريح وابنه فكتب فيهم الوليد إلى عثمان بقتلهم فقتلهم على باب القصر، في الرَّحبة. ولهذا أخذ في القسامة (7) بقول ولي المقتول عن ملأ من الناس ليكف الناس عن القتل.

وكان أبو زبيد الطائي الشاعر في الجاهلية والإسلام في بني تغلب وكانوا أخواله فجحدوه ديناً له، فأخذ له الوليد حقه إذا كان عاملاً عليهم فشكر أبو زبيد ذلك له وانقطع إليه، وغشيه بالمدينة والكوفة، وكان نصرانياً، فأسلم عند الوليد. وكان معروفاً بشرب الخمر، فأنزله داراً لعقيل بن أبي طالب على باب المسجد فاستوهبها منه زبيد فوهبها له، فكان ذلك أول الطعن على الوليد بالكوفة، لأن أبا زبيد كان يخرج من منزله حتى يشق الجامع إلى الوليد فَيَسْمُرَ عنده، ويشرب معه، ويخرج فيشق المسجد، وهو سكران. فلذلك نبهم عليه. فبينما هو عنده أتى آتٍ أبا زينب، وأبا مورع، وجندباً، وكانوا يتربصون للوليد منذ قتل أبناءهم، ويضعون له العيون للإيقاع به، فقال لهم: إن الوليد وأبا زبيد يشربان الخمر، فثاروا وأخذوا معهم نفراً من أهل الكوفة، فاقتحموا عليه، فلم يروه، فأقبلوا يتلاومون، وسبَّهم الناس، وكتم الوليد ذلك عن عثمان. وجاء جندب ورهط معه إلى ابن مسعود فقالوا له: إن الوليد معتكف على الخمر وأذاعوا ذلك. فقال ابن مسعود: "من استتر عنا لم نتبع عورته". فعاتبه الوليد على قوله حتى تغاضبا، ثم أتى الوليد بساحر، فأرسل إلى ابن مسعود يسأله عن حده، واعترف الساحر عند ابن مسعود، وكان يخيل إلى الناس أنه يدخل في دبر الحمار، ويخرج في فيه، فأمره ابن مسعود بقتله. فلما

⦗ص: 79⦘

أراد الوليد قتله أقبل الناس ومعهم جندب بن كعب، فضرب الساحر، فقتله، فحبسه الوليد، وكتب إلى عثمان فيه، فأمره بإطلاقه وتأديبه، فغضب لجندب أصحابه، وخرجوا إلى عثمان يستعفون من الوليد، فردهم خائبين، فلما رجعوا أتاهم كل موتور، فاجتمعوا معهم على رأيهم، ودخل أبو زينب وأبو مُورَع وغيرهم على الوليد، فتحدثوا عنده، فنام، فأخذا خاتمه وسارا إلى المدينة. واستيقظ الوليد فلم ير خاتمه، فسأل نساءه عن ذلك فأخبرنه أن آخر من بقي عنده رجلان صفتهما كذا وكذا فاتهمهما وقال: هما أبو زينب وأبو مورع، وأرسل يطلبهما فلم يوجدا. فقدما على عثمان ومعهما غيرهما، وأخبراه أنه شرب الخمر. فأرسل إلى الوليد فقدم المدينة ودعا بهما عثمان. فقال: أتشهدان أنكما رأيتماه يشرب. فقالا: لا. قال: فكيف؟ قالا: اعتصرناها من لحيته، وهو يقيء الخمر. فأمر سعيد بن العاص فجلده. فأورث ذلك عداوة بين أهليهما. وقيل: إن الذي جلده عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب جلده أربعين جلدة وهو الصحيح، لأن علياً أمر ابنه الحسن أن يجلده، فقال الحسن: ولِّ حارَّها من تولى قارها (8) ، فأمر عبد اللَّه بن جعفر فجلده أربعين، فقال عليّ: أمسك. جلد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سُنَّة. وهذا أحب إليَّ.

وقيل: إن الوليد قد سكر وصلى الصبح بأهل الكوفة أربعاً، ثم التفت إليهم وقال: أزيدكم؟ (9) فقال ابن مسعود: "ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم". وشهدوا عليه عند عثمان، فأمر علياً بجلده، فأمر عليٌّ جعفراً فجلده.

وروي أنه لما أحضر عثمان رضي الله عنه الوليد في شرب الخمر حضر الحُطيئة، فاستأذن على عثمان وعنده بنو أمية متوافرون، فطمعوا أن يلتمس للوليد عذراً فقال (10) :

شهد الحُطيئة يوم يلقى ربه

أن الوليد أحق بالعذر

خلعوا عِنانك إذ جريت ولو

تركوا عنانك لم تزل تجري

ورأوا شمائل ماجد أنف

يعطي على الميسور والعسر

فنُزعت مكذوباً عليكَ ولم

تنزع إلى طمع ولا فقر

فسروا بذلك وظنوا أنه قد قام بعذره. فقال رجل من بني عجل يرد على الحطيئة:

نادى وقد تمت صلاتهم

أأزيديكم - ثملاً - وما يدري

⦗ص: 80⦘

فأبوا أبا وهب ولو فعلوا

وصلتْ صلاتهُمُ إلى العشر

فوجم القوم وأطرقوا. فأمر به عثمان رضي اللَّه تعالى عنه فحُدَّ.

شهد على الوليد أبو زينب، وأبو مورع، وجُندَب، وسعد بن مالك الأشعري، ولم يشهد عليه إلا يمانٍ. "أي أن كل من شهد عليه من اليمن".

جُلد الوليد في المدينة أمام أقارب عثمان، أمام بني أمية، أمام علي بن أبي طالب وأولاده وأنصاره، وهذه فضيحة شنيعة:

أولاً: لأنه كان والياً على الكوفة والخمر محرمة في الشريعة الإسلامية، ويُحدُّ شاربها، والوالي هو الذي يقيم الحدود، فيجب عليه أن يكون قدوة للناس في الصلاح والتقوى وإتباع الكتاب والسنة.

ثانياً: لأنه أخو الخليفة الذي ولاه مكان سعد بن أبي وقاص، فاختيار عثمان للوليد لم يكن موفقاً. فما كل ذي قرابة يصلح للحكم، ومن خلق الناس أنهم يتربصون وقوع الخطأ ممن يعين لقرابته لأولي الأمر، فإذا هفا هفوة، أو أذنب طعنوا عليه، وعددوا مثالبه، وطعنوا على من ولاه. وقد قيل: إن عثمان رضي الله عنه كان واقعاً تحت تأثير أقاربه وبني أمية، وكان يثق بهم. أما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقد كانا يتجنبان المحاباة ولا يراعيان غير المصلحة العامة. ولم يرَ عثمان بداً من جلد الوليد بعد أن شهدوا عليه إقامة للحدود.

وفي الطبري: كان الناس في الوليد فرقتين، العامة معه والخاصة عليه. فما زال عليهم من ذلك الخشوع حتى كانت صفِّين، فولى معاوية، فجعلوا يقولون عيَّب عثمان بالباطل، فقال لهم عليّ عليه السلام:"إنكم وما تعيرون به عثمان كالطاعن نفسه ليقتل ردفه، ما ذنب عثمان في رجل ضربه بقوله وعزله عن عمله. وما ذنب عثمان فيما صنع عن أمرنا؟ "(11) .

وعن نافع بن جبير قال: قال عثمان رضي الله عنه: إذا جلد الرجل الحرّ ثم ظهرت توبته جازت شهادته.

وقيل: كان الوليد أدخل الناس على الناس خيراً - حتى جعل يقسم للولائد والعبيد، ولقد تفجَّع عليه الأحرار والمماليك، كان يُسْمَع الولائد - وعليهن الحداد - يقلن:

يا ويلتا قد عزل الوليد

وجاءنا مُجوّعاً سعيد

ينقص في الصاع ولا يزيد

فَجُوَّعَ الإماء والعبيد

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 608، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 3.

(2)

ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 53.

(3)

أي وزيراً للمالية.

(4)

رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (6: 89) .

(5)

كان عقبة بن أبي معيط تزوج أروى بعد وفاة عفَّان، فولدت له الوليد، وخالداً، وعمارة، وأم كلثوم، كل هؤلاء أخوة عثمان لأمه.

(6)

نَذَرَ بهم: علم بهم واستعد لهم.

(7)

القَسَامة: بالفتح، الأيمان تُقسَم على أولياء القتيل إذا ادَّعوا الدم، يقال: قتل فلان بالقَسَامة إذا اجتمعت جماعة من أولياء القتيل فادعوا على رجل أنه قتل صاحبهم، ومعهم دليل دون البينة، فحلفوا خمسين يميناً أن المدعى عليه قتل صاحبهم، فهؤلاء الذين يقسمون على دعواهم يسمَّون قَسَامَة أيضاً.

(8)

أي: ولِّ مكروه الأمر من تولى محبوبه.

(9)

السيوطي، تاريخ الخلفاء ص 123.

(10)

ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 4.

(11)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 612.

ص: 77

- تولية سعيد بن العاص الكوفة (1)(سنة 30 هـ/ 651 م) :

⦗ص: 81⦘

هو سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي، الأموي، وجده هو المعروف بأبي أحيحة. وأم سعيد هي أم كلثوم بنت عمرو بن عبد اللَّه بن أبي قيس. ولد عام الهجرة. وقيل: بل ولد سنة إحدى. وقتل أبوه العاص يوم بدر كافراً، قتله عليّ بن أبي طالب. وكان سعيد من أشراف قريش وأجوادهم وفصحائهم، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان رضي الله عنه. وكان كثير الجود والسخاء، إذا سأله سائل وليس عنده ما يعطيه كتب به ديناً إلى وقت ميسرته. وكان يجمع إخوانه كل جمعة يوماً فيصنع لهم الطعام، ويخلع عليهم، ويرسل إليهم بالجوائز، ويبعث إلى عيلاتهم بالبر الكثير، وكان يبعث مولى له إلى المسجد بالكوفة في كل ليلة جمعة ومعه الصرر فيها الدنانير، فيضعها بين يدي المصلين، فكثر المصلون بالمسجد بالكوفة في كل ليلة جمعة، إلا أنه كان عظيم الكبر. وإن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم لهجة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

توفي سعيد سنة 59 هـ، ولما حضرته الوفاة قال لبنيه:"أيكم يقبل وصيتي؟ قال ابنه الأكبر: أنا يا أبت. قال: إن فيها وفاء ديني. قال: وما دينك؟ قال: ثمانون ألف دينار. قال: وفيما أخذتها؟ قال: يا بني في كريم سددت خلته. وفي رجل جاءني ودمه ينزوي في وجهه من الحياء، فبدأته بحاجته قبل أن يسألنيها". وكان سعيد قد ربيَّ في حجر عثمان، فلما فتح الشام قدمه فأقام مع معاوية. فذكر عمر يوماً قريشاً، فسأل عنه، فأخبر أنه بالشام فاستقدمه، فقدم عليه. فقال له: بلغني عنك بلاء وصلاح، فازدد يزدك اللَّه خيراً، وقال له: هل لك زوجة؟ قال: لا. وجاء عمر بنات سفيان بن عوف ومعهن أمهن فقالت أمهن: هلك رجالنا، وإذا هلك الرجال ضاع النساء فضعهن في أكفائهن، فزوَّج سعيداً إحداهن، وزوَّج عبد الرحمن بن عوف الأخرى، وأتاه بنات مسعود بن نعيم النهشلي فقلن له: قد هلك رجالنا وبقي الصبيان فضعنا في أكفائنا. فزوَّج سعيداً إحداهن، وجبير بن مطعم الأخرى، وكانت عمومته ذوي بلاء في الإسلام وسابقة فلم يمت عمر حتى كان سعيد من رجال قريش. فلما استعمله عثمان سار حتى أتى الكوفة أميراً ورجع ومعه الأشتر، وأبو خشة الغفاري، وجندب بن عبد اللَّه، وأبو مصعب بن جثامة، وكانوا ممن شخص مع الوليد يعيبونه فصاروا عليه.

