المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في المتبحر في المذهب وهو الحافظ لكتب مذهبه وفيه مسائل - عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد

[ولي الله الدهلوي]

الفصل: ‌فصل في المتبحر في المذهب وهو الحافظ لكتب مذهبه وفيه مسائل

رَحمَه الله علما وديانة ومذهبه عِنْد التَّحْقِيق فرع لمَذْهَب الشَّافِعِي رحمه الله وَوجه من وجوهه وَالله أعلم

‌فصل فِي المتبحر فِي الْمَذْهَب وَهُوَ الْحَافِظ لكتب مذْهبه وَفِيه مسَائِل

مَسْأَلَة من شَرطه أَن يكون صَحِيح الْفَهم عَارِفًا بِالْعَرَبِيَّةِ وأساليب الْكَلَام ومراتب التَّرْجِيح متفطنا لمعاني كَلَامهم لَا يخفى عَلَيْهِ غَالِبا تَقْيِيد مَا يكون مُطلقًا فِي الظَّاهِر وَالْمرَاد مِنْهُ الْمُقَيد وَإِطْلَاق مَا يكون مُقَيّدا فِي الظَّاهِر وَالْمرَاد مِنْهُ الْمُطلق نبه على ذَلِك ابْن نجيم فِي الْبَحْر الرَّائِق وَيجب عَلَيْهِ أَن لَا يُفْتِي إِلَّا بِأحد وَجْهَيْن إِمَّا أَن يكون عِنْده طَرِيق صَحِيح يعْتَمد عَلَيْهِ إِلَى إِمَامه أَو تكون الْمَسْأَلَة فِي كتاب مَشْهُور تداولته الْأَيْدِي فِي النَّهر الْفَائِق فِي كتاب الْقَضَاء طَرِيق نقل الْمُفْتِي الْمُقَلّد عَن الْمُجْتَهد أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون لَهُ سَنَد إِلَيْهِ أَو أَخذه من كتاب مَعْرُوف تداولته الْأَيْدِي نَحْو كتب مُحَمَّد بن الْحسن وَنَحْوهَا من التصانيف الْمَشْهُورَة للمجتهدين لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْخَبَر الْمُتَوَاتر أَو الْمَشْهُور وَهَكَذَا ذكر الرَّازِيّ فعلى هَذَا لَو وجد بعض النّسخ النَّوَادِر فِي زَمَاننَا لَا يحل عزو مَا فِيهَا إِلَى مُحَمَّد وَلَا إِلَى أبي يُوسُف رحمهمَا الله لِأَنَّهَا لم تشتهر فِي عصرنا فِي دِيَارنَا وَلم تتداول نعم إِذا وجد النَّقْل عَن النَّوَادِر مثلا فِي كتاب مَشْهُور مَعْرُوف كالهداية والمبسوط كَانَ ذَلِك تعويلا على ذَلِك الْكتاب انْتهى وَفِي فتاوي الْقنية فِي بَاب مَا يتَعَلَّق بالمفتي إِن مَا يُوجد من كَلَام رجل ومذهبه فِي كتاب مَعْرُوف وَقد تداولته النّسخ فَإِنَّهُ جَازَ لمن نظر فِيهِ أَن يَقُول قَالَ فلَان أَو فلَان كَذَا وَإِن لم يسمعهُ من أحد نَحْو كتب مُحَمَّد بن الْحسن وموطأ مَالك رحمهمَا الله وَنَحْوهمَا من الْكتب المصنفة فِي أَصْنَاف الْعُلُوم لِأَن وجود ذَلِك على هَذَا الْوَصْف بِمَنْزِلَة الْخَبَر الْمُتَوَاتر والاستفاضة لَا يحْتَاج مثله إِلَى إِسْنَاد

مَسْأَلَة إِذا وجد المتبحر فِي الْمَذْهَب حَدِيثا صَحِيحا يُخَالف مذْهبه فَهَل لَهُ أَن يَأْخُذ بِالْحَدِيثِ وَيتْرك مذْهبه فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بحث طَوِيل وَأطَال فِيهَا صَاحب خزانَة الرِّوَايَات نقلا عَن دستور الْمَسَاكِين فلنورد كَلَامه من ذَلِك بِعَيْنِه فَإِن قيل لَو كَانَ الْمُقَلّد غير الْمُجْتَهد عَالما مستدلا يعرف قَوَاعِد الْأُصُول ومعاني

ص: 21

النُّصُوص وَالْأَخْبَار هَل يجوز أَن يعْمل عَلَيْهَا وَكَيف يجوز وَقد قيل لَا يجوز لغير الْمُجْتَهد أَن يعْمل إِلَّا على رِوَايَات مذْهبه وفتاوى إِمَامه وَلَا يشْتَغل بمعاني النُّصُوص وَالْأَخْبَار وَيعْمل عَلَيْهَا كالعامي قيل هَذَا فِي الْعَاميّ الصّرْف الْجَاهِل الَّذِي لَا يعرف مَعَاني النُّصُوص وَالْأَحَادِيث وتأويلاتها أما الْعَالم الَّذِي يعرف النُّصُوص وَالْأَخْبَار وَهُوَ من أهل الدِّرَايَة وَثَبت عِنْده صِحَّتهَا من الْمُحدثين أَو من كتبهمْ الموثوقة الْمَشْهُورَة المتداولة فَيجوز لَهُ أَن يعْمل عَلَيْهَا وَإِن كَانَ مُخَالفا لمذهبهم يُؤَيّدهُ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه رَحِمهم الله تَعَالَى وَقَول صَاحب الْهِدَايَة فِي رَوْضَة الْعلمَاء الزندوستية فِي فضل الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم سُئِلَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى إِذا قلت قولا وَكتاب الله يُخَالِفهُ قَالَ اتْرُكُوا قولي بِكِتَاب الله فَقيل إِذا كَانَ خبر الرَّسُول صلى الله عليه وسلم يُخَالِفهُ قَالَ اتْرُكُوا قولي بِخَبَر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقيل إِذا كَانَ قَول الصَّحَابَة يُخَالِفهُ قَالَ اتْرُكُوا قولي بقول الصَّحَابَة وَفِي الامتاع روى الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عِنْد الْكَلَام على الْقِرَاءَة بِسَنَدِهِ قَالَ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى إِذا قلت قولا وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ خلاف قولي فَمَا يَصح من حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم أولى فَلَا تقلدوني وَنقل إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَة عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى أَنه قَالَ إِذا بَلغَكُمْ خبر صَحِيح يُخَالف مذهبي فَاتَّبعُوهُ وَاعْلَمُوا أَنه مذهبي وَقد صَحَّ مَنْصُوصا أَنه قَالَ إِذا بَلغَكُمْ عني مَذْهَب وَصَحَّ عنْدكُمْ خبر على مُخَالفَته فاعلموا أَن مذهبي مُوجب الْخَبَر وروى الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ أَن الداركي من الشَّافِعِيَّة كَانَ يستفتي وَرُبمَا يُفْتِي بِغَيْر مَذْهَب الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة رحمهمَا الله تَعَالَى فَيُقَال لَهُ هَذَا يُخَالف قَوْلهمَا فَيَقُول وَيْلكُمْ حدث فلَان عَن فلَان عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم هَكَذَا وَالْأَخْذ بِالْحَدِيثِ أولى من الْأَخْذ بقولهمَا إِذا خالفاه وَكَذَا يُؤَيّدهُ مَا ذكر فِي الْهِدَايَة فِي مَسْأَلَة صَوْم المحتجم لَو احْتجم وَظن أَن ذَلِك يفطره ثمَّ أكل مُتَعَمدا عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة لِأَن الظَّن مَا اسْتندَ إِلَى دَلِيل شَرْعِي إِلَّا إِذا أفتاه فَقِيه بِالْفَسَادِ لِأَن الْفَتْوَى دَلِيل شَرْعِي فِي حَقه وَلَو بلغه الحَدِيث وَاعْتَمدهُ فَكَذَلِك عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى لِأَن قَول الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لَا ينزل عَن قَول الْمُفْتِي فِي الْكَافِي والْحميدِي أَي لَا يكون أدنى دَرَجَة من قَول الْمُفْتِي وَقَول الْمُفْتِي يصلح دَلِيلا شَرْعِيًّا فَقَوْل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أولى وَعَن أبي يُوسُف خلاف

ص: 22

ذَلِك لِأَن على الْعَاميّ الِاقْتِدَاء بالفقهاء لعدم الاهتداء فِي حَقه إِلَى معرفَة الاحاديث وَإِن عرف تَأْوِيله تجب الْكَفَّارَة وَفِي المناوى بالإتفاق وَأما الْجَواب عَن قَول أبي يُوسُف إِن للعامي الإقتداء بالفقهاء فَمَحْمُول على الْعَاميّ الصّرْف الْجَاهِل الَّذِي لَا يعرف معنى الْأَحَادِيث وتأويلاتها لِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله لعدم الإهتداء أَي فِي حَقه إِلَى معرفَة الْأَحَادِيث وَكَذَا قَوْله وَإِن عرف الْعَاميّ تَأْوِيله تجب الْكَفَّارَة يُشِير إِلَى أَن المُرَاد من الْعَاميّ غير الْعَالم وَفِي الْحميدِي الْعَاميّ مَنْسُوب إِلَى الْعَامَّة وهم الْجُهَّال فَعلم من هَذِه الإشارات أَن مُرَاد أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى أَيْضا من الْعَاميّ الْجَاهِل الَّذِي لَا يعرف معنى النَّص أَو تَأْوِيله فِيمَا ذكر من قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمّد رحمهم الله ينْدَفع قَول الْقَائِل يجب الْعَمَل بالرواية بِخِلَاف النَّص انْتهى مَا نَقَلْنَاهُ من خزانَة للروايات