ولما وصل سعيد الكوفة صعد المنبر (2) فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم

⦗ص: 82⦘

قال (3) : "واللَّه لقد بعثت إليكم وإني لكاره، ولكني لم أجد بداً إذا أمرت أن آتمر، إلا أن الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها وواللَّه لأضربن وجهها حتى أقمعها أو تعييني، وإني لرائد نفسي اليوم".

ثم نزل وسأل عن أهل الكوفة فعرف حال أهلها. وهذه الخطبة إنذار لأهل الكوفة بأنه سيستعمل الشدة معهم.

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 608، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 3.

(2)

قبل أن يصعد سعيد المنبر أمر بغسله فقال: اغسلوا هذا المنبر فإن الوليد كان رجساً نجساً فلم يصعده حتى غسل، عيباً على الوليد.

(3)

ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 5.

ص: 80

- كتاب سعيد إلى عثمان (1) :

ثم كتب سعيد إلى الخليفة كتاباً قال فيه:

"إن أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم، وغُلب أهل الشرف منهم والبيوتات السابقة، والغالب على تلك البلاد روادف قدمت وأعراب لحقت، حتى لا ينظر إلى ذي شرف وبلاء من نابتتها ولا نازلتها".

فكتب عثمان إليه:

"أما بعد، ففضل أهل السابقة والقدمة ممن فتح اللَّه عليه تلك البلاد، وليكن من نزلها بسببهم تبعاً لهم، إلا أن يكونوا تثاقلوا عن الحق وتركوا القيام به وقام به هؤلاء، واحفظ لكل منزلته، وأعطهم جميعاً بقسطهم من الحق. فإن المعرفة بالناس بها يصاب العدل".

فأرسل سعيد إلى وجوه الناس من أهل الأيام والقادسية فقال: "أنتم وجوه من وراءكم. والوجه ينبئ عن الجسد فأبلغونا حاجة ذي الحاجة، وخلة ذي الخلة، وأدخلوا معهم من يحتمل من اللواحق والروادف".

كثر القيل والقال وقال بعض شعراء الكوفة يندد بسعيد وكثرة التبديل في الولاة:

فررت من الوليد إلى سعيد

كأهل الحجر إذ جزعوا فباروا

بلينا من قريش كل عام

أميرٌ مُحْدَثٌ أو مستشار

لنا نار نخوّفها فنخشى

وليس لهم فلا يخشون نار

ثم إن سعيد جعل القراء في سمره، ففشت القالة في أهل الكوفة، فكتب سعيد إلى عثمان بذلك، فجمع الناس وأخبرهم بما كتب إليه فقالوا له: أصبت لا تطمعهم فيما ليسوا له بأهل، فإنه إذا نهض في الأمور من ليس بأهل لها لم يحتملها وأفسدها، فقال عثمان:

⦗ص: 83⦘

"يا أهل المدينة استعدوا واستمسكوا. فقد دبت إليكم الفتن، وإني واللَّه لأستخلصن لكم الذي لكم حتى أنقله إليكم، إن رأيتم حتى يأتي من شهد مع أهل العراق سهمه فيقيم معه في بلاده، فقالوا: كيف تنقل إلينا سهمنا من الأرضين؟ فقال: ببيعها ممن شاء بما كان له بالحجاز واليمن وغيرها من البلاد ففرحوا وفتح اللَّه لهم أمراً لم يكن في حسابهم، وفعلوا ذلك واشتراه رجال من كل قبيلة وجارٍ لهم عن تراضٍ منهم ومن الناس وإقرار بالحقوق.

(1) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 5.

ص: 82

- غزوة طبرستان (1)(سنة 30 هـ/ 651 م) :

نبذة عن تاريخها وتسميتها:

تعرف طبرستان باسم مازندران أيضاً، وهي ولاية من ولايات إيران قديماً، وموقعها إلى الجنوب الشرقي من بحر طبرستان، وهو بحر الخزر أو بحر قزوين، يحدها من الغرب كيلان، أو الجيلان، ومن الجنوب العراق العجمي وخراسان البُرز. ومن الشرق خراسان أيضاً، ومن نواحيها أستراباذ، وهي إلى الشرق، وقاعدتها دُنباوند أو ديماقند.

وجاء في كتب العرب أن معنى طبرستان موضع الأطبار فهي مؤلفة من لفظتين "طبر"، وهي تعريب تبر الفارسية اسم لنوع من الفؤوس، وإستان معناها الموضع، أو الناحية. سميت بذلك لكثرة ما فيها من الأطبار (2) .

قال القزويني في استعمارها وتسميتها: إن بعض الأكاسرة اجتمع في جيشه جناة كثيرون، فقال وزيره: نأمر بهم إلى بعض البلاد ليعمروها، فإن عمروها كان العمران لك، وإن تلفوا برئت من دمهم، واختار أرض طبرستان، وهي يومئذٍ جبال وأشجار، فأرادوا قطع الأشجار، وطلبوا فؤوساً، والفأس بالعجمية "تبر" فكثرت بها الفؤوس، فقالوا:"طبرستان".

ويؤيد ذلك ياقوت في كلامه عن أهلها - إن أهل تلك الجبال كثيرو الحروب، وأكثر أسلحتهم بل كلها الأطبار، حتى إنك قلَّ أن ترى صعلوكاً، أو غنياً، إلا وبيده الطبر، صغيرهم وكبيرهم.

(1) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 6، ابن كثير، البداية والنهاية ج 7/ص 154.

(2)

الأطبار: الفؤوس. [القاموس المحيط، مادة: طَبَرَ] .

ص: 83

- غزوها:

وللعرب في طبرستان وقائع مشهورة، فاستولوا عليها، وكانت جزءاً من مملكتهم. وأول من

⦗ص: 84⦘

قصدها سويد بن مقرن، أرسله أخوه نعيم بأمر عمر، فسار سويد نحو قومس فأخذها سلماً، ثم دخل جرجان، وقيل: صالحه الأصبهند - صاحب طبرستان.

ثم غزاها سعيد بن العاص. خرج عبد اللَّه بن عامر من البصرة يريد خراسان فسبق سعيداً، ونزل أبرشهر، وبلغ نزول أبرشهر سعيداً، فنزل سعيد قومس (1) وهي صلح، صالحهم حذيفة بعد نهاوند فأتى جرجان، فصالحوه على 2. 000. 000 ثم أتى طَمِية (2) وهي كلها من طبرستان متاخمة جرجان. وهي مدينة على ساحل البحر، وهي في تخوم جرجان، فقاتله أهلها حتى صلى صلاة الخوف. فقال لحذيفة: كيف صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فأخبره. فصلى بها سعيد صلاة الخوف وهم يقتتلون. وضرب يومئذٍ سعيد رجلاً من المشركين على حبل عاتقه فخرج السيف من تحت مرفقه، وحاصرهم فسألوا الأمان فأعطاهم، على أن لا يقتل منهم رجلاً واحداً. ففتحوا الحصن فقتلهم جميعاً إلا رجلاً واحداً وحوى ما كان في الحصن.

وفتح سعيد بن العاص نامية، وهي ليست بمدينة بل صحارى، ثم قفل إلى الكوفة فمدحه كعب بن جعيْل فقال:

فنعم الفتى إذ جال جيلانُ دونه

وإذ هبطوا من دَستبى ثم أبهرا

تعلم سعيد الخير أن مطيتي

إذا هبطت أشفقتُ من أن تعَقَّرا

كأنك يوم الشعب ليثُ خفية

تحرَّد من ليث العرين وأصحرا

تسوس الذي ما ساس قبلك واحد

ثمانين ألفاً دارعين وحسَّرا

ولما صالح سعيد أهل جرجان كانوا يجبون أحياناً مائة ألف، وأحياناً مائتي ألف، وأحياناً ثلاثمائة ألف، وكانوا ربما أعطوا ذلك وربما منعوه، ثم امتنعوا وكفروا.

(1) قومس: كورة كبيرة واسعة بها مدن وقرى ومزارع في ذيل جبل طبرستان.

(2)

طَمِية: وردت في ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 7:"طُمِيْسَة" ولعل ورودها في هذا الكتاب خطأ والصواب هو ما جاء في الكامل في التاريخ لابن الأثير، وهي مدينة مشهورة من سهول طبرستان.

ص: 83

- سقوط خاتم رسول اللَّه (1) من إصبع عثمان (2)(سنة 30 هـ/ 651 م) :

لما أراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الأعاجم كتباً يدعوهم إلى اللَّه عز وجل وقال له رجل: يا رسول اللَّه إنهم لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً. فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يعمل له خاتم من فضة،

⦗ص: 85⦘

فجعله في إصبعه، وكان نقشه ثلاثة أسطر "محمد" سطر، و "رسول" سطر، و "اللَّه" سطر. والأسطر الثلاثة تقرأ من أسفل إلى فوق، محمد آخر الأسطر، ورسول في الوسط، واللَّه فوق، وكانت الكتابة مقلوبة لتكون على الاستواء إذا ختم به، فكان ذلك الخاتم في يده صلى الله عليه وسلم، ولما استخلف أبو بكر ختم به. ثم ولي عمر بن الخطاب فجعل يتختم به، ثم ولي من بعده عثمان فتختم به ست سنين فحفر بئراً بالمدينة شرباً للمسلمين (3) ، وهي على ميلين من المدينة، وكانت قليلة الماء، فجاء عثمان ذات يوم فقعد على رأس البئر فجعل يعبث بالخاتم، فسقط من يده في البئر فطلبوه فيها، ونزحوا ما فيها من الماء، فلم يعثروا عليه، فجعل فيه مالاً عظيماً لمن جاء به، واغتم لذلك غماً شديداً، فلما بئس منه صنع خاتماً آخر على مثاله ونقشه، فبقي في إصبعه حتى قتل، ثم ضاع هذا الخاتم ولم يُعلم من أخذه. وقد تشاءم المسلمون لضياع خاتم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إن عثمان لما مال عن سيرة مَن كان قبله كان أول ما عوقب به ذهاب خاتم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من يده.

قال أحمد بن يحيى بن جابر: نسبت إلى أريس رجل من المدينة من اليهود وعليها مال لعثمان بن عفان. والأريس في لغة أهل الشام الفلَاّح وهو الأكار، وجمعه أريسون وأرارسة وأرارس. وفي الأصل جمع أريس بتشديد الراء.

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 614، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 9، ابن كثير، البداية والنهاية ج 7/ص 155.

(2)

هو بئر أرِيْس: بئر بالمدينة بقباء مقابل مسجدها.

(3)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 615، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 11.

ص: 84

- تسيير أبي ذر الغفاري إلى الربذة (1)(سنة 30 هـ/ 651 م) :

أبو ذر الغفاري: وهو جندب بن جُنادة - على المشهور - وكان من كبار الصحابة وفضلائهم، قديم الإسلام.

لما بلغ أبا ذر مبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدم وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وسمعت منه كلاماً ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني مما أردت، فتزود وحمل قربة فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد، فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، فانتظر ودخل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فسمع من قوله وأسلم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري"(2) . قال: والذي نفسي بيده لأصرخنَّ بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته:"أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً عبده ورسوله"، فقاموا إليه، فضربوه حتى أضجعوه، وأتى

⦗ص: 86⦘

العباس فأكب عليه، وقال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأنه طريق تجاركم إلى الشام، فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا عليه، فأكب العباس إليه.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبو ذر في أمتي على زهد عيسى بن مريم". كان أبو ذر بالشام في خلافة عثمان، وكان معاوية عاملاً عليها، فلما ورد ابن السوداء (3) الشام لقي أبا ذر فقال: يا أبا ذر ألا تعجب إلى معاوية يقول: "المال مال اللَّه ألا إن كل شيء للَّه"، كأنه يريد يحتجنه (4) دون الناس ويمحو اسم المسلمين (5) فأتاه أبو ذر. فقال: ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال اللَّه؟ قال: يرحمك اللَّه يا أبا ذر ألسنا عباد اللَّه، والمال ماله، والخلق خلقه، والأمر أمره؟ قال: فلا تقله. قال: فإني لا أقول إنه ليس للَّه، ولكن سأقول مال المسلمين. وأتى ابن السوداء أبا الدرداء، فقال له: من أنت، أظنك واللَّه يهودياً. فأتى عبادة بن الصامت فتعلق به معاوية. فقال: هذا واللَّه الذي بعث عليك أبا ذر. وقام أبو ذر بالشام وجعل يقول:

"يا معشر الأغنياء وأسواء الفقراء. بُشِّر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا يُنفقونها في سبيل اللَّه بمكاوٍ من نار تُكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم"(6)

⦗ص: 87⦘

.

فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك، وأوجبوه على الأغنياء، وحتى شكا الأغنياء ما يلقون من الناس.

حرض أبو ذر بذلك الفقراء وفهمهم أن لهم حقوقاً لدى الأغنياء، وأن الذين يكنزون المال لهم في الآخرة عذاب أليم فهو بذلك يدعو إلى نوع من التكافل. وقد تخوَّف الأغنياء من ثورة الفقراء، ومطالبتهم بالمال، لذلك شكوا إلى معاوية. فكتب معاوية إلى عثمان أن أبا ذر قد أعضل بي (7) ، وقد كان من أمره كيت وكيت.

فكتب إليه عثمان: "إن الفتنة قد أخرجت خطمها (8) وعينيها، فلم يبق إلا أن تثب فلا تنكأ القرح، وجهِّز أبا ذر إليَّ، وابعث معه دليلاً وزوِّده، وارفق به، وكفكف الناس ونفسك ما استطعت، فإنما تمسك ما استمسكت" الطبري (9) .

وجاء في ابن الأثير (10) : إن الأغنياء لما شكوا إلى معاوية ما يلقون من الفقراء، أرسل إلى أبي ذر بألف دينار في جنح الليل، فأنفقها - على الفقراء -، فلما صلى معاوية الصبح، دعا رسوله الذي أرسله إليه، فقال: اذهب إلى أبي ذر فقل له أنقذ جسدي من عذاب معاوية، فإنه أرسلني إلى غيرك، وإني أخطأت بك، ففعل ذلك. فقال له أبو ذر: يا بني قل له واللَّه ما أصبح عندنا من دنانيرك ديناراً، ولكن أخرنا ثلاثة أيام حتى نجمعها. فلما رأى معاوية أن فعله يصدق قوله كتب إلى عثمان الخ.

فلما قدم أبو ذر المدينة، ورأى المجالس في أصل سلع (11)، قال: بشِّر أهل المدينة بغارة شعواء وحرب مذكار. ودخل على عثمان فقال: يا أبا ذر ما لأهل الشام يشكون

⦗ص: 88⦘

ذَرَبك (12) ؟ فأخبره أنه لا ينبغي أن يقال مال اللَّه، ولا ينبغي للأغنياء أن يقتنوا مالاً. فقال: يا أبا ذر عليَّ أن أفضي ما عليَّ، وآخذ ما على الرعية، ولا أجبرهم على الزهد، وأن أدعوهم إلى الاجتهاد والاقتصاد. قال: فتأذن لي في الخروج، فإن المدينة ليست لي بدار. فقال: أو تستبدل بها إلَاّ شرَّاً منها. قال: أمرني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أخرج منها إذا بلغ البناء سَلْعاً. قال: فانفذ لما أمرك به، فخرج حتى نزل الربذة (13) ، فحط بها منزلاً، وأقطعه عثمان صرمة من الإبل (14) ، وأعطاه مملوكين، وكان أبو ذر يتعاهد المدينة حتى لا يعود أعرابياً، وكان يحب الوحدة والخلوة، فدخل على عثمان وعنده كعب الأحبار فقال لعثمان: لا ترضوا من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف، وقد ينبغي للمؤدي الزكاة أن لا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان ويصل القرابات. فقال كعب: مَن أدَّى الفريضة فقد قضى. فرفع أبو ذر محجنه (15) ، فضربه، فشجَّه، فاستوهبه عثمان، فوهبه له وقال: يا أبا ذر اتق اللَّه واكفف يدك ولسانك. الطبري (16) .

ولما نزل أبو ذر الربذة أقيمت الصرة وعليها رجل يلي الصدقة فقال: تقدم يا أبا ذر. فقال: لا، تقدَّم أنت فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لي:"اسمع وأطع وإن كان من رقيق الصدقة"، وكان أسود يقال له: مجاشع.

وذكر الطبري رواية عن محمد بن سيرين قال: خرج أبو ذر إلى الربذة من قبل نفسه لما رأى عثمان لا ينزع له (17) الخ.

ثم قال الطبري (18) بعد أن أورد قصة أبي ذر وإقامته بالربذة: وأما الآخرون فإنهم رووا في سبب ذلك أشياء كثيرة وأموراً شنيعة كرهت ذكرها.

وقال اليعقوبي في تاريخه:

⦗ص: 89⦘

"وبلغ عثمان أن أبا ذر يقعد في مسجد رسول اللَّه، ويجتمع إليه ناس، فيحدث بما فيه الطعن عليه، وأنه وقف بباب المسجد فقال: "أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الربذيّ {إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَليمٌ} [آل عمران: 33- 34] . محمد الصفوة من نوح. فالأول من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمد. إنه شرف شريفهم، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة، وكالكعبة المستورة، أو كالقبة المنصوبة، أو كالشمس الضاحية، أو كالقمر الساري، أو كالنجوم الهادية، أو كالشجرة الزيتونية، أضاء زيتها، وبورك زبدها. ومحمد وارث علم آدم، وما فضلت به النبيون، وعليٌّ بن أبي طالب وصيُّ محمد ووارث علمه. أيتها الأمة المتحيَّرة بعد نبيها، أما لو قدمتم من قدم اللَّه، وأخرتم من أخر اللَّه، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم، ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولى اللَّه، ولا طاش سهم من فرائض اللَّه، ولا اختلف اثنان في حكم اللَّه، إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب اللَّه وسنة نبيه. فأما إذا فعلتم فذوقوا وبال أمركم {وَسَيَعْلَمُ الذِّينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] . وبلغ عثمان أيضاً أن أبا ذر يقع فيه ويذكر ما غيَّر وبدَّل من سنن رسول اللَّه وسنن أبي بكر وعمر فسيَّره إلى الشام إلى معاوية. وكان يجلس في المسجد فيقول كما كان يقول، ويجتمع إليه الناس حتى كثر من يجتمع إليه ويسمع منه. وكان يقف على باب دمشق إذا صلى صلاة الصبح فيقول: جاءت القطار تحمل النار. لعن اللَّه الآمرين بالمعروف التاركين له، ولعن اللَّه الناهين عن المنكر الآتين له. وكتب معاوية إلى عثمان: إنك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر، فكتب إليه أن احمله على قتب بعير بغير وطاء. أنك تقول سمعت رسول اللَّه يقول: إذا كملت بنو أمية ثلاثين رجلاً اتخذوا بلاد اللَّه دولاً وعباد اللَّه خولاً ودين اللَّه دغلاً (19) . فقال: نعم، سمعت رسول اللَّه يقول ذلك. فقال لهم: أسمعتم رسول اللَّه يقول ذلك؟ فبعث إلي عليٍّ بن أبي طالب فأتاه فقال: يا أبا الحسن أسمعت رسول اللَّه يقول ما حكاه أبو ذر؟ وقصَّ عليه الخبر. فقال: نعم. قال: وكيف تشهد؟ قال: يقول رسول اللَّه: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر"(20) . فلم يقم بالمدينة حتى أرسل إليه عثمان واللَّه لتخرجن عنها. قال: أتخرجني من حرم رسول اللَّه؟ قال: نعم، أنفك راغم. قال: فإلى مكة؟ قال: لا. قال: فإلى البصرة؟ قال: لا. قال: فإلى الكوفة؟ قال: لا. ولكن إلى الربذة التي خرجت منها حتى تموت بها. يا مروان أخرجه ولا تدع أحداً يكلمه حتى يخرج. فأخرجه على جمل ومعه امرأته وابنته، فخرج وعليٌّ والحسن والحسين

⦗ص: 90⦘

وعبد اللَّه بن جعفر وعمار بن ياسر ينظرون. فلما رأى أبو ذر علياً، قام إليه فقبَّل يده ثم بكى وقال: إني إذا رأيتك ورأيت ولدك ذكرت قول رسول اللَّه فلم أصبر حتى أبكي فذهب عليّ يكلمه. فقال له مروان: إن أمير المؤمنين قد نهى أن يكلمه أحد. فرفع عليّ السوط فضرب وجه ناقة مروان وقال: تنحَّ نحاك اللَّه إلى النار. ثم شيَّعه، فكلمه بكلام يطول شرحه، وتكلم كل رجل من القوم، وانصرفوا، وانصرف مروان إلى عثمان فجرى بينه وبين عليِّ في هذا بعض الوحشة وتلاحيا كلاماً. فلم يزل أبو ذر بالربذة حتى توفي".

هذا ما ذكره اليعقوبي في تاريخه خاصَّاً بأبي ذر وتسييره إلى الربذة من غير أن يسنده إلى أحد من الرواة كدأب الطبري في رواياته، وقد اتفق الطبري وابن الأثير وابن خلدون على أن عثمان رضي الله عنه أذن لأبي ذر بالخروج إلى الربذة، بناءً على طلبه، لأنه لم يطق الإقامة بالمدينة، لكن عبارة اليعقوبي صريحة في أنه نفاه. وإنا نستبعد أن ينفي عثمان رضي الله عنه أبا ذر، لأن أبا ذر صحابي محترم مشهور بالزهد والصلاح والتشدد في الدين، وله مكانة عالية في نفوس المسلمين، ومما يدل على أن حكاية اليعقوبي مكذوبة ما ذكره من أن عثمان قال لمعاوية:"احمله على قتب بعير بغير وطاء" فقدم إلى المدينة وقد ذهب لحم فخذيه.

فعثمان رضي الله عنه لا يأمر بإرهاق صحابي كبير كأبي ذر كما هو معروف عنه من الحلم والرأفة. فيكون ما ذكره الطبري من أنه رضي الله عنه كتب إلى معاوية - وجهَّز أبا ذر وزوده وأرفق به - هو الصواب، لأنه يطابق ما جبل عليه عثمان رضي الله عنه من الرفق واحترام كبار الصحابة.