وَفِي الْمَسْأَلَة قَول آخر وَهُوَ أَنه إِذا لم يجمع آلَات الإجتهاد لَا يجوز لَهُ الْعَمَل على الحَدِيث بِخِلَاف مذْهبه لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَنه مَنْسُوخ أَو مؤول أَو مُحكم مَحْمُول على ظَاهره وَمَال إِلَى هَذَا القَوْل ابْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصره وتابعوه ورد بِأَنَّهُ إِن أَرَادَ عدم التيقن بِنَفْي هَذِه الإحتمالات فالمجتهد أَيْضا لَا يحصل لَهُ الْيَقِين بذلك وَإِنَّمَا يَبْنِي أَكثر أمره على غَالب الظَّن وَإِن أَرَادَ أَنه لَا يدْرِي ذَلِك بغالب الرَّأْي منعناه فِي صُورَة النزاع لِأَن المتبحر فِي الْمَذْهَب المتتبع لكتب الْقَوْم الْحَافِظ من الحَدِيث وَالْفِقْه بجملة صَالِحَة كثيرا مَا يحصل لَهُ غَالب الظَّن بِأَن الحَدِيث غير مَنْسُوخ وَلَا مؤول بِتَأْوِيل يجب القَوْل بِهِ وَإِنَّمَا الْبَحْث فِيمَا حصل لَهُ ذَلِك وَالْمُخْتَار هَهُنَا هُوَ قَول ثَالِث وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْن الصّلاح وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَصَححهُ قَالَ ابْن الصّلاح من وجد من الشَّافِعِيَّة حَدِيثا يُخَالف مذْهبه نظر إِن كملت لَهُ آلَة الإجتهاد مُطلقًا أَو فِي ذَلِك الْبَاب وَالْمَسْأَلَة كَانَ لَهُ الإستقلال بِالْعَمَلِ بِهِ وَإِن لم تكمل وشق مُخَالفَة الحَدِيث بعد أَن يبْحَث فَلم يجد لمُخَالفَته جَوَابا شافيا عَنهُ فَلهُ الْعَمَل بِهِ إِن كَانَ عمل بِهِ إِمَام مُسْتَقل غير الشَّافِعِي رحمه الله وَيكون هَذَا عذرا فِي ترك مَذْهَب إِمَامه هَهُنَا وَحسنه النَّوَوِيّ وَقَررهُ

مَسْأَلَة إِذا أَرَادَ هَذَا المتبحر فِي الْمَذْهَب أَن يعْمل فِي مَسْأَلَة بِخِلَاف مَذْهَب إِمَامه مُقَلدًا فِيهَا لإِمَام آخر هَل يجوز لَهُ ذَلِك اخْتلفُوا فِيهِ فَمَنعه الْغَزالِيّ وشرذمة وَهُوَ