وفي طبقات ابن سعد رواية عن عبد اللَّه بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان بن عفان من الباب الذي لا يُدخل عليه منه وتخوفنا عثمان عليه، فانتهى إليه فسلم عليه، ثم ما بدأه بشيء إلا قال: أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين واللَّه ما أنا منهم ولا أدركهم. لو أمرتني أن آخذ بعرقُوَتيْ قَتب لأخذت بهما متى أمرت، ثم استأذنه إلى الربذة فقال: نعم نأذن لك، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة، فتصيب من رسْلها. فنادى أبو ذر: دونكم معاشر قريش دنياكم فاعذَموها لا حاجة لنا فيها.

ومما يدل على مكانة أبي ذر ما رواه عبد اللَّه بن عمرو قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر"(21) .

وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي

⦗ص: 91⦘

لهجة أصدق من أبي ذر. من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذر (22) .

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 615، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 11.

(2)

رواه الطبراني في المعجم الكبير (12: 227) .

(3)

ابن السوداء، هو عبد اللَّه بن سبأ، كان يهودياً وأسلم.

(4)

أي يجمعه.

(5)

كان معاوية يكثر ادخار المال في ولايته بالشام لصرفه وقت الحاجة.

(6)

قال تعالى في سورة التوبة: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللَّه فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} . اختلف علماء الصحابة في المراد بها الكنز المذموم. فقال الأكثرون: هو المال الذي لم تؤد زكاته. وقال عمر بن الخطاب: ما أديت زكاته فليس بكنز. وقال ابن عمر: ما أديت زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين وكل ما لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرض. وقال قوم: إن المال الكثير إذا جمع فهو الكنز المذموم سواء أديت زكاته أو لم تؤد إلا أنه كان في زمان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جماعة من كبار الأغنياء كعثمان وعبد الرحمن بن عوف، وكان عليه السلام يعدهم من كبار المؤمنين واحتج الذاهبون إلى القول الثاني أن ظاهر الآية يدل على المنع من جمع المال. فالمصير إلى أن الجمع مباح بعد إخراج الزكاة ترك لظاهر الآية فلا يصار إليه إلا بدليل منفصل. روى سالم بن الجعدان أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"تباً للذهب تباً للفضة" قالها ثلاثاً. وتوفي رجل فوجد في مئزره دينار فقال عليه السلام: "كية"، وتوفي آخر فوجد في مئزره ديناران فقال عليه الصلاة والسلام:"كيتان".

وعن أبي الدرداء أنه كان إذا رأى العير تقدم بالمال يصعد على موضع مرتفع ويقول: "جاءت القطار تحمل النار وبشَّر الكنازين بكي في الجباه والجنوب والظهور والبطلان". وقيل: إنه تعالى إنما خلق الأموال ليتوسل بها إلى دفع الحاجات. فإذا حصل للإنسان قدر ما يدفع به حاجته، ثم جمع الأموال الزائدة عليه فهو لا ينتفع بها لكونها زائدة على قدر حاجته ومنعها من الغير الذي يمكنه أن يدفع حاجته بها فكأن هذا الإنسان بهذا المنع مانع من ظهور حكمته ومانع من وصول إحسان اللَّه إلى عبيده.

قال الفخر الرازي: واعلم أن الطريق الحق أن يقال: الأولى أن لا يجمع الرجل الطالب للدين المال الكثير إلا أنه لم يمنع عنه في ظاهر الشرع. فالأول: محمول على التقوى، والثاني: على ظاهر الفتوى.

(7)

أعضل بي: أعياني أمره.

(8)

خطمها: أنفها. [القاموس المحيط، مادة: خطم]

(9)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 615.

(10)

ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 11.

(11)

سَلْع: جبل قرب المدينة. [القاموس المحيط، مادة: سلع] .

(12)

ذَرَبك: حدة لسانك. [القاموس المحيط، مادة: ذرب] .

(13)

الربذة: من قرى المدينة على ثلاثة أميال، وبها قبر أبي ذر، أقام بها إلى أن مات سنة 32 هـ، وقد تطاول عثمان في البنيان حتى عدوا سبع دور بناها بالمدينة: داراً لنائلة وداراً لعائشة وغيرهما من أهله وبناته، وبنى مروان القصور بذي خشب، فلما شاهد أبو ذر كثرة البنيان لم يطق الإقامة بالمدينة لحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

(14)

صرمة من الإبل: قطيع من الإبل نحو الثلاثين. [القاموس المحيط، مادة: صَرَم] .

(15)

محجنه: عضاه. [القاموس المحيط، مادة: حجن] .

(16)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 616.

(17)

لا ينزع إليه: أي لا يميل إليه. [القاموس المحيط، مادة: نزع] .

(18)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 616.

(19)

رواه أحمد في (م 3/ص 80) .

(20)

رواه أحمد في (م 2/ص 175) .

(21)

رواه أحمد في (م 2/ص 175) .

(22)

رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4: 168) ، والمتقي الهندي في كنز العمال (33222) .

ص: 85

- أمر المصاحف (1)(سنة 30 هـ/ 651 م)

لما عاد حذيفة بن اليمان من غزو الباب قال لسعيد بن العاص: لقد رأيت في سفرتي هذه أمراً لئن ترك الناس ليختلفن في القرآن، ثم لا يقومون عليه أبداً، قال: وما ذاك؟ قال: رأيت أناساً من أهل حمص يزعمون أن قراءتهم خيرٌ من قراءة غيرهم، وأنهم أخذوا القرآن عن المقداد. ورأيت أهل دمشق يقولون: إن قراءتهم خيرٌ من قراءة غيرهم، ورأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك، وأنهم قرؤوا على ابن مسعود. وأهل البصرة يقولون مثل ذلك، وأنهم قرؤوا على أبي موسى، ويسمُّون مصحفه "لباب القلوب".

فلما وصلوا إلى الكوفة أخبر حذيفة بن اليمان بذلك، وحذرهم ما يخاف، فوافقه أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكثير من التابعين، وقال له أصحاب ابن مسعود: ما تنكر؟ ألسنا نقرؤه على قراءة ابن مسعود؟ فغضب حذيفة ومن وافقه وقالوا: إنما أنتم أعراب فاسكتوا فإنكم على خطأ. وقال حذيفة: واللَّه لئن عشت لآتين أمير المؤمنين، ولأشيرن عليه أن يحول بين الناس وبين ذلك، فأغلظ له ابن مسعود، فغضب سعيد وقام، وتفرَّق الناس، وغضب حذيفة، وسار إلى عثمان، فأخبره بالذي رأى وقال: أنا النذير العريان فأدركوا الأمة. وفي البخاري رواية عن حذيفة أنه قال لعثمان: "أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى". وكان حذيفة يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وآذربيجان مع أهل العراق.

جمع عثمان رضي الله عنه الصحابة وأخبرهم الخبر، فأعظموه ورأوا جميعاً ما رأى حذيفة. فأرسل إلى حفصة بنت عمر زوجة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك. وكانت هذه الصحف هي التي كتبت في أيام أبي بكر، فإن القتل لما كثر في الصحابة يوم اليمامة قال عمر لأبي بكر: إن القتل قد كثر واستحرَّ بقرَّاء القرآن يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقرَّاء، فيذهب من القرآن كثير. وإني أرى أن تأمر بجمعه، فأمر أبو بكر زيد بن ثابت، فجمعه من الرقاع والعُسُب (2) ، وصدور الرجال. فكانت الصحف عند أبي بكر، ثم عند عمر، فلما توفي عمر أخذتها حفصة فكانت عندها، فأرسل عثمان إليها وأخذها منها، وأمر زيد بن ثابت (3) ،

⦗ص: 92⦘

وعبد اللَّه بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام (4)، فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان: إذا اختلفتم فاكتبوها بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا. فلما نسخوا الصحف ردَّها عثمان إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وحرق ما سوى ذلك، وأمر أن يعتمدوا عليها ويدعوا ما سواها، فكل الناس عرف فضل هذا العمل إلا ما كان من أهل الكوفة، فإن المصحف لما قدم عليهم فرح به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحاب عبد اللَّه ومن وافقهم امتنعوا عن ذلك وعابوا الناس، فقام فيهم ابن مسعود وقال: ولا كل ذلك فإنكم واللَّه سبقتم سابقينا فأربعوا على ظلعكم (5) . ولما قدم على الكوفة قام إليه رجل فعاب عثمان بجمع الناس على المصحف، فصاح وقال: اسكت فعن ملأ منا فعل ذلك فلو وليت منه ما ولي عثمان لسلكت سبيله (6)

⦗ص: 93⦘

.

قال زيد: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري - {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 32]- فألحقناها في سورتها في المصحف.

واختلف في عدد المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق. قال السيوطي في الإتقان: والمشهور أنها خمسة. وقال ابن أبي داود من طريق سمعت أبي حاتم السجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكة وإلى الشام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحداً. واختلف في ترتيب السور هل هو توقيفي أو باجتهاد الصحابة؟ قال الكرماني في البرهان: ترتيب السور هكذا هو عند اللَّه في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب. وقال مالك: ترتيب السور باجتهاد الصحابة. وقال السيوطي في الإتقان: والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال.

(1) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 8.

(2)

العُسُب: عُسُب النخل، وهي الجريد الذي لا خوص له، واحدها عسيب.

(3)

هو زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لَوْذان بن عمرو، أبو خارجة، الأنصاري، صحابي من أكابرهم، كان كاتب الوحي، ولد في المدينة سنة 11 ق. هـ ونشأ بمكة، قُتل أبوه وهو ابن ست سنين، هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن 11 سنة، تعلَّم وتفقَّه في الدين، فكان رأساَ بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض، كان عمر يستخلفه على المدينة إذا سافر، فقلَّما رجع إلا أقطعه حديقة من نخل، كان ابن عباس - على جلالة قدره وسعة علمه - يأتيه إلى بيته للأخذ عنه، ويقول: العلم يؤتى ولا يأتي. وأخذ ابن عباس بركاب زيد، فنهاه زيد، فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فأخذ زيد كفه وقبَّلها، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا، وكان أحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار، وعرضه عليه، وهو الذي كتبه في المصحف لأبي بكر، ثم لعثمان حين جهَّز المصاحف إلى الأمصار. ولما توفي سنة 45 هـ رثاه حسان بن ثابت، وقال أبو هريرة: اليوم مات حبر هذه الأمة، وعسى اللَّه أن يجعل في ابن عباس منه خلفاً. للاستزادة راجع: غاية النهاية ج 1/ص 296، صفة الصفوة ج 1/ص 294، العبر للذهبي ج 1/ص 53، تهذيب التهذيب ج 3/ص 399، الاستيعاب ج 2/ص 537، الوافي بالوفيات ج 15/ص 24، طبقات ابن سعد ج 1/ص 37، الثقات ج 3/ص 135.

(4)

هو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، القرشي، المدني، ولد سنة 1 هـ، أبو محمد، تابعي، ثقة، جليل القدر، من أشراف قريش، وهو أحد الأربعة الذين عهد إليهم عثمان بن عفان نسخ القرآن بمصاحف لتوزيعها على الأمصار، توفي سنة 43 هـ. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج 6/ص 156، الإصابة ترجمة 6195.