ص: 23

قَول ضَعِيف عِنْد الْجُمْهُور لِأَن مبناه على أَن الْإِنْسَان يجب عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ بِالدَّلِيلِ فَإِذا فَاتَ ذَلِك لجهله بالدلائل أَقَمْنَا اعْتِقَاد أَفضَلِيَّة إِمَامه مقَام الدَّلِيل فَلَا يجوز لَهُ أَن يخرج من مذْهبه كَمَا لَا يجوز لَهُ أَن يُخَالف الدَّلِيل الشَّرْعِيّ ورد بِأَن اعْتِقَاد أَفضَلِيَّة الإِمَام على سَائِر الْأَئِمَّة مُطلقًا غير لَازم فِي صِحَة التَّقْلِيد إِجْمَاعًا لِأَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَن خير هَذِه الْأمة أَبُو بكر ثمَّ عمر رضي الله عنهما وَكَانُوا يقلدون فِي كثير من الْمسَائِل غَيرهمَا بِخِلَاف قَوْلهمَا وَلم يُنكر على ذَلِك أحد فَكَانَ إِجْمَاعًا على مَا قُلْنَاهُ وَأما أَفضَلِيَّة قَوْله فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَلَا سَبِيل إِلَى مَعْرفَتهَا للمقلد الصّرْف فَلَا يجوز أَن يكون شرطا للتقليد إِذْ يلْزم أَن لَا يَصح تَقْلِيد جُمْهُور المقلدين وَلَو سلم فَفِي مَسْأَلَتنَا هَذِه هَذَا عَلَيْكُم لَا لكم لِأَنَّهُ كثيرا مَا يطلع على حَدِيث يُخَالف مَذْهَب إِمَامه أَو يجد قِيَاسا قَوِيا يُخَالف مذْهبه فيعتقد الْأَفْضَلِيَّة فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة لغيره وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى جَوَازه مِنْهُم الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب وَابْن الْهمام وَالنَّوَوِيّ وَأَتْبَاعه كَابْن حجر والرملي وجماعات من الْحَنَابِلَة والمالكية مِمَّن يُفْضِي ذكر أسمائهم إِلَى التَّطْوِيل وَهُوَ الَّذِي انْعَقَد عَلَيْهِ الإتفاق من مفتي الْمذَاهب الْأَرْبَعَة من الْمُتَأَخِّرين واستخرجوه من كَلَام أوائلهم وَلَهُم رسائل مُسْتَقلَّة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا أَنهم اخْتلفُوا فِي شَرط جَوَازه فَمنهمْ من قَالَ لَا يرجع فِيمَا قلد اتِّفَاقًا فسره ابْن الْهمام فَقَالَ أَي عمر بِهِ وَاخْتلف الشُّرَّاح فِي معنى هَذِه الْكَلِمَة فَقيل فِيمَا عمر بِهِ بِخُصُوصِهِ بِأَن يقْضِي تِلْكَ الصَّلَوَات الْوَاقِعَة على الْمَذْهَب الأول مثلا وَهُوَ الصَّحِيح الَّذِي لَا يتَّجه غَيره عِنْد التَّحْقِيق وَقيل بِجِنْسِهِ ورد بِأَنَّهُ لَيْسَ اتفاقيا بل أَكثر مَا روى عَن السّلف هُوَ الْعَمَل بِخِلَاف الْمَذْهَب فِيمَا كَانُوا يعْملُونَ بِهِ وَمِنْهُم من قَالَ لَا يلتقط الرُّخص فَقيل يَعْنِي مَا سهل عَلَيْهِ ورد بِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا خير اخْتَار أَهْون الْأَمريْنِ مَا لم يكن إِثْمًا وَقيل مَا لَا يقويه الدَّلِيل بل الدَّلِيل الصَّحِيح الصَّرِيح قَامَ بِخِلَافِهِ مثل الْمُتْعَة وَالصرْف وَهَذَا وَجه وجيه وجدت فِي كتاب التخليص فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الرَّافِعِيّ لِلْحَافِظِ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي كتاب النِّكَاح مِنْهُ نقلا عَن الْحَاكِم فِي كتاب عُلُوم الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْأَوْزَاعِيّ قَالَ يجْتَنب أَو يتْرك من قَول أهل الْعرَاق خمس وَمن أَقْوَال أهل الْحجاز اسْتِمَاع الملاهي والمتعة وإتيان النِّسَاء فِي أدبارهن