(5)

أربع على ظلعك: أي أنك ضعيف فتنكب عما لا تطيقه.

(6)

قال ابن قيم الجوزية، في كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص 18- 19: "ومن ذلك جمع عثمان رضي الله عنه الناس على حرف واحد من الأحرف السبعة التي يطلق لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم القراءة بها لما كان ذلك مصلحة، فلما خاف الصحابة رضي الله عنهم على الأمة أن يختلفوا في القرآن ورأوا أن جمعهم على حرف واحد أسلم وأبعد من وقوع الاختلاف فعلوا ذلك ومنعوا الناس من القراءة بغيره. وهذا كما لو كان للناس عدة طرق إلى البيت وكان سلوكهم من تلك الطرق يوقعهم في التفرق والتشتت ويطمع فيهم العدو، فرأى الإمام جمعهم على طريق واحد، وترك بقية الطرق جاز ذلك ولم يكن فيه إبطال لكون تلك الطرق موصلة إلى المقصود وإن كان فيه نهي من سلوكها لمصلحة الأمة.

ص: 91

- مقتل يزدجرد بن شهريار (1)(سنة 31 هـ/ 651 م) :

كان يزدجرد بن شهريار بن كسرى ملك فارس قد تولى في خلافة عمر بن الخطاب سنة 14 هـ، وهو الذي جمع جيشاً تحت قيادة رستم لمحاربة المسلمين، فانهزم جيشه ففر إلى خراسان. ولم يزل المسلمون يتبعونه ويقفون أثره من مدينة إلى مدينة، وهو يهرب حتى بيته جماعة من الترك فقتلوه سنة 31 هـ. وقد اختلف في سبب قتله: قال ابن إسحاق: هرب يزدجرد من كرمان في جماعة يسيرة إلى مرو فسأل مرزبانها مالاً، فمنعه، فخافوا على أنفسهم، فأرسلوا إلى الترك يستنصرونهم عليه، فأتوه، فبيتوه، فقتلوا أصحابه، وهرب يزدجرد حتى أتى منزل رجل ينقر الأرحاء على شط المرغاب (2) فأوى إليه ليلاً فلما نام قتله. وزاد بعضهم أن النقار أخذ متاعه وجواهره وألقى جسده في المرغاب، وأصبح أهل مرو فاتبعوا أثره حتى خفي عليهم عند منزل النقار، فأخذوه، فأقر لهم بقتله، وأخرج متاعه، فقتلوا النقار وأهل بيته، وأخذوا متاعه ومتاع يزدجرد وأخرجوه من المرغاب، فجعلوه في تابوت من خشب. وقال بعضهم: إنهم حملوه إلى إصطخر فدفن بها في أول سنة 31 هـ. وهو آخر ملوك الفرس، وصفا الملك بعده للعرب. وكان عمره عندما قُتل 34 سنة.

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 620، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 14، ابن كثير، البداية والنهاية ج 7/ص 158. "خراسان في الشمال الشرقي من بلاد فارس".

(2)

شط المرغاب: نهر بمرو.

ص: 93

- فتح خراسان (1)(سنة 34 هـ/ 652 م) :

⦗ص: 95⦘

لما قتل عمر بن الخطاب نقض أهل خراسان وغدروا، فلما استخلف عثمان بن عفان ولَّى عبد اللَّه بن عامر بن كريز البصرة في سنة 28. ويقال 29، وهو ابن 25 سنة، وهو ابن خال عثمان بن عفان، ولد على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان كريماً، ميمون النقيبة (2) ، فافتتح من أهل فارس ما افتتح، ثم غزا خراسان، واستخلف على البصرة زياد بن أبي سفيان (3) ، وسار إلى كرمان (4) فاستعمل عليها مجاشع بن مسعود السلمي، وأمره بمحاربة أهلها، وكانوا قد نكثوا، واستعمل على سجستان (5) الربيع بن زياد الحارثي، وكانوا أيضاً قد نقضوا الصلح، وسار ابن عامر إلى نيسابور، وجعل على مقدمته الأحنف بن قيس (6) ، فأتى الطبَسين، وهما حصنان، وهما بابا

⦗ص: 96⦘

خراسان، فصالحه أهلها على 600. 000 درهم، وسار إلى قهستان، فلقيه أهلها، وقاتلهم حتى ألجأهم إلى حصنهم. وبعث ابن عامر سرية إلى رستاق زام من أعمال نيسابور، ففتحه عنوة، وفتح باخرْز (7) ، من أعمال نيسابور أيضاً، وفتح جُوَين (8) ، وسبى سبياً، ووجَّه ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوي من عديِّ الرباب، وكان ناسكاً، إلى بيهق من أعمال نيسابور، فدخل حيطان البلد من ثلمة كانت فيها، ودخلت معه طائفة من المسلمين، فأخذ العدو عليهم تلك الثلمة، فقاتل الأسود حتى قتل هو، وطائفة ممن معه. وقام بأمر المسلمين بعده أخوه أدهم بن كلثوم فظفر، وفتح بيهق (9) ، وكان الأسود يدعو إلى اللَّه أن يحشره من بطون السباع والطير، فلم يواره أخوه، ودفن من استشهد من أصحابه. وفتح ابن عامر بُشت (10) من نيسابور وأشبَنذ ورُخَّ وزاره وخوَاف وأسفرائن وأرغيان (11) من نيسابور، ثم أتى أبرشهر وهي مدينة نيسابور، فحصر أهلها أشهراً، وكان على كل ربع منها رجل موكل به، وطلب صاحب ربع من تلك الأرباع الأمان على أن يدخل المسلمين المدينة، فأعطاه وأدخلهم إياها ليلاً، ففتحوا الباب، وتحصَّن مرزبانها في القهندز (12) ، ومعه جماعة. وطلب الأمان على أن يصالحه عن جميع نيسابور على وظيفة يؤديها، فصالحه على ألف ألف درهم، وولي نيسابور حين فتحها قيس بن الهيثم السلمي (13) ، ووجَّه ابن عامر عبد اللَّه بن خازم السلمي (14) إلى حُمراندر من

⦗ص: 97⦘

نسا (15) ، وهو رستاق قرية ففتحه، وأتاه صاحب نسا فصالحه على 300. 000 درهم. ويقال: على احتمال الأرض من الخراج على أن لا يقتل أحداً ولا يسبيه. وقدم بهمنة عظيم أبيورد (16) على ابن عامر فصالحه على 400. 000 درهم، ويقال وجه إليها ابن عامر عبد اللَّه بن خازم فصالح أهلها على 400. 000 درهم، ووجَّه عبد اللَّه بن عامر عبد اللَّه بن خازم إلى سَرَخْس (17) فقاتلهم، ثم طلب زاذويه مرزبانها الصلح على تأمين مائة رجل، وأن يدفع إليه النساء، فصارت ابنته في سهم خازم، واتخذها وسماها مَيساء، وغلب ابن خازم على أرض سرخس، ويقال: إنه صالحه على أن يؤمن مائة نفس فسمَّى له المائة، ولم يسم نفسه فقتله ودخل سَرخس عنوة، ووجه ابن خازم من سرخس يزيد بن سالم مولى شريك بن الأعور إلى كيف وبينة ففتحهما. وأتى كنازتك مرزبان طوس ابن عامر فصالحه على طوس على 600. 000، ووجَّه ابن عامر جيشاً إلى هراة عليه أوس ابن ثعلبة ويقال: خُليد بن عبد اللَّه الحنفي، فبلغ عظيم هراة ذلك فشخص إلى ابن عامر، وصالحه على هراة وبادغيس وبوشنج غير طاغون وباغون فإنه فتحهما عنوة، وكتب له ابن عامر: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم. هذا ما أمر به عبد اللَّه بن عامر عظيم بوشنج وبادغيس. أمره بتقوى اللَّه ومناصحة المسلمين وإصلاح ما تحت يديه من الأرضين، وصالحه على هَراة. سهلها وجبلها على أن يؤدي من الجزية ما صالحه عليه، وأن يقسم ذلك على الأرضين عدلاً بينهم، فمن منع ما عليه فلا عهد له ولا ذمة. وكتب ربيع بن نهشل وجثم بن عامر" (18) .

وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح، فوجَّه ابن عامر إلى مرو حاتم بن النعمان الباهلي، فصالحه على ألف ألف ومائتي ألف درهم. وكان في صلحهم أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم وأن عليهم قسمة المال، وليس على المسلمين إلا قبض ذلك. وكانت مرو صلحاً كلها

⦗ص: 98⦘

إلا قرية منها يقال لها: السنج، فإنها أخذت عنوة. ووجَّه عبد اللَّه ابن عامر الأحنف، وهو حصن من مرو الروذ وله رستاق عظيم يعرف برستاق الأحنف، ويدعى بشق الجرد. فحصر أهله، فصالحوه على 300،000. فقال الأحنف: أصالحكم على أن يدخل رجل منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حتى أنصرف، فرضوا، وكان الصلح عن جميع الرستاق، ومضى الأحنف إلى مرو الروذ، فحصر أهلها، وقاتلوه قتالاً شديداً، فهزمهم المسلمون، فاضطروهم إلى حصنهم، وكان المرزبان من ولد باذام صاحب اليمن أو ذا قرابة له، فكتب إلى الأحنف أنه دعاني إلى الصلح إسلام باذام، فصالحه على 600. 000. ووجَّه الأحنف الأقرع بن حابس التميمي (19) في خيل، وقال:"يا بني تميم تحابوا وتباذلوا تعتدل أموركم، وابدأوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم، ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم". فسار الأقرع، فلقي العدو بالجوزجان (20) فكانت في المسلمين جولة ثم كرّوا فهزموهم، وفتحوا الجوزجان عنوة.

وفتح الأحنف الطالقان صلحاً، وفتح الفارياب، ثم سار الأحنف إلى بلخ، وهي مدينة طخارا فصالحهم أهلها على 400. 000، فاستعمل على بلخ أرسيد بن المتشمس، ثم سار إلى خوارزم، وهي من سقي النهر جميعاً ومدينتها شرقية فلم يقدر عليها فانصرف إلى بلخ وقد جبى أرسيد صلحها.

قال أبو عبيدة: فتح ابن عامر ما دون النهر، فلما بلغ أهل ما وراء النهر أمره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل. فيقال: إنه عبر النهر حتى أتى جميع مواضعه. وقيل بل أتوه وصالحوه، وبعث من قبض ذلك، فأتته الدواب، والوصفاء، والوصائف، والحرير، والثياب. ثم إنه أحرم شكراً للَّه.

ولما تم لابن عامر هذا الفتح قال له الناس: ما فتح لأحد ما فتح عليك، فارس وكرمان وسجستان وخراسان. فقال: لا جرم لأجعلن شكري للَّه على ذلك أن أخرج محرماً من موقفي

⦗ص: 99⦘

هذا فأحرم بعمرة من نيسابور. وقدم على عثمان واستخلف على خراسان قيس بن الهيثم.

جميع هذه المدن والقرى التي مر ذكرها هي بخراسان. ولما كانت فارسية فقد يستغربها القارئ ويصعب عليه النطق بها، وقد اضطررت إلى ذكرها، لأن المسلمين فتحوها تحت قيادة عبد اللَّه بن عامر، وفتح أغلبها صلحاً، لأنهم لم يستطيعوا مقاومة المسلمين، وقد قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس.

(1) خراسان في الشمال الشرقي من بلاد فارس تحدها شمالاً خيوا وشرقاً أفغانستان وجنوباً وغرباً ولايات كرمان الفارسية وفرس ولورستان والعراق العجمي. ومن أمهات مدن خراسان نيسابور وهراة ومرو وكانت قصبتها وبلخ وطالقان ونسا. للاستزادة راجع: الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 620، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 14.

(2)

ميمون النقيبة: أي مبارك النفس مظفَّراً بما يحاول.

(3)

هو زياد بن أبيه، أمير من دهاة العرب، القادة الفاتحين، الولاة، من أهل الطائف، فقيل: عُبَيد الثقفي، وقيل: أبو سفيان، ولدته أمه سميّة وهي جارية الحارث بن كلدة الثقفي في الطائف سنة 1، وتبنَّاه عُبَيد الثقفي مولى الحارث بن كلدة، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وأسلم في عهد أبي بكر، وكان كاتباً للمغيرة بن شعبة، ثم لأبي موسى الأشعري أيام إمرته على البصرة، ثم ولاه علي بن أبي طالب على فارس، ولما توفي عليّ امتنع زياد على معاوية، وتحصَّن في قلاع فارس، وتبين لمعاوية أنه أخوه من أبيه "أبي سفيان" فكتب إليه بذلك، فقدم عليه وألحقه معاوية بنسبه سنة 44 هـ، قال الأصمعي: أول من ضرب الدنانير والدراهم ونقش عليها اسم "اللَّه" ومحا عنها اسم الروم ونقوشهم، زياد. للاستزادة راجع: ابن خلدون ج 3/ص 5، ابن الأثير الكامل في التاريخ ج 3/ص 195، الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 6/ص 162، تهذيب ابن عساكر ج 4/ص 406، ميزان الاعتدال ج 1/ص 355، لسان الميزان ج 2/ص 493، البدء والتاريخ ج 6/ص 2، خزانة الأدب ج 2/ص 517، الذريعة ج 1/ص 331، عقود اللطائف.

(4)

كرمان ولاية بين فارس، ومكران، وسجستان، وخراسان.

(5)

سجستان بينها وبين كرمان 130 فرسخاً.

(6)

هو الأحنف بن قيس بن معاوية بن حُصين المرِّي السعدي المنقري التميمي، أبو بحر، سيد تميم، أحد العظماء الدهاة، الفصحاء الشجعان الفاتحين، يضرب به المثل في الحلم، ولد في البصرة سنة 3 ق. هـ أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، شهد فتوح خراسان وقال ياقوت في معجم البلدان ج 3/ص 409: "أنقذه عمر سنة 18 هـ، لغزو خراسان، فدخلها وتملَّك مدنها، وهرب منه يزدجرد بن شهريار ملك الفرس إلى خاقان ملك الترك بما وراء النهر، اعتزل الفتنة يوم الجمل، ثم شهد صفِّين مع عليّ، ولمَّا انتظم الأمر لمعاوية عاتبه، فأغلظ له الأحنف في الجواب، فسُئل معاوية عن صبره عليه، فقال: هذا الذي إذا غضب، غضب له مائة ألف لا يدرون فِيمَ غضب. كان صديقاً لمصعب بن الزبير، وفد الكوفة وتوفي فيها سنة 72 هـ وهو عنده. للاستزادة راجع: طبقات ابن سعد ج 7/ص 66، ابن خلكان ج 1/ص 230، ذكر أخبار أصبهان ج 1/ص 224، جمهرة الأنساب ص 206، تهذيب ابن عساكر ج 7/ص 10، تاريخ الخميس ج 2/ص 309، تاريخ الإسلام للذهبي ج 3/ص 129.

(7)

بين نيسابور وهراة.

(8)

يسميها أهل خراسان كوبان، بينها وبين نيسابور عشرة فراسخ.

(9)

من أعمال نيسابور.

(10)

سميت بذلك: لأنها كالظهر لنيسابور. والظهر باللغة الفارسية يقال له: بشت.

(11)

كورة من نواحي نيسابور.

(12)

القهندز: كالحصن، تعريبها معناه: القلعة العتيقة.

(13)

هو قيس بن الهيثم بن قيس بن الصلت بن حبيب السلمي، من الخطباء الشجعان، من أعيان البصرة في صدر الإسلام، كان من أنصار بني أمية فيها، ثم قام بدعوة عبد اللَّه بن الزبير، وصحب أخاه مصعباً في ثورته، إلى أن قُتل، فتوجَّه إلى عبد الملك بن مروان، فعفا عنه وأكرمه، توفي سنة 188 هـ بالبصرة. للاستزادة راجع: النووي ج 2/ص 64، ذيل المذيل ص 35، والمرزباني ص 333، الإصابة ج 3/ص 235.

(14)

هو عبد اللَّه بن خازم بن أسماء بن الصلت السلمي البصري، أبو صالح، أمير خراسان، له صحبة، كان من أشجع الناس، أسود اللون، كثير الشعر، يتعمم بعمامة خزّ سوداء، يلبسها في الجُمع والأعياد والحرب، ويقول: كسانيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال البغدادي: هو غربان العرب في الإسلام، له فتوحات وغزوات، ولي إمرة خراسان لبني أمية، واستمر عشر سنين، وفي أيامه كانت فتنة ابن الزبير، فكتب إليه ابن خازم بطاعته، فأقره على خراسان، فبعث إليه عبد الملك بن مروان يدعوه إلى طاعته، فأبى، فلما قُتل مصعب بن الزبير بعث إليه عبد الملك برأسه فغسله وصلى عليه، ثم انتقض عليه أهل خراسان، فقتلوه، وأرسلوا رأسه إلى عبد الملك سنة 72 هـ.

(15)

مدينة بخراسان، ينسب إليها النسائي صاحب السنن.

(16)

أَبِيوَرْد: مدينة بخراسان بين سرخس ونسا.

(17)

ويقال بالتحريك والأول أكثر: مدينة قديمة بين نيسابور ومرو صحيحة التربة كثيرة المراعي، قليلة القرى.

(18)

ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 60.

(19)

هو الأقرع بن حابس بن عقال المجاشعي الدارمي التميمي، صحابي، من سادات العرب في الجاهلية، قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في وفد بني دارم من تميم، فأسلموا، وشهد حنيناً وفتح مكة والطائف، سكن المدينة، وكان من المؤلفة قلوبهم، ورحل إلى دومة الجندل في خلافة أبي بكر، وكان مع خالد بن الوليد في أكثر وقائعه حتى اليمامة، واستشهد بجوزجان سنة 31 هـ، ومن المؤرخين من يرى أن اسمه فراس، وأن الأقرع لقب له، لقرع كان برأسه، للاستزادة راجع: ابن عساكر ج 3/ص 86، ذيل المذيّل ص 32، خزانة الأدب للبغدادي ج 3/ص 397، عيون الأثر ج 2/ص 205.

(20)

جَوْزَجان: اسم كورة واسعة من كور بلخ بين مرو والروذ وبلخ.

ص: 93

- فتح إصطخر (1) :

إصطخر: كورة وبلدة في بلاد فارس، وبها كثير من المدن والقرى، أشهرها البيضاء ومائتين ونيريز وأبرقوه ويزد وغيرها. وبها كانت خزائن الملوك قبل الإسلام. قيل: وفي جبالها معدن الحديد. وفي دارا بجرد إحدى قراها معدن الزئبق. وفي إصطخر وضع هيستاسب كتاب زرادشت نبي المجوس لما كانت في عظمتها.

وعلى ثلاثة أو أربعة فراسخ من ميان تجد آثار مدينة إصطخر الشهيرة في قديم الزمان باسم برسبوليس وهي مدينة قديمة كانت سابقاً دار سلطنة بلاد فارس.

لما جاء الإسلام كان أول من غزا بلاد فارس العلاء بن الحضرمي (2) في خلافة عمر سنة 17 هجرية. سار بجيوشه بحراً وخرجوا بإصطخر فقاتلهم أهلها قتالاً شديداً فانجلى القتال عن هزيمة أهل إصطخر. ثم دخل أبو موسى الأشعري بلاد فارس في نفس السنة، ودفع لواء إصطخر إلى عثمان بن أبي العاص الثقفي لما فرق الألوية على رجاله فلم يتيسر الفتح إلا سنة 18 هـ، وقيل بعد ذلك. قال ابن الأثير (3) : وقصد عثمان بن أبي العاص الثقفي إصطخر فالتقى هو وأهلها بجور

⦗ص: 100⦘

فاقتتلوا، وانهزم الفرس وفتح المسلمون جور، ثم إصطخر وقتلوا الكثير، وفر بعضهم فدعا عثمان إلى الذمة والجزية، فأجابه الهربذ إليها فتراجعوا، وكان عثمان قد جمع الغنائم فبعث بخمسها إلى عمر، وقسم الباقي في الناس.

ثم عصت إصطخر فعاد إليها عثمان سنة 27 هـ، وفتحها ثانية. ثم انتفض الفرس فواقعهم عبيد اللَّه بن معمر على باب إصطخر سنة 29 هـ فقتل وانهزم المسلمون، فبلغ الخبر عبد اللَّه بن عامر فسار إليهم والتقوا بإصطخر، فانهزم الفرس، وقتل منهم كثيرون، وفتحت إصطخر عنوة. وأتى دارا بجرد وقد غدر أهلها ففتحها، وصار إلى جور، فانتفضت إصطخر فلم يرجع إليها إلا بعد أن فتح جور ففتحها أيضاً عنوة بعد أن حاصرها واشتد القتال عليها ورماها بالمناجيق، وقتل من أهلها خلق كثير، وأفنى أكثر أهل البيوتات ووجوه الأساودة كانوا قد لجأوا إليها، والذي استخلفه على إصطخر شريك بن الأعور الحارثي فبنى مسجدها.

قال البلاذري في فتوح البلدان:

"لما فرغ عبد اللَّه بن عامر من فتح جور، كرَّ على أهل إصطخر وفتحها عنوة بعد قتال شديد، ورمى بالمناجيق، وقتل بها من الأعاجم 40. 000" الخ.

(1) فتوح البلدان البلاذري، الذهبي، تاريخ الإسلام ج 3/ص 379.

(2)

هو العلاء بن عبد اللَّه الحضرمي، صحابي، من رجال الفتوح في صدر الإسلام، أصله من حضرموت، سكن أبوه مكة فَوُلد العلاء ونشأ فيها، توفي سنة 21 هـ، ولَاّه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم البحرين سنة 8 هـ، وأقرَّه أبو بكر ثم عمر، وهو الذي سير عرفجة بن هرثمة إلى شواطئ فارس سنة 14 هـ بالسفن، فكان أول من فتح جزيرة بأرض فارس في الإسلام، ويقال: إن العلاء أول مسلم ركب البحر للغزو. للاستزادة راجع: البدء والتاريخ ج 5/ص 183، تهذيب الأسماء ج 1/ص 280، الإصابة ترجمة 5644، ابن سعد ج 4/ص 333، جمهرة الأنساب ص 187، صفة الصفوة ج 1/ص 189، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/ص 165، المحبّر تحت عنوان "رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأشراف".

(3)

ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 2/ص 439.