ص: 24

وَالصرْف وَالْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِغَيْر عذر وَمن قَول أهل الْعرَاق شرب النَّبِيذ وَتَأْخِير الْعَصْر حَتَّى يكون ظلّ الشَّيْء أَرْبَعَة أَمْثَاله وَلَا جُمُعَة إِلَّا فِي سَبْعَة أَمْصَار والفرار من الزَّحْف وَالْأكل بعد الْفجْر فِي رَمَضَان ثمَّ قَالَ ابْن حجر وروى عبد الرزاق عَن معمر لَو أَن رجلا أَخذ بقول أهل الْمَدِينَة فِي اسْتِمَاع الْغناء وإتيان النِّسَاء فِي أدبارهن وَبقول أهل مَكَّة فِي الْمُتْعَة وَالصرْف وَبقول أهل الْكُوفَة فِي الْمُسكر كَانَ شَرّ عباد الله وَمِنْهُم من قَالَ لَا يلفق بِحَيْثُ يتركب حَقِيقَة ممتنعة عِنْد الْإِمَامَيْنِ قيل الْمَمْنُوع أَن يتركب حَقِيقَة ممتنعة فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة مثل الْوضُوء بِلَا تَرْتِيب ثمَّ خرج مِنْهُ الدَّم السَّائِل لَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ كَمَا إِذا طهر الثَّوْب بِمذهب الشَّافِعِي وَصلى بِمذهب أبي حنيفَة وَيتَّجه أَن يُقَال فِيهِ بحث لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْمَقْصُود من هَذَا الْقَيْد أَن لَا يخرج مَجْمُوع مَا انتحله من الِاتِّفَاق فَهُوَ حَاصِل فِي مَسْأَلَتَيْنِ أَيْضا وَإِن كَانَ الْمَقْصُود أَن لَا يخرج هَذِه الْمَسْأَلَة وَحدهَا من الْإِجْمَاع فَيَكْفِي عَنهُ اشْتِرَاط كَونه مذهبا للإجتهاد فِيهِ مساغ كَمَا يَأْتِي وَمِنْهُم من قَالَ لَا يكون الْمَذْهَب الَّذِي يذهب إِلَيْهِ مِمَّا ينْقض فِيهِ قَضَاء القَاضِي وَهَذَا وجيه والإحتراز مِنْهُ يحصل إِذا قلد مذهبا من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة المقبولة الْمَشْهُورَة وَمِنْهُم من قَالَ ينشرح صَدره فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة بِمَا قلد فِيهِ غير إِمَامه وَلَا يتَصَوَّر إِلَّا فِي المتبحر وَقيل إِذا تبع الْأَكْثَر وَالْقَوْل الْمَشْهُور فخروجه من مَذْهَب إِمَامه حسن وَإِذا كَانَ بِالْعَكْسِ فقبيح هَذَا خُلَاصَة مَا فِي رسائلهم مَعَ تَنْقِيح وتحرير وَأَنا أخْتَار فِي الْجَوَاز شَرط أَن لَا ينْقض قَضَاء قَاض بِهِ سَوَاء كَانَ النَّقْض لإجتماع مَعْنيين كل وَاحِد مِنْهُمَا صَحِيح كَالنِّكَاحِ بِغَيْر شُهُود مُجْتَمعين وَلَا إعلان أَو لغيره وَفِي الِاخْتِيَار شَرط انْشِرَاح الصَّدْر لِمَعْنى فِي الدَّلِيل أَو كَثْرَة من عمل بِهِ فِي السّلف أَو كَونه أحوط أَو كَونه تفصيا من مضيق لَا يُمكن لَهُ الطَّاعَة مَعَه لقَوْله صلى الله عليه وسلم إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ بِمَا اسْتَطَعْتُم وَنَحْو ذَلِك من الْمعَانِي الْمُعْتَبرَة فِي الشَّرْع لَا مُجَرّد الْهوى وَطلب الدُّنْيَا وَفِي الْوُجُوب شَرط أَن يتَعَلَّق بِهِ حق لغيره فَيَقْضِي القَاضِي بِخِلَاف مذْهبه فِي خزانَة الرِّوَايَات فِي كشف القناع وَإِذا قلد فَقِيها فِي شَيْء هَل يجوز لَهُ أَن يرجع عَنهُ إِلَى فَقِيه آخر الْمَسْأَلَة على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن لَا يكون الْتزم مذهبا معينا كمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا رَحِمهم الله تَعَالَى وَالثَّانِي الْتزم فَقَالَ إِنِّي مُلْتَزم مُتبع فَفِي

ص: 25

الْوَجْه الأول قَالَ ابْن الْحَاجِب لَا يرجع بعد تَقْلِيده فِيمَا قلد اتِّفَاقًا وَفِي حكم آخر الْمُخْتَار الْجَوَاز لقَوْله تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} فَالْقَوْل بِوُجُوب الرُّجُوع إِلَى من قلد أَولا فِي مَسْأَلَة يكون تَقْيِيد النَّص وَهُوَ يجْرِي مجْرى النّسخ على مَا تقرر فِي الْأُصُول وَلقَوْله صلى الله عليه وسلم أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ وَإِن الْعَوام فِي السّلف كَانُوا يستفتون الْفُقَهَاء من غير رُجُوع إِلَى معِين من غير إِنْكَار فَحل مَحل الْإِجْمَاع على الْجَوَاز كَذَا فِي شرح ابْن الْحَاجِب وَأما الْجَواب فِي الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ مَا إِذا الْتزم مذهبا معينا كَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله تَعَالَى فقد أَشَارَ ابْن الْحَاجِب إِلَى الإختلاف فِي ذَلِك من اخْتِلَاف مذْهبه وَأَشَارَ إِلَى أَنه اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك على ثَلَاثَة أقاويل فَقيل لَا يجوز مُطلقًا وَقيل يجوز مُطلقًا القَوْل الثَّالِث أَن الحكم فِي هَذَا الْوَجْه وَالْوَجْه الأول سَوَاء فَلَا يجوز أَن يرجع عَنهُ بعد تَقْلِيده فِيمَا قلد أَي عمل بِهِ وَيجوز فِي غَيره وَفِي عُمْدَة الْأَحْكَام من الفتاوي الصُّوفِيَّة سُئِلَ عَن يَوْم عيد الْفطر إِنَّا نرى بعض النَّاس يتطوعون فِي الْجَامِع عِنْد الزَّوَال فَمَنعهُمْ عَن ذَلِك ونخبرهم عَن وُرُود النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الثَّلَاثَة قَالَ أما الْمَنْع فَلَا كَيْلا يدْخل تَحت قَوْله تَعَالَى {أَرَأَيْت الَّذِي ينْهَى عبدا إِذا صلى} وَلَا يتَعَيَّن وَقت الزَّوَال بل عَسى أَن يكون قبله أَو بعده وَلَئِن كَانَ وقته فقد روى عَن أبي يُوسُف رحمه الله لَا يكره ذَلِك التَّطَوُّع عِنْد الزَّوَال يَوْم الْجُمُعَة وَالشَّافِعِيّ رحمه الله لَا يكره ذَلِك فِي جَمِيع الْأَيَّام فلئن اعترضت على هَذَا الْمصلى فَعَسَى أَن يجيبك أَنه تقلد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة من يرى جَوَاز ذَلِك أَو يحْتَج عَلَيْك بِمَا احْتج بِهِ من اخْتَار ذَلِك فَلَيْسَ لَك أَن تنكر على من قلد مُجْتَهدا أَو احْتج بِدَلِيل وفيهَا أَيْضا من التَّجْنِيس والمزيد وَرُبمَا قَلّدهُ هَذَا الْمصلى فَلَا يُنكر على من فعل فعلا مُجْتَهدا أَو تقلد بمجتهد وَفِي الظَّهِيرِيَّة وَمن فعل فعلا مُجْتَهدا فِيهِ أَو قلد مُجْتَهدا فِي فعل مُجْتَهد فِيهِ فَلَا عَار وَلَا شناعة وَلَا إِنْكَار عَلَيْهِ وَفِي الْمِنْهَاج للبيضاوي لَو رأى الزَّوْج لفظا كِنَايَة ورأته الْمَرْأَة صَرِيحًا فَلهُ الطّلب وَلها الإمتناع فيرجعان إِلَى غَيرهمَا فَائِدَة اسْتشْكل رجل شَافِعِيّ الإختلاف بَين عبارتي الْأَنْوَار فأجبته بِمَا يحل الإختلاف فِي كتاب الْقَضَاء من كتاب الْأَنْوَار مَا حَاصله إِذا دونت هَذِه الْمذَاهب جَازَ للمقلد أَن ينْتَقل من مَذْهَب مُجْتَهد إِلَى مَذْهَب

ص: 26

آخر وَكَذَا لَو قلد مُجْتَهدا فِي بعض الْمسَائِل وَآخر فِي الْبَعْض الآخر حَتَّى لَو اخْتَار من كل مَذْهَب الأهون كالحنفي إِذا إقتصد وَأَرَادَ أَن يَأْخُذ بالشافعي رحمه الله لِئَلَّا يتَوَضَّأ أَو الشَّافِعِي مس فرجه أَو امْرَأَة وَأَرَادَ أَن يَأْخُذ بالحنفي لِئَلَّا يتَوَضَّأ وَغير ذَلِك من الْمسَائِل جَازَ هَذَا حَاصِل كَلَام صَاحب الْأَنْوَار فِي كتاب الْقَضَاء وَقَالَ فِي بَاب الإحتساب لَو رأى الشَّافِعِي شافعيا يشرب النَّبِيذ أَو ينْكح بِلَا ولي ويطؤها فَلهُ أَن يُنكر لِأَن على كل مقلد اتِّبَاع مقلده ويعصي بالمخالفة وَلَو رأى الشَّافِعِي الْحَنَفِيّ يَأْكُل الضَّب أَو مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا فَلهُ أَن يَقُول إِمَّا أَن تعتقد أَن الشَّافِعِي أولى بالإتباع وَإِمَّا أَن تتْرك هَذَا كَلَامه فِي الإحتساب وَبَين الْقَوْلَيْنِ اخْتِلَاف أَقُول وَحل الإختلاف عِنْدِي وَالله أعلم أَن معنى قَوْله يَعْصِي بالمخالفة أَنه يَعْصِي بالمخالفة إِذا عزم على تَقْلِيده فِي جَمِيع الْمسَائِل أَو فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ثمَّ أقدم على الْمُخَالفَة فَهَذِهِ مَعْصِيّة بِلَا شكّ وَأما إِذا قلد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة غَيره فَذَلِك الْغَيْر هُوَ مقلده وَلم يُخَالف مقلده ونقول الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة مَبْنِيَّة على قَول الْغَزالِيّ وشرذمة وَالْأولَى على قَول الْجُمْهُور فَافْهَم فَإِن حل هَذَا الإختلاف قد صَعب على بعض المصنفين