ص: 99

- فتح كِرْمَان (1) :

لما سار ابن عامر إلى فارس وجَّه مجاشع بن مسعود السلمي (2) إلى كرمان (3) وكان أهلها قد نكثوا وغدروا، ففتح بيمنت عنوة، واستبقى أهلها وأعطاهم أماناً، وبنى قصراً يعرف بقصر مجاشع. وفتح بروخروة، وأتى الشيرجان وهي مدينة كرمان، وأقام عليها أياماً يسيرة، وأهلها متحصِّنون، وقد خرجت لهم خيل فقاتلهم ففتحها عنوة، ثم إن كثيراً من أهلها جلوا عنها وفتح

⦗ص: 101⦘

جِيْرَفْت (4) عنوة، وسار في كرمان فدوَّخ أهلها وأتى القُفص وتجمع له بهرُمور خلق كثير من الأعاجم فقاتلهم فظفر بهم وظهر عليهم. وهرب كثير من أهل كرمان فركبوا البحر، ولحق بعضهم بمكران، وأتى بعضهم سجستان، فأقطعت العرب منازلهم وأراضيهم فعمروها وأدوا العشر فيها، واحتفروا القنوات في مواضع منها.

(1) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 22.

(2)

هو مجاشع بن مسعود بن ثعلبة السلمي، صحابي من القادة الشجعان استخلفه المغيرة بن شعبة على البصرة في خلافة عمر، غزا كابل وصالحه صاحبها الأصبهجد، وقيل: كان على يديه فتح حصن أبرويز بفارس، وكان يوم الجمل مع عائشة أميراً على بني سليم، فقتل فيه سنة 36 هـ، قبل الوقعة ودفن بداره في بني سدوس بالبصرة، كان من الكرماء. للاستزادة راجع: ذكر أخبار أصبهان ج 1/ص 70، الإصابة

ترجمة 7723، تهذيب التهذيب ج 10/ص 38، الجمع بين رجال الصحيحين ج 2/ص 515، معجم ما استعجم 1108، العقد الفريد ج 2/ص 66.

(3)

كِرْمَان: وتسمى قديماً كرمانيا، وهي مقاطعة من بلاد فارس بالجنوب الشرقي.

(4)

جِيرَفْت: مدينة بكِرْمان من أعيان مدنها وأنزهها.

ص: 100

- فتح سجستان وكابل (1) :

فتحت سجستان في أيام عمر بن الخطاب، ثم إن أهلها نقضوا عهدهم. فلما توجَّه ابن عامر إلى خراسان سير إليها من كرمان الربيع بن زياد الحارثي (2) ، فأتى حصن زالق فأغار على أهله في يوم مهرجان فأخذ دهقانه فافتدى نفسه بأن ركز عنزةً، ثم غمرها ذهباً وفضة، وصالح الدهقان على حقن دمه وصالحه على صلح أهل فارس، ثم أتى قرية يقال لها كَركويه (3) على خمسة أميال من زالق فصالحوه على غير قتال، ثم أتى زالق وأخذ الأدلَاّء منها إلى زَرَنج (4) ، وسار حتى نزل الهندمند، وأتى زوشت وهي من زرنج على ثلثي ميل فخرج إليه أهلها فقاتلوه قتالاً شديداً، وأصيب رجال من المسلمين، ثم كرَّ المسلمون وهزموهم حتى اضطروهم إلى المدينة بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة (5) ، ثم أتى الربيع ناشروذ (6) قرية فقاتل أهلها وظفر بهم، ثم مضى إلى شرواذ (7) قرية فغلب عليها، ثم حاصر مدينة زرنج بعد أن قاتل أهلها، فبعث إليه أبرْويز مرزبانها يستأمنه ليصالحه، فأمر بجسد من أجساد القتلى، فوضع له، فجلس عليه واتكأ على آخر، وأجلس أصحابه على أجساد القتلى مثله. وكان الربيع آدم أفوه طويلاً.

⦗ص: 102⦘

فلما رآه المرزبان هاله فصالحه على ألف وَصِيف مع كل وَصِيف (8) جام من ذهب، ودخل المسلمون المدينة، ثم أتى سناروذ (9) وهو وادٍ فعبره وأتى القريتين، وهناك مربط فرس رُسْتَم (10) فقاتله أهلها فظفر بهم، ثم عاد إلى زرنج وأقام بها سنتين، ثم أتى ابن عامر واستخلف بها رجلاً من بني الحارث بن كعب فأخرجوه وأغلقوها. وكانت ولاية الربيع سنتين ونصفاً، وسبى في ولايته هذه 40. 000 رأس، وكان كاتبه الحسن البصري (11) ، ثم ولى ابن عامر عبد الرحمن بن سَمُرَة بن حبيب بن عبد شمس (12) سجستان، فأتى زرنج فحصر مرزبانها في قصره في

⦗ص: 103⦘

يوم عيد لهم فصالحه على ألفي ألف درهم، وألفي وصيف. وغلب ابن سَمُرَة على ما بين زرنج وكَشّ (13) من ناحية الهند، وغلب من ناحية طريق الرُّخَّج (14) على ما بينه وبين بلاد الداور (15) ، فلما انتهى إلى بلاد الداور حصرهم في جبل الزور (16) ، ثم صالحهم، فكانت عدة من معه من المسلمين 8000 فأصاب كل رجل منهم 4000 ودخل على الزور وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان فقطع يده وأخذ الياقوتتين، ثم قال للمرزبان: دونك الذهب والجوهر، وإنما أردت أن أعلمك أنه لا يضر ولا ينفع. وفتح كابل وزابلستان. وأتى عبد الرحمن زرنج فأقام بها حتى اضطرب أمر عثمان، فاستخلف عليها أمير بن أحمر اليشكريّ، وانصرف من سجستان، فأخرج أهلها أمير بن أحمر وامتنعوا.

(1) سجستان: معرب سيستان، وكانت قديماً تسمَّى: ساقستان، أي بلاد الساقة، وهي ولاية بالجنوب الغربي من أفغانستان يتبعها قسم داخل حدود بلاد العجم.

(2)

هو أخو المهاجر بن زياد وهو من قال عنه عمر بن الخطاب: "ما صَدَقني أحد منذ استخلفت كما صَدَقني الربيع بن زياد". للاستزادة راجع: أسد الغابة ج 2/ص 207، تاريخ الطبري ج 4/ص 183، الإصابة ج 1/ص 80، الكامل في التاريخ/ الفهارس، جمهرة أنساب العرب ص 391، تهذيب التهذيب ج 3/ص 244، حياة الصحابة ج 2/ص 168.

(3)

كركويه: مدينة من نواحي سجستان.

(4)

زرنج: مدينة هي قصبة سجستان.

(5)

ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 22.

(6)

ناشروذ: قرية بسجستان.

(7)

شرواذ: قرية بسجستان.

(8)

الوَصِيف: الخادم، وجمعه وُصَفَاء.

(9)

سناروذ: اسم لنهر سجستان يأخذ من نهر هند مند فيجري على قدر فرسخ من سجستان فيتفرع منه أنهر يسقي الرساتيق وتجري فيه السفن أيام المد. ورد في المتن: "هو وادٍ" وهذا خطأ اقتضى تصويبه.

(10)

رُسْتَم: بضم الراء وفتح التاء، هو رُسْتَم بن الفرخزاد، ورُسْتَم لفظة فارسية، معناها: نَجَوْتُ، ويقال إن أمه تعذَّبت بولادته لِشِدَة تَعَسُّرها، وعندما وضعته صاحت: رُسْتَم أي نَجَوْتُ، فسمي بهذا الاسم. قتلت أَزْرميدُخت والده، ورُسْتَم من القواد المشهورين في فارس، هزمه سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية.

(11)

هو الحسن بن يَسَار البصري، أبو سعيد، تابعي، كان إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه، هو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النسَّاك، ولد بالمدينة سنة 21 هـ، شبَّ في كنف علي بن أبي طالب، استكتبه الربيع بن زياد والي خراسان في عهد معاوية، سكن البصرة، وعظمت هيبته في القلوب، فكان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم، لا يخاف في اللَّه لومة لائم، قال فيه الغزالي: كان الحسن البصري أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء، وأقربهم هدياً من الصحابة، كان غاية في الفصاحة، تتصبَّب الحكمة من فيه، له مع الحجاج بن يوسف مواقف، توفي في البصرة سنة 110 هـ. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج 2/ص 110، وفيات الأعيان ج 1/ص 115، ميزان الاعتدال ج 1/ص 254، حلية الأولياء ج 2/ص 131، ذيل المذيل ص 93، أمالي المرتضى ج 1/ص 106، الأزهرية ج 3/ص 725.

(12)

هو عبد الرحمن بن سَمُرَة بن حبيب بن عبد شمس القرشي، أبو سعيد، صحابي، من القادة الولاة، أسلم يوم الفتح، شهد غزوة مؤتة، سكن البصرة، افتتح سجستان، وغزا خراسان، ثم عاد إلى البصرة فتوفي فيها سنة 50 هـ، كان اسمه في الجاهلية:"عبد كلال"، سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج 6/ص 190، تهذيب الكمال ج 2/ص 792، تقريب التهذيب ج 1/ص 483، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 136، الكاشف ج 2/ص 167، تاريخ البخاري الكبير ج 5/ص 242، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 96، الجمع بين رجال الصحيحين ص 282، دول الإسلام للذهبي ج 1/ص 26، نسب قريش ص 150، الجرح والتعديل ج 5/ص 241، الثقات ج 3/ص 249، أسد الغابة ج 3/ص 454، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 348، الإصابة ج 4/ص 310، الاستيعاب ج 2/ص 835، سير الأعلام ج 2/ص 571، أسماء الصحابة الرواة ترجمة ص 149.

(13)

الكَشّ: قرية على ثلاثة فراسخ من جرجان على الجبل.

(14)

الزُّخَّج: كورة من أعمال سجستان، ومدينة من نواحي كابل.

(15)

ورد في الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج 3/ص 23:"الداون" ولعل ما ورد في متن هذا الكتاب خطأ على الأرجح، والصواب هو "الداون" وليس "الداور".

(16)

ورد في الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج 3/ص 26:"الزوز" ولعل ما ورد في متن هذا الكتاب خطأ على الأرجح، والصواب هو "الزوز" وليس "الزور".

ص: 101

- وفاة أبي سفيان (1)(سنة 31 هـ/ 652 م) :

أبو سفيان صخر بن حرب وهو والد يزيد ومعاوية، ولد قبل الفيل بعشر سنين، وكان من أشراف قريش. وكان تاجراً يجهز التجار بماله وأموال قريش إلى الشام وغيرها من أرض العجم، وكان يخرج أحياناً بنفسه، وكانت إليه راية الرؤساء التي تسمى العقاب. وإذا حميت الحرب اجتمعت قريش فوضعتها بيد الرئيس. وقيل كان أفضل قريش رأياً في الجاهلية ثلاثة: عتبة، وأبو جهل، وأبو سفيان، فلما أتى الإسلام أدبر في الرأي. وهو الذي قاد قريشاً كلها يوم أحد، ولم يقدها قبل ذلك رجل واحد إلا يوم ذاك فكيف قادها المطلب!. وكان أبو سفيان صديق العباس، وأسلم ليلة الفتح، وأعطاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية، وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية كل واحد مثله. وشهد الطائف مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ففقئت عينه يومئذ، وفقئت الأخرى يوم اليرموك. وشهد اليرموك تحت راية ابنه يزيد يقاتل ويقول:"يا نصر اللَّه اقترب"، وكان يقف على الكراديس يقص ويقول: "اللَّه، اللَّه، إنكم دارة العرب وأنصار الإسلام. وإنهم دارة الروم وأنصار

⦗ص: 104⦘

المشركين. اللَّهم هذا يوم من أيامك. اللَّهم أنزل نصرك على عبادك".

وروي أنه لما أسلم ورأى المسلمين وكثرتهم قال للعباس: "لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً" فقال له العباس: "إنها النبوة". قال: "فنعم". وكان من المؤلفة قلوبهم وحسن إسلامه.

توفي سنة 31 هـ، وصلى عليه عثمان، وكان عمره 88 سنة.

(1) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 24.

ص: 103

- غزوة بلنجرد (1)(سنة 32 هـ/ 653 م) :

بلنجرد: مدينة الخزَر خلف باب الأبواب.

ذكرنا في كتاب "الفاروق عمر بن الخطاب" أن عبد الرحمن بن ربيعة (2) زحف بجيشه (يريد بلنجرد)(3) فخافهم الترك في أول الأمر وقالوا: إن هؤلاء أي العرب ملائكة لا يعمل فيهم السلاح. فاتفق أن تركياً اختفى في غيضة (4) ورشق مسلماً بسهم فقتله. فنادى في قومه أن هؤلاء يموتون، كما تموتون، فلا تخافوهم. فاجترأوا عليهم، وأوقعوا بهم حتى استشهد عبد الرحمن بن ربيعة، وأخذ الراية أخوه، ولم يزل يقاتل حتى أمكنه دفن أخيه بنواحي بلنجرد، ورجع بقية المسلمين على طريق جيلان.

وفي سنة 32 هـ انتصرت الخزر والترك على المسلمين، وسببه أن الغزوات لما تتابعت عليهم تذامروا (5) وقالوا: كنا لا يُقرن بنا أحد حتى جاءت هذه الأمة "العربية" فصرنا لا نقوم لها.

لما قتل عبد الرحمن بن ربيعة وانهزم المسلمون افترقوا فرقتين فرقة نحو الباب، فلقوا سلمان بن ربيعة أخا عبد الرحمن، كان قد سيره سعيد بن العاص مدداً للمسلمين بأمر عثمان، فلما لقوه نجوا معه. وفرقة نحو جيلان وجرجان، فيهم سلمان الفارسي (6) وأبو

⦗ص: 105⦘

هريرة (7) ، وكان في ذلك العسكر يزيد بن معاوية النخعي (8) ، وعلقمة بن قيس (9) ، ومعضد

⦗ص: 106⦘

الشيباني، وأبو مفرز التميمي في خباء واحد، وخالد بن ربيعة، والحلحان ابن دري، والقرثع في خباء، فكانوا متجاورين في ذلك العسكر. وكان القرثع يقول: ما أحسن لمع الدماء على الثياب. وكان عمرو بن عتبة يقول لقباء عليه أبيض: ما أحسن حمرة الدماء على بياضك، ورأى يزيد بن معاوية في منامه أن غزالاً جيء به لم ير أحسن منه فلف في ملحفة، ثم دفن في قبر لم ير أحسن منه، عليه أربعة نفر قعوداً، فلما استيقظ واقتتل الناس رمي بحجر فهشم رأسه فمات فكأنما زين ثوبه بالدماء وليس بتلطيخ، فدفن في قبر على الصورة التي رأى. وقال معضد لعلقمة: أعرني بردك أعصب به رأسي، ففعل، فأتى برج بلنجرد الذي أصيب فيه يزيد فرماهم فقتل منهم. وأتاه حجر عرّادة (10) ففضخ هامته فأخذه أصحابه، فدفنوه إلى جنب يزيد، وأخذ علقمة البرد فكان يغسله، فلا يخرج أثر الدم منه. وكان يشهد فيه الجمعة، ويقول: يحملني على هذا أن دم معضد فيه. وأصاب عمرو بن عتبة جراحة فرأى قباءه كما اشتهى ثم قتل، وأما القرثع فإنه قاتل حتى خرق بالحراب. فبلغ الخبر بذلك إلى عثمان فقال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، انتكث أهل الكوفة. اللَّهم تب عليهم وأقبل بهم.

وكان عثمان قد كتب إلى سعيد بن العاص أن ينفذ سلمان إلى الباب للغزو فسيره، فلقي المهزومين على ما تقدم، فنجاهم اللَّه به. فلما أصيب عبد الرحمن استعمل سلمان بن ربيعة على الباب واستعمل على الغزو بأهل الكوفة حذيفة بن اليمان وأمدَّهم عثمان بأهل الشام. عليهم حبيب بن مسلمة فتأمر عليه سلمان وأبى حبيب حتى قال أهل الشام: لقد هممنا بضرب سلمان. فقال الكوفيون: إذن، واللَّه نضرب حبيباً ونحبسه، وإن أبيتم كثرت القتلى فينا وفيكم (11) ، وأراد حبيب أن يتأمر على صاحب الباب كما يتأمر أمير الجيش إذا جاء من الكوفة، فكان ذلك أول

⦗ص: 107⦘

خلاف وقع بين أهل الكوفة، وغزا حذيفة ثلاث غزوات، فقتل عثمان في الثالثة، ولقيهم مقتل عثمان. فقال حذيفة بن اليمان:"اللَّهم العن قتلته وشتَّامه، اللَّهم إنا كنا نعاتبه ويعاتبنا فاتخذوا ذلك سلماً إلى الفتنة، اللَّهم لا تمتهم إلا بالسيوف".

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 627، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 25.

(2)

هو عبد الرحمن بن ربيعة بن يزيد، الباهلي، والٍ من الصحابة، كان يُلقَّب: ذا النور، ولَاّه عمر قضاء الجيش الذي وجَّهه إلى القادسية، وعهد إليه بقسمة الغنائم، ثم ولَاّه الباب، وقتال الترك والخزرج، استمر بولايته هذه إلى أن استشهد في بعض وقائعه ببنجر. للاستزادة راجع: الإصابة ترجمة ص 5110، وابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3، ياقوت، معجم البلدان "بنجر".

(3)

الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 627، وابن كثير، البداية والنهاية ج 7/ص 155، ذكر "بلنجرد" باسم "بلنجر".

(4)

غيضة: أجمة. [القاموس المحيط، مادة: غيض] .

(5)

تذامروا: تحاضّوا على القتال وتلاوموا. [القاموس المحيط، مادة: تذَّمر] .

(6)

هو سلمان الفارسي، صحابي، مقدّم من مجوس أصبهان، عاش عمراً طويلاً، توفي سنة 36 هـ، اختلفوا فيما كان يسمى به في بلاده، قالوا: نشأ في قرية جيلان، فرحل إلى الشام، فالموصل، فنصّيبين، فعمورية، وقرأ كتب الفارسية، والرومية، واليهودية، قصد بلاد العرب فلقيه قوم من بني كلب فاستخدموه، ثم استعبدوه وباعوه، فاشتراه رجل من قريظة وجاء به إلى المدينة، فسمع بخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقصده وسمع كلامه وأسلم، كان قوي الجسم، صحيح الرأي، عالماً بالشرائع وغيرها، وهو الذي دلَّ المسلمين على حفر الخندق في غزوة الأحزاب، جُعل أميراً على المدائن، فأقام فيها حتى وفاته. للاستزادة راجع: أخبار سلمان وزهده وفضائله، لابن بابويه القمي، طبقات ابن سعد ج 4/ص 111، تهذيب ابن عساكر ج 6/ص 300، الإصابة ترجمة 3350، حلية الأولياء ج 1/ص 187، صفة الصفوة ج 1/ص 125، المسعودي ج 1/ص 210، محاسن أصفهان 25، الذريعة ج 1/ص 85.

(7)

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الملقب بأبي هريرة، ولد سنة 21 ق. هـ صحابي، كان أكثر الصحابة حفظاً للحديث ورواية له، نشأ يتيماً ضعيفاً في الجاهلية، قدم المدينة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخيبر، أسلم سنة 7 هـ، لزم صحبة النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه 5374 حديثاً، نقلها عن أبي هريرة أكثر من 800 رجل بين صحابي وتابعي، ولي إمرة المدينة مرة، لما صارت الخلافة إلى عمر استعمله على البحرين، ثم رآه ليِّن العريكة مشغولاً بالعبادة، فعزله، وأراده بعد زمن على العمل فأبى، توفي سنة 59 هـ في المدينة، كان يفتي. للاستزادة راجع: تهذيب الأسماء واللغات ج 2/ص 270، الإصابة ترجمة 1179، الجواهر المضيئة ج 2/ص 418، صفة الصفوة ج 1/ص 285، حلية الأولياء ج 1/ص 376، ذيل المذيل ص 111، حسن الصحابة ص 166، الذريعة ج 7/ص 114، تهذيب الكمال ج 2/ص 795، تهذيب التهذيب ج 6/ص 199، تقريب التهذيب ج 1/ص 485، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 397، الكاشف ج 2/ص 169، الجرح والتعديل ج 5/ص 246، أسد الغابة ج 6/ص 318، طبقات ابن سعد ج 4/ص 52.

(8)

هو يزيد بن معاوية النخعي، فارس من أشراف العرب من صدر الإسلام، يمني الأصل، ممن نزل بالكوفة، كان من أصحاب عبد اللَّه بن مسعود، له ذكر في البخاري، حفر غزوة بلنجر، قاتل الترك والخزر قتالاً شديداً، فأصابه حجر من حصن بلنجر هشم رأسه فتوفي سنة 32 هـ. للاستزادة راجع: الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3/ص 50، تهذيب الكمال ج 3/ص 54، تهذيب التهذيب ج 11/ص 360، تقريب التهذيب ج 2/ص 371، خلاصة تهذيب الكمال ج 3/ص 177، الكاشف ج 3/ص 286، تاريخ البخاري الكبير ج 8/ص 355، الجرح والتعديل ج 9/ص 1216، تاريخ الثقات ص 481، الثقات ج 5/ص 545، معرفة الثقات 2036، طبقات ابن سعد ج 9/ص 209.

(9)

هو علقمة بن قيس بن عبد اللَّه بن مالك بن علقمة بن سلامان بن كهل النخعي الهمداني أبو شبل، تابعي، كان فقيه العراق، يشبه ابن مسعود في هديه، وسمته، وفضله، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وروى الحديث عن الصحابة، غزا خراسان وأقام بخوارزم سنتين، وبمرو مدة، سكن الكوفة وتوفي فيها سنة 62 هـ. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج 7/ص 276، تذكرة الحفاظ ج 1/ص 45، حلية الأولياء ج 2/ص 98، تاريخ بغداد ج 12/ص 296، تهذيب الكمال ج 2/ص 953، تقريب التهذيب ج 2/ص 31، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 241، الكاشف ج 2/ص 277، تاريخ البخاري الكبير ج 7/ص 41، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 123، الجرح والتعديل ج 6/ص 2258، تاريخ الثقات ص 339، تاريخ بغداد ج 12/ص 696.

(10)

عرّادة: آلة تستخدم في الحرب لدك الحصون، أصغر من المنجنيق، وترمي بالحجارة البعيدة المرمى، جمعها عرّادات. [القاموس المحيط، مادة: عرد] .

(11)

وقال أوس بن مغراء في ذلك:

إن تضربوا سلمان نضرب حبيبكم

وإن ترحلوا نحو ابن عفان نرحل

وإن تقسطوا فالثغر ثغر أميرنا

وهذا أمير في الكتائب مقبل

ونحن ولاة الثغر كنا حماته

ليالي نرمي كل ثغر وننكل

ص: 104