مَسْأَلَة اعْلَم أَن تَقْلِيد الْمُجْتَهد على وَجْهَيْن وَاجِب وَحرَام

فأحدهما أَن يكون من اتِّبَاع الرِّوَايَة دلَالَة تَفْصِيله أَن الْجَاهِل بِالْكتاب وَالسّنة لَا يَسْتَطِيع بِنَفسِهِ التتبع وَلَا الإستنباط فَكَانَ وظيفته أَن يسْأَل فَقِيها مَا حكم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي مَسْأَلَة كَذَا وَكَذَا فَإِذا أخبر تبعه سَوَاء كَانَ مأخوذا من صَرِيح نَص أَو مستنبطا مِنْهُ اَوْ مقيسا على الْمَنْصُوص فَكل ذَلِك رَاجع إِلَى الرِّوَايَة عَنهُ صلى الله عليه وسلم وَلَو دلَالَة وَهَذَا قد اتّفقت الْأمة على صِحَّته قرنا بعد قرن بل الْأُمَم كلهَا أنفقت على مثله فِي شرائعهم وأمارة هَذَا التَّقْلِيد أَن يكون عمله بقول الْمُجْتَهد كالمشروط بِكَوْنِهِ مُوَافقا للسّنة فَلَا يزَال متفحصا عَن السّنة بِقدر الْإِمْكَان فَمَتَى ظهر حَدِيث يُخَالف قَوْله هَذَا أَخذ بِالْحَدِيثِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْأَئِمَّة قَالَ الشَّافِعِي رحمه الله إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي وَإِذا رَأَيْتُمْ كَلَامي يُخَالف الحَدِيث فأعملوا بِالْحَدِيثِ واضربوا بكلامي الْحَائِط وَقَالَ مَالك رحمه الله مَا من أحد إِلَّا ومأخوذ من كَلَامه ومردود عَلَيْهِ

ص: 27

إِلَّا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رحمه الله لَا يَنْبَغِي لمن لم يعرف دليلي أَن يُفْتِي بكلامي وَقَالَ أَحْمد لَا تقلدني وَلَا تقلدن مَالِكًا وَلَا غَيره وَخذ الْأَحْكَام من حَيْثُ أخذُوا من الْكتاب وَالسّنة

الْوَجْه الثَّانِي أَن يظنّ بفقيه أَنه بلغ الْغَايَة القصوى فَلَا يُمكن أَن يخطىء فمهما بلغه حَدِيث صَحِيح صَرِيح يُخَالف مقَالَته لم يتْركهُ أَو ظن أَنه لما قَلّدهُ كلفه الله بمقالته وَكَانَ كالسفيه الْمَحْجُور عَلَيْهِ فَإِن بلغه حَدِيث واستقين بِصِحَّتِهِ لم يقبله لكَون ذمَّته مَشْغُولَة بالتقليد فَهَذَا اعْتِقَاد فَاسد وَقَول كاسد لَيْسَ لَهُ شَاهد من النَّقْل وَالْعقل وَمَا كَانَ أحد من الْقُرُون السَّابِعَة يفعل ذَلِك وَقد كذب فِي ظَنّه من لَيْسَ بمعصوم من الْخَطَأ مَعْصُوما حَقِيقَة أَو مَعْصُوما فِي حق الْعَمَل بقوله وَفِي ظَنّه أَن الله تَعَالَى كلفه بقوله وَأَن ذمَّته مَشْغُولَة بتقليده وَفِي مثله نزل قَول تَعَالَى {وَإِنَّا على آثَارهم مقتدون} وَهل كَانَ تحريفات الْملَل السَّابِقَة إِلَّا من هَذَا الْوَجْه

مَسْأَلَة اخْتلفُوا فِي الْفَتْوَى بالروايات الشاذة المهجورة فِي خزانَة الرِّوَايَات فِي السِّرَاجِيَّة ثمَّ الْفَتْوَى على الاطلاق على قَول أبي حنيفَة رحمه الله ثمَّ بقول أبي سَوف رحمه الله ثمَّ بقول مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ بقول زفر بن هُذَيْل وَالْحسن بن زِيَاد رحمهمَا الله تَعَالَى وَقيل إِذا كَانَ أَبُو حنيفَة رحمه الله فِي جَانب وصاحباه فِي جَانب فالمفتي بِالْخِيَارِ وَالْأول أصح إِذا لم يكن الْمُفْتِي مُجْتَهدا لِأَنَّهُ كَانَ أعلم زَمَانه حَتَّى قَالَ الشَّافِعِي النَّاس كلهم عِيَال أبي حنيفَة رحمه الله فِي الْفِقْه فِي الْمُضْمرَات وَقيل إِذا كَانَ أَبُو حنيفَة رحمه الله فِي جَانب وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله فِي جَانب فالمفتي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَخذ بقوله وَإِن شَاءَ اخذ بقولهمَا وَإِن كَانَ أَحدهمَا مَعَ أبي حنيفَة يَأْخُذ بقولهمَا الْبَتَّةَ إِلَّا إِذا اصْطلحَ الْمَشَايِخ على الْأَخْذ بقول ذَلِك الْوَاحِد فَيتبع اصطلاحهم كَمَا اخْتَار الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث قَول زفر فِي قعُود الْمَرِيض للصَّلَاة أَنه يقْعد الْمُصَلِّي فِي التَّشَهُّد لِأَنَّهُ أيسر على الْمَرِيض وَإِن كَانَ قَول أَصْحَابنَا أَن يقْعد الْمَرِيض فِي حَال الْقيام متربعا أَو مُحْتَبِيًا ليَكُون فرقا بَين الْقعدَة وَالْقعُود الَّذِي هُوَ فِي حكم الْقيام وَلَكِن هَذَا يشق على الْمَرِيض لِأَنَّهُ لم يتعود هَذَا الْقعُود وَكَذَلِكَ

ص: 28

اخْتَارُوا تضمين السَّاعِي إِلَى السُّلْطَان بِغَيْر إِذن وَهَذَا قَول زفر رَحمَه الله تَعَالَى سدا لباب السّعَايَة وَإِن كَانَ قَول أَصْحَابنَا لَا يجب الضَّمَان لِأَنَّهُ لم يتْلف عَلَيْهِ مَالا وَيجوز للمشايخ أَن يَأْخُذُوا بقول وَاحِد من أَصْحَابنَا عملا لمصْلحَة الزَّمَان فِي القنيه فِي بَاب مَا يتَعَلَّق بالمفتي من النَّوَادِر قَالَ رضي الله عنه وَالْفَتْوَى فِيمَا يتَعَلَّق بِالْقضَاءِ على قَول أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى لزِيَادَة تجربته وَفِي الْمُضْمرَات وَلَا يجوز للمفتي أَن يُفْتِي بِبَعْض الْأَقَاوِيل المهجورة لجر مَنْفَعَة لِأَن ضَرَر ذَلِك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أتم وأعم بل يخْتَار أقاويل الْمَشَايِخ واختيارهم ويقتدي بسير السّلف ويكتفي بإحراز الْفَضِيلَة والشرف فِي الْقنية فِي كتاب أدب القَاضِي فِي بَاب مسَائِل مُتَفَرِّقَة مَسْأَلَة الْمسَائِل الَّتِي تتَعَلَّق بِالْقضَاءِ فالفتوى فِيهَا على قَول أبي يُوسُف لِأَنَّهُ حصل لَهُ زِيَادَة علم بالتجربة وَفِي عُمْدَة الْأَحْكَام من كشف الْبَزْدَوِيّ يسْتَحبّ للمفتي الْأَخْذ بالرخص تيسيرا على الْعَوام مثل التَّوَضُّؤ بِمَاء الْحمام وَالصَّلَاة فِي الْأَمَاكِن الطاهرة بِدُونِ الْمصلى وَعدم الِاحْتِرَاز عَن طين الشوارع فِي مَوضِع حكمُوا بِطَهَارَتِهِ فِيهَا وَلَا يَلِيق ذَلِك بِأَهْل الْعُزْلَة بل الْأَخْذ بالإحتياط وَالْعَمَل بالعزيمة أولى بهم وَفِي الْقنية ثمَّ يَنْبَغِي للمفتي أَن يُفْتِي النَّاس بِمَا هُوَ أسهل عَلَيْهِم كَذَا ذكره الْبَزْدَوِيّ فِي شرح الْجَامِع الصَّغِير يَنْبَغِي للمفتي أَن يَأْخُذ بالأيسر فِي حق غَيره خُصُوصا فِي حق الضُّعَفَاء لقَوْله عليه الصلاة والسلام لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ومعاذ حِين بعثهما إِلَى الْيمن يسرا وَلَا تعسرا وَفِي عُمْدَة الْأَحْكَام فِي كتاب الْكَرَاهِيَة سُؤْر الْكَلْب وَالْخِنْزِير نجس خلافًا لمَالِك وَغَيره وَلَو أفتى بقول مَالك جَازَ وَفِي الْقنية فَقِيه يُفْتِي بِمذهب سعيد بن الْمسيب ويزوج للزَّوْج الأول بقيت مُطلقَة بِثَلَاث تَطْلِيقَات كَمَا كَانَت وَيُعَزر الْفَقِيه وفقيه يحتال فِي الطلقات الثَّلَاث وَيَأْخُذ الرشا بذلك ويزوجها للْأولِ بِدُونِ دُخُول الثَّانِي هَل يَصح النِّكَاح وَمَا جَزَاء من يفعل ذَلِك قَالُوا يسود وَيبعد فِي الفتاوي الإعتمادية من فتاوي السَّمرقَنْدِي أَن سعيد بن الْمسيب رَجَعَ عَن قَوْله إِن دُخُول الْمُحَلّل لَيْسَ بِشَرْط فِي التَّحْلِيل فَلَو قضى بِهِ قَاض لَا ينفذ قَضَاؤُهُ وَلَو حكم بِهِ فَقِيه لَا يَصح ويعزز الْفَقِيه وَفِي التُّحْفَة شرح الْمِنْهَاج نقل الْغَزالِيّ الْإِجْمَاع على تخير الْمُقَلّد بَين قولي إِمَامه أَي على جِهَة الْبَدَل لَا الْجمع إِذا لم يظْهر تَرْجِيح أَحدهمَا

ص: 